Thursday, April 30, 2009

ماذا خلف البريطانيون بعد ست سنوات في البصرة؟

عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة
يقوم مارتن جلوف، بتقييم وضع البصرة بعد رحيل القوات البريطانية عن العراق، وهي المدينة التي أصبحت اكثر امنا ولكنها أيضا تفتقر جديا الى البنية التحتية. امضى الدكتور رياض عامر حياته في العمل في النظام الصحي بالبصرة، الذي هو عبارة عن مستشفيات تشبه المستشفيات الميدانية في الحرب العالمية الاولى، ذات ردهات تذكر بالقاعات التي وصفها تشالز ديكنز، وهي بذلك تـُعد من بين الاسوأ في العراق. يقول الدكتور عامر ان الكثير من العاملين في القطاع الصحي رحبوا بالبريطانيين حينما قدِموا قبل ست سنوات، لاعتقادهم ان الدبابات والجنود سوف يجلبون معهم الموارد والخبرات التي يفتقر اليها الناس، والتي لم يحصلوا عليها ابدا تحت حكم صدام. ويضيف: "لقد كان الوضع شديد البؤس هنا بين العامين 1980 و2003 لقد كان بحالة من الاهمال الكامل". واليوم بينما تتهيأ بريطانيا لانهاء احتلالها للعراق، فان الدكتور عامر الذي عُيّن مديرا عاما لصحة البصرة في العام الماضي، يَدعي انه قد تحقق الكثير.
يقول: " في اقل تقدير اصبح للنظام الصحي اساس الان. انه مايزال غير كافٍ لسد احتياجاتنا، لكننا في وضع افضل مما كنا عليه في السابق".
وهو يقدر ان نحو80% من الإنشاءات والأبنية التي خطط لها في عام 2003 قد انجزت بالفعل، بينما سيتم انجاز المتبقي منها في نهاية العام الحالي. من هذه المنشأت مستشفى للأطفال والذي يضم 150 سريراً.
ويضيف الدكتور عامر: "لدينا الان 12 مستشفى في مركز المدينة وستة في الاقضية ومستشفى للاطفال، إضافة الى مركز جراحي متخصص يتحدث الكويتيون بشأنه." كما توجد 20 مركزا صحيا شعبيا، إضافة الى جناح متخصص بامراض القلب. لكن سيكون هناك اختبار اخر قريبا، مثل الحفاظ على الزخم وتطوير مهارات الكوادر، التي يقول عامر انها انخفضت بحدة على مدى عقد ونصف من التخبط، ويؤكد ان "ذلك هو هاجسنا الان، هناك عجز في نوعية العناية الصحية التي نقدمها، خصوصاً في مجالي الاسعافات الاولية والتمريض. فعلى سبيل المثال نمتلك الان 150 سيارة اسعاف، لكن واحدة فقط من بين كل عشر يتم استخدامها، لاننا لا نمتلك الكوادر المدربة الكافية. من الممكن ان نفقد كل ما حققناه بسرعة".
مثلما يمكن أن تنتكس جميع المنجزات التي تحققت في الخدمات الاساسية، مثل الكهرباء والخدمات المدنية ونمو السياحة، التي شهد الكثير منها تطوراً ملموساً.
تدعي القوات البريطانية المغادرة انها لعبت دورا اساسيا في تحقيق الامن، وهو الاساس الضروري الذي تعتمد عليه كافة القطاعات للوقوف على أقدامها. يأخذ البصراويون على عاتقهم الحفاظ على الاستقرار الهش، بدلالة التحسن الامني المضطرد، وقد فاجأوا حقا العديد من العوائل العائدة زرافات ووحدانا بعمرانهم المقاهي على ضفاف شط العرب والاحياء السكنية الخضر، حتى ان مكتب السياحة في البصرة كشف عن انه قد تم افتتاح ستة محال لبيع الخمور، لقد كان بيع الخمر قبل اثني عشر شهراً كافياً لإعدام الفاعل على يد المليشيات التي كانت تدير المدينة، وحتى بعد اكثر من عام على فرار المليشيات، لا يُنظر الى الوضع الامني على انه مسلم به.
يقول جواد لطيف، صاحب متجر في منطقة العشار ويبلغ 39 عاما من العمر: "يمكنني ان اقول ان الحياة طبيعية بنسبة 90% في مدينة البصرة الان، لقد اندحرت المليشيات بشكل كبير، نحن نقول ان اليوم افضل من الامس، وسيكون الغد افضل منهما، وستثبت صحة ذلك بمشيئة الله". ويستطرد قائلاً: "يساعد الاستقرار الامني الناس على العمل، واليوم يستطيع اولادي الذهاب الى المدرسة بدون خوف على الرغم من حدوث انفجارات من حين لآخر، مثل تفجير العبوة الناسفة على جانب الطريق يوم امس، وقد منعت اولادي من الذهاب الى المدرسة قبل عملية صولة الفرسان (وهي العملية العسكرية التي شنتها الحكومة لتطهير المدينة)، اما الان فباستطاعتهم الذهاب الى المدرسة، لكنني ما انفك اضع عيني عليهم طوال الوقت".
وقد بُعثت الشرطة العراقية، التي كانت مخترقة بشكل كبير في البصرة، في غضون الاشهر الاثني عشر الماضية، على انهم حماة المدينة الجدد، كما ان عناصرها تكتسب –بثبات– ثقة الشعب، الذي كان لديه في السابق سبب في الخوف منهم.
يقول احمد سالم، وهو عامل فندق: "لقد كان الوضع رهيباً، فقد قتلت المليشيات الكثير من الرجال والنساء الأبرياء، وعادة ما كانت النسوة يقتلن بناءاً على شائعات بانهن سيئات، بلا دليل على الإطلاق، وقد قتلت صيدلانيات وطبيبات ومدرسات لانهن لم يرتدين الحجاب.
لم تذهب جميع عناصر المليشيات، ولكن 50% منهم ذهبوا، اما الباقون فهم هادئون، لان القوات العراقية قد اصبحت اكثر قوة".
يعود أعضاء بعض المليشيات بشكل متزايد، وكان بعضهم انتمى إليها لأسباب فكرية تنظيرية والبعض الاخر مجرد انتهازيين استغلوا فترة الفراغ الامني من اجل ابتزاز وقتل الاغنياء. كما ان بعضهم قد اطلق سراحه من المعتقلات العراقية، بينما اطلق سراح البعض الاخر من المعتقلات التي تديرها القوات الاميركية والتي تقوم بالافراج عن 1500 معتقل شهريا، حيث انها ستغلق السجنين اللذين تديرهما بنهاية العام.
ولم تؤدِ عودة الرجال المشتبه بانتمائهم الى المليشيات، حتى الان، الى قدح شرارة العنف، يقول مدير شرطة منطقة البصرة، العقيد جواد: "نحن نعرف اين هم ومن هم. لقد ذهبوا في السابق مع مصدر القوة، وهم يعلمون اننا الان نحن مصدر القوة".
وقد قامت المليشيات، في عزّ سطوتها، بتحطيم الخدمات الاساسية المتهالكة اصلا بهدف اعادة المجتمع الى الوراء، وقد تعرضت منشآت الكهرباء الرئيسة الى هجمات متكررة، غير انها لم تستعد عافيتها بعد.
يقول هاشم لعيبي، المتحدث باسم لجنة الكهرباء في البصرة: "يبلغ معدل تجهيز الكهرباء في المدينة ثلاثاً الى أربع ساعات يوميا. لكن قطع الكهرباء سوف يزيد في فصل الصيف نتيجة الاحمال الاضافية من مكيفات الهواء والمراوح والأدوات الكهربائية الأخرى".
وترتبط شبكة توزيع كهرباء البصرة مع شبكة التوليد في بغداد، التي تُجهز جميع انحاء البلاد.
يقول لعيبي ان شبكة كهرباء البصرة، التي عفّا عليها الزمن، تكافح من اجل الحصول على تجهيز اكثر من بغداد، ويضيف: "لقد استنزفت جميع قدرات الشبكات، فقد تم بناؤها في السبعينيات والثمانينيات، حتى ان مجرد محاولة تحديثها لن تفلح في تحسين الوضع، يجب علينا ان نبدأ من جديد". وبغية البدء من الصفر فان الكلف ستكون مرتفعة والمدد ستكون طويلة، ما يمنع المستثمرين الاجانب من الاستثمار في هذا القطاع. كما ان المساعدات التي قدمها الجيش البريطاني والوكالات الحكومية كانت محدودة. يقول لعيبي: "لقد زادت مساهمتهم بعد عملية صولة الفرسان.
غير انهم لم يقدموا مشاريع ستراتيجية، وان بنوا مشاريع صغيرة وفرت فرص عمل، ورمموا بعضا من محطات الكهرباء الصغيرة (التي تعرض الكثير منها الى التدمير اثناء القتال)". ويمضي لعيبي الى القول: "من ناحية اخرى، انفقت قوات التحالف مئات الملايين من اجل بناء معتقل بوكا، بينما مايزال 3,5 مليون بصراوي بدون كهرباء في معظم الاحيان.
ان هذه الخدمة هي خدمة أساسية لبناء المجتمع، حيث ان اغلب الحرف والوظائف تعتمد على الكهرباء، وبدونها ليس للناس من عمل".
وبالمثل، لا يملك الناس وسيلة أو طريقة لتشغيل المعدات الثقيلة التي هم بأمس الحاجة اليها لتنظيف شبكات القنوات المائية التي تخترق اقطار المدينة، والتي تعاني من تراكم النفايات والمياه الأسنة، تلك المواد السامة التي تخلفت عن اجيال بسبب الإهمال.. تسبح في هذه القنوات الملايين من القناني البلاستيكية الى جانب هياكل السيارات الغارقة وبرج لخزان ماء غريب الشكل قد تمكن منه الصدأ منذ حرب الخليج الاولى، أي قبل 18 عاما، ولم تبدأ البلدية بعد في التعامل مع المشاكل الصحية الناجمة عن البرك الخضر والقرمزية العفنة، والمتجمعة من مياه المجاري ومخلفات المعامل الصناعية، والتي تمتد على جوانب اراض جرداء تستخدم حاليا كملاعب لكرة القدم. وفي الضواحي، ترى اكواما من هياكل السيارات المجمعة فوق بعضها البعض والتي تغطي المنطقة المنبسطة المحيطة بالبصرة، ترسم صورة مماثلة لحضائر سيارات الخردة في افلام (ماد ماكس).
يقول جمال خلف، رئيس مجلس البصرة: "يعتبر سكان مدينة البصرة ان رفع الانقاض من المناطق المحيطة بالمدينة هو من اولى الأولويات، لكننا لا نملك الآليات اللازمة للقيام بذلك".
وكان القائد الأميركي في العراق، الجنرال رأي اوديرنو، قد قال في احتفالية استبدال القوات البريطانية بالقوات الاميركية، والتي اقيمت في القاعدة البريطانية بالبصرة، ان واحدا من كل اربعة من سكان البصرة لديه ماء صالح للشرب في مسكنه، وان واحدا من كل عشرة يرتبط منزله بالمجاري. يقول خلف: "ربما تكون الارقام اقل من تلك، ليست هناك بنية تحتية، ولم نشهد جهوداً في السنوات الست المنصرمة من اجل تغيير ذلك".
يقول احمد حسن، وهو مدير احدى شركات تأجير الآليات الثقيلة في البصرة، ان معظم عمله يأتي من المجلس. وهو قد يكون افضل قصة نجاح في الاعمال امكن لنا ان نعثر عليه في البصرة في الوقت الحالي، غير ان محدودية عدد الشاحنات الحوضية ومعدات التنظيف التي يمتلكها لم تمكنه من تحقيق تأثير كبير في حل هذه المشكلة التي يقدر المجلس انها تكلف المليارات من الدولارات وزمنا يمتد عشر سنوات للوصول الى حل نهائي.
وهو يقول: "احصل على مبلغ يتراوح بين 100 الى 300 دولار في اليوم الواحد عن تأجير الآليات. لكن حتى في ميدان عملي يتوجب علي ان اتعامل مع وسيط من البلدية، يستقطع جزءاً من وارداتي، تلعب المحسوبية والرشوة دورا كبيرا في هذا المجال". يقع على أطراف مدينة البصرة الجنوبية والشمالية عدد من حقول النفط الضخمة التي يُنظر اليها على انها ستكون في المستقبل عصب الحياة للمدينة، لكن حتى هذا المورد الوحيد الملموس شابته حالة من عدم اليقين هذا العام بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية، والتي اجبرت بغداد على اعادة النظر في الموارد المتوقعة، وبالتالي الميزانية المخصصة لكل من المحافظات الثماني عشرة. كما ان تناقص الدخل يلقي بظلاله ايضا على مستويات البطالة، والتي ارتفعت من 35% اواسط عام 2005 الى 71% في كانون الثاني الماضي. وكان من المتوقع ان ينخفض هذا الرقم اكثر من ذلك مع وعود بتوفير الوظائف في صفوف الشرطة، ومنظومة توزيع المياه، واعمال المجاري والتنظيف، لكن يتوقع الان ان يتوقف النمو في الوظائف، او حتى ان ينعكس.
غير ان دبلوماسيين غربيين ينظرون الى انخفاض واردات النفط وتأثيره على الموازنات المحلية على انه سبب محتمل لقلاقل سياسية، فهم يخشون ان تضيع المكاسب الامنية التي حصلت خلال الشهور الاثني عشر الماضية بسهولة اذا ادى التقليل في الموازنات الى تعطيل مشاريع الخدمات التي طالما قطعت الوعود بتنفيذها. يقول مسؤول بريطاني رفيع المستوى: "انهم الان في موقف لا يُحسدون عليه.
فما ان تمكنوا من وضع العملية الأمنية على المسار الصحيح، حتى بدأوا يواجهون ازمة موازنة سوف لن تساعدهم في كسب رضا المحافظات".
ويُقر علي الدباغ، المتحدث باسم الحكومة، بوجود الازمة. فهو يقول، من مكتبه ببغداد: "هذا هو احد التحديات التي نواجهها، ليس فقط في عام 2009 وانما في العام 2010 كذلك.
على العموم، لدى العراق إمكانات جيدة، والتي يمكن ان تتحقق عن طريق الديون او الاستثمارات الخاصة او اية وسائل اخرى. لكن لا احد يستطيع ان ينكر التحديات التي نواجهها".
ويستطرد قائلا: "نحن لا ننكر ان توفير الخدمات وخلق الوظائف سوف يساعدان في الموقف السياسي، اعتقد ان القطاع الخاص يمكن ان يكون له دور في التعويض عن تخفيض الميزانية. حيث يمكن له ان يوفر وظائف تسد النقص الحاصل نتيجة انخفاض اسعار النفط".
يقول محافظ البصرة ، محمد الوائلي: "سوف نتلقى فقط 150 مليون دولار من بغداد هذا العام.
يمثل هذا اقل من ربع الميزانية التي طالبت بها، ومع ذلك فهي قد تكون خاضعة الى التخفيض لاحقا"، وهو يعتقد انه يجب ان يتاح المجال للاستثمارات الاجنبية، وهي الخطوة التي اصبحت ممكنة الان مع تحقيق المكاسب الأمنية.
ويضيف: "يجب ان نبني منشآت قوية ومقتدرة هنا، ويمكن لها ان تدوم لسنوات طويلة، لقد قدم البريطانيون بعض برامج المساعدة هنا، لكن كان بإمكانهم فعل المزيد، اكثر بكثير، لقد تعقد وجودهم مع تفشي المليشيات، حتى انهم لم يغادروا قاعدتهم لمدة طويلة".
ولم يشاهد لطيف، صاحب متجر في البصرة، البريطانيين بكثرة عندما كانوا هنا، لكنه يقول انه مقتنع بما حققه وجودهم، ويضيف: "حتى في احلك الاوقات، كنت ارى وضع البصرة افضل مما كان تحت حكم نظام صدام، حينما اتهمني البعثيون بالخروج على القانون وحاولوا قتلي في خضم الانتفاضة عام 1991".
ويستطرد قائلا: "لم يقدم البريطانيون الكثير للعراقيين، ولم يكن ما قدموه بالمقدار الذي توقعناه. لكنهم جلبوا الديمقراطية".
ويؤكد: "قد تكون البصرة هي مدينة المستقبل. انها بوابة العراق الى الخليج ومواردها هائلة. لدينا الغاز والنفط والماء والنخيل. سوف نصل الى ما نصبو اليه في يوم من الأيام".

اتهامات لأميركيين بسرقة وقود من الجيش الأميركي

عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة

في لعبة الثقة التي من شأنها أن تحط من قدر احد أكثر المواقع الأميركية تحصينا في العراق، قامت ثلة من المتعاقدين الأميركيين وسائقي شاحناتهم النيباليين بتزوير مستندات، بدون وجل، من اجل سرقة ما لا تقل قيمته عن 40 مليون دولار قيمة وقود الطائرات والديزل في مستودع عسكري، حسبما جاء في لائحة الاتهام التي أودعتها هيئة المحلفين الكبرى في فرجينيا يوم الجمعة الماضي. وكان الرجال المشتركون في عملية النصب المذهلة التي وقعت في منطقة الحرب، والذين يبلغ عددهم نحو اثني عشر شخصا، قد اعدوا الأوراق الثبوتية المزورة، وخرجوا في الطرقات بهويات مزورة، ما يظهر براعة في تقليد الأوراق الرسمية. وتشير أوراق المحكمة إلى أن هؤلاء الرجال دأبوا على ملء خزانات شاحناتهم بالوقود من المستودع الأميركي الرئيس في مطار بغداد، ومن ثم قيادة الشاحنات إلى مدينة بغداد وبيع الوقود في السوق السوداء المحلية.
كما تنص أوراق الدعوى القضائية على أن تلك العصابة باعت عشرة ملايين غالون من الوقود المسروق خلال عامي 2007 و2008، وربما أكثر من ذلك بكثير، إلى تجار السوق السوداء المعروفين باتصالاتهم مع المتمردين في العراق. كما أنهم معروفون بسيطرتهم على قطاع كبير من هذه السوق بتقاضيهم نسباً عالية من عوائدها.
تصف لائحة الاتهام هذه العملية بطريقة مشابهة لما نشاهده في أفلام التشويق والجريمة الدولية: رسائل الكترونية مشفرة تحتوي على تفاصيل الدفع إلى أعضاء المجموعة، شخص يدعى بونغ يتقمص شخصية عنصر امني،يقوم بتزوير توقيع ضابط التعاقدات الأميركي، السر جنت بوناس. ويقول أعضاء العصابة أنهم عملوا لصالح شركة تسمى (فيوتشر سيرفس، خدمات المستقبل).
كما تقول وثيقة المحكمة أن أعضاء هذه المجموعة لم يجدوا سببا لان يكتفوا بما حصلوا عليه من مال، لأنه كان سهلا جدا، حتى جاء العملاء الفيدراليون. وجاء في إحدى الرسائل الالكترونية التي تم اعتراضها، وكانت قد أرسلت في كانون الثاني من عام 2008 إلى روبرت جون جفري المتهم بالانتماء إلى العصابة: "لا أرى مشكلة، ويمكن لهذا الأمر أن يدوم عاما أو عامين آخرين." لكن لم يتم تعريف المرسل إلا بالحرفين (آر. واي.) في أوراق المحكمة.
غير إن آر. واي. أضاف بلمحة من القلق: "سوف أكون ممتنا لك إذا لم تناقش الجوانب القانونية فيما نقوم به مع أي شخص".
وكانت لائحة الدعوى، التي تم إيداعها في محكمة الكساندريا الفيدرالية بفرجينيا، قد اتهمت السيد جفري، 55 عاما، بالتآمر وسرقة ممتلكات حكومية، وهي الجرائم التي تقول وزارة العدل أن عقوبتها القصوى تصل إلى السجن 15 عاما وغرامة مالية تزيد على 250,000 دولار. وقد تولى عملاء من الأف بي اي التحقيقات التي تضمنت عمليات مراقبة من قبل الوكلاء الفيدراليين واعتراض رسائل الكترونية بالإضافة إلى المقابلات مع المخبرين، كما شارك في التحقيقات مكتب مكافحة تزوير المشتريات الحكومية في وزارة العدل.
يذكر ان لي وليام دوبوا، 32 عاما، وهو من مدينة ليكسينغتون بولاية ساوث كارولاينا، اعترف في أواخر العام الماضي بالمشاركة في عملية النصب هذه، لكن لم ترد غير تفاصيل قليلة حينذاك. ولا يعرف إلا القليل عن أي من الرجلين. فالسيد جفري عاش في الفترة الأخيرة بولاية بنسلفانيا.
وتذكر لائحة الدعوى انه قد يكون عشرة من النيباليين ونحو ستة رجال آخرين، يبدو أنهم عراقيون وأميركيون، متورطين في هذه القضية، وقد أدلى احدهم، وهو الفريدو اغويلار، والذي تمت الإشارة إليه باسم بونغ في الرسائل الالكترونية، أدلى بتفاصيل وافية لعملية النصب إلى المحققين، حيث يتظاهرون بأنهم متعاقدون أميركيون يقومون بحماية القوافل المؤلفة من شاحنات حوضية مزورة، وليس من المعروف إذا كانت قد وجهت اتهامات جنائية إلى السيد اغويلار.
وتؤكد أوراق المحكمة إن الرجال، الذين انتحلوا شخصية متعاقدين أمنيين، قد حازوا على هويات تعريف شخصية صادرة عن وزارة الدفاع، واظهروا وثائق حكومية مزورة لعناصر من الجيش الأميركي والعراقي في متاهة نقاط التفتيش التي تؤدي إلى المستودع الهائل، في كامب فيكتوري (المطار) وما كان على منتسبي الجيش إلا أن يسمحوا للقوافل بالمرور.
ولم توضح وثائق المحكمة إذا كان منتسبو القوات العسكرية الأميركية، وفي الجيش تحديدا، قد تعرضوا إلى استغفال واسع النطاق، أو إنهم كانوا مشتركين في هذه العملية. غير أن المحققين اخلوا سبيل السرجنت ارفنت بوناس وبرأوا ساحته.
وتقول أوراق القضية إن السيد جفري قد استخدم نماذج يبدو إن السرجنت بوناس قد وقعها للحصول على هوية وزارة الدفاع التعريفية في 17 كانون الأول 2007. لكن السرجنت بوناس قال في لقائه مع العملاء الفيدراليين انه لم يكن موجودا في العراق في ذلك الوقت.
و تنص هذه الأوراق على أن: "بوناس قد عاد إلى هاواي في تشرين الثاني من عام 2007، حيث تقاعد من الجيش الأميركي في آيار 2008."
ومع ذلك، فان لائحة الدعوى والأوراق الأخرى لا توضح كيف تمكنت المجموعة من تزوير أو الحصول على تواقيع ضباط الجيش الأميركي على الأوراق الرسمية، مرارا وتكرارا.
وقال اللفتنانت كولونيل كريستوفر غارفر: "طالما كانت هناك إجراءات قضائية جارية بشأن هذه القضية، فمن غير اللائق أن يعلق الجيش عليها في الوقت الحالي".

Thursday, April 23, 2009

هـل يستطــيــع اوبــامــا ان يترجـم اقوالــه الى افعال؟

عن: الاندبندنت
ترجمة: علاء غزالة

تمثل بداية الحرب على العراق في عام 2003 نقطة تحول حيوية في علاقة الولايات المتحدة مع معظم الدول في المنطقة. يقول وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري: "لم تشعر ايا من دول الجوار، ولا واحدة منها، بالارتياح للاحتلال الاميركي للعراق." وقد صُدم البيت الابيض من موقف تركيا، حليفتها طويلة الاجل، المتمثل برفضها السماح للقوات الاميركية استعمال الاراضي التركية لغزو العراق. يحاول باراك اوباما، الذي قام باول زيارة رسمية الى تركيا، ان يفك الارتباط مع العراق من دون ان يبدو هاربا منه، او ان يترك الفوضى في البلاد خلفه. وهو يحاول ان يستعيد حلفاءه السابقين، وكما اوضح في خطابه في انقرة ، فهو يسعى الى انهاء المواجهة بين الولايات المتحدة والاسلام، وهو ما كان تراث بوش.
ليس من السهل على اوباما ان يعكس المد المعادي لاميركا، او ان يضع نهاية الى الحروب التي بدأها بوش. ومع كل ادعاءات الحكومة العراقية حول عودة الحياة الطبيعية الى بغداد، فقد شهدت الايام القليلة الماضية تصاعدا في اعمال العنف. ففي اليوم الذي سبق وصول الرئيس الى العراق، انفجرت ست قنابل في اجزاء مختلفة من بغداد، مخلفة 37 قتيلا.
وبقدر ما يود اوباما ان يتعامل مع الحرب في العراق على انها تاريخ قديم، فان الولايات المتحدة مازالت تجهد للنفاذ بجلدها منها. فحقيقة ان الرئيس الاميركي لم يجد مفرا من القدوم الى العراق في زيارة مفـــــاجئــــــــــة، كما فعل جورج بوش وتوني بلير على الدوام لاسباب امنية، تظهر ان الصراع يأبى ان يزول.
وقد بقي رئيس وزراء العراق داخل المنطقة الخضراء معظم الاوقات. ولم يستطع الرئيس الاميركي ان يطير الى المنطقة الخضراء بالطائرات العمودية بسبب الطقس السيئ، ولكن طريق المطار لايزال غير آمن، وتبقى بغداد واحدة من اكثر المدن خطرا في العالم. كما ان الوضع السياسي العراقي قد تبدل نهائيا بعد الغزو الاميركي وسوف يكون من الصعب تشكيل دولة عراقية مستقرة لا تعتمد على الولايات المتحدة. وقد اظهر استطلاع للرأي اجري في العراق ان معظم العراقيين يعتقدون ان الولايات المتحدة، وليست حكومتهم، هي من يسيطر على الاوضاع في بلدهم.
هناك تغيّر واحد يصب في صالح اوباما، وهو ان وسائل الاعلام الاميركية توقفت، الى حد كبير، عن تغطية الصراع (في العراق) بسبب نضوب مواردهم المالية، اضافة الى ان معظم الاميركيين يعتقدون انه قد تم احراز النصر في هذه الحرب. لكن الخطر امام هذا الرئيس انه اذا حدث تفجر في الاوضاع بالعراق فانه قد يُلام على هدر النصر الذي احرزه سلفه.
يُعد تغيير الخطاب الدبلوماسي للولايات المتحدة اسهل من تغيير الحقائق على الارض في العراق وافغانستان. وقد جاء خطاب اوباما امام البرلمان التركي في انقرة رهانا محسوبا بعناية لطمأنة العالم الاسلامي ان الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع الاسلام.
فقد خالف في كل شيء قاله التهديدات المتشنجة التي اطلقها جورج بوش فيما بعد احداث 11 ايلول حول اطلاق "حملة صليبية" والكلام حول مهاجمة المحافظين الجدد لـ" الفاشية الاسلامية" او الادعاء بان هناك "تصادماً في الحضارات."
يكن قادة الدول ذات الغالبية الاسلامية التقدير للنبرة المختلفة لخطاب الولايات المتحدة الرسمي، لكنهم يتساءلون في الجلسات الخاصة عن المدى الذي يمكن فيه لأوباما ان يحدث تغيير حقيقياً.
واعرب الطلبة التركيون في لقائهم مع اوباما في اسنطبول عن شكوكهم في ان الافعال الامريكية سوف تختلف كثيرا في المستقبل عنها تحت حكم بوش. لكن اوباما اجاب بعقلانية انه يجب ان يُمنح الوقت الكافي وان "تحريك سفينة الدولة هي عملية بطيئة." لكنه اشار ايضا الى الانسحاب من العراق على انه علامة على مطابقة الافعال للاقوال.
تقع اسطنبول على الحدود بين اوروبا واسيا، وهو موقع جيد للرئيس الاميركي لكي يعلن عن موقف اكثر تهدئة للعالم الاسلامي. وتمتليء المدينة بالمعالم الفخمة لكل من المسيحية والاسلام، غير ان البلاد شهدت تسامحا دينيا ملموسا اكثر في زمن الامبراطورية العثمانية عنه منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة في عام 1923. وقد زار اوباما الكنيسة البيزنطية العظيمة (آيا صوفيا)، كما اطلعه رجال دين معممون على روائع المسجد الازرق.
بيد ان مشهد النسوة التركيات اللائي ارتدين تنانير قصيرة ولم يعتمرن غطاء الرأس وهن يوجهن الى اوباما اسئلة باللغة الانكليزية بطلاقة يعطي انطباعا خاطئا عن التوازن بين القوى العلمانية والدينية في تركيا الحديثة.
فالحقيقة ان العلمانية في حالة احتضار في العمق الريفي وفي حالة تراجع حتى في اسطنبول ذاتها. والقصابون الذي يبيعون لحم الخنزير اصبحوا قلة بالمقارنة مع عددهم قبل عشرين عاما. وقد اصبح الحصول على المشروبات الروحية صعبا الى حد ما، فيما عدا السياح الاجانب، بسبب الضرائب العالية على الخمور والتكلفة الباهظة للحصول على اجازة بيع الخمور في المطاعم.
ربما تكون الطبقة الوسطى القديمة، خصوصا في اسطنبول وانقرة وازمير، عازمة على الدفاع عن الدولة العلمانية. لكن الشركات الجديدة التي تعرف باسم "النمور الاناضولية" والتي قادت النمو الاقتصادي التركي المذهل، هي مملوكة –عموما– الى العوائل المحافظة التي يرتدي نساؤها الحجاب.
يقول احد الخبراء في الشؤون التركية: "اصبحت تركيا من الناحية الاجتماعية اكثر توجها نحو الدين، على الرغم من ان حزب العدالة والتقدم الحاكم يتحرك بحذر."
تعتمد جهود اوباما من اجل عكس اتجاه السياسة الاميركية نحو العالم الاسلامي، في آخر الامر، على المدى الذي يستطيع فيه ان يغير من السياسة الاميركية تجاه اسرائيل والفلسطينيين، واحتلال العراق، والمواجهة مع ايران وسوريا، والحرب في افغانستان.
وعلى سبيل المثال، فان الايرانيين يلاحظون انه على الرغم من تقرب اوباما الودي نحوهم، الا ان المسؤولين الاميركيين في واشنطن الذين يعملون على تطبيق العقوبات ضدهم هم انفسهم قد تداولوها من ادارة بوش.
اتخذت المواجهة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي فيما بعد احداث 11 ايلول شكل المعارضة للغزو الاجنبي والاحتلال، اكثر منها حول الفروقات الثقافية، فحتى اكثر الدول الاسلامية تنظيرا في الفكر الاسلامي، مثل المملكة العربية السعودية، دعمت الولايات المتحدة الاميركية، كما ان لديها شكوكا في عمق التأثير الذي يمارسه المتعصبون الدينيون على مقاتلي القاعدة.
يقول الميجر ماثيو الكساندر، رئيس المحققين في العراق، والذي يُنسب اليه الفضل في العثور على مخبأ قائد تنظيم القاعدة في العراق، ابو مصعب الزرقاوي، يقول انه لم يعثر من خلال عمليات الاستجواب الـ 1300 التي اشرف عليها الا على شخص واحد فقط يعدّه ايديولوجيا حقيقيا. ويًقتبس عنه قوله: "لقد استمعت المرة تلو الاخرى الى المقاتلين الاجانب، واخرين من العراقيين، يقولون أن السبب رقم واحد الذي دفعهم الى حمل السلاح والالتحاق بالقاعدة هو سوء معاملة المعتقلين في ابو غريب، واعمال التعذيب المرخص بها، والاساءات في معتقل غوانتانامو."
هذا التشخيص من الميجر الكساندر يؤكده تاريخ التطرف الاسلامي في انحاء العالم الاسلامي على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
لقد كان نجاح الثورة الايرانية ضد الشاه بين عامي 1978 و1979 هو ما بدأ الحقبة التي اصبح فيها الغرب يرى الاسلام السياسي تهديدا، لكن خطاب آية الله الخميني الى الايرانيين كان يضم على الدوام مشاعر قومية قوية، كما ان نفيه على يد الشاه عام 1964 جاء بسبب جهره بمعارضة منح حقوق استخدام الاراضي الايرانية الى عناصر الجيش الاميركي في ايران.
ان تفوق الاسلام السياسي على القومية العلمانية في العالم العربي كان في الاغلب بسبب قدرة الانظمة السابقة على مقاومة اعداء المجتمع او الدولة. ففي مصر تقوضت قومية جمال عبد الناصر بالهزيمة المذلة في حرب 1967 مع اسرائيل. وفي العراق، كان صدام حسين قائدا كارثيا بلا جدال، وقد بدأت جميع الانظمة العسكرية التي تدعو الى القومية في العالم العربي، او انتهت، بحكم فردي فاسد ووحشي. وعلى النقيض من ذلك، فان الاسلام السياسي كان قادرا على المضي قدما، الى حد ما، في تحقيق وعوده في الدفاع عن المجتمع.
وفي لبنان، تمكن مقاتلو حزب الله بنجاح من التضييق على القوات الاسرائيلية في التسعينيات في الوقت الذي ترك القادة العسكريون، تحت امرة ياسر عرفات، رجالهم وفرّوا بعيدا.
وفي غزة هذا العام، تمكنت حماس من تأطير نفسها على انها الحركة الفلسطينية الوحيدة التي تلتزم بمقاومة اسرائيل.
وفي العراق، لم تتمكن القاعدة من اثبات وجودها حتى اظهرت نفسها على انها معارضة للاحتلال الاميركي، وعلى انها حليف للقوميين العراقيين، برغم انها حليف لا يتوانى عن اعمال القتل، ذو نهج فكري متطرف.
اما في افغانستان، فقد تحلـّت حركة طالبان بصفة مقاتلة المحتل الاحنبي.
ومن ناحية ثانية، فان الحركات العلمانية

عيد الفصح في العراق يبعث الروح في المجتمع المسيحي

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

احتفل المسيحيون العراقيون يوم الاحد الماضي علنا في بغداد، في واحدة من المناطق التي كانت تعد الاكثر خطرا، وذلك للمرة الاولى منذ ثلاث سنوات.
واضافة الى الاحتفال بعيد قيامة المسيح، فان القداس الذي اقيم في منطقة الدورة يمثل انبعاثا لهذه الطائفة من جديد . فالدورة هي واحدة من احياء قليلة في العاصمة العراقية التي بدأ المسيحيون في العودة اليها بعد ان هُجّروا منها بسبب العنف وعلى يد المتطرفين. ويمثل المسيحيون اقلية ضئيلة في العراق اذ لا تكاد نسبتهم تتجاوز 3 بالمئة من تعداد سكان العراق في الوقت الحاضر. ويُعتقد ان اكثر من 300,000 من مسيحيي العراق البالغ تعدادهم 800,000 نسمة قد غادروا منذ عام 2003.
وقد غامر المؤمنون من المسيحيين يوم الاحد من اجل التأكيد على هويتهم العراقية التي تمتد جذورها هناك الى الايام الاولى للمسيحية. ان اغلب مسيحيي العراق هم من الكلدان، وينتمون الى الكنيسة الكاثوليكية الشرقية، وهم يعتقدون انهم ينحدرون من البابليين. وقد اقام الاسقف شليمون وردوني، من البطرياركية البابلية، القداس في كنيسة القديسين بطرس وبولس الكائنة في حي الدورة جنوبي بغداد، باللغتين العربية والارامية، وهي لغة السيد المسيح.
وهي المرة الاولى التي يُتلى فيها القداس منذ عام 2007، بعد ان تضررت ونُهبت في القتال الذي نشب في منطقة الدورة.
قال الاسقف للجمع المحتفل بهذه المناسبة: "اليوم نحتفل بعيد الفصح، لكن لدينا سبب آخر للاحتفال في هذه المنطقة التي تعرضت الى الدمار وهُجّرت عوائلها. اتذكر كيف كانت هذه الكنيسة ممتلئة بالمصلين بداخلها وفي ساحاتها الخارجية، وكانت القاعة مليئة بالناس الطيبين." وكانت آخر مرة اجتمعوا فيها للاحتفال بعيد الفصح في عام 2006 تحت نظر رجال مسلحين من وزارة الداخلية اعتلوا سطحها لحمايتها.
وقد امضى العمال اسابيع في اصلاح اثار الاطلاقات النارية وترميم البناية. ولايزال دير قريب، تعرض للنهب بعد ان احتلته القوات الاميركية، لايزال شاغرا.
يقول لؤي بداويدي، وهو احد مئتين من المؤمنين الذي توالوا على الكنيسة المرممة حديثا يوم الاحد: "بقينا في بيوتنا في العامين الماضيين يوم الفصح وشاهدنا القداس على التلفاز." ويضيف ان خبز القداس كان يُجلب الى المصلين في منازلهم.

الدعم الرسمي للمسيحيينوقام عميد في وزارة الداخلية بتقديم التهاني الى المحتفلين، في لفتة من الحكومة العراقية لطمأنة المسيحيين انهم مرحب بهم. كما حضر القداس قائد قوة المتطوعين الامنية التي تسمى ابناء العراق وجلس الى جانب المسؤول بوزارة الداخلية في الصف الاول من مقاعد كنيسة الدورة.
وقال الاسقف وردوني مخاطبا المسؤولين الامنيين: "انهم رسل سلام. اخبروا الجميع ان المسيحيين يريدون السلام." ركعت امرأة شابة، ترتدي بنطالا من الجينز السميك وقميصا نصف كان يحمل صفوفا من النجوم البراقة على ركبتيها، الى جانب قريباتها اللائي غطين شعورهن بوشاح خفيف. وقامت احدى المصليات، وهي وفاء شابا، والتي تعرضت للاختطاف قبل ثلاث سنوات، بتمرير قطعة من القماش بوقار على صولجان الاسقف المرصع بالذهب والفضة. ثم طرق صبي واسع العينين اجراس المذبح بينما غُمرت الكنيسة بالبخور.
ردد المصلون: "بُعث المسيح." رددوا هذه الكلمات القديمة باللغة القديمة.

هجّرتهم القاعدةاصبحت الدورة، في خضم فورة العنف التي نشبت في عام 2006، معقلا للقاعدة في العراق. فبإضافة الى العنف ، وُزعت منشورات تهدد بقتل المسيحيين اذا اقاموا صلواتهم علنا، وتأمرهم بالتحول الى الاسلام.
حينما تصدت الميليشيات لقتال المسلحين، أصبح حي الدورة على درجة من الخطورة بحيث لا يمكن المكوث فيه. يقول جورج اوراوا، الذي اعاد عائلتة من شمال العراق: "كانت هناك 3,000 عائلة مسيحية هنا، اما الان فلم يبق سوى 500 عائلة فقط."
واليوم تمتليء الكنيسة بالعوائل الذين لديهم اقرباء من الذين هاجروا في غضون الاعوام الست المنصرمة.
تقول رندة صباغ، الطالبة الجامعية التي عادت الى الدورة مع والديها قبل ستة شهور: "انها لمفاجأة كبيرة ان ترى هذا العدد من الناس هنا." وقد عاشوا في حي سكني آخر في بغداد، الا ان احد اخوتها هاجر الى استراليا وذهب الاخر الى سوريا.
ويلقي الاسقف وردوني باللائمة في الهجرة على البلدان الاوروبية والولايات المتحدة، التي يقول انها ساعدت المسيحيين على مغادرة العراق بدلا من تحسين معيشتهم في بلدهم.
وقال في مقابلة سابقة هذا الاسبوع: "بدلا من البحث عن وظائف لهم والمساعدة على تحقيق السلام، وتحقيق المصالحة في البلاد، قبلوا المهاجرين. هذا سيئ."
وادت الهجمات في الموصل في شهر تشرين الثاني الى هجرة جماعية ثانية الى منطقة كردستان في شمال العراق وعبر الحدود العراقية. غير ان موجة الهجمات في الاسبوع الماضي ببغداد، والتي ساد الاعتقاد بانها اصبحت اكثر امنا في الشهور الاخيرة، أقلقت الكثيرين.
يقول الاسقف: "اعتقدنا قبل اسبوع ان الوضع اصبح افضل بكثير. لكن ما حدث يجعلنا اكثر قلقا لانه لن يكون هناك تغيير طالما بقيت تلك السيارات المفخخة."
لكنه يصر على ان يبقى وجود للطائفة المسيحية في العراق.
ويضيف: "هذا بلدنا. لن يتمكن احد من طردنا. لقد كنا هنا قبل كل شيء."

Wednesday, April 15, 2009

العراق يسعى الى اثبات قدرته على حكم نفسه.. ويحقق نجاحا

عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

تخوض الحكومة العراقية حملة محمومة، مع رحيل الاميركيين وتحسن الوضع الامني، لاقناع العالم انها دولة مستقلة، غير تابعة لا الى الولايات المتحدة ولا الى ايران.
وقد حدد رئيس الوزراء نوري المالكي أطر السياسة الخارجية الناشئة للبلاد في خطابه بمؤتمر القمة العربية الذي انعقد قبل اسبوعين في الدوحة، مؤكدا على هوية العراق العربية المسلمة، ومشيرا الى انه لا يقتفي أثر السياسات العلمانية للولايات المتحدة.
وقال المالكي في خطابه بمؤتمر القمة، الذي ضم ممثلين عن 22 دولة: "ان هوية العراق العربية والاسلامية ووحدته وسيادته هي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وهي ليست عرضة للمساومة."
لكن رسالته تلك قد تكون صعبة التسويق مع بقاء 130,000 جندي اميركي على التربة العراقية، وتواجد المستشارين الاميركيين في معظم المؤسسات الامنية العراقية، على الرغم من انها اصبحت اسهل اليوم مما كانت عليه قبل عام، أي قبل ان يتأكد انسحاب القوات الاميركية.
يتسائل هوشيار زيباري، وزير الخرجية العراقي: "كيف يمكن لك ان تُمثل بلدا تحت الاحتلال الاجنبي؟ لقد كان ذلك تحديا صعبا، تحديا جسيما."
يُكسب التقرب من الولايات المتحدة قادة الدول في معظم ارجاء الشرق الاوسط ازدراء العرب الذين ينظرون الى الولايات المتحدة على انها حليف قوي الى اسرائيل، وعلى انها امبراطورية استعمارية، وعدوة للمسلمين. وفي اوربا، التي عارض الكثير من اقطارها الغزو الاميركي، فان العديد من هذه البلدان لاتزال متشككة، حتى وقت قريب، في استقلال العراق مع استمرار التواجد الاميركي، بالاضافة الى الوضع الامني غير المستقر.
ويقول السيد زيباري انه ما ان اعلنت الولايات المتحدة عن الانسحاب المؤكد والتزامها بعدم الاحتفاظ بقواعد دائمة في العراق، حتى بدأت بلدان العالم والمنظمات الدولية التزامها بفتح سفارات لها في العراق، باعداد متفاوتة، والقيام بزيارات رسمية.
ويوجد في بغداد اليوم اربعون سفيرا لبلد اجنبي، بالاضافة الى 12 وكالة دولية، بضمنها الامم المتحدة ومنظمة الصليب الاحمر. وقد قام الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي بزيارة الى العراق في شهر شباط هي الاولى التي يقوم بها رئيس فرنسي منذ بدء الغزو في عام 2003، كما اضحى فران والتر ستينمير اول وزير خارجية الماني يزور بغداد منذ 22 عاما.
وقد عارض كلا من هذين البلدين الغزو الاميركي، لكنهما يبدوان الان مستعدان لصياغة علاقات وثيقة مع بغداد.
ودعا العراق القادة السوريين والايرانيين الى فتح سفارات لها في العراق (...)، في جهوده لاثبات قدرته على حكم نفسه، برغم ان هذين البلدين لديهما علاقات غير ودية مع الولايات المتحدة، كما تواصل العراق ايضا مع منافسي الولايات المتحدة العالميين، وهما الصين وروسيا.
يقول مصطفى العاني، مدير معهد الدفاع في مركز ابحاث الخليج، وهي مجموعة مستقلة يقع مقرها في الامارات العربية المتحدة: "انهم يحاولون ان يثبتوا استقلالهم عن الولايات المتحدة، وهم يحاولون ان يرسموا سياسة خارجية واضحة، ويمكننا ان نرى بلدانا اخرى تبدأ في التحدث الى العراق جديا."
غير انه الاصعب بالنسبة الى العراق ان يظهر للعالم تحرره من التأثير الايراني. يقول السيد زيباري: "هناك بعض الشكوك في عقول ورؤوس (قادة) بعض البلدان العربية." حيث ان اكثر البلدان تشككا هي المملكة العربية السعودية، وهي احدى اكثر جيران العراق نفوذا. اذ ان السعوديين لمّا يفتتحوا سفارة لهم في بغداد على الرغم من الدعوات والمجاملات المتكررة.
ففي حين تعتذر السعودية عن فعل ذلك بالوضع الامني، الا ان السبب الاكبر يكمن في انها مازالت غير واثقة من الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، والذين تخشى انهم يفضلوا ايران، او حتى ان يضحوا توابع تدور في فلك ايران. السعوديين هم من اهل السنة، والايرانيين هم من الشيعة، وقبل مدة طويلة على رسم الحدود الحالية بين الدول، تنافس العرب والفرس فيما بينهم ومع الدولة العثمانية من اجل الهيمنة والسيطرة على المنطقة التي اصبحت تشكل العراق اليوم.
وقد قال الامير تركي الفيصل، مدير المخابرات السعودية والسفير السابق في الولايات المتحدة، في مؤتمر بعمان يوم السبت ان المملكة العربية السعودية اخبرت الولايات المتحدة من قبل انها حينما جلبت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بعد الغزو عام 2003، فانها: "سلمت العراق الى ايران على طبق من ذهب،" حسب ما اوردت صحيفة الوطن اليومية السعودية.
ولا يمكن دحض النفوذ الايراني. فهي الشريك التجاري الثاني للعراق بعد تركيا، بميزان تبادل تجاري يبلغ اربعة مليارات دولار. وهي تساعد في توفير التمويل للعديد من الاحزاب الشيعية، وترسل الملايين من الزوار الى العتبات المقدسة في العراق كل عام.
ويقول السيد زيباري، الذي يعي جيدا الجهود الايرانية الحثيثة لممارسة نفوذها في العراق، انه كان يحذر السعودية مؤخرا انهم اذا لم يساعدوا في ملء الفجوة بعد رحيل الاميركيين، فان الايرانيين سوف يقومون بذلك. ويضيف: "نحن نقول لهم ان عليهم ان يكونوا هنا. لماذا عليكم ان تتذمروا من توسّع النفوذ (الايراني)؟ انهم هنا، لكنكم لستم هنا."
وكانت ايران هي الدولة الاولى التي تعترف بالعراق بعد الغزو الاميركي، كما انها تواصلت بحنكة مع السياسيين العراقيين من مختلف الطوائف والاعراق. وقد تمكنت، من خلال علاقاتها مع السياسيين النافذين، من المناورة خلف الكواليس، مؤثرة على القرار السياسي العراقي الداخلي، وفي بعض الاحيان قامت بتقويض السياسات الحكومية.
يقول السيد زيباري: "لقد اقمنا علاقاتنا معهم مع صعوبات بالغة، سياسية ورسمية."
ويضيف: "لقد كانت هناك زيارت، الكثير من الزيارات. ففي كل اسبوع هناك وفد ايراني يزور العراق او وفد عراقي يزور ايران. لدى ايران الكثير من القوة اللينة (الدبلوماسية)، وهم يستعملونها بذكاء."
يقول جوست هيلترمان، كبير محللي العراق في المجموعة الدولية للازمات، وهي منظمة بحثية تتخذ مقرات لها في واشنطن وبروكسل ان العرق المشتت بين ايران والعالم العربي يبدو على الارجح ان سيغدو "محطا للصراع". غير ان شبكة الامان بالنسبة للبلاد، شاء العراقيين ام ابوا، سوف تبقى، في الاغلب، الولايات المتحدة.
يقول السيد هيلترمان: "سوف يبعدون انفسهم عن الولايات المتحدة في العلن. لكنهم في الوقت ذاته سوف يبقون روابط وثيقة معهم. انهم بحاجة اليهم لتحقيق الامن. سوف يكون عليهم الهرولة في كل الاوقات."

Tuesday, April 14, 2009

بعد ست سنوات من الغزو: مازالت الأردن تسـتضيف الآلاف من اللاجــئين العـراقـــيين

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

تشبثت رائدة علي بالامل ان الوضع سوف يتحسن في بغداد. لكن حينما تعرضت عائلتها الى التهديد، قرروا انه قد حان الوقت للمغادرة، رائدة تنتمي الى الطائفة الشيعية لكن زوجها، محمد، هو من اهل السنة، وهو ما كان ذات مرة وضعا شائكا بالنسبة للعوائل التي تسكن منطقة الدورة، ذلك الحي السكني المختلط في بغداد والذي تحول الى الخط الأمامي في ارض المعركة، حتى بات الاختطاف والقتل والتفجير الانتحاري والغارات المستمرة التي يقوم بها الجيش الأميركي مستهدفا المتمردين، بات كل ذلك هو الوضع الطبيعي. تستذكر ذلك رائدة، بينما كان اطفالها مسمرين الى جهاز التلفاز لمشاهدة أفلام الكارتون: «تلقينا رسالة تهديد، مرروها من اسفل الباب".
تقول: (غادروا العراق او سوف تقتلون جميعا، حتى أطفالكم)»، وقد تلقت اخت زوجها رسالة مماثلة لكنها لم تعرها أهمية، ومن ثم اختطف زوجها ولم يسمع عنه شيئا بعد ذلك أبداً.
وهكذا جاءت السيدة رائدة علي وزوجها محمد وأطفالهما الأربعة الى الأردن قبل اكثر من سنة، بعد ان احتملوا اعمال العنف المستمرة منذ ان أسقطت الولايات المتحدة النظام العراقي قبل ست سنوات.
وبعد ان غادرت العائلة، ادت زيادة القوات الأميركية وتكثيف الجهود لمقارعة التمرد إلى انخفاض كبير في اعمال العنف، ومن ثم تقلصت القصص الإخبارية على الصفحات الأولى التي تغطي التأثيرات الجانبية للحرب في العراق. لكن هنا في الأردن، التي يقطنها اكثر من نصف مليون لاجئ عراقي، ولم يعد منهم الى العراق غير 300 شخص فقط، فان العراقيين مازالوا يتقاطرون عبر الحدود.
يقول رفيق تسجانن، مدير مكتب عمان لمنظمة الهجرة العالمية: «هناك اتجاه مثير للاهتمام انه مايزال هناك قادمون جدد من العراق. وعلى النقيض من المهاجرين السابقين، فان القادمين الجدد يذهبون الى القرى بدلا من عمان، التي ترتفع فيها كلفة المعيشة. ليس لدى هؤلاء اللاجئين سوى مال قليل ولذلك يبحثون عن ارخص القرى للعيش فيها».
وبينما عَلِق الزوجان في عمان فانهما يعيشان، بشكل غير قانوني، في حي سكني هادئ وفقير في العاصمة يدعى (المحطة)، وهما بالكاد يستطيعان ان يوفرا بدل الإيجار الشهري البالغ 150 دولارا بسبب انهما غير مرخصين للعمل. فالزوج، محمد، ينام في النهار ويعمل في الليل بأي عمل يمكن ان يجده مهما كان منخفض الأجر، لكن اثنين من أطفالهما الأربعة، وهما قصي البالغ 10 سنوات من العمر ولطيفة التي تصغره بعام واحد، يذهبان الى المدرسة. ليست هناك انفجارات، ولا اختفاءات، ولا رسائل تهديد من عقب الباب.
الأردن: المحطة الأولى للاجئين
تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان حوالي 4,7 مليون عراقي قد تركوا بيوتهم منذ بدء الحرب، ما يشكل زيادة كبيرة عن الرقم المسجل قبل عامين والبالغ 3,8 مليون، والعراقيون هم اكثر طالبي اللجوء السياسي في أوروبا، وفي انتظار تحقيق أحلامهم، سواء في بناء حياة جديدة في الغرب او الانتظار حتى تزول الغمة عن العراق ويعود صالحا للعيش من جديد، فان العراقيين عموما يمرون في الأردن بادئ الامر.
يقول مسؤولو الهجرة انه من شبه المستحيل تقدير عدد العراقيين الذين يعيشون الان في الأردن، لان الغالبية الساحقة منهم غير مسجلين، وقد أعطت مجموعة نرويجية تسمى (فافو) تقديرا للعراقيين الذين يعيشون في الاردن يبلغ نصف مليون لاجئ، وذلك في دراستها التي نشرت مؤخرا. لكن آخرون يقولون ان الرقم قد انخفض بسبب قبول طلبات إعادة التوطين في بلدان اخرى.
تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان اكثر من 54.000 عراقي قد تم تسجيلهم على انهم لاجئون في الأردن، بالمقارنة مع 221.000 في سوريا، البلد المجاور.
يحاول بعض العراقيين الذين يقيمون هنا ان يبقوا بعيدا عن نظر السلطات الأردنية عن عمد خوفا من ترحيلهم. كما ان هناك أشخاصاً مثل رائدة ومحمد اللذين غادرا على عجل بدون الحصول على جواز سفر، ثم الفيا نفسيهما غير قادرين على اثبات هويتهما من اجل الحصول على وضع لاجئ، وهناك آخرون يسعون الى الحصول على تأشيرة السفر الى أوروبا او الولايات المتحدة. لكن السيد تسجانن يقول ان بعضا ممن حصل عليها بالفعل هم بصدد العودة الان لاستحالة الحصول على عمل في خضم الانهيار الاقتصادي العالمي.
لقد كانت الأردن مضيافة، برغم صعوبة الحصول على ترخيص الإقامة بالنسبة للعراقيين، كما انها لم تمنح سوى عدد قليل منهم إقامة دائمة في أراضيها، وقد سمحت السلطات الأردنية، للعام الثاني، للأطفال العراقيين ان يسجلوا في المدارس الأردنية، كما انها أسقطت الغرامات المالية التي تفرضها الحكومة على هؤلاء الذين يتجاوزون مدة الإقامة التي حصلوا عليها في الأردن.
غير ان المسؤولين الأردنيين يقولون ان هذه الضيافة المؤقتة قد سببت ضغطا على الموارد المحدودة للبلاد.
يقول نبيل الشريف، وزير الدولة لشؤون الإعلام: «لقد اتخذت الأردن قرارا بتمديد إسقاط غرامات تجاوز الإقامة عن العراقيين، وهذا ما سيكلف الموازنة الأردنية مبلغ 270 مليون دولار هذا العام».
ويضيف: «لقد اتخذ الملك إجراءات غير اعتيادية لتسهيل إقامة العراقيين، وقد وضعت هذه الإجراءات بطبيعة الحال المزيد من الضغط على الجهات الخدمية في الأردن. يتضح هذا لنا اذا آخذنا بنظر الاعتبار ان هناك نحو نصف مليون لاجئ عراقي يعيشون في الأردن، حيث يبعثون أطفالهم الى المدارس الأردنية، ويذهبون الى العيادات الطبية، وما شابه ذلك. يشكل هذا الرقم نحو عشر تعداد السكان في الأردن، وهو ما يكلف نحو مليار دينار أردني (1,4 مليار دولار) سنويا، هناك دعم من المجتمع الدولي، غير انه غير كاف».
وقد أعلنت إدارة اوباما في الشهر الماضي عن تقديم المزيد من الاموال الى المهجرين العراقيين في العراق والأردن وسوريا، وهو ما يجعل قيمة مساهمة الولايات المتحدة هذا العام 150 مليون دولار، بينما كانت تلك المساهمة 400 مليون دولار في عام 2008، حسب ما افاد موقع بروبابليكا دوت اورغ.
يقول السيد الشريف: «تلتزم الحكومة الأردنية بتوفير العيش الملائم للعراقيين في الأردن، وقد اتخذت خطوات هائلة للتأكد من انهم قادرون على الحصول على الخدمات الحكومية، مثل المدارس العامة والعيادات الصحية، لكن الحل الامثل للعراقيين يتمثل في العودة الطوعية الى العراق.»
يقول السيد تسجانن ان بعض اللاجئين ربما اتخذوا هذه الخطوة بالفعل، لكن عددهم اقل مما يشاع.
ويضيف: «العدد الحقيقي للأشخاص الذين نعرفهم ونعلم انهم عادوا الى العراق هو 300 شخص من الأردن وعدد يتراوح بين 500 الى 600 شخص من سوريا. لكن لا احد يملك الأرقام المضبوطة عن الموجودين هنا حقيقة».
لم يعد لدينا من امل في العراق
السيد اراز همبرسوم اوديك هو احد اللاجئين العراقيين، وهو حديث العهد في الأردن نسبيا، فقد غادر بغداد قبل عامين، وهو وزوجته مسيحيان ارمنيان تعرضت طائفتهما الى المذابح الجماعية، وقد تمت مهاجمة كنيستهما في مناسبات عديدة، وهو غير قادر على احصاء كم من افراد العائلة والأصدقاء قد قتلوا او تعرضوا الى الاختطاف، ويقول انه قد تعرض الى التهديد واجبر على المغادرة.
يقول السيد اوديك، ويعمل كهربائيا: «من الصعب جدا الحصول على لقمة العيش هنا لاننا غير مرخصين بالعمل»، وقد وجد عملا في منطقة بعمان يقطنها عراقيون مسيحيون، وقد بدأ سكانها بالنضوب مع حصول الكثير منهم على تأشيرة السفر الى الولايات المتحدة.
يقول اوديك انه يتوقع الذهاب الى لوس أنجلس، حيث تسكن عائلة زوجته، في الاشهر القليلة القادمة. وقد حصلوا بالفعل على الموافقة بالهجرة الى الولايات المتحدة.
يقول اوديك: «لم يعد لنا من أمل في العراق، ولا احد يفكر بالعودة»، في الاقل لا احد يعرفه هو شخصياً، ويضيف: «اعلم انني لن أعود الى هناك ابدا».

Sunday, April 12, 2009

الولايات المتحدة تفقد مواطئ أقدامها في المدن

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

قد لا تكون البناية الصناعية المضجرة على سعتها في وسط تلك المدينة الواقعة في وسط العراق هي المقر الفخم لزهاء مئة من الجنود الاميركيين المقيمين هنا. لكن حينما تم اغلاقها في شهر شباط الماضي، كانت كلمات الوداع التي قالها تيري براون، الكابتن في الجيش الاميركي، تحمل المرارة في ثناياها.
فقد قال، متحدثا من تلك الحامية، التي افتتحت في حزيران من عام 2007:
«يمكنك ان تشارك المعاناة اليومية للسكان طالما كنت تعيش بينهم. لكن اغلاق الحامية ليس امرا سيئا بالضرورة. ذلك سوف يمكننا من التنحي جانبا ومراقبة القوات الامنية العراقية.»
تقوم القوات الاميركية باغلاق الحاميات، التي يتوزع اغلبها في المناطق الاكثر اضطرابا في العراق، كجزء من عملية سحب القوات الى القواعد الرئيسة تمهيدا للانسحاب الكامل في عام 2011. وقد اغلقت القوات الاميركية اواعادت، منذ اوائل شهر شباط 11 حامية ومركزا امنيا مشتركا وقاعدة صغيرة كانت تستضيف كلا من القوات العراقية والاميركية. وقد سلم الجيش الاميركي يوم الثلاثاء واحدة من اكبر قواعد العمليات الامامية، وهي قاعدة الرستمية، التي تبلغ مساحتها 15,000 متر مربع وتقع جنوب شرقي بغداد.
وبينما يأسف العديد من قادة الجيش الاميركي لخسارة مواطىء القدم قرب التجمعات السكنية في العراق، والتي مكنتهم من تقديم بعض الخدمات للاهالي، فان الجنود الاميركيين يرون هذا التحول –عموما– على انه تحرك ايجابي من شأنه ان يسهل تسليم المسؤولية الى الجيش العراقي عن طريق تقليل تواجد القوات الامريكية واجبار السكان المحليين على الاعتماد اكثر على قواتهم الامنية. ومع هذا، يستمر العنف في الموصل واجزاء اخرى من العراق، حتى ان هناك قلقا حول كيفية تعاطي المناطق المضطربة مع التواجد المحدود للقوات الاميركية.
يقول توبي دودج، الخبير في الشؤون العراقية لدى المعهد العالمي للدراسات الستراتيجية في لندن: «ترى هل هناك الآن فسحة للمقاتلين تمكنهم من لم شملهم والتحرك مجددا؟ فالموصل لم تفد من زيادة القوات الاميركية ومازالت في حالة غليان.»
30 حزيران: الموعد النهائي للانسحاب من المدن
وجاء اغلاق الحاميات كجزء من الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة والتي تم توقيعها اواخر عام 2008، والتي تقضي بانسحاب جميع القوات القتالية الاميركية من المدن الكبرى بحلول 30 حزيران. على كل حال، اشار المسؤولون الاميركيون والعراقيون انه مع استمرار العنف في الموصل وديالى فان بعض القوات الاميركية ربما ستبقى في المدن فيما بعد الموعد النهائي.
وقد اظهر الجيش الاميركي في وقت سابق من هذا الشهر اولى الاشارات على تخفيض عديد القوات حينما اعلن عن خطط لترحيل لواءين قتاليين، أي نحو 12,000 جندي، من العراق خلال الاشهر الست القادمة. هذا الترحيل سوف يترك قرابة 128,000 عسكري اميركي في العراق. يضاف الى ذلك مغادرة الالوية القتالية البريطانية للعراق في غضون الاشهر القادمة، والتي يبلغ عديدها 4,000 جندي.
ومن المقرر ان يُخفض تعداد القوات الاميركية الى ما بين 35,000 الى 50,000 عسكري للمساعدة في تدريب القوات العراقية، قبل الانسحاب الكامل في كانون الاول من عام 2011.
خطة بترايوس للتدخل السريع
ربما تكون ازالة الحاميات الصغيرة الموزعة بين المدن الكبرى في العراق هي اكبر تغير ملموس في الوقت الذي تتوغل القوات الاميركية اكثر فاكثر الى الخطوط الجانبية. وقد كانت هذه الحاميات حجر الزاوية في خطة الجنرال ديفيد بترايوس لجلب الاستقرار الى العراق عن طريق تحريك القوات الى الاحياء السكنية والاشراف على امنها مباشرة، حيث يمكن للقوات ان تستجيب بسرعة، انطلاقا من هذه الحاميات، الى الحالات الطارئة، كما يمكنها ان تتواصل اكثر من السكان المحليين.
يقول ساجان غوهيل، مدير منظمة الامن الدولي في مؤسسة آسيا-المحيط الهادىء، وهي مؤسسة مستقلة للاستخبارات والامن في لندن: «لعبت سياسة زيادة القوات دورا مهما، وتشعر الولايات المتحدة الآن بثقة اكبر ويمكنهم تحويل المسؤولية الى القوات العراقية.»
على كل حال، بينما ينخفض القتال في معظم اجزاء العراق، حيث بلغ عدد الضحايا بين القوات الاميركية خمس عددها في نفس الوقت من العام الماضي، ومغادرة الالوية التي جاءت ضمن عملية زيادة القوات، فان هذه الحاميات قد اضحت عبءا بالنسبة الى القادة. اذ بدلا من استخدام القوات للقيام بدوريات، فان قواتهم القتالية يجب ان تستخدم لتوفير الامن الى القواعد الصغيرة.
يقول الكولونيل في الجيش الاميركي بيرت ثومبسون، وهو قائد لواء سترايكر الاول التابع الى فرقة المشاة
الخامسة والعشرين في ديالى: «لقد اختلف الوضع عمّا كان عليه عندما كان الجنرال بترايوس هنا. الحاميات هي الحاضرة، وليس الناس. اريد ان اجعل الناس هم الحاضرين.»
القوات العراقية تقترب من عدد 600,000 عنصر
عندما تغادر القطعات الاميركية بعيدا عن الحاميات نحو القواعد المركزية فسيكون عليها ان تقطع مسافات اطول حينما يتطلب منها الوصول الى المدن والبلدات، لكن سيتاح للمزيد من الجنود الاميركيين العمل مع نظرائهم العراقيين، وهو محور تركيز القوات الاميركية في الوقت الراهن.
سوف تتولى القوات العراقية المسؤولية عن بعض الحاميات، بينما ستتم اعادة البعض الآخر الى وضعها المدني السابق.
وقد تطورت سمعة القوات الامنية العراقية بشكل كبير على مدى سني الحرب، لكن يبقى عليهم ان يفوزوا بالثقة الكاملة من الناس المحليين. وحتى العراقيين الواثقين في جيشهم، الذي بات يربو على 600,000 رجل قوي، فهم لايزالون يفضلون ان يأتوا الى القوات الاميركية عندما تعترضهم المشاكل، بسبب النظرة السائدة من ان الاميركيين لديهم موارد اكبر.
يقول السرجنت جيمس كلارك، الذي انهى للتو واجبه في حامية ببعقوبة: «ان اكبر شيء تحصل عليه، من خلال اخلاء الحاميات، ان الناس سيتوجب عليهم ان يعتمدوا اكثر على القوات الامنية العراقية وستكون لديهم فرص افضل في الظفر بثقة الناس.»
مخاوف من عودة المليشيات
غير أن هناك مخاوف في الشمال من ان يوفر انسحاب القوات الاميركية من مدن مثل الموصل، وهي آخر المعاقل الكبرى للمليشيات في العراق، الفرصة للمتمردين ليعودوا الى الساحة من جديد.
مثل هذه الهواجس خلقت حالة من الضبابية بالنسبة الى حاميات مثل المركز الاعلامي في ديالى الواقع على بعد 10 اميال جنوب شرقي بعقوبة. فهذه الحامية الكائنة في واحدة من اكثر المحافظات اضطرابا بنيت حول محطة تلفزة واذاعة صغيرتين، وتضم برجا للارسال. وتقع في منطقة ريفية من المحافظة، ما يعني انه لا يجب اغلاقها استنادا الى الاتفاقية الامنية.
يقول الكابتن في الجيش الاميركي جيمس لابوينتي انها تبعد مسافة اربعين دقيقة بالسيارة عن اقرب قاعدة عسكرية اميركية «وتسمح لنا بارسال قوة صغيرة خارج المدينة، ما يمكنها من الاستجابة بشكل اسرع، وهي مكان آخر يأتي اليه الناس ليقدموا لنا المعلومات.»
بينما يبقى مستقبل القواعد الصغيرة مثل المركز الاعلامي في ديالى غير واضح، وصعوبة التنبؤ بما تؤول اليه الامور في مناطق مثل ديالى والموصل، فان المرجح ان تخضع القوات العراقية الى اختبار عسير خلال الأشهر القادمة.
يقول السيد غوهيل: «هذا الاختبار الحاسم يتمثل بالكيفية التي ستتعامل بها الحكومة العراقية مع استمرار تقليص القوات الاميركية

Tuesday, April 07, 2009

موظفو شركة بلاك ووتر السابقون قد يعودون للعمل في العراق

عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

فقدت شركة بلاك ووتر العالمية في الشهر الماضي عقدها الذي تبلغ قيمته مليارات عدة من الدولارات لحماية الدبلوماسيين الاميركيين هنا. لكن الكثير من موظفيها، ان لم يكن معظمهم، والذين يعملون كحراس خصوصيين سوف يعودون الى عملهم في العراق.
سوف يرتدي الافراد انفسهم زيا نظاميا جديدا، يتمثل في زي شركة تربل كانوبي، وهي المؤسسة التي فازت بعقد وزارة الخارجية الاميركية بعد ان رفض المسؤولون العراقيون تجديد ترخيص عمل شركة بلاك ووتر، حسبما افاد دبلوماسيون اميركيون ومسؤولون في قطاع الحماية الخصوصية ومسؤولون عراقيون.
وينظر الى شركة بلاك ووتر في العراق على انها رمز للعنف الاميركي والفرار من القصاص. وقد فقدت الشركة عقدها بعد اتهامها باستعمال القوة المفرطة في حوادث عدة، وبالتحديد في اطلاق النار بدون استفزاز، على ما يبدو، في وسط بغداد عام 2007 والذي ادى الى مقتل 17 مدنيا.
وعلى الرغم من توالي الانتقادات ضد شركة بلاك ووتر فان المسؤولين الاميركيين يقولون انهم شعروا بالارتياح لان الحراس الخصوصيين القدامى سوف يبقون في العمل. ويقولون انه لولا هذا فلن يكون بمقدور شركة تربل كانوبي ان توفر حراسا مؤهلين بما فيه الكفاية، والذين يحوزون على الموافقات الامنية المناسبة، قبل ان يسري مفعول العقد الجديد في شهر آيار.
يقول دبلوماسي غربي، طلب عدم ذكر اسمه: «ليس هناك من طريقة اخرى لفعل ذلك.»
ويخشى منتقدو شركة بلاك ووتر انه اذا عاد نفس الاشخاص للعمل فانهم قد يرتكبون نفس الاعمال التي يعتقدون انها تمثل عقلية تلك الشركة التي لم تعر اهمية لحيوات العراقيين.
تقول سوزان بورك، المحامية الاميركية التي رفعت ثلاث دعاوى قضائية ضد شركة بلاك ووتر نيابة عن المدنيين العراقيين الذين يدعون انهم ضحايا هذه الشركة:
هل ستفيد شركة بلاك ووتر، التي تم تسميتها مؤخرا (زي)، او اية شركة اخرى مرتبطة بها من هذه الصفقة؟ لازال هذا السؤال يبحث عن اجابة. هناك شكوك لدى العاملين في مجال الحماية الخصوصية بان شركة تربل كانوبي ربما ستحيل عقدا الى شركة تسمى فالكون غروب كمقاول ثانوي. وكانت السيدة بورك قد عرّفت تلك الاخيرة على انها مرتبطة بشركة بلاك ووتر في القضية التي رفعتها.
وقالت المتحدثة باسم شركة بلاك ووتر، آن تايريل، ان شركة بلاك ووتر لا تربطها اية علاقات مع شركة فاكون غروب، التي يصفها موقعها الالكتروني على انها شركة مملوكة لمجموعة من العراقيين المهتمين بالامن واعادة الاعمار. واضافت: «الاشخاص الذين يوفرون خدمات الحماية الخصوصية في الخارج هم متعاقدون مستقلون. حينما سينتهي سريان عقدنا في غضون 60 او 90 يوما، فان من حقهم ان يبحثوا عن التوظيف مع من يشاؤون.»
وقد رفضت الناطقة بلسان شركة تربل كانوبي، جايانتي مينجيس، التعليق على قضية العقد الثانوي وقالت: «سوف نعين موظفين لهذا العقد من بين الاشخاص المؤهلين والحاصلين على الموافقات الامنية.»
ولكن الدبلوماسي الغربي يقول انه على الرغم من ان معظم الحراس الخصوصيين هم من الذين خدموا سابقا مع شركة بلاك ووتر، فانه سوف تحدث تغييرات كبيرة في قواعدهم للاشتباك. ولخّص عقيد سابق في المارينز، وكان قد عمل مع شركة بلاك ووتر، القواعد السابقة بالقول: «ليس هناك من تعويض للمواطنين المحليين الذين يشاطرون الطريق مع سيارات او قافلات بلاك ووتر، اطلق النار ان كنت في حالة شك، واستمر في قيادة السيارة، الخ.»
يقول الدبلوماسي ان قواعد الاشتباك الجديدة تقتضي ان يتصرف الموظفون بعدوانية اقل. هذه القواعد اصبحت قيد التطبيق بالفعل حينما وُجهت الاوامر الى قوافل الحماية التابعة الى بلاك ووتر بالتحلي باللياقة حينما يسيرون في الشوارع العراقية.وكانت وزارة الخارجية الاميركية قد احالت عقد الحمايات الخاصة الى شركة تربل كانوبي بعد ان رفض العراق تجديد عقد شركة بلاك ووتر. وشركة تربل كانوبي هي احدى شركتين تقومان حاليا بتقديم خدمات الحماية الى وزارة الخارجية الاميركية في العراق، حيث ان الشركة الاخرى هي داينكورب. وقد احيل العقد، الذي يمتد اجله لخمس سنوات وتبلغ قيمته 977 مليون دولار، في 31 آذار، ويصبح ساري المفعول في 7 آيار. وتمثل تلك القيمة جزء كبيرا من اعمال شركة بلاك ووتر العالمية السابقة.
ويقول مسؤولون اميركيون ان من الصعب استبدال شركة بلاك ووتر باخرى تبدأ من الصفر في فترة شهر او نحوه. وتحتفظ الشركة بقوة من رجال مسلحين يبلغ عددهم 600 عنصر، ويقع مقرهم في المنطقة الخضراء ببغداد لحماية السفارة الاميركية والموظفين المدنيين الحكوميين الاخرين. ويتطلب عملهم الحصول على الموافقة الامنية حيث انهم سيرافقون الدبلوماسيين في مهمات حساسة. ويجري التحري مطولا عن المتقدمين للتعيين قبل منحهم تلك الموافقات الامنية.
كما ان الحصول على الموافقات الامنية بالنسبة لغير الاميركيين هو امر في غاية الصعوبة.
وتحتفظ بلاك ووتر بقوة للتدخل السريع، ولديها طائرات عمودية مدنية، وطائرات استطلاع بدون طيار، ووسائل نقل جوي اخرى. وسوف يبقى عقدهم للعمليات الجوية ساري المفعول حتى ينتهي في شهر ايلول.وعلى الرغم من ان شركة تربل كانوبي هي شركة اميركية الا ان معظم موظفيها في العراق هم عسكريون سابقون من بلدان ذات مقاييس دخل منخفضة، مثل البيرو والسلفادور، مع قدر من التدريب يقل كثيرا عن الموظفين الغربيين، كما لا يرجح انهم يمكن ان يحصلوا على الموافقات الامنية.وقد دافع الكثير من الدبلوماسيين الاميركيين عن شركة بلاك ووتر.
وكان ستة دبلوماسيين اميركيين على الاقل قد لقوا مصرعهم منذ احتلال العراق، وتقول السيدة تايريل ان 27 من اعضاء بلاك ووتر قتلوا بينما كانوا يدافعون عن الاشخاص الذين كانوا في عهدتهم. يقول مسؤول على اطلاع على التحضيرات الامنية للدبلوماسيين الاميركيين، وقد طلب عدم التعريف به لانه غير مخول بالحديث الى وسائل الاعلام: «هناك عدد معين من موظفينا بقوا على قيد الحياة لان حراس بلاك ووتر قتلوا بينما كانوا يحمونهم.»
ويبدو ان العراقيين مستعدون لقبول مبدأ ان الكثير، او حتى اغلب موظفي بلاك ووتر السابقين سوف يبقون في العمل على انهم موظفو تربل كانوبي. يقول العميد عبد الكريم خلف، المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية: «ليس من المهم من يكونون، او ما هي اسماؤهم، او أي زي يرتدون، طالما انهم خاضعون الى القانون العراقي وتحترم شركتهم القوانين العراقية.»

Sunday, April 05, 2009

جولة في ذاكرة العراق عبر القطار

عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

العاصفة الرملية تجعل بغداد الحزينة أكثر حزنا على الدوام. تتحول الشمس الى قمر في سماء رمادية في حالة حداد. يتوقف الزمن حينما يذوب الفجر في يوم غائم يشعرك وكأنه الغروب. تجلب هذه العواصف، التي اصبحت شائعة هذه الايام، حبات الحصى الناعمة التي تستقر على كل شيء، حتى على حاجبي الجندي باسم كاظم الخاليين من التعابير.
انحنى نحو السيارة التي تمر بنقطة التفتيش عند مدخل محطة بغداد المركزية للقطارات، حيث كان يقوم بواجبه. تقلصت عيناه وهو يحشر رأسه ليتعرف على الموجودين في السيارة.
عزف جهاز التسجيل الصوتي في السيارة اغنية لام كلثوم، المطربة المصرية الشهيرة من جيل سابق، من شريط مخدوش. كانت اغنية "سيرة الحب"، حيث علا صوتها المنقطع النظير صوت الكمان الحزين.
قال كاظم للسائق: "دعني استمع لدقيقة، ثم سادعك تمر."
استمع الى ام كلثوم تصدح: "من همسة حب لقيتني بحب. بحب وادوب في الحب. ليل ونهار على بابك." ثم سمح للسيارة بالمرور.
دب نشاط جديد في محطة قطارات بغداد فيما بعد نقطة السيطرة، وقد عادت للحياة بعد سبات طويل. ولكنها تستعيد الى الذاكرة عالماً ضائعاً، مثلما تفعل تلك المطربة الاسطورة. تقف منارتي الساعة، مثل برجي حراسة، على جانبي القبة التركوازية التي بنيت قبل نصف قرن. تعلن بطاقات رثة عن رحلات لم تعد موجودة: الى الموصل والى حصيبة وعبر الحدود الى سوريا وتركيا. ترسل الثريات السقفية ومضات من الضوء تتوهج تحتها علامات التميز بين درجة المنام والدرجة السياحية التي لم يعد لها اهمية.
والمحطة باكملها ليست الا بوابة تؤدي الى القطار المتوقف عند طرفها.
المرور من خلال المحطة هو مرور من خلال عراق آخر، ابعد ما يكون عن تلك البلاد هذه الايام، حين كانت ذات مرة عنيدة للغاية وان كانت غير واثقة. هذا الـ(عراق) تملؤه ذكريات، هي في بعض الاحيان محض خيال، عن ماض خلا من سفك الدماء. انها امة حيث تذكـّر الاسماء بالمكان، لا بجريمة المحتل وتماديه، في ابو غريب وحديثة وحتى في بغداد. انها البلاد التي تتفتح بين نهرين امتلئا على طولهما بحدود غير دقيقة للتقسيمات العرقية والطائفية، التي فـُصلت حتى في اصغر المدن بجدران كونكريتية كئيبة، او بتداعيات المذابح الجماعية العالقة في الذاكرة.
قال احمد مراد، وهو يستقبل عربة القطار: "في القطار، توجه الى الامام مباشرة."
صفر البوق في الساعة 6:25 مساءا، ورمى العمال والطلاب، وهم الابناء الطيبون العائدون الى بيوتهم، والمهنئون والمعزون، ستراتهم وحقائب الكتف المنتفخة وحقائب الطعام وقطع السجاد الملفوفة بحزم على الرفوف العلوية. استلقوا على المقاعد الجلدية الخضراء المهترأة، يتهامسون كما لو كانوا متفرجين يتحدثون قبل بدء مسرحية.
ليس للقطار رقم، فهناك قطار واحد فقط ينطلق كل ليلة الى البصرة الواقعة على بعد 540 كيلومتراً الى الجنوب.
صفر البوق ثانية عند الساعة 6:30. جرت عربات القطار الست نفسها متثاقلة، ثم ارتطمت بعضها مع بعض، بينما كان القطار يغادر في موعده. تهاوت صرخات عجلات القطار، وصنوج المعدن القادم من عالم آخر، والمكان الموحش دائما، في صحوة القطار.
سأل احدهم بتثاقل: "هل وصلنا الدورة؟"
وتعجب الاخر: "هل هي الكاظمية؟"
تسربت الريح الى عربة القطار بينما كان يستجمع سرعته. تلاشت الاعلام الملونة الدينية عن الانظار. كما تلاشت نقاط التفتيش المحاطة بالزهور البلاستيكية التي جللتها العواصف الترابية بالغبار. نفخ القطار بوقه بينما كان يمر بمشاهد مشوشة لصفوف ملتوية من السيارات تنتظر دورها في التفتيش في نقاط السيطرة، ونفخ ثانية حينما مرّ بسيارات للشرطة وقد ومضت مصابيح الانذار فيها، وثالثة حينما مرّ بجدران كونكريتية التي عُلقت عليها ملصقات الانتخابات الممزقة. امكن للحظة تميز وجوه الجنود الواقفين امام صف من المصابيح الامامية للسيارات ، قبل ان تغمرها ظلمة الليل مجددا.
ربما تكون تلك هي المرة الاولى منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 التي تتوقف فيها قافلة سيارات اميركية على الطريق في بغداد. فقد توقفت وهي في طريقها الى المطار بانتظار مرور القطار.
وفي الساعة 6:45 وصل القطار الى سرعته القصوى، وحينها اشعل عقيل موسى سيجارته، وهو يراقب مشهد البيوت المتربعة تحت اشجار النخيل هنا وهناك، غير مكترثة بالزمن.
قال، وقد جالت الافكار في خاطره: "ليس هناك سُنة هنا، وليس هناك من شيعة. نحن كلانا اجزاء من يد واحدة. اتعرف الى شخص ما فقط من خلال المناقشة التي نخوضها."
يُعد خط السكة الحديد هذا، من الناحية الروحية ان لم يكن من الناحية الواقعية، جزءً من خط اقدم، وشرق اوسط اقدم، وهو نتاج رؤية الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر وحلفاؤها الالمان لبناء خط سكة حديد برلين-بغداد الذي ينتهي اخير في البصرة، ويجري بحرية عبر الامتدادات التركية غير المفصولة بحدود، في سوريا والعراق.
وقد بدأت خدمة القطارات مجددا في شهر كانون الاول، باقل قدر من التطبيل والتهليل. وقد كانت رحلة القطار على مدى ثمانية عشر شهرا قبل ذلك من الخطورة بمكان، لانه يمر بالمناطق المتمردة التي تتخفى بين اشجار الكالبتوز والنخيل وبين القرى الصفراء الواقعة في المنطقة التي عرفت باسم مثلث الموت. حينها صوب القناصون بنادقهم عشوائيا على القطار. وقد وقع مدير عام السكك الحديدية في كمين واصيب بطلقات نارية في كلتا رجليه عام 2004. كما تعرض الجسر قرب اللطيفية، الكائنة في قلب مثلث الموت، الى التفجير المرة تلو الاخرى.
اما اليوم، فالقطار ممتليء بالمسافرين، حيث تبلغ اجرة التذكرة مبلغ سبعة دولارات فقط، او خمس تكلفة سيارة الاجرة. وحينما مرّ القطار باللطيفية، لم يتوجس احد من خطر كامن.
قال هلال كريم، الذي يسافر من اجل عمل في البصرة: "الدليل (على الامن) اني اجلس هنا الان."
عُلقت الستائر القذرة في العربة رقم 499 على نافذة ذات شقوق. نوابض المقعد رقم 23 كانت مكسورة. القليل من المصابيح الرأسية في العربة كانت تعمل، اجتذب احدها حشرات طائرة لترقص حول السقف، بلا كلل ولا ملل. اما الجدران البنية فقد اضافت حصتها الى المشهد الكئيب.
هتف احد المسافرين من مؤخرة العربة، وقد اجتمع اثنان من اصابعه حول سيجارة: "يا محمد، اترك الباب مفتوحا، حتى يمكن للدخان ان يخرج."
ثم سرعان ما التقى عقب سيجارته مع بذور (حب) عباد الشمس الملقاة على الارضية.
صاح على احد الشباب الجالس امامه، وقد كان يحاول بلا جدوى ان يحشر عودا من البخور المشتعل في موضع لبرغي مفقود: "ماذا تفعل؟ هل تريد ان تحرق القطار؟"
تساءل مسافر آخر: "هل هذه هي اللطيفية؟"
اجابه صديقه مخمنا: "انها المحمودية؟"
عزفت اجهزة الهاتف النقال اغنيات منوعة. كان من بينها اغنيات لمطربين عراقيين مثل ياس خضر. وقام احدهم بعزف نشيد عسكري من وقت صدام على سبيل المزاح. ثم ادت مطربة سورية (...) اسمها (اصالة) اغنية اخرى لام كلثوم. "اخاف منك، واخاف تنساني. لكن البعد عنك صحاني، غلبني الشوق."
كانت كلمات الاغنية بالكاد مسموعة بالنسبة الى ولاء حسين الذي يقف عند باب القطار.
تطوع بالكلام، وهو يرتشف شايا ساخنا: "لقد سئمت من هذه الحياة."
جاء حسين، الشاب البالغ ثمانية عشر عاما من العمر وهو متزوج واب لصبي اسمه علي وعمره تسعة اشهر، جاء الى بغداد للعمل. لقد كانت تلك هي رحلته الخامسة على القطار. وقد نام في الشارع في الليلة الماضية، على أمل ان يكون من بين الاوائل في صف الانتظار للتقديم على سلك الشرطة. ولكن لم يكن لذلك اهمية.
قال: "ليس هناك من مستقبل، اقسم بالله." القى ما تبقى من الشاي في كوبه عبر الباب ثم وقف على رجليه، وقال: "ليس لدي حتى عشاءً واحدا اقدمه الى طفلي."
دفع ذراعه المفتولة نحو باب الخروج ورسم ابتسامة مضيافة. تطلع بوجه تعلوه نظرة الوداع الى خارج القطار حيث تعيش حيوات اخرى. حياته بالكاد بدأت. قال: "حينما اقف هنا، اريد ان اخرج كل الأسى من قلبي وارميه خارج هذا الباب."
ابتسم ثانية، بصرامة، وقال: "انه لمن الجيد ان يتحدث المرء."
تباطأ القطار. تساءل احدهم: "هل نحن في المسيب؟"
على مبعدة عدة صفوف من الكراسي الى الامام، كانت هناك اغنية تـُعزف. الاغنية اسمها "هذا العراق"، وينشدها تيسير الصفار. تقول الاغنية: "سوف نضيء طرقاتك بالشموع. سوف نجفف دموع عينيك."
ينتظر تاريخ الحروب الداخلية التي وقعت بالعراق في عامي 2006 و2007 ان يُكتب. انها تفتقر حتى الى الاسم. يُطلق عليها في بعض الاحيان تسمية "الفترة الطائفية" او "الحرب الطائفية." وفي احيان اخرى تـُعرف باسم "الاحداث." غير انه عادة ما تكفي الاشارة الى كلمة واحدة: "الطائفية."
اصبحت نقاط السيطرة الموزعة بكثرة في الشوارع العراقية، احيانا في كل 100 متر او نحوها، ميراث هذه الحرب. في بلد يكتظ بالجدران والموانع والسواتر والاسلاك الشائكة، تجد الكثيرين كارهين لها. يجري التفتيش في نقاط السيطرة اعتباطيا، حيث يكون الجنود احيانا فظين، بينما قد يدوم التأخير فيها لساعات، يتمثل باشرطة من السيارات المصطفة بتراخٍ على مسافة كيلومترات عدة.
قال علي زيد، الطالب الذي يبلغ عشرين عاما من العمر وقد كان يقوم بزيارة في بغداد: "يزعجك دائما ان ترى القوافل العسكرية الامريكية توقفنا وتمنعنا من التحرك في بلدنا."
اضاف ابن عمه عبد الله حامد: "والان انتقل عدوى هذا المرض من الاميركيين الى العراقيين. انه مثل فايروس ينتشر في حاسوبك. لا يمكنك محوه."
حامد هو شخص كثير الحديث وضخم الجسم. وهو يدرس الحاسوب، لكنه يقول ان ولعه الحقيقي هو في الشعر، سواء كانت اعمال امرؤ القيس، قبل فجر الاسلام، ام الشاعر نزار قباني، المتوفى في عام 1998. البيت الشعري المفضل لديه، متأثرا بالطائفية، هو: "دموع بغداد، ملايين الدموع. من لدي في بغداد، تبكي علي، وابكي عليها؟"
قال ان هناك شعراً يتلى في القطار. انها الثقافة المكتسبة في الرحلة.
واضاف، وقد مال رأسه الى النافذة التي يعلوها الغبار: "سوف تكوّن فكرة عن البلاد اذا استطعت ان تتجول خلالها بحرية. اريد ان انتقل من مكان الى مكان. اذا لم يكن لي ان اعرف العالم، فبامكاني في الاقل ان اتعرف الي بلدي."
عُزفت المزيد من الاغاني، كان احدها نشيدا للقطار.
صدح صوت ياس خضر، من سماعة خافتة: "راح ابقى على السكة، اعد المحطات للبصرة. وصلوا تل اللحم، لو عبروا؟"
بينما اقترب منتصف الليل، هوى المزيد من المسافرين الى النوم، ما عدا مجموعة من المشاغبين في الصف رقم 29. ومع حلول الساعة الثانية بعد منتصف الليل، سكن حتى هؤلاء الى الهدوء. لكن المسافرين تنحنحوا في مكانهم كلما ابطأ القطار.
سأل احدهم: "اين نحن الان؟"
وتساءل الاخر: "في أي مدينة نحن الان؟ في السماوة ام في سوق الشيوخ."
بينما اقترب القطار من البصرة بدأت السماء تصطبغ باللون الرمادي. ولاح عن بعد لهيب الغاز الذي يُحرق من آبار النفط، مثل مشاعل في الافق. عادت البيارق الدينية الى الظهور مجددا، كذلك عادت الكتابات والرسومات العشوائية السوداء على الجدران. كما عادت نقاط السيطرة، مع حدودها المرسومة.
توالت اصوات قرعات من القطار بينما كان يعبر قناة قذرة مليئة بالازبال في مدينة كانت تـُعد الاجمل بين مدن العراق.
توقف القطار في الساعة 5:58 صباحا. كـُتب على لافتة معلقة على جدار المحطة، قرب شباك التذاكر الذي يقدم (حجز درجة اولى): "محطة البصرة ترحب بكم." لقد وصل القطار دقيقتين قبل الموعد.

Saturday, April 04, 2009

المملكة المتحدة تبدأ وداعها بالقول: الوداع وشكراً لكم على السمك

عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة

حلت بداية النهاية مع وليمة، واستعراض عسكري تحت السماء الغائمة، وسمكة ذهبية مرصعة بالجواهر.
بدأ انسحاب الجيش البريطاني من العراق ، بعد ست سنوات اعتبرت فيها بريطانيا صديقا وعدوا، محررا ومحتلا، رسميا حينما سلمت القوات البريطانية آخر قواعدها العسكرية الباقية في البصرة، وهي القاعدة في فندق شط العرب.وسوف يسلم الجيش كذلك قاعدته الرئيسة الى الجيش الاميركي، ما يفتح الطريق امام انسحاب كامل مع اوائل الصيف وانهاء احد اكبر اختبارات الجيش البريطاني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتضمن الحفل الذي اقيم يوم امس عرضا لفرقة البحرية الملكية البريطانية، والتي طارت من مدينة كورنويل في المملكة المتحدة، لتقدم عروضها امام مجموعة من الشيوخ وقادة الشرطة. كما جرى في الحفل تبادل الهدايا.
وقد تم تقديم الهدية وهي سمكة السلمون الذهبية المدهشة الى الميجر جنرال اندي سلمون، والذي سلم المهام الامنية الى فرقة عسكرية عراقية عملت القوات البريطانية على تدريبها خلال العامين الماضيين. وقد اشاد الجنرال بالانتخابات المحلية التي جرت مؤخرا في العراق، وحياها باعتبارها نجاحا ديمقراطيا، برغم المزاعم حول التلاعب بنتائجها، والتحقيقات الاخيرة لتصرفات بعض المرشحين من قبل هيئة النزاهة العراقية.
كما ادعى ان القوات البريطانية فخورة في الوصول الى «نهاية ناجحة» للحرب في العراق، وقال ان قرار اسقاط نظام صدام كان صائبا. واضاف: «لقد حافظنا على المسار، وتكبدنا الصعاب، وتشاركنا مع كل شخص، واقتنصنا فرصنا، وتكيفنا على طول الخط.»
واستطرد: «استطيع ان اضع يدي على قلبي واقول اننا انهينا ذلك بالشكل الصحيح. واستطيع ايضا ان اقول اننا مررنا ببعض الاوقات الصعبة، ومن ثم خرجنا منها. وقد مر الجميع هنا بمثل ذلك. ولكننا نستطيع جميعا ان نرفع رؤوسنا عاليا ونقول ان الامر كان يستحق العناء.»
وقد اصر الجيش على مدى الاشهر الثمانية عشر الماضية ان الجيش العراقي قد اختلف كثيرا عن ذلك الجيش الذي كان موجودا وقت حرب عام 2003. كما يدعي الجيش ان البصرة اصبحت اكثر امنا واستقرارا. وهذان هما انجازان مهّدا الطريق امام خروج القوات البريطانية.
على كل حال، سوف يتولى الجيش الاميركي ملء الفجوة التي ستتركها مغادرة القوات البريطانية، وهي الخطوة التي تلقي ظلالاً لن الشك على ادعاءات داوننغ ستريت ووايت هول (الحكومة البريطانية) ان العمل قد انجز.
يقوم الجيش العراقي بدوريات في المدينة منذ عشرة اشهر، وسوف يستمر في استضافة القوات البريطانية في فندق شط العرب حتى شهر تموز.
لن يبقى من القوات البريطانية سوى فريق هيكلي صغير في هذا الفندق الذي كان ذات مرة فندقا شاطئيا فخما واصبح اليوم –جزئيا– اطلالا.
وبينما كان الوجهاء العراقيون والبريطانيون مجتمعين في محفلهم، انفجرت قنبلة قرب منشأة نفطية في جنوب العراق، ما ادى الى مقتل ثلاثة رجال شرطة وثلاثة مدنيين. وكان العنف قد انخفض بشدة في عموم مناطق جنوب العراق، ولكن اعمال العنف تشتعل بين الحين والآخر بالتزامن مع الاحداث الكبيرة.
وقد بلغ العدد الكلي لقتلى القوات البريطانية في هذا الصراع 179 فردا. وقد وجه قائد عمليات البصرة الجديد، اللواء محمد، التحية لهم، مدعيا ان تضحياتهم قد قادت الى تحول كبير في الجنوب. واضاف: «يغادرنا البريطانيون كاصدقاء. يجب ان يكونوا فخورين بما انجزوه. لقد فازوا باحترامنا، وتقدير الشعب العراقي العالي لجهودهم.»
سوف يتسلم القائد الاميركي السيطرة على المطار رسميا يوم الثلاثاء. وقال الوايت هول انه سوف يسحب جميع القوات البريطانية تدريجيا بين الحين والاخر، غير انه لم يعط جدولا زمنيا.
سوف يؤدي التسليم الرسمي الى تحول القوات البريطانية من شريك رئيس في جنوب العراق الى قوات ثانوية، على الرغم من بقاء القوات القتالية على اهبة الاستعداد، مع استمرار انسيابية انسحاب القوات الباقية والبالغ عددها 100عسكري من الان وحتى نهاية تموز. وهي أول المؤشرات المهمة على نهاية الحملة التي قاتلت طويلا من اجل الشرعية في العقل الشعبي البريطاني، وسط الشكوك القائمة حول صلاحها وآثارها.

مخاوف من فوضى تعقب إغلاق السجون الأميريكية في العراق..النزلاء السابقون يعيدون نشاطهم

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

مهد إطلاق سراح المئات من السجناء في معتقل بوكا، وهو السجن الذي تديره الولايات المتحدة في جنوبي العراق، الطريق لاعادة احياء المليشيات والتمرد في البصرة وبغداد والمناطق الممتدة على طول نهر الفرات، وذلك حسبما افاد قادة الشرطة ومسؤولو الاستخبارات في وزارة الداخلية بالاضافة الى المواطنين المحليين. وعلى الرغم من انه لا احد يتوقع العودة الى فترة الفوضى والاقتتال الطائفي التي شهدتها البلاد في عامي 2006 و2007، حينما كان يُعثر على عدد من الجثث ملقاة في الطرقات كل يوم، الا ان المسؤولين يرون ان هذه المجاميع كانت تستعد لبدء الانسحاب الاميركي.
وللمفارقة فان هذا التحذير يأتي مع بداية نهاية التواجد الاميركي هنا. فبينما تعمل الولايات المتحدة على تفكيك سجن بوكا، وهو المكان الذي وصفه العديدون على انه اجهاض مقرف للعدالة حيث لم توجه التهم الى السجناء ولم يسمح لهم بالاطلاع على الادلة ضدهم، فان العديد من المطلق سراحهم قد ينتهون الى الانضمام الى التمرد الذي خبا اواره.
يتحدث بعض النزلاء السابقين في معتقل بوكا، في المناطق التي تفتقر إلى ابسط الاحتياجات ببغداد، يتحدثون عن الانتقام. بينما يتحدث آخرون عن تحولهم حينما كانوا في السجن و يسود المنطقة الخاوية المحيطة بالكرمة جو من عدم اليقين، تلك المدينة التي تعصف بها الرياح الجافة لتذرها يبابا، مثلما جفاها القانون، حيث يستعد السكان المحليون من عودة العشرات من المقاتلين، بينما يقر رجال مثل العقيد سعد عباس محمود، قائد شرطة المدينة، علنا بانهم لا يستطيعون مجاراة توافد هؤلاء المعتقلين السابقين.
يقول العقيد محمود، الذي يدعوه مساعدوه باسم (ابو قتيبة)، ولكنهم يطرقون كعوب احذيتهم عندما يدخلون عليه: «لم يكن هؤلاء الرجال يزرعون الزهور في الحدائق. ولم يكونوا يتنزهون في الطرقات. هذه مشكلة كبيرة وخطيرة في آن واحد. ولكن الحكومة العراقية، للاسف، لا تدرك المدى الذي وصلت اليه هذه المشكلة.»
وكانت الولايات المتحدة قد اعتقلت، منذ ان قادت الحرب التي اسقطت صدام في نيسان من عام 2003، حوالي مائة الف شخص في البلاد. وقد وصل عدد المعتقلين بسجن بوكا، وهو معتقل شاسع المساحة بالقرب من الحدود الكويتية جنوب العراق، في الفترة التي شهدت اكبر عديد للقوات الاميركية نحو 26,000 نزيل. لكن هذه الرقم انخفض الى 9,600 نزيل. وقد بلغ اجمالي عدد النزلاء الذي اطلق سراحهم منذ الاول من كانون الثاني نحو 2,000 معتقل، ويخطط الجيش الاميركي لاغلاق المعسكر مع حلول فصل الصيف.
وقد اطلق سراح 106 من المعتقلين في بغداد في احتفال بهيج اقيم يوم الخميس الماضي، حيث تم اصطحابهم الى جامع ام القرى، وقد ماجت العوائل في شجون وصياح وبكاء بينما كان المعتقلون تسلمون اوراقهم الثبوتية.
يقول سعد نعمة، وهو يمسك يد ولده رعد، الذي كان مسجونا لمدة 18 شهرا: «ان معظم المعتقلين ابرياء، تماما مثل ولدي. لقد بكيت اليوم فرحا.»
لكن العقيد داود حمود، نائب قائد شرطة الفلوجة، يقول ان محمد علي مراد ليس بريئا، وهو الذي عمل سائقا لدى ابو مصعب الزرقاوي، قائد المجموعة المتمردة التي أطلق عليها تسمية (القاعدة في العراق)، والذي قتل في حزيران من عام 2006.
وقد تم احتجاز مراد بعد ان غادر سجن بوكا، لكن القاضي اطلق سراحه. ويعتقد انه يدير خلية متمردين في بغداد بالتعاون مع مسجونين سابقين آخرين. ويتهم العقيد حمود هذا السجين السابق بتدبير الهجوم الذي وقع في 4 كانون اول الماضي، بان ارسل شاحنتين محملتين بالمتفجرات استهدفتا مركزا للشرطة، ما ادى الى مقتل 15 شخصا.
يقول حمود، وهو ضابط شرطة سابق في عهد صدام، ويعمل حاليا في موقع يمتلئ بسيارات البي ام دبليو والتيوتا والاوبل والشيفروليه التي تم استخدامها كسيارات مفخخة: «لدينا معلومات انه وخليته دبروا هذا الهجوم.»
ويخمن حمود ان عدد الذين سوف يعودون الى الفلوجة، التي كانت يوما مهدا للتمرد، سيبلغ المئات. ويقدر انه قد حاول ان يعتقل 10 بالمئة من الذين اطلق سراحهم، لكنه يقر بان عددا لا يتجاوز اصابع اليدين من هؤلاء المقاتلين قادرون على اشاعة العنف.
ويقول: «بالطبع انهم يمثلون مسرحا للعمليات.»
بيد ان مسؤولا رفيعا في استخبارات وزارة الداخلية يقول ان العدد اكبر من ذلك بكثير، وان المشكلة اكثر هولا. ويقول ان «المجاميع الخاصة» التي تشكلت بين صفوف المليشيات والتي تؤيد الحكم الذاتي، اصبحت تعيد تنظيم نفسها في البصرة، وبدرجة اقل في بغداد. ويضيف ان جهود المتمردين تحت مظلة القاعدة ربما كانت اكثر درامية لاعادة تشكيل نفسها في الاحياء الجنوبية والغربية من العاصمة، ومن ثم في منطقة الكرمة الواقعة الى الغرب من بغداد.
ويقول: «لقد اضحت هذه الاماكن خطرا على الحكومة. فالقاعدة تحضر نفسها لرحيل الاميركيين. وهم يخططون لتنفيذ ثورة.»
ويؤكد ان نسبة 60 بالمئة من الذين اطلق سراحهم في هذه المناطق يعودون الى القتال. غير ان العقيد محمود من الكرمة يرى هذه النسبة في منطقته تصل الى 90 بالمئة.
ويسكن محمود في قلعة حصينة تحيطها جدران من الاكياس الرملية في الكرمة التي يقود شرطتها. وهو رجل مميز، اذ يقول ان عدد المرات التي تعرض فيها الى محاولة الاغتيال وصلت الى خمس وعشرين. وربما كانت آخر مرة تعرض فيها الى محاولة اغتيال هي الاكثر ابداعا ايضا: فقد ارسل اليه المصحف الشريف وقد اخفيت المتفجرات بين دفتي غلافه الاخضر، مدفونة بين اوراقه. وبعد اقل من اسبوعين، جرى تسميم طبقه من (الدليمية)، وهي خليط من الدجاج ولحم الضأن وقطع من الدهن الحيواني والرز، ما اجبره على النزول في المستشفى لمدة عشرة ايام. وحينما خرج من المستشفى، استهدف بتفجير قنبلتين قرب منزله في الفلوجة.
يقول: «الحمد لله، لم يصب احد بمكروه.»
وقد تم اختطاف احد اخوته، بينما قتل الاخر في تفجير قنبلة في العام الماضي.
يقول محمود: «لم يتسن لنا ان نجمع كليوغراما واحدا من لحمه.»
فتح حقيبته ليستخرج صورتين، احدهما لرأس مقطوع لاحد المفجرين الانتحاريين، وقد ظلت عيناه مفتوحتين، والاخرى لجثة انتحاري وقد افرغت احشاؤه.
يشرف محمد على 3,000 من رجال الصحوة، وهي المجاميع العشائرية التي ساندتها القوات الاميركية، والتي يطلق عليها احيانا تسمية (ابناء العراق) والتي ساعدت في هزيمة تنظيم القاعدة في العراق في المناطق الساخنة . ولكنه يقول ان راتب كل فرد لا يتعدى مبلغ 130 دولاراً في الشهر، «وهو لا يكفي لشراء سجائرهم»، على حد قوله. ومع ذلك، فانهم لم يتسلموا رواتبهم في الأشهر الثلاث الماضية. ويبلغ تعداد القوات الامنية الاخرى في المنطقة 500 فرد فقط، ولكنه يقول ان نصفهم قد فروا من الخدمة.
يقول محمود انه في نفس الوقت يعود المعتقلون من بوكا. وقد القت قواته القبض على 70 من المسجونين السابقين منذ اجراء الانتخابات المحلية في 31 كانون الثاني. ويؤكد ان بعض هؤلاء المعتقلين قد ركزوا جهودهم على محاولة اجتذاب عناصر الصحوة الغاضبين الى جانبهم من جديد. كـُتب على منشور موقع باسم (صحوة الشباب المسلم) ووجد في الكرمة: «نرجوكم ان تعودوا الى ايمانكم، وسوف نستقبلكم بقلوبنا وايادينا المفتوحة. وان لم تعودوا، فسوف نأتيكم برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة.»
احد هؤلاء الرجال الذي اعتقلهم محمود اسمه صلاح خضير.
وقد امضى سبعة أشهر في بوكا بعد ان اكتشف الجنود اربعة الغام في شاحنته. وقد اعيد الى السجن في عام 2008 بعد ان قبض عليه وهو يزرع القنابل التي تستهدف دورية اميركية. وقد اطلق سراحه هذا الشهر. وبعد خمسة ايام اعتقل مرة ثانية، بعد انفجار قنبلة على جانب الطريق، والتي تقول الشرطة انها تحمل بصمته في صنع القنابل.
قال خضير لضابط الشرطة، وهو يهز برأسه: «انا بريء.»
واضاف هذا الشاب النحيف الذي يبلغ 22 عاما من العمر: «انا رجل مسالم.»
اجاب محمود: «انه خبير في زراعة القنابل.»
بعد ان انصرف خضير، سلمنا محمود رسالة يقول فيها ان خضير ارسلها الى اخيه.
وكتب في لغة طفولية وبخط بالكاد يقرأ: «اذا كنت تعتقد اني ساهجر الجهاد، فاني اقول اني قد نذرت نفسي الى الله وبارادته سوف افعل أي شيء.»
وقد وقع الرسالة: «صلاح، قنبلة جانب الطريق.»
غير ان هناك حقيقة واحدة لدى السجناء السابقين من الكرمة واجزاء من بغداد تتمثل في ان الكثير منهم قد اعتقلوا في الوقت الذي كان الوجود الاميركي يعد احتلالاً بما لا يقبل الجدل، وان التمرد ضد الاميركيين كان يحظى بالاسناد. والسؤال ليس فيما اذا كانوا يريدون الانتقام وانما متى سيسعون الى الانتقام.
وفي حي الامين ، لايزال في نفس انور عباس شيء تجاه رجل الشرطة الذي اعتقله.
فهو يعلن قائلا: «اريد ان اقتله. ليس هناك تعويض كاف يدفعه لي بخلاف قتله. انه ليس عراقياً ماذا اعني؟ انه جاسوس، ولا احد يقبل جاسوسا.»
وقد اطلق سراح عباس في الاسبوع الماضي، بعد ان امضى قرابة عامين في بوكا. ولم يستطع ابنه الاكبر، البالغ ثلاثة اعوام من العمر ان يتعرف عليه. يقول: «لا ينفك يسأل امه عني من اكون». اما ابنه الاصغر، واسمه منتظر، فقد ولد بينما كان في السجن.
انكر عباس بادئ الامر انه مقاتل. لكن كاظم سعدي، غمزه بعينه. فما كان من عباس، بعد أن غمرته الثقة مجددا، الا ان يتحدث تملؤه طاقة التحول.
وأضاف عباس: «لم ينته القتال. انها مجرد هدنه مؤقتة.»
وكان المسؤولون الاميركيون قد اعربوا عن قلقهم منذ فترة طويلة من ان سجن بوكا بات مدرسة للمتمردين، وقد حاولوا ان يتخذوا خطوات للتصدي لذلك. لكن عباس يقول انه في القسم الذي كان يشغله من السجن درّس سعدي، وهو رجل دين، فقه القانون والدراسات القرآنية واللغة العربية وحتى الادب.
ويعتقد سعدي انه اجتذب 80 رجلا خلال السنة التي قضاها في بوكا.
ويقول: «افتتحنا، بعون الله، معهدنا في سجن اميركي.»
احد تلامذته، واسمه سيف طعمة كان قد حظي بنصيب من الشهرة عندما ظهرت صورته في مجلة تايم عام 2004. ونشر المقال تحت عنوان: «استعادة الشوارع.» وظهرت في هذا المقال صورة طعمة على رأس مجموعة من رجال الشرطة وهم يقومون بدورية.»
وبعد عامين تعرض للاعتقال بعد ان داهمت دورية مشتركة للقوات الاميركية والعراقية منزله لتعتقل صديقا لاحد اصدقائه كان يزوره. وقد انتهى به المطاف في بوكا لمدة 19 شهرا.
وطعمة هذا هو رجل بدين بلحية مدببة على الذقن وقد بدت خيوط من الشيب فوق أذنيه .يتحدث عن نفسه قائلا: «لم اكن ملتزما من قبل. لم اكن اؤدي الصلاة والصوم. وكنت احب الفتيات. وكنت احب الشراب. اقول ذلك بصراحة. لقد علموني الصلاة وعبادة الله. لو لم يعلموني ذلك، لبقيت اعيش حياة الضلال. انهم اناس طيبون؛ رجال ممتازون.»
ويقول ان عشرين من رفاقه في سجن بوكا شعروا بنفس الشيء.

Wednesday, April 01, 2009

ست سنوات في العراق وثلاث قصص

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

بالنسبة الى السرجنت تود باورز فان الاعوام الست المنصرمة في العراق كانت انجازا وملحمة، جُمعت بافضل ما يكون في حياة رجل واحد، رجل عراقي يعرفه باسمه الاول فقط، مفيد.
كان عام 2005، وكانت الفلوجة، معقل التمرد، في حالة الحرب، حيث تحيل التفجيرات البنايات الى ركام بينما تشق الصواريخ عنان السماء. وفي وسط هذه الفوضى، يقول السرجنت باورز، الذي خدم مرتين في العراق: «جاءنا هذا الرجل العراقي وقال: كيف لي ان اساعدكم؟»

لقد كانت لحظة تأخذ الانفاس بالنسبة الى الوحدة التي خدم فيها باورز. يقول: «لقد كان حقا يمثل ذلك النوع من العلاقة التي تريد ان تبنيها على المستوى المحلي حتى يمكن لك ان تعكس المد.»
بعد ستة اعوام من الغزو الاميركي للعراق، ترمز خبرة باورز الى ما تعلمته اميركا، والى ما قدمه العراق من تضحيات. لقد حصل التقدم في العراق من خلال بناء علاقة تلو الاخرى. هذا الدرس من شأنه ان يغير من الطريقة التي يقاتل بها الجيش الاميركي في افغانستان وما بعدها. لكن (مفيد) قـُتل امام عائلته في وقت لاحق من ذلك العام لتعاونه مع الاميركيين. لقد تعلم باورز درسا هو بمثابة لمحة عن تكلفة الحرب على الشعب العراقي. خبا عمل العنف الاعمى الذي حصد روح (مفيد) والالاف من المدنيين العراقيين. كما انخفضت اعداد القتلى بين صفوف القوات الاميركية على السواء، بحيث باتت في ادنى مستوياتها منذ بداية الغزو عام 2003. وعلى الرغم ان عددا قليلا من الخبراء، ما خلا العراقيين منهم، يتحدثون عن النصر، فان الحكومة العراقية تأخذ بالتدريج مسؤولية اكبر عن شؤون بلدها. وتقدم الانتخابات الوطنية المقررة في نهاية هذا العام وعدا بتحقيق خطوة اخرى نحو الاستقرار والهدوء في العراق، وهو ما لم يشهده العراق منذ عقود عديدة. وهذا ما منح الرئيس اوباما الثقة ليقر خطته بسحب ثلثي القوات الاميركية البالغ عديدها 145,000 عسكري بحلول خريف عام 2010. وقد تم تأخير الانسحاب لغرض توفير اعظم تغطية امنية خلال الانتخابات.
لكن صورة العراق تشوبها ظلال اكثر اذا نظرنا اليها من خلال اعين ثلاثة اميركيين خدموا في العراق وتعرفوا الى البلاد عن قرب: الجندي باورز، وخبير اعادة الاعمار باول هيوز، والناشطة في مجال السلام نار-اوبيد. وفي الذكرى السادسة للغزو، فان وجهة نظرهم الذاتية تشير الى الانجازات مثل التي تحققت في الفلوجة، ولكن تشير ايضا الى الصعوبات التي ما يزال على البلاد ان تواجهها، من صعود تيار اسلامي محافظ، الى سبات التصدع الطائفي والذي قد يعود الى الحياة مع رحيل الاميركيين.
الجندي
كان باورز يعمل متدربا في مكتب النائب عن ولاية اريزونا جيم كولبي في مبنى الكابيتول هيل حينما تلقى بلاغ ارساله الى العراق اوائل عام 2003. وبعد اسبوع تم نقله على متن سفينة متجهة الى الكويت ليشترك في عملية غزو العراق.
وبدأ مسؤول العلاقات المدنية في اول دورة له في العراق بتكوين فكرة عن اهمية الحفاظ على امن المدنيين. لكن باورز لم يبدأ بادراك مدى حيوية العلاقات بين الولايات المتحدة والشعب العراقي في تحقيق الاستقرار للبلاد حتى عاد الى العراق في المرة الثانية، بعد ان درس اللغة العربية وشؤون الشرق الاوسط في جامعة جورج واشنطن، بالعاصمة الاميركية واشنطن. وبينما كان باورز يراقب تعاقب الاحداث، بضمنها تشويه واحراق المتعاقدين الاميركيين الاربعة في الفلوجة علنا عام 2004، وجد نفسه يتساءل: «كيف يمكن ان تسير الامور بهذا السوء؟»
كان هذا في نفس الوقت الذي بدأ المسؤولون الاميركيون، بضمنهم اولئك العاملون في البنتاغون، في مناقشة الحاجة الى طريقة مختلفة في العراق، هذا التفكير الذي قاد الى ما يعرف بـ»زيادة القوات الاميركية القتالية»، والتركيز على الفوز باسناد الشعب المحلي. ولاحت الفرصة لباورز، هذا الرجل النحيل ذو النظرات الثاقبة، في توظيف مبدأ «المدنيين اولا» في غضون خدمته في الفلوجة. يقول انه اختبار صعب، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان هدف المعركة كان التخلص من المتعاطفين مع القاعدة، والذين باتوا يهيمنون على المدينة. ويضيف: «ليس من السهل ان تبني العلاقات التي تنشد النجاح على المدى الطويل حينما يبدو ان كل ما تفعله هو ان تقصف المدينة مرارا وتكرار.»
وربما لم يتمكن من فعل ذلك من دون (مفيد).
يقول باورز انه كان رابطا حيويا لبناء الثقة، وقد ساعد الاميركيين على التواصل مع وجهاء الفلوجة النافذين، والذين ارادوا التحرر من التمرد المتأثر بالقاعدة.
ويضيف قائلا: «لقد ساعدنا في تكوين النقطة الحيوية التي طالما سعينا لتكوينها. ذلك ليس بان تقوم الولايات المتحدة باشياء مثل اعادة بناء الخدمات او تشكيل المجالس المحلية للعراقيين، لكن ان يقوم العراقيون بانفسهم بعمل هذه الاشياء.» سمع باورز تقارير في الفترة الاخيرة ان جنود المارينز في الفلوجة يقومون بدورياتهم من دون ارتداء خوذهم. يعرف من هذا ان عمله، وعمل (مفيد)، قد تكلل بالنجاح. يقول باورز، وهو يعمل حاليا مدير الشؤون الحكومية لقدامى المحاربين الاميركيين في العراق وافغانستان: «مازال امامنا طريق نسلكه، لكن ما بقي من هذا المسار يجب ان يكون اسهل نتيجة ما تعلمناه.» يقول باورز، وهو يستعد لمشاركته الحربية الثالثة، هذه المرة في افغانستان في وقت لاحق من هذا العام، انه سيحمل درسا اساسيا واحدا معه: «التواصل بطريق المصافحة لا برمي النبال، هو الاكثر تأثيرا في الدوام في عمليات مقارعة التمرد.»
خبير اعادة الاعمار
جاء السيد هيوز الى العراق ثماني مرات منذ بدء الغزو. فقد شارك مع الجيش، وشارك كخبير في اعادة الاعمار، واصطحب مجموعة دراسة العراق في رحلة تقصي الحقائق عام 2005. ولكن ما يتذكره هو لحظتان تشيران إلى الفشل الأولى والنجاح اللاحق الذان دمغا الحملة الأميركية في العراق.
اللحظة الأولى تبدأ في حفلة شواء في مقر القوات الأميركية في بغداد أواخر أيار عام 2003، أي بعد نحو عشرة اسابيع من الغزو في 19 آذار. وجاءت الاخبار ان هجوما وقع على عربتين مصفحيتن اميركيتين قد ادى الى مقتل جنديين اميركيين في طريق المطار.
وقد كانت تلك، في عقل هيوز، بداية التمرد. وجاء الحادث بعد خمسة ايام فقط من القرار العليل الذي اصدرته الولايات المتحدة بحل الجيش العراقي. وهو يقول ان الامرين متصلان. فما اعتقده الكثير من المسؤولين الاميركيين خطأَ انه سيكون اسقاطا سريعا لنظام صدام حسين اصبح في الواقع حربا طويلة لا يمكن التنبؤ بها. يقول هيوز، والذي كان في آيار يعمل ببغداد مساعدا لاول مسؤول اداري اميركي بعد الغزو، الجنرال جاي غارنر: «لقد كان ذلك مؤشرا على ما سيأتي.» ولكنه لم يشعر بان التغييرات المهمة في سياسة الولايات المتحدة قد اخذت تؤتي ثمارها الا بعد اربعة اعوام، وذلك في اثناء خدمته في المحمودية، وهي المنطقة التي اطلق عليها تسمية «مثلث الموت» في جنوب غربي بغداد. وقد عانى اللواء الاميركي الذي تم ارساله لتأمين المنطقة خلال الفترة التي شهدت زيادة القوات مصاعب في تحقيق أي تقدم في علاقتها مع السكان المحليين. وكان الجنود يُقتلون ويُختطفون. ولا يعمل القادة المحليون مع نظرائهم. ولكن بعد اشهر عديدة من الجهود المضنية تم التوصل الى خطة للمصالحة. يقول هيوز، الذي يعمل الان مدير برنامج اقدم في المعهد الاميركي للسلام، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن تركز على منع الصراعات واعادة الاعمار بعد الصدامات: «لقد كان ما وقعه قادة المحمودية اساسا هو اتفاق للسلام، وقد اصبحت تعرف بين العراقيين على انها (انموذج المحمودية)». يقول هيوز ان هذه التجربة، وتجارب اخرى مماثلة، قد علمت الاميركيين درسين. الاول مدى قصور التحضيرات التي جهزوها لفترة ما بعد الصراع. والثاني المدى الزمني الضروري لوجودهم في العراق على مدى السنوات القادمة. ويضيف: «أصبحنا نعي تماما هنا، في الولايات المتحدة، عدم جاهزيتنا لظروف ما بعد الصراع.» لكنه يستدرك انه في نفس الوقت «هناك أيضا متطلبات لبقاء الاميركيين في العراق لفترة من الزمن، طالما كان العراقيون يطالبون به ويوافقون عليه.»
ويمضي الى القول: «تتمثل مسؤوليتنا في مساعدتهم على تخطي الصعاب التي تواجههم في بناء مجتمعهم وتحقيق الاستقرار له ونشر العدالة بينه، وفي بناء اقتصاد سوق حر ومفتوح.» لكن ذلك يعني ان على الولايات المتحدة ان تتعلم من خلال هذه العملية بنفس القدر الذي يتعلمه العراقيون، وهي الدروس التي ربما تكون قادرة على تطبيقها في افغانستان واماكن اخرى. كما يأمل هيوز في ان يؤدي تحويل التركيز العسكري عن العراق الى كشف عراق آخر للاميركيين. ويقول: «اتذكر اني كنت اقود السيارة قرب كربلاء (في جنوب العراق) حينما اشار المترجم من خلال النافذة وقال (هذا ضريح النبي اسحاق)، او ما قيل لي عن مكان محتمل لمخبأ دانيل في مدينة بابل الاثرية. هذه المعالم هي ما يود الكثير من الاميركيين ان يشاهدوه، وهو العراق الذي يريدون ان يَخبروه.»
ناشطة السلام
حينما عادت السيدة نار-اوبيد من العراق عام 2004، جلبت معها انباء هزت اميركا والعالم، تمثلت في افادات ادلى بها عراقيون عن اساءات في المعتقل الاميركي في ابو غريب.
تقول السيدة نار-اوبيد، وقد دأبت على البقاء في العراق عدة اشهر من كل عام منذ سنة 2002: «كنت آمل اني مهما سلطت من ضغوطات في العراق، او تحدثت جهارا في وطني حينما اعود اليه، فانها ستساعد على وضع نهاية لإساءة المعاملة التي كنا نسمع عنها.»
وقد دُهشت نار-اوبيد، وهي تعود من جديد الى العراق، لا بالتقدم الحاصل الذي امكنها ان تراه، ولكن بمقدار التحديات التي مازال العراق يواجهها. لقد خفت حدة التوترات الطائفية في العراق عن الفترة التي شهدت اعمال التطهير العرقي والتهجير والفصل. لكن هناك توتر خفي مازال باقِيا. وتقول متحدثة عبر الهاتف والبريد الالكتروني: «هناك انخفاض ملحوظ في اعمال العنف (نتيجة الفصل الجديد بين التجمعات السكانية)، لكن لم يتم تحقيق الا القليل في مضمار المصالحة السياسية او الشخصية.» والشيء الايجابي الوحيد المؤكد الذي ترى نار-اوبيد انه نتج عن ست سنوات من الصراع هو ان صدام حسين لم يعد في السلطة. وهي تقول انها لم تعِ –حقيقة– اهمية هذا الشيء حتى انتقل فريقها، من بغداد الى مدنية السليمانية.
وتضيف: «لا اعتقد اني فهمت عمق وحشية صدام حسين حتى انتقل فريقنا الى المنطقة الكردية في الشمال، وبدأت في التعرف على المآسي التي عاناها العراقيون هناك .»
كما أنها غير متفائلة بالانتخابات المحلية التي اجريت مؤخرا، على عكس تفاؤل الكثيرين غيرها. وتقول، وهي تشير الى قضايا عدد كبير من العراقيين الذين حرموا من حق التصويت بسبب امور تقنية او عدم اهلية جميع المهجرين للتصويت.
وعلى الرغم من رؤية نار-اوبيد غير المشجعة للوجود الاميركي هنا، فانها تقول ان السنوات الست الاميركية في العراق قد اوصلتها الى الاستنتاج ان للولايات المتحدة دور دولي مهم تعلبه، اذا غيرت اميركا طريقتها في التعامل مع العالم.
وتقول: «نحن الاميركيين لدينا الكثير من الموارد والمواهب، اذا كان لها ان تستخدم في مصلحة العالم، لا ان تستخدم في مصلحة القوة العظمى.» وبطريقة ما، فان رؤيتها لا تختلف كثيرا عن ما رآه باورز في شوارع الفلوجة. هذه الخبرات انصهرت مع بعضها لتصب في انموذج مقارعة التمرد الذي طبقه الجنرال ديفد بترايوس، مؤكدا على طريقة «امن الشعب اولا». وكانت الفكرة من ذلك ان يتم الحصول على ثقة الناس المدنيين، وطريقة بناء الامة استنادا الى العمل، وهما درسان يفترض ان تكون الولايات المتحدة قد استوعبتهما من سنواتها في العراق. وتقول نار-اوبيد، مشيرة الى تجربتها الشخصية، ان العراقيين ينتظرون ان تمد اليهم يد المساعدة لبناء السلام واعادة التواصل مع العالم. وتضيف: «هذا الشعب الذي تعرض الى الازدراء والعزل من قبل المجتمع الدولي لفترة طويلة اصبح لديهم من يمد لهم يد الصداقة من الغرب. ارى رد الفعل في اعينهم، انها لهدية استطيع، بصفتي الفردية، ان اقدمها لهم هنا.»