CFR.org
ترجمة: علاء غزالة
قالت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس ان العقوبات الدولية على إيران نجحت في ابعاد المستثمرين عن تلك البلاد، مما يؤثر في اقتصادها، ويعزل قيادتها. لكنها واصلت التعبير عن دعمها لتشكيل وحدات رعاية المصالح لتحسين التواصل مع الشعب الايراني. كما اكدت رايس، في مقابلة شاملة مع موقع CFR.org على الجهود الدبلوماسية لحل المسائل المتعلقة بالانتشار النووي لكل من ايران وكوريا الشمالية. وقالت رايس، في معرض اجابتها على التهم المتعلقة بتغيير النظام في العراق، والتي وسمت الجهود الاميركية لمساعدة القوى المؤدية للديمقراطية في ايران: “لن يكون بمقدور الولايات المتحدة ان تغير كل نظام سياسي في العالم.” وقالت ان افضل دور لحكومة الولايات المتحدة هو ان “تعمل على تقوية المجتمع المدني، وتقوية القوى الديمقراطية، وان تحمّل الحكومات المسؤولية امام شعوبها عندما تتخذ اجراءات قاسية ضد هذه القوى.” كما عزت رايس التغييرات الاساسية في الجدل حول الاصلاح الديمقراطي في الشرق الاوسط الى الجهود الاميركية في الدعوة للديمقراطية.
* السيدة وزيرة الخارجية رايس، المدينة مشغولة الان جدا بالتخطيط لحفل تنصيب الرئيس. وفي التنصيب الماضي، اعلن الرئيس عن برنامج جريء للدعوة من اجل الديمقراطية، خصوصا في الشرق الاوسط، وقد كان لكِ دور كبير في ذلك. وفي هذه الايام، لا نسمع الا القليل عن هذا الامر، كما انك ادليتي ببعض التصريحات مثل: «الولايات المتحدة ليست منظمة غير حكومية، وعلينا ان نوزان علاقاتنا مع الانظمة القمعية.» هل في ذلك موافقة ضمنية على ان هناك جوانب سياسية في جدول اعمال الترويج للديمقراطية؟
- يجب ان تبقى الولايات المتحدة صادقة في الترويج للديمقراطية، لان قيمنا ومصالحنا، في غاية الامر، مرتبطة ببعضها بشكل وثيق. لقد تعلمنا ذلك مع انهيار الاتحاد السوفيتي، الامر الذي كان جيدا لقيمنا وممتازا لمصالحنا. لذلك فانا مؤمنة جدا بان هذين الامرين مرتبطان. وفي ظروف السياسة اليومية، فان على المرء ان يوازن الحقائق بانه، نعم، يتوجب عليك في بعض الاحيان ان تتعامل مع الانظمة القمعية. وفي بعض الاحيان عليك التعامل مع الانظمة الصديقة، التي لم تظهر تقدما كما تتمنى لهم، لكن لولا اصرار الولايات المتحدة على المطالبة بانهاء الانظمة الاستبدادية، وان كل رجل وامرأة وطفل يستحق ان يعيش في مجتمع ديمقراطي، لسقطت تلك المفاهيم من الاجندة الدولية. وهذا ما فعله خطاب الرئيس.
ان النقاش في الشرق الاوسط مختلف تماما اليوم عما كان عليه قبل بضعة اعوام كنتيجة، حسب اعتقادي، للدور الاميركي في الترويج للقيم الديمقراطية.
* لنأخذ مصر على سبيل المثال، فقد كانت هناك اشارات مختلطة بان الولايات المتحدة سوف تكون اكثر دعما لوضع ضغوط حقيقية على مصر من اجل الاصلاح الديمقراطي، ولكن حينما آن اوان التنفيذ، كانت مصر اكثر اهمية من الناحية الامنية، وكانت مفيدة في الحوار مع حماس وهكذا. كيف تردين على هذه التساؤلات؟
- يجب عليكَ ان تقوم بالامرين معا. لقد دعوتُ شخصيا وبقوة من اجل الاصلاح الديمقراطي في مصر. سوف تكون مصر بحال افضل، في واقع الامر، واكثر استقراراً آخر المطاف، اذا أولت ثقة اكبر بشعبها. انا اعتقد ان الانتخابات الرئاسية (في ايلول من عام 2005) كانت نوعا مختلفا من الانتخابات عن أي من مثيلاتها التي خاضتها مصر سابقا. فقد كانت هناك انتقادات لسياسات الرئيس على الصفحات الاولى للصحف المصرية. وكانت الاحاديث في المقاهي المصرية غير اعتيادية. ثم جاءت الانتخابات البرلمانية (في كانون الاول من عام 2005) لتمثل، بصراحة، تراجعا. لكني لا اعتقد انكَ ستشهد انتخابات رئاسية في مصر على الطراز القديم للانتخابات الرئاسية على الاطلاق. مثل هذه الاشياء تأتي غالبا بالتدريج. فانت تحصل على الكثير من التقدم لفترة من الزمن، ثم تميل الامور الى الانحدار، ومن ثم تحدث قفزة اخرى. ولكن ما قامت به الولايات المتحدة كان من اجل دعم الاصلاح، ودعم برامج بناء الديمقراطية من خلال برنامج الشراكة الشرق اوسطية. وقد روجنا كلينا (الوزارة وبرنامج الشراكة) مع الحكومات من اجل كل المفاهيم بدءا من خصوصية افراد الشعب الى تغيير القوانين. انت تدعم الاصلاح، لكن التغيير لن يأتي في يوم واحد.
* ماذا عن بلدان مثل ايران، حيث لا توجد اية علاقات مع الحكومة، ولكن هناك اهتمام كبير في رعاية قوى الديمقراطية الناشئة هناك؟ يبدو ان الاستجابة لبرامج الترويج للديمقراطية، تحديدا، غير موفقة. فالناشطون الايرانيون مثل اكبر غانجي وشيرين عبادي وآخرون يقولون ان هذه الجهود اصطبغت بصورة تغيير النظام. كيف تتعاملين مع هذا الارتباط المزعج بين الترويج للديمقراطية والتهديد بتغيير النظام في بلد مثل ايران؟
- انا مؤمنة صلبة بان التغيير، في معظمه، سوف ياتي من الداخل آخر المطاف. وما تستطيع الولايات المتحدة فعله هو مساعدة وتقوية المجتمع المدني، وتقوية القوى الديمقراطية، وتحميل الحكومة المسؤولية امام شعبها عندما تتخذ اجراءات قاسية ضد هذه القوى. لكن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تغيير كل نظام سياسي في العالم. حينما كانت هناك ظروف مثل التي في العراق، حيث كان صدام يمثل تهديدا للمنطقة، وتهديدا لمصالحنا، حينما جرّنا الى الحرب مرتين، وحينما استخدم اسلحة التدمير الشامل. عليك التعامل مع التهديد الامني هناك، اعتقد ان عليك التزاما، طالما انك اشتركت في تغيير النظام لاسباب امنية، ان تصر على ان ما يأتي خلفا له يجب ان يكون نظاما ديمقراطياً، وعلى هذا فان الولايات المتحدة لم تتخذ طريقا سهلا في العراق، وهو ان تطيح بصدام وتنصب رجلا قويا آخر، لقد اتخذنا الطريق الاصعب المتمثل بمساعدة العراقيين على تطوير مؤسساتهم الديمقراطية، وهم الان سائرون على الطريق.
* حينما تذكرين العراق وايران يلوح في الافق توازيا للاحداث يبعث على الاهتمام. فالجولة الاخيرة من العقوبات تغطي الاستخدام المزدوج للمواد النووية، هناك حركة متزايدة لعزل ايران. هل اننا نتطلع الى آخر هذا الطريق من نظام العقوبات التي تراقبها الامم المتحدة والتي ستحاول ان تضع ايران في صندوق كما كان الامر بالنسبة للعراق؟
- هناك اختلاف بالنسبة للعقوبات على ايران. نعم، هناك عقوبات فرضها مجلس الامن الدولي، لكنها عموما موجهة ضد الكيانات الايرانية التي تعمل على نشر البرنامج النووي، او تلك التي انخرطت في الارهاب، مثل تمويل قوة القدس وقوة الحرس الثوري الايراني. هذه العقوبات تتبع الملكيات الفردية للاشخاص المتورطين في هذه النشاطات، لقد حاولنا صياغة العقوبات بحيث لا يكون لها تأثير على الشعب الايراني، لكنها تؤثر في الاقتصاد الإيراني، لان إيران غير قادرة على اجتذاب الاستثمارات او الدعم الاستثماري، على سبيل المثال، من بلدان في اوربا. وقد غادرت جميع الشركات النفطية الغربية. وكانت شركة (توتال) آخر المغادرين. وهكذا فان المخاطرة بالسمعة، والمخاطرة بالاستثمار دفعت المستثمرين الى الخروج من ايران. تختلف هذه العقوبات نوعا عن العقوبات الشاملة التي فرضت على العراق.
* لقد كنت مؤيدة لان تفتح الولايات المتحدة مكتبا لرعاية المصالح في ايران، وذلك لمحاولة خلق ارتباط مع ايران. لكن احداثا مختلفة افسدت هذه الامر خلال الصيف الماضي. ما كان رد الفعل الذي تلقيته من المسؤولين الايرانيين؟
- لم نقترح هذا الامر رسميا ابدا. لقد اتخذ الرئيس قرارا من حيث المبدأ، وبدأنا بالعمل، ثم كما قلتَ، جاء الاحتلال الروسي لجورجيا، وبعدها المعارضة الايرانية لاتفاقية وضع القوات مع العراق (صوفا)، مما صرف النظر عنه، لكننا لم نسأل الايرانيين حقا، لذا لا نعلم ماذا كانوا سيقولون، سمعنا في بعض الاحيان، حتى من خلال تصريحات علنية، انهم سوف يكونون على استعداد للنظر في الامر، لكن الهدف من ذلك كان دائما الشعب الايراني. الهدف كان دائما ضمن جهودنا في التقرب اليهم، لكي نجعل الحصول على تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة اسهل عليهم، ولكي يكون لديهم اصدقاء في الولايات المتحدة، وذلك يشبه الى حد كبير ما تقوم به شعبة رعاية المصالح في هافانا (كوبا). وفي سياق السياسة الحازمة ضد النظام، فان من المعقول تشكيل شعبة لرعاية المصالح من شأنها ان تمهد ارضية للتواصل مع الشعب الايراني. اما السؤال فيما اذا كان الايرانيون سوف يوافقون اخيرا، لا ادري، لكني أملت انهم سوف يفعلون. وان لم يفعلوا فان ذلك يقول شيئا عن سياساتهم.
* حول الملف الكوري، الذي كنت تتعاملين معه في الفترة الاخيرة، هل لك ان تبيني ما قيمة سياسة الولايات المتحدة في التواصل التي اعلنت في السنتين الاخيرتين؟ كيف لك ان تشرحي انه على الرغم من التراجع الاخير، فان الامر كان يستحق المحاولة؟
- لقد بدأتَ باقرار حقيقة انهم لم ينتجوا البولتونيوم منذ الاتفاق السداسي في ايلول من عام 2005، وهذه نقطة مهمة، وقد اغلقوا المفاعل في يونغبيون. وقد عطلوا اجزاءا منه، إضافة الى برج التبريد. انه ليس تعطيل دائم كما كنا نرغب، لكنها سلسلة من الخطوات المهمة. وقد فاوضنا حول (بروتوكول التحري)، والذي وافقوا عليه. ولسوء الحظ، فان بعض التوضيحات التي قدموها لنا في الخفاء كان يجب ان تضاف حتى لا يكون هناك ثغرات في بروتوكول التحري، لكنهم رفضوا ان يكتبوها. وهذا ما ادى الى الانهيار. لكن، مع ذلك، فان للامر اهمية لان الكوريين الشماليين هم في موقف يواجهون فيه كلا من روسيا والصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، لذا فانهم لا يستطيعون ان يجعلوا من تلك مجرد مشكلة عرضية مع الولايات المتحدة. كما ان شحنات النفط التي يحتاجونها، لا تأتي فقط من الولايات المتحدة ولكن من كوريا الجنوبية أيضاً، وطالما ان كوريا الجنوبية اوضحت بجلاء ان علاقتها مع كوريا الشمالية تعمتد، جزئيا، على التقدم في نزع السلاح النووي، فان الشماليون لن يكون بمقدورهم التمتع بمنافع معينة بينما يواصلون التمسك بالملف النووي. لكن تم تحقيق الكثير هنا. ففي سياق المحادثات السداسية، سوف يتم التوصل في اخر الامر الى بروتوكول التحري الذي يسمح لنا التعامل مع الكثير من النشاطات المقلقة، وقد علمنا بالكثير منها في أثناء تقدم العملية الدبلوماسية.
* واحدة من كبريات مظاهر ما يسمى بـ»التحول في الدبلوماسية» هي المساعدة الخارجية. لكن هناك عددا من الخبراء الذين يقولون انه من اجل فعل ذلك عليك التخلص من الالتزامات المتداخلة، وحتى تأسيس مكتب على مستوى الوزارات للاشراف على تقديم المساعدات. هل من فائدة في ذلك؟
- انا لا افضل ذلك، لان مساعدات التنمية يجب ان تكون جزءا من سياسة خارجية اوسع، والتي تربط بين التنمية والديمقراطية وامن الشعوب. اذا اردت ان تتبع التنمية في الدول ذات الديمقراطيات المحكمة، فانها لابد ان تكون قد حصلت على نوع من المساعدات من الولايات المتحدة، والتي تمكنها من توفير خدمات جيدة وتعليما جيدا لشعوبها، ويجب ان تتكامل مع السياسات لتقديم دعم جيد للحكومات. كما يتوجب ان تكون في بيئة آمنة. لذلك ففي مكان مثل كولومبيا، انت تتكلم عن السياسة التجارية، انت تتحدث عن النمو الاقتصادي، ان تتكلم عن الحكم، وتتحدث عن المساعدات الاجنبية والمساعدات الامنية. هذه سلة واحدة. وحدها وزارة الخارجية (الاميركية) ووزيرة الخارجية تستطيع ان تجمع كل ذلك سوية لصالح الولايات المتحدة الاميركية. انا لا ارغب حقا في ان اكون وزيرة للخارجية بدون قدرة على منح المساعدات الاجنبية كأداة تساعد في جلب والترويج للديمقراطية او الامن او بناء الامم بعد الصراعات. سوف تكون المهمة صعبة بدون توفر أداة المساعدات الاجنبية.
* لقد كانت هناك الكثير من النقاشات بين كلا الحزبين، والخبراء في الجيش كذلك، حول طريقة غولدووتر-نيكولز (قرار الكونغرس عام 1986 الذي حسن من التعاون العسكري) في التعاون بين المدنيين والعسكريين. وتحديدا، فان اكثر الدراسات التي تجرى الان حول بناء الامم تدور حول العراق وافغانستان. هل هناك حاجة رسمية لعملية تمكن من تحسين التعاون بين الاثنين؟
- لقد كان لدينا تنسيق جيد جدا، لقد تعلمنا القيام بذلك بالطريقة الصعبة، من خلال التجربة. هذا هو الغرض من (فيالق الاستجابة المدنية)، انها الحاجة الى المدنيين الذي يمكن تعبئتهم لمساعدة البلدان في بناء نظام ضريبي او نظام موازنات او العمل لاصلاح النظام القضائي او تدريب الشرطة. هذا هو السبب في ان المؤسسات التي تقيمُ الان في وزارة الخارجية (الاميركية) يمكن ان تكون مبادرات مهمة جدا. لاننا، بصراحة، حاولنا في البلقان من خلال الامم المتحدة، ولكن محاولتنا لم تفلح. وحاولنا في افغانستان من خلال ما ادعوه طريقة (تبنّي الوزارة لكل بلد على حدة). اننا نعيش مع بعض تداعيات ذلك الان، على الرغم من انه من المدهش ان تحصل على مساهمة جميع هذه الدول، انها حقا ليست بالجهود المتماسكة. ثم جاء العراق، حيث كانت وزارة الدفاع (الاميركية) مسؤولة عنه ولكنها لم تكن حقا الجهة الصحيحة لتولي المهمة. لكن اعطاء وزارة الخارجية الاشراف على جهود الولايات المتحدة في هذا المضمار مكنها من تعبئة المدنيين الذين يمتلكون خبرات متخصصة تمس الحاجة لها، والتي سوف تفلح في اداء عملها. كما اطلقنا ايضا برنامجا رائدا في فرق اعادة اعمار المحافظات، حيث يعمل العسكريون وموظفو المساعدات المدنية والخبراء في الحكم المحلي سوية في مناطق مثل محافظة الانبار في العراق وفي اجزاء من افغانستان مثل محافظة قندهار. هذه هي حقا الطريقة التي بنيت بها هذه المؤسسات.
وكما تعلم، كان هناك نوع من سوء الفهم عن ما حدث عام 1947 حينما اقر الكونغرس قانون الامن الوطني، والذي شكل جميع المؤسسات التي نعرفها الان. لم يتم تشكيل هذه المؤسسات من مخيلة شخص ما. لقد كانت وكالة الاستخبارات الاميركية هي (مكتب الخدمات الستراتيجية)، والتي نمت خلال الحرب العالمية الثانية. اما مجلس الامن القومي فقد كان مجلس الحرب في أثناء فترة الرئيس روزفلت، لانه اراد تنسيقا افضل. وتم انشاء وزارة الدفاع بعد الاستياء من عدم قدرة وزارة البحرية ووزارة الحرب على العمل سوية بشكل جيد. وعلى هذا، بينما اتفهم الرغبة في جعل جميع هذه الجهات تعمل بشكل افضل، فان لدينا الكثير من المبادرات التي نحن بحاجة الى العمل عليها وتحتاج الى دفعها للامام. نحن نتعلم. لقد تعلمنا بالطريقة الصعبة ان مقارعة التمرد، وهو اغلب ما نفعله حول العالم، هي ليست مجرد حرب يتبعها سلم. ان لها مدى واسعا. ثم، نعم، يجب على المدنيين والعسكريين ان يتعاونوا بشكل افضل، لكن لديك وزارتين متميزتين ولديك مهمات متميزة جدا ومجموعتين من الصلاحيات المتميزة جدا. وما استطعنا فعله هو ندمج ذلك من خلال آليات متنوعة بدون ان نجرد وزارة الخارجية من قدراتها او مهماتها او الاخلال في مهمة جيشنا. انا افضل ستراتيجية الدمج التي نتبعها حاليا.
* كانت هناك حالات اجرت فيها الولايات المتحدة محادثات مستمرة، مثل كوسوفو وجورجيا-ابخازيا ونظام الدفاع الصاروخي. يبدو انها جميعا تغلي خلال هذا العام. وبعض الاستجابات كانت تتمثل بان روسيا تعرضت للاهمال، وانه لم يتم وضع اعتبار حقيقي للمصالح الروسية ما ادى الى خروج الامور عن السيطرة، ما رأيك في ما حصل؟
- أولا، انتهت قضية كوسوفو بخير. ، لقد ولدت دولة كوسوفو المستقلة وان لم يوافق الروس.
* لكنها تبقى دولة مقسمة.
- لكن الحقيقة هي ان المجتمع العالمي باجمعه علم ان كوسوفو لم تكن لتستمر بالطريقة التي كانت عليها. ولربما لن يكون بامكانك دوما ان تحصل على الموافقة على شيء مثل ذلك.
لكني دعني اعود الى قضية روسيا. لدينا الان تعاون جيد جدا مع روسيا في القضايا العالمية، سواء كانت بشأن الإرهاب او منع الانتشار النووي او حتى ايران وكوريا الشمالية. لقد رعينا مع روسيا قرارا حول الشرق الاوسط في الامم المتحدة قبل يومين، في شأن القرصنة. سمّها ما شئت، وعلى الجبهة العالمية، كان لدينا تعاون جيد جدا. لكن المشاكل تبدأ حينما تقترب من المناطق المحاذية لروسيا، او الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق، لان روسيا ترى انه يجب ان يكون لها دور خاص في (اطرافها). وهذا الدور الخاص يتمثل في التحكم في سياسات هذه الدول التي تعتبر مستقلة الان. اما موقفنا فان هذه الدول تمتلك الحق في سياسة مستقلة، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
لم نعتقد ابدا انه بسبب ان الولايات المتحدة تحافظ على علاقات جيدة مع جورجيا او اوكرانيا او اسيا الوسطى فان ذلك، بطريقة ما، يهدد المصالح الروسية، وذلك هو المكان الذي حدثت فيه مشكلة.
Wednesday, December 31, 2008
على الرغم من تحسن الوضع الأمني.. تبقى الموصل ساحة للمعركة
عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة:علاء غزالة
تقلصت الهجمات بشكل ملحمي في عموم العراق، لتنخفض بنسبة 80% منذ آذار الماضي، حينما اشتبكت القوات الاميركية والعراقية مع المتمردين ورجال المليشيات في قتال مرير، واليوم تبدو الظروف، في الكثير من انحاء البلاد، مهيأة لبدء انسحاب القوات الاميركية من العراق، وللقوات العراقية ان تتولى الزمام. لكن العنف في المدينة الشمالية، الموصل، مازال مستشرياً، وتواصل القوات الاميركية قتال فلول تنظيم القاعدة في العراق، والذي يَعتبر هذه المدينة مجالا حيويا لنشاطاته، واعلن فيها ولاية اسلامية.
كما اضاف موقع المدينة قرب الحدود السورية اهمية خاصة لها، حيث يَعبر المقاتلون الاجانب من هذه الحدود الى العراق. والمكاسب الامنية هنا هشة، ولا يستطيع القادة العراقيون ولا قادة الجيش الاميركي احتمال رؤية عودة المدينة الى ايدي المتمردين.
ولهذا فحينما يحين موعد انسحاب القوات الاميركية الى قواعدها في حزيران القادم حسب الاتفاقية مع الحكومة العراقية، فان هناك احتمالا كبيرا في أنها ستبقى على وضعها في الموصل، حسبما افاد مسؤولون اميركيون وعراقيون.
يقول زهير الاعرجي، قائمقام الموصل: لا يمكننا العمل بدون الاميركيين في هذه الظروف. فحكومتنا لا تزال ضعيفة جدا لكي تساند القوات الامنية العراقية بالكامل، وكان الجنرال راي ادويرنو، قائد القوات الاميركية في العراق قد صرح السبت الماضي بانه على الرغم من الاتفاقية الامنية المشتركة التي تدعو الى سحب القوات الاميركية من المدن، الا ان بعض الالوية سوف تبقى قرب المدن، مضيفاً: من المهم ان نحافظ على وجود كافٍ هنا حتى نساعدهم في ان يقفوا على اقدامهم خلال هذه السنة الانتقالية.
واقرّ الجنرال اوديرنو بان الموصل هي احدى الاماكن التي يمكن ان يبقى فيها الجيش الأميركي، قائلاً: ما تزال هناك بعض القضايا في الموصل والتي نحتاج الى التعامل معها.
وكان البرلمان العراقي قد صادق على الاتفاقية الأمنية (التي تسمى اتفاقية انسحاب القوات –صوفا) في شهر تشرين الثاني بعد اشهر عديدة من المداولات، وهي تتيح للقوات الاميركية ان تبقى تمارس نشاطاتها في المدن العراقية، طالما طلبت منها الحكومة العراقية ذلك.
يقول احد المسؤولين الأميركيين، طلب عدم الافصاح عن هويته: لم يحصل في التاريخ ان نعقد اتفاقية امنية تحدد لنا جدولا زمنيا لكي نجلي قواتنا، ويقول مسؤولون عسكريون أميركيين ان من المرجح ان تبقى القوات الاميركية في مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى المبتلية بالعنف، ومن المحتمل ان تبقى في اجزاء من تكريت.
يقول العقيد ديلدار دوسكي، وهو احد ضباط الجيش العراقي: الموصل هي عراق مصغر، لدينا كل اللهجات المختلفة، والاديان المتنوعة.. ولهذا السبب فان من الصعب السيطرة على الموصل.
ويستطرد العقيد دوسكي، وهو امر اللواء الثاني في الفرقة الثانية للجيش العراقي: أريد ان يبقى الأميركيون، فجيشنا ما يزال ناشئا، ونحن بحاجة على اعوام قليلة اخرى.
وعلى الرغم من الخطر الدائم الكامن في عدم التفاهم بين الجنود الاميركيين والشعب العراقي، الذي لاتزال ثقافته غريبة عليهم، الا ان الوجود الاميركي هنا كان بمثابة الغراء الذي يَقي طوائف الموصل من التباعد عن بعضها البعض.
ويقول الجنود الاميركيون في الميدان، كما يقول قادتهم ايضا، ان القوات العراقية، التي تضاعف عددها خلال السنة الماضية، قد حققت خطوات هائلة منذ ان قدِموا الى العراق.
يؤكد ذلك ضابط الصف كريستوفر شيرمان المنتسب الى الكتيبة الثالثة من فرقة الخيالة المدرعة الثالثة بالقول: في الأشهر القلائل الأولى منذ ان قدمنا هنا كان هناك قتل كل يوم. وكان من الصعب ان تحملهم (القوات العراقية) على الخروج (للقتال).
ويضيف، وهو يتطلع الى طريق تم اعادة انشائه، وكان خطرا جدا بالنسبة للاميركيين والعراقيين على حد سواء حينما وصلت وحدته العسكرية الى هنا قبل اكثر من سنة: «اما الان فهم يتخذون الموقف على عاتقهم، وحينما نأتي هنا عادة، نرى انهم يبقون مرتدين الزي النظامي في معظم الوقت، ويؤدون عملهم، ويفتشون المركبات، هؤلاء الرجال يفتخرون بما يفعلون.
وفي أوائل هذا العام، قامت الوحدات الاضافية الاميركية والعراقية بتحقيق الاستقرار في بغداد ودفعت بالمتمردين نحو الشمال.
يقول الميجر ادم بويد، ضابط استخبارات الفرقة: في اشد الأوقات كان هناك اكثر من 50 هجوما في اليوم الواحد. اما الان فالهجمات اقل من عشرة في اليوم، وفي معظم الايام لا تزيد عن خمسة.
ويأمل المسؤولون ان تساعد الانتخابات المقررة في كانون الثاني على تحقيق الاستقرار للمدينة، التي غذا التمرد فيها عوامل منها البطالة والتأثيرات المزمنة لحلّ الجيش السابق وعملية اجتثاث البعث. ويُقدر انه كان هناك 1500 ضابط عراقي برتبة عميد فما فوق في الموصل وحدها حينما حلّت الولايات المتحدة الجيش بعد ان اسقطت نظام صدام.
ويقول الميجر بويد: الكل في هذه المدينة يريد الانتخابات، حتى المتمردين. فهم لا يريدون ان يفعلوا اي شي قد يفقدهم الدعم الذي يمكن ان يحصلوا عليه من الشعب. يمكنك ان ترهب الشعب الى حد معين، ولكن اذا تجاوزت حدودك فلن تكون لديك ارضية كافية من الاسناد التي تساعدك على القيام بالعمليات (الإرهابية).
وبينما يُرجح ان يبقى الامريكيون هنا لبعض الوقت، فان بانتظارهم الكثير من النكسات، حيث سوف تتخذ القوات الامنية العراقية المزيد من المسؤوليات، وقبل فترة وجيزة، عَلِق الجنود الاميركيون في قتال بالبنادق وسط موكب عرس.
فقد عبر موكب العرس نقطة تفتيش عراقية، مع اطفال يلوحون بايديهم، وسائقين يزمرون ابواق سياراتهم كاشارة على الاحتفال. كما خطت كلمة (حب) بالورود الحمر البلاستيكية على مقدمة احدى السيارات.
وبعد اقل من دقيقة بدأ اطلاق النار، وكان من الصعب تحديد مصدر النار من المدرعة العسكرية القريبة. فاستجاب الجنود الاميركيون بوابل من بنادقهم الالية على مصدر النار، الذي بدا انه آتيا من بناية مهجورة.
وحينما توقف اطلاق النار، قفز الملازم جون بارلي الى خارج المدرعة لاستطلاع ما حدث للتو. لم يصب احد في هذا الحادث.
وهتف الملازم غاضبا، موجها الكلام الى عناصر الجيش العراقي المسؤولين عن نقطة التفتيش: احد عناصر الشرطة اطلق النار علينا.
فما كان من الملازم سعيد محمد الا ان يأخذ البندقية من احد رجال الشرطة الذي كان يطلق النار في الهواء احتفالا بالعرس. وقال المسؤولون لاحقا ان احد المتمردين اطلق النار في نفس الوقت من بناية قريبة.
يقول السرجنت رايان مادريس، ضابط الصف في الجيش الاميركي الذي قاد المدرعة مبتعدا عن نقطة التفتيش: اننا جميعا نحاول ان نفعل الصواب، لكن من الصعب تحديد مَن يفعل ذلك.
ترجمة:علاء غزالة
تقلصت الهجمات بشكل ملحمي في عموم العراق، لتنخفض بنسبة 80% منذ آذار الماضي، حينما اشتبكت القوات الاميركية والعراقية مع المتمردين ورجال المليشيات في قتال مرير، واليوم تبدو الظروف، في الكثير من انحاء البلاد، مهيأة لبدء انسحاب القوات الاميركية من العراق، وللقوات العراقية ان تتولى الزمام. لكن العنف في المدينة الشمالية، الموصل، مازال مستشرياً، وتواصل القوات الاميركية قتال فلول تنظيم القاعدة في العراق، والذي يَعتبر هذه المدينة مجالا حيويا لنشاطاته، واعلن فيها ولاية اسلامية.
كما اضاف موقع المدينة قرب الحدود السورية اهمية خاصة لها، حيث يَعبر المقاتلون الاجانب من هذه الحدود الى العراق. والمكاسب الامنية هنا هشة، ولا يستطيع القادة العراقيون ولا قادة الجيش الاميركي احتمال رؤية عودة المدينة الى ايدي المتمردين.
ولهذا فحينما يحين موعد انسحاب القوات الاميركية الى قواعدها في حزيران القادم حسب الاتفاقية مع الحكومة العراقية، فان هناك احتمالا كبيرا في أنها ستبقى على وضعها في الموصل، حسبما افاد مسؤولون اميركيون وعراقيون.
يقول زهير الاعرجي، قائمقام الموصل: لا يمكننا العمل بدون الاميركيين في هذه الظروف. فحكومتنا لا تزال ضعيفة جدا لكي تساند القوات الامنية العراقية بالكامل، وكان الجنرال راي ادويرنو، قائد القوات الاميركية في العراق قد صرح السبت الماضي بانه على الرغم من الاتفاقية الامنية المشتركة التي تدعو الى سحب القوات الاميركية من المدن، الا ان بعض الالوية سوف تبقى قرب المدن، مضيفاً: من المهم ان نحافظ على وجود كافٍ هنا حتى نساعدهم في ان يقفوا على اقدامهم خلال هذه السنة الانتقالية.
واقرّ الجنرال اوديرنو بان الموصل هي احدى الاماكن التي يمكن ان يبقى فيها الجيش الأميركي، قائلاً: ما تزال هناك بعض القضايا في الموصل والتي نحتاج الى التعامل معها.
وكان البرلمان العراقي قد صادق على الاتفاقية الأمنية (التي تسمى اتفاقية انسحاب القوات –صوفا) في شهر تشرين الثاني بعد اشهر عديدة من المداولات، وهي تتيح للقوات الاميركية ان تبقى تمارس نشاطاتها في المدن العراقية، طالما طلبت منها الحكومة العراقية ذلك.
يقول احد المسؤولين الأميركيين، طلب عدم الافصاح عن هويته: لم يحصل في التاريخ ان نعقد اتفاقية امنية تحدد لنا جدولا زمنيا لكي نجلي قواتنا، ويقول مسؤولون عسكريون أميركيين ان من المرجح ان تبقى القوات الاميركية في مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى المبتلية بالعنف، ومن المحتمل ان تبقى في اجزاء من تكريت.
يقول العقيد ديلدار دوسكي، وهو احد ضباط الجيش العراقي: الموصل هي عراق مصغر، لدينا كل اللهجات المختلفة، والاديان المتنوعة.. ولهذا السبب فان من الصعب السيطرة على الموصل.
ويستطرد العقيد دوسكي، وهو امر اللواء الثاني في الفرقة الثانية للجيش العراقي: أريد ان يبقى الأميركيون، فجيشنا ما يزال ناشئا، ونحن بحاجة على اعوام قليلة اخرى.
وعلى الرغم من الخطر الدائم الكامن في عدم التفاهم بين الجنود الاميركيين والشعب العراقي، الذي لاتزال ثقافته غريبة عليهم، الا ان الوجود الاميركي هنا كان بمثابة الغراء الذي يَقي طوائف الموصل من التباعد عن بعضها البعض.
ويقول الجنود الاميركيون في الميدان، كما يقول قادتهم ايضا، ان القوات العراقية، التي تضاعف عددها خلال السنة الماضية، قد حققت خطوات هائلة منذ ان قدِموا الى العراق.
يؤكد ذلك ضابط الصف كريستوفر شيرمان المنتسب الى الكتيبة الثالثة من فرقة الخيالة المدرعة الثالثة بالقول: في الأشهر القلائل الأولى منذ ان قدمنا هنا كان هناك قتل كل يوم. وكان من الصعب ان تحملهم (القوات العراقية) على الخروج (للقتال).
ويضيف، وهو يتطلع الى طريق تم اعادة انشائه، وكان خطرا جدا بالنسبة للاميركيين والعراقيين على حد سواء حينما وصلت وحدته العسكرية الى هنا قبل اكثر من سنة: «اما الان فهم يتخذون الموقف على عاتقهم، وحينما نأتي هنا عادة، نرى انهم يبقون مرتدين الزي النظامي في معظم الوقت، ويؤدون عملهم، ويفتشون المركبات، هؤلاء الرجال يفتخرون بما يفعلون.
وفي أوائل هذا العام، قامت الوحدات الاضافية الاميركية والعراقية بتحقيق الاستقرار في بغداد ودفعت بالمتمردين نحو الشمال.
يقول الميجر ادم بويد، ضابط استخبارات الفرقة: في اشد الأوقات كان هناك اكثر من 50 هجوما في اليوم الواحد. اما الان فالهجمات اقل من عشرة في اليوم، وفي معظم الايام لا تزيد عن خمسة.
ويأمل المسؤولون ان تساعد الانتخابات المقررة في كانون الثاني على تحقيق الاستقرار للمدينة، التي غذا التمرد فيها عوامل منها البطالة والتأثيرات المزمنة لحلّ الجيش السابق وعملية اجتثاث البعث. ويُقدر انه كان هناك 1500 ضابط عراقي برتبة عميد فما فوق في الموصل وحدها حينما حلّت الولايات المتحدة الجيش بعد ان اسقطت نظام صدام.
ويقول الميجر بويد: الكل في هذه المدينة يريد الانتخابات، حتى المتمردين. فهم لا يريدون ان يفعلوا اي شي قد يفقدهم الدعم الذي يمكن ان يحصلوا عليه من الشعب. يمكنك ان ترهب الشعب الى حد معين، ولكن اذا تجاوزت حدودك فلن تكون لديك ارضية كافية من الاسناد التي تساعدك على القيام بالعمليات (الإرهابية).
وبينما يُرجح ان يبقى الامريكيون هنا لبعض الوقت، فان بانتظارهم الكثير من النكسات، حيث سوف تتخذ القوات الامنية العراقية المزيد من المسؤوليات، وقبل فترة وجيزة، عَلِق الجنود الاميركيون في قتال بالبنادق وسط موكب عرس.
فقد عبر موكب العرس نقطة تفتيش عراقية، مع اطفال يلوحون بايديهم، وسائقين يزمرون ابواق سياراتهم كاشارة على الاحتفال. كما خطت كلمة (حب) بالورود الحمر البلاستيكية على مقدمة احدى السيارات.
وبعد اقل من دقيقة بدأ اطلاق النار، وكان من الصعب تحديد مصدر النار من المدرعة العسكرية القريبة. فاستجاب الجنود الاميركيون بوابل من بنادقهم الالية على مصدر النار، الذي بدا انه آتيا من بناية مهجورة.
وحينما توقف اطلاق النار، قفز الملازم جون بارلي الى خارج المدرعة لاستطلاع ما حدث للتو. لم يصب احد في هذا الحادث.
وهتف الملازم غاضبا، موجها الكلام الى عناصر الجيش العراقي المسؤولين عن نقطة التفتيش: احد عناصر الشرطة اطلق النار علينا.
فما كان من الملازم سعيد محمد الا ان يأخذ البندقية من احد رجال الشرطة الذي كان يطلق النار في الهواء احتفالا بالعرس. وقال المسؤولون لاحقا ان احد المتمردين اطلق النار في نفس الوقت من بناية قريبة.
يقول السرجنت رايان مادريس، ضابط الصف في الجيش الاميركي الذي قاد المدرعة مبتعدا عن نقطة التفتيش: اننا جميعا نحاول ان نفعل الصواب، لكن من الصعب تحديد مَن يفعل ذلك.
Tuesday, December 23, 2008
الفلاحون العراقيون يعودون إلى مزاولة الزراعة
عن: جريدة مكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
يعطي مزيج (منصور عبد الكاظم) من المحاصيل الشتوية الانطباع بان المحصول سيكون وفيرا، برغم التهديد المزدوج من الجفاف والعنف اللذين ابتليت بهما الزراعة منذ سقوط نظام صدام في عام 2003. زرعت خطوط من البطاطا الحمراء والبقول الخضر معاً على نفس الخط، وتشرئب الحنطة في حقل مجاور، بينما تحمل الطماطة التي زرعت في الربيع ثمارها وسط اكوام من الاسمدة. يبدو كاظم متفائلا وهو يتطلع الى الحقول، وذلك –في اقل تقدير– لان الايام التي كانت الحكومة تلزم المزارعين فيها بانتاج الحنطة قد ولت. وهو يعتقد ان هذا سوف يعطيه فرصاً اكبر لربح اموال اضافية عن طريق بيع منتجات ذات قيمة اكثر.
يقول عبد الكاظم، البالغ من العمر 37 عاما، والذي دأبت عائلته على زراعة هذه الارض الواقعة جنوبي بغداد منذ عقود: «لست مقيدا باية شروط حكومية. انا حر في استثمار الارض بالطريقة التي اراها.»
وقد افاد كاظم من انخفاض العنف لكي يعمل على تأهيل القنوات البالية وتحسين انتاج مزرعته، كعضو في جميعة فلاحية تضم 700 عضو. وهو يمثل نزعة يأمل الكثيرون ان تزداد في انحاء البلاد، من اجل توفير فرص العمل واعادة الوضع التاريخي للعراق كونه سلة الخبز لعموم منطقة الشرق الاوسط.
وكما يتبين من مزرعة عبد الكاظم في محافظة بابل، التي كانت منذ وقت قريب جزءا مما يعرف بـ(مثلث الموت)، فانها يمكن ان توفر نوعا من (صحن السَلَطة) للعراق اذا استمر السلام واستطاع المزارعون ان يستثمروا اراضيهم.
يقول باتريك برويلز، المستشار في وزراة الزراعة الاميركية، والذي يعمل في المنطقة المحيطة بمزرعة عبد الكاظم: «يمكنهم ان يحولوا محافظة بابل الى مركز زراعي مثل وادي فريسنو (في ولاية كاليفورنيا)».
لكن مجموعة من الخبراء الاميركيين الذين عملوا في البلاد منذ عام 2003 يقولون ان هذه الرؤية لن تحقق قبل عقد آخر من الزمن في احسن الاحوال. وهم يعملون على دعم القطاع الزراعي في العراق لان دوره حيوي في خلق فرص العمل، حيث يوفر هذا القطاع ما مقداره ربع عدد الوظائف في العراق.
وتتمتع البلاد بخيرات عدة، منها ظروف الزراعة الملائمة على مدى عشرة اشهر، والارض الخصبة، ونهران وفرا احتياجات الري في العراق على مدى الالاف من الاعوام: دجلة والفرات.
يقول جوزيف كينغ، مدير مشروع ابحاث الزراعة في العراق، والذي تولاه معهد بورلانغ للزراعة العالمية، التابع لجامعة تكساس: « النظام الاساسي للزراعة موجود هناك ، غير انه في حالة من التخبط.»
ان اكبر العراقيل الرئيسة التي يمكن ان تبقي العراق مستوردا لغذائه في المستقبل المنظورهي:
- النقص في الطاقة الكهربائية والوقود، وهو ما يمنع المزارعين من ضخ الماء من الابار.
- عدم كفاءة نظام توصيل الماء من دجلة والفرات الى المزارع. فمزرعة عبد الكاظم تمر بها قناة كبيرة حفرت من قبل البريطانيين في الثلاثينيات، إضافة الى قناة ثانية بوضعية مزرية حفرت قبل 30 عاما من قبل شركة تركية. ويقول عبد الكاظم ان كلا منهما بحاجة الى صيانة مستمرة.
- نضوب موارد البذور والماشية، والتي ابتليت اولا بالحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات ومن ثم بالعقوبات التي فرضتها الامم المتحدة عقب غزو العراق للكويت عام 1990، ودامت على مدى العقد التالي. يقول برويلز: «في الاساس، فان كل محصول ينتج في العراق كان هناك نوع آخر افضل منه يمكن استنباته».
- عدم كفاءة نظام البزل في الكثير من الحقول الزراعية والذي ادى الى ازدياد الملوحة في الارض الزراعية مع الزمن محيلا اياها الى ارض بور.
- النقص في عدد عناصر حماية الحدود المطلوبين لمنع المنتجات السورية او الايرانية او التركية من غزو الاسواق العراقية وتعريض المحاصيل العراقية الى الخطر.
ان هذه التحديات هي من الشدة بمكان بحيث ان المسؤولين الاميركيين والعراقيين يعملون على التعامل مع كل منها على حدة بدلا من توليها كلها مرة واحدة.
يقول ادوين بريس، مدير معهد بورلانغ: «لن نستطيع ان نغير ذلك في ستة اشهر. لن نستيطع ان نغير ذلك في ثلاث سنوات.»
درس الفريق من معهد بريس وضع الزراعة في المحافظات العراقية على مدى العام الماضي، واعطوا توصيات مفصلة لكل منها.تركز هذه التوصيات على ارشاد الفلاحين بدلا من الدعوة الى تغييرات فورية في الطريقة التي يدير فيها العراقيون قطاعهم الزراعي. احد المشاريع التي اطلقتها هو ما يسمى بنوادي الشباب في جنوب محافظة بابل، حيث يعمل الطلاب مع بعضهم بعضا في تربية الدواجن.
ولدى وزارة الخارجية ستراتيجية مماثلة. فهي تستثمر في برنامج الارشاد الزراعي العراقي لنشر المعرفة حول آخر التقنيات الزراعية.يقول احد المسؤولين في السفارة الاميركية، طلب عدم ذكر اسمه: «الدليل بالنسبة لي يكون حينما يكون الجميع سعداء في ايراداتهم من الزراعة. فالهدف، آخر الامر، يكمن في توفير المردود الكافي للناس حتى لا يطلقوا النار على بعضهم بعضاً، او علينا.»
يلاحظ بريس ان هناك طلباً اقليمياً على منتجات عراقية بعينها، مثل التمور والباذنجان والخيار والباميا. وقد شجع المزارعين على التركيز على هذه المحاصيل، والتي يمكن لها ان تحقق ايرادات اكبر لهم، وتستهلك قدرا اقل من الماء، من محاصيل الحبوب. كما تعتبر تربية الاغنام العراقية ضعيفة ايضا.
وللعراقيين تقدير خاص للمحاصيل المنتجة محليا. فالكثير من العراقيين يعتقدون ان منتجاتهم، ببساطة، لها طعم افضل من تلك التي تستورد من سوريا وايران.
يقول فؤاد حسين، وهو رجل يعمل مع برويلز في عقد مع مكتب وزارة الخارجية الاميركية في محافظة بابل: «ان نوعية المنتجات الزراعية (العراقية) هي الافضل في منطقة الشرق الاوسط باسرها.»
لكن من الصعب العثور على المنتجات العراقية في اسواق الخضراوات والفواكه التي تملأ شوراع بغداد. فالعديد من اصناف الرمان والنارنج والقرنبيط والطماطة والخيار والباذنجان المتوفرة في الاسواق تأتي من سوريا، حسبما يقول الباعة.
يقول قصي عباس احمد، البالغ 30 عاما من العمر وهو بائع جملة في مدينة ابو غريب غرب بغداد: «ان اول سؤال يطرحه باعة المفرد، في كل مرة يأتون للتسوق من عندنا، هو: هل لديكم اية منتجات محلية؟ وبعد ان نجيب بالنفي، يبدأون في تفحص المنتجات الاخرى. انهم يفضلونها لان المنتجات العراقية ذات طعم افضل، وهي طرية اكثر، ولكي اخبرك بالحقيقة، فان أي شخص يتمتع بأكل المحاصيل التي تنتجها بلاده.»
يقول باعة الجملة انهم غير قادرين على الحصول على المحاصيل من المزارعين العراقيين، والذين يقولون انهم تأثروا بشكل كبير بنقص الطاقة الكهربائية. وهم يقولون انه كان من الايسر الحصول على المحاصيل العراقية اثناء فترة العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة، لانه لم يسمح الا لعدد قليل من البضائع ان تعبر الحدود.
بائع جملة آخر في ابو غريب، واسمه جاسم ويكنى (ابو اثير) ويبلغ 42 عاما من العمر، ولديه بستان للفواكه في محافظة ديالى شرق بغداد، يقول ان على وزارة الزراعة العراقية اعادة العمل بنظام الدعم للوقود والاسمدة لمساعدة الفلاحين، والوصول الى مستوى ما قبل الحرب. لكن هذه المساعدات يجب ان تكون بدرجة اقل.
ويضيف قائلا: «الان لا يوجد أي دعم، لا بذور ولا اسمدة. ان اراد الفلاح ان يشتري ما يحتاجه من السوق فان اسعار منتجاته ستكون اغلى من مثيلاتها المستوردة.»
على ان العنف الطائفي الدموي لم يكن مُعينا هو الاخر. فلم يكن ممكنا الوصول الى محال البيع بالجملة في ابو غريب طوال عامي 2006 و2007 بسبب غلق الطرقات، كما يقول الباعة.
وعانت محافظة عبد الكاظم كثيرا خلال هذه الفترة ايضا. فالمتمردون هددوا بقتل والديه ان لم يغادر ارضه.
واتخذت خلايا من تنظيم القاعدة في العراق مواقع لها على طول قناة الري الرئيسة مهددة كل من يحاول اصلاح التسربات فيها. وقام كاظم واخرون بالعمل مع العشائر والجيش الاميركي للتخلص من هذه الخلايا.
ان ازدهار القطاع الزراعي قد يكون هو العامل الاساس في منع هذه الخلايا من العودة، كما يؤكد صباح، وهو رئيس اللجنة الزراعية في مجلس القضاء التابع الى محافظة بابل. وقد حضر الاحتفال الذي اقيم هذا الاسبوع لمناسبة افتتاح (علوة الفرات الاوسط) وهو مشروع بقيمة 3,2 مليون دولار، تم تمويله من قبل الولايات المتحدة ويتوقع ان يسهل على مزارعي بابل ان يسوقوا منتجاتهم.
يقول صباح: «نأمل ان ننفذ هذا (المشروع) ونحمل الناس على العمل هنا من اجل استقرار الوضع الامني.»
ترجمة: علاء غزالة
يعطي مزيج (منصور عبد الكاظم) من المحاصيل الشتوية الانطباع بان المحصول سيكون وفيرا، برغم التهديد المزدوج من الجفاف والعنف اللذين ابتليت بهما الزراعة منذ سقوط نظام صدام في عام 2003. زرعت خطوط من البطاطا الحمراء والبقول الخضر معاً على نفس الخط، وتشرئب الحنطة في حقل مجاور، بينما تحمل الطماطة التي زرعت في الربيع ثمارها وسط اكوام من الاسمدة. يبدو كاظم متفائلا وهو يتطلع الى الحقول، وذلك –في اقل تقدير– لان الايام التي كانت الحكومة تلزم المزارعين فيها بانتاج الحنطة قد ولت. وهو يعتقد ان هذا سوف يعطيه فرصاً اكبر لربح اموال اضافية عن طريق بيع منتجات ذات قيمة اكثر.
يقول عبد الكاظم، البالغ من العمر 37 عاما، والذي دأبت عائلته على زراعة هذه الارض الواقعة جنوبي بغداد منذ عقود: «لست مقيدا باية شروط حكومية. انا حر في استثمار الارض بالطريقة التي اراها.»
وقد افاد كاظم من انخفاض العنف لكي يعمل على تأهيل القنوات البالية وتحسين انتاج مزرعته، كعضو في جميعة فلاحية تضم 700 عضو. وهو يمثل نزعة يأمل الكثيرون ان تزداد في انحاء البلاد، من اجل توفير فرص العمل واعادة الوضع التاريخي للعراق كونه سلة الخبز لعموم منطقة الشرق الاوسط.
وكما يتبين من مزرعة عبد الكاظم في محافظة بابل، التي كانت منذ وقت قريب جزءا مما يعرف بـ(مثلث الموت)، فانها يمكن ان توفر نوعا من (صحن السَلَطة) للعراق اذا استمر السلام واستطاع المزارعون ان يستثمروا اراضيهم.
يقول باتريك برويلز، المستشار في وزراة الزراعة الاميركية، والذي يعمل في المنطقة المحيطة بمزرعة عبد الكاظم: «يمكنهم ان يحولوا محافظة بابل الى مركز زراعي مثل وادي فريسنو (في ولاية كاليفورنيا)».
لكن مجموعة من الخبراء الاميركيين الذين عملوا في البلاد منذ عام 2003 يقولون ان هذه الرؤية لن تحقق قبل عقد آخر من الزمن في احسن الاحوال. وهم يعملون على دعم القطاع الزراعي في العراق لان دوره حيوي في خلق فرص العمل، حيث يوفر هذا القطاع ما مقداره ربع عدد الوظائف في العراق.
وتتمتع البلاد بخيرات عدة، منها ظروف الزراعة الملائمة على مدى عشرة اشهر، والارض الخصبة، ونهران وفرا احتياجات الري في العراق على مدى الالاف من الاعوام: دجلة والفرات.
يقول جوزيف كينغ، مدير مشروع ابحاث الزراعة في العراق، والذي تولاه معهد بورلانغ للزراعة العالمية، التابع لجامعة تكساس: « النظام الاساسي للزراعة موجود هناك ، غير انه في حالة من التخبط.»
ان اكبر العراقيل الرئيسة التي يمكن ان تبقي العراق مستوردا لغذائه في المستقبل المنظورهي:
- النقص في الطاقة الكهربائية والوقود، وهو ما يمنع المزارعين من ضخ الماء من الابار.
- عدم كفاءة نظام توصيل الماء من دجلة والفرات الى المزارع. فمزرعة عبد الكاظم تمر بها قناة كبيرة حفرت من قبل البريطانيين في الثلاثينيات، إضافة الى قناة ثانية بوضعية مزرية حفرت قبل 30 عاما من قبل شركة تركية. ويقول عبد الكاظم ان كلا منهما بحاجة الى صيانة مستمرة.
- نضوب موارد البذور والماشية، والتي ابتليت اولا بالحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات ومن ثم بالعقوبات التي فرضتها الامم المتحدة عقب غزو العراق للكويت عام 1990، ودامت على مدى العقد التالي. يقول برويلز: «في الاساس، فان كل محصول ينتج في العراق كان هناك نوع آخر افضل منه يمكن استنباته».
- عدم كفاءة نظام البزل في الكثير من الحقول الزراعية والذي ادى الى ازدياد الملوحة في الارض الزراعية مع الزمن محيلا اياها الى ارض بور.
- النقص في عدد عناصر حماية الحدود المطلوبين لمنع المنتجات السورية او الايرانية او التركية من غزو الاسواق العراقية وتعريض المحاصيل العراقية الى الخطر.
ان هذه التحديات هي من الشدة بمكان بحيث ان المسؤولين الاميركيين والعراقيين يعملون على التعامل مع كل منها على حدة بدلا من توليها كلها مرة واحدة.
يقول ادوين بريس، مدير معهد بورلانغ: «لن نستطيع ان نغير ذلك في ستة اشهر. لن نستيطع ان نغير ذلك في ثلاث سنوات.»
درس الفريق من معهد بريس وضع الزراعة في المحافظات العراقية على مدى العام الماضي، واعطوا توصيات مفصلة لكل منها.تركز هذه التوصيات على ارشاد الفلاحين بدلا من الدعوة الى تغييرات فورية في الطريقة التي يدير فيها العراقيون قطاعهم الزراعي. احد المشاريع التي اطلقتها هو ما يسمى بنوادي الشباب في جنوب محافظة بابل، حيث يعمل الطلاب مع بعضهم بعضا في تربية الدواجن.
ولدى وزارة الخارجية ستراتيجية مماثلة. فهي تستثمر في برنامج الارشاد الزراعي العراقي لنشر المعرفة حول آخر التقنيات الزراعية.يقول احد المسؤولين في السفارة الاميركية، طلب عدم ذكر اسمه: «الدليل بالنسبة لي يكون حينما يكون الجميع سعداء في ايراداتهم من الزراعة. فالهدف، آخر الامر، يكمن في توفير المردود الكافي للناس حتى لا يطلقوا النار على بعضهم بعضاً، او علينا.»
يلاحظ بريس ان هناك طلباً اقليمياً على منتجات عراقية بعينها، مثل التمور والباذنجان والخيار والباميا. وقد شجع المزارعين على التركيز على هذه المحاصيل، والتي يمكن لها ان تحقق ايرادات اكبر لهم، وتستهلك قدرا اقل من الماء، من محاصيل الحبوب. كما تعتبر تربية الاغنام العراقية ضعيفة ايضا.
وللعراقيين تقدير خاص للمحاصيل المنتجة محليا. فالكثير من العراقيين يعتقدون ان منتجاتهم، ببساطة، لها طعم افضل من تلك التي تستورد من سوريا وايران.
يقول فؤاد حسين، وهو رجل يعمل مع برويلز في عقد مع مكتب وزارة الخارجية الاميركية في محافظة بابل: «ان نوعية المنتجات الزراعية (العراقية) هي الافضل في منطقة الشرق الاوسط باسرها.»
لكن من الصعب العثور على المنتجات العراقية في اسواق الخضراوات والفواكه التي تملأ شوراع بغداد. فالعديد من اصناف الرمان والنارنج والقرنبيط والطماطة والخيار والباذنجان المتوفرة في الاسواق تأتي من سوريا، حسبما يقول الباعة.
يقول قصي عباس احمد، البالغ 30 عاما من العمر وهو بائع جملة في مدينة ابو غريب غرب بغداد: «ان اول سؤال يطرحه باعة المفرد، في كل مرة يأتون للتسوق من عندنا، هو: هل لديكم اية منتجات محلية؟ وبعد ان نجيب بالنفي، يبدأون في تفحص المنتجات الاخرى. انهم يفضلونها لان المنتجات العراقية ذات طعم افضل، وهي طرية اكثر، ولكي اخبرك بالحقيقة، فان أي شخص يتمتع بأكل المحاصيل التي تنتجها بلاده.»
يقول باعة الجملة انهم غير قادرين على الحصول على المحاصيل من المزارعين العراقيين، والذين يقولون انهم تأثروا بشكل كبير بنقص الطاقة الكهربائية. وهم يقولون انه كان من الايسر الحصول على المحاصيل العراقية اثناء فترة العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة، لانه لم يسمح الا لعدد قليل من البضائع ان تعبر الحدود.
بائع جملة آخر في ابو غريب، واسمه جاسم ويكنى (ابو اثير) ويبلغ 42 عاما من العمر، ولديه بستان للفواكه في محافظة ديالى شرق بغداد، يقول ان على وزارة الزراعة العراقية اعادة العمل بنظام الدعم للوقود والاسمدة لمساعدة الفلاحين، والوصول الى مستوى ما قبل الحرب. لكن هذه المساعدات يجب ان تكون بدرجة اقل.
ويضيف قائلا: «الان لا يوجد أي دعم، لا بذور ولا اسمدة. ان اراد الفلاح ان يشتري ما يحتاجه من السوق فان اسعار منتجاته ستكون اغلى من مثيلاتها المستوردة.»
على ان العنف الطائفي الدموي لم يكن مُعينا هو الاخر. فلم يكن ممكنا الوصول الى محال البيع بالجملة في ابو غريب طوال عامي 2006 و2007 بسبب غلق الطرقات، كما يقول الباعة.
وعانت محافظة عبد الكاظم كثيرا خلال هذه الفترة ايضا. فالمتمردون هددوا بقتل والديه ان لم يغادر ارضه.
واتخذت خلايا من تنظيم القاعدة في العراق مواقع لها على طول قناة الري الرئيسة مهددة كل من يحاول اصلاح التسربات فيها. وقام كاظم واخرون بالعمل مع العشائر والجيش الاميركي للتخلص من هذه الخلايا.
ان ازدهار القطاع الزراعي قد يكون هو العامل الاساس في منع هذه الخلايا من العودة، كما يؤكد صباح، وهو رئيس اللجنة الزراعية في مجلس القضاء التابع الى محافظة بابل. وقد حضر الاحتفال الذي اقيم هذا الاسبوع لمناسبة افتتاح (علوة الفرات الاوسط) وهو مشروع بقيمة 3,2 مليون دولار، تم تمويله من قبل الولايات المتحدة ويتوقع ان يسهل على مزارعي بابل ان يسوقوا منتجاتهم.
يقول صباح: «نأمل ان ننفذ هذا (المشروع) ونحمل الناس على العمل هنا من اجل استقرار الوضع الامني.»
Saturday, December 20, 2008
سجن كبير يعجّ بالكثير من الأبرياء
عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
كامب بوكا – العراق، برغم ان المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة قد تحسنت كثيرا منذ فضيحة ابو غريب، لم يتم وضع نظام لتحديد المذنبين حيث يسعى المسؤولون الامريكيون الى تحويل السجون، التي وصفت ذات مرة بانها معسكرات تدريب تخرّج متمردين محتملين، الى شيء يشابه المدارس المهنية الاميركية. ويتم تقديم دروس دينية ومهنية للمعتقلين، كما يسمح لهم بزيارات للاقارب عبر دائرة الاتصالات المغلقة.
لكن الاتفاقية الامنية التي تمت المصادقة عليها حديثا تتطلب ان يقوم الجيش الاميركي باطلاق سراح المعتقلين العراقيين البالغ عددهم 16,000 سجين، حيث يقبع الاغلبية العظمى منهم في المعتقل الجنوبي الصحراوي، او احالتهم الى القضاء العراقي.
ومع اقتراب تحويل المعتقل الذي تديره الولايات المتحدة الى الادارة العراقية، تـُبذل جهود مشتركة حثيثة من اجل فرز المعتقلين الذين لا يُخشى اطلاق سراحهم عن المتمردين المحتملين.
وقد صرح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بان «معظم الاشخاص الذين اعتقلوهم هم ابرياء».
سعى ضباط الجيش الاميركي،على مدى العام الماضي، الى تحويل نظام السجون، الذي اصبح مثالا على الاساءة الاميركية في العراق، الى نظام يتمشى اكثر مع مباديء ستراتيجية مقارعة التمرد مصمم من اجل كسب دعم الشعب العراقي. هذه العملية حسّنت ظروف السجناء منذ ان ارتكب جنود اميركيون اساءاتهم بحق المعتقلين في ابي غريب، لكن لم يتم ايجاد نظام لتقرير من هو المذنب ومن هو البريء من بين الالاف من السجناء العراقيين.
اقتيد طالب محمد فرحان، الذي امضى خمسة عشر شهرا في السجن، الى غرفة الاستجواب رقم 3 للاستماع الى سجانه الاميركي يشرح الادعاءات ضده أول مرة.
ظهر فرحان، وهو مسلم ، منصتا الى قول الضابط الاميركي بانه كان عنصرا في المليشيا ت المعادية للاميركيين. لكنه بدا حائرا تماما حينما اتهموه ايضا في العمل مع تنظيم القاعدة في العراق، المجموعة المتطرفة التي تقتل الاميركيين والعراقيين على حد سواء.
قال فرحان، الذي يعمل حدادا في مدينة الاسكندرية جنوب العراق، وقد ظهرت عليه أمارات الانزعاج: «لا افهم كيف يكون ذلك ممكنا «.
غير ان اللجنة المكونة من ثلاثة مسؤولين اميركيين ولا تضم أي محام بينهم، والتي تشكلت كجزء من عملية شبه قضائية لمراجعة ملفات كل معتقل على حدة، في كل ستة اشهر، لم تكن في حاجة الى تقرير فيما اذا كان فرحان قد خالف القانون. فقد كانت مهمتهم تكمن في تقرير فيما اذا كان «يشكل تهديدا امنيا» ضد الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة او الى العراقيين. وقد استنتجوا ان هناك ادلة ذات مصداقية تشير الى انه قد يكون كذلك، ولكنهم لم يشرحوها الى فرحان نفسه أو إلى مراسل (الواشنطن بوست) الذي سُمح له ان يشاهد جلسة الاستماع التي استمرت 19 دقيقة.
يقول الميجر جيف غينغليري، رئيس هيأة المراجعة التي انعقدت في آيار: «انا لا انظر فيما اذا كان مذنبا او بريئا. نحن نحاول ان نقدّر، باقصى ما نستطيع، فيما اذا كانوا سيقومون بافعال سيئة اذا اطلق سراحهم.» وبعد دقائق، صوتت اللجنة بالاغلبية على ابقاء فرحان رهن الاعتقال لستة اشهر اخرى.
تلك هي الاجراءات التي تم اتباعها بالنسبة الى الكثير من السجناء الـ 100,000 الذين مروا من خلال نظام المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان اللغط القانوني حول السجناء في معتقل غوانتانامو، في كوبا، والذي يديره الجيش الاميركي قد استحوذ على اهتمام اكبر بكثير، الا ان هناك سجناء يبلغ عددهم مئة ضعف اولئك معتقلون في سجن كامب بوكا ومواقع عراقية اخرى. وهم لا يتمتعون الا باقل الحقوق القانونية وبدون اشراف من النظام القضائي الامريكي، حيث لا يتم توجيه اتهام للعراقيين بالجرائم المنسوبة اليهم، ولا يسمح لهم بمعاينة الادلة ضدهم، ولا يتم توفير محامين لهم.
لكن يتم الان تقديم دروس دينية واكاديمية ومهنية للاسرى العراقيين. كما يسمح لهم بلقاء الاقارب شخصيا او عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. ولدى المعتقلين في كامب بوكا، الذين يحب الكثير منهم قراءة روايات اغاثا كريستي الغامضة، ومتابعة افلام جاكي شان، لديهم فرقة للانشاد، ورابطة موسمية لكرة القدم وورشة عمل لانتاج نماذج الحيوانات المحشوة التي تسمى (دببة بوكا).
يقول الميجر جنرال دوغلاس ستون، الذي كان يعمل مديراً للمعتقل حتى الصيف الماضي: «لقد كان هذا المكان مدرسة تخرج المزيد من الارهابيين. اما الان فنحن نتواصل اكثر مع المعتقلين ونستغل قدرات السجين في تعليم العراقيين هنا وتحسين نظرتهم الى الاميركيين».
اطلق سراح علي صبري عبود، البالغ 31 عاما من العمر، والذي يعمل جنديا في الجيش العراقي، في الصيف الماضي بعد ان بقي محتجزا مدة عام كامل. وقد صُعق بالمعاملة الحسنة في هذا المعتقل. وقد علمه الجيش الاميركي مهارات النجارة، وحسّن من لغته الانكليزية، ووُفرت له عناية صحية من الدرجة الاولى. لكن هذه المعاملة الحسنة لم تهدئ من غضبه بسبب احتجازه بتهمة لايزال لا يفهمها.
فهو يقول: «حتى لو أحالوا المكان الى فردوس، فانه لايزال سجناً يعج بالابرياء».
واضح كالوحل
حينما وصل (ستون) الى العراق في العام الماضي ليقود وحدة المهام 134 التي تشرف على عمليات المعتقل صُدم لما رأى.يقول ستون: «المعتقلات هنا في العراق هي فشل كامل. لقد ادركت انه ليس من احد لديه ادنى فكرة عما نقوم به هنا.»
يقول الضباط الاميركيون ان المسلمين المتطرفين سيطروا بشكل فعال على كامب بوكا، يقتلعون اعين السجناء الاكثر اعتدالا ويقطعون السنتهم لانهم لا يطيعونهم. وقد اعد ستون عرضا تقديميا داخليا باستخدام برنامج (باور بوينت) يصف هذه الافعال الشنيعة واعطاه عنوانا: «عبوة البارود تنفجر، جامعة الجهاديين».
وقد قرر انه سوف يضع ستراتيجية لمكافحة التمرد تتمركز على المظلة الاساسية لاستراتيجية مكافحة التمرد للجيش الاميركي: حماية الشعب، وتوظيف الاصوات المعتدلة. وقد آمن ان الاغلبية الساحقة من المعتقلين ليسوا متطرفين. واستنادا الى احصائيات الجيش الاميركي، فان اقل من ربعهم كانوا اعضاء في تنظيم القاعدة في العراق أو المليشيات، وان 70 بالمئة منهم لم يواظبوا حتى على الذهاب الى الجوامع كل اسبوع.
بدأ مستوى العنف بالانحدار، وقد انخفض معدل الاعتقالات من 7,6 بالمئة بين عامي 2004 و2007 الى اقل من 1,2 بالمئة هذا العام. وبينما ازداد عدد المعتقلين بشكل صاروخي، من 15,000 معتقل عند بداية العام الماضي الى 26,000 معتقل مع قدوم القوات الاضافية للجيش الاميركي، فقد طبق ستون اجراءات معينة ليشرح للمعتقلين كيف يعمل النظام ولماذا هم قيد الاعتقال.
قام الجيش باعداد كتاب يوزع على المعتقلين يصور شخصية عراقية اسمها احمد، والذي اعتقل لزرعه عبوة ناسفة على جانب الطريق، وملفا اصفر يحتوي على ادلة ناطقة ضده. كما قام ستون ايضا، برغم معارضة كبار محاميه، بتشكيل لجنة المراجعة لكي يتسنى للمعتقلين معرفة السبب في احتجازهم، والتهمة الموجهة ضدهم.
لكن ستون رفض بشدة ما قال انه طلب مستحيل قدمته ناشطة في شؤون المعتقلين داعية الى تطبيق نظام يشابه النظام القانوني الاميركي في منتصف منطقة الحرب.
يقول ستون: «الان، سيدتي (حقوق الانسان)، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ انا مؤمن براغماتي بحقوق الانسان، لكنك لا يمكنك ببساطة ان تحصلي عليها بادئ الامر».
ويضيف ان مجلس الامن الدولي فوض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اعتقال أي شخص «يمثل تهديدا خطراً للامن»
ومع ذلك، فقد اعترف بسرعة ان «ذلك ليس واضحا الا كالوحل».
من يذهب الى الجنة؟
تبدو التغييرات الهائلة في عمليات الاعتقال واضحة للعيان في معتقل كامب بوكا، الذي تبلغ مساحته كيلومترين ونصف، والذي يضم عددا كبيرا من السجناء بحيث ان الضباط الاميركيون يقولون انه يمثل المدينة رقم 63 من حيث التعداد السكاني في العراق. وهم يقولون ايضا ان الانارة الليلية في منشآت السجن تبدو شبيهة بـ(لاس فيغاس).
سمح الضباط الاميركيون لصحفيي (واشنطن بوست) بزيارة بوكا وكامب كروبر، وهي منشأة بالقرب من مطار بغداد، ولكن لم يسمحوا بالتكلم مباشرة مع المعتقلين لانهم يقولون ان مثل هذا التصرف ينافي معاهدة جنيف. لكن بعض المعتقلين وافقوا على الاجابة على اسئلة تم نقلها عن طريق ضباط الجيش.
بعض الاشارات المرئية على الاستراتيجية الجديدة تبدت من خلال حضور (دببة بوكا)، التي صنعها المعتقلون، في كل مكان. وكان اولها تم تصميمه من قبل حيدر، وهو مزارع من النجف امضى ثلاثة اعوام في سجن بوكا، باستخدام قماش اصفر حشاه بالقطن المستخدم للاسرة. ثم قام باستخدام اقلام الرسم لوضع الملامح البسيطة. يقول حيدر: «حينما وجدوا الدب معي قاموا بمصادرته، وقد خشيت ان يوقعني ذلك في المتاعب».
لكن الضباط الاميركيون قرروا، بدلا عن معاقبة حيدر، باعداد برنامج للمهارات اليدوية الفنية وانتاج (دببة بوكا) على نطاق واسع لكي يتم توزيعها على الاطفال الذين يزورون السجناء.
وبينما يقوم حيدر بتصميم دماه المحشوة، يخطب امام مسجد قريب داعيا الى نسخة معتدلة من الاسلام، ويحاضر سياسي سابق في دروس التعليم المدني، كجزء من نظام السجون الذي يركز على توظيف المعتدلين.
تجمع عشرون من المعتقلين حول الشيخ عبد الستار عبد الجبار في صلاة الجماعة، وهو يدعوهم الى نبذ العنف الطائفي، والتشبه بالنماذج السيئة. يسأل عبد الجبار، الخطيب البالغ 45 عاما من العمر: «من سيذهب الى الجنة؟ يقول ابناء الشيعة انهم الشيعة، ويقول ابناء السنة انهم السنة. هذا خطأ. الله هو الذي يحكم بين عباده، كل حسب عمله.»
وليس كل المعتقلين، بطبيعة الحال، هم من المعتدلين الذين يشاركون في البرنامج. فالمتطرفون الاكثر خطرا يتم احتجازهم في المنشأ رقم 30، المعروف باسم الصخرة. هناك يقوم السجناء برمي البول، والبراز، وكرات على هيأة كرة التنس مؤلفة من الطين والشاي، على الجنود الاميركيين. يقول الملازم كايل غرافيس، مسؤول هذه الوحدة: «الكل هنا غاضب دائما».
لكن الامور مختلفة بالنسبة الى ضابط الصف جوزيف سابيا، الذي عُيّن للعمل مع المعتقلين في وحدة النجارة. تتوفر في هذه الوحدة ادوات النجارة التي يمكن ان تستخدم كاسلحة قاتلة، مثل المناشير القرصية والمناشير اليدوية ومفكات البراغي والادوات الكهربائية المتنوعة، باقل قدر من الاشراف على المعتقلين.
يقول سابيا: «هذه ثقة عالية. لم تحدث لنا اية مشكلة مع المعتقلين».
ليس من السهل اثبات الذنب
احتجز الجيش الأميركي قرابة 300 من الاحداث في الصيف الماضي في كامب كروبر، والذين تمت مراجعة ملفاتهم من قبل اللجنة العسكرية. وقد استدعي اياد حمزة صالح، والبالغ 16 عاما، الى غرفة الاستماع في احد ايام آيار، فجاء مرتديا صندلا بلون بيجي، وسروالا وردي اللون، وقميصا ابيض رسم عليه بالقلم صورة القلب.
افتتح ملازم البحرية تشاك لي موين الجلسة بقراءة البيان التعبوي الذي يشير الى الفقرة 78 من معاهدة جنيف الرابعة وقرارات مجلس الامن الدولي.
قال لي مولن: «انت غير محكوم. انت معتقل لانه يُظن انك تمثل تهديدا امنيا. هذه اللجنة سوف تقرر فيما اذا كنت لاتزال تهديدا خطراً لامن القوات المتعددة الجنيسة او الشعب العراقي او الحكومة العراقية».
نظر مباشرة الى صلاح، ثم قال: «لقد قرأنا ملفك، وهو يشير الى انك شاركت في اطلاق النار ضد قوات التحالف».
هزّ صالح رأسه قائلا: «لم افعل شيئا من هذا القبيل».
قال الملازم جافير اسكوبار، وهو عضو آخر في اللجنة: «اريد ان اتأكد انك تفهم ما يقال. نحن لسنا في محكمة. نحن مهتمون لما حصل في ذلك الوقت. لكننا اكثر اهتماما بما يحصل الان. لذلك سيكون من الجيد ان تتخذ خطوات للاعتراف بالحقيقة.»
لكن صالح، الذي القي القبض عليه في بغداد في آب 2007، انكر انه فعل أي شيء خاطئ. وحينما غادر الغرفة، قال لي مولن: «كان يمكن ان يفيد من التقييم اكثر. لا اعتقد انه عضو في مجموعة ارهابية دولية، اعتقد انه مجرد صبي غبي.» وعلى الرغم من ان صالح مشمول بقانون العفو العام الذي صدر في وقت سابق هذا العام، فان اللجنة صوتت لاستمرار احتجازه ستة اشهر اخرى.
يقول لي مولن، البالغ 45 عاما من العمر وهو محامي دفاع سابق من نورث كارولينا: «الشيء الفريد هنا هو انه ليس هناك محل للسؤال فيما اذا كان مذنبا ام لا. ذلك غير موجود في أي كتاب قانوني تعلمته في كلية القانون. يجب ان تمحو كل ذلك من رأسك.»
يقول اسكوبار انه خلال العام الماضي على وجه التحديد، وبينما كان يتم بناء القوات الامريكية الاضافية، فان الكثير من العراقيين اعتقلوا فقط لانهم كانوا على مقربة من موقع تفجير او هجوم مسلح. ويقول انه من شبه المستحيل عادة اثبات ان أي شخص مذنب في الحقيقة.
ويضيف: «اقل من ربع الحالات هي اصابات ناجحة. نحن نتعامل في معظم الاحوال مع منطقة رمادية. ما عليك الا ان تصلي، اننا نقوم بالشيء الصحيح.»
ترجمة: علاء غزالة
كامب بوكا – العراق، برغم ان المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة قد تحسنت كثيرا منذ فضيحة ابو غريب، لم يتم وضع نظام لتحديد المذنبين حيث يسعى المسؤولون الامريكيون الى تحويل السجون، التي وصفت ذات مرة بانها معسكرات تدريب تخرّج متمردين محتملين، الى شيء يشابه المدارس المهنية الاميركية. ويتم تقديم دروس دينية ومهنية للمعتقلين، كما يسمح لهم بزيارات للاقارب عبر دائرة الاتصالات المغلقة.
لكن الاتفاقية الامنية التي تمت المصادقة عليها حديثا تتطلب ان يقوم الجيش الاميركي باطلاق سراح المعتقلين العراقيين البالغ عددهم 16,000 سجين، حيث يقبع الاغلبية العظمى منهم في المعتقل الجنوبي الصحراوي، او احالتهم الى القضاء العراقي.
ومع اقتراب تحويل المعتقل الذي تديره الولايات المتحدة الى الادارة العراقية، تـُبذل جهود مشتركة حثيثة من اجل فرز المعتقلين الذين لا يُخشى اطلاق سراحهم عن المتمردين المحتملين.
وقد صرح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بان «معظم الاشخاص الذين اعتقلوهم هم ابرياء».
سعى ضباط الجيش الاميركي،على مدى العام الماضي، الى تحويل نظام السجون، الذي اصبح مثالا على الاساءة الاميركية في العراق، الى نظام يتمشى اكثر مع مباديء ستراتيجية مقارعة التمرد مصمم من اجل كسب دعم الشعب العراقي. هذه العملية حسّنت ظروف السجناء منذ ان ارتكب جنود اميركيون اساءاتهم بحق المعتقلين في ابي غريب، لكن لم يتم ايجاد نظام لتقرير من هو المذنب ومن هو البريء من بين الالاف من السجناء العراقيين.
اقتيد طالب محمد فرحان، الذي امضى خمسة عشر شهرا في السجن، الى غرفة الاستجواب رقم 3 للاستماع الى سجانه الاميركي يشرح الادعاءات ضده أول مرة.
ظهر فرحان، وهو مسلم ، منصتا الى قول الضابط الاميركي بانه كان عنصرا في المليشيا ت المعادية للاميركيين. لكنه بدا حائرا تماما حينما اتهموه ايضا في العمل مع تنظيم القاعدة في العراق، المجموعة المتطرفة التي تقتل الاميركيين والعراقيين على حد سواء.
قال فرحان، الذي يعمل حدادا في مدينة الاسكندرية جنوب العراق، وقد ظهرت عليه أمارات الانزعاج: «لا افهم كيف يكون ذلك ممكنا «.
غير ان اللجنة المكونة من ثلاثة مسؤولين اميركيين ولا تضم أي محام بينهم، والتي تشكلت كجزء من عملية شبه قضائية لمراجعة ملفات كل معتقل على حدة، في كل ستة اشهر، لم تكن في حاجة الى تقرير فيما اذا كان فرحان قد خالف القانون. فقد كانت مهمتهم تكمن في تقرير فيما اذا كان «يشكل تهديدا امنيا» ضد الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة او الى العراقيين. وقد استنتجوا ان هناك ادلة ذات مصداقية تشير الى انه قد يكون كذلك، ولكنهم لم يشرحوها الى فرحان نفسه أو إلى مراسل (الواشنطن بوست) الذي سُمح له ان يشاهد جلسة الاستماع التي استمرت 19 دقيقة.
يقول الميجر جيف غينغليري، رئيس هيأة المراجعة التي انعقدت في آيار: «انا لا انظر فيما اذا كان مذنبا او بريئا. نحن نحاول ان نقدّر، باقصى ما نستطيع، فيما اذا كانوا سيقومون بافعال سيئة اذا اطلق سراحهم.» وبعد دقائق، صوتت اللجنة بالاغلبية على ابقاء فرحان رهن الاعتقال لستة اشهر اخرى.
تلك هي الاجراءات التي تم اتباعها بالنسبة الى الكثير من السجناء الـ 100,000 الذين مروا من خلال نظام المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان اللغط القانوني حول السجناء في معتقل غوانتانامو، في كوبا، والذي يديره الجيش الاميركي قد استحوذ على اهتمام اكبر بكثير، الا ان هناك سجناء يبلغ عددهم مئة ضعف اولئك معتقلون في سجن كامب بوكا ومواقع عراقية اخرى. وهم لا يتمتعون الا باقل الحقوق القانونية وبدون اشراف من النظام القضائي الامريكي، حيث لا يتم توجيه اتهام للعراقيين بالجرائم المنسوبة اليهم، ولا يسمح لهم بمعاينة الادلة ضدهم، ولا يتم توفير محامين لهم.
لكن يتم الان تقديم دروس دينية واكاديمية ومهنية للاسرى العراقيين. كما يسمح لهم بلقاء الاقارب شخصيا او عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. ولدى المعتقلين في كامب بوكا، الذين يحب الكثير منهم قراءة روايات اغاثا كريستي الغامضة، ومتابعة افلام جاكي شان، لديهم فرقة للانشاد، ورابطة موسمية لكرة القدم وورشة عمل لانتاج نماذج الحيوانات المحشوة التي تسمى (دببة بوكا).
يقول الميجر جنرال دوغلاس ستون، الذي كان يعمل مديراً للمعتقل حتى الصيف الماضي: «لقد كان هذا المكان مدرسة تخرج المزيد من الارهابيين. اما الان فنحن نتواصل اكثر مع المعتقلين ونستغل قدرات السجين في تعليم العراقيين هنا وتحسين نظرتهم الى الاميركيين».
اطلق سراح علي صبري عبود، البالغ 31 عاما من العمر، والذي يعمل جنديا في الجيش العراقي، في الصيف الماضي بعد ان بقي محتجزا مدة عام كامل. وقد صُعق بالمعاملة الحسنة في هذا المعتقل. وقد علمه الجيش الاميركي مهارات النجارة، وحسّن من لغته الانكليزية، ووُفرت له عناية صحية من الدرجة الاولى. لكن هذه المعاملة الحسنة لم تهدئ من غضبه بسبب احتجازه بتهمة لايزال لا يفهمها.
فهو يقول: «حتى لو أحالوا المكان الى فردوس، فانه لايزال سجناً يعج بالابرياء».
واضح كالوحل
حينما وصل (ستون) الى العراق في العام الماضي ليقود وحدة المهام 134 التي تشرف على عمليات المعتقل صُدم لما رأى.يقول ستون: «المعتقلات هنا في العراق هي فشل كامل. لقد ادركت انه ليس من احد لديه ادنى فكرة عما نقوم به هنا.»
يقول الضباط الاميركيون ان المسلمين المتطرفين سيطروا بشكل فعال على كامب بوكا، يقتلعون اعين السجناء الاكثر اعتدالا ويقطعون السنتهم لانهم لا يطيعونهم. وقد اعد ستون عرضا تقديميا داخليا باستخدام برنامج (باور بوينت) يصف هذه الافعال الشنيعة واعطاه عنوانا: «عبوة البارود تنفجر، جامعة الجهاديين».
وقد قرر انه سوف يضع ستراتيجية لمكافحة التمرد تتمركز على المظلة الاساسية لاستراتيجية مكافحة التمرد للجيش الاميركي: حماية الشعب، وتوظيف الاصوات المعتدلة. وقد آمن ان الاغلبية الساحقة من المعتقلين ليسوا متطرفين. واستنادا الى احصائيات الجيش الاميركي، فان اقل من ربعهم كانوا اعضاء في تنظيم القاعدة في العراق أو المليشيات، وان 70 بالمئة منهم لم يواظبوا حتى على الذهاب الى الجوامع كل اسبوع.
بدأ مستوى العنف بالانحدار، وقد انخفض معدل الاعتقالات من 7,6 بالمئة بين عامي 2004 و2007 الى اقل من 1,2 بالمئة هذا العام. وبينما ازداد عدد المعتقلين بشكل صاروخي، من 15,000 معتقل عند بداية العام الماضي الى 26,000 معتقل مع قدوم القوات الاضافية للجيش الاميركي، فقد طبق ستون اجراءات معينة ليشرح للمعتقلين كيف يعمل النظام ولماذا هم قيد الاعتقال.
قام الجيش باعداد كتاب يوزع على المعتقلين يصور شخصية عراقية اسمها احمد، والذي اعتقل لزرعه عبوة ناسفة على جانب الطريق، وملفا اصفر يحتوي على ادلة ناطقة ضده. كما قام ستون ايضا، برغم معارضة كبار محاميه، بتشكيل لجنة المراجعة لكي يتسنى للمعتقلين معرفة السبب في احتجازهم، والتهمة الموجهة ضدهم.
لكن ستون رفض بشدة ما قال انه طلب مستحيل قدمته ناشطة في شؤون المعتقلين داعية الى تطبيق نظام يشابه النظام القانوني الاميركي في منتصف منطقة الحرب.
يقول ستون: «الان، سيدتي (حقوق الانسان)، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ انا مؤمن براغماتي بحقوق الانسان، لكنك لا يمكنك ببساطة ان تحصلي عليها بادئ الامر».
ويضيف ان مجلس الامن الدولي فوض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اعتقال أي شخص «يمثل تهديدا خطراً للامن»
ومع ذلك، فقد اعترف بسرعة ان «ذلك ليس واضحا الا كالوحل».
من يذهب الى الجنة؟
تبدو التغييرات الهائلة في عمليات الاعتقال واضحة للعيان في معتقل كامب بوكا، الذي تبلغ مساحته كيلومترين ونصف، والذي يضم عددا كبيرا من السجناء بحيث ان الضباط الاميركيون يقولون انه يمثل المدينة رقم 63 من حيث التعداد السكاني في العراق. وهم يقولون ايضا ان الانارة الليلية في منشآت السجن تبدو شبيهة بـ(لاس فيغاس).
سمح الضباط الاميركيون لصحفيي (واشنطن بوست) بزيارة بوكا وكامب كروبر، وهي منشأة بالقرب من مطار بغداد، ولكن لم يسمحوا بالتكلم مباشرة مع المعتقلين لانهم يقولون ان مثل هذا التصرف ينافي معاهدة جنيف. لكن بعض المعتقلين وافقوا على الاجابة على اسئلة تم نقلها عن طريق ضباط الجيش.
بعض الاشارات المرئية على الاستراتيجية الجديدة تبدت من خلال حضور (دببة بوكا)، التي صنعها المعتقلون، في كل مكان. وكان اولها تم تصميمه من قبل حيدر، وهو مزارع من النجف امضى ثلاثة اعوام في سجن بوكا، باستخدام قماش اصفر حشاه بالقطن المستخدم للاسرة. ثم قام باستخدام اقلام الرسم لوضع الملامح البسيطة. يقول حيدر: «حينما وجدوا الدب معي قاموا بمصادرته، وقد خشيت ان يوقعني ذلك في المتاعب».
لكن الضباط الاميركيون قرروا، بدلا عن معاقبة حيدر، باعداد برنامج للمهارات اليدوية الفنية وانتاج (دببة بوكا) على نطاق واسع لكي يتم توزيعها على الاطفال الذين يزورون السجناء.
وبينما يقوم حيدر بتصميم دماه المحشوة، يخطب امام مسجد قريب داعيا الى نسخة معتدلة من الاسلام، ويحاضر سياسي سابق في دروس التعليم المدني، كجزء من نظام السجون الذي يركز على توظيف المعتدلين.
تجمع عشرون من المعتقلين حول الشيخ عبد الستار عبد الجبار في صلاة الجماعة، وهو يدعوهم الى نبذ العنف الطائفي، والتشبه بالنماذج السيئة. يسأل عبد الجبار، الخطيب البالغ 45 عاما من العمر: «من سيذهب الى الجنة؟ يقول ابناء الشيعة انهم الشيعة، ويقول ابناء السنة انهم السنة. هذا خطأ. الله هو الذي يحكم بين عباده، كل حسب عمله.»
وليس كل المعتقلين، بطبيعة الحال، هم من المعتدلين الذين يشاركون في البرنامج. فالمتطرفون الاكثر خطرا يتم احتجازهم في المنشأ رقم 30، المعروف باسم الصخرة. هناك يقوم السجناء برمي البول، والبراز، وكرات على هيأة كرة التنس مؤلفة من الطين والشاي، على الجنود الاميركيين. يقول الملازم كايل غرافيس، مسؤول هذه الوحدة: «الكل هنا غاضب دائما».
لكن الامور مختلفة بالنسبة الى ضابط الصف جوزيف سابيا، الذي عُيّن للعمل مع المعتقلين في وحدة النجارة. تتوفر في هذه الوحدة ادوات النجارة التي يمكن ان تستخدم كاسلحة قاتلة، مثل المناشير القرصية والمناشير اليدوية ومفكات البراغي والادوات الكهربائية المتنوعة، باقل قدر من الاشراف على المعتقلين.
يقول سابيا: «هذه ثقة عالية. لم تحدث لنا اية مشكلة مع المعتقلين».
ليس من السهل اثبات الذنب
احتجز الجيش الأميركي قرابة 300 من الاحداث في الصيف الماضي في كامب كروبر، والذين تمت مراجعة ملفاتهم من قبل اللجنة العسكرية. وقد استدعي اياد حمزة صالح، والبالغ 16 عاما، الى غرفة الاستماع في احد ايام آيار، فجاء مرتديا صندلا بلون بيجي، وسروالا وردي اللون، وقميصا ابيض رسم عليه بالقلم صورة القلب.
افتتح ملازم البحرية تشاك لي موين الجلسة بقراءة البيان التعبوي الذي يشير الى الفقرة 78 من معاهدة جنيف الرابعة وقرارات مجلس الامن الدولي.
قال لي مولن: «انت غير محكوم. انت معتقل لانه يُظن انك تمثل تهديدا امنيا. هذه اللجنة سوف تقرر فيما اذا كنت لاتزال تهديدا خطراً لامن القوات المتعددة الجنيسة او الشعب العراقي او الحكومة العراقية».
نظر مباشرة الى صلاح، ثم قال: «لقد قرأنا ملفك، وهو يشير الى انك شاركت في اطلاق النار ضد قوات التحالف».
هزّ صالح رأسه قائلا: «لم افعل شيئا من هذا القبيل».
قال الملازم جافير اسكوبار، وهو عضو آخر في اللجنة: «اريد ان اتأكد انك تفهم ما يقال. نحن لسنا في محكمة. نحن مهتمون لما حصل في ذلك الوقت. لكننا اكثر اهتماما بما يحصل الان. لذلك سيكون من الجيد ان تتخذ خطوات للاعتراف بالحقيقة.»
لكن صالح، الذي القي القبض عليه في بغداد في آب 2007، انكر انه فعل أي شيء خاطئ. وحينما غادر الغرفة، قال لي مولن: «كان يمكن ان يفيد من التقييم اكثر. لا اعتقد انه عضو في مجموعة ارهابية دولية، اعتقد انه مجرد صبي غبي.» وعلى الرغم من ان صالح مشمول بقانون العفو العام الذي صدر في وقت سابق هذا العام، فان اللجنة صوتت لاستمرار احتجازه ستة اشهر اخرى.
يقول لي مولن، البالغ 45 عاما من العمر وهو محامي دفاع سابق من نورث كارولينا: «الشيء الفريد هنا هو انه ليس هناك محل للسؤال فيما اذا كان مذنبا ام لا. ذلك غير موجود في أي كتاب قانوني تعلمته في كلية القانون. يجب ان تمحو كل ذلك من رأسك.»
يقول اسكوبار انه خلال العام الماضي على وجه التحديد، وبينما كان يتم بناء القوات الامريكية الاضافية، فان الكثير من العراقيين اعتقلوا فقط لانهم كانوا على مقربة من موقع تفجير او هجوم مسلح. ويقول انه من شبه المستحيل عادة اثبات ان أي شخص مذنب في الحقيقة.
ويضيف: «اقل من ربع الحالات هي اصابات ناجحة. نحن نتعامل في معظم الاحوال مع منطقة رمادية. ما عليك الا ان تصلي، اننا نقوم بالشيء الصحيح.»
Friday, December 19, 2008
اعتقالات الضباط في بغداد تتلبد بالغيوم السياسية
عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
اكد مسؤولون عراقيون، يوم الخميس، موجة الاعتقالات التي يبدو انها عملية داخلية واسعة لتنظيف الاجهزة الامنية الوطنية. ولكن في جو التنافس الامني والسياسي، لم يتفق المسؤولون الا على القليل من الحقائق الاخرى، ابتداءا من عددالمعتقلين الى جدية التهم الموجهة اليهم.
وردد اللواء عبد الكريم خلف الناطق باسم وزارة الداخلية، في مؤتمر صحفي عقد يوم الخميس، بعضا من الاتهامات الخطيرة التي كانت قد سُربت في الليلة السابقة. واخبر الصحفيين ان قد تم اعتقال 23 من ضباط وزارة الداخلية في الايام الاخيرة، حيث ينتمي الكثير منهم الى حزب (العودة)، المتحدّر عن حزب البعث الذي كان يقوده صدام حسين، والذي اصبح محضورا الان.
وفي اشارة محتملة الى اتساع التحقيقات، فان وزارة الداخلية قالت انها لم تقتصر على الوزارة نفسها، كما تم تناقله في الاخبار، ولكن اشتملت على وزارتي الدفاع والامن الوطني ايضا. اما المسؤولين الاخرين فقالوا ان التحقيقات لم تنته بعد وانه يتوقع القيام بالمزيد من الاعتقالات.
لكن خلف انكر الاتهامات الاكثر جدية التي صرح بها مسؤولون عراقيون في وقت سابق، قائلا انه لا توجد ادلة على ان المعتقلين كانوا في المراحل الاولى من التخطيط لانقلاب ضد حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي.
دفع التضارب في سرد التفاصيل نقاد المالكي الى طرح السؤال الملح: هل هناك دوافع سياسية وراء عمليات الاعتقال، والتي تم تنفيذها قبل المالكي، لاضعاف خصومه قبيل الانتخابات المحلية التي خـُطط لاجرائها في عموم البلاد الشهر المقبل؟
ومما يعزز هذه الشكوك التقارير بان قوات مكافحة الارهاب، التي يشرف المالكي بنفسه عليها، كان لها دور في عمليات الاعتقال، برغم ان بعض المسؤولين انكر ذلك الدور.
وقال محمود عثمان، وهو نائب برلماني كوردي مستقل، ان اثارة الاسئلة جاء على خلفية تغيير الادعاءات التي سمعها هو ذاته كما سمعها قادة عراقيون اخرون خلال الايام القليلة الماضية: ذلك ان المعتقلين كانوا يخططون لانقلاب، وان المعتقلين كانوا اعضاء في حزب (العودة)، وان المعتقلين كانوا يخططون لحرق الوزراة.
يضاف الى ذلك ان الاعتقالات جاءت في معظمها من وزراة الداخلية، وهي الوزارة التي يسيطر عليها عدد من الاحزاب المنافسة للمالكي.
واكد عثمان: "ان هذه الروايات المتناقضة والافتقار الى الشفافية قادت بعض الناس الى الاعتقاد بان الاعتقالات كانت لغايات سياسية، وانه لابد ان يكون ذلك بسبب الانتخابات".
اما اللواء احمد ابو رغيف، مدير الشؤون الداخلية في وزراة الداخلية فقال ان الاعتقالات جاءت ضمن مهام لجنة شُكلت قبل اسبوعين من قبل المالكي.
واشارت التقارير الاولية التي صدرت عن مسؤولين امنيين عراقيين، واوردتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس، الى ان ابو رغيف كان من بين المعتقلين. لكنه قال في ذات اليوم ان هذه التقارير خاطئة. واضاف انه كان في الواقع مشاركا في اللجنة التي اشرفت على التحقيقات بشأن عدد من المسؤولين الامنيين العراقيين الذين وجهت لهم عدد من الاتهامات.
ويضيف ابو رغيف ان اللجنة تتألف من قاض وخمسة ضباط امنيين ذوي رتب رفيعة، بالاضافة الى ممثلين عن ثلاثة وزارات امنية، وهي وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني.
تقوم اللجنة بالتحري عن دور الضباط في اصدار هويات دخول (باجات) مزيفة، مفسحين المجال للنشاطات الارهابية، او لارتباطهم بشكل مشبوه مع البلدان الاجنبية او الاحزاب السياسية، ومن بينها حزب (العودة).
وقال ابو رغيف انه ليس هناك من دليل دامغ يدين الضباط المعتقلين، على الاقل اولئك المنتمين الى وزارة الداخلية. لكنه يستدرك قائلا انه أمر باعتقال 16 ضابطا في الوزراة كجزء من التحقيقات، وانها ما زالت مستمرة. واكد انه لم يكن يعلم كم هو عدد المعتقلين من بين منتسبي الوزارات الاخرى.
من ناحية اخرى، قدم احد كبار مستشاري وزير الداخلية جواد البولاني، والذي لم يرغب في نشر اسمه لانه غير مخول بالتصريح الصحفي، قدم قائمة باسماء ورتب 24 من منتسبي وزراة الداخلية الذين يقول انهم من بين المعتقلين، تشتمل على رتب ملازم ونقيب ورائد ومقدم ولواء.
وقال عباس البياتي، وهو عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان ان اكثر من 30 من منتسبي وزراة الداخلية قد تم اعتقالهم.
كما ان عدد المعتقلين من الوزارات الاخرى غير مؤكد هو الآخر. وصرح العميد قاسم عطا، المتحدث باسم الجيش، ان ضابطا واحدا من وزارة الدفاع قد تم اعتقاله. لكن مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، اياد الطائي، قال ان سبعة من متسبي وزارة الدفاع قد اعتقلوا.
بيد ان وزير الدفاع، عبد القادر العبيدي، نفسه صرح بانه لم يتلق اية معلومات عن اية اعتقالات.
وقال مسؤول امني رفيع، غير مخول بالتصريح عن العملية، انه قد تم القيام بـ39 اعتقال من بين منتسبي الوزارات، من بينها اربع اعتقالات تمت يوم الخميس.
وجاء رد فعل العديد من المسؤولين العراقيين غاضبا تجاه الاعتقالات والتحقيقات السرية.
وقال وليد شركه، العضو التركماني في البرلمان العراقي، وهو ايضا عضو لجنة الامن والدفاع: "هذه ليست المرة الاولى، ولن تكون الاخيرة، التي تنفذ فيها الحكومة العراقية مثل هذه العمليات بدون علم مجلس النواب، والذي هو جسم تشريعي ورقابي على نشاطات الحكومة. نحن لم نعلم شيئا عنها بالتأكيد."
وقال مستشار البولاني ان رئيس الوزراء كان يضغط في الخفاء من اجل اعتقال عدد من ضباط الداخلية منذ فترة شهرين، لكن البولاني قاوم ذلك، مصرا على ان الضباط ابرياء".
لكن يد البولاني، على كل حال، قد قـُيدت حينما وافقت الوزارات الاخرى على تشكيل اللجنة، ومن ثم اعطى اغلى ما عنده، على حد قول المستشار، الذي عزا الحادثة الى التنافس السياسي بين البولاني، الذي يبني حزبه الخاص المسمى الحزب الدستوري، والمالكي.
وفي اية حال، فان كلا من ابو رغيف والطائي، مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، قالا بان وزارة الداخلية دعمت بالكامل تشكيل اللجنة.
وكان البولاني في رحلة الى الخارج، الا انه يتوقع ان يعود الى العراق يوم الجمعة.
ترجمة: علاء غزالة
اكد مسؤولون عراقيون، يوم الخميس، موجة الاعتقالات التي يبدو انها عملية داخلية واسعة لتنظيف الاجهزة الامنية الوطنية. ولكن في جو التنافس الامني والسياسي، لم يتفق المسؤولون الا على القليل من الحقائق الاخرى، ابتداءا من عددالمعتقلين الى جدية التهم الموجهة اليهم.
وردد اللواء عبد الكريم خلف الناطق باسم وزارة الداخلية، في مؤتمر صحفي عقد يوم الخميس، بعضا من الاتهامات الخطيرة التي كانت قد سُربت في الليلة السابقة. واخبر الصحفيين ان قد تم اعتقال 23 من ضباط وزارة الداخلية في الايام الاخيرة، حيث ينتمي الكثير منهم الى حزب (العودة)، المتحدّر عن حزب البعث الذي كان يقوده صدام حسين، والذي اصبح محضورا الان.
وفي اشارة محتملة الى اتساع التحقيقات، فان وزارة الداخلية قالت انها لم تقتصر على الوزارة نفسها، كما تم تناقله في الاخبار، ولكن اشتملت على وزارتي الدفاع والامن الوطني ايضا. اما المسؤولين الاخرين فقالوا ان التحقيقات لم تنته بعد وانه يتوقع القيام بالمزيد من الاعتقالات.
لكن خلف انكر الاتهامات الاكثر جدية التي صرح بها مسؤولون عراقيون في وقت سابق، قائلا انه لا توجد ادلة على ان المعتقلين كانوا في المراحل الاولى من التخطيط لانقلاب ضد حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي.
دفع التضارب في سرد التفاصيل نقاد المالكي الى طرح السؤال الملح: هل هناك دوافع سياسية وراء عمليات الاعتقال، والتي تم تنفيذها قبل المالكي، لاضعاف خصومه قبيل الانتخابات المحلية التي خـُطط لاجرائها في عموم البلاد الشهر المقبل؟
ومما يعزز هذه الشكوك التقارير بان قوات مكافحة الارهاب، التي يشرف المالكي بنفسه عليها، كان لها دور في عمليات الاعتقال، برغم ان بعض المسؤولين انكر ذلك الدور.
وقال محمود عثمان، وهو نائب برلماني كوردي مستقل، ان اثارة الاسئلة جاء على خلفية تغيير الادعاءات التي سمعها هو ذاته كما سمعها قادة عراقيون اخرون خلال الايام القليلة الماضية: ذلك ان المعتقلين كانوا يخططون لانقلاب، وان المعتقلين كانوا اعضاء في حزب (العودة)، وان المعتقلين كانوا يخططون لحرق الوزراة.
يضاف الى ذلك ان الاعتقالات جاءت في معظمها من وزراة الداخلية، وهي الوزارة التي يسيطر عليها عدد من الاحزاب المنافسة للمالكي.
واكد عثمان: "ان هذه الروايات المتناقضة والافتقار الى الشفافية قادت بعض الناس الى الاعتقاد بان الاعتقالات كانت لغايات سياسية، وانه لابد ان يكون ذلك بسبب الانتخابات".
اما اللواء احمد ابو رغيف، مدير الشؤون الداخلية في وزراة الداخلية فقال ان الاعتقالات جاءت ضمن مهام لجنة شُكلت قبل اسبوعين من قبل المالكي.
واشارت التقارير الاولية التي صدرت عن مسؤولين امنيين عراقيين، واوردتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس، الى ان ابو رغيف كان من بين المعتقلين. لكنه قال في ذات اليوم ان هذه التقارير خاطئة. واضاف انه كان في الواقع مشاركا في اللجنة التي اشرفت على التحقيقات بشأن عدد من المسؤولين الامنيين العراقيين الذين وجهت لهم عدد من الاتهامات.
ويضيف ابو رغيف ان اللجنة تتألف من قاض وخمسة ضباط امنيين ذوي رتب رفيعة، بالاضافة الى ممثلين عن ثلاثة وزارات امنية، وهي وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني.
تقوم اللجنة بالتحري عن دور الضباط في اصدار هويات دخول (باجات) مزيفة، مفسحين المجال للنشاطات الارهابية، او لارتباطهم بشكل مشبوه مع البلدان الاجنبية او الاحزاب السياسية، ومن بينها حزب (العودة).
وقال ابو رغيف انه ليس هناك من دليل دامغ يدين الضباط المعتقلين، على الاقل اولئك المنتمين الى وزارة الداخلية. لكنه يستدرك قائلا انه أمر باعتقال 16 ضابطا في الوزراة كجزء من التحقيقات، وانها ما زالت مستمرة. واكد انه لم يكن يعلم كم هو عدد المعتقلين من بين منتسبي الوزارات الاخرى.
من ناحية اخرى، قدم احد كبار مستشاري وزير الداخلية جواد البولاني، والذي لم يرغب في نشر اسمه لانه غير مخول بالتصريح الصحفي، قدم قائمة باسماء ورتب 24 من منتسبي وزراة الداخلية الذين يقول انهم من بين المعتقلين، تشتمل على رتب ملازم ونقيب ورائد ومقدم ولواء.
وقال عباس البياتي، وهو عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان ان اكثر من 30 من منتسبي وزراة الداخلية قد تم اعتقالهم.
كما ان عدد المعتقلين من الوزارات الاخرى غير مؤكد هو الآخر. وصرح العميد قاسم عطا، المتحدث باسم الجيش، ان ضابطا واحدا من وزارة الدفاع قد تم اعتقاله. لكن مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، اياد الطائي، قال ان سبعة من متسبي وزارة الدفاع قد اعتقلوا.
بيد ان وزير الدفاع، عبد القادر العبيدي، نفسه صرح بانه لم يتلق اية معلومات عن اية اعتقالات.
وقال مسؤول امني رفيع، غير مخول بالتصريح عن العملية، انه قد تم القيام بـ39 اعتقال من بين منتسبي الوزارات، من بينها اربع اعتقالات تمت يوم الخميس.
وجاء رد فعل العديد من المسؤولين العراقيين غاضبا تجاه الاعتقالات والتحقيقات السرية.
وقال وليد شركه، العضو التركماني في البرلمان العراقي، وهو ايضا عضو لجنة الامن والدفاع: "هذه ليست المرة الاولى، ولن تكون الاخيرة، التي تنفذ فيها الحكومة العراقية مثل هذه العمليات بدون علم مجلس النواب، والذي هو جسم تشريعي ورقابي على نشاطات الحكومة. نحن لم نعلم شيئا عنها بالتأكيد."
وقال مستشار البولاني ان رئيس الوزراء كان يضغط في الخفاء من اجل اعتقال عدد من ضباط الداخلية منذ فترة شهرين، لكن البولاني قاوم ذلك، مصرا على ان الضباط ابرياء".
لكن يد البولاني، على كل حال، قد قـُيدت حينما وافقت الوزارات الاخرى على تشكيل اللجنة، ومن ثم اعطى اغلى ما عنده، على حد قول المستشار، الذي عزا الحادثة الى التنافس السياسي بين البولاني، الذي يبني حزبه الخاص المسمى الحزب الدستوري، والمالكي.
وفي اية حال، فان كلا من ابو رغيف والطائي، مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، قالا بان وزارة الداخلية دعمت بالكامل تشكيل اللجنة.
وكان البولاني في رحلة الى الخارج، الا انه يتوقع ان يعود الى العراق يوم الجمعة.
Tuesday, December 16, 2008
جندي التعاسة .. يقاتلون في معارك موازية في العراق: المتعاقدون الخصوصيون غير منظورين رسميا حتى عند موتهم
عن: واشنطن بوست
بقلم: ستيف فاينارو
ترجمة: علاء غزالة
بينما كانت طائرة الخطوط الجوية الاميركية المرقمة 1860 تقترب من البوابة رقم 4 في مطار بوفيلو نياغرا الدولي، جاء صوت الطيار عبر المذياع الداخلي مناديا: "انتباه رجاء. نحن نحمل هذه الليلة معنا جثمان احد الاميركيين الذين قتلوا في العراق. الرجاء ان تبقوا في مقاعدكم من اجل تسهيل نقل الجثمان، ولتسهيل مغادرة مرافقيه الطائرة". ساد الصمت في مقصورة الطائرة. لم يتحرك احد عندما نهض رجلان كانا يجلسان في الصف الامامي ليأخذا حقائبهما. الرجلان هما ضابط الصف، ذو القفاز الابيض، المرافق لجثمان جوناثان كوتي من قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير، ورجل امن اميركي والذي استطاع ان يجد الجثمان المقطوع الرأس بعد 16 شهر من البحث في جنوبي العراق.
تم اقتياد الرجلين الى المدرج، وتسلق ضابط الصف الى بطن الطائرة. ثم القى العلم الاميركي على النعش الفضي وتأكد من ان جثمان كوتي قد وضع على مسافة القدم الاول من الحزام الناقل.
كانت السماء تمطر غيثا خفيفا، وبلغت درجة الحرارة 5 درجات مئوية. هبت ريح من جهة بحيرة (ايري) لتعصف بستة من الاعلام التي حملها اعضاء مجموعة دراجي الحرس الوطني في نيويورك، وهي مجموعة متضامنة مع عوائل القتلى الاميركيين في العراق. القت اضواء سيارات الشرطة ومعدات فرق تلفزيون بافيلو ومضات من الضوء والظل على الطائرة. يمكنك ان ترى المسافرين من الارض وهم مسمرين الى مقاعدهم في المقصورة المضاءة، بينما انتظر حمالو الامتعة على جانب المدرج حيث وضعت موانع برتقالية براقة وحواجز منتظمة.
وقفت مع عائلة جون تحت جناح الطائرة، متلقيا هبات الريح الباردة. حمل خمس رجال وامرأة من كتيبة القوة الجوية الوطنية 107 في نيويورك، حملوا النعش وساروا وئيدا عبر المدرج نحو عربة نقل الجثامين المنتظرة.
ربما يظن أي مشاهد انه يشهد العودة الحزينة لبطل اميركي قتل في العراق. هذا صحيح من الناحية التقنية: فقد قاتل جوناثان كوتي مع الجيش الاميركي. وقد قتل في العراق.
لكن الامر اكثر تعقيدا من ذلك.
المال والحياة
قمت بتغطية اخبار الحرب في العراق منذ خريف عام 2004 حتى عام 2007، وقد تبين لي ان القصة في جوهرها كانت قضية مرتزقة.
لقد حملتْ هذه الحرب خطيئتها الاصلية: فشل ادارة بوش في توفير القوات الكافية. ولتعويض النقص، اختارت الحكومة ان تعطي مسؤولية تقرير من يمكن له ان يـَقتل ومن يموت من اجل الولايات المتحدة الى شركات غرضها الربح المادي، توظف عشرات الالاف من الجنود المستأجرين: المرتزقة، او المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، كما اصطلح على تسميتهم. قام هؤلاء المرتزقة بتطوير لغتهم الخاصة وثقافتهم الفرعية، وخاضوا حروبهم السرية تحت شروطهم الخاصة، او "قواعد الصبي الكبير" كما يسمون كتابهم الحركي، وهي اكثر من اشارة على التحقير، وذلك لتمييزها عن ضوابط الجيش الرسمية. لم تقم الحكومة بادارجهم في لوائحها، احياءا او امواتا.
لقد كانت، من اعتبارات عدة، حربا موازية، تلك الحرب التي اظهرت، آخر المطاف، اكثر مظاهر الصراع في العراق ظلاما. قام المرتزقة بقتل العراقيين في ظل الحصانة الممنوحة لهم رسميا، كما قام العراقيون بقتلهم. ولم تظهر شدة هذه الحرب الخاصة حتى قام موظفو بلاك ووتر، وهي شركة من بين المئات من المؤسسات الامنية الخاصة في العراق، بقتل 17 شخصا في ساحة للمرور في بغداد في ايلول من عام 2007. وعند ذاك، بعد مرور خمس سنوات من الصراع، لم يكن ممكنا الحفاظ على المجهود الحربي الاميركي بدون المرتزقة.
لقد كانت حربا بلا خطة. حربا بلا تنظير. حربا بدون حساب.
حربا كالهزيمة.
كنت قد التقيت كوتي أول مرة في تشرين الثاني من عام 2006، حينما دعاني الى الركوب الى جانبه من قاعدة طليل الجوية قرب الناصرية عائدين الى مدينة الكويت، حيث يقع المقر الرئيس لشركته المسماة كرسنت سكيوريتي غروب (مجموعة الهلال الامنية). وبغية تقليل التكاليف قامت كرسنت بعبور الطرق الخطرة في العراق مستخدمة مركبات مصفحة نوع جيفي افالانجز، وهي شاحنة صغيرة مدرعة بصفائح من الفولاذ على الابواب واضيف اليها مدفع رشاش في المؤخرة. قال كوتي آنذاك، انه قبل شهرين من ذلك الوقت القت عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق بشاحنة غير مدرعة الى مسافة 50 متر عن الشارع الرئيس، وتسببت في مقتل اثنين من الموظفين العراقيين الذين كانوا بداخلها.
كان الوقت في منتصف الظهيرة، حيث تشع الصحراء حرارة ملتهبة، حينما توجه كوتي بشاحنته نحو البوابة الرئيسة للقاعدة الجوية. وصلنا الى مقدمة المدخل، ثم اصبحنا فجأة غير قادرين على الحركة، فقد وقفت قافلة من الشاحنات الكبيرة في طريقنا. وكان هناك على اليسار سياج من السلاسل يمتد مع الطريق. اما على اليمين فقد انحدر كتف ترابي بزاوية حادة الى الاسفل نحو حقل طيني هائل.
قال لي كوتي، مشيحا عن ابتسامة صفراء: "تشبث. هل ربطت حزام الامان؟"
انطلق بشاحنته المدرعة مسرعا عبر الكتف الترابي، حتى ارتطمت المركبة بالوحل، وارتمينا على لوحة التحكم الداخلية، ثم قاد الشاحنة الى الوراء، وبدأ المحرك بالزئير، بينما تدور الاطارات في محلها. ثم قام كوتي بتغيير اتجاه مغير السرعة فانطلقت الشاحنة الى الامام قافزة بنا عبر الوحول. وحينما وصلنا الى مقدمة القافلة قام كوتي باعادة الشاحنة بتهور الى الطريق المعبد. ثم ضحك طويلا.
قال كوتي انه يشعر احيانا كما لو انه يراقب نفسه يلعب بنفسه في الحرب. كان يبلغ 23 عاما من العمر ويبدو وكأنه عارض ازياء، بلحيته البنية القصيرة، ووجهه الوسيم الذي تشوبه بعض البقع الخفيفة، وجسده الذي يشبه اجسام لاعبي كرة القدم الاميركية. وقد نشر صورا في صفحته بموقع فيس بوك تظهر فقط نصفه الاعلى، او درعه الخالي ملتفا حول بندقية كلاشنكوف. وقال لي: "انا ذلك النوع من الشباب الذين يجب ان يحصلوا على التسلية مهما كان العمل الذي يقومون به".
احدى الاشياء التي كان يحب ان يقوم بها على سبيل التسلية هو ان يقود شاحنته في مدينة بغداد مع وضع اغاني باعلى صوت وفتح النوافذ، بينما يقوم بالتمايل الى الامام والخلف على ايقاعها وقد تباعدت اصابع يديه. لقد كان كوتي ايضا مهووسا بصحته. فعلى المقعد الامامي لشاحنته المدرعة كان يضع علبا من الخوخ والمكسرات المخلوطة، بالاضافة الى بندقيته الكلاشنكوف الملقمة ولكن مؤمنة، ونسخة من كتاب: "ما بعد القوة: الموسوعة الداخلية حول كيفية بناء العضلات واكتساب القوة".
وكان كوتي يكسب مبلغ 7,000 دولار في الشهر من عمله في حماية قوافل الامدادات في العراق، لكن لم يكن المال وحده السبب في عودته الى العراق. لقد خدم في الفرقة 82 المحمولة جوا، مكملا الجولات القتالية في العراق وافغانستان. وبعد انهاء خدمته العسكرية تم ادراج قيده في جامعة فلوريدا ليدرس المحاسبة. لابد انه كان يعيش مدينتة الفاضلة: لديه امرأة جميلة، حفلات اجتماعية، الشمس المشرقة على الدوام والتي لم ير مثلها في بوفيلو، مدينته الاصلية.
لكنه وجد ان العراق مازال يشغل باله، تلك التجربة المكثفة، والاحساس بالهدف الذي حصل عليه، والذي لا يمكن الاستعاضة عنه في أي مكان آخر. لقد حاول ان يحاكي هذه التجربة من خلال معاقرة الشراب، ومعاشرة نساء عديدات، وركوب المخاطر. في احد الليالي، بينما كان نصف سكران، وضع شاحنته نوع فورد على وضع القيادة الآلية ثم اخرج جسمه من نافذة السائق والقى بنفسه الى حوض الشاحنة الخلفي. وقف يتطلع من خلف قمرة الشاحنة مثلما فعل ليوناردو دي كابريو حينما مالت التايتانك، تضرب الريح وجهه، بينما تهرع شاحنته نحو الظلمة بسرعة 110 كم/ ساعة، وقد سيطر على مقودها صديقه المذعور بعد ان تحول الى مقعد السائق. ثم قام كوتي اخيرا بتسلق طريقه عائدا الى مقد المسافر من خلال النافذة.
قال كوتي لاحد اصدقائه في الكلية في احد الايام: " مكاني ليس هنا".
وغادر قبل ان يعلم به أي احد.
قال لي وهو يعود بشاحنته الى طريق تموين الرئيس المسمى (تامبا) بالقرب من الناصرية: "لقد كنت ابحث عن شعور افتقده، وهذه الوظيفة قدمته لي". كان كوتي يقود الشاحنة وقد فتح نافذته وارتدى قميصا قصير الكم، بينما كنت ارتدي سترة واقية. ازدحمت النجوم في السماء وبامكانك ان تشعر بحرارة الليل ورائحة الصحراء. وضع كوتي مشغل الاغاني الخاص به ليعزف اغنيات الهيب-هوب والراب في الخلفية باستمرار. اخذ كوتي يضرب على المقود ويتمايل برأسه طربا مع الموسيقى وهو يقود الشاحنة.
وكان يخبرني انه كان ينظر الى حياته كما لو كانت كتابا، قائلا وهو يشير عمره: "ان كان الكتاب من 23 صفحة فقط، فاريدها ان تكون 23 صفحة مثيرة للاهتمام حقا".
كانت تلك هي نسخته عن التعبير الذي سمعته مرارا وتكرارا في العراق: تعال من اجل المال، ابق من اجل الحياة.
بالنسبة للمرتزقة، او ان شئت المتعاقدين الامنيين، هذه احدى الطرق لتجميع مليون سبب لتوضيح لماذا هم في ذلك المكان. ولماذا واصلوا العودة الى ذلك المكان، بضمنها الاسباب التي لا يستطيعون التعبير عنها او ربما لا يريدون الاعتراف بها حتى لو استطاعوا. هناك يجدون ما هو جلي: الشعور بالرفقة، والادمان على الاثارة، فالعراق ميدان للواقع وليس التجريد. لكن الامر كان شخصيا في الغالب. مهما تكن روايتك، فهذا هو السبب في وجودك هناك. ليس لكون الرواية صحيحة اهمية كبرى، او فيما اذا اخبرت بها أي احد سواك، او فيما اذا تغيرت مع الزمن، حتى لو تغيرت كل يوم.
انا لدي روايتي الخاصة، ولهذا السبب ربما ظننت اني اتفهم لماذا يواصل الرجال مثل كوتي عودتهم الى هناك. ففي موطني في كاليفورنيا يرقد والدي على فراش الموت مريضا بسرطان الرئة، بينما يستأنف اخي، وهو صحفي ايضا، حكما بالسجن 18 شهرا لرفضه الافصاح عن مصدره الذي سرب له معلومات عن فضيحة منشطات. اما ابني، واسمه ويل، فقد بلغ للتو ثماني سنوات.
نعم، انا ايضا واصلت العودة الى العراق. حينما يسألني الناس لماذا لا استطيع الاجابة سوى بالقول: "انا اشعر اني احتاج الى ذلك فحسب".
خطة للربيع
تتطلب الصحافة كمهنة توازنا بين الحميمية والحفاظ على المسافة. لكني اعتقد ان الميزان قد مال بالنسبة لي، فبعد ان امضيت ساعات وساعات مع كوتي، وجدت نفسي فجأة اسديه النصيحة.
لم افكر في ذلك كثيرا في الواقع. لقد كان جون اصغر مني باحدى وعشرين سنة، لكن لدينا نفس يوم الميلاد: الحادي عشر من شباط. وكنت منبهرا به، مثلي مثل أي شخص آخر، فقد كان تجسيدا لقوة الطبيعة. قال احد اصدقائه ذات مرة: "قلبه مصنوع من اجزاء من هذا العالم".
لقد كانت الحياة كلها مفتوحة امام كوتي. وشركة كرسنت، باي اعتبار، لم تكن في مأمن لا من قريب ولا من بعيد. ذلك واضح للجميع. فبالاضافة الى ضعف شاحناتها، فقد تركت الشركة آثارا من الفوضى في عموم العراق. وردت تقارير بان موظفيها قاموا بتزوير هويات عسكرية من اجل ادخال العراقيين الذين لم يتم التحقق منهم الى قواعد الجيش الاميركي. كما تجول موظفو كرسنت في المدن العراقية، مطلقين النار من اسلحتهم، ومهربين الاسلحة والكحول عبر الحدود العراقية الكويتية. ويذكر ان الموظف "الصحي" للشركة وصف نفسه بانه مدمن كحول لم يمر باي تدريب طبي رسمي وليس لديه الوسائل الصحية الاساسية مثل الاربطة المانعة للنزيف. اما "المدير الامني" فهو مدان بتهمة العنف المنزلي وممنوع من حمل أي سلاح ناري في الولايات المتحدة، لكنه يقود مركبته في العراق مصطحبا بندقية كلاشنكوف، وقاذفة صواريخ محمولة على الكتف. وقد وظفت الشركة سائقي شاحنات قطر واشخاصا لم يخدموا في الجيش منذ سبعينيات القرن الماضي وارسلتهم الى ساحة المعركة مدججين بالسلاح.
قلت لكوتي: "يا صاح، عليك الخروج من هنا. عليك العودة الى مقاعد الدراسة".
كنا في احدى الشاحنات المدرعة في طريقنا الى زيارة احد الصاغة في مدينة الكويت، كان كوتي قد طلب منه ان يصوغ له محبسا على هيأة فراشة ليهديها الى امه في عيد مولدها. قال لي انها تحب الفراشات لانها حرة، مثلهما. وكان يخطط ان يعطي امه المحبس عندما يعود الى الوطن.
قلت لكوتي: "هذه الشركة غارقة في الفوضى. اعلم انك لا تشعر بذلك في بعض الاوقات، لكن كل شيء في العالم يجري امامك. مكانك ليس هنا".
ربما قال في بعض الاحيان انه لا يعبأ حقا اذا اصابه مكروه، لانه لا يمتلك زوجة او ابنا او أي شخص يكون هو مسؤولا عنه. لا اعتقد ابدا انه يعتقد بذلك تماما على الاطلاق، انها احدى الاشياء التي تقولها لتستدرك شعورك في لحظة ما. لكنه لم يقلها هذه المرة.
بل قال، عوضا من ذلك، انه يفكر في العودة الى الوطن، وانه قد قرر ذلك بالفعل. قال انه سوف يذهب الى الكلية في الربيع، هذه المرة ليدرس مادة مختلفة ولديه خطة.
قال: "ربما ارغب في ان اصبح مدربا، كما تعلم، مثل مدرب رياضي لفريق الكلية. افعل شيء ما خارج الغرف المقفلة".
اخبر كوتي عائلته واصدقاءه انه عائد الى الوطن، وترك رسالة على هاتفه النقال في الولايات المتحدة. طلب من اصدقائه في الاخوية بمدينة غينسفيليد ان يحجزوا له غرفة من اجل دراسته في الربيع. واتصل بصديقته شيفا هافيزي وطلب منها ان تأتي لاستقباله في المطار.
في الليلة التي سبقت مغادرتي الكويت، قررت ان التقط بعض الصور الفيديوية لكوتي. جلس على سريره في غرفته، متكئا على الحائط مرتديا قميصا اسودا قصير الكم وقد وشح عليه تمساح برتقالي اللون وكلمات "متبرع بالدم من جامعة فلويدا".
فجاة لاحظت الظلال على الحائط خلفه.
قلت له: "هل تعلم، انا انظر الى الظلال خلفك، وهي تبدو كما لو ان لديك اجنحة".
اجاب: "لا، لا يبدو ذلك".
قلت ضاحكا: "بلى، انها تبدو كذلك، نوعا ما".
ادار كوتي ليلقي نظرة، لكن الظلال تحركت بالطبع فلم يستطع رؤيتها.
قصة في الاخبار
توفي والدي بالسرطان وانا في طريق العودة من العراق.
بعد عدة ايام، قمت مع اخي بتنظيف شقته في بيتالوما، بكاليفورنيا. وبينما كنت اقود سيارتي عائدا الى منزلي، متعب ومجرد من الاحساس، شغلت هاتفي النقال. كانت هناك رسالة مستعجلة تطلب مني ان اتصل بالمكتب.
وكان مدير التحرير على الخط يسألني عن اسم الشركة الامنية التي سافرت برفقتها الاسبوع الماضي.
قلت له: "كرسنت سكيوريتي غروب".
قال: "هذا ما ظننت. اسمع، هناك قصة في الاخبار ان كرسنت قد تعرضت الى كمين في جنوب العراق. ثم فـُقد خمس من عناصرها".
وسرد علي الاسماء فلم اعيها في وقتها.
شعرت بالصداع والغثيان، وهو ما تشعر به حينما تنحدر الطائرة من ارتفاعها فجأة.
اسرعت بالعودة الى المنزل لكي اتصل بكوتي في مدينة الكويت. اجابني المجيب الالي، اولا بالعربية، ثم بالانكليزية: "الشخص الذي تحاول الاتصال به غير موجود حاليا او خارج نطاق التغطية".
تم اختطاف كوتي مع اربعة آخرين في نفس الطريق السريع الذي كنا نسافر فيه الاسبوع السابق. لقد سافرنا سوية، ولم يخطر على بالي ان حياته ليست الا كتابا من 23 صفحة.
حيوات معلقة
بعد اربعة شهور من الاختطاف، قرع جرس الهاتف قرب سرير فرانسيس ونانسي كوتي حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا. كانت نانسي الاقرب الى الهاتف، وقد ايقضها صوته، وملأها رعبا.
كان المتحدث هو فرانكو بيكو، مالك شركة كرسنت سكيوريتي غروب، متصلا من الكويت. استيقظ فرانسيس في هذه الاثناء فناولته نانسي سماعة الهاتف. افزعته لهجة بيكو الافريقية الجنوبية الغليظة. لكن بيكو قال له انه "كان يتوقع اخبارا طيبة". قال له ان لديه مصادر اخبروه انهم شاهدوا جون والاربعة الاخرين احياءا. قال انه لم يستطع الحصول على تفاصيل اكثر. لكنه ترك انطباعا ان كابوسهم سوف ينجلي قريبا.
مرت ايام، واسابيع، ومن ثم اشهر. لكن كوتي لم يسمع من بيكو اي خبر مرة اخرى.
كيف نلتقي اصدقاءنا، هؤلاء الاشخاص الذي احببنا؟
التقيت فرانسيس ونانسي كوتي لان ابنهم مختطف في العراق، وكنت من بين آخر الناس الذين رأوه حيا.
فرانسيس البالغ 50 عاما من العمر، كان رجلا صلبا ومحتملا، بلحية مدببة على الحنك وشعر كثيف اشيب. امضى عشرين عاما في المارينز، وقاتل في حرب الخليج، ومن ثم تقاعد من الخدمة. والان يعمل مدير برنامج في شركة أي بي ام. اما نانسي فهي زوجته الثانية وزوجة اب لجون، والتحقت بادارة مكافحة المخدرات في عام 1980، لتصبح المرأة رقم 50 في التاريخ التي ترتقي الى مرتبة العميل المقيم المسؤول عن فرقة مكافحة المخدرات في بوفيلو.
راقبتهم، بعد الاختطاف، وهم يعانون في وقار وتأدب، بصبر وايمان. لا يمكن تفريق مأساتهم عن مأساة العوائل الاخرى التي لديها احبة في حافة الخطر في العراق، لكنها مع ذلك مختلفة تماما لانها تشتمل على الاعمال التجارية.
حال ان اعلن فقدان جون والرجال الاربع الاخرين قامت شركة كرسنت سكيوريتي غروب بتعليق رواتبهم، كما لو انهم اخذوا اجازة غير مصرّح بها، او تغيبوا لشهور عديدة في اجازة مرضية غير موثقة. بالنسبة الى كوتي، الطالب الجامعي، لم يكن ذلك يعني الكثير، لكن الاخرين كانوا معيلين ولديهم اطفال.
شعرت عوائل المختطفين بالضعف، واليأس، وتعلقت حيواتهم. عينت وزارة الخارجية ممثلة عنها من مكتب خدمات المواطنين وادارة الازمات لاحاطتهم علما بما يجري. هذه الممثلة اسمها جيني فو، وقد اتصلت بكل عائلة مرة في الاسبوع من مكتبها في واشنطن.
لكن لم يكن لديها الكثير لتقوله. كانت فو مبتهجة ومتعاطفة، واتصلت كل اسبوع بلا تأخر. لكن العوائل ادركت انها ليست الا موظفة تقوم بواجبها، حيث ان دورها الاساس ينصب في تهدئة روعهم، ومن ثم ازداد استيائهم. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي أي) هو من يقوم بالتحقيقات خارج المنطقة الخضراء في بغداد، وليس وزارة الخارجية، وكان هو الاخر مضطربا. كان حادث الاخطاف هو الاكبر الذي يقع ضد اميركيين منذ بدء الحرب، ومع ذلك فان غرفة العمليات كانت متمركزة على بعد 500 كم من ساحة الجريمة، وليس في أي مكان قرب المنطقة التي يعتقد ان الرهائن قد احتجزوا فيها. امضى العملاء الفيدراليون 90 يوما في العراق ومن ثم سلموا القضية.
كانت نانسي كوتي غاضبة جدا للتقصير الواضح التعامل مع قضية ابن زوجها. وقامت بدفع الحكومة، من خلال اتصالاتها داخل ادارة مكافحة المخدرات، لتغيير تكتيكاتها بهدوء. وعلى خلاف الاف بي أي، قام عميل لا يمتلك خبرة سابقة في التعامل مع قضايا الاختطاف بايجاد موقع له جنوب العراق.
سوف يبقى هناك فترة طويلة حتى اصبح يعرف باسم جو من البصرة.
الحمولة المهولة
سافر جو، بعد ان امضى بضعة شهور في عمله، الى بغداد لابلاغ مسؤولي الاف بي أي والمسؤولين الحكوميين الاخرين بمستجدات القضية. وبينما كان هناك تلقى اتصالا على هاتفه النقال. اخبره المتصل ان رسولا قد توجه الى مطار البصرة حاملا دليلا على رهائن شركة كرسنت المفقودين.
في الحادي عشر من شباط 2008، في يوم ميلاد جون كوتي الخامس والعشرين، اتصل جو بالبصرة لاخبار فريق القوات الخاصة في البصرة بان الرسول في طريقه اليهم.
جاء الرجل الى بوابة المطار حاملا كيسا صغيرا من البلاستك. تم اصطحابه الى الموقع شديد التحصين، حيث قام قائد القوات الخاصة، مرتديا قفازات بلاستيكية، بفتح الكيس بعناية، ثم شعر بالقشعريرة تمر بجسده. وجد في داخل الحقيبة خمس اصابع مقطوعة، كل في كيس منفصل. اخبره حامل الكيس انها تعود الى رهائن شركة كرسنت المفقودين. كانت الاصابع مغطاة بالاتربة ، كما انها كانت قد تحللت بشدة، حتى اصبحت اشبه باطراف الاصابع منها بالاصابع نفسها. وفيما بعد، اظهر التحليل الذي اجري عليها في الولايات المتحدة ان احدها يعود الى جون كوتي.
شعر كل من فرانسيس ونانسي ان الاكتشاف المهول كان دليلا على ان جون مازال حيا. قالت لي نانسي: "لو كان جثة، اما كنتَ ستأخذ الاصبع بكامله؟ انا اعتقد حقا انه قد قـُطع من جسم حي".
ولكن ما هي الاسابيع حتى يتم استلام الجثث نفسها. ففي 24 نيسان، وبعد العثور على رفات الاربعة الاخرين من رهائن كرسنت، توقفت اربع سيارات امام منزل كوتي في ضواحي بوفيلو. كان يوما ربيعيا مشرقا. مرّ العملاء من خلال المطبخ، ثم جلسوا الى طاولة الشرفة في الخارج مع فرانسيس، ونانسي، والاخ الاكبر لجون، المدعو كريس.
نظرت العميلة ذات الشعر الاحمر الطويل مباشرة الى فرانسيس، واخبرته ان الفحوصات قد استكملت وان الجثة الاخيرة تعود الى "ابنك جوناثان كوتي".
معضلة غير محلولة
بلغ الرقم الرسمي لاعداد القتلى الاميركيين في العراق حتى ذلك اليوم 4,047. ولم يتغير الرقم حينما تم التعرف على رفاة جون.
بعد مرور خمس سنوات من الحرب في العراق، لا يتم احتساب المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، احياءا او امواتا، حتى ولو كان المئات، وربما الالاف قد قضوا.
يخلق استئجار اناس ليقاتلوا في حربك حالة من عدم الوضوح.
لم استطع ابدا ان احل هذه المعضلة. اضحت قضية جون كوتي، بالنسبة لي، مثالا على الحرب، مع كل البطولات المجيدة والفراغ الاخلاقي. لقد اصبحت مرتبطة، بما يستحيل الفصل، مع موت والدي، ومع اسبابي الغامضة لترك عائلتي لكي اعود الى العراق، بالاضافة الى القرارات المأساوية، كبيرها وصغيرها، التي نتخذها جميعنا، كافراد وكبلد.
لقد احببت كوتي لحظة التقيته. لكنه اقحم نفسه في عمل قبيح رعته الحكومة الاميركية، وهو ما يظهر فشلنا في العراق، وهو ايضا وسيلة لتحويل المسؤولية واخفاء اعداد القتلى.
بينما انقسم العراق الى اجزاء، ليس قريبا التآمها مجددا، ساعد المتعاقدون الامنيون الخصوصيون في الصاق الحرب بهامش ضمائرنا، العشرات من الالاف من جنود الظل، دورهم وهوياتهم ضبابية مثل الحرب نفسها. لم يكن عليك ان تدرجهم في سجلاتك، او تحتسبهم، او تديرهم من خلال الكونغرس.
لم يكن عليك حتى ان تعلم انهم كانوا هناك.
في الثاني من آيار، ازدحم 800 شخص قرب صورة ميلاد المسيح في كنيسة مريم العذراء المباركة في وليامزفيل في نيويورك، من اجل تأبين كوتي. ضم الجمع اكثر من اثني عشر من اعضاء الفصيل الذي خدم فيه التابع للكتيبة 82 المحمولة جوا، وبعضا من اصدقائه في الاخوية من جامعة فلوريدا، واصدقاء واقارب من انحاء البلاد. ولكن لم يكن بينهم ممثل واحد عن شركة كرسنت سكيويتي غروب.
نهض فرانسيس، ضغط بيده اليسرى على نعش ابنه، ثم مشى متثاقلا نحو المنبر.
في غمرة رثاءه الطويل، وقد تردد صوته في ارجاء الكنيسة، اخذ لحظات يصف فيها العالم الغريب وغير المألوف الذي قتل فيه ابنه.
قال فرانسيس ان موظفي المتعاقدين الخصوصيين "يخفون التكلفة الحقيقية للحرب. موتهم لم يضف الى حساب القتلى الرسمي. واجباتهم –وامتيازاتهم– يقوم باخفائها مدراء تنفيذيون مكممو الافواه، والذين لا يعطون تفاصيل الى الكونغرس، بينما تنتفخ اموالهم وادوارهم".
ثم اضاف قائلا: "على الرغم من جون لم يكن في القوات المسلحة حينما قتل، الا انه كان، مرة اخرى، يخدم بلدنا في هذه الحرب".
* فاينارو هو مراسل واشنطن بوست. وقد منح جائزة بولتزر عن تقاريره عام 2007 حول دور القوات الامنية الخصوصية في الحرب في العراق.
بقلم: ستيف فاينارو
ترجمة: علاء غزالة
بينما كانت طائرة الخطوط الجوية الاميركية المرقمة 1860 تقترب من البوابة رقم 4 في مطار بوفيلو نياغرا الدولي، جاء صوت الطيار عبر المذياع الداخلي مناديا: "انتباه رجاء. نحن نحمل هذه الليلة معنا جثمان احد الاميركيين الذين قتلوا في العراق. الرجاء ان تبقوا في مقاعدكم من اجل تسهيل نقل الجثمان، ولتسهيل مغادرة مرافقيه الطائرة". ساد الصمت في مقصورة الطائرة. لم يتحرك احد عندما نهض رجلان كانا يجلسان في الصف الامامي ليأخذا حقائبهما. الرجلان هما ضابط الصف، ذو القفاز الابيض، المرافق لجثمان جوناثان كوتي من قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير، ورجل امن اميركي والذي استطاع ان يجد الجثمان المقطوع الرأس بعد 16 شهر من البحث في جنوبي العراق.
تم اقتياد الرجلين الى المدرج، وتسلق ضابط الصف الى بطن الطائرة. ثم القى العلم الاميركي على النعش الفضي وتأكد من ان جثمان كوتي قد وضع على مسافة القدم الاول من الحزام الناقل.
كانت السماء تمطر غيثا خفيفا، وبلغت درجة الحرارة 5 درجات مئوية. هبت ريح من جهة بحيرة (ايري) لتعصف بستة من الاعلام التي حملها اعضاء مجموعة دراجي الحرس الوطني في نيويورك، وهي مجموعة متضامنة مع عوائل القتلى الاميركيين في العراق. القت اضواء سيارات الشرطة ومعدات فرق تلفزيون بافيلو ومضات من الضوء والظل على الطائرة. يمكنك ان ترى المسافرين من الارض وهم مسمرين الى مقاعدهم في المقصورة المضاءة، بينما انتظر حمالو الامتعة على جانب المدرج حيث وضعت موانع برتقالية براقة وحواجز منتظمة.
وقفت مع عائلة جون تحت جناح الطائرة، متلقيا هبات الريح الباردة. حمل خمس رجال وامرأة من كتيبة القوة الجوية الوطنية 107 في نيويورك، حملوا النعش وساروا وئيدا عبر المدرج نحو عربة نقل الجثامين المنتظرة.
ربما يظن أي مشاهد انه يشهد العودة الحزينة لبطل اميركي قتل في العراق. هذا صحيح من الناحية التقنية: فقد قاتل جوناثان كوتي مع الجيش الاميركي. وقد قتل في العراق.
لكن الامر اكثر تعقيدا من ذلك.
المال والحياة
قمت بتغطية اخبار الحرب في العراق منذ خريف عام 2004 حتى عام 2007، وقد تبين لي ان القصة في جوهرها كانت قضية مرتزقة.
لقد حملتْ هذه الحرب خطيئتها الاصلية: فشل ادارة بوش في توفير القوات الكافية. ولتعويض النقص، اختارت الحكومة ان تعطي مسؤولية تقرير من يمكن له ان يـَقتل ومن يموت من اجل الولايات المتحدة الى شركات غرضها الربح المادي، توظف عشرات الالاف من الجنود المستأجرين: المرتزقة، او المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، كما اصطلح على تسميتهم. قام هؤلاء المرتزقة بتطوير لغتهم الخاصة وثقافتهم الفرعية، وخاضوا حروبهم السرية تحت شروطهم الخاصة، او "قواعد الصبي الكبير" كما يسمون كتابهم الحركي، وهي اكثر من اشارة على التحقير، وذلك لتمييزها عن ضوابط الجيش الرسمية. لم تقم الحكومة بادارجهم في لوائحها، احياءا او امواتا.
لقد كانت، من اعتبارات عدة، حربا موازية، تلك الحرب التي اظهرت، آخر المطاف، اكثر مظاهر الصراع في العراق ظلاما. قام المرتزقة بقتل العراقيين في ظل الحصانة الممنوحة لهم رسميا، كما قام العراقيون بقتلهم. ولم تظهر شدة هذه الحرب الخاصة حتى قام موظفو بلاك ووتر، وهي شركة من بين المئات من المؤسسات الامنية الخاصة في العراق، بقتل 17 شخصا في ساحة للمرور في بغداد في ايلول من عام 2007. وعند ذاك، بعد مرور خمس سنوات من الصراع، لم يكن ممكنا الحفاظ على المجهود الحربي الاميركي بدون المرتزقة.
لقد كانت حربا بلا خطة. حربا بلا تنظير. حربا بدون حساب.
حربا كالهزيمة.
كنت قد التقيت كوتي أول مرة في تشرين الثاني من عام 2006، حينما دعاني الى الركوب الى جانبه من قاعدة طليل الجوية قرب الناصرية عائدين الى مدينة الكويت، حيث يقع المقر الرئيس لشركته المسماة كرسنت سكيوريتي غروب (مجموعة الهلال الامنية). وبغية تقليل التكاليف قامت كرسنت بعبور الطرق الخطرة في العراق مستخدمة مركبات مصفحة نوع جيفي افالانجز، وهي شاحنة صغيرة مدرعة بصفائح من الفولاذ على الابواب واضيف اليها مدفع رشاش في المؤخرة. قال كوتي آنذاك، انه قبل شهرين من ذلك الوقت القت عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق بشاحنة غير مدرعة الى مسافة 50 متر عن الشارع الرئيس، وتسببت في مقتل اثنين من الموظفين العراقيين الذين كانوا بداخلها.
كان الوقت في منتصف الظهيرة، حيث تشع الصحراء حرارة ملتهبة، حينما توجه كوتي بشاحنته نحو البوابة الرئيسة للقاعدة الجوية. وصلنا الى مقدمة المدخل، ثم اصبحنا فجأة غير قادرين على الحركة، فقد وقفت قافلة من الشاحنات الكبيرة في طريقنا. وكان هناك على اليسار سياج من السلاسل يمتد مع الطريق. اما على اليمين فقد انحدر كتف ترابي بزاوية حادة الى الاسفل نحو حقل طيني هائل.
قال لي كوتي، مشيحا عن ابتسامة صفراء: "تشبث. هل ربطت حزام الامان؟"
انطلق بشاحنته المدرعة مسرعا عبر الكتف الترابي، حتى ارتطمت المركبة بالوحل، وارتمينا على لوحة التحكم الداخلية، ثم قاد الشاحنة الى الوراء، وبدأ المحرك بالزئير، بينما تدور الاطارات في محلها. ثم قام كوتي بتغيير اتجاه مغير السرعة فانطلقت الشاحنة الى الامام قافزة بنا عبر الوحول. وحينما وصلنا الى مقدمة القافلة قام كوتي باعادة الشاحنة بتهور الى الطريق المعبد. ثم ضحك طويلا.
قال كوتي انه يشعر احيانا كما لو انه يراقب نفسه يلعب بنفسه في الحرب. كان يبلغ 23 عاما من العمر ويبدو وكأنه عارض ازياء، بلحيته البنية القصيرة، ووجهه الوسيم الذي تشوبه بعض البقع الخفيفة، وجسده الذي يشبه اجسام لاعبي كرة القدم الاميركية. وقد نشر صورا في صفحته بموقع فيس بوك تظهر فقط نصفه الاعلى، او درعه الخالي ملتفا حول بندقية كلاشنكوف. وقال لي: "انا ذلك النوع من الشباب الذين يجب ان يحصلوا على التسلية مهما كان العمل الذي يقومون به".
احدى الاشياء التي كان يحب ان يقوم بها على سبيل التسلية هو ان يقود شاحنته في مدينة بغداد مع وضع اغاني باعلى صوت وفتح النوافذ، بينما يقوم بالتمايل الى الامام والخلف على ايقاعها وقد تباعدت اصابع يديه. لقد كان كوتي ايضا مهووسا بصحته. فعلى المقعد الامامي لشاحنته المدرعة كان يضع علبا من الخوخ والمكسرات المخلوطة، بالاضافة الى بندقيته الكلاشنكوف الملقمة ولكن مؤمنة، ونسخة من كتاب: "ما بعد القوة: الموسوعة الداخلية حول كيفية بناء العضلات واكتساب القوة".
وكان كوتي يكسب مبلغ 7,000 دولار في الشهر من عمله في حماية قوافل الامدادات في العراق، لكن لم يكن المال وحده السبب في عودته الى العراق. لقد خدم في الفرقة 82 المحمولة جوا، مكملا الجولات القتالية في العراق وافغانستان. وبعد انهاء خدمته العسكرية تم ادراج قيده في جامعة فلوريدا ليدرس المحاسبة. لابد انه كان يعيش مدينتة الفاضلة: لديه امرأة جميلة، حفلات اجتماعية، الشمس المشرقة على الدوام والتي لم ير مثلها في بوفيلو، مدينته الاصلية.
لكنه وجد ان العراق مازال يشغل باله، تلك التجربة المكثفة، والاحساس بالهدف الذي حصل عليه، والذي لا يمكن الاستعاضة عنه في أي مكان آخر. لقد حاول ان يحاكي هذه التجربة من خلال معاقرة الشراب، ومعاشرة نساء عديدات، وركوب المخاطر. في احد الليالي، بينما كان نصف سكران، وضع شاحنته نوع فورد على وضع القيادة الآلية ثم اخرج جسمه من نافذة السائق والقى بنفسه الى حوض الشاحنة الخلفي. وقف يتطلع من خلف قمرة الشاحنة مثلما فعل ليوناردو دي كابريو حينما مالت التايتانك، تضرب الريح وجهه، بينما تهرع شاحنته نحو الظلمة بسرعة 110 كم/ ساعة، وقد سيطر على مقودها صديقه المذعور بعد ان تحول الى مقعد السائق. ثم قام كوتي اخيرا بتسلق طريقه عائدا الى مقد المسافر من خلال النافذة.
قال كوتي لاحد اصدقائه في الكلية في احد الايام: " مكاني ليس هنا".
وغادر قبل ان يعلم به أي احد.
قال لي وهو يعود بشاحنته الى طريق تموين الرئيس المسمى (تامبا) بالقرب من الناصرية: "لقد كنت ابحث عن شعور افتقده، وهذه الوظيفة قدمته لي". كان كوتي يقود الشاحنة وقد فتح نافذته وارتدى قميصا قصير الكم، بينما كنت ارتدي سترة واقية. ازدحمت النجوم في السماء وبامكانك ان تشعر بحرارة الليل ورائحة الصحراء. وضع كوتي مشغل الاغاني الخاص به ليعزف اغنيات الهيب-هوب والراب في الخلفية باستمرار. اخذ كوتي يضرب على المقود ويتمايل برأسه طربا مع الموسيقى وهو يقود الشاحنة.
وكان يخبرني انه كان ينظر الى حياته كما لو كانت كتابا، قائلا وهو يشير عمره: "ان كان الكتاب من 23 صفحة فقط، فاريدها ان تكون 23 صفحة مثيرة للاهتمام حقا".
كانت تلك هي نسخته عن التعبير الذي سمعته مرارا وتكرارا في العراق: تعال من اجل المال، ابق من اجل الحياة.
بالنسبة للمرتزقة، او ان شئت المتعاقدين الامنيين، هذه احدى الطرق لتجميع مليون سبب لتوضيح لماذا هم في ذلك المكان. ولماذا واصلوا العودة الى ذلك المكان، بضمنها الاسباب التي لا يستطيعون التعبير عنها او ربما لا يريدون الاعتراف بها حتى لو استطاعوا. هناك يجدون ما هو جلي: الشعور بالرفقة، والادمان على الاثارة، فالعراق ميدان للواقع وليس التجريد. لكن الامر كان شخصيا في الغالب. مهما تكن روايتك، فهذا هو السبب في وجودك هناك. ليس لكون الرواية صحيحة اهمية كبرى، او فيما اذا اخبرت بها أي احد سواك، او فيما اذا تغيرت مع الزمن، حتى لو تغيرت كل يوم.
انا لدي روايتي الخاصة، ولهذا السبب ربما ظننت اني اتفهم لماذا يواصل الرجال مثل كوتي عودتهم الى هناك. ففي موطني في كاليفورنيا يرقد والدي على فراش الموت مريضا بسرطان الرئة، بينما يستأنف اخي، وهو صحفي ايضا، حكما بالسجن 18 شهرا لرفضه الافصاح عن مصدره الذي سرب له معلومات عن فضيحة منشطات. اما ابني، واسمه ويل، فقد بلغ للتو ثماني سنوات.
نعم، انا ايضا واصلت العودة الى العراق. حينما يسألني الناس لماذا لا استطيع الاجابة سوى بالقول: "انا اشعر اني احتاج الى ذلك فحسب".
خطة للربيع
تتطلب الصحافة كمهنة توازنا بين الحميمية والحفاظ على المسافة. لكني اعتقد ان الميزان قد مال بالنسبة لي، فبعد ان امضيت ساعات وساعات مع كوتي، وجدت نفسي فجأة اسديه النصيحة.
لم افكر في ذلك كثيرا في الواقع. لقد كان جون اصغر مني باحدى وعشرين سنة، لكن لدينا نفس يوم الميلاد: الحادي عشر من شباط. وكنت منبهرا به، مثلي مثل أي شخص آخر، فقد كان تجسيدا لقوة الطبيعة. قال احد اصدقائه ذات مرة: "قلبه مصنوع من اجزاء من هذا العالم".
لقد كانت الحياة كلها مفتوحة امام كوتي. وشركة كرسنت، باي اعتبار، لم تكن في مأمن لا من قريب ولا من بعيد. ذلك واضح للجميع. فبالاضافة الى ضعف شاحناتها، فقد تركت الشركة آثارا من الفوضى في عموم العراق. وردت تقارير بان موظفيها قاموا بتزوير هويات عسكرية من اجل ادخال العراقيين الذين لم يتم التحقق منهم الى قواعد الجيش الاميركي. كما تجول موظفو كرسنت في المدن العراقية، مطلقين النار من اسلحتهم، ومهربين الاسلحة والكحول عبر الحدود العراقية الكويتية. ويذكر ان الموظف "الصحي" للشركة وصف نفسه بانه مدمن كحول لم يمر باي تدريب طبي رسمي وليس لديه الوسائل الصحية الاساسية مثل الاربطة المانعة للنزيف. اما "المدير الامني" فهو مدان بتهمة العنف المنزلي وممنوع من حمل أي سلاح ناري في الولايات المتحدة، لكنه يقود مركبته في العراق مصطحبا بندقية كلاشنكوف، وقاذفة صواريخ محمولة على الكتف. وقد وظفت الشركة سائقي شاحنات قطر واشخاصا لم يخدموا في الجيش منذ سبعينيات القرن الماضي وارسلتهم الى ساحة المعركة مدججين بالسلاح.
قلت لكوتي: "يا صاح، عليك الخروج من هنا. عليك العودة الى مقاعد الدراسة".
كنا في احدى الشاحنات المدرعة في طريقنا الى زيارة احد الصاغة في مدينة الكويت، كان كوتي قد طلب منه ان يصوغ له محبسا على هيأة فراشة ليهديها الى امه في عيد مولدها. قال لي انها تحب الفراشات لانها حرة، مثلهما. وكان يخطط ان يعطي امه المحبس عندما يعود الى الوطن.
قلت لكوتي: "هذه الشركة غارقة في الفوضى. اعلم انك لا تشعر بذلك في بعض الاوقات، لكن كل شيء في العالم يجري امامك. مكانك ليس هنا".
ربما قال في بعض الاحيان انه لا يعبأ حقا اذا اصابه مكروه، لانه لا يمتلك زوجة او ابنا او أي شخص يكون هو مسؤولا عنه. لا اعتقد ابدا انه يعتقد بذلك تماما على الاطلاق، انها احدى الاشياء التي تقولها لتستدرك شعورك في لحظة ما. لكنه لم يقلها هذه المرة.
بل قال، عوضا من ذلك، انه يفكر في العودة الى الوطن، وانه قد قرر ذلك بالفعل. قال انه سوف يذهب الى الكلية في الربيع، هذه المرة ليدرس مادة مختلفة ولديه خطة.
قال: "ربما ارغب في ان اصبح مدربا، كما تعلم، مثل مدرب رياضي لفريق الكلية. افعل شيء ما خارج الغرف المقفلة".
اخبر كوتي عائلته واصدقاءه انه عائد الى الوطن، وترك رسالة على هاتفه النقال في الولايات المتحدة. طلب من اصدقائه في الاخوية بمدينة غينسفيليد ان يحجزوا له غرفة من اجل دراسته في الربيع. واتصل بصديقته شيفا هافيزي وطلب منها ان تأتي لاستقباله في المطار.
في الليلة التي سبقت مغادرتي الكويت، قررت ان التقط بعض الصور الفيديوية لكوتي. جلس على سريره في غرفته، متكئا على الحائط مرتديا قميصا اسودا قصير الكم وقد وشح عليه تمساح برتقالي اللون وكلمات "متبرع بالدم من جامعة فلويدا".
فجاة لاحظت الظلال على الحائط خلفه.
قلت له: "هل تعلم، انا انظر الى الظلال خلفك، وهي تبدو كما لو ان لديك اجنحة".
اجاب: "لا، لا يبدو ذلك".
قلت ضاحكا: "بلى، انها تبدو كذلك، نوعا ما".
ادار كوتي ليلقي نظرة، لكن الظلال تحركت بالطبع فلم يستطع رؤيتها.
قصة في الاخبار
توفي والدي بالسرطان وانا في طريق العودة من العراق.
بعد عدة ايام، قمت مع اخي بتنظيف شقته في بيتالوما، بكاليفورنيا. وبينما كنت اقود سيارتي عائدا الى منزلي، متعب ومجرد من الاحساس، شغلت هاتفي النقال. كانت هناك رسالة مستعجلة تطلب مني ان اتصل بالمكتب.
وكان مدير التحرير على الخط يسألني عن اسم الشركة الامنية التي سافرت برفقتها الاسبوع الماضي.
قلت له: "كرسنت سكيوريتي غروب".
قال: "هذا ما ظننت. اسمع، هناك قصة في الاخبار ان كرسنت قد تعرضت الى كمين في جنوب العراق. ثم فـُقد خمس من عناصرها".
وسرد علي الاسماء فلم اعيها في وقتها.
شعرت بالصداع والغثيان، وهو ما تشعر به حينما تنحدر الطائرة من ارتفاعها فجأة.
اسرعت بالعودة الى المنزل لكي اتصل بكوتي في مدينة الكويت. اجابني المجيب الالي، اولا بالعربية، ثم بالانكليزية: "الشخص الذي تحاول الاتصال به غير موجود حاليا او خارج نطاق التغطية".
تم اختطاف كوتي مع اربعة آخرين في نفس الطريق السريع الذي كنا نسافر فيه الاسبوع السابق. لقد سافرنا سوية، ولم يخطر على بالي ان حياته ليست الا كتابا من 23 صفحة.
حيوات معلقة
بعد اربعة شهور من الاختطاف، قرع جرس الهاتف قرب سرير فرانسيس ونانسي كوتي حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا. كانت نانسي الاقرب الى الهاتف، وقد ايقضها صوته، وملأها رعبا.
كان المتحدث هو فرانكو بيكو، مالك شركة كرسنت سكيوريتي غروب، متصلا من الكويت. استيقظ فرانسيس في هذه الاثناء فناولته نانسي سماعة الهاتف. افزعته لهجة بيكو الافريقية الجنوبية الغليظة. لكن بيكو قال له انه "كان يتوقع اخبارا طيبة". قال له ان لديه مصادر اخبروه انهم شاهدوا جون والاربعة الاخرين احياءا. قال انه لم يستطع الحصول على تفاصيل اكثر. لكنه ترك انطباعا ان كابوسهم سوف ينجلي قريبا.
مرت ايام، واسابيع، ومن ثم اشهر. لكن كوتي لم يسمع من بيكو اي خبر مرة اخرى.
كيف نلتقي اصدقاءنا، هؤلاء الاشخاص الذي احببنا؟
التقيت فرانسيس ونانسي كوتي لان ابنهم مختطف في العراق، وكنت من بين آخر الناس الذين رأوه حيا.
فرانسيس البالغ 50 عاما من العمر، كان رجلا صلبا ومحتملا، بلحية مدببة على الحنك وشعر كثيف اشيب. امضى عشرين عاما في المارينز، وقاتل في حرب الخليج، ومن ثم تقاعد من الخدمة. والان يعمل مدير برنامج في شركة أي بي ام. اما نانسي فهي زوجته الثانية وزوجة اب لجون، والتحقت بادارة مكافحة المخدرات في عام 1980، لتصبح المرأة رقم 50 في التاريخ التي ترتقي الى مرتبة العميل المقيم المسؤول عن فرقة مكافحة المخدرات في بوفيلو.
راقبتهم، بعد الاختطاف، وهم يعانون في وقار وتأدب، بصبر وايمان. لا يمكن تفريق مأساتهم عن مأساة العوائل الاخرى التي لديها احبة في حافة الخطر في العراق، لكنها مع ذلك مختلفة تماما لانها تشتمل على الاعمال التجارية.
حال ان اعلن فقدان جون والرجال الاربع الاخرين قامت شركة كرسنت سكيوريتي غروب بتعليق رواتبهم، كما لو انهم اخذوا اجازة غير مصرّح بها، او تغيبوا لشهور عديدة في اجازة مرضية غير موثقة. بالنسبة الى كوتي، الطالب الجامعي، لم يكن ذلك يعني الكثير، لكن الاخرين كانوا معيلين ولديهم اطفال.
شعرت عوائل المختطفين بالضعف، واليأس، وتعلقت حيواتهم. عينت وزارة الخارجية ممثلة عنها من مكتب خدمات المواطنين وادارة الازمات لاحاطتهم علما بما يجري. هذه الممثلة اسمها جيني فو، وقد اتصلت بكل عائلة مرة في الاسبوع من مكتبها في واشنطن.
لكن لم يكن لديها الكثير لتقوله. كانت فو مبتهجة ومتعاطفة، واتصلت كل اسبوع بلا تأخر. لكن العوائل ادركت انها ليست الا موظفة تقوم بواجبها، حيث ان دورها الاساس ينصب في تهدئة روعهم، ومن ثم ازداد استيائهم. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي أي) هو من يقوم بالتحقيقات خارج المنطقة الخضراء في بغداد، وليس وزارة الخارجية، وكان هو الاخر مضطربا. كان حادث الاخطاف هو الاكبر الذي يقع ضد اميركيين منذ بدء الحرب، ومع ذلك فان غرفة العمليات كانت متمركزة على بعد 500 كم من ساحة الجريمة، وليس في أي مكان قرب المنطقة التي يعتقد ان الرهائن قد احتجزوا فيها. امضى العملاء الفيدراليون 90 يوما في العراق ومن ثم سلموا القضية.
كانت نانسي كوتي غاضبة جدا للتقصير الواضح التعامل مع قضية ابن زوجها. وقامت بدفع الحكومة، من خلال اتصالاتها داخل ادارة مكافحة المخدرات، لتغيير تكتيكاتها بهدوء. وعلى خلاف الاف بي أي، قام عميل لا يمتلك خبرة سابقة في التعامل مع قضايا الاختطاف بايجاد موقع له جنوب العراق.
سوف يبقى هناك فترة طويلة حتى اصبح يعرف باسم جو من البصرة.
الحمولة المهولة
سافر جو، بعد ان امضى بضعة شهور في عمله، الى بغداد لابلاغ مسؤولي الاف بي أي والمسؤولين الحكوميين الاخرين بمستجدات القضية. وبينما كان هناك تلقى اتصالا على هاتفه النقال. اخبره المتصل ان رسولا قد توجه الى مطار البصرة حاملا دليلا على رهائن شركة كرسنت المفقودين.
في الحادي عشر من شباط 2008، في يوم ميلاد جون كوتي الخامس والعشرين، اتصل جو بالبصرة لاخبار فريق القوات الخاصة في البصرة بان الرسول في طريقه اليهم.
جاء الرجل الى بوابة المطار حاملا كيسا صغيرا من البلاستك. تم اصطحابه الى الموقع شديد التحصين، حيث قام قائد القوات الخاصة، مرتديا قفازات بلاستيكية، بفتح الكيس بعناية، ثم شعر بالقشعريرة تمر بجسده. وجد في داخل الحقيبة خمس اصابع مقطوعة، كل في كيس منفصل. اخبره حامل الكيس انها تعود الى رهائن شركة كرسنت المفقودين. كانت الاصابع مغطاة بالاتربة ، كما انها كانت قد تحللت بشدة، حتى اصبحت اشبه باطراف الاصابع منها بالاصابع نفسها. وفيما بعد، اظهر التحليل الذي اجري عليها في الولايات المتحدة ان احدها يعود الى جون كوتي.
شعر كل من فرانسيس ونانسي ان الاكتشاف المهول كان دليلا على ان جون مازال حيا. قالت لي نانسي: "لو كان جثة، اما كنتَ ستأخذ الاصبع بكامله؟ انا اعتقد حقا انه قد قـُطع من جسم حي".
ولكن ما هي الاسابيع حتى يتم استلام الجثث نفسها. ففي 24 نيسان، وبعد العثور على رفات الاربعة الاخرين من رهائن كرسنت، توقفت اربع سيارات امام منزل كوتي في ضواحي بوفيلو. كان يوما ربيعيا مشرقا. مرّ العملاء من خلال المطبخ، ثم جلسوا الى طاولة الشرفة في الخارج مع فرانسيس، ونانسي، والاخ الاكبر لجون، المدعو كريس.
نظرت العميلة ذات الشعر الاحمر الطويل مباشرة الى فرانسيس، واخبرته ان الفحوصات قد استكملت وان الجثة الاخيرة تعود الى "ابنك جوناثان كوتي".
معضلة غير محلولة
بلغ الرقم الرسمي لاعداد القتلى الاميركيين في العراق حتى ذلك اليوم 4,047. ولم يتغير الرقم حينما تم التعرف على رفاة جون.
بعد مرور خمس سنوات من الحرب في العراق، لا يتم احتساب المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، احياءا او امواتا، حتى ولو كان المئات، وربما الالاف قد قضوا.
يخلق استئجار اناس ليقاتلوا في حربك حالة من عدم الوضوح.
لم استطع ابدا ان احل هذه المعضلة. اضحت قضية جون كوتي، بالنسبة لي، مثالا على الحرب، مع كل البطولات المجيدة والفراغ الاخلاقي. لقد اصبحت مرتبطة، بما يستحيل الفصل، مع موت والدي، ومع اسبابي الغامضة لترك عائلتي لكي اعود الى العراق، بالاضافة الى القرارات المأساوية، كبيرها وصغيرها، التي نتخذها جميعنا، كافراد وكبلد.
لقد احببت كوتي لحظة التقيته. لكنه اقحم نفسه في عمل قبيح رعته الحكومة الاميركية، وهو ما يظهر فشلنا في العراق، وهو ايضا وسيلة لتحويل المسؤولية واخفاء اعداد القتلى.
بينما انقسم العراق الى اجزاء، ليس قريبا التآمها مجددا، ساعد المتعاقدون الامنيون الخصوصيون في الصاق الحرب بهامش ضمائرنا، العشرات من الالاف من جنود الظل، دورهم وهوياتهم ضبابية مثل الحرب نفسها. لم يكن عليك ان تدرجهم في سجلاتك، او تحتسبهم، او تديرهم من خلال الكونغرس.
لم يكن عليك حتى ان تعلم انهم كانوا هناك.
في الثاني من آيار، ازدحم 800 شخص قرب صورة ميلاد المسيح في كنيسة مريم العذراء المباركة في وليامزفيل في نيويورك، من اجل تأبين كوتي. ضم الجمع اكثر من اثني عشر من اعضاء الفصيل الذي خدم فيه التابع للكتيبة 82 المحمولة جوا، وبعضا من اصدقائه في الاخوية من جامعة فلوريدا، واصدقاء واقارب من انحاء البلاد. ولكن لم يكن بينهم ممثل واحد عن شركة كرسنت سكيويتي غروب.
نهض فرانسيس، ضغط بيده اليسرى على نعش ابنه، ثم مشى متثاقلا نحو المنبر.
في غمرة رثاءه الطويل، وقد تردد صوته في ارجاء الكنيسة، اخذ لحظات يصف فيها العالم الغريب وغير المألوف الذي قتل فيه ابنه.
قال فرانسيس ان موظفي المتعاقدين الخصوصيين "يخفون التكلفة الحقيقية للحرب. موتهم لم يضف الى حساب القتلى الرسمي. واجباتهم –وامتيازاتهم– يقوم باخفائها مدراء تنفيذيون مكممو الافواه، والذين لا يعطون تفاصيل الى الكونغرس، بينما تنتفخ اموالهم وادوارهم".
ثم اضاف قائلا: "على الرغم من جون لم يكن في القوات المسلحة حينما قتل، الا انه كان، مرة اخرى، يخدم بلدنا في هذه الحرب".
* فاينارو هو مراسل واشنطن بوست. وقد منح جائزة بولتزر عن تقاريره عام 2007 حول دور القوات الامنية الخصوصية في الحرب في العراق.
Thursday, December 04, 2008
دراسة تظهر تغيير قائمة دول التحالف على موقع البيت الابيض
عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
بذلت ادارة بوش، قبل حرب العراق عام 2003، جهوداً دبلوماسية حثيثة لاستحصال الدعم الدولي، كما سعى المسؤولون في البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية باقصى طاقتهم للاعلان عن الدول التي انضمت الى ما اطلقوا عليه «تحالف الارداة». غير ان بعض المؤرخين الذين تناولوا هذه الجهود المبكرة في بناء التحالف يقولون انها واجهت مصاعب يبدو انها مَحت وبدّلت القوائم الاولى للدول التي دعمت المجهود الحربي. وكانت هذه القوائم قد نشرت على موقع البيت الابيض الالكتروني. وعلى الرغم من ان مسؤولي الادارة الاميركية اعترفوا بأن عدد الدول التي تدعم الحرب قد تغير مع الزمن، الا ان الباحثين الاكاديميين يقولون يبدو انه قد تمت تغيير ثلاث قوائم رسمية، الا انها حافظت على تاريخ صدورها الاصلي، ما يجعلها تبدو وكأنها القوائم الاصلية التي لم يحصل فيها تبديل.
واستناداً الى الدراسة التي اجراها كل من سكوت الثاوس، وكالف ليتارو، من مركز كلاين للديمقراطية بجامعة الينويز في اوربانا-جامباين، فيبدو أنه قد تمت إزالة اثنتين من القوائم من الموقع الالكتروني.
كان عدد اعضاء التحالف عشية حرب العراق يبلغ 45 دولة، لكن الباحثين وجدوا ان عمليات مسح القوائم الاولى ومراجعة المستندات الحساسة جعلت القائمة تبدو وكأنها تضم 49 دولة.
وتمت ت إزالة دولتين اخريين كانتا قد ادرجتا في القوائم السابقة على اساس انها شركاء في التحالف، لكن القوائم المُحدّثة ظلت تحمل التاريخ الاصلي ولم يُذكر انها قد تغيرت.
وقد اكد مسؤولو البيت الابيض يوم الاثنين ان اسماء اثنتين من الدول قد تمت ت ازالتهما من قائمة الشركاء في التحالف المنشورة على الموقع الالكتروني، وذلك بناء على طلب من هاتين الدولتين. فقد تمت ت إزالة كل من كوستاريكا وانغولا، لكن انغولا ظهرت لاحقا في القائمة.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض يوم الاثنين ان البيت الابيض تبنى في السنوات الاخيرة سياسة تقضي بان يتمت تأشير تاريخ اجراء مثل هذه التغييرات على الموقع الالكتروني.
لكن يبدو انه لم يتمت العمل بهذه السياسة بالنسبة للمنشورات التي تعود الى الجهود الاولى في الحرب.
وكتب الباحثان بجامعة الينويز في دراستهما: «سواء تمت فعل ذلك عن سابق تصميم او نتج عن اهمال غير مقصود، فإن النتيجة واحدة: تؤدي إزالة ومراجعة وثائق البيت الابيض الى اضطراب السجلات التاريخية حول ما قالته او فعلته حكومتنا.» وقد تتبعت الدراسة خمس وثائق منشورة على الموقع الالكتروني، والتي ضمت عدداً واسماء الشركاء في التحالف.
وتوصل الباحثان الى ان اثنتين من القوائم قد تمت ازالتهما، الاولى في اواخر عام 2004، والاخرى في اواخر عام 2005 او بداية عام 2006. ويقول الباحثان: «هاتين القائمتان (المفقودتان) انما تمت ثلان قوائم اقدم واصغر عن اعضاء التحالف».
وتوصلت الدراسة ايضا الى ان القائمة المنشورة بتاريخ 21 آذار 2003 تظهر عدد الدول المشاركة في التحالف 46 دولة، بضمنها الولايات المتحدة. ولكن تمت تحديث القائمة في نيسان من نفس العام، لاضافة انغولا واوكرانيا، ما يجعل العدد الكلي 48 دولة.
وعلق الباحثان على ذلك بالقول: «بدلا من ان يقوم البيت الابيض بإصدار قائمة جديدة تحمل تاريخا جديدا، فانه اتخذ خطوة غير معتادة بان يتمت تغيير الاصدار الصحفي الاصلي المؤرخ في 21 آذار بأثر رجعي، من دون ان يتمت وضع ملاحظة تشير الى التعديلات التي اجريت على الاصل».
كما قام البيت الابيض في 13 نيسان 2003، او قبل هذه التاريخ، بنشر قائمة محدثة بالدول الحليفة، حيث تمت اضافة (تونغا) الى القائمة السابقة التي كانت تضم 48 دولة. ثم ازيلت القائمة مؤقتا من الموقع في عام 2004، لتعود الى الظهور مجددا في 3 تشرين الثاني من عام 2004، مع اجراء تنقيحات.
هذه القائمة المنقحة حملت تاريخا للنشر يعود الى 27 آذار من عام 2003، أي قبل اكثر من سنة ونصف من اجراء التعديلات، كما اكد تقرير الباحثين. وتمت تعديل القائمة مرة اخرى بتغيير عدد الدول المشاركة في التحالف الى 49 دولة، برغم ان الوثيقة عددت اسماء 48 دولة فقط، بإزالة كوستاريكا.
ترجمة: علاء غزالة
بذلت ادارة بوش، قبل حرب العراق عام 2003، جهوداً دبلوماسية حثيثة لاستحصال الدعم الدولي، كما سعى المسؤولون في البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية باقصى طاقتهم للاعلان عن الدول التي انضمت الى ما اطلقوا عليه «تحالف الارداة». غير ان بعض المؤرخين الذين تناولوا هذه الجهود المبكرة في بناء التحالف يقولون انها واجهت مصاعب يبدو انها مَحت وبدّلت القوائم الاولى للدول التي دعمت المجهود الحربي. وكانت هذه القوائم قد نشرت على موقع البيت الابيض الالكتروني. وعلى الرغم من ان مسؤولي الادارة الاميركية اعترفوا بأن عدد الدول التي تدعم الحرب قد تغير مع الزمن، الا ان الباحثين الاكاديميين يقولون يبدو انه قد تمت تغيير ثلاث قوائم رسمية، الا انها حافظت على تاريخ صدورها الاصلي، ما يجعلها تبدو وكأنها القوائم الاصلية التي لم يحصل فيها تبديل.
واستناداً الى الدراسة التي اجراها كل من سكوت الثاوس، وكالف ليتارو، من مركز كلاين للديمقراطية بجامعة الينويز في اوربانا-جامباين، فيبدو أنه قد تمت إزالة اثنتين من القوائم من الموقع الالكتروني.
كان عدد اعضاء التحالف عشية حرب العراق يبلغ 45 دولة، لكن الباحثين وجدوا ان عمليات مسح القوائم الاولى ومراجعة المستندات الحساسة جعلت القائمة تبدو وكأنها تضم 49 دولة.
وتمت ت إزالة دولتين اخريين كانتا قد ادرجتا في القوائم السابقة على اساس انها شركاء في التحالف، لكن القوائم المُحدّثة ظلت تحمل التاريخ الاصلي ولم يُذكر انها قد تغيرت.
وقد اكد مسؤولو البيت الابيض يوم الاثنين ان اسماء اثنتين من الدول قد تمت ت ازالتهما من قائمة الشركاء في التحالف المنشورة على الموقع الالكتروني، وذلك بناء على طلب من هاتين الدولتين. فقد تمت ت إزالة كل من كوستاريكا وانغولا، لكن انغولا ظهرت لاحقا في القائمة.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض يوم الاثنين ان البيت الابيض تبنى في السنوات الاخيرة سياسة تقضي بان يتمت تأشير تاريخ اجراء مثل هذه التغييرات على الموقع الالكتروني.
لكن يبدو انه لم يتمت العمل بهذه السياسة بالنسبة للمنشورات التي تعود الى الجهود الاولى في الحرب.
وكتب الباحثان بجامعة الينويز في دراستهما: «سواء تمت فعل ذلك عن سابق تصميم او نتج عن اهمال غير مقصود، فإن النتيجة واحدة: تؤدي إزالة ومراجعة وثائق البيت الابيض الى اضطراب السجلات التاريخية حول ما قالته او فعلته حكومتنا.» وقد تتبعت الدراسة خمس وثائق منشورة على الموقع الالكتروني، والتي ضمت عدداً واسماء الشركاء في التحالف.
وتوصل الباحثان الى ان اثنتين من القوائم قد تمت ازالتهما، الاولى في اواخر عام 2004، والاخرى في اواخر عام 2005 او بداية عام 2006. ويقول الباحثان: «هاتين القائمتان (المفقودتان) انما تمت ثلان قوائم اقدم واصغر عن اعضاء التحالف».
وتوصلت الدراسة ايضا الى ان القائمة المنشورة بتاريخ 21 آذار 2003 تظهر عدد الدول المشاركة في التحالف 46 دولة، بضمنها الولايات المتحدة. ولكن تمت تحديث القائمة في نيسان من نفس العام، لاضافة انغولا واوكرانيا، ما يجعل العدد الكلي 48 دولة.
وعلق الباحثان على ذلك بالقول: «بدلا من ان يقوم البيت الابيض بإصدار قائمة جديدة تحمل تاريخا جديدا، فانه اتخذ خطوة غير معتادة بان يتمت تغيير الاصدار الصحفي الاصلي المؤرخ في 21 آذار بأثر رجعي، من دون ان يتمت وضع ملاحظة تشير الى التعديلات التي اجريت على الاصل».
كما قام البيت الابيض في 13 نيسان 2003، او قبل هذه التاريخ، بنشر قائمة محدثة بالدول الحليفة، حيث تمت اضافة (تونغا) الى القائمة السابقة التي كانت تضم 48 دولة. ثم ازيلت القائمة مؤقتا من الموقع في عام 2004، لتعود الى الظهور مجددا في 3 تشرين الثاني من عام 2004، مع اجراء تنقيحات.
هذه القائمة المنقحة حملت تاريخا للنشر يعود الى 27 آذار من عام 2003، أي قبل اكثر من سنة ونصف من اجراء التعديلات، كما اكد تقرير الباحثين. وتمت تعديل القائمة مرة اخرى بتغيير عدد الدول المشاركة في التحالف الى 49 دولة، برغم ان الوثيقة عددت اسماء 48 دولة فقط، بإزالة كوستاريكا.
Tuesday, December 02, 2008
أمريكا تحصل على انتصار ضعيف
عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن – تضع الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة بداية لنهاية الحرب في العراق. غير انها ليست الا البداية، في اية حال، حيث توجد بنود الاتفاقية ظروفاً من عدم الثقة، والتي من شأنها ان تحدث اضطراباً في انسحاب القوات الاميركية من العراق، الذي يفترض ان يكون سلسا. تحدد هذه الاتفاقية – وتشتمل على "اطار عمل ستراتيجي" عام، واتفاقية امنية اكثر تفصيلاً، واللتين صادق عليهما البرلمان العراقي يوم الخميس الماضي– مواعيد نهائية طالما رغبت فيها المدن التي حصلت فيها الحروب. ويتطلب من القوات الاميركية، بموجب هاتين الاتفاقيتين، ان تنسحب باجمعها من العراق قبل 31 كانون الاول 2011، لكنهما لا تعطيان جدولا زمنيا للانسحاب، ويمكن –نظريا– ان تضيف ثلاث سنوات اخرى الى الحرب، التي استمرت خمس سنوات ونصف حتى الان.
كما وافقت الولايات المتحدة على ازالة جميع القوات القتالية من المدن والقرى العراقية بنهاية حزيران، لكن الاتفاقيتين تصمتان ازاء اعداد القوات "القتالية"، والى اين سوف تتحرك تحديدا. فقد تـُركت هذه القرارات على عاتق لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة، وهي لجنة مؤلفة من اميركيين وعراقيين، قد تثبت انها جسم غريب تماما مثل اسمها المختصر Jmocc.
سوف يكون لهذه اللجنة صلاحية المصادقة على العمليات العسكرية الاميركية، واستخدام القواعد والمنشآت، واعتقال العراقيين من قبل القوات الاميركية، حتى – في حالات نادرة على ما يبدو – محاكمة الجنود الاميركيين المتهمين في "جنايات قتل متعمدة" التي ترتكب خارج الواجب وخارج القواعد العسكرية. يمكن ان تتوافر ظروف عديدة تسبب توتراً في العلاقات، بل وقد تؤدي الى التصادم.
كتب ترافس شارب، محلل شؤون الدفاع في مجلس العالم القابل للعيش، وهي منظمة غير نفعية، في بيان صدر بعد تصويت البرلمان العراقي: "تبقى علامات الاستفهام تحوم حول حرية القوات الاميركية في القيام بالعمليات القتالية، والالتزامات الامنية الفضفاضة، وحماية المنشآت الحيوية العراقية".
وقد عارضت هذه المنظمة الحرب مدة طويلة، ولكن بيانها ينص على انها تساند الاتفاقيتين. والسبب في ذلك يعود الى كون بعض البنود والتعريفات فضفاضة بما يتيح للرئيس المنتخب باراك اوباما مقداراً لا بأس به من المرونة لتنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب.
ان كسب تأييد منظمة معارضة للحرب مثل هذه يعد انتصاراً للرئيس بوش، برغم كونه مشوشا. كما انه يبرر اصرار اوباما على إيجاد جدول زمني للانسحاب، مرغماً الأمريكيين والعراقيين على التفكير في الزمن الذي يعقب رحيل القوات الامريكية التي تحتل البلاد.
وقد بدأ القادة الاميركيون بالفعل في التخطيط لوضع جدول زمني لانسحاب الالوية القتالية يقترب كثيراً من وجهة نظر اوباما، وأسرع مما كان يبدو ممكناً قبل عام مضى.
وفي الوقت نفسه تترك الاتفاقيتان مجالاً للاحتفاظ بقوات اكبر في مكانها مما كان انصار اوباما يتطلع اليه، حيث سيبقى عشرات الآلاف من القوات الاميركية للتدريب والاغراض المساندة الاخرى، في الوقت الراهن على الاقل.
وقد رحبت بروك اندرسون، المستشارة والناطقة باسم فريق اوباما الانتقالي، بالمصادقة العراقية على الاتفاقيتين، قائلا ان فريق اوباما كان "متشجعاً لرؤية التقدم" في بناء الظروف التي تحكم الوجود الاميركي بعد نفاد تفويض الامم المتحدة بنهاية العام.
والسبب في ان الاتفاقيتين تعدان نصراً الى بوش يكمن في ان ادارته قد فاوضت بفاعلية من اجل انهاء الحرب المكلفة والتي لا تحظى بتأييد شعبي، والتي بدأت عام 2003 تحت ذريعة انهاء اسلحة العراق غير التلقيدية، والتي فقدت مصداقيتها منذ ذلك الحين.
وقد اضطر الرئيس بوش، في فترة الشهر المتبقية من فترته الرئاسية، على التنازل عن معارضته المبدئية لاية مواعيد نهائية للانسحاب الاميركي، وهو ما حث عليه اوباما على مسار حملته الانتخابية، ووافق على المطالب العراقية في ان يكون لهم دور متزايد في حكم بلدهم في نفس الوقت.
يقول جوردان جوندور، الناطق باسم السيد بوش: "مع اخذ ما كنا عليه في كانون الثاني عام 2007 بنظر الاعتبار، فقد شهدنا مدى من التقدم في القضايا السياسية والاقتصادية والامنية لم يكن يخطر على البال"، وذلك في تصريح يصف الاتفاقيتين بانهما دليل على نجاح ستراتيجية الرئيس بوش. مضيفا: "هذا التقدم بلغ حداً بحيث ان تحسن الظروف اتاح لنا ان نتوصل الى اتفاقية متبادلة مع العراق كامل السيادة الذي يحل مشاكله من خلال العملية السياسية، وليس من خلال البنادق والقنابل".
وقد اثار قبول الرئيس بوش بعراق ذي سيادة مخاوف لدى بعض كبار الديمقراطيين في الكونغرس، ومن بينهم كارل ليفين عن ولاية ميتشيغان، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة، ونظيره في مجلس النواب، النائب ايكي سكليتون عن ولاية ميزوري.
لكن أي انسحاب من العراق سوف يصاحبه حتما تأكيد اقوى على سيادة العراق، وبالتالي فترة من عدم الثقة، وذلك حين يتم تسليم السيطرة على العمليات القتالية من الجيش الاميركي الى العراقيين.
فعلى سبيل المثال، تعطي المادة التاسعة من الاتفاقية، التي تتحكم في القوات الامنية، للعراق حق السيطرة على مجاله الجوي أول مرة منذ ان بدأت الحرب، لكنها تمضي الى القول بانه يمكن للعراق ان يطلب "دعما مؤقتا" من الولايات المتحدة.
وما يزال من غير الواضح كم من القوات الاميركية يتوقع ان تبقى منذ الآن حتى الموعد النهائي للانسحاب، وفيما اذا كان أي منها يمكن ان يبقى بعد ذلك الموعد. لكن من الواضح انه مع بداية حزيران، حينما يبدأ مفعول الاتفاقيات بالسريان، فان العمليات التي تقودها اميركا في العراق سوف تنفد تحت قيود مشددة.
ويشير تاريخ الحرب الى ان المكاسب الامنية يمكن ان تنتكس، فمهما استؤنفت المصالحة السياسية فإن نشوب اعمال العنف سوف يؤدي الى انقطاعها مجددا، بحيث يتوجب على القوات الاميركية الاستمرار في الاشراف على الفسيفساء الطائفية والعرقية والتي يمكن ان تعود سريعا الى الحرب الاهلية.وقد وافقت حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، ضمن جهودها للفوز بمصادقة البرلمان العراقي، على عرض الاتفاقيات للاستفتاء العام في العام المقبل. واذا جاء التصويت الشعبي بالرفض، فيمكن ان يضع ذلك القوات الاميركية في العراق، التي لن تكون اقل من 100,00 جدي باي حال، في مفترق طرق قانوني، وذلك بغياب تفويض الامم المتحدة الذي يفترض ان تحل الاتفاقيتان محله نهاية هذا العام.
تقول منظمة شبكة الامن الوطنية، وهي مجموعة سياسية مؤلفة في معظمها من الديمقراطيين الذين انتقدوا بحدة سياسة الرئيس بوش: "من الواضح تماما ان ادارة بوش سوف تترك لادارة اوباما وضعا مرتبكا ومعقدا وغير مستقر في العراق"، لكن ان إدارة بوش تركت أيضاً لـ(اوباما) طريقاً للخروج.
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن – تضع الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة بداية لنهاية الحرب في العراق. غير انها ليست الا البداية، في اية حال، حيث توجد بنود الاتفاقية ظروفاً من عدم الثقة، والتي من شأنها ان تحدث اضطراباً في انسحاب القوات الاميركية من العراق، الذي يفترض ان يكون سلسا. تحدد هذه الاتفاقية – وتشتمل على "اطار عمل ستراتيجي" عام، واتفاقية امنية اكثر تفصيلاً، واللتين صادق عليهما البرلمان العراقي يوم الخميس الماضي– مواعيد نهائية طالما رغبت فيها المدن التي حصلت فيها الحروب. ويتطلب من القوات الاميركية، بموجب هاتين الاتفاقيتين، ان تنسحب باجمعها من العراق قبل 31 كانون الاول 2011، لكنهما لا تعطيان جدولا زمنيا للانسحاب، ويمكن –نظريا– ان تضيف ثلاث سنوات اخرى الى الحرب، التي استمرت خمس سنوات ونصف حتى الان.
كما وافقت الولايات المتحدة على ازالة جميع القوات القتالية من المدن والقرى العراقية بنهاية حزيران، لكن الاتفاقيتين تصمتان ازاء اعداد القوات "القتالية"، والى اين سوف تتحرك تحديدا. فقد تـُركت هذه القرارات على عاتق لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة، وهي لجنة مؤلفة من اميركيين وعراقيين، قد تثبت انها جسم غريب تماما مثل اسمها المختصر Jmocc.
سوف يكون لهذه اللجنة صلاحية المصادقة على العمليات العسكرية الاميركية، واستخدام القواعد والمنشآت، واعتقال العراقيين من قبل القوات الاميركية، حتى – في حالات نادرة على ما يبدو – محاكمة الجنود الاميركيين المتهمين في "جنايات قتل متعمدة" التي ترتكب خارج الواجب وخارج القواعد العسكرية. يمكن ان تتوافر ظروف عديدة تسبب توتراً في العلاقات، بل وقد تؤدي الى التصادم.
كتب ترافس شارب، محلل شؤون الدفاع في مجلس العالم القابل للعيش، وهي منظمة غير نفعية، في بيان صدر بعد تصويت البرلمان العراقي: "تبقى علامات الاستفهام تحوم حول حرية القوات الاميركية في القيام بالعمليات القتالية، والالتزامات الامنية الفضفاضة، وحماية المنشآت الحيوية العراقية".
وقد عارضت هذه المنظمة الحرب مدة طويلة، ولكن بيانها ينص على انها تساند الاتفاقيتين. والسبب في ذلك يعود الى كون بعض البنود والتعريفات فضفاضة بما يتيح للرئيس المنتخب باراك اوباما مقداراً لا بأس به من المرونة لتنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب.
ان كسب تأييد منظمة معارضة للحرب مثل هذه يعد انتصاراً للرئيس بوش، برغم كونه مشوشا. كما انه يبرر اصرار اوباما على إيجاد جدول زمني للانسحاب، مرغماً الأمريكيين والعراقيين على التفكير في الزمن الذي يعقب رحيل القوات الامريكية التي تحتل البلاد.
وقد بدأ القادة الاميركيون بالفعل في التخطيط لوضع جدول زمني لانسحاب الالوية القتالية يقترب كثيراً من وجهة نظر اوباما، وأسرع مما كان يبدو ممكناً قبل عام مضى.
وفي الوقت نفسه تترك الاتفاقيتان مجالاً للاحتفاظ بقوات اكبر في مكانها مما كان انصار اوباما يتطلع اليه، حيث سيبقى عشرات الآلاف من القوات الاميركية للتدريب والاغراض المساندة الاخرى، في الوقت الراهن على الاقل.
وقد رحبت بروك اندرسون، المستشارة والناطقة باسم فريق اوباما الانتقالي، بالمصادقة العراقية على الاتفاقيتين، قائلا ان فريق اوباما كان "متشجعاً لرؤية التقدم" في بناء الظروف التي تحكم الوجود الاميركي بعد نفاد تفويض الامم المتحدة بنهاية العام.
والسبب في ان الاتفاقيتين تعدان نصراً الى بوش يكمن في ان ادارته قد فاوضت بفاعلية من اجل انهاء الحرب المكلفة والتي لا تحظى بتأييد شعبي، والتي بدأت عام 2003 تحت ذريعة انهاء اسلحة العراق غير التلقيدية، والتي فقدت مصداقيتها منذ ذلك الحين.
وقد اضطر الرئيس بوش، في فترة الشهر المتبقية من فترته الرئاسية، على التنازل عن معارضته المبدئية لاية مواعيد نهائية للانسحاب الاميركي، وهو ما حث عليه اوباما على مسار حملته الانتخابية، ووافق على المطالب العراقية في ان يكون لهم دور متزايد في حكم بلدهم في نفس الوقت.
يقول جوردان جوندور، الناطق باسم السيد بوش: "مع اخذ ما كنا عليه في كانون الثاني عام 2007 بنظر الاعتبار، فقد شهدنا مدى من التقدم في القضايا السياسية والاقتصادية والامنية لم يكن يخطر على البال"، وذلك في تصريح يصف الاتفاقيتين بانهما دليل على نجاح ستراتيجية الرئيس بوش. مضيفا: "هذا التقدم بلغ حداً بحيث ان تحسن الظروف اتاح لنا ان نتوصل الى اتفاقية متبادلة مع العراق كامل السيادة الذي يحل مشاكله من خلال العملية السياسية، وليس من خلال البنادق والقنابل".
وقد اثار قبول الرئيس بوش بعراق ذي سيادة مخاوف لدى بعض كبار الديمقراطيين في الكونغرس، ومن بينهم كارل ليفين عن ولاية ميتشيغان، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة، ونظيره في مجلس النواب، النائب ايكي سكليتون عن ولاية ميزوري.
لكن أي انسحاب من العراق سوف يصاحبه حتما تأكيد اقوى على سيادة العراق، وبالتالي فترة من عدم الثقة، وذلك حين يتم تسليم السيطرة على العمليات القتالية من الجيش الاميركي الى العراقيين.
فعلى سبيل المثال، تعطي المادة التاسعة من الاتفاقية، التي تتحكم في القوات الامنية، للعراق حق السيطرة على مجاله الجوي أول مرة منذ ان بدأت الحرب، لكنها تمضي الى القول بانه يمكن للعراق ان يطلب "دعما مؤقتا" من الولايات المتحدة.
وما يزال من غير الواضح كم من القوات الاميركية يتوقع ان تبقى منذ الآن حتى الموعد النهائي للانسحاب، وفيما اذا كان أي منها يمكن ان يبقى بعد ذلك الموعد. لكن من الواضح انه مع بداية حزيران، حينما يبدأ مفعول الاتفاقيات بالسريان، فان العمليات التي تقودها اميركا في العراق سوف تنفد تحت قيود مشددة.
ويشير تاريخ الحرب الى ان المكاسب الامنية يمكن ان تنتكس، فمهما استؤنفت المصالحة السياسية فإن نشوب اعمال العنف سوف يؤدي الى انقطاعها مجددا، بحيث يتوجب على القوات الاميركية الاستمرار في الاشراف على الفسيفساء الطائفية والعرقية والتي يمكن ان تعود سريعا الى الحرب الاهلية.وقد وافقت حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، ضمن جهودها للفوز بمصادقة البرلمان العراقي، على عرض الاتفاقيات للاستفتاء العام في العام المقبل. واذا جاء التصويت الشعبي بالرفض، فيمكن ان يضع ذلك القوات الاميركية في العراق، التي لن تكون اقل من 100,00 جدي باي حال، في مفترق طرق قانوني، وذلك بغياب تفويض الامم المتحدة الذي يفترض ان تحل الاتفاقيتان محله نهاية هذا العام.
تقول منظمة شبكة الامن الوطنية، وهي مجموعة سياسية مؤلفة في معظمها من الديمقراطيين الذين انتقدوا بحدة سياسة الرئيس بوش: "من الواضح تماما ان ادارة بوش سوف تترك لادارة اوباما وضعا مرتبكا ومعقدا وغير مستقر في العراق"، لكن ان إدارة بوش تركت أيضاً لـ(اوباما) طريقاً للخروج.
Thursday, November 27, 2008
القوات الأميركية تصل إلى طريقة جديدة للحد من التفجيرات الانتحارية في العراق
عن: التايمز
ترجمة: علاء غزالة
ديالى – تقف القوات الخاصة الاميركية لحراسة احد البنايات في هذه المدينة العنيدة، رافعين بنادقهم، بينما يحمل الجنود نقالتين لادخالها الى داخل البناية.
ربما لم يمض وقت طويل منذ ان حملت هذه النقالات القتلى والجرحى نتيجة تفجير انتحاري او اشتباك مع المتمردين. اما الان فانها لم تحمل اي سوء غير مواد تستخدم في صناعة الملبوسات النسائية، من اجل مؤتمر لنساء العراق. ويتم اعطاء قطع من النسيج لكل من النسوة اللائي يحضرن اللقاء في بعقوبة.
تناقض صورة القوات الخاصة المعتادة، تلك القوات التي تخوض العمليات القتالية، مع مهمة توفير الامن الى اجتماع نسوي صباحي، لكنها توضح مدى التكتيكات اللينة التي يتم توظيفها في مواجهة التمرد.
تعد مَهمة (العقل والقلب) مُهمة بالتحديد في محافظة ديالى، التي شهدت اكثر من 32 عملية انتحارية قامت بها النساء خلال هذا العام.
يقول احد جنود القوات الخاصة المشاركين في هذه المهمة: «نقوم بخمس او ست عمليات، البعض منها حركي، وبعضها غير حركي، والبعض الاخر مزيج بينهما. ان ما نفعله هو بمساعدة، وبرفقة، ومن خلال العراقيين».
وقد تغيرت طبيعة جهود الجيش الاميركي في العراق في الاشهر الاخيرة، منذ ان انخفض العنف الى ادنى مستوياته خلال اربعة اعوام، بينما تزداد ثقة الجيش والشرطة العراقية بانفسها وتتخذ مواقعها في خط المواجهة عند اي قتال. ونتيجة لذلك، فان من الارجح ان يكون الجنود الاميركيون في زيارة الى احد الشيوخ والسياسيين المحليين، يرتشفون الشاي، لا ان يقوموا بتكسير الابواب واعتقال الناس.
يقود الكولونيل بورت ثومبسون لواءا قتاليا مؤلفا من 4100 جندي في ديالى، التي كانت في الماضي مركزا لعمليات القاعدة في العراق. وهو يمضى وقته اليوم في محاولة مساعدة الحكومة المحلية على انفاق ميزانيتها، وبناء المدارس، والتحضير للانتخابات المحلية، وجهود المصالحة بين الطوائف المختلفة.
يقول الكولونيل ثومبسون: «اشخاصا مثلي يرتاحون اكثر للعمليات القتالية. انا لست مرتاحا جدا مع هذه الاعمال التي تخص الحكومة، فما هي؟ وكيف تقيسها؟ لا أتسلم راتبي من اجل مثل هذا العمل... اجل، يتم دفع راتبي من اجل كل هذا. ان اهم واجبات هذا اللواء هو مساعدة الحكومة المحلية».
تتركز 90 بالمئة من جهود القائد الميدانية على مبادرات مثل ضمان ان تقوم السلطات المحلية بتنفيذ مشاريع الطرق، وحفر الابار، وتوفير الكهرباء الى المدن والقرى في عموم محافظة ديالى.
بينما لا تشكل الجهود «الحركية» الا جزءا بسيطا من مهمات لواء الاسكا القتالي الاول من فرقة المشاة الخامسة والعشرين، وهي تتضمن في مجملها مساعدة القوات العراقية على اصطياد المتمردين.
يقول الكولونيل ثومبسون، الذي وصلت قواته الى محافظة ديالى في الشهر الماضي: «كانت المهمات في عام 2007 حركية بنسبة 99,999 بالمئة.» ويخلد الجنود في قواعدهم داخل بعقوبة الى الراحة وهم يؤدون دورتهم الثانية او الثالثة في العراق، مما يعكس طبيعة التغيير الحاصل.
وقد فقد العريف جيمس ويلسون اعز اصدقائه حينما انفجرت قنبلة زرعت في جانب الطريق على المدرعة التي كانوا يستقلونها في بغداد، عندما كان في اول دورة واجب يؤديها في العراق بين عامي 2005 و2007.
ويقول العريف البالغ 23 عاما من العمر، وهو من ولاية اوهايو، ان فرص الهجمات الان قد تقلصت بشكل كبير، مضيفا: «ارى نفسي في الغالب وكأني في اجازة. ذلك يجعلني اشعر بالسرور». سوف يمّكن التحسن الامني القوات الاميركية على تقليص وجودها في العراق خلال هذا الشهر الى 14 لواءا قتاليا بدلا من 16، اي انهم يستبقون الجدول المعد مسبقا بشهرين.
وعلى الرغم من تغيّر الواجبات من الفعاليات القتالية الى تناول القهوة في الصباح، يبقى الخطر ماثلا. فقد قتل جنديان من لواء الاسكا في الشهر الماضي إثر هجوم صاروخي على القاعدة الرئيسة للقوات الاميركية في ديالى.
كما تحوم علامات استفهام على مستبقل القوات الاميركية في العراق بعد نهاية هذا العام، حينما تنتهي صلاحية تفويض الامم المتحدة الذي يسمح بوجود القوات الاميركية في العراق.
وتستمر المفاوضات بين بغداد وواشنطن على الاتفاقية الامنية، التي يجب ان توقع قبل 31 كانون الاول، والتي سوف يكون لها تأثير رئيس على العمليات.
ويحدد الجدول الزمني موعد انسحاب القوات الاميركية من المدن مثل بعقوبة بحلول الصيف القادم، وان تنسحب من عموم العراق خلال ثلاثة اعوام.
يقول الكولونيل ثومبسون انه مستعد للاستجابة لكل ما قد يحدث. ويستطرد قائلا: «لدي مجموعة من المشاكل. لدي رؤية. سوف اتوقف، واعيد التقييم. سوف ارسم خطة وسوف ننفذها». ويؤكد ان المفتاح يتمثل في تسليم المزيد من المسؤوليات الى السلطات العراقية لتمكين القوات الاميركية من التراجع.
وحضر المؤتمر النسوي هذا الاسبوع، الذي نظمه ضابط الشؤون المدنية الاميركي، شخصية دبلوماسية ونحو 60 او 70 من النساء العراقيات القياديات، ومارسن تبادلا حيا للافكار، وكان الجميع مهتمين بهذه المناسبة.
وخرج الكثير من النسوة ملآى الايادي بالمواد المطلوبة لخياطة ملابسهن، في محاولة وادعة لتشجيع النساء على ايجاد مصدر جديد للدخل في المحافظة التي انفردت فيها القاعدة كأرضية لتجنيد النساء الانتحاريات.
يصف احد جنود القوات الخاصة ستراتيجية التحصين على انها «ترك التفجير»، القفز امام المشكلة، التواصل مع النساء من اجل بديل منافس عن التمرد
ترجمة: علاء غزالة
ديالى – تقف القوات الخاصة الاميركية لحراسة احد البنايات في هذه المدينة العنيدة، رافعين بنادقهم، بينما يحمل الجنود نقالتين لادخالها الى داخل البناية.
ربما لم يمض وقت طويل منذ ان حملت هذه النقالات القتلى والجرحى نتيجة تفجير انتحاري او اشتباك مع المتمردين. اما الان فانها لم تحمل اي سوء غير مواد تستخدم في صناعة الملبوسات النسائية، من اجل مؤتمر لنساء العراق. ويتم اعطاء قطع من النسيج لكل من النسوة اللائي يحضرن اللقاء في بعقوبة.
تناقض صورة القوات الخاصة المعتادة، تلك القوات التي تخوض العمليات القتالية، مع مهمة توفير الامن الى اجتماع نسوي صباحي، لكنها توضح مدى التكتيكات اللينة التي يتم توظيفها في مواجهة التمرد.
تعد مَهمة (العقل والقلب) مُهمة بالتحديد في محافظة ديالى، التي شهدت اكثر من 32 عملية انتحارية قامت بها النساء خلال هذا العام.
يقول احد جنود القوات الخاصة المشاركين في هذه المهمة: «نقوم بخمس او ست عمليات، البعض منها حركي، وبعضها غير حركي، والبعض الاخر مزيج بينهما. ان ما نفعله هو بمساعدة، وبرفقة، ومن خلال العراقيين».
وقد تغيرت طبيعة جهود الجيش الاميركي في العراق في الاشهر الاخيرة، منذ ان انخفض العنف الى ادنى مستوياته خلال اربعة اعوام، بينما تزداد ثقة الجيش والشرطة العراقية بانفسها وتتخذ مواقعها في خط المواجهة عند اي قتال. ونتيجة لذلك، فان من الارجح ان يكون الجنود الاميركيون في زيارة الى احد الشيوخ والسياسيين المحليين، يرتشفون الشاي، لا ان يقوموا بتكسير الابواب واعتقال الناس.
يقود الكولونيل بورت ثومبسون لواءا قتاليا مؤلفا من 4100 جندي في ديالى، التي كانت في الماضي مركزا لعمليات القاعدة في العراق. وهو يمضى وقته اليوم في محاولة مساعدة الحكومة المحلية على انفاق ميزانيتها، وبناء المدارس، والتحضير للانتخابات المحلية، وجهود المصالحة بين الطوائف المختلفة.
يقول الكولونيل ثومبسون: «اشخاصا مثلي يرتاحون اكثر للعمليات القتالية. انا لست مرتاحا جدا مع هذه الاعمال التي تخص الحكومة، فما هي؟ وكيف تقيسها؟ لا أتسلم راتبي من اجل مثل هذا العمل... اجل، يتم دفع راتبي من اجل كل هذا. ان اهم واجبات هذا اللواء هو مساعدة الحكومة المحلية».
تتركز 90 بالمئة من جهود القائد الميدانية على مبادرات مثل ضمان ان تقوم السلطات المحلية بتنفيذ مشاريع الطرق، وحفر الابار، وتوفير الكهرباء الى المدن والقرى في عموم محافظة ديالى.
بينما لا تشكل الجهود «الحركية» الا جزءا بسيطا من مهمات لواء الاسكا القتالي الاول من فرقة المشاة الخامسة والعشرين، وهي تتضمن في مجملها مساعدة القوات العراقية على اصطياد المتمردين.
يقول الكولونيل ثومبسون، الذي وصلت قواته الى محافظة ديالى في الشهر الماضي: «كانت المهمات في عام 2007 حركية بنسبة 99,999 بالمئة.» ويخلد الجنود في قواعدهم داخل بعقوبة الى الراحة وهم يؤدون دورتهم الثانية او الثالثة في العراق، مما يعكس طبيعة التغيير الحاصل.
وقد فقد العريف جيمس ويلسون اعز اصدقائه حينما انفجرت قنبلة زرعت في جانب الطريق على المدرعة التي كانوا يستقلونها في بغداد، عندما كان في اول دورة واجب يؤديها في العراق بين عامي 2005 و2007.
ويقول العريف البالغ 23 عاما من العمر، وهو من ولاية اوهايو، ان فرص الهجمات الان قد تقلصت بشكل كبير، مضيفا: «ارى نفسي في الغالب وكأني في اجازة. ذلك يجعلني اشعر بالسرور». سوف يمّكن التحسن الامني القوات الاميركية على تقليص وجودها في العراق خلال هذا الشهر الى 14 لواءا قتاليا بدلا من 16، اي انهم يستبقون الجدول المعد مسبقا بشهرين.
وعلى الرغم من تغيّر الواجبات من الفعاليات القتالية الى تناول القهوة في الصباح، يبقى الخطر ماثلا. فقد قتل جنديان من لواء الاسكا في الشهر الماضي إثر هجوم صاروخي على القاعدة الرئيسة للقوات الاميركية في ديالى.
كما تحوم علامات استفهام على مستبقل القوات الاميركية في العراق بعد نهاية هذا العام، حينما تنتهي صلاحية تفويض الامم المتحدة الذي يسمح بوجود القوات الاميركية في العراق.
وتستمر المفاوضات بين بغداد وواشنطن على الاتفاقية الامنية، التي يجب ان توقع قبل 31 كانون الاول، والتي سوف يكون لها تأثير رئيس على العمليات.
ويحدد الجدول الزمني موعد انسحاب القوات الاميركية من المدن مثل بعقوبة بحلول الصيف القادم، وان تنسحب من عموم العراق خلال ثلاثة اعوام.
يقول الكولونيل ثومبسون انه مستعد للاستجابة لكل ما قد يحدث. ويستطرد قائلا: «لدي مجموعة من المشاكل. لدي رؤية. سوف اتوقف، واعيد التقييم. سوف ارسم خطة وسوف ننفذها». ويؤكد ان المفتاح يتمثل في تسليم المزيد من المسؤوليات الى السلطات العراقية لتمكين القوات الاميركية من التراجع.
وحضر المؤتمر النسوي هذا الاسبوع، الذي نظمه ضابط الشؤون المدنية الاميركي، شخصية دبلوماسية ونحو 60 او 70 من النساء العراقيات القياديات، ومارسن تبادلا حيا للافكار، وكان الجميع مهتمين بهذه المناسبة.
وخرج الكثير من النسوة ملآى الايادي بالمواد المطلوبة لخياطة ملابسهن، في محاولة وادعة لتشجيع النساء على ايجاد مصدر جديد للدخل في المحافظة التي انفردت فيها القاعدة كأرضية لتجنيد النساء الانتحاريات.
يصف احد جنود القوات الخاصة ستراتيجية التحصين على انها «ترك التفجير»، القفز امام المشكلة، التواصل مع النساء من اجل بديل منافس عن التمرد
Thursday, November 20, 2008
الاتفاقية الأمنية تحدد موعد انسحاب القوات الأميركية
عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
صادق مجلس الوزراء العراقي يوم الاحد باغلبية ساحقة على الاتفاقية الامنية المقترحة، والتي تدعو الى انسحاب القوات الاميركية من البلاد بحلول نهاية عام 2011. من شأن قرار مجلس الوزراء هذا ان يجعل الموعد النهائي لرحيل القوات الاميركية اقرب بشكل ملحوظ بعد خمس سنوات ونصف من الحرب. على انه لازال امام الاتفاقية المقترحة ان تحصل على مصادقة البرلمان العراقي، وذلك في جلسة تصويت تقررت ان تعقد خلال اسبوع. لكن بعض قادة الكتل البرلمانية الكبرى عبروا عن ثقتهم بان لديهم الإسناد الكافي لضمان الحصول على المصادقة.
وقد صوت سبعة وعشرون من بين الوزراء الثماني والعشرين الذين حضروا جلسة التصويت التي استمرت ساعتين ونصف، صوتوا لمصلحة الاتفاقية بما يعد شبه بإجماع حيث كان من الممكن ان تؤدي المعارضة الواسعة النطاق إلى إفشال الاتفاقية الأمنية حتى لو توفرت لها الاصوات الكافية، وكان من شأنها ان تطرح تساؤلات فيما اذا كان هناك اجماع وطني حقيقي، والذي يتعبره القادة أمرا اساسيا.
لم تحدد الاتفاقية الامنية، التي استغرقت قرابة السنة من المفاوضات مع الولايات المتحدة، موعدا لانسحاب القوات الاميركية فحسب، بل انها وضعت قيودا جديدة على عمليات القوات القتالية الاميركية اعتبارا من الاول من كانون الثاني، وتلزم الجيش الاميركي بالانسحاب من المناطق الحضرية بحلول 30 حزيران. ان هذه التواريخ المؤكدة تعكس التنازلات الكبيرة التي قدمتها ادارة بوش المنصرفة، والتي كانت تجاهر بمعارضتها لاي جدول زمني.
كما حصل العراق على صلاحيات قضائية ملحوظة في بعض القضايا التي تخص الجرائم الخطرة التي يرتكبها الاميركيون حينما لا يكونون في الواجب ولا في قواعدهم.
وفي واشنطن، رحب البيت الابيض بالمصادقة على انه «خطوة مهمة وايجابية» واعطى الفضل في التوصل الى هذه الاتفاقية الى التحسن الامني خلال السنة الماضية.
وقد حاولت الاحزاب ، ورئيس الوزراء نوري المالكي، خلال المفاوضات، وتحت ضغوط داخلية ومن خارج البلاد، ان يحدثوا توزانا في صياغة الاتفاقية الحيوية مع الاميركيين بحيث تضمن امن العراق ولكنها تبقى حاسمة بوجه ما يعتبره الكثيرون، ومن ضمنهم الجارة ايران، القوة الغاشمة التي احتلت العراق حين غزته في ربيع عام 2003 واطاحت بنظام صدام حسين.
يقول مايكل اوهانلون، المتخصص في شؤون العراق بمعهد بوركنز: «يظهر هذا التصويت ان العراقيين قد توصلوا الى طريقة للتعبير عن موقفهم، لايران وللولايات المتحدة على السواء. لقد تفحصوا مختلف الخيارات وتوصلوا الى انه ليس هناك من خيار مثالي، ولكن الخيار الافضل لأمنهم يكمن في ان يستمر التعاون مع الاميركيين ولكن لفترة زمنية محددة. وهم، في الوقت ذاته، يعبرون عن رغبتهم القوية في ان يديروا امور بلدهم بانفسهم باسرع وقت ممكن».
يقول المسؤولون الاميركيون ان هذا التوافق جاء نتيجة مساومات صعبة بين العراقيين. وكان السفير الاميركي، رايان كوركر، قد تحدث عن المفاوضات قبل ايام من تصويت مجلس الوزراء قائلا حول المئة مطلب لتغيير الاتفاقية التي سعى اليها العراقيون خلال الاسابيع الاخيرة: «بعضها كان ماديا، وبعضها كان لغويا، وبعضها كان نمطيا. لقد نظرنا في جميع المطالب، وقد كنا سباقين الى الاستجابة قدر الامكان». يقول بعض السياسيين العراقيين إن العامل المهم في قرار الحكومة هو مصادقة آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الأكثر نفوذا في العراق، والذي فرض ثلاثة شروط من موقعه خارج المفاوضات: سيادة عراقية كاملة، الشفافية، ومساندة الاغلبية للاتفاقية.
ويقول ضياء الدين الفياض، عضو المجلس الاسلامي الاعلى، احد اكبر الاحزاب ، إن آية الله (السيستاني) لم يعط موافقته حتى زاره وفد من القادة يوم السبت ليؤكدوا له ان الاتفاقية تلبي هذه الشروط. ويمضي في القول: «لقد قلنا له اننا اقتربنا اكثر ما يمكن لنا ان نقترب. لم نحصل على كل شيء، ولكننا حصلنا على معظم الاشياء التي اردناها».
اما المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، فقد قال ان الاتفاقية تسمح بامكانات انسحاب القوات الاميركية، حتى قبل الموعد المقرر، اذا تمكنت القوات الامنية العراقية من ان تتولى المسؤولية الامنية قبل الموعد. وقال ايضا انه يحق لكلا الجانبين الغاء الاتفاقية بعد ارسال اشعار الى الطرف الاخر قبل سنة واحدة.
يقول بعض المحللين السياسيين ان مواقف الامريكيين قد لانت بعد انتصار السيناتور باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية. حيث وضع جدولا زمنيا للانسحاب من العراق اسرع حتى من الوقت الذي اقرته الاتفاقية الامنية، برغم انه عدل موقفه مؤخرا.
يقول كريم سجادبور، المحلل المتخصص بالشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي: «لو كان لرئاسة بوش ان تستمر حتى عام 2012، فاني اعتقد ان الناس سوف يكونون قلقين اكثر من ذلك بكثير كما أن المادة التي يقول المسؤولون العراقيون انها تمنع الولايات المتحدة من استخدام الاراضي العراقية في شن هجمات على الدول المجاورة، ربما تكون قد قللت المعارضة .
يقول الفياض: «لقد ارسلنا رسائل الى دول الجوار لنوضح ان الاتفاقية تصب في مصلحة العراق.
ويمكن النظر للمصادقة، من نواح عدة، على انها نتيجة حسابات القادة العراقيين فيمن سيكون، في الوقت الراهن، في افضل موقف لضمان نجاتهم سياسيا. فبعد كل شيء فان الولايات المتحدة هي التي اوصلت العديد من القادة العراقيين الى سدة الحكم. ومع تحسن الوضع الأمني، وان كان هشا، بنظر الاعتبار، فان الكثيرين يرون انه لازالت هناك حاجة للوجود الاميركي.
وتحكم قرارات الامم المتحدة وجود القوات الاميركية في العراق، والتي ستنتهي في 31 كانون الاول. لو لم تتم المصادقة على الاتفاقية، وامتنع مجلس الامن عن تمديد القرارات السابقة، فان الاميركيين يقولون انه كان سيتوجب على قواتهم ايقاف عملياتها. ان اعمال العنف التي نشبت خلال الاسبوعين السابقين لمصادقة الحكومة على الاتفاقية توضح خطورة عدم التوصل اليها. وفي يوم الاحد قتل عشرة اشخاص في محافظة ديالى في هجمات مكثفة تضمنت سيارة مفخخة.
ويبقى من غير الواضح مدى شدة استجابة معارضو الاتفاقية، حيث ادّعى سياسيون صدريون، في تأكيد لمعارضتهم لهذا التوافق، انه من الناحية الاجرائية، فانه يتوجب الحصول على ثلثي الاصوات لتمرير الاتفاقية في البرلمان. لكن المساندين يقولون ان الاغلبية البسيطة سوف تكون كافية.
إلا انه يبدو ان جبهة التوافق تبدو منقسمة على نفسها. فقد قال اكثر من ربع اعضائها انهم سوف يصوتون لمصلحة الاتفاقية، غير ان قادة الحزب الاسلامي، اكبر احزاب جبهة التوافق، يقول انه لن يصادق على اية اتفاقية من دون استفتاء وطني، وهو تطور غير مرجح.
وكان بعض السياسيين قد أعربوا عن اعتقادهم بان العقبة امام تصويت البرلمان ستكون الفشل في الحصول على النصاب اللازم للتصويت، وهو فشل له تاريخ سابق، خصوصا اذا غادر البرلمانيون فورا الى المملكة العربية السعودية لاداء فريضة الحج. وقد تحرك البرلمان بسرعة لانهاء هذه الاحتمالية من خلال منع الاعضاء من السفر الى الخارج.
ولم يكد البرلمانيون يخفون فرحتهم يوم الاحد في اروقة البرلمان التي لاتزال تحمل آثار حكومة صدام حسين البعثية في هيأة لوحات من الفسيفساء تصور الطائرات الاميركية تحلق فوق الجنود العراقيين المندحرين. وهم يشيرون إلى الاتفاقية على انها «اتفاقية الجلاء»، في اشارة الى قوتهم الناشئة مع الاميركيين.
وقد صرح هادي العامري، الذي يقود منظمة بدر، التي كانت في الماضي الجناح العسكري للمجلس الاعلى، بأنهم سوف يسعون إلى إجماع واسع في البرلمان.
كما انه حذر من احتمالية حدوث رد فعل على شكل اعمال عنف من قبل المعارضين، «والتي يمكن ان تحدث سواء وقعنا الاتفاقية أو لم نوقعها».
ترجمة: علاء غزالة
صادق مجلس الوزراء العراقي يوم الاحد باغلبية ساحقة على الاتفاقية الامنية المقترحة، والتي تدعو الى انسحاب القوات الاميركية من البلاد بحلول نهاية عام 2011. من شأن قرار مجلس الوزراء هذا ان يجعل الموعد النهائي لرحيل القوات الاميركية اقرب بشكل ملحوظ بعد خمس سنوات ونصف من الحرب. على انه لازال امام الاتفاقية المقترحة ان تحصل على مصادقة البرلمان العراقي، وذلك في جلسة تصويت تقررت ان تعقد خلال اسبوع. لكن بعض قادة الكتل البرلمانية الكبرى عبروا عن ثقتهم بان لديهم الإسناد الكافي لضمان الحصول على المصادقة.
وقد صوت سبعة وعشرون من بين الوزراء الثماني والعشرين الذين حضروا جلسة التصويت التي استمرت ساعتين ونصف، صوتوا لمصلحة الاتفاقية بما يعد شبه بإجماع حيث كان من الممكن ان تؤدي المعارضة الواسعة النطاق إلى إفشال الاتفاقية الأمنية حتى لو توفرت لها الاصوات الكافية، وكان من شأنها ان تطرح تساؤلات فيما اذا كان هناك اجماع وطني حقيقي، والذي يتعبره القادة أمرا اساسيا.
لم تحدد الاتفاقية الامنية، التي استغرقت قرابة السنة من المفاوضات مع الولايات المتحدة، موعدا لانسحاب القوات الاميركية فحسب، بل انها وضعت قيودا جديدة على عمليات القوات القتالية الاميركية اعتبارا من الاول من كانون الثاني، وتلزم الجيش الاميركي بالانسحاب من المناطق الحضرية بحلول 30 حزيران. ان هذه التواريخ المؤكدة تعكس التنازلات الكبيرة التي قدمتها ادارة بوش المنصرفة، والتي كانت تجاهر بمعارضتها لاي جدول زمني.
كما حصل العراق على صلاحيات قضائية ملحوظة في بعض القضايا التي تخص الجرائم الخطرة التي يرتكبها الاميركيون حينما لا يكونون في الواجب ولا في قواعدهم.
وفي واشنطن، رحب البيت الابيض بالمصادقة على انه «خطوة مهمة وايجابية» واعطى الفضل في التوصل الى هذه الاتفاقية الى التحسن الامني خلال السنة الماضية.
وقد حاولت الاحزاب ، ورئيس الوزراء نوري المالكي، خلال المفاوضات، وتحت ضغوط داخلية ومن خارج البلاد، ان يحدثوا توزانا في صياغة الاتفاقية الحيوية مع الاميركيين بحيث تضمن امن العراق ولكنها تبقى حاسمة بوجه ما يعتبره الكثيرون، ومن ضمنهم الجارة ايران، القوة الغاشمة التي احتلت العراق حين غزته في ربيع عام 2003 واطاحت بنظام صدام حسين.
يقول مايكل اوهانلون، المتخصص في شؤون العراق بمعهد بوركنز: «يظهر هذا التصويت ان العراقيين قد توصلوا الى طريقة للتعبير عن موقفهم، لايران وللولايات المتحدة على السواء. لقد تفحصوا مختلف الخيارات وتوصلوا الى انه ليس هناك من خيار مثالي، ولكن الخيار الافضل لأمنهم يكمن في ان يستمر التعاون مع الاميركيين ولكن لفترة زمنية محددة. وهم، في الوقت ذاته، يعبرون عن رغبتهم القوية في ان يديروا امور بلدهم بانفسهم باسرع وقت ممكن».
يقول المسؤولون الاميركيون ان هذا التوافق جاء نتيجة مساومات صعبة بين العراقيين. وكان السفير الاميركي، رايان كوركر، قد تحدث عن المفاوضات قبل ايام من تصويت مجلس الوزراء قائلا حول المئة مطلب لتغيير الاتفاقية التي سعى اليها العراقيون خلال الاسابيع الاخيرة: «بعضها كان ماديا، وبعضها كان لغويا، وبعضها كان نمطيا. لقد نظرنا في جميع المطالب، وقد كنا سباقين الى الاستجابة قدر الامكان». يقول بعض السياسيين العراقيين إن العامل المهم في قرار الحكومة هو مصادقة آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الأكثر نفوذا في العراق، والذي فرض ثلاثة شروط من موقعه خارج المفاوضات: سيادة عراقية كاملة، الشفافية، ومساندة الاغلبية للاتفاقية.
ويقول ضياء الدين الفياض، عضو المجلس الاسلامي الاعلى، احد اكبر الاحزاب ، إن آية الله (السيستاني) لم يعط موافقته حتى زاره وفد من القادة يوم السبت ليؤكدوا له ان الاتفاقية تلبي هذه الشروط. ويمضي في القول: «لقد قلنا له اننا اقتربنا اكثر ما يمكن لنا ان نقترب. لم نحصل على كل شيء، ولكننا حصلنا على معظم الاشياء التي اردناها».
اما المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، فقد قال ان الاتفاقية تسمح بامكانات انسحاب القوات الاميركية، حتى قبل الموعد المقرر، اذا تمكنت القوات الامنية العراقية من ان تتولى المسؤولية الامنية قبل الموعد. وقال ايضا انه يحق لكلا الجانبين الغاء الاتفاقية بعد ارسال اشعار الى الطرف الاخر قبل سنة واحدة.
يقول بعض المحللين السياسيين ان مواقف الامريكيين قد لانت بعد انتصار السيناتور باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية. حيث وضع جدولا زمنيا للانسحاب من العراق اسرع حتى من الوقت الذي اقرته الاتفاقية الامنية، برغم انه عدل موقفه مؤخرا.
يقول كريم سجادبور، المحلل المتخصص بالشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي: «لو كان لرئاسة بوش ان تستمر حتى عام 2012، فاني اعتقد ان الناس سوف يكونون قلقين اكثر من ذلك بكثير كما أن المادة التي يقول المسؤولون العراقيون انها تمنع الولايات المتحدة من استخدام الاراضي العراقية في شن هجمات على الدول المجاورة، ربما تكون قد قللت المعارضة .
يقول الفياض: «لقد ارسلنا رسائل الى دول الجوار لنوضح ان الاتفاقية تصب في مصلحة العراق.
ويمكن النظر للمصادقة، من نواح عدة، على انها نتيجة حسابات القادة العراقيين فيمن سيكون، في الوقت الراهن، في افضل موقف لضمان نجاتهم سياسيا. فبعد كل شيء فان الولايات المتحدة هي التي اوصلت العديد من القادة العراقيين الى سدة الحكم. ومع تحسن الوضع الأمني، وان كان هشا، بنظر الاعتبار، فان الكثيرين يرون انه لازالت هناك حاجة للوجود الاميركي.
وتحكم قرارات الامم المتحدة وجود القوات الاميركية في العراق، والتي ستنتهي في 31 كانون الاول. لو لم تتم المصادقة على الاتفاقية، وامتنع مجلس الامن عن تمديد القرارات السابقة، فان الاميركيين يقولون انه كان سيتوجب على قواتهم ايقاف عملياتها. ان اعمال العنف التي نشبت خلال الاسبوعين السابقين لمصادقة الحكومة على الاتفاقية توضح خطورة عدم التوصل اليها. وفي يوم الاحد قتل عشرة اشخاص في محافظة ديالى في هجمات مكثفة تضمنت سيارة مفخخة.
ويبقى من غير الواضح مدى شدة استجابة معارضو الاتفاقية، حيث ادّعى سياسيون صدريون، في تأكيد لمعارضتهم لهذا التوافق، انه من الناحية الاجرائية، فانه يتوجب الحصول على ثلثي الاصوات لتمرير الاتفاقية في البرلمان. لكن المساندين يقولون ان الاغلبية البسيطة سوف تكون كافية.
إلا انه يبدو ان جبهة التوافق تبدو منقسمة على نفسها. فقد قال اكثر من ربع اعضائها انهم سوف يصوتون لمصلحة الاتفاقية، غير ان قادة الحزب الاسلامي، اكبر احزاب جبهة التوافق، يقول انه لن يصادق على اية اتفاقية من دون استفتاء وطني، وهو تطور غير مرجح.
وكان بعض السياسيين قد أعربوا عن اعتقادهم بان العقبة امام تصويت البرلمان ستكون الفشل في الحصول على النصاب اللازم للتصويت، وهو فشل له تاريخ سابق، خصوصا اذا غادر البرلمانيون فورا الى المملكة العربية السعودية لاداء فريضة الحج. وقد تحرك البرلمان بسرعة لانهاء هذه الاحتمالية من خلال منع الاعضاء من السفر الى الخارج.
ولم يكد البرلمانيون يخفون فرحتهم يوم الاحد في اروقة البرلمان التي لاتزال تحمل آثار حكومة صدام حسين البعثية في هيأة لوحات من الفسيفساء تصور الطائرات الاميركية تحلق فوق الجنود العراقيين المندحرين. وهم يشيرون إلى الاتفاقية على انها «اتفاقية الجلاء»، في اشارة الى قوتهم الناشئة مع الاميركيين.
وقد صرح هادي العامري، الذي يقود منظمة بدر، التي كانت في الماضي الجناح العسكري للمجلس الاعلى، بأنهم سوف يسعون إلى إجماع واسع في البرلمان.
كما انه حذر من احتمالية حدوث رد فعل على شكل اعمال عنف من قبل المعارضين، «والتي يمكن ان تحدث سواء وقعنا الاتفاقية أو لم نوقعها».
Tuesday, November 18, 2008
التفجيرات الأخيرة تظهر هشاشة المكاسب الامنية في العراق
عن واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
اغلق حاجز كونكريتي بارتفاع ثلاثة اقدام (اقل من متر)، على مدى عدة سنوات،الشارع القريب من مطعم عماد كريم الكائن في المقاطعة الشمالية، وذلك للحماية من السيارات المفخخة التي ضربت مدينة بغداد. وتقوم الجدران بالتعريف بالكثير من تاريخ المدينة، فهي عبارة عن صفائح من الكونكريت بنيت من قبل الاميركيين او السكان المحليين، حولت المناطق السكنية الى متاهات كان الهدف منها ايقاف المهاجمين الغاضبين. وفي الفترة الاخيرة، حينما تحسن الوضع الامني، قام احدهم بازاحة بعض الجدران قرب مطعم كريم ابو وائل. ولم ينتبه اي شخص حينما قاد احدهم سيارته نوع فولكسفاغن باسات (برازيلي) من خلال هذه الفتحة ثم اوقفها بجانب الرصيف.
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، انفجرت العبوة المحلية الصنع الموضوعة في صندوق السيارة لحظة مرور حافلة صغيرة تحمل 20 شخصا بالقرب منها، وحيث يزدحم الشارع في الجهة الاخرى من الحاجز، حسبما يقول شهود العيان والضباط الاميركيون. وما لبثت النيران ان التهمت جميع الحافلة. وبعد دقائق، انفجرت قنبلتان مزروعتان على جانب الطريق بالقرب من السيارة المفخخة، مرسلة قطعاً هائلة من الزجاج نحو رواد مطعم ابو وائل ومطعم اخر بالقرب منه، ومحطمة سقوفها المصنوعة من الصفيح المضلع، كما يؤكد شهود العيان.
وقال اللواء محمد العسكري، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع، ان 28 شخصا استشهدوا في هذا التفجير بينما اصيب 50 آخرون بجراح، وذلك في حديثه لقناة العربية الفضائية. لكن الجيش الاميركي يقول ان العدد الكلي للقتلى يقل كثيرا عن هذا الرقم، حيث يبلغ خمسة قتلى فقط.
يقول كريم بتعاسة، وهو يقف امام واجهة مطعمه وسط النوفذ المعدنية المهشمة والحطام المتناثر: «ليس هناك من أمن. نحن نسمع عن الأمن من خلال التلفزيون فحسب».
يقول الجيش الاميركي ان التفجيرات الاخيرة في بغداد لم تقدح موجة اكبر: فالعنف قد انفخض بشكل ملحمي خلال السنة الماضية. هناك نحو اربع هجمات في اليوم على العاصمة، مقارنة بـ 24 هجمة يوميا في شهر كانون الاول الماضي، كما تشير المصادر العسكرية.
يقول البريغادير جنرال وليم كريمسلي، من الفرقة الرابعة مشاة، وهو ايضا نائب القائد العام للقوات الاميركية في منطقة بغداد: «تميل هذه الاعمال الى الانحسار مع الزمن».
غير ان تفجيرات الاثنين تظهر ان المكاسب الأمنية لاتزال هشة. وهي دلالة على انه قد يمضي وقت طويل قبل ان تهدم الحواجز الأمنية في بغداد نهائيا.
وكان بناء هذه الحواجز قد بدأ مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. فقد انشأ الجيش الاميركي جدرانا مقاومة للتفجير بارتفاع 12 قدما (3,6 متر)، ويبلغ وزن الواحدة منها ستة اطنان، لحماية قواعدهم ومواقعهم الحساسة. ورويدا بدأت هذه الحواجز باغلاق الطرق قرب البنايات الحكومية، والمساجد، ومراكز الشرطة، والجامعات.
كما قام السكان المحليون في الاحياء السكنية باغلاق الطرق بانفسهم، باستخدام براميل النفط، واطارات السيارات، وقطع الكونكريت، وحتى جذوع النخيل، لتحديد الدخول الى هذه المناطق. وفي عام 2007، قام الجيش الاميركي باحاطة مجمل الاحياء السكنية كجزء من حملتهم ضد التمرد، ما اعطاهم سيطرة حازمة على حركة الدخول والخروج.
ويقر الجيش الاميركي بالدور الكبير الذي لعبته هذه الجدران في تقليل العنف.
يقول الكابتن بريت ووكر، من الكتيبة الثانية، التابعة للفرقة الرابعة/ اللواء الرابع مشاة، وذلك اثناء حديثه لوسائل الاعلام عن جهود نصب الجدران الكونكريتية: «لا يمكنك اساءة التصرف في احد الاحياء السكنية ثم الفرار ببساطة الى حي سكني آخر». ولا يستطيع المفجرون ان يقتربوا من الكثير من المناطق المزدحمة، مثل الاسواق والمساجد، حيث احدثوا دمارا في الماضي.
وقد بدأ الجيش في الفترة الاخيرة بازالة الحواجز في المناطق التي كانت ذات مرة خطرة في بغداد، كجزء من جهود المصالحة الوطنية التي تعمل على تشجيعها بين مختلف المناطق السكنية.
يقول ووكر ان الرسالة الى الاهالي كانت واضحة: «فالرجوع الى الوضع الطبيعي هو في متناول اليد، بارادتهم وتعاونهم.»
ولكن لم تكن هناك اشارة الى ان الوضع كان طبيعيا يوم الاثنين في منطقة الكسرة شمالي بغداد، وبعد مضي عدة ساعات من التفجير كان كريم، صاحب المطعم ذو الثمانية والثلاثين عاما، متوترا وغاضبا بينما كان يلتقط قطعا من الحطام.
وهو يقول ان اغلب الضحايا كانوا من بين ركاب الحافلة الصغيرة، ومن بينهم ثلاثة اطفال. مضيفا ان عصف الانفجار ادى الى تحطيم النوافذ وتساقط قطع من سقف المطعم على رواده بينما كانوا يتناولون طعام الافطار، مسببا مقتل اثنين من الزبائن واحد العمال.
وصل الكولونيل جون هورت، قائد الكتيبة المقاتلة الثالثة، من وحدات اللواء الرابع، الى موقع الانفجار بعد حدوثه، وتوعد باعتقال المسؤولين عنه. وكان لديه اقتراح آخر كذلك: اضافة المزيد من الجدران الحاجزة في هذه المنطقة.
وقد وصف هورت، في بيان لاحق، التفجير بانه «عمل ارهابي شرير وجبان». واوضح الجيش الاميركي في بيان صحفي ان تنظيم القاعدة في العراق مسؤولة على الارجح عن هذا الفعل الشنيع.
وكانت القوات الاميركية قد استهدفت شبكات التفجير بضراوة. وحسب بيان صادر عن الجيش الاميركي، فقد تم في يوم الاثنين اعتقال الرجل الذي يزعم انه اشترك في تفجير السوق بجنوبي بغداد الذي حدث في 12 تشرين الاول الذي ادى الى مقتل خمسة اشخاص في الاقل.
وجاء في البيان ان هذا الرجل هو احد اعضاء تنظيم القاعدة في العراق وتم اعتقاله في منزل بغربي بغداد، حيث عثر الجنود على كمية كبيرة من صواعق التفجير واغطية العبوات الناسفة.
وفي مدينة بعقوبة، قامت امرأة انتحارية، في اليوم نفسه ايضا، بتفجير نفسها بالقرب من نقطة تفتيش في سوق المدينة تسيطير عليها قوات حراسة الاحياء التي تدعمها القوات الاميركية، وتسمى ايضا (ابناء العراق)، حسبما افادت مصادر الشرطة.
وصرح العقيد راغب العميري، المتحدث الرسمي باسم شرطة المحافظة، بان اربعة اشخاص قتلوا في هذا الهجوم، من بينهم قائد محلي لقوة ابناء العراق. وكان من بين الجرحى الخمسة عشر، صبي في الثالثة عشرة من عمره.
يقول فيصل الشمري، احد الحراس ضمن قوة ابناء العراق، ويبلغ 33 عاما من العمر ان امرأة سارت باتجاه القائد احمد العزاوي. ويضيف: «كانت تتظاهر بانها تطلب المساعدة، وفي لحظات فجرت نفسها وقتلت قائدنا».
ترجمة: علاء غزالة
اغلق حاجز كونكريتي بارتفاع ثلاثة اقدام (اقل من متر)، على مدى عدة سنوات،الشارع القريب من مطعم عماد كريم الكائن في المقاطعة الشمالية، وذلك للحماية من السيارات المفخخة التي ضربت مدينة بغداد. وتقوم الجدران بالتعريف بالكثير من تاريخ المدينة، فهي عبارة عن صفائح من الكونكريت بنيت من قبل الاميركيين او السكان المحليين، حولت المناطق السكنية الى متاهات كان الهدف منها ايقاف المهاجمين الغاضبين. وفي الفترة الاخيرة، حينما تحسن الوضع الامني، قام احدهم بازاحة بعض الجدران قرب مطعم كريم ابو وائل. ولم ينتبه اي شخص حينما قاد احدهم سيارته نوع فولكسفاغن باسات (برازيلي) من خلال هذه الفتحة ثم اوقفها بجانب الرصيف.
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، انفجرت العبوة المحلية الصنع الموضوعة في صندوق السيارة لحظة مرور حافلة صغيرة تحمل 20 شخصا بالقرب منها، وحيث يزدحم الشارع في الجهة الاخرى من الحاجز، حسبما يقول شهود العيان والضباط الاميركيون. وما لبثت النيران ان التهمت جميع الحافلة. وبعد دقائق، انفجرت قنبلتان مزروعتان على جانب الطريق بالقرب من السيارة المفخخة، مرسلة قطعاً هائلة من الزجاج نحو رواد مطعم ابو وائل ومطعم اخر بالقرب منه، ومحطمة سقوفها المصنوعة من الصفيح المضلع، كما يؤكد شهود العيان.
وقال اللواء محمد العسكري، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع، ان 28 شخصا استشهدوا في هذا التفجير بينما اصيب 50 آخرون بجراح، وذلك في حديثه لقناة العربية الفضائية. لكن الجيش الاميركي يقول ان العدد الكلي للقتلى يقل كثيرا عن هذا الرقم، حيث يبلغ خمسة قتلى فقط.
يقول كريم بتعاسة، وهو يقف امام واجهة مطعمه وسط النوفذ المعدنية المهشمة والحطام المتناثر: «ليس هناك من أمن. نحن نسمع عن الأمن من خلال التلفزيون فحسب».
يقول الجيش الاميركي ان التفجيرات الاخيرة في بغداد لم تقدح موجة اكبر: فالعنف قد انفخض بشكل ملحمي خلال السنة الماضية. هناك نحو اربع هجمات في اليوم على العاصمة، مقارنة بـ 24 هجمة يوميا في شهر كانون الاول الماضي، كما تشير المصادر العسكرية.
يقول البريغادير جنرال وليم كريمسلي، من الفرقة الرابعة مشاة، وهو ايضا نائب القائد العام للقوات الاميركية في منطقة بغداد: «تميل هذه الاعمال الى الانحسار مع الزمن».
غير ان تفجيرات الاثنين تظهر ان المكاسب الأمنية لاتزال هشة. وهي دلالة على انه قد يمضي وقت طويل قبل ان تهدم الحواجز الأمنية في بغداد نهائيا.
وكان بناء هذه الحواجز قد بدأ مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. فقد انشأ الجيش الاميركي جدرانا مقاومة للتفجير بارتفاع 12 قدما (3,6 متر)، ويبلغ وزن الواحدة منها ستة اطنان، لحماية قواعدهم ومواقعهم الحساسة. ورويدا بدأت هذه الحواجز باغلاق الطرق قرب البنايات الحكومية، والمساجد، ومراكز الشرطة، والجامعات.
كما قام السكان المحليون في الاحياء السكنية باغلاق الطرق بانفسهم، باستخدام براميل النفط، واطارات السيارات، وقطع الكونكريت، وحتى جذوع النخيل، لتحديد الدخول الى هذه المناطق. وفي عام 2007، قام الجيش الاميركي باحاطة مجمل الاحياء السكنية كجزء من حملتهم ضد التمرد، ما اعطاهم سيطرة حازمة على حركة الدخول والخروج.
ويقر الجيش الاميركي بالدور الكبير الذي لعبته هذه الجدران في تقليل العنف.
يقول الكابتن بريت ووكر، من الكتيبة الثانية، التابعة للفرقة الرابعة/ اللواء الرابع مشاة، وذلك اثناء حديثه لوسائل الاعلام عن جهود نصب الجدران الكونكريتية: «لا يمكنك اساءة التصرف في احد الاحياء السكنية ثم الفرار ببساطة الى حي سكني آخر». ولا يستطيع المفجرون ان يقتربوا من الكثير من المناطق المزدحمة، مثل الاسواق والمساجد، حيث احدثوا دمارا في الماضي.
وقد بدأ الجيش في الفترة الاخيرة بازالة الحواجز في المناطق التي كانت ذات مرة خطرة في بغداد، كجزء من جهود المصالحة الوطنية التي تعمل على تشجيعها بين مختلف المناطق السكنية.
يقول ووكر ان الرسالة الى الاهالي كانت واضحة: «فالرجوع الى الوضع الطبيعي هو في متناول اليد، بارادتهم وتعاونهم.»
ولكن لم تكن هناك اشارة الى ان الوضع كان طبيعيا يوم الاثنين في منطقة الكسرة شمالي بغداد، وبعد مضي عدة ساعات من التفجير كان كريم، صاحب المطعم ذو الثمانية والثلاثين عاما، متوترا وغاضبا بينما كان يلتقط قطعا من الحطام.
وهو يقول ان اغلب الضحايا كانوا من بين ركاب الحافلة الصغيرة، ومن بينهم ثلاثة اطفال. مضيفا ان عصف الانفجار ادى الى تحطيم النوافذ وتساقط قطع من سقف المطعم على رواده بينما كانوا يتناولون طعام الافطار، مسببا مقتل اثنين من الزبائن واحد العمال.
وصل الكولونيل جون هورت، قائد الكتيبة المقاتلة الثالثة، من وحدات اللواء الرابع، الى موقع الانفجار بعد حدوثه، وتوعد باعتقال المسؤولين عنه. وكان لديه اقتراح آخر كذلك: اضافة المزيد من الجدران الحاجزة في هذه المنطقة.
وقد وصف هورت، في بيان لاحق، التفجير بانه «عمل ارهابي شرير وجبان». واوضح الجيش الاميركي في بيان صحفي ان تنظيم القاعدة في العراق مسؤولة على الارجح عن هذا الفعل الشنيع.
وكانت القوات الاميركية قد استهدفت شبكات التفجير بضراوة. وحسب بيان صادر عن الجيش الاميركي، فقد تم في يوم الاثنين اعتقال الرجل الذي يزعم انه اشترك في تفجير السوق بجنوبي بغداد الذي حدث في 12 تشرين الاول الذي ادى الى مقتل خمسة اشخاص في الاقل.
وجاء في البيان ان هذا الرجل هو احد اعضاء تنظيم القاعدة في العراق وتم اعتقاله في منزل بغربي بغداد، حيث عثر الجنود على كمية كبيرة من صواعق التفجير واغطية العبوات الناسفة.
وفي مدينة بعقوبة، قامت امرأة انتحارية، في اليوم نفسه ايضا، بتفجير نفسها بالقرب من نقطة تفتيش في سوق المدينة تسيطير عليها قوات حراسة الاحياء التي تدعمها القوات الاميركية، وتسمى ايضا (ابناء العراق)، حسبما افادت مصادر الشرطة.
وصرح العقيد راغب العميري، المتحدث الرسمي باسم شرطة المحافظة، بان اربعة اشخاص قتلوا في هذا الهجوم، من بينهم قائد محلي لقوة ابناء العراق. وكان من بين الجرحى الخمسة عشر، صبي في الثالثة عشرة من عمره.
يقول فيصل الشمري، احد الحراس ضمن قوة ابناء العراق، ويبلغ 33 عاما من العمر ان امرأة سارت باتجاه القائد احمد العزاوي. ويضيف: «كانت تتظاهر بانها تطلب المساعدة، وفي لحظات فجرت نفسها وقتلت قائدنا».
Saturday, November 15, 2008
العراق مازال بحاجة للماء الصالح للشرب
عن: جريدة ماكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
يأتي كل يوم سائق سيارة حوضية مملوءة بالماء الى قرية (نشأت الكماملة) في جنوب العراق، وفي كل يوم يصطف الناس لملء اوانيهم واوعيتهم بالماء.
يقول الكمامله: «الماء الذي نشتريه من السيارة الحوضية ليس نظيفا. يمكن رؤية العوالق الترابية فيه. لكننا نشربه على اي حال». لقد انخفض العنف في العراق بشكل كبير في الاشهر الاخيرة، لكن القتال من اجل حياة افضل قد بدأ للتو. فالعراق بحاجة الى اصلاح الكثير الخدمات، من الكهرباء الى العناية الصحية، ومن التربية الى الاقتصاد، لكن من بين اكثر الخدمات اهمية تبرز قضية توفير الماء الصالح للشرب. تقول بشرى جبار الكناني، وهي عضوة في البرلمان العراقي، وعضو في لجنة الخدمات والاشغال العامة: «يمكن وصف حال الماء في العراق بانه في ازمة. نحن نرى العواقب في صحة اناسنا، وهم في حال سيئة جدا».
هناك العديد من الامراض التي تنتقل عن طريق الماء مثل الكوليرا والتيفوئيد. فالكوليرا التي انتشرت الصيف المنصرم قد اصابت المئات في محافظتي بغداد وبابل. ويعد الاسهال من بين الاسباب الرئيسة لمرض الاطفال الشديد وحتى وفاتهم في العراق، حسب تقارير منظمة الهلال الاحمر، وهي وكالة اغاثة غير نفعية.
يقول جليل الشمري، احد الاطباء في دائرة صحة بغداد: «اينما يغيب الماء النظيف، تتواجد الامراض. نحن نرى اعدادا ثابتة من الناس لايزالون يعانون من الامراض بسبب مشاكل الماء».
لا يوجد لدى أي فرد من سكان قرية نشأت الكمامله، تلك القرية التي تبعد 200 ميل (320 كم) جنوب بغداد، حنفية للماء الصالح للشرب. بل ان الجميع كانوا يشربون من نهر الفرات حتى جاء رجل مستثمر بسيارته الحوضية قبل عامين. ومازال معظم الناس في القرية يستعملون ماء النهر في الاغتسال وغسل ملابسهم، كما ان بعضهم مازال يشرب منه.
يقول الكمامله، وهو ايضا عاطل عن العمل: «سمعت ان ذلك خطر، لكني لم اصب باي مرض نتيجة الماء حتى الان، لذلك اعتقد انه لا بأس به».
وبرغم ان التقديرات متغايرة، الا ان معظمها تتفق على ان قرابة نصف الشعب العراقي ليس لديه وسيلة للحصول على الماء الصالح للشرب. وقد توصلت دراسة اجريت في شهر آب الماضي على مستوى البلاد، واستطلعت آراء 8700 شخص، الى ان 58 بالمئة منهم لا يستطيعون الحصول على الماء النظيف، لبعض الوقت على الاقل، حسب تقرير وزارة الدفاع الاميركية.
وبالنسبة للباقين، فان كل رشفة من الماء هي بمثابة مقامرة.
وحسب احصائية اللجنة الدولية للصليب الاحمر فان حوالي 40 بالمائة من البيوت في العراق لا تتوافر على ماء يجري في الحنفيات.
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، فان نسبة كبيرة من الشعب العراقي كانت تفتقر الى الماء الصالح للشرب. فقد القت حرب الخليج عام 1991 والعقوبات التي تلتها بظلالها على قدرة البلد على توفير الماء الصالح للشرب والتعامل مع المجاري بشكل مناسب. ثم جاءت اعمال العنف والسلب والنهب واسعة النطاق التي رافقت سقوط نظام الطاغية صدام حسين لتزيد المشكلة سوءا.تضطر بعض العائلات التي لا يتوافر لديها ماء من الحنفية الى شرائه من المخازن او السيارات الحوضية، لكن هناك آخرين فقراء للحد الذي لا يجدون مفرا من استعمال ماء النهر او القنوات والابار، والتي تكون في العادة ملوثة الى حد كبير.
وحتى الذين يوجد لديهم ماء حنفية، فلا يجري فيها الماء كل الوقت بالضرورة، كما ان نقاءه محل تساؤل.
تقول الكناني: «بامكان الناس ببساطة شم رائحة الماء ومعرفة ما اذا كان سيئا. اسمع ذلك في كل الاوقات. وفي كثير من الاحيان يفتحون حنفياتهم، ولكن ليس هناك من ماء فيها».
يقول حيدر حسين، وهو يبلغ 35 عاما من العمر وله ولدان، انه نادرا ما يتوافر على الماء في بيته الكائن في مدينة الصدر. ويضيف قائلا: «خصوصا في الصباح، حيث تفتح حنفية المغسلة ولكن لا يخرج منها شيء. واذا خرج منها شيء فان رائحته تشبه رائحة المجاري... اخشى ان اعطي هذا الماء الى اولادي، لكننا لا نستطيع تحمل تكلفة الماء المعلب كل يوم».
تقول دوروثيا كريميتساس، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر، والتي تعمل على تحسين خدمات الماء النظيف في العراق، ان محطات تنقية المياه في بغداد والمحافظات الاخرى تستخدم وسائل غير متوافقة وعادة غير فعالة.
تقول كريميتساس: «يعود ذلك في بعض الاحيان الى الافتقار الى الخبرة لدى العاملين في هذه المحطات، وفي احيان اخرى يكون النقص في المواد الكيمياوية والتجهيرات هو المسبب. ولكن مهما يكن السبب فنحن نعلم ان هناك خطوات ضمن عملية التنقية قد تم تخطيها».
غير انها تقول ان هناك مشكلة اكبر تتمثل في تلوث الماء بعد ان يغادر محطات التنقية. فقد تضررت بعض الانابيب في مختلف ارجاء العراق بفعل الحرب. بينما ترك البعض الاخر لسنوات طويلة من دون صيانة. ان هذا الامر يشكل خطورة بشكل خاص في تلك المناطق من العراق الفقيرة ، علاوة على ذلك، الى خطوط المجاري العاملة.
وتمضي كريميتساس الى القول: «حينما تجري المجاري حرفيا على حافة الطريق، وتكون انابيب ماء الشرب مخربة، فمن السهولة تصور كيف ينتهي الامر بامتزاج كل منهما مع الاخر».
لا يسمح مسلم خلف، معلم اللغة الانكليزية البالغ من العمر 38 عاما لاولاده الاربعة ان يشربوا من ماء الصنبور. يقوم بدلا من ذلك بالذهاب بسيارته مرتين او ثلاث مرات يوميا الى متجر قريب لملء قناني الماء الفارغة.
يقول خلف: «نحن نعلم ان الانابيب كلها مكسورة، نحن محظوظون لاننا نستطيع شراء شيء اكثر امانا».
تعمل منظمات الاغاثة الدولية، والولايات المتحدة والحكومة العراقية على تحسين خدمات الماء الصالح للشرب. فقد انفقت الولايات المتحدة مبلغ 2,4 مليار دولار على مشاريع الماء منذ عام 2003، حسبما يشير تقرير مكتب المفتش العام المختص في شؤون اعادة اعمار العراق.
يقول بوردو، احد ضباط الفيالق الاميركية، ان معظم هذه الاموال قد تم انفاقها على بناء واصلاح شبكات الانابيب، ومحطات التصفية، ومحطات ضخ ومعالجة المجاري. كما اطلقت الولايات المتحدة برامج لتدريب مشغلي المحطات وتطوير قدرة الحكومة العراقية على ادارة مشاريع الماء.
ويضيف: «قد قطعنا شوطا بعيدا بالتأكيد. فالملايين من الناس هنا اصبحوا يتوافرون على الماء الصالح للشرب، بعد ان كانوا محرومين منه».
لكن لايزال الطريق طويلا ايضا.
تشير معظم التقديرات الى ان الكلفة الاجمالية لتوفير الماء النظيف في عموم العراق تزيد على 10 مليارات دولار، وان هذا الرقم يتزايد كلما استهدف المتمردون انابيب الماء ومحطات التصفية والمنشآت الاخرى. فقد تسببت قنبلة منزلية الصنع زرعت في منطقة الاعظمية هذا الاسبوع في قطع خدمات الماء عن مئات الالاف من الناس، حسبما افاد الجيش الاميركي.
تقول المشرعة العراقية، الكناني، ان الفساد وقلة الخبرة في الوزارات العراقية يعيقان احراز تقدم في هذا المجال.
وتمضي الى القول: «انهم لا يتفهمون خطورة المشكلة لانهم لا يخرجون للقاء الناس واستطلاع معاناتهم. ذلك من سوء الحظ، لان المعاناة في كل مكان».
ترجمة: علاء غزالة
يأتي كل يوم سائق سيارة حوضية مملوءة بالماء الى قرية (نشأت الكماملة) في جنوب العراق، وفي كل يوم يصطف الناس لملء اوانيهم واوعيتهم بالماء.
يقول الكمامله: «الماء الذي نشتريه من السيارة الحوضية ليس نظيفا. يمكن رؤية العوالق الترابية فيه. لكننا نشربه على اي حال». لقد انخفض العنف في العراق بشكل كبير في الاشهر الاخيرة، لكن القتال من اجل حياة افضل قد بدأ للتو. فالعراق بحاجة الى اصلاح الكثير الخدمات، من الكهرباء الى العناية الصحية، ومن التربية الى الاقتصاد، لكن من بين اكثر الخدمات اهمية تبرز قضية توفير الماء الصالح للشرب. تقول بشرى جبار الكناني، وهي عضوة في البرلمان العراقي، وعضو في لجنة الخدمات والاشغال العامة: «يمكن وصف حال الماء في العراق بانه في ازمة. نحن نرى العواقب في صحة اناسنا، وهم في حال سيئة جدا».
هناك العديد من الامراض التي تنتقل عن طريق الماء مثل الكوليرا والتيفوئيد. فالكوليرا التي انتشرت الصيف المنصرم قد اصابت المئات في محافظتي بغداد وبابل. ويعد الاسهال من بين الاسباب الرئيسة لمرض الاطفال الشديد وحتى وفاتهم في العراق، حسب تقارير منظمة الهلال الاحمر، وهي وكالة اغاثة غير نفعية.
يقول جليل الشمري، احد الاطباء في دائرة صحة بغداد: «اينما يغيب الماء النظيف، تتواجد الامراض. نحن نرى اعدادا ثابتة من الناس لايزالون يعانون من الامراض بسبب مشاكل الماء».
لا يوجد لدى أي فرد من سكان قرية نشأت الكمامله، تلك القرية التي تبعد 200 ميل (320 كم) جنوب بغداد، حنفية للماء الصالح للشرب. بل ان الجميع كانوا يشربون من نهر الفرات حتى جاء رجل مستثمر بسيارته الحوضية قبل عامين. ومازال معظم الناس في القرية يستعملون ماء النهر في الاغتسال وغسل ملابسهم، كما ان بعضهم مازال يشرب منه.
يقول الكمامله، وهو ايضا عاطل عن العمل: «سمعت ان ذلك خطر، لكني لم اصب باي مرض نتيجة الماء حتى الان، لذلك اعتقد انه لا بأس به».
وبرغم ان التقديرات متغايرة، الا ان معظمها تتفق على ان قرابة نصف الشعب العراقي ليس لديه وسيلة للحصول على الماء الصالح للشرب. وقد توصلت دراسة اجريت في شهر آب الماضي على مستوى البلاد، واستطلعت آراء 8700 شخص، الى ان 58 بالمئة منهم لا يستطيعون الحصول على الماء النظيف، لبعض الوقت على الاقل، حسب تقرير وزارة الدفاع الاميركية.
وبالنسبة للباقين، فان كل رشفة من الماء هي بمثابة مقامرة.
وحسب احصائية اللجنة الدولية للصليب الاحمر فان حوالي 40 بالمائة من البيوت في العراق لا تتوافر على ماء يجري في الحنفيات.
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، فان نسبة كبيرة من الشعب العراقي كانت تفتقر الى الماء الصالح للشرب. فقد القت حرب الخليج عام 1991 والعقوبات التي تلتها بظلالها على قدرة البلد على توفير الماء الصالح للشرب والتعامل مع المجاري بشكل مناسب. ثم جاءت اعمال العنف والسلب والنهب واسعة النطاق التي رافقت سقوط نظام الطاغية صدام حسين لتزيد المشكلة سوءا.تضطر بعض العائلات التي لا يتوافر لديها ماء من الحنفية الى شرائه من المخازن او السيارات الحوضية، لكن هناك آخرين فقراء للحد الذي لا يجدون مفرا من استعمال ماء النهر او القنوات والابار، والتي تكون في العادة ملوثة الى حد كبير.
وحتى الذين يوجد لديهم ماء حنفية، فلا يجري فيها الماء كل الوقت بالضرورة، كما ان نقاءه محل تساؤل.
تقول الكناني: «بامكان الناس ببساطة شم رائحة الماء ومعرفة ما اذا كان سيئا. اسمع ذلك في كل الاوقات. وفي كثير من الاحيان يفتحون حنفياتهم، ولكن ليس هناك من ماء فيها».
يقول حيدر حسين، وهو يبلغ 35 عاما من العمر وله ولدان، انه نادرا ما يتوافر على الماء في بيته الكائن في مدينة الصدر. ويضيف قائلا: «خصوصا في الصباح، حيث تفتح حنفية المغسلة ولكن لا يخرج منها شيء. واذا خرج منها شيء فان رائحته تشبه رائحة المجاري... اخشى ان اعطي هذا الماء الى اولادي، لكننا لا نستطيع تحمل تكلفة الماء المعلب كل يوم».
تقول دوروثيا كريميتساس، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر، والتي تعمل على تحسين خدمات الماء النظيف في العراق، ان محطات تنقية المياه في بغداد والمحافظات الاخرى تستخدم وسائل غير متوافقة وعادة غير فعالة.
تقول كريميتساس: «يعود ذلك في بعض الاحيان الى الافتقار الى الخبرة لدى العاملين في هذه المحطات، وفي احيان اخرى يكون النقص في المواد الكيمياوية والتجهيرات هو المسبب. ولكن مهما يكن السبب فنحن نعلم ان هناك خطوات ضمن عملية التنقية قد تم تخطيها».
غير انها تقول ان هناك مشكلة اكبر تتمثل في تلوث الماء بعد ان يغادر محطات التنقية. فقد تضررت بعض الانابيب في مختلف ارجاء العراق بفعل الحرب. بينما ترك البعض الاخر لسنوات طويلة من دون صيانة. ان هذا الامر يشكل خطورة بشكل خاص في تلك المناطق من العراق الفقيرة ، علاوة على ذلك، الى خطوط المجاري العاملة.
وتمضي كريميتساس الى القول: «حينما تجري المجاري حرفيا على حافة الطريق، وتكون انابيب ماء الشرب مخربة، فمن السهولة تصور كيف ينتهي الامر بامتزاج كل منهما مع الاخر».
لا يسمح مسلم خلف، معلم اللغة الانكليزية البالغ من العمر 38 عاما لاولاده الاربعة ان يشربوا من ماء الصنبور. يقوم بدلا من ذلك بالذهاب بسيارته مرتين او ثلاث مرات يوميا الى متجر قريب لملء قناني الماء الفارغة.
يقول خلف: «نحن نعلم ان الانابيب كلها مكسورة، نحن محظوظون لاننا نستطيع شراء شيء اكثر امانا».
تعمل منظمات الاغاثة الدولية، والولايات المتحدة والحكومة العراقية على تحسين خدمات الماء الصالح للشرب. فقد انفقت الولايات المتحدة مبلغ 2,4 مليار دولار على مشاريع الماء منذ عام 2003، حسبما يشير تقرير مكتب المفتش العام المختص في شؤون اعادة اعمار العراق.
يقول بوردو، احد ضباط الفيالق الاميركية، ان معظم هذه الاموال قد تم انفاقها على بناء واصلاح شبكات الانابيب، ومحطات التصفية، ومحطات ضخ ومعالجة المجاري. كما اطلقت الولايات المتحدة برامج لتدريب مشغلي المحطات وتطوير قدرة الحكومة العراقية على ادارة مشاريع الماء.
ويضيف: «قد قطعنا شوطا بعيدا بالتأكيد. فالملايين من الناس هنا اصبحوا يتوافرون على الماء الصالح للشرب، بعد ان كانوا محرومين منه».
لكن لايزال الطريق طويلا ايضا.
تشير معظم التقديرات الى ان الكلفة الاجمالية لتوفير الماء النظيف في عموم العراق تزيد على 10 مليارات دولار، وان هذا الرقم يتزايد كلما استهدف المتمردون انابيب الماء ومحطات التصفية والمنشآت الاخرى. فقد تسببت قنبلة منزلية الصنع زرعت في منطقة الاعظمية هذا الاسبوع في قطع خدمات الماء عن مئات الالاف من الناس، حسبما افاد الجيش الاميركي.
تقول المشرعة العراقية، الكناني، ان الفساد وقلة الخبرة في الوزارات العراقية يعيقان احراز تقدم في هذا المجال.
وتمضي الى القول: «انهم لا يتفهمون خطورة المشكلة لانهم لا يخرجون للقاء الناس واستطلاع معاناتهم. ذلك من سوء الحظ، لان المعاناة في كل مكان».
Tuesday, November 11, 2008
العراق يؤكد تحديد موعد ثابت لانسحاب القوات الاميركية
عن الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
بعد يومين من انتخاب باراك أوباما رئيساً، قال الناطق باسم الحكومة العراقية، بتشديد غير معتاد، ان حكومته سوف تستمر في المطالبة بتحديد موعد حازم لانسحاب القوات الاميركية، برغم المطالب الاميركية بان يكون الانسحاب مرهون بالوضع الامني.
وقال علي الدباغ، المتحدث الرسمي: «يرغب العراقيون في ان يعرفوا ويشاهدوا موعدا ثابتا.» جاء ذلك في مقابلة صحفية كرر فيها الموقف العراقي القاضي بان تخضع القوات الاميركية الى القضاء العراقي في بعض الحالات.
يظهر المسؤولون العراقيون، الذين يرون ان وجهات نظر الرئيس المنتخب اوباما تتطابق مع وجهات نظرهم، وكأنهم يحاولون الافادة من انتخابه لغرض الضغط على ادارة بوش من اجل الحصول على تنازلات اللحظة الاخيرة. وقال الدباغ ان المفاوضات من اجل الوصول الى اتفاقية مستوى القوات (صوفا)، والتي من شأنها السماح بوجود عسكري اميركي في العراق، قد تنهار اذا لم يتم التوصل الى اتفاق في نهاية هذا الشهر.
تحدث القادة العراقيون، باللغة العربية، في مناسبات عدة عن تحديد موعد ثابت للانسحاب، متوجهين الى الجمهور المحلي والاقليمي. وقد علل المسؤولون الاميركيون، المرة تلو الاخرى، بان نظرائهم العراقيين كانوا اكثر ميلا الى التوافق في الجلسات الخاصة. لكن الدباغ كان يتحدث مباشرة الى واشنطن بوست، وباللغة الانكليزية.
وقال الدباغ ان على المسؤولين العودة الى طاولة المفاوضات. لكن المتحدثة باسم السفارة الاميركية في بغداد قالت ان المسؤولين الاميركين قدموا ما اطلقت عليه «النص النهائي» للاتفاقية الى العراق يوم الخميس.
وقال المسؤولون الاميركيون في واشنطن انهم حاولوا ان يستجيبوا للطلبات العراقية في الوثيقة الجديدة، برغم انهم اوضحوا انه قد تم اجراء بضعة تغييرات فقط ، ان كانت هناك اية تغييرات جوهرية. وقد اقترحت الادارة بيانا اقوى ينص على الزامها بعدم مهاجمة دول الجوار انطلاقا من الاراضي العراقية، وهو التغيير الذي طرأ نتيجة انتقاد العراقيين العملية الجوية التي قامت بها القوات الاميركية على احد عناصر تنظيم القاعدة في العراق المزعومين داخل الاراضي السورية.
وقد تم اجراء تعديلات على الموعد النهائي للانسحاب في عام 2011 للتأكيد ان اية قوات تبقى في العراق بعد هذا التاريخ انما تبقى هناك بطلب من العراق. وفي قضية ولاية القضاء العراقي قاوم البنتاغون اجراء اي تغييرات نوعية، الان هناك تغييرا طفيفا في صياغة الكلمات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود: «لقد تم انجاز العملية من جانبنا، ونحن نتطلع قدما الى الاستماع الى ما يقوله العراقيون. لقد تعاملنا مع القضايا بطريقة تحترم استقلال كلا الجانبين».
ولم يستجب مساعدو اوباما الى طلب التعليق على هذا الامر.
وقال الدباغ في هذه المقابلة انه يجب تقديم الجنود الاميركيين الى المحاكم العراقية اذا ارتكبوا جناية كبرى خارج قواعدهم العسكرية، الا اذا كانوا في مهمة مشتركة مع القوات العراقية. واضاف الدباغ ان على القوات القتالية الاميركية ان توقف عملياتها من طرف واحد بحلول حزيران، وان يتوجب ان يذكر في اتفاقية مستوى القوات (صوفا) ان على القسم الاكبر من القوات الاميركية ان تغادر العراق بحلول نهاية عام 2011.
واوضح الدباغ: «يجب ايواء القوات الاميركية في معسكرات معلومة. سوف يتم استدعاء الاميركيين عندما تدعو الحاجة الى ذلك. سوف تكون تحركاتهم محدودة.»
من جانب آخر قال وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري ان المسؤوليين العراقيين في اعلى المستويات يقومون بدراسة الوثيقة التي تسلموها من الاميركيين، مضيفا: «الوقت من ذهب».
فيما قال حيدر العبادي، عضو البرلمان واحد كبار مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي، ان هدف اوباما المعلن المتمثل باعادة القوات الاميركية الى بلادها بسرعة كبيرة نسبيا، يتوافق مع رؤية الحكومة العراقية.
وقال العبادي في مقابلة هاتفية: «لقد واصل اوباما الاعراب باستمرار عن رغبته بسحب القوات الاميركية خلال 15 شهرا. هذا يناسب تماما المطلب العراقي».
وكان اوباما قد قال، قبل عدة أشهر، انه يرغب في سحب القوات الاميركية خلال فترة 16 شهرا من تسلمه المنصب، لكن مع تحسن الوضع الامني، توقف اوباما عن ذكر هذا الاطار الزمني.
ويقول العبادي انه من غير الواضح كيف سيؤثر انتخاب اوباما في المفاوضات آخر المطاف. مضيفا: «قد تذهب في اي من الاتجاهين المتعارضين.» واوضح المشرع العراقي ان ادارة بوش ربما تجنبت اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في اثناء فترة الانتخابات الاميركية. لكنه يستدرك قائلا: «من الناحية الاخرى، ربما ستكون الارادة السياسية في واشنطن اضعف» مع انتهاء الانتخابات.
ويقول السياسيون العراقيون ايضا ان من غير الواضح حجم الاسناد المتوافر للاتفاقية بين اعضاء البرلمان الـ275، حيث ان الكثير من المشرعين يخشون اظهار مواقفهم علانية.
وكان مسؤولون عراقيون وأميركيون قد قالوا ان الحكومة الايرانية تحاول ان تقنع المشرعين العراقيين برفض الاتفاقية. كما ان المشرعين مترددين في دعم تمديد بقاء الجيش الاميركي لعدة اعوام لانهم يخشون ان يؤثر فيهم ذلك من الناحية السياسية في الانتخابات المحلية والوطنية المقررة العام القادم.
وفي الوقت الذي حدث فيه تحسن ملحمي في الوضع الامني في العراق، وصف العديد من المسؤولين العراقيين والاميركيين المنجزات بانها هشة واعربوا عن خوفهم ان تؤدي التوترات السياسية قبل وبعد الانتخابات في العام القادم الى اطلاق العنان للمزيد من اعمال العنف.
وقال الدباغ ان العراق يتجنب تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التي تسمح بوجود القطعات الاميركية في العراق باي ثمن. واضاف: «يمنحهم تفويض الامم المتحدة يدا مطلقة في كل شيء».وقال الدباغ ان المالكي بعث برقية تهنئة الى اوباما يوم الاربعاء. وقال ان العديد من السياسيين العراقيين الذي كانوا يفضلون السيناتور جون ماكين (عن ولاية اريزونا) قد تحولوا الى دعم اوباما بعد ان زار الديمقراطيون العراق خلال الصيف الماضي، وحيث انهم ادركوا ان رؤيتهم بخصوص الوجود الاميركي في العراق تتطابق مع اوباما اكثر منها مع ماكين.
واضاف الدباغ، واصفا شعور القادة العراقيين حيال اوباما: «انهم يحترمونه ويشعرون انه من الممكن ان يكون صديقا جيدا».
وبرغم ان الساسة العراقيين يقرون بان العراق لازال يعتمد على القوات العسكرية الاميركية بشدة في مجالات مثل الدعم الجوي وجمع المعلومات الاستخبارية، الا انهم يرغبون في ان يتوقف الاميركيين عن التصرف من جانب واحد في العراق. فعلى سبيل المثال، يقول الدباغ ان الاعلانات التلفزيونية واللوحات الاعلانية الكبيرة في الساحات العامة وغير ذلك من الوسائل الاعلامية، يجب ان تكون جهدا مشتركا.
ويستطرد: «ليس لدينا يد في الدعاية الموجهة التي يتم عملها الان. من الممكن ان تنجز بشكل افضل بكثير اذا كان للعراقيين قول فيها، وبامكان العراقيين ان يقدموا المشورة».
يستند تفاؤل الادارة الاميركية المعلن بان يتم توقيع الاتفاقية قبل انتهاء فترة تفويض الامم المتحدة في 31 كانون الاول الى عاملين: ان حكومة المالكي تعتبر ان تمديد ولاية الامم المتحدة اكثر اثارة للمشاكل السياسية من اتفاق ثنائي، حتى وان لم يصل الى 100% من مطالبه، كما أن القادة العراقيين غير راغبين في اعادة عملية التفاوض من جديد حينما يتولى اوباما مقاليد السلطة.
لكن اذا ثبت ان كلا من هذين الفرضين باطل، فان عملية تقديم قرار الى الامم المتحدة والتصويت عليه سوف تستغرق اسبوعين. ورغم ان المسؤوليين العراقيين كانوا قد بادروا الى ايجاد صيغة بديلة عن تفويض الامم المتحدة تصون استقلالهم، فانهم اقروا مؤخرا بان العوامل التي تمنح بموجبها الامم المتحدة تفويضا لقوات غير قوات حفظ السلام هي ضيقة الى حد ما. وبدلا من ذلك، فان المسؤولين يقولون ان المالكي يؤكد على ان يكون اي تمديد من الامم المتحدة مقتصرا على فترة محدودة.
وكان أوباما حذراً اثناء حمله الانتخابية في ابداء اي تعليقات بشأن محتوى المفاوضات مع العراق او اية قضية معينة، سوى القول بانه سوف يعطي الجيش مهمة اخرى تتمثل في الانسحاب من العراق خلال فترة 16 شهرا، بمعدل لواء او اثنين من الالوية القتالية كل شهر. كما ان اوباما كان قد قال بانه سيحافظ على «قوات مقيمة» بحجم غير محدد في العراق، بحيث تكون مهيأة «لعمليات مقارعة الارهاب» باستهداف تنظيم القاعدة في العراق ولحماية البعثة الدبلوماسية الاميركية وموظفيها المدنيين.
كما قال اوباما ان القوات الاميركية سوف تستمر في تدريب القوات الامنية العراقية، طالما حققت حكومة المالكي تقدما في عملية المصالحة الوطنية بين الطوائف والمجاميع العرقية.
يذكر ان كلا من اوباما ونائب الرئيس المنتخب جوزيف بادين قد لاحظا بان المالكي التزم بتقديم اي اتفاقية الى البرلمان العراقي، وقالا انه «من غير المقبول» ان لا يقوم البيت الابيض بمراجعة مماثلة مع الكونغرس الاميركي. كما انهما صرحا بان اية اتفاقية يجب ان «تنص صراحة على أن لا تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد دائمة في العراق».
ترجمة: علاء غزالة
بعد يومين من انتخاب باراك أوباما رئيساً، قال الناطق باسم الحكومة العراقية، بتشديد غير معتاد، ان حكومته سوف تستمر في المطالبة بتحديد موعد حازم لانسحاب القوات الاميركية، برغم المطالب الاميركية بان يكون الانسحاب مرهون بالوضع الامني.
وقال علي الدباغ، المتحدث الرسمي: «يرغب العراقيون في ان يعرفوا ويشاهدوا موعدا ثابتا.» جاء ذلك في مقابلة صحفية كرر فيها الموقف العراقي القاضي بان تخضع القوات الاميركية الى القضاء العراقي في بعض الحالات.
يظهر المسؤولون العراقيون، الذين يرون ان وجهات نظر الرئيس المنتخب اوباما تتطابق مع وجهات نظرهم، وكأنهم يحاولون الافادة من انتخابه لغرض الضغط على ادارة بوش من اجل الحصول على تنازلات اللحظة الاخيرة. وقال الدباغ ان المفاوضات من اجل الوصول الى اتفاقية مستوى القوات (صوفا)، والتي من شأنها السماح بوجود عسكري اميركي في العراق، قد تنهار اذا لم يتم التوصل الى اتفاق في نهاية هذا الشهر.
تحدث القادة العراقيون، باللغة العربية، في مناسبات عدة عن تحديد موعد ثابت للانسحاب، متوجهين الى الجمهور المحلي والاقليمي. وقد علل المسؤولون الاميركيون، المرة تلو الاخرى، بان نظرائهم العراقيين كانوا اكثر ميلا الى التوافق في الجلسات الخاصة. لكن الدباغ كان يتحدث مباشرة الى واشنطن بوست، وباللغة الانكليزية.
وقال الدباغ ان على المسؤولين العودة الى طاولة المفاوضات. لكن المتحدثة باسم السفارة الاميركية في بغداد قالت ان المسؤولين الاميركين قدموا ما اطلقت عليه «النص النهائي» للاتفاقية الى العراق يوم الخميس.
وقال المسؤولون الاميركيون في واشنطن انهم حاولوا ان يستجيبوا للطلبات العراقية في الوثيقة الجديدة، برغم انهم اوضحوا انه قد تم اجراء بضعة تغييرات فقط ، ان كانت هناك اية تغييرات جوهرية. وقد اقترحت الادارة بيانا اقوى ينص على الزامها بعدم مهاجمة دول الجوار انطلاقا من الاراضي العراقية، وهو التغيير الذي طرأ نتيجة انتقاد العراقيين العملية الجوية التي قامت بها القوات الاميركية على احد عناصر تنظيم القاعدة في العراق المزعومين داخل الاراضي السورية.
وقد تم اجراء تعديلات على الموعد النهائي للانسحاب في عام 2011 للتأكيد ان اية قوات تبقى في العراق بعد هذا التاريخ انما تبقى هناك بطلب من العراق. وفي قضية ولاية القضاء العراقي قاوم البنتاغون اجراء اي تغييرات نوعية، الان هناك تغييرا طفيفا في صياغة الكلمات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود: «لقد تم انجاز العملية من جانبنا، ونحن نتطلع قدما الى الاستماع الى ما يقوله العراقيون. لقد تعاملنا مع القضايا بطريقة تحترم استقلال كلا الجانبين».
ولم يستجب مساعدو اوباما الى طلب التعليق على هذا الامر.
وقال الدباغ في هذه المقابلة انه يجب تقديم الجنود الاميركيين الى المحاكم العراقية اذا ارتكبوا جناية كبرى خارج قواعدهم العسكرية، الا اذا كانوا في مهمة مشتركة مع القوات العراقية. واضاف الدباغ ان على القوات القتالية الاميركية ان توقف عملياتها من طرف واحد بحلول حزيران، وان يتوجب ان يذكر في اتفاقية مستوى القوات (صوفا) ان على القسم الاكبر من القوات الاميركية ان تغادر العراق بحلول نهاية عام 2011.
واوضح الدباغ: «يجب ايواء القوات الاميركية في معسكرات معلومة. سوف يتم استدعاء الاميركيين عندما تدعو الحاجة الى ذلك. سوف تكون تحركاتهم محدودة.»
من جانب آخر قال وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري ان المسؤوليين العراقيين في اعلى المستويات يقومون بدراسة الوثيقة التي تسلموها من الاميركيين، مضيفا: «الوقت من ذهب».
فيما قال حيدر العبادي، عضو البرلمان واحد كبار مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي، ان هدف اوباما المعلن المتمثل باعادة القوات الاميركية الى بلادها بسرعة كبيرة نسبيا، يتوافق مع رؤية الحكومة العراقية.
وقال العبادي في مقابلة هاتفية: «لقد واصل اوباما الاعراب باستمرار عن رغبته بسحب القوات الاميركية خلال 15 شهرا. هذا يناسب تماما المطلب العراقي».
وكان اوباما قد قال، قبل عدة أشهر، انه يرغب في سحب القوات الاميركية خلال فترة 16 شهرا من تسلمه المنصب، لكن مع تحسن الوضع الامني، توقف اوباما عن ذكر هذا الاطار الزمني.
ويقول العبادي انه من غير الواضح كيف سيؤثر انتخاب اوباما في المفاوضات آخر المطاف. مضيفا: «قد تذهب في اي من الاتجاهين المتعارضين.» واوضح المشرع العراقي ان ادارة بوش ربما تجنبت اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في اثناء فترة الانتخابات الاميركية. لكنه يستدرك قائلا: «من الناحية الاخرى، ربما ستكون الارادة السياسية في واشنطن اضعف» مع انتهاء الانتخابات.
ويقول السياسيون العراقيون ايضا ان من غير الواضح حجم الاسناد المتوافر للاتفاقية بين اعضاء البرلمان الـ275، حيث ان الكثير من المشرعين يخشون اظهار مواقفهم علانية.
وكان مسؤولون عراقيون وأميركيون قد قالوا ان الحكومة الايرانية تحاول ان تقنع المشرعين العراقيين برفض الاتفاقية. كما ان المشرعين مترددين في دعم تمديد بقاء الجيش الاميركي لعدة اعوام لانهم يخشون ان يؤثر فيهم ذلك من الناحية السياسية في الانتخابات المحلية والوطنية المقررة العام القادم.
وفي الوقت الذي حدث فيه تحسن ملحمي في الوضع الامني في العراق، وصف العديد من المسؤولين العراقيين والاميركيين المنجزات بانها هشة واعربوا عن خوفهم ان تؤدي التوترات السياسية قبل وبعد الانتخابات في العام القادم الى اطلاق العنان للمزيد من اعمال العنف.
وقال الدباغ ان العراق يتجنب تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التي تسمح بوجود القطعات الاميركية في العراق باي ثمن. واضاف: «يمنحهم تفويض الامم المتحدة يدا مطلقة في كل شيء».وقال الدباغ ان المالكي بعث برقية تهنئة الى اوباما يوم الاربعاء. وقال ان العديد من السياسيين العراقيين الذي كانوا يفضلون السيناتور جون ماكين (عن ولاية اريزونا) قد تحولوا الى دعم اوباما بعد ان زار الديمقراطيون العراق خلال الصيف الماضي، وحيث انهم ادركوا ان رؤيتهم بخصوص الوجود الاميركي في العراق تتطابق مع اوباما اكثر منها مع ماكين.
واضاف الدباغ، واصفا شعور القادة العراقيين حيال اوباما: «انهم يحترمونه ويشعرون انه من الممكن ان يكون صديقا جيدا».
وبرغم ان الساسة العراقيين يقرون بان العراق لازال يعتمد على القوات العسكرية الاميركية بشدة في مجالات مثل الدعم الجوي وجمع المعلومات الاستخبارية، الا انهم يرغبون في ان يتوقف الاميركيين عن التصرف من جانب واحد في العراق. فعلى سبيل المثال، يقول الدباغ ان الاعلانات التلفزيونية واللوحات الاعلانية الكبيرة في الساحات العامة وغير ذلك من الوسائل الاعلامية، يجب ان تكون جهدا مشتركا.
ويستطرد: «ليس لدينا يد في الدعاية الموجهة التي يتم عملها الان. من الممكن ان تنجز بشكل افضل بكثير اذا كان للعراقيين قول فيها، وبامكان العراقيين ان يقدموا المشورة».
يستند تفاؤل الادارة الاميركية المعلن بان يتم توقيع الاتفاقية قبل انتهاء فترة تفويض الامم المتحدة في 31 كانون الاول الى عاملين: ان حكومة المالكي تعتبر ان تمديد ولاية الامم المتحدة اكثر اثارة للمشاكل السياسية من اتفاق ثنائي، حتى وان لم يصل الى 100% من مطالبه، كما أن القادة العراقيين غير راغبين في اعادة عملية التفاوض من جديد حينما يتولى اوباما مقاليد السلطة.
لكن اذا ثبت ان كلا من هذين الفرضين باطل، فان عملية تقديم قرار الى الامم المتحدة والتصويت عليه سوف تستغرق اسبوعين. ورغم ان المسؤوليين العراقيين كانوا قد بادروا الى ايجاد صيغة بديلة عن تفويض الامم المتحدة تصون استقلالهم، فانهم اقروا مؤخرا بان العوامل التي تمنح بموجبها الامم المتحدة تفويضا لقوات غير قوات حفظ السلام هي ضيقة الى حد ما. وبدلا من ذلك، فان المسؤولين يقولون ان المالكي يؤكد على ان يكون اي تمديد من الامم المتحدة مقتصرا على فترة محدودة.
وكان أوباما حذراً اثناء حمله الانتخابية في ابداء اي تعليقات بشأن محتوى المفاوضات مع العراق او اية قضية معينة، سوى القول بانه سوف يعطي الجيش مهمة اخرى تتمثل في الانسحاب من العراق خلال فترة 16 شهرا، بمعدل لواء او اثنين من الالوية القتالية كل شهر. كما ان اوباما كان قد قال بانه سيحافظ على «قوات مقيمة» بحجم غير محدد في العراق، بحيث تكون مهيأة «لعمليات مقارعة الارهاب» باستهداف تنظيم القاعدة في العراق ولحماية البعثة الدبلوماسية الاميركية وموظفيها المدنيين.
كما قال اوباما ان القوات الاميركية سوف تستمر في تدريب القوات الامنية العراقية، طالما حققت حكومة المالكي تقدما في عملية المصالحة الوطنية بين الطوائف والمجاميع العرقية.
يذكر ان كلا من اوباما ونائب الرئيس المنتخب جوزيف بادين قد لاحظا بان المالكي التزم بتقديم اي اتفاقية الى البرلمان العراقي، وقالا انه «من غير المقبول» ان لا يقوم البيت الابيض بمراجعة مماثلة مع الكونغرس الاميركي. كما انهما صرحا بان اية اتفاقية يجب ان «تنص صراحة على أن لا تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد دائمة في العراق».
Subscribe to:
Posts (Atom)