Tuesday, December 23, 2008

الفلاحون العراقيون يعودون إلى مزاولة الزراعة

عن: جريدة مكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة

يعطي مزيج (منصور عبد الكاظم) من المحاصيل الشتوية الانطباع بان المحصول سيكون وفيرا، برغم التهديد المزدوج من الجفاف والعنف اللذين ابتليت بهما الزراعة منذ سقوط نظام صدام في عام 2003. زرعت خطوط من البطاطا الحمراء والبقول الخضر معاً على نفس الخط، وتشرئب الحنطة في حقل مجاور، بينما تحمل الطماطة التي زرعت في الربيع ثمارها وسط اكوام من الاسمدة. يبدو كاظم متفائلا وهو يتطلع الى الحقول، وذلك –في اقل تقدير– لان الايام التي كانت الحكومة تلزم المزارعين فيها بانتاج الحنطة قد ولت. وهو يعتقد ان هذا سوف يعطيه فرصاً اكبر لربح اموال اضافية عن طريق بيع منتجات ذات قيمة اكثر.
يقول عبد الكاظم، البالغ من العمر 37 عاما، والذي دأبت عائلته على زراعة هذه الارض الواقعة جنوبي بغداد منذ عقود: «لست مقيدا باية شروط حكومية. انا حر في استثمار الارض بالطريقة التي اراها.»
وقد افاد كاظم من انخفاض العنف لكي يعمل على تأهيل القنوات البالية وتحسين انتاج مزرعته، كعضو في جميعة فلاحية تضم 700 عضو. وهو يمثل نزعة يأمل الكثيرون ان تزداد في انحاء البلاد، من اجل توفير فرص العمل واعادة الوضع التاريخي للعراق كونه سلة الخبز لعموم منطقة الشرق الاوسط.
وكما يتبين من مزرعة عبد الكاظم في محافظة بابل، التي كانت منذ وقت قريب جزءا مما يعرف بـ(مثلث الموت)، فانها يمكن ان توفر نوعا من (صحن السَلَطة) للعراق اذا استمر السلام واستطاع المزارعون ان يستثمروا اراضيهم.
يقول باتريك برويلز، المستشار في وزراة الزراعة الاميركية، والذي يعمل في المنطقة المحيطة بمزرعة عبد الكاظم: «يمكنهم ان يحولوا محافظة بابل الى مركز زراعي مثل وادي فريسنو (في ولاية كاليفورنيا)».
لكن مجموعة من الخبراء الاميركيين الذين عملوا في البلاد منذ عام 2003 يقولون ان هذه الرؤية لن تحقق قبل عقد آخر من الزمن في احسن الاحوال. وهم يعملون على دعم القطاع الزراعي في العراق لان دوره حيوي في خلق فرص العمل، حيث يوفر هذا القطاع ما مقداره ربع عدد الوظائف في العراق.
وتتمتع البلاد بخيرات عدة، منها ظروف الزراعة الملائمة على مدى عشرة اشهر، والارض الخصبة، ونهران وفرا احتياجات الري في العراق على مدى الالاف من الاعوام: دجلة والفرات.
يقول جوزيف كينغ، مدير مشروع ابحاث الزراعة في العراق، والذي تولاه معهد بورلانغ للزراعة العالمية، التابع لجامعة تكساس: « النظام الاساسي للزراعة موجود هناك ، غير انه في حالة من التخبط.»
ان اكبر العراقيل الرئيسة التي يمكن ان تبقي العراق مستوردا لغذائه في المستقبل المنظورهي:
- النقص في الطاقة الكهربائية والوقود، وهو ما يمنع المزارعين من ضخ الماء من الابار.
- عدم كفاءة نظام توصيل الماء من دجلة والفرات الى المزارع. فمزرعة عبد الكاظم تمر بها قناة كبيرة حفرت من قبل البريطانيين في الثلاثينيات، إضافة الى قناة ثانية بوضعية مزرية حفرت قبل 30 عاما من قبل شركة تركية. ويقول عبد الكاظم ان كلا منهما بحاجة الى صيانة مستمرة.
- نضوب موارد البذور والماشية، والتي ابتليت اولا بالحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات ومن ثم بالعقوبات التي فرضتها الامم المتحدة عقب غزو العراق للكويت عام 1990، ودامت على مدى العقد التالي. يقول برويلز: «في الاساس، فان كل محصول ينتج في العراق كان هناك نوع آخر افضل منه يمكن استنباته».
- عدم كفاءة نظام البزل في الكثير من الحقول الزراعية والذي ادى الى ازدياد الملوحة في الارض الزراعية مع الزمن محيلا اياها الى ارض بور.
- النقص في عدد عناصر حماية الحدود المطلوبين لمنع المنتجات السورية او الايرانية او التركية من غزو الاسواق العراقية وتعريض المحاصيل العراقية الى الخطر.
ان هذه التحديات هي من الشدة بمكان بحيث ان المسؤولين الاميركيين والعراقيين يعملون على التعامل مع كل منها على حدة بدلا من توليها كلها مرة واحدة.
يقول ادوين بريس، مدير معهد بورلانغ: «لن نستطيع ان نغير ذلك في ستة اشهر. لن نستيطع ان نغير ذلك في ثلاث سنوات.»
درس الفريق من معهد بريس وضع الزراعة في المحافظات العراقية على مدى العام الماضي، واعطوا توصيات مفصلة لكل منها.تركز هذه التوصيات على ارشاد الفلاحين بدلا من الدعوة الى تغييرات فورية في الطريقة التي يدير فيها العراقيون قطاعهم الزراعي. احد المشاريع التي اطلقتها هو ما يسمى بنوادي الشباب في جنوب محافظة بابل، حيث يعمل الطلاب مع بعضهم بعضا في تربية الدواجن.
ولدى وزارة الخارجية ستراتيجية مماثلة. فهي تستثمر في برنامج الارشاد الزراعي العراقي لنشر المعرفة حول آخر التقنيات الزراعية.يقول احد المسؤولين في السفارة الاميركية، طلب عدم ذكر اسمه: «الدليل بالنسبة لي يكون حينما يكون الجميع سعداء في ايراداتهم من الزراعة. فالهدف، آخر الامر، يكمن في توفير المردود الكافي للناس حتى لا يطلقوا النار على بعضهم بعضاً، او علينا.»
يلاحظ بريس ان هناك طلباً اقليمياً على منتجات عراقية بعينها، مثل التمور والباذنجان والخيار والباميا. وقد شجع المزارعين على التركيز على هذه المحاصيل، والتي يمكن لها ان تحقق ايرادات اكبر لهم، وتستهلك قدرا اقل من الماء، من محاصيل الحبوب. كما تعتبر تربية الاغنام العراقية ضعيفة ايضا.
وللعراقيين تقدير خاص للمحاصيل المنتجة محليا. فالكثير من العراقيين يعتقدون ان منتجاتهم، ببساطة، لها طعم افضل من تلك التي تستورد من سوريا وايران.
يقول فؤاد حسين، وهو رجل يعمل مع برويلز في عقد مع مكتب وزارة الخارجية الاميركية في محافظة بابل: «ان نوعية المنتجات الزراعية (العراقية) هي الافضل في منطقة الشرق الاوسط باسرها.»
لكن من الصعب العثور على المنتجات العراقية في اسواق الخضراوات والفواكه التي تملأ شوراع بغداد. فالعديد من اصناف الرمان والنارنج والقرنبيط والطماطة والخيار والباذنجان المتوفرة في الاسواق تأتي من سوريا، حسبما يقول الباعة.
يقول قصي عباس احمد، البالغ 30 عاما من العمر وهو بائع جملة في مدينة ابو غريب غرب بغداد: «ان اول سؤال يطرحه باعة المفرد، في كل مرة يأتون للتسوق من عندنا، هو: هل لديكم اية منتجات محلية؟ وبعد ان نجيب بالنفي، يبدأون في تفحص المنتجات الاخرى. انهم يفضلونها لان المنتجات العراقية ذات طعم افضل، وهي طرية اكثر، ولكي اخبرك بالحقيقة، فان أي شخص يتمتع بأكل المحاصيل التي تنتجها بلاده.»
يقول باعة الجملة انهم غير قادرين على الحصول على المحاصيل من المزارعين العراقيين، والذين يقولون انهم تأثروا بشكل كبير بنقص الطاقة الكهربائية. وهم يقولون انه كان من الايسر الحصول على المحاصيل العراقية اثناء فترة العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة، لانه لم يسمح الا لعدد قليل من البضائع ان تعبر الحدود.
بائع جملة آخر في ابو غريب، واسمه جاسم ويكنى (ابو اثير) ويبلغ 42 عاما من العمر، ولديه بستان للفواكه في محافظة ديالى شرق بغداد، يقول ان على وزارة الزراعة العراقية اعادة العمل بنظام الدعم للوقود والاسمدة لمساعدة الفلاحين، والوصول الى مستوى ما قبل الحرب. لكن هذه المساعدات يجب ان تكون بدرجة اقل.
ويضيف قائلا: «الان لا يوجد أي دعم، لا بذور ولا اسمدة. ان اراد الفلاح ان يشتري ما يحتاجه من السوق فان اسعار منتجاته ستكون اغلى من مثيلاتها المستوردة.»
على ان العنف الطائفي الدموي لم يكن مُعينا هو الاخر. فلم يكن ممكنا الوصول الى محال البيع بالجملة في ابو غريب طوال عامي 2006 و2007 بسبب غلق الطرقات، كما يقول الباعة.
وعانت محافظة عبد الكاظم كثيرا خلال هذه الفترة ايضا. فالمتمردون هددوا بقتل والديه ان لم يغادر ارضه.
واتخذت خلايا من تنظيم القاعدة في العراق مواقع لها على طول قناة الري الرئيسة مهددة كل من يحاول اصلاح التسربات فيها. وقام كاظم واخرون بالعمل مع العشائر والجيش الاميركي للتخلص من هذه الخلايا.
ان ازدهار القطاع الزراعي قد يكون هو العامل الاساس في منع هذه الخلايا من العودة، كما يؤكد صباح، وهو رئيس اللجنة الزراعية في مجلس القضاء التابع الى محافظة بابل. وقد حضر الاحتفال الذي اقيم هذا الاسبوع لمناسبة افتتاح (علوة الفرات الاوسط) وهو مشروع بقيمة 3,2 مليون دولار، تم تمويله من قبل الولايات المتحدة ويتوقع ان يسهل على مزارعي بابل ان يسوقوا منتجاتهم.
يقول صباح: «نأمل ان ننفذ هذا (المشروع) ونحمل الناس على العمل هنا من اجل استقرار الوضع الامني.»