Tuesday, November 18, 2008

التفجيرات الأخيرة تظهر هشاشة المكاسب الامنية في العراق

عن واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

اغلق حاجز كونكريتي بارتفاع ثلاثة اقدام (اقل من متر)، على مدى عدة سنوات،الشارع القريب من مطعم عماد كريم الكائن في المقاطعة الشمالية، وذلك للحماية من السيارات المفخخة التي ضربت مدينة بغداد. وتقوم الجدران بالتعريف بالكثير من تاريخ المدينة، فهي عبارة عن صفائح من الكونكريت بنيت من قبل الاميركيين او السكان المحليين، حولت المناطق السكنية الى متاهات كان الهدف منها ايقاف المهاجمين الغاضبين. وفي الفترة الاخيرة، حينما تحسن الوضع الامني، قام احدهم بازاحة بعض الجدران قرب مطعم كريم ابو وائل. ولم ينتبه اي شخص حينما قاد احدهم سيارته نوع فولكسفاغن باسات (برازيلي) من خلال هذه الفتحة ثم اوقفها بجانب الرصيف.
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، انفجرت العبوة المحلية الصنع الموضوعة في صندوق السيارة لحظة مرور حافلة صغيرة تحمل 20 شخصا بالقرب منها، وحيث يزدحم الشارع في الجهة الاخرى من الحاجز، حسبما يقول شهود العيان والضباط الاميركيون. وما لبثت النيران ان التهمت جميع الحافلة. وبعد دقائق، انفجرت قنبلتان مزروعتان على جانب الطريق بالقرب من السيارة المفخخة، مرسلة قطعاً هائلة من الزجاج نحو رواد مطعم ابو وائل ومطعم اخر بالقرب منه، ومحطمة سقوفها المصنوعة من الصفيح المضلع، كما يؤكد شهود العيان.
وقال اللواء محمد العسكري، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع، ان 28 شخصا استشهدوا في هذا التفجير بينما اصيب 50 آخرون بجراح، وذلك في حديثه لقناة العربية الفضائية. لكن الجيش الاميركي يقول ان العدد الكلي للقتلى يقل كثيرا عن هذا الرقم، حيث يبلغ خمسة قتلى فقط.
يقول كريم بتعاسة، وهو يقف امام واجهة مطعمه وسط النوفذ المعدنية المهشمة والحطام المتناثر: «ليس هناك من أمن. نحن نسمع عن الأمن من خلال التلفزيون فحسب».
يقول الجيش الاميركي ان التفجيرات الاخيرة في بغداد لم تقدح موجة اكبر: فالعنف قد انفخض بشكل ملحمي خلال السنة الماضية. هناك نحو اربع هجمات في اليوم على العاصمة، مقارنة بـ 24 هجمة يوميا في شهر كانون الاول الماضي، كما تشير المصادر العسكرية.
يقول البريغادير جنرال وليم كريمسلي، من الفرقة الرابعة مشاة، وهو ايضا نائب القائد العام للقوات الاميركية في منطقة بغداد: «تميل هذه الاعمال الى الانحسار مع الزمن».
غير ان تفجيرات الاثنين تظهر ان المكاسب الأمنية لاتزال هشة. وهي دلالة على انه قد يمضي وقت طويل قبل ان تهدم الحواجز الأمنية في بغداد نهائيا.
وكان بناء هذه الحواجز قد بدأ مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. فقد انشأ الجيش الاميركي جدرانا مقاومة للتفجير بارتفاع 12 قدما (3,6 متر)، ويبلغ وزن الواحدة منها ستة اطنان، لحماية قواعدهم ومواقعهم الحساسة. ورويدا بدأت هذه الحواجز باغلاق الطرق قرب البنايات الحكومية، والمساجد، ومراكز الشرطة، والجامعات.
كما قام السكان المحليون في الاحياء السكنية باغلاق الطرق بانفسهم، باستخدام براميل النفط، واطارات السيارات، وقطع الكونكريت، وحتى جذوع النخيل، لتحديد الدخول الى هذه المناطق. وفي عام 2007، قام الجيش الاميركي باحاطة مجمل الاحياء السكنية كجزء من حملتهم ضد التمرد، ما اعطاهم سيطرة حازمة على حركة الدخول والخروج.
ويقر الجيش الاميركي بالدور الكبير الذي لعبته هذه الجدران في تقليل العنف.
يقول الكابتن بريت ووكر، من الكتيبة الثانية، التابعة للفرقة الرابعة/ اللواء الرابع مشاة، وذلك اثناء حديثه لوسائل الاعلام عن جهود نصب الجدران الكونكريتية: «لا يمكنك اساءة التصرف في احد الاحياء السكنية ثم الفرار ببساطة الى حي سكني آخر». ولا يستطيع المفجرون ان يقتربوا من الكثير من المناطق المزدحمة، مثل الاسواق والمساجد، حيث احدثوا دمارا في الماضي.
وقد بدأ الجيش في الفترة الاخيرة بازالة الحواجز في المناطق التي كانت ذات مرة خطرة في بغداد، كجزء من جهود المصالحة الوطنية التي تعمل على تشجيعها بين مختلف المناطق السكنية.
يقول ووكر ان الرسالة الى الاهالي كانت واضحة: «فالرجوع الى الوضع الطبيعي هو في متناول اليد، بارادتهم وتعاونهم.»
ولكن لم تكن هناك اشارة الى ان الوضع كان طبيعيا يوم الاثنين في منطقة الكسرة شمالي بغداد، وبعد مضي عدة ساعات من التفجير كان كريم، صاحب المطعم ذو الثمانية والثلاثين عاما، متوترا وغاضبا بينما كان يلتقط قطعا من الحطام.
وهو يقول ان اغلب الضحايا كانوا من بين ركاب الحافلة الصغيرة، ومن بينهم ثلاثة اطفال. مضيفا ان عصف الانفجار ادى الى تحطيم النوافذ وتساقط قطع من سقف المطعم على رواده بينما كانوا يتناولون طعام الافطار، مسببا مقتل اثنين من الزبائن واحد العمال.
وصل الكولونيل جون هورت، قائد الكتيبة المقاتلة الثالثة، من وحدات اللواء الرابع، الى موقع الانفجار بعد حدوثه، وتوعد باعتقال المسؤولين عنه. وكان لديه اقتراح آخر كذلك: اضافة المزيد من الجدران الحاجزة في هذه المنطقة.
وقد وصف هورت، في بيان لاحق، التفجير بانه «عمل ارهابي شرير وجبان». واوضح الجيش الاميركي في بيان صحفي ان تنظيم القاعدة في العراق مسؤولة على الارجح عن هذا الفعل الشنيع.
وكانت القوات الاميركية قد استهدفت شبكات التفجير بضراوة. وحسب بيان صادر عن الجيش الاميركي، فقد تم في يوم الاثنين اعتقال الرجل الذي يزعم انه اشترك في تفجير السوق بجنوبي بغداد الذي حدث في 12 تشرين الاول الذي ادى الى مقتل خمسة اشخاص في الاقل.
وجاء في البيان ان هذا الرجل هو احد اعضاء تنظيم القاعدة في العراق وتم اعتقاله في منزل بغربي بغداد، حيث عثر الجنود على كمية كبيرة من صواعق التفجير واغطية العبوات الناسفة.
وفي مدينة بعقوبة، قامت امرأة انتحارية، في اليوم نفسه ايضا، بتفجير نفسها بالقرب من نقطة تفتيش في سوق المدينة تسيطير عليها قوات حراسة الاحياء التي تدعمها القوات الاميركية، وتسمى ايضا (ابناء العراق)، حسبما افادت مصادر الشرطة.
وصرح العقيد راغب العميري، المتحدث الرسمي باسم شرطة المحافظة، بان اربعة اشخاص قتلوا في هذا الهجوم، من بينهم قائد محلي لقوة ابناء العراق. وكان من بين الجرحى الخمسة عشر، صبي في الثالثة عشرة من عمره.
يقول فيصل الشمري، احد الحراس ضمن قوة ابناء العراق، ويبلغ 33 عاما من العمر ان امرأة سارت باتجاه القائد احمد العزاوي. ويضيف: «كانت تتظاهر بانها تطلب المساعدة، وفي لحظات فجرت نفسها وقتلت قائدنا».