عن: جريدة ماكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
يأتي كل يوم سائق سيارة حوضية مملوءة بالماء الى قرية (نشأت الكماملة) في جنوب العراق، وفي كل يوم يصطف الناس لملء اوانيهم واوعيتهم بالماء.
يقول الكمامله: «الماء الذي نشتريه من السيارة الحوضية ليس نظيفا. يمكن رؤية العوالق الترابية فيه. لكننا نشربه على اي حال». لقد انخفض العنف في العراق بشكل كبير في الاشهر الاخيرة، لكن القتال من اجل حياة افضل قد بدأ للتو. فالعراق بحاجة الى اصلاح الكثير الخدمات، من الكهرباء الى العناية الصحية، ومن التربية الى الاقتصاد، لكن من بين اكثر الخدمات اهمية تبرز قضية توفير الماء الصالح للشرب. تقول بشرى جبار الكناني، وهي عضوة في البرلمان العراقي، وعضو في لجنة الخدمات والاشغال العامة: «يمكن وصف حال الماء في العراق بانه في ازمة. نحن نرى العواقب في صحة اناسنا، وهم في حال سيئة جدا».
هناك العديد من الامراض التي تنتقل عن طريق الماء مثل الكوليرا والتيفوئيد. فالكوليرا التي انتشرت الصيف المنصرم قد اصابت المئات في محافظتي بغداد وبابل. ويعد الاسهال من بين الاسباب الرئيسة لمرض الاطفال الشديد وحتى وفاتهم في العراق، حسب تقارير منظمة الهلال الاحمر، وهي وكالة اغاثة غير نفعية.
يقول جليل الشمري، احد الاطباء في دائرة صحة بغداد: «اينما يغيب الماء النظيف، تتواجد الامراض. نحن نرى اعدادا ثابتة من الناس لايزالون يعانون من الامراض بسبب مشاكل الماء».
لا يوجد لدى أي فرد من سكان قرية نشأت الكمامله، تلك القرية التي تبعد 200 ميل (320 كم) جنوب بغداد، حنفية للماء الصالح للشرب. بل ان الجميع كانوا يشربون من نهر الفرات حتى جاء رجل مستثمر بسيارته الحوضية قبل عامين. ومازال معظم الناس في القرية يستعملون ماء النهر في الاغتسال وغسل ملابسهم، كما ان بعضهم مازال يشرب منه.
يقول الكمامله، وهو ايضا عاطل عن العمل: «سمعت ان ذلك خطر، لكني لم اصب باي مرض نتيجة الماء حتى الان، لذلك اعتقد انه لا بأس به».
وبرغم ان التقديرات متغايرة، الا ان معظمها تتفق على ان قرابة نصف الشعب العراقي ليس لديه وسيلة للحصول على الماء الصالح للشرب. وقد توصلت دراسة اجريت في شهر آب الماضي على مستوى البلاد، واستطلعت آراء 8700 شخص، الى ان 58 بالمئة منهم لا يستطيعون الحصول على الماء النظيف، لبعض الوقت على الاقل، حسب تقرير وزارة الدفاع الاميركية.
وبالنسبة للباقين، فان كل رشفة من الماء هي بمثابة مقامرة.
وحسب احصائية اللجنة الدولية للصليب الاحمر فان حوالي 40 بالمائة من البيوت في العراق لا تتوافر على ماء يجري في الحنفيات.
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، فان نسبة كبيرة من الشعب العراقي كانت تفتقر الى الماء الصالح للشرب. فقد القت حرب الخليج عام 1991 والعقوبات التي تلتها بظلالها على قدرة البلد على توفير الماء الصالح للشرب والتعامل مع المجاري بشكل مناسب. ثم جاءت اعمال العنف والسلب والنهب واسعة النطاق التي رافقت سقوط نظام الطاغية صدام حسين لتزيد المشكلة سوءا.تضطر بعض العائلات التي لا يتوافر لديها ماء من الحنفية الى شرائه من المخازن او السيارات الحوضية، لكن هناك آخرين فقراء للحد الذي لا يجدون مفرا من استعمال ماء النهر او القنوات والابار، والتي تكون في العادة ملوثة الى حد كبير.
وحتى الذين يوجد لديهم ماء حنفية، فلا يجري فيها الماء كل الوقت بالضرورة، كما ان نقاءه محل تساؤل.
تقول الكناني: «بامكان الناس ببساطة شم رائحة الماء ومعرفة ما اذا كان سيئا. اسمع ذلك في كل الاوقات. وفي كثير من الاحيان يفتحون حنفياتهم، ولكن ليس هناك من ماء فيها».
يقول حيدر حسين، وهو يبلغ 35 عاما من العمر وله ولدان، انه نادرا ما يتوافر على الماء في بيته الكائن في مدينة الصدر. ويضيف قائلا: «خصوصا في الصباح، حيث تفتح حنفية المغسلة ولكن لا يخرج منها شيء. واذا خرج منها شيء فان رائحته تشبه رائحة المجاري... اخشى ان اعطي هذا الماء الى اولادي، لكننا لا نستطيع تحمل تكلفة الماء المعلب كل يوم».
تقول دوروثيا كريميتساس، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر، والتي تعمل على تحسين خدمات الماء النظيف في العراق، ان محطات تنقية المياه في بغداد والمحافظات الاخرى تستخدم وسائل غير متوافقة وعادة غير فعالة.
تقول كريميتساس: «يعود ذلك في بعض الاحيان الى الافتقار الى الخبرة لدى العاملين في هذه المحطات، وفي احيان اخرى يكون النقص في المواد الكيمياوية والتجهيرات هو المسبب. ولكن مهما يكن السبب فنحن نعلم ان هناك خطوات ضمن عملية التنقية قد تم تخطيها».
غير انها تقول ان هناك مشكلة اكبر تتمثل في تلوث الماء بعد ان يغادر محطات التنقية. فقد تضررت بعض الانابيب في مختلف ارجاء العراق بفعل الحرب. بينما ترك البعض الاخر لسنوات طويلة من دون صيانة. ان هذا الامر يشكل خطورة بشكل خاص في تلك المناطق من العراق الفقيرة ، علاوة على ذلك، الى خطوط المجاري العاملة.
وتمضي كريميتساس الى القول: «حينما تجري المجاري حرفيا على حافة الطريق، وتكون انابيب ماء الشرب مخربة، فمن السهولة تصور كيف ينتهي الامر بامتزاج كل منهما مع الاخر».
لا يسمح مسلم خلف، معلم اللغة الانكليزية البالغ من العمر 38 عاما لاولاده الاربعة ان يشربوا من ماء الصنبور. يقوم بدلا من ذلك بالذهاب بسيارته مرتين او ثلاث مرات يوميا الى متجر قريب لملء قناني الماء الفارغة.
يقول خلف: «نحن نعلم ان الانابيب كلها مكسورة، نحن محظوظون لاننا نستطيع شراء شيء اكثر امانا».
تعمل منظمات الاغاثة الدولية، والولايات المتحدة والحكومة العراقية على تحسين خدمات الماء الصالح للشرب. فقد انفقت الولايات المتحدة مبلغ 2,4 مليار دولار على مشاريع الماء منذ عام 2003، حسبما يشير تقرير مكتب المفتش العام المختص في شؤون اعادة اعمار العراق.
يقول بوردو، احد ضباط الفيالق الاميركية، ان معظم هذه الاموال قد تم انفاقها على بناء واصلاح شبكات الانابيب، ومحطات التصفية، ومحطات ضخ ومعالجة المجاري. كما اطلقت الولايات المتحدة برامج لتدريب مشغلي المحطات وتطوير قدرة الحكومة العراقية على ادارة مشاريع الماء.
ويضيف: «قد قطعنا شوطا بعيدا بالتأكيد. فالملايين من الناس هنا اصبحوا يتوافرون على الماء الصالح للشرب، بعد ان كانوا محرومين منه».
لكن لايزال الطريق طويلا ايضا.
تشير معظم التقديرات الى ان الكلفة الاجمالية لتوفير الماء النظيف في عموم العراق تزيد على 10 مليارات دولار، وان هذا الرقم يتزايد كلما استهدف المتمردون انابيب الماء ومحطات التصفية والمنشآت الاخرى. فقد تسببت قنبلة منزلية الصنع زرعت في منطقة الاعظمية هذا الاسبوع في قطع خدمات الماء عن مئات الالاف من الناس، حسبما افاد الجيش الاميركي.
تقول المشرعة العراقية، الكناني، ان الفساد وقلة الخبرة في الوزارات العراقية يعيقان احراز تقدم في هذا المجال.
وتمضي الى القول: «انهم لا يتفهمون خطورة المشكلة لانهم لا يخرجون للقاء الناس واستطلاع معاناتهم. ذلك من سوء الحظ، لان المعاناة في كل مكان».