Thursday, January 29, 2009

الحملات الانتخابية في العراق.. ملصقات وقمصان ودعايات على الهواء

عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

وقف ثلاثة عشر مرشحا يتنافسون للحصول على مقاعد في مجلس محافظة بغداد امام جمهور متشكك، واحيانا غير ودي، وتحدثوا عبر مكبر الصوت لمدة ثلاث ساعات في اجتماع جماهيري محلي، حيث بدأ الناخبون ينهالون عليهم بالاسئلة ويتحدونهم في الاجابة عليها.
سألت احدى النسوة الجالسات في الصف الاول: «هل سوف تستمر عسكرة العراق؟»
وسأل رجل: «كيف ستتعاملون مع الابنية الخربة؟ وازمة السكن؟»
وطالب صحفي عراقي: «كم انفقتم على حملاتكم الانتخابية؟ خصوصا الاحزاب الدينية الكبيرة؟»
في مناسبات مثل هذه، تعقد في نادٍ اجتماعي في بغداد، يتنافس السياسيون العراقيون للحصول على مقاعد في الانتخابات المحلية المقررة في 31 كانون الاول، ويخوضون حملات نشيطة من اجل الحصول على دعم الناخبين سواء في القضايا الكبرى، او حتى في ابسط الامور.
تمثل هذه الطريقة في التواصل السياسي المفصل تحولا كبيرا عن الحملات التي اجريت عام 2005، وهي المرة الاخيرة التي اجريت فيها الانتخابات في العراق على نطاق البلاد باجمعها. ونتيجة لتصاعد العنف في ذلك الوقت قام المرشحون باخفاء وجوههم والانضواء تحت مظلات الاحزاب الكبرى المعرّفة بالطائفة او الدين.
يتنافس اكثر من 14,000 مرشح للحصول على مكانهم بين الـ440 مقعد المخصصة لاربعة عشر من المحافظات العراقية الثماني عشرة. بعض المرشحين يخوض الحملات الانتخابية كمرشح مستقل، لكن اغلبيتهم منضوية تحت لواء احدى الكتل السياسية، المعروفة هنا بـ(القائمة)، والتي يبلغ عددها اربعمائة قائمة، يمثل70 بالمئة منها قوائم جديدة.
الجدارن الكونكريتية التي قسّمت وحَمَت العراقيين في السنوات الاخيرة، والمنتشرة في عموم البلاد، تحمل ملصقات سياسية. تمتلئ الجرائد بالدعايات الانتخابية، وهو حال الاذاعة والتلفزيون ايضا. كما تظهر صور المرشحين وشعاراتهم على قمصان النصف كم والبالونات الهوائية.
قامت الاحزاب التي حصلت على اغلبية الاصوات عام 2005 بتعيين اعضاء المجلس. أما في هذه المرة، فان الانتخابات المفتوحة تتيح للناخبين ان يختاروا مرشحين بعينهم من بين الاحزاب. يقول ستيفان ديمستورا، مبعوث الامم المتحدة الخاص الى العراق: «سوف يكون المرشحون مسؤولين، كافراد، امام الناخبين عما سيحصل على الارض.»
جاء حسين الطحان، وهو مرشح لمجلس محافظة بغداد، بفكرة مبتكرة لاجتذاب الناخبين: فقد قام بطبع صورته على منطاد على شكل بيضوي، يشبه الى حد كبير تلك التي يستخدمها الجيش الاميركي في عموم البلاد للمراقبة.
اما صابر العيساوي، وهو رئيس مجلس محافظة بغداد الحالي، والذي يسعى الى اعادة انتخابه، فقد وزع ملصقا يحمل صورته وهو يتطلع الى الاعلى، بينما تظهر الى جنب أحد المرشحين صورة طفل يشرب ماء ملوثا من انبوب مكسور.
سوف تقدم المنافسة في انتخابات مجالس المحافظات، وكذلك الانتخابات النيابية المتوقعة في نهاية هذه السنة، لمحة جديدة عن توزيع السلطة بين الاحزاب العراقية، التي لجأ بعضهم الى العنف في الماضي في سعيها للوصول الى السلطة.
ومن بين القضايا التي زُجت في الحملات الانتخابية مسألة صلاحيات الحكومتين المركزية والمحلية
وبينما خاضت الاحزاب الشيعية انتخابات عام 2005 في قائمة مشتركة، فانها تتنافس مع بعضها بعضاً هذه المرة في المحافظات الجنوبية ذات الاغلبية الشيعية. وفي ذات الوقت، يحاول زعماء العشائر ان يلعبوا دور صانعي السلطة في الجنوب وفي اماكن اخرى من البلاد.
يتوقع ان يستحوذ العرب السنة، الذين قاطع الكثير منهم انتخابات عام 2005، على قاعدة سياسية في مختلف انحاء البلاد هذا العام. وتتنافس الاحزاب الدينية الراسخة في محافظة الانبار، ذات الاغلبية السنية والواقعة غرب بغداد، مع الاحزاب العلمانية، بضمنها تلك التي شكلها الطامحون إلى تولي المناصب القيادية،
وفي شمال العراق، في محافظة نينوى تحديدا، يتصاعد الشد السياسي لكن صورة الانتخابات تشوهت بمقتل مرشحين في الاقل، إضافة الى الجدل حول دور النساء واساليب الدعاية الانتخابية.
وقد تعرضت المرشحات في الميناء الجنوبي، البصرة، وفي مدينة الفلوجة بمحافظة الانبار، الى الازدراء نتيجة استخدامهن صورهن على الملصقات، وفي منشورات الحملات الانتخابية.
يقول جبار حسين العلواني، وهو شيخ عشيرة من الفلوجة، انه قد فزع للعدد الهائل من المرشحات النساء اللائي استخدمن صورهن في الدعاية الانتخابية.
مضيفا : «ليس لدينا مشكلة مع النساء اللواتي يسعين الى انتخابهن. لكن يجب عليهن الا ينشرن صورهن. هذا غير مقبول. يمكن لهن نشر اسمائهن فقط.»
تقول سهى جاسم محمد، وهي مرشحة لمجلس محافظة الانبار، انها منزعجة للضجة حول هذا الموضوع. وقد امضت السيدة سهى، وهي مديرة مدرسة، الاسبوع الماضي في توزيع منشورات انيقة الطبع تحمل صورتها. وتقول ان العنف الذي كان مستشريا في البلاد قد دفع النساء الى التصدي للمناصب القيادية، وجزء من ذلك يعود الى ان العديد منهن قد اصبحن ارامل.
وتضيف: «تعهدت النسوة بالخروج للعمل. تود النساء ان تشارك في الانتخابات.»
يبلغ عدد النساء المرشحات زهاء 30 بالمئة من عدد المرشحين الـ 14,431 المتنافسين في الانتخابات. وحسب نظام الكوتا، فان على الاحزاب التي تحصل على اكثر من مقعد واحد ان تعيّن امرأة واحدة لكل ثلاثة مقاعد تشغلها في المجلس.
وحتى هذا الوقت، لا يبدو ان النزاعات والمجادلات في الحملات الانتخابية سوف تؤدي الى تخريب التصويت في اية محافظة.
منذ ان اقر البرلمان العراقي قانون الانتخابات في اواخر العام الماضي، حضّر العراقيون والمسؤولون الاميركيون انفسهم لموسم سياسي دامٍ. لكن مستوى العنف، والذي انخفض بشدة منذ صيف عام 2007، قد بقي مستقرا على ادنى مستوى منذ اربع سنوات.
ومع ذلك، فالكثير من العراقيين يرون ان هناك دوافع سياسية في الهجمات الاخيرة التي لم تستهدف المرشحين. وقد اتهم المالكي هؤلاء الذين استهدفوا البنية التحتية في البلاد، والتي مازالت معطلة، بمحاولة التقليل من جهود حكومته خلال فترة الانتخابات.
يتحدث العراقيون عن السلطة والوعود الانتخابية بخليط من التفاؤل والقلق والتشكك.
يقول احمد حسين، البالغ من العمر 25 عاما، ورفاقه انهم تحمسوا للتصويت في عام 2005. لكنهم يقولون انهم لن يزعجوا انفسهم في التصويت هذه المرة.
ويضيف، وهو واقف خارج متجر الملابس الذي يعمل فيه: «لن اشارك. حينما يضعون الملصقات، فانهم يظهرون انفسهم بابهى صورة. لكنهم حينما يتسنمون المنصب، لا يفعلون شيئا.»
اما كاظم الصافي، السجين السياسي في حكومة صدام ويبلغ 60 عاما من العمر، فيقول انه ايضا خائب الامل بالطريقة التي تطبق فيها الديمقراطية في العراق حتى الان.
وفي اعتراف على عمق عدم الرضا العام عن الوضع الراهن، اصدر مؤخرا كل من المالكي ورجل الدين الأكثر نفوذا، آية الله العظمى علي السيستاني، بيانات تحث العراقيين على ان لا يدعوا تحفاظتهم تجاه السياسيين العراقيين تردعهم عن الذهاب الى صناديق الاقتراع.
ومن بين الصحفيين العراقيين الاكثر نقدا في الندوة الانتخابية آنفة الذكر مراسل لقناة تلفزيون. وقد افصح بان بعض المرشحين كانوا «غير متعلمين»، لكنه، مع ذلك، يقول انه سوف يمارس حقه في التصويت يوم 31 كانون الثاني.
مضيفا: «إن الديمقراطية هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الدكتاتورية والعنف».

Thursday, January 22, 2009

الأميركيون يضعون خططا لتسريع الانسحاب من العراق

عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة

واشنطن – قال ضباط اميركيون في كل من البنتاغون وقيادة الجيش ان القادة العسكريين عاكفون على رسم خطط لانسحاب اسرع للقوات الاميركية من العراق، نتيجة توقعات ان يرفض الرئيس المنتخب باراك اوباما المقترح الحالي باعتباره بطيئاً جداً. سوف توفر الخطط الجديدة جدولاً زمنياً بديلاً لذلك الذي وضع من قبل كبار قادة الجيش الاميركي في العراق، والذي يقتضي اعادة القوات الى بلادها في زمن اطول مما وعد اوباما أثناء حملته الانتخابية، وكان قد تم توضيح الخطة السابقة الى اوباما في الشهر الماضي. وقال المسؤولون ان اوباما لم يطلب وضع هذه الخطط، لكنهم يأخذون احتياطاتهم استجابة الى التصريحات العلنية التي صدرت عن الرئيس الجديد واستناداً الى المناقشات بين ضباط الجيش واعضاء من فريق اوباما الانتقالي.
وكان اوباما التقى في الاسبوع الماضي، بالعاصمة واشنطن، مع مستشاريه للامن الوطني، وضم الاجتماع كلا من وزير الدفاع روبرت غيتس والادميرال مايك مولن، رئيس هيئة الاركان المشتركة.
يعتبر الانسحاب من العراق شرطاً أساسياً لتعزيز القوات الاميركية في افغانستان، حيث يستعد اوباما لارسال 30,000 عسكري على مدى العامين القادمين، ما يضاعف من عديد القوات الاميركية المتواجدة هناك حاليا، والبالغة 31,000 عسكري.
يقول المسؤولون ان الخطوط العريضة لخطط الجيش التي قدمت الى اوباما في كانون الاول توقعت انسحاب لواءين من الجيش الاميركي، او ما بين 7,000 و8,000 مقاتل، في غضون الستة اشهر القادمة.
ورفض ضباط الجيش الاميركي ان يكونوا اكثر تحديدا، او يعطوا تفاصيل اخرى عن الخطة السابقة، التي اعدها الجنرال ديفيد بترايوس والجنرال راي اوديرنو، وهما القائدان المسؤولان عن العراق. لكن المتحدثين اوضحوا ان الخطة لا تفي بالتزام اوباما أثناء حملته الانتخابية، حينما كرر وعده باخراج جميع القوات من العراق خلال ستة عشر شهرا من تسلمه المنصب، أي بحلول آيار من عام 2010.
يقول المسؤولون في فريق اوباما الانتقالي انه مازال ملتزما بذلك الهدف، برغم انه قال ايضا انه سوف يستمع الى التوصيات التي يقدمها قادته. وقال جوزيف بايدن، نائب الرئيس المنتخب، في مقابلة اجريت يوم الأربعاء، انه «غير مستعد للحديث عن» خيارات جديدة لمستوى القوات.
كما صرحت بروك اندرسون، المتحدثة باسم الامن القومي في فريق اوباما الانتقالي بالقول: «لقد تلقينا ايجازات من إدارة بوش، ومن بينهم وزير الدفاع غيتس والادميرال مولن، حول الخطط الحالية في العراق وافغانستان، ونحن نقدر المعلومات التي اشركونا فيها»، وأضافت اندرسون: ان اوباما، بصفته رئيساً، سوف يلتقي بقادته «من اجل اتخاذ قرار حول كيفية المضي قدما في إعادة انتشار آمن لالويتنا القتالية خلال ستة عشر شهراً.»
يقول مسؤولون عسكريون كبار انهم يتوقعون ان يطلب اوباما اعداد خيارات لتسريع سحب القوات من العراق. ولكنهم اعربوا عن عدم الارتياح لفكرة الانسحاب السريع من العراق، ومن عدم وضوح ستراتيجية اوباما الشاملة حول افغانستان، في هذا الوقت.
وقال احد كبار مسؤولي الجيش اثناء نقاشات عن الانسحاب: «انه اكثر من سؤال عن سرعة الانسحاب او بطئه، انه يتضمن حساب المخاطرة التي ترغب في خوضها في العراق».
وقال المسؤولون، الذي لم يرغبوا في كشف هوياتهم نظرا لحساسية مناقشة الخطط الحربية قبل تولي القائد العام للقوات المسحلة مهامه، قالوا ان التخطيط للانسحاب يتطلب ايضا تعريف المهام المستقبلية للقوات الاميركية في العراق وافغانستان، والاهداف التي يتوجب على هذه البعثات ان تسعى من اجلها خلال السنوات القادمة.
وقال مسؤول كبير آخر مشارك في هذه العملية: «يتم وضع خيارات متنوعة تقدم الى الرئيس الجديد ليختار من بينها».
وقال جيوف موريل، السكرتير الصحفي للبنتاغون، ان غيتس ينوي ان يجعل اوباما على ثقة انه حالما يصبح القائد العام، فانه سوف يستمع مباشرة الى جميع القادة الكبار الذين لهم دور في العراق وافغانستان قبل اتخاذ أي قرار.
وأضاف موريل: «كانت النقاشات التي خاضها وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان المشتركة مع الرئيس المنتخب وفريقه، حتى الآن، تدور حول الخطوط العريضة».
وكانت الخطط العسكرية الحالية قد وضعت لتتوافق مع الاتفاقية الأمنية الاخيرة بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية، والتي دعت الى وضع جدول زمني اقصر، ولكنه اطول مما وعدت به حملة اوباما. وبموجب هذه الاتفاقية، فان على جميع القوات القتالية الاميركية ان تنسحب من المدن بحلول حزيران، وان تنسحب جميع القوات الاميركية من جميع انحاء العراق بحلول عام 2011. على كل حال، فانه يمكن اعادة التفاوض حول هذه الاتفاقية.
حتى في أثناء استعداد اوباما للانسحاب من العراق، فان بعض اصحاب النفوذ في الحزب الديمقراطي وخبراء الامن القومي قد بدأوا برفع اصواتهم حول نيته ارسال تعزيزات اضافية قوامها 30.000 جندي أميركي الى افغانستان، حيث كانت الولايات المتحدة تخوض حربها هناك منذ سبع سنوات.. وهم يقولون ان على اوباما ان يوضح اهدافه العامة فيما وراء ارسال المزيد من القوات العكسرية والاموال والبعثات الدبلوماسية الى بلد يتزايد فيه العنف، ولا يمكن اخضاعه، بحيث ان العسكريين يقولون انه يجلب مشاكل حتى اكثر من العراق.

Wednesday, January 21, 2009

الرقص السياسي في جنوب العراق

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – قد تكون المسافة بين بغداد والبصرة، البالغة 500 كيلومترا، امرا غير سار. فالصحراء المنبسطة تتكور احيانا على شكل كثبان تكونت بفعل الانسان او الطبيعة، ثم تتكشف واحات عفوية من اشجار النخيل تنفح بالحياة. تجري فيها عروق من قنوات ذات ضفاف من الطين، كل منها مثل قلعة رملية في عقل طفل. وتتجمع اكوام من الطين والطابوق على طول الخط الحديدي الصديء، الذي هو قطعة اثرية اكثر منه وسيلة نقل قيد الاستعمال.
ولكن التناقض، كما هو تعقيد التضاريس الارضية، يحوم حول سكان جنوب العراق، الذين انهكتهم سنوات الطغيان والحروب وافساد.
فهم يدركون ان الديمقراطية، كما خبروها هنا على الاقل، تكبحها حدودها.
تعِد الانتخابات المحلية المقررة نهاية هذا الشهر، بانها سوف تعيد تعريف توزيع السلطة في بلد يمر بمرحلة انتقالية، وحيث يتنافس الالاف من المرشحين المدرجين على المئات من القوات الانتخابية، التي يمثل بعضها مرشح واحد فقط. ولكن بعد ستة سنوات من الحرب، التي تمحورت عادة على الخيارات البراغماتية للعسكريين والدبلوماسيين الاميركيين، قد عززت في بعض الاحيان قوة المجاميع الغير محبذة، مثل العشائر السنية، والمتمردين الشيعة السابقين والاحزاب الدينية الشيعية، بطرق سوف تؤدي الى تشكيل النظام السياسي الدائم الذي سوف تخلفه الولايات المتحدة وراءها في العراق.
وليس هناك من دليل على ذلك في أي مكان اكثر من جنوب العراق، الذي تقطنه اغلبية شيعة العراق.
تعطي السلطة وتحشيد الدعم، وهو نوع من المحاباة التي تضمن الوظائف في الشرطة والجيش والتي تخدم زوار العتبات المقدسة والعشائر، الاحزاب الشيعية افضلية في صناديق الاقتراع المقررة يوم 31 كانون الثاني، معززة السلطة التي تمتعوا بها منذ ان ورثوا حكم صدام حسين في عام 2003، بمساعدة القوات الاميركية والبريطانية. وهم يبدون متأكدين من الاحتفاظ بالسلطة، حتى مع جريان نهر من عدم الرضا يخترق مناطق الجنوب على طول مسار نهر الفرات، تملؤه الشكاوى بان لا احد يقدم التمثيل المناسب الذي يسعى من اجله الناس، لا بين الاحزاب السياسية وبالتأكيد ليس بين القوى العلمانية الضعيفة او التكنوقراط خارج منطقة البحث.
يقول ابو مؤمن التميمي، عامل البناء في مدينة الميناء البصرة: "لم يعد لدي أي ايمان بالاحزاب الدينية. فهم لم يقدموا لنا أي شيء ملموس."
لكنه يقر بان هذه الاحزاب الاسلامية تبدو واثقة من هيمنتها على جنوب العراق على مدى السنوات القادمة، بحيث ستقرر امورا حيوية بخصوص مستقبل العراق: سلطة الحكومة المركزية في بغداد، استقلالية المحافظات، النفوذ الايراني، والسؤال فيما اذا كان الجنوب، الذي ينعم بالموارد الطبيعية، ولكنه مبتلٍ بالاقتتال الطائفي، يمكن له ان يحقق طموحاته.
يقول خالد الجشاني، المرشح عن حزب ديني، بفخر: "لا توجد منافسة. ليس هناك من ينافسنا في هذا المكان."

النجف: الطريق الى السلطة
عبد الحسن عبطان هو المرشح الاول على قائمة الجشاني، وهو إئتلاف اسمي يمثل المجلس الاسلامي الاعلى في العراق قوته الرئيسة، وهو الحزب السياسي الشيعي الذي يدير اربعة من المحافظات التسع الجنوبية. عبطان، رجل نحيل بلحية مشذبة وماض كلوح الشطرنج، كان يدير منظمة بدر في النجف، وهي الجناح العسكري للمجلس الاعلى، بالاضافة الى منصبه نائبا لمحافظة النجف، يتنبأ بان قائمته سوف تفوز بشكل منفرد على الاقل في كل من المحافظات الجنوبية على الاقل.
ويقول: "انا على ثقة. هذه حقيقة، انا واثق من ذلك."
توقف عبطان هنيهة في لحظة تواضع، ليس عليك ان كانت صادقة ام لا، ثم قال: "ان شاء الله."
ان اكبر منافسي المجلس الاعلى هو الإئتلاف الذي تشكل حول رئيس الوزراء نوري المالكي وحزبه، حزب الدعوة. وقد ناضلت كل من الفرقتين لبناء هويتها الخاصة. وحاول حزب الدعوة في حملته الانتخابية ان يتواصل مع العشائر والمجاميع العلمانية والموالين لعدوه السابق مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الذي قاتل الاميركيين والمجاميع الشيعية الاخرى والجيش العراقي. وبهذا اظهر حزب الدعوة نفسه على انه حزب اسلامي سياسي معادل لحزب اجتماعي ديمقراطي (بالنسبة للغرب)، متجاوزا الايديولوجية لصالح البراغماتية، ومؤكدا على الوطنية بدلا عن الدين. ويؤكد مسؤولو حزب الدعوة، في كل حلقة نقاش، ان حزبهم قد تأسس في النجف عام 1957، مقارنة مع تشكيل المجلس الاعلى خارج البلاد، في ايران عام 1982.
على الرغم من ان المجلس الاعلى قد اصبح اكثر نضوجا، الا انه لايزال ينفح زفرات من المنظمة الخفية التي كانت في المنفى. وبينما يظهر اتباع الصدر ثقة عالية بطريقة التواصل مع الشارع، ويبدو حزب الدعوة في بعض الاحيان نخبويا، وحتى انعزاليا، فان مسؤولو المجلس الاعلى يميلون الى النظر الى كل سؤال بنظرة متشككة. وهم لايزالون يركزون على الرسالة الشيعية بلا وجل، رغم ان العراق قد تعافى، الى حين، من الحرب الطائفية.
تعلن ملصقات المجلس الاعلى قائلة: "معكم، معكم"، وهي جزء من التوسل الذي يتلوه الزائرون عند دخولهم الى الضريح المقدس في كربلاء، وهي احدى المدن الشيعية المقدسة: "معكم، معكم، لا مع عدوكم."
يقول فايد الشمري، مسؤوب حزب الدعوة في النجف، واحد المرشحين على قائمته: "لن تستطيع ان تحمل الناخبين على التصويت بناء على ولاءاتهم بعد الان."
يفيض مسؤولو حزب الدعوة في شرح الفروقات الايديولوجية مع خصومهم. كلا الحزبين يبقى منغمسا في الدين. لكن المسائل المتعلقة بالسلطة تقسمهما، خصوصا دور الحكومة المركزية، والتي اصبحت، بشكل متزايد، تحمل ختم حزب الدعوة بقيادة المالكي.
وقد سعى المجلس الاعلى منذ وقت طويل الى انشاء منطقة فيدرالية تضم المحافظات الجنوبية التسع، مع حكم ذاتي قريب من شكل حكومة الاقلية الكردية في الشمال. وحجة الحزب في هذا انه اذا اصبح الجنوب قويا فان ذلك يحمي المجتمع الشيعي، وهي الاغلبية في العراق ولكنها بقيت محرومة من حقوقها لمدة طويلة، من نزوات نظام ديكتاتوري في بغداد. ولدى المجلس الاعلى مصالحه الخاصة ايضا: فهو الاقوى سياسيا في الجنوب. وسوف يؤدي الحصول على المزيد من الصلاحيات للمحافظات الى الحفاظ على نفوذ الحزب نفسه.
وقد قاوم حزب الدعوة الدعوات الى اقامة الفيدرالية، التي يدعوها تقسميا حقيقيا للعراق على طول الخطوط الاثنية: العرب السنة، والعرب الشيعة، والاكراد. يقول حزب الدعوة انه لا يمانع في اعادة رسم الخطوط الادارية، مثل تجميع ثلاث محافظات حول البصرة. ولكنه يعارض أي مقترح لانتزاع السلطة من بغداد. وقد ادى هذا الموقف الى كسب دعم السنة والشيعة الذين هم وطنيون اكثر مما هم متدينون.
يفتقر محافظ البصرة، الذي ينتمي الى حزب اسلامي آخر يعرف بـ(الفضيلة)، الى الحماسة حتى بالنسبة الى فكرته في منطقة حكم ذاتي في البصرة. كما ان المجلس الاعلى نفسه قد تراجع عن دعوته القوية من اجل هذه القضية، على الاقل خلال الحملة الانتخابية.
يقول احمد الفتلاوي، مرشح المجلس الاعلى في النجف: "نود ان نعطي العراقيين مزيدا من الوقت لفهم ايجابيات الفيدرالية قبل تقديمها."
هذا يترك قضية المالكي نفسه، والذي طرحت محاولته ان يظهر شخصيته على انه رجل النظام والقانون من اجل انجاح حزب الدعوة، امام سؤال حيوي.
يقول مسؤولون اميركيون ان استطلاعات الرأي تبين دعما متزايدا للمالكي في الجنوب منذ ان ارسل القوات العسكرية في العام الماضي ضد المليشيات الشيعية والعصابات في بغداد والبصرة.
ولكن المستفتين عادة ما يرسمون خطا للتميز بين المالكي وحزب الدعوة، وهو وما يدعو للتعجب: فنجاح المالكي جعل منه رمزا وطنيا، اقل طائفية بشكل من الاشكال، ساخطا من محاولة الحزب ترجمة شعبيته الى نجاح للحزب. ومنذ عام 2005، لم يسيطر حزب الدعوة الا على محافظة واحدة فقط وهي كربلاء.
يقول الجشاني، العضو في المجلس الاعلى: "نحن ليس لدينا اية مشكلة مع المالكي. ولكن المالكي لن يأتي ويحكمنا في النجف."
يقول الجشاني ان ابتعاد المالكي عن الطائفة، لانه يقضي معظم وقته في بغداد، يقدم نافذة لتحرك المجلس الاعلى. تجري الاجتماعات، في مقر الحزب في النجف، على مدار الساعة. ويشرف الحزب على العشرات من المجلات والجرائد، وقناتين فضائيتين، وقنوات محلية للتلفاز في المحافظات الجنوبية. وهو يمتلك خمس منظمات نسائية، وثلاث مجاميع طلابية، واكثر من الف من المكاتب السياسية في عموم مناطق الجنوب.
يحمل مرشحو الحزب ملفا من 20 صفحة يحتوي على نتائج استطلاعاتهم للرأي، التي تجرى كل 15 يوما. وهم يصرون على انها تبين ان 90 بالمائة من المقاعد في الجنوب سوف تذهب الى الاحزاب الدينية، حتى وان كان الاقبال على التصويت اقل مما كان عليه في الانتخابات السابقة.
وهم يقولون انهم سوف يفوزون بمقاعد اربعة من المحافظات تماما، وهي النجف وبابل والقادسية وذي قار، كما انهم سوف ينبثقون على انهم الكتلة المنفردة الاكبر في المحافظات الاخرى.
يقول الفتلاوي: "سوف تتذكر هذه الاستطلاعات عندما ترى النتائج."

الحيرة: العشائر، والتقاليد، والسلطة
ربما يكون الشخص الوحيد في الجنوب الذي يمتلك الثقة التي لدى المجلس الاعلى هو محمد ذيبان الشبل: وهو مضيف كريم، وسياسي احيانا، وشيخ عشيرة يقول انها تحتوي على 70,000 عائلة تفضله على غيره.
وهو يعلن قائلا: "تسعى اكثر الاحزاب من اجل كسب ودنا."
الشبل يمثل المدرسة القديمة للعراق. وهو يمثل العشائر التي رعاها البريطانيون بعد الحرب العالمية الاولى، والتي غمرها صدام بدعمه، والتي احتواها المالكي، والتي تعتبرها الاحزاب عنصرا جديدا ومؤثرا في الانتخابات.
بالنسبة الى الشبل، المتفاخر بقدر ما هو مقنع، هذه هي الطريقة التي يجب ان تسير بها الامور. فالعشائر تجسر الفجوة الطائفية، وتظهر صورة العراق في تقاليدها وهويتها وتاريخها. يقول الشبل ان قادتها، وهم الشيوخ، لديهم السلطة لـ"كسر العظام وجبرها."
يعقد الشبل محكمة في مضيفه الذي يبغ عمره نصف قرن في الحيرة، وهي منطقة قروية في محافظة النجف. وقد بني المضيف من القصب الذي يجلب من منطقة الاهوار، ويربط مع بعضه في اقواس يدعي انها اقوى من الحديد. وهو يستقبل ضيوفه كل يوم وهو جالس على وسائد نضدت على السجاد الاحمر. والكثير من هؤلاء الضيوف ليسوا الا نهازي فرص بانتظار الغداء الفاخر، حيث تقوم عشيرته بذبح خروفين والعشرات من الدجاج لاعداده.
لم يقم المجلس الاعلى بزيارة هذا المضيف منذ بدء الحملة الانتخابية. هذا الحزب ليس الا استثناء، ففي الاسابيع القليلة الماضية، قام سيل من الزائرين، من بينهم الشمري ومساعديه من حزب الدعوة، واعضاء من قوائم اخرى، وممثلي الصدر، والمستقلين، قاموا بتقديم الاحترام اليه، وهو جالس قرب حلقة النار التي تغذيها اغضان شجرة التوت.
وهو يشتكي قائلا: "انهم يستمرون في الاتصال بي يوما بعد يوم."
يجري تيار من الغضب عبر العشائر مثل عشيرة الشبل. فهم عادة وطنيون متحمسون، يراقبون بقلق الاحزاب الدينية التي استخدمت خزينها من الاسناد الشعبي. ولان العشائر لازالت تشعر بالمرارة نتيجة الحرب مع ايران خلال الثمانينيات، والتي فقدوا فيها بعضا من ابنائهم،، فانهم يتوجسون خيفة من التأثير الايراني على كل من الاحزاب الدينية والمؤسسة الشيعية في النجف، حيث يتولى آية الله العظمى علي السيستاني، المولود في ايران، اعظم سلطة.
اما الصدر فقد حظي بالدعم العشائري بسبب ان اباه، رجل الدين محمد صادق الصدر، قد ولد في العراق، واغتيل عام 1999. وفي الوقت الحاضر، عكف المالكي على انشاء مجالس الاسناد العشائرية والتي تعمل على استحصال الدعم من بين العشائر بواسائل عدة، من بينها دفع تخصيصات شهرية مقدارها 10,000 دولار. واشتكى مناوؤا المالكي ان مثل هذا الاجراء ليس نظيفا، واتهموه في العودة الى تكتيكات صدام من اجل التشبث بالسلطة.
يقول الشبل ان المالكي فاز بدعمه، في الوقت الراهن على الاقل.
لكنه يقول، وقد ظهر عليه المزيد من الطموح: "نحن نخبر الاحزاب الدينية، انكم كنتم في السلطة لفترة من الزمن. لقد حان الوقت لكي تتنحوا جانبا لكي ندخل نحن في الصورة."

الناصرية: قراءة الشارع
تزين مدخل مكتب الصدر في الناصرية، الذي يقوده رجل دين يدعى فياض عطواني، شعارات دينية، تصرح بالقول: "بعون الله، لن تستطيع ان تمحو ذاكرتنا."
وبخلاف انتخابات عام 2005، حينما انضم كل من رجال الدين الصدريين والمجلس الاعلى وحزب الدعوة واحزاب اخرى في الإئتلاف الشيعي، فان الحركة اعلنت المقاطعة في الوقت الحالي، رسميا على الاقل، حتى وان كانت تسيطر على محافظات مضطربة مثل ميسان. وقد اختارت الحركة ان تدعم قائمتين مستقلتين من التكنوقراط، الاولى تسمى (النزاهة والدستور) والاخرى تدعى (حركة المستقلين الاحرار).
يقول عطواني: "هناك استياء شعبي بسبب فشل الاحزاب في تحقيق أي من طموحات الشعب. لقد اصبحت تمثل خطرا على الايمان."
يمكن قراءة تواضع رجال الدين الصدرين بطرق عديدة.
فالحركة تبقى ذات سطوة كبيرة، لكن نفوذها، حسب اغلب الاراء، قد ضعف منذ ان اطلق المالكي حملته العسكرية ضدها في البصرة، وفي معقلها في مدينة الصدر ببغداد. وانضم بعض الصدريين الى ابراهيم الجعفري، رئيس الوزراء السابق، والذي طالما رعاهم. كما ان دور الحركة الذي يأخذ الانفاس في عمليات الانتقام الطائفي ادى الى سلبها أي دعم بين ابناء السنة، الذين حاولوا ارضاءهم في الماضي. وفقدت الحركة في المعارك التي بدأت عام 2004 الالاف من مقاتليها، دفن العديد منهم في قبور منتشرة في مقبرة النجف، محاطة بالورود البلاستيكية، والعطر، والغضب.
لكن منذ سقوط صدام، اثبت مساعدو الصدر مهارتهم في قراءة المشاعر العامة. وهم كحركة شعبية تهتم بالمحرومين، فان خلاصهم يعتمد على قياس نبض الشارع. وهم لازالوا واثقين ان اتباعهم سوف يمكنوهم من الاشتراك في أي إئتلاف، سواء كان مع العشائر او مع المالكي، الذي قال المتحدث باسم الصدر، صلاح العبيدي، انه بدأ في خطب ودهم منذ شهر ايلول.
من جهة اخرى، رفض السيستاني ان يلعب أي دور في هذه الانتخابات، على عكس الحال في عام 2005، حينما قاد اسناده، الذي يحمل قوة القانون بالنسبة للشيعة المخلصين، الى نجاح الإئتلاف الشيعي، الذي انفرط عقده الان، في كل من دورتي الانتخابات. وضرب ممثل السيستاني، في حديث مجازي، مثلا عن مستشفى. فقد بنيت عام 2005 وتطلب الامر مساعدته. لكن العناية الطبية الان هي بادي الاطباء، ولا احد يحتاج السيستاني نفسه ليجري جراحة.
اما رجال الصدر، على شدتهم، فهم اكثر صراحة.
يصر العبيدي على انه "سوف يذهب الناس الى صناديق الاقتراع لينتقموا من هذا الحزب او ذلك الحزب."

البصرة: سيل من الشكاوى
حينما يتحدث ابو علي التميمي، الناخب من البصرة، عن الاحزاب الدينية، فانه عادة ما ينطق كلمة "مصلحة"، في تعبيره عن سعي الاحزاب للعمل لمصلحتها الخاصة.
يصرخ التميمي، بينما يقف ابو مؤمن التميمي وآخرون من اولاد العمومة على شارع في المدينة الواقعة في اقصى جنوب العراق، واحدى اكثرها سحرا: "انظر الى البصرة! انظر!"
ثم اشار الى بقايا الطعام، واوراق تغليف الحلوى، والقناني المعدنية، والقناني البلاستيكية، والاكياس التي تجمعت عند حافة الرصيف، وقد غطاها الذباب. وتنبعث رواح كريهة من المجاري في ناصية الشارع، حيث خـُطت عبارة تقول: "لا يجوز رمي الازبال هنا بتاتا."
يتساءل، بينما يحرك ابن عمه رأسه في الموافقة: "البصرة غنية. لكن انظر شوارعها. هل يبدو لك هذا غنى؟ انا اتحدث بصراحة. فالشارع يخبرك قصته بنفسه."
تذهب شكاواهم سدى. يقول ابن العم ان الماء الذي تستطيع بلدية المدينة توفيره لا يكفي سوى لغسل الايدي، "وحتى هذا ليس نظيفا." ولا تستمر الكهرباء اكثر من ثلاث ساعات في النوبة الواحدة. وتتجمع مياه المجاري على شكل برك.
تقر كل الاحزاب ما عدا المجلس الاعلى بالاستياء الشعبي في اماكن مثل البصرة، وجميعها تقريبا اثقلت قوائمها الانتخابية وأتت بمرشحين جدد. وتطلق النكات على رمز القائمة، وهو الشمعة، على انها يجب ان تكون مصدر النور في بلد بلا كهرباء.
وكثيرا ما تسمع ان الناس تقول، ببساطة، انها لن تصوت.
وتندب القوى المستقلة والعلمانية حظها لقلة الموارد والتنظيم. وحده اياد علاوي، وهو رئيس وزراء سابق آخر، يبدو واثقا في الفوز بحصة من التصويت. اما الاخرون فيتحدثون بمرارة عن التحشيد الذي تمارسه الاحزاب الاسلامية، عن طريق الوظائف التي تأمنها لاتباعها في الشرطة والجيش، والسيارات التي يمنحوها لزعماء العشائر، وحتى نفوذهم الكبير في المفوضية التي تشرف على الانتخابات.
وفي ركن الشارع يقر التميمي واولاد عمومته ان من المرجح ان تبقى الاحزاب هنا.
يقول التميمي: "بودنا ان نصوت الى شخص ما لا يضع جدرانا كونكريتية حول منزله." ويضيف ان من لا يفعل ذلك هم المرشحون المستقلون فقط، وهم المرشحون من التكنوقراط، الذين عبّر عنهم بالكفاءات. ويصر على ان من يحكم يجب ان يكون من بين هؤلاء الاشخاص.
هز جعفر عبد الله، احد اولاد العم، رأسه بالموافقة، ليزيح عنه وصف السذاجة، قائلا: "لكن المستقلون لا يملكون عصابات خلفهم يمكن لها ان تقتل."

Monday, January 19, 2009

ريوبرت كورنويل: تراث بوش

عن: الاندبندنت
ترجمة: علاء غزالة

(خارج اميركا): بينما يُحضر باراك اوباما نفسه للذهاب الى البيت الابيض، فان مراجعة لفترة حكم سلفه التي دامت ثمانية اعوام تظهر انه كان الرئيس الاقل نجاحا على الاطلاق. كيف ساءت الامور الى هذا الحد؟
قل ما شئت، فان جورج بوش كان رمزا تحوليا. فقد تحول كل شيء في اميركا تحت حكمه، لكن نحو الاسوأ مع الاسف.
لازال امام الرئيس الثالث والاربعين ايام قليلة يمضيها في الحكم، ولكنها اكثر من كافية لالحاق كوارث جديدة بالبلاد. انها لحقيقة ان حكم التاريخ على الرئيس قد يتغير، ليس اكثر مما حكم على هاري ترومان، والذي هبطت نسبة شعبيته ذات مرة الى 23 بالمائة، وهو العمق الذي حتى بوش لم يصل اليه. ولكن بعد مضي نصف قرن، وبعد ان ساعدته انتهاء الحرب الباردة (بالاضافة الى مجموعة من كتاب السيرة الذاتية المحببين جدا) فقد أعتبر واحدا من بين اكثر اثني عشر رئيسا نجاحا على الاطلاق.
لكن ترومان، انموذج الرئيس الغير شعبي، ما هو الا استتثناء. فالقاعدة ان الاحكام تنبثق بسرعة، ولا تتقلب بشكل كبير. ان التقدير الحالي لبوش غاية في الجدية، ومن المرجح انه سيبقى كذلك.
حقا، المجادلة الوحيدة في الوقت الحالي هي بالتحديد تسلسله بين الرؤساء. هل كان اسوأ من بوكانان، الذي فشل في منع الحرب الاهلية؟ هل هو اسوأ من اندرو جونسون الذي زاد الامر سوءا بعد انتهائها؟ ام اسوأ من هوفر، على شوارع الكساد العظيم؟ هل هو اسوأ من الرئيسين الخاملين واللذين ابتليا بالفضائح، وارن هاردنغ وريتشارد نيكسون، وهو الرئيس الوحيد الذي اجبر على الاستقالة؟ في استطلاع للرأي العام (اقر القائمون عليه انه غير عملي) ضم 100 مؤرخ في جامعة جورج ميسون، فان 61 بالمائة اجابوا على هذا السؤال بـ(نعم). وقد وضعوا بوش في المرتبة الاخيرة، وكان هذا في السنة الاخيرة قبل الانهيار الاقتصادي. ولم يحصل أي رئيس على نسبة 90 بالمائة من الشعبية مثلما تمتع بوش بعد 11 ايلول. اما الان فان اعظم انجازاته هو شيء لم يقع: هجوم ارهابي رئيس آخر على التراب الاميركي. ولكن، كما اشرت آنفا، فانه ما يزال امام الرئيس ايام اخرى في الحكم.
لقد كان بوش، الذي وصف نفسه بانه "صاحب قرار"، هو اول رئيس يحمل شهادة الماجستير في ادارة الاعمال. لكنه قد يكون المدير الاقل قدرة على احتلال المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس الاميركي). لقد كان هو الرجل الذي لم يَقدر، او لم يشأ، ان يضع حدا للتطاحن بين كبار المسؤولين في ادارته (العداء المستديم بين رامسفيلد وكولن باول). وهو رئيس السلطة التنفيذية الذي ذهب الى الحرب على العراق على اسس دعائية قبيحة، ومعلومات ثبت آخر الامر انها خاطئة. وهل من رئيس يحترم نفسه يرفض ان يحمّل اعضاء حكومته المسؤولية عن اخطاء شوهت اسم مؤسستهم؟
على سبيل المثال، هل طرد دونالد رامسفيلد خارج البنتاغون حينما انتشرت اخبار فضيحة ابو غريب المشينة، او على الاقل فعل ذلك حينما فاز بفترته الرئاسية الثانية في تشرين الثاني عام 2004. ولو انه وضع ديفيد بترايوس مسؤولا عن العراق قبل سنتين مما فعل، لكان من الممكن ان تكون الحرب اقل تعاسة.
ثم جاء اعصار كاترينا، واستجابة بوش الساذجة له، لتدق المسمار الاخير في النعش الرئاسي. وبما انه كان قد افرغ وكالة الكوارث الفيدرالية من محتواها قبل ذلك، فقد انهال على مديرها العاجز مايكل بروان بالثناء "يا لها من مهنة"، ثم فضل ان يتطلع الى الكارثة من نافذة طائرته الرئاسية بدلا من زيارة نيو اورليانز شخصيا. لقد نحّى الاميركيون بوش جانبا بعد اعصار كاترينا.
وكل شي، تقريبا، وضع يده عليه ساء حاله، من الصورة العالمية للولايات المتحدة، الى الاقتصاد. ومن الجيش (الذي هزل الى درجة الانكسار نتيجة حربين) الى حزبه الجمهوري، والى قضية المحافظين التي كان بطلها رمز بوش الشخصي رونالد ريغان. وبكل المقاييس تقريبا، فالبلاد بحال اسوأ مما كانت عليه قبل ان يعتلي السلطة في 20 كانون الثاني من عام 2001.
لقد حدد بوش، ومسانده ديك تشيني، هدفهما في تقوية الرئاسة، وقد نجحا في ذلك الى حد ما، ولكن في الغالب على حساب اضعاف الدستور، وحتى تحطيمه في بعض الاحيان.
ونحن نميل الى الحكم عليه من خلال ادائه على المسرح العالمي، ومنها اساءة ادارة الحرب في العراق، وجعبة الاساءات التي دفعت العديد من الليبراليين الى طلب محاكمة بوش كمجرم حرب: غوانتينامو باي، رفض الانصياع الى معاهدات جنيف، "التعذيب بالوكالة" (وهي نقل السجين من دولة الى اخرى معروفة باستخدام طريق ترقى الى مستوى التعذيب في اجراء التحقيق)، "المعسكرات الشبحية" لوكالة الاستخبارات الاميركية، ايحاء التعذيب بالماء، وما الى ذلك.
ونعم، فان القتال الوحشي في غزة هو رثاء مناسب لسياسة بوش في الشرق الاوسط، حيث جرّ الذنبُ الاسرائيليُ الكلبَ الاميركيَ، وحيث جسدتها الاحداث على مدى الاشهر الخمسة عشر الماضية: مؤتمر انابوليس ذائع الصيت، والتطبيل لاعادة اطلاق "عملية السلام"، ولكنها خلت من أي متابعة جدية من قبل بوش نفسه، وانتهاء بالهجوم الاسرائيلي الاخير، والذي انطلق بمعرفة تامة انه لن تكون هناك اعتراضات من البيت الابيض.
لكن سجله في السياسة الخارجية ربما يكون افصل فرصة لاعادة التقييم، كما اعادت السياسة الخارجية تقييم ترومان من قبل، وهو الذي كان موضع سخرية عندما غادر مكتبه كرئيس، اما الان فينظر اليه على انه لم يتوان في اتخاذ القرارات الكبيرة وتنفيذها بشكل صحيح.
وحتى بدون 11 ايلول، وحتى لو لم يشن بوش حربه الاختيارية ضد صدام حسين، حتى بدون انهيار وول ستريت، لربما يكون هذا العقد، نسبيا، هو زمن الانحدار الاميركي، برغم القوة العسكرية الاميركية الغامرة. فالقوى العظمى ترتقي ثم تسقط. لم يكن باستطاعة أي رئيس اميركي ان يمنع الازدهار الاقتصادي الصيني المستحق وتصاعد صوتها الواثق.
وحدها الحرب على العراق، تلك المغامرة الدموية والمكلفة، والتي افادت ايران اكثر من اية دولة اخرى لحد الان، تنطوي على حقيقة انها قد تنتج يوما ما ديمقراطية علمانية مستقرة ومعتدلة في بلد عربي يربض في قلب منطقة الشرق الاوسط. ولربما بعد نصف قرن من الان يمكن ان ينظر الى بوش على انه وضع اسس لهزيمة الارهاب المتلبس بلبوس الاسلام، كما بات ينظر الى ترومان على انه وضع الاسس لهزيمة الاتحاد السوفيتي. كما انه بدون شك تصدى لجهود المساعدات الموجهة الى افريقيا اكثر من أي رئيس اميركي آخر.
اما في داخل الولايات المتحدة، فلن يكون هناك خلاص. فمنذ ان تولى بوش مهام منصبه في عام 2001، انحدر كل مؤشر اقتصادي-اجتماعي في البلاد. فقد انخفض متوسط دخل العائلة بين العامين 2000 و2008 بمقدار 1%، بينما تصاعدت ارباح الشركات الكبرى بمقدار 70%، واتسعت الفجوة بين الغنى والفقر اكثر من أي وقت مضى منذ العام 1929. وقفز عدد العائلات التي تعيش تحت خط الفقر بمقدار 20%، وهي نفس نسبة الاشخاص الذي لا يملكون تأمينا صحيا. وفي هذه الاثناء، فان كلفة التأمين صحي لهؤلاء المحظوظين الذي حصوا عليه تصاعدت بمقدار 90%.
ورث بوش ميزانية بفائض يبلغ 240 مليار دولار، ولكنه ترك عجزا في الميزانية لخلفه باراك اوباما يبلغ 1,2 ترليون دولار. وتصاعد ميزان العجز التجاري، وضعفت قيمة الدولار، وحدث كل ذلك قبل الانهيار الاقتصادي. اعاد باراك اوباما في حملته الانتخابية صياغة سؤال ريغان الشهير قبل جيل من الزمن: هل انت افضل حالا مما كنت قبل ثمانية سنوات؟ وجاءت الاجابة غامرة على لسان الاميركيين، صارخة كلا.
لكن لا يقع اللوم كليا على بوش، بالطبع. فالعجز العالمي كان في تنامِ قبل ان يتولى السلطة، كما هو حال الرهوانات العقارية الخطرة. لكن موقفه في ترك الامور لتأخذ مجراها، وسخافة الوكالات الحكومية المختصة التي تساهل معها، والتي يقول البعض انه شجعها، جعلت الامور اسوأ بكثير. تصرفت اسواق وول ستريت بشكل سيء، ولكن لم تقبع أي ادارة سابقة في جيب وول ستريت بهذا العمق. واليوم أجبرتْ الدعوة الى الاسواق غير المحدودة على تحمّل اكبر تدخل حكومي في الاقتصاد منذ الكساد العظيم.
لا يمكن تجنب السؤال المحتوم: كيف وقعت تلك المأساة في اميركا والعالم؟ ولكن لولا بعض الاضطراب في اوراق الاقتراع في بالم بيج في فلوريدا، عام 2000، لم يكن لها ان تقع. غير انه ليس هناك من قاعدة تنص على ان الفائزين الخطأ يصبحون رؤساء سيئين. وهناك من يتتبع سلوك بوش ويعزيه الى عقدة اوديب. فحيث انه عاش في ظل والده، فقد امضى كامل فترته الرئاسية وهو يهدف الى التفوق على ابيه، واثبات ان بوش الابن، الجاهل الذي يخشى الله، قد عَلِم اكثر من بوش الاب الحكيم المتعلق بالحياة الدنيا.
وعلى خلاف بوش الاول، فان بوش الثاني لم يخدم في حرب، مما حدا به الى اللجوء للحرب ليس كآخر ملاذ، بل كأول اختيار. وفي عيون الابن، فان سبب فشل الاب في الفوز بالانتخابات في عام 1992 يعود الى انه اهمل قاعدة الجمهوريين المسيحية المحافظة. وسوف لن يقع في هذا الخطأ مجددا، وفعلا لم يقع فيه، وفاز في الفترة الرئاسية الثانية متجاوزا والده.
لكن العُقد المتجذرة في اساطير غابرة غير كافية لتوضيح الفشل المزمن لرئاسة بوش الابن. فعقدة اوديب، على سبيل المثال، لا توضح السبب في ان الابن لا يستطيع الاقرار بالخطأ. الحظ العاثر، ربما. كيف يمكن له ان ان يعلم ان المعلومات الاستخبارية عن اسلحة الدمار الشامل كانت خاطئة؟ وعدا عن ذلك، حينما تسمع جورج يقولها، فانه بالكاد يضع قدما واحدا في الاعتراف بالخطأ، بوش هذا ليس هو الرجل الذي ينتقد نفسه. لا يمكن مقارنته حتى بومضة من ندم اوديب.
الحقيقة ابسط. فالعمل الافضل بالنسبة الى بوش هو ذلك العمل الذي بدا لوهله انه كان يستطيع ان يناله، وهو ان يصبح مفوضا لاتحاد بيسبول كبير، قبل ان يخوض الانتخابات لمنصب حاكم ولاية تكساس. وهو لم يكن مناسبا لان يصبح رئيسا مهما بلغ عمره، لا على صعيد الخبرة، ولا المزاج، ولا الشخصية. يمكننا فقط ان نحتفل بهذا بعد اربعة او ثمانية اعوام، لكننا لن نقول الشيء عينه عن اوباما.

Saturday, January 17, 2009

المالكي هو القضية الكبرى في الانتخابات المحلية

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – يطل وجه رئيس الوزراء نوري المالكي الحازم من خلال ملصقات الدعاية الانتخابية التي تنتشر في انحاء العراق هذه الايام.
وهو ليس مرشحا على اية قائمة تخوض الانتخابات المحلية المقررة في 31 كانون الثاني. لكنه، بموافقته على ان يتحول الى صورة شعبية لإئتلاف (دولة القانون)، وهو مجموعة من المرشحين الذين يخوضون الانتخابات استنادا الى سجله، فانه قد حوّلهذه المنافسة، وبفاعلية، الى استفتاء على حكمه.
سوف تكون هذه الانتخابات الاختبار الاهم، لحد الان، حول محاولة المالكي تقوية سلطة الحكومة المركزية، وسلطته الشخصية. واذا نجح المالكي في بناء قاعدة عريضة تتسع لتشمل البلاد باكملها من السياسيين المحليين الذين يساندوه ويدعمون فكرة الحكم المركزي، فانه يكون قد انهى تحوله على مدى ثلاث سنوات، من مجرد مشرّع غير معروف على نطاق واسع الى اكثر رجل دولة قوة منذ عهد صدام.
وعلى الرغم من تاريخ حزب الدعوة كحركة شيعية مناهضة للحكومة العلمانية، فان المالكي وقائمته (دولة القانون) تجنبت استخدام رسائل ذات طابع ديني، وفضلت ان تعطي وعودا لتحسين الامن والخدمات الاساسية، مثل الماء والكهرباء.
هددت شعبيته المتزايدة سلطة حلفاءه القدماء، وبضمنهم الاكراد وزملاءه من الشيعة، كما هددهم الشعور بانه سوف يصبح قويا جدا. ويخشى النقاد انه سوف يوسع قوته السياسية في الانتخابات القادمة.
يقول وليد صالح شركة، العضو البرلماني عن التحالف الكردستاني: "لم نكد نتخلص من الدكتاتور الكابوس صدام حسين حتى جاءنا هذا الدكتاتور الجديد الذي يتلبس بلبوس الديمقراطية."
لكن مقابلات مع اكثر من 100 عراقي من اماكن متعددة من البلاد اظهرت دعما واسعا للمالكي، وفي الكثير من الاحيان بسبب تكتيكاته القوية التي تزعج حلفاءه. يقول الشيعة انهم يساندوه، ولكن الكثير من اهل السنة قال ذلك ايضا، وهؤلاء اصبحوا ينظرون اليه بشكل متزايد على انه قائد غير طائفي. وقد بنى هذه السمعة في السنة الماضية من خلال اطلاق حملة عسكرية ضد المليشيا التابعة لمقتدى الصدر، والذي كان حليفه ذات مرة، ومن خلال افتعال شجار مع الكرد، وهو عنصر اساسي في حكومته الإتلافية.
قال ياسر علي وهو شيعي بعمر 31 عاما، عندما سُئل عن الانتخابات المحلية، انه لم يكن يدعم المالكي عندما اصبح رئيسا للوزراء، وبدأ باطلاق الشتائم على السياسيين.
ثم صاح قائلا: "يجب ان يذهبوا جميعا الى الجحيم." قال ذلك بينما كان يعد اللحم لتحضير الكباب في احد شوارع حي الكرادة المزدحمة.
لكن بائع الكباب لم يتكلم بنفس اللهجة عن رئيس الوزراء. قال: "لا، لا، لا، المالكي شخص جيد. انه وردة جميلة. لكن لا احد يساعد المالكي. انه الشخص الوحيد الذي يعمل من اجل جميع العراقيين، بينما يعمل الاخرون من اجل مصالحهم الشخصية."
وقال علي انه يخطط للتصويت لصالح إئتلاف (دولة القانون)، والتي قال انها قائمة المالكي، حتى مع انه لا يعرف أيا من المرشحين فيها. واضاف: "كما ترى فنحن جدد على السياسة هنا. لا احد يعرف كل التفاصيل. ولكننا نعلم شيئا واحدا: المالكي رجل جيد وشجاع وقد ساعدنا."

(عراقيون) لا اسلاميون
يقول صلاح عبد الزراق، مدير الحملة الانتخابية لإتلاف دولة القانون ان لديه ستراتيجية بسيطة للحملة: انها كلها تدور حول المالكي.
ويضيف عبد الرزاق، الذي هو نفسه مرشح لانتخابات مجلس محافظة بغداد: "نحن مرشحو المالكي. نحن نريد ان نضمن اهداف المالكي في المحافظات."
ويؤكد ان الإتلاف التي يضم ستة من الاحزاب الصغيرة بالاضافة الى حزب الدعوة، يركز في حملته الانتخابية على وعود بزيادة تركيز السلطة، وسحب موارد من الحكومة الفيدرالية من خلال علاقاتهم مع المالكي.
ومن المقرر ان يحضر المالكي، الذي يقود حزب الدعوة، عددا من المناسبات السياسية للإتلاف، لكنه اشترك في اتخاذ قرارات رئيسة حول الحملة.
يقول عبد الرزاق ان رئيس الوزراء قد قرر ان تطلق تسمية (دولة القانون) على الإئتلاف منذ ثلاثة شهور. وهذا الاسم مستوحى من الاسم السابق لخطة امن بغداد، والذي يعرف باللغة العربية بـ(خطة فرض القانون). يذكر انه منذ ان اطلق المالكي والمسؤولين الاميريكيين هذه العملية في عام 2006، فان العنف انخفض في العاصمة بشكل ملحمي.
غير ان المالكي تردد في السماح باستخدام صورته في ملصقات الحملة الانتخابية، وذلك لانه كان يخشى ان يعتبر ذلك اساءة لاستخدام موقعه لاغراض سياسية، حسبما يقول محسن الربيعي، نائب مدير الحملة.
ويضيف الربيعي ان الحملة حصلت، آخر الامر، على موافقة مفوضية الانتخابات المستقلة على استخدام صورته، كما ان كل قائمة مرشحين اخرى تقريبا وضعت صورة على ملصقاتها لاحد الرموز السياسية المعروفة. لكن مساعدو المالكي يقولون ان تردده يعكس الميل الى تجنب تعظيم الذات.
يقول الربيعي، الذي عمل مديرا لمكتب المالكي حينما كان في البرلمان: "لقد رفض تماما فكرة التفاخر بنفسه. لقد كنا في اجتماع حينما نهض احد الشيوخ وبدأ في الاشادة بحماسة شديدة برئيس الوزراء. فطلب مني ان اذهب الى الشيخ واطلب من الشيخ التوقف عن ذلك."
ويجمع مساعدو المالكي، الذي يبلغ 58 عاما من العمر، على انه رجل معتدل ومتواضع. يقول الربيعي انه من النادر ان تراه يرتدي أي شيء غير بذلات داكنة، ذات علامة تجارية وبتصميم قديم، ويضع نظارات ثقيلة تترك ظلا على وجهه يرسم شكل الساعة الخامسة. وحتى حينما كان عضوا في البرلمان كان المالكي يغلي الماء لصنع الشاي، وينظف مكتبه.
تبقى حياة المالكي الشخصية غامضة بالنسبة لاكثر الناس، وهو نادرا ما يوافق على اجراء مقابلة صحفية، ولم يعط موافقتة على مقابلة من اجل هذا المقال.
ولد المالكي في قرية صغير جنوب العراق، وتلقى درجة الماجستير في الادب العربي، وسرعان ما التحق بصفوف حزب الدعوة، والذي تأسس منذ العام 1957، كحركة معارضة شيعية. وقد دعت الى حكومة ديمقراطية يشرف عليها رجال الدين، وهم الذين سيضمنوا ان القوانين تصدر متوافقة مع الشريعة الاسلامية.
ثم بعد ارتقاء صدام حسين الى السلطة قام بمنع حزب الدعوة، مما اضطر المالكي الى الهروب الى المنفى على مدى العقدين التاليين. ذهب اولا الى ايران، ومن ثم توجه الى سوريا حيث اضحى رئيس الفرع المحلي لحزب الدعوة. وكان يعرف هناك باسم (جواد) التي تعني (كريم) باللغة العربية، ثم اسقط اسمه المستعار حينما اصبح رئيسا للوزراء.
ويقول مساعدو المالكي انه تبنى بنتا ماتت امها اثناء الولادة لان والدها كان من الفقر بحيث لا يستطيع اعالتها. غير ان اقرب حلفاءه لا يعلمون بهذا الامر. وتضم عائلته الى جانب هذه البنت، التي يبلغ عمرها 12 عاما الان، زوجة وثلاثة بنات اخريات وولدا واحدا.
يقول عبد الرزاق ان الحملة الانتخابية لم تعد تركز على الدين، ويضيف: "المالكي شخص متدين، ولكنه كرجل دولة؟ كلا، انه علماني. ولديه في هذا الوقت اولويات. فالناس لا تمتلك مساكن، ولا طعاما، ولا أمنا. هناك حاجات اساسية للناس قبل التفكير بمنع الكحول او اجبار النساء على ارتداء الحجاب."
واستطرد قائلا: "المالكي هو قبل كل شيء (عراقي). لا يمكن له ان يكون اسلاميا الان."

الشعور السلبي للمعارضة
ان تحول حزب الدعوة من الدعوة الى حكومة دينية الى الاستجابة الى الحاجات اليومية للمواطنين، هو بمثابة طريقة براغماتية، تأثرت بالانظمة الحاكمة في بلدان الشرق الاوسط.
يقول كل من المحللين والمشرعين ان التحول يعكس تطورا ايجابيا في النظام السياسي العراقي. ففي الانتخابات السابقة التي اجريت في عام 2005 تطلع الكثير من الناخبين الى توصيات رموز دينية مثل آية الله العظمى علي السيستاني، والذي ادى دعمه للتحالف الشيعي الى فوزها في الانتخابات. اما الان، فان السيستاني يتجنب تقديم أي دعم، بينما تفتت الإئتلافات التي بُنيت سابقا على الطائفة والمذهب الى كتل مستندة الى احزاب سياسية وشخصيات.
واستبدلت الملصقات التي كانت تحمل صورة السيستاني باخرى تحمل صور سياسيين مثل المالكي وعبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي في العراق، والتي تشكل قائمة مرشحيه اكبر تهديد لإئتلاف المالكي في هذه الانتخابات.
يقول عبد الرزاق: "نحن، كمجتمع شرقي، معتادون على ان يكون لنا رموزا. ويجب ان يكون لنا رمزا لكي نصوت له. ولكن هذه الرموز اصبحت اليوم سياسيين لا (آيات الله)."
يقول غسان العطية، المحلل السياسي ومدير المؤسسة العراقية للتنمية والديمقراطية، وهي مؤسسة علمانية، ان من غير الواضح سبب توقف المالكي عن الخطاب الديني.
يقول عطية: "من الواضح ان المالكي يرغب في البقاء في السلطة، ان كل من يتسلق سلم الصعود الى السلطة لا يود تسلقه هبوطا. لذلك يجب عليه ان يتكيف وان يتغير. لكننا لازالنا لا نعرف الاجابة على السؤال الاهم: هل ان المالكي مخلص في ارتداء قميص الاصلاح بدلا عن عباءة الاسلام؟"
يقول عطية انه يعتبر المالكي فائزا في الانتخابات حتى لو حصل إئتلافه على محافظتين فقط، فحزب الدعوة يسيطر الان على محافظة كربلاء فحسب. يعتقد مديرو الحملة الانتخابية ان الإئتلاف يمكن ان يفوز باغلبية المقاعد في مجالس محافظات بغداد والنجف والبصرة وذي قار.
لكن على الإئتلاف ان يتخطى الشعور السلبي للمعارضة، التي ترى ان المالكي يتجاوز حدود سلطته.
فاستنادا الى مسؤول اميركي رفيع المستوى، طلب عدم نشر اسمه نظرا لحساسية الموقف، فان 142 نائبا على الاقل يمكن ان يصوتوا على سحب الثقة من المالكي، أي بزيادة اربعة اصوات عن العدد المطلوب. لكن هذا المسؤول ومشرعين بارزين من مختلف الاطياف السياسية يؤكدون ان من غير الراجح ان يُتخذ هذا الاجراء، لانه ما من بديل آخر، وان ذلك قد يغرق البلاد في حالة من الفوضى.
لكن المالكي لا يحظى باجماع على مستوى البلاد. فالصدريون يلقون عليه باللائمة في الحملات العسكرية التي استهدفتهم. ويرى الكرد انه يحاول ان يسلبهم حقوقا واراض يجب ان تكون جزءا من منطقتهم. وآخرين ينتقدون قيامه بانشاء ما يسمى بمجالس الاسناد، وهي مجاميع مسلحة هدفها المعلن تعزيز الامن، في مختلف محافظات البلاد.
يقول مخلد علي، المدرس الخصوصي لمادة اللغة الانكليزية في النجف والذي يبلغ 47 عاما من العمر: "ان انشاء مجالس الاسناد هي خطوة معدة مسبقا بهدف تحويل هذه المجالس الى قوة ضاربة لحزب الدعوة."
لكن المرشحين على قائمة (دولة القانون)، في اية حال، يعتقدون بوضوح ان علاقتهم به سوف تساعدهم على الفوز في الانتخابات. ففي اثناء تجمع ضم ثمانين من النساء في النجف التقين بمناسبة شهر محرم الحرام، حاول متطوعو الإئتلاف والمرشحات من النساء ان يفوزوا بدعمهن.
نهضت امرأة ترتدي عباءة سوداء بينهن وذكرت اسم المالكي اكثر من ثماني مرات في غضون دقيقتين. قالت المرأة، التي وافقت على اعطاء اسمها الاول فقط، ندى: "يجب علينا ان نحمد الله الان لانه منحنا حكومة المالكي. لقد اصبح لدينا الكثير مما كنا لا نمتلكه."
وبينما ماجت النسوة نهضت مرشحة، وادعت قائلة: "اخواتي، اسمي جنان البغدادي، وانا على قائمة المالكي"، وذلك قبل ان تتحدث عن اهتمامها بقضايا المرأة. ثم جلست، وبدأت النسوة بالدعاء والنحيب في مراسم محرم.
وكانت البغدادي قد اوضحت مسبقا السبب في عدم حاجتها الى التحدث مطولا.
قالت: "انا على قائمة المالكي، والكل في العراق يحب المالكي. ما الذي يمكن ان يقال اكثر من هذا؟"

المفتش العام يجد خروقاً في إشراف المتعاقدين الأمنيين .. وزارة الخارجية الاميركية ربما تكون قد خالفت القوانين

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

ربما تكون وزارة الخارجية الاميركية قد خالفت التعليمات الفيدرالية من ناحية احالة عملية ادارة المتعاقدين الامنيين الخصوصيين في العراق، الذين تبلغ قيمة عقودهم عدة مليارات من الدولارات، بذمة متعاقدين اخرين، كما اعلن المفتش العام في الوزارة بتقريره الذي صدر امس.
ويقول التقرير، الذي اصدره مكتب المفتش العام، والذي تشكل في العام الماضي لغرض التدقيق على صرفيات الاموال في العراق وافغانستان، ان مكتب وزارة الخارجية للحماية الدبلوماسية كان "فعالا جدا في تأمين سلامة" الشخصيات الدبلوماسية في العراق. ولم تقع ضحايا بين الدبلوماسيين والمدنيين الاميركيين الذين قام المتعاقدون بتوفير الحماية لهم تحت اشراف المكتب.
لكن التقرير يمضي الى القول: "على كل حال، فان الزيادة المضطردة، في استخدام المتعاقدين الامنيين الخصوصيين بمقياس واسع قد حدّ من قدرة الوزارة على ادارة شؤونهم بشكل فعال." ووجد مكتب المفتش العام ان جهود الوزارة كان "يتم التقليل من قيمتها نتيجة تغيير الموظفين بين آونة واخرى، وقلة عدد الموظفين، وازدياد ضغوطات العمل، وغياب السياسات وقواعد الاجراءات العملياتية القياسية."
يقتضي عقد الشركات الامنيية ان تقدم قوائم باسماء منتسبيها، والتي تثبت انهم حاضرون وجاهزون للعمل. لكن التقرير يقول ان كلا من المتعاقدين ومسؤولي الامن الحكوميين لم يراجع القوائم بشكل فعال. وبرغم ان المتعاقدين عانوا "مصاعب مزمنة" في الحفاظ على سجلاتهم للافراد، وخدمات تقنيي الطوارئ والمترجمين، فان الوزارة "لم تفرض عليها عقوبات مالية نتيجة تلك المخالفات."
يقول التقرير انه تم استخدام متعاقدين لمتابعة التجهيزات التي يتم تزويدها الى المتعاقدين الامنيين في العراق، وتضم اكثر من 500 عجلة، و7,500 قطعة سلاح، واربعة ملايين قطعة ذخيرة سنويا، و"ادوات حساسة للاتصالات." ويمضي التقرير الى القول بان التعاقد حول هذه "الفعاليات الحكومية الخطيرة" هو مخالفة محتملة لتعليمات التفتيش الفيدرالية.
يقول باتريك كندي، مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الادارية: "تأخذ الوزارة أي نقد بغاية الجدية. ولكنها تنظر الى الظرف الذي تحدث فيه العمليات." وتؤكد استنتاجات التقرير على ان الشخصيات الدبلوماسية قد تمت حمايتها بشكل فعال.
ولم يشر التقرير بالخصوص الى اداء أي من الشركات الثلاث التي تستخدمها وزارة الخارجية في العراق، وهي بلاك ووتر وتربل كانوبي ودينكورب انترناشينال، والتي تضم 1,290 عنصرا امنيا في الخدمة هناك. وتعتبر بلاك ووتر، التي تضم 968 عنصرا امنيا حسب احصائية في شهر تشرين الثاني، الاكبر بين هذه الشركات، وتتولى حماية البعثات الدبلوماسية في العاصمة ومعظم المنطقة الوسطى في العراق.
ولا يوجد ذكر للاتهامات التي وجهت في الشهر الماضي لستة من عناصر بلاك ووتر المتورطين في حادث اطلاق النار في بغداد والذي خلف 14 قتيلا بين المدنيين. وادت الواقعة بوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الى تغيير اجراءات حماية القوافل الدبلوماسية والدعوة الى الغاء عقد بلاك ووتر عندما يحين موعد مراجعة عقدها في الربيع. يمثل (عقد حماية الشخصيات الدبلوماسية في اقطار العالم) مظلة يتم تحتها تنظيم العلاقة بين وزارة الخارجية والشركات الثلاث، والتي يبلغ السقف المالي لمستحقاتها 1,2 مليار دولار على مدى خمس سنوات، على ان يتم اجراء مراجعة سنوية للخدمات المقدمة في العراق وبلدان اخرى. وتم توقيع العقد الحالي اول مرة عام 2005.
ووجد مكتب المفتش العام انه لا مكتب السفارة في بغداد ولا مكتب امن البعثات الدبلوماسية قد راجع العدد المطلوب من المتعاقدين الامنيين، او المكان الذي يتوجب نشرهم فيه، منذ افتتاح السفارة عام 2004، وهي فترة من التغييرات الامنية السريعة، سواء نحو الافضل ام نحو الاسوأ. وعلى سبيل المثال، وجد المحققون، انه تم في شهر آب تخصيص 14 حارسا امنيا في مدينة كركوك لحماية شخصية دبلوماسية واحدة. وفي مقر السفارة الاقليمي في البصرة، تم تخصيص 113 عنصرا امنيا لحماية شخصيات دبلوماسية لم يغادروا مقراتهم في الموقع العسكري المحصن الا خمس مرات منذ شهر كانون الثاني. وفي قاعدة طليل الجوية شمال البصرة، "لم تكن هناك تحركات تتطلب حماية امنية على مدى ستة اشهر متتالية، برغم توفر 30 الى 35 عنصرا امنيا متخصصا مقيما في الموقع"، حسبما يذكر التقرير.
وقد بيّن المسؤولون الذين قابلهم المفتش العام موقفهم بالقول: "ان الايقاع العملياتي المتسارع في العراق قد حدّ من قابليتهم على وضع تقييم معمق للمتطلبات الامنية ومن ثم اتخاذ قرار فيما اذا كانت الاعدادات الامنية الحالية، بمستواها الراهن، تعد منطقية."

Thursday, January 15, 2009

طرق جديدة للتسلق الى السلطة في العراق

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

الضلوعية – يرتدي ناظم خليل زي رجال الدين كونه احدهم. وهو يحمل ندوب من التمرد الذي اشترك فيه. وفي بلد اصبحت فيه الاعمال هذه الايام تدور حول السلطة، فانه يتكلم بلغة التجار الذين غدا منهم، يمارس تجارته في منافسته للوصول الى السلطة.
يتنعم خليل بالسلطة، مأخوذا بشبابه، ومتحكما في مدينته التي تشبه الواحة النائمة على كسرة في نهر دجلة. تلك السلطة كانت ثمرة الملحمة العراقية منقطة النظير التي حوّلت هذا الشاب الغض، ابن الاسرة الدينية، من قيادة الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في العراق، والمسؤول عن المنطقة التي شهدت اعدامات بين سكانها على قارعة الطريق، الى الذراع الكريمة للجيش الاميركي ورئيس الوزراء نوري المالكي، اعداءه السابقين.
تحليل خليل ليس معمقا: لقد كان في الجهة الخاسرة.
اما معادلته فبسيطة: فهو، بعون الله، والاسلحة والاموال، يحوز على السلطة في المدينة.
يقول: "انا واثق ان الاميركيين سوف يغادرون بعد فترة، ولن احصل على شيء من خلال قتلهم الان. استطيع ان اقتلهم في أي مكان، وفي أي زمان، ولكن ماذا بعد؟ في البداية، راودتني فكرة اني استطيع الوصول الى اهدافي عن طريق السلاح، لكن بصراحة... لقد ذهب الاستثمار بلا ربح. هذه الشركة لم تحقق ارباحا."
ان صعود خليل هو بمثابة قصة الحرب التي لم تنته بعد، والكفاح الذي بدأ للتو في العراق، شكلته المتطلبات العملياتية الاميركية لقمع التمرد واعمال التدمير، ولتحويل المناطق التي تركتها هذه الخيارات خلفها. لقد مزقت الحرب والاحتلال تقاليد السلطة القديمة هنا، التي كانت مغمورة بالدعم والتقاليد القبلية. ينبثق قادة جدد وقوى جديدة في اماكن مثل الضلوعية ما يعيد رسم خارطة المدن والمناطق التي توالت عليها الاحداث تباعا، من سيطرة صدام عليها، الى مآسي الانصياع للتمرد، الى التنافس الغامض على السلطة.
يقول اهالي الضلوعية انها، بحنقها التلقيدي، نموذج لمناطق العرب السنة في البلاد. واذا كان الامر كذلك، فالمدينة بحق انموذج صارخ. فقد اصبح خليل، الرجل الصريح عادة، والمقنع احيانا، والمتسلط طورا، قد اصبح رجلها القوي.
ورث خليل من عائلته، وهو بالكاد يبلغ ثلاثين عاما من العمر، اكبر جوامع المدينة، حيث يتجمع عدد كبير من المصلين يوم الجمعة لسماع خطبته الرنانة. وهو يرأس المجلس الذي يشرف على المئات من الرجال المسلحين الذي تخلوا عن التمرد لصالح الوحدات التي تمولها الولايات المتحدة، والمعروفة باسم (ابناء العراق)، ويفوق عددهم عديد رجال الجيش والشرطة التي تقيم هناك. ان مجرد ذكر اسم خليل، او ملا ناظم كما يعرف هنا، يضمن المرور من نقطة السيطرة. كما انه يرأس مجلسا لزعماء العشائر، والذي يوفر قناة اتصال بالمالكي، والذي عرض مصافحته بود في اجتماع عقد بالمنطقة الخضراء في بغداد.
وليس باستطاعة مجلس المدينة المنتخب الا ان يراقب ويتشكى، همسا، من الرجل الذي يخشون. ويسخر رجال المدينة المسنين من عمره وتاريخ عائلته، بنظرات يصعب اخفاؤها.
يتساءل عبد الله الجبوري، العميد السابق في الجيش وعضو المجلس حاليا: "تسأل عن رأيي؟"، ثم يتوقف هنيهة مع ابتسامة تفصح عن الحرج. ثم يقول: "أي شخص يحصل على السطة المطلقة يصبح خطرا حتى على نفسه."

مشهور بانه متمرد
طالما تمتع خليل بمكانة متميزة في مدينته، ذات الـ50,000 نسمة، والتي تنعم بالبساتين واشجار البرتقال. وكان ابوه، محمود، قيما على مسجد الخلفاء، وهو الاكبر في المدينة، وقد ورثه خليل وهو في عمر الثامنة عشرة. هذا الامر كان لجده، المسمى خليل، أيضا. وفي ايام صدام كسب لنفسه قدرا من الشهرة، او السمعة، حينما تم استجاوبه عن نقده الصريح للحكومة في خطبه، حينما قال ان على الحكومة ان تبني مدارس لا قصورا، وان الحكومة لا تعمل بموجب الشريعة الاسلامية.
ولكنه فاز في عام 2003، بعد اشهر من سقوط صدام، بشهرة واسعة برسالته الملتهبة والقاسية ضد الاميركيين، والمتضمنة حماية اهل السنة ضد الشيعة. وحتى هذا اليوم، لايزال البعض يتذكر خطبته التي القاها في تشرين الثاني (من ذلك العام).
وتحدث في تلك الخطبة عن ثلاثة رجال تنافسوا على مكان الاكثر شرا بينهم. الاول رآى امرأة تحمل حطبا على رأسها، فقام بضربها. وقام الثاني بتمزيق ملابسها واغتصابها. اما الثالث فقد تنحى جانبا. وحينما سأله الاخران ما الذي فعله ليثبت انه الاكثر شرا، ضحك الرجل وقال: كانت هذه أمي.
توقف خليل لحظة عندما انهى القصة، ملأ المسجد صمت رهيب. ثم واصل كلامه، وقد اخذ صوته بالارتفاع مجددا، قائلا ان الأم تمثل العراق، وان الرجال هم اولئك الذين يخونونها.
ثم صرخ: "الاحتلال مثل السرطان، وينبغي استئصاله."
وكان خليل، في تلك الايام، يصر على انه "انما كان يقاتل بلسانه." ثم ما لبثت عاطفته ان قادته الى زعامات المتمردين الذي كانوا قد بدأوا للتو، واصبح قائدا لثلاثين رجلا مسلحا، وصار يحضر اجتماعات في بغداد، حيث يلجأ الى جامع ام القرى للاحتماء في بعض الاحيان. وارتحل الى الرمادي، عاصمة محافظة الانبار، ومدن في محافظة ديالى، وعبر الحدود الى سوريا. وقد سجنه الجيش الاميركي مرتين: فقد كان السجين رقم 159605، حيث امضى قرابة ستة اشهر في سجن ابو غريب عام 2004، وبعد عامين اصبح السجين رقم 200331، حيث امضى مدة مماثلة في سجن كامب كروبر في بغداد. وحسب روايته، فان الجنود الاميركيين فتشوا داره 67 مرة. كما احضروا كلابا لتفتيش مسجده في بعض الاحيان.
وفي آب من عام 2006، وبعد اجتماع عقد في حمص بسوريا، انضم الى تنظيم القاعدة في العراق، وهو تنظيم محلي سني يقول الضباط الاميركيون ان قياديه من الاجانب الذين يعتنقون وجهة نظر متطرفة للاسلام.
وبخلاف الاديان الاخرى في العراق، لم يكن هناك غموض في موقف اهالي الضلوعية نحو الاحتلال. فقد كان هذا الامر مرفوضا منذ البداية. وكانت المدينة مسرحا لاولى جهود مكافحة التمرد، حينما اقتحمتها قوات اميركية يبلغ قوامها اربعة الاف جندي مصحوبة بالطائرات العمودية والعجلات المصفحة في حزيران من عام 2003. وقامت هذه القوات بقتل ثلاثة ذكور، بينهم صبي يبلغ 15 سنة من العمر، وتركت جثته ملقاة في العراء لساعات، ما ادى الى انتفاخها تحت الشمس الحارقة.
لكن حتى اعتى اعداء الاحتلال ذاقوا ذرعا بوحشية القاعدة، والتي حكمت الضلوعية لمدة 16 شهرا ابتداء من العام 2006. وقد تم جرّ الرجال الذي اتهموا بانهم (عملاء) من بيوتهم وسياراتهم، وفي بعض الاحيان يتم اعدامهم في الشارع العام باطلاق عيار ناري في مؤخرة الرأس. وتم اعدام احد الرجال، وهو شقيق رجل شرطة، بقطع الرأس بواسطة مجرفة يدوية ذات نصل غير حاد. وفي مجمل الامر فان الاهالي يقولون ان 216 من الاشخاص تم قتلهم. ولم يكن ممكنا لاي شخص التدخين في الشارع والا سيواجه عقوبة عناصر القاعدة.
يقول خليل عن القاعدة: "لقد كانت، نظريا، جيدة."
لكنه ادرك ان ما وصفه التمادي في تطبيق افكارها قد حوّل الرأي العام ضدها. واليوم يشعر بالاسف ويقول انه انما اراد قتال الاميركيين، وليس الجيران الشيعة في بلد، وبالتأكيد ليس أناسه انفسهم. لكنه اقر ايضا انه أجبر، آخر الامر، على تقييم المكاسب مقابل التكاليف.
تزين جدران بيته لوحات عليها كتابات قرآنية تقول (ان الله يغفر الذنوب جميعا وهو الغفور الرحيم). وهو يقول "على مدى اربعة اعوام من القتال، لم نحصل على شيء."
ثم يضيف خليل ساخرا: "لقد افلست الشركة." لم تكن هناك الا اشارة بسيطة على الندم، وقدرا اقل من الاسف. واضاف: "لقد اصبح الماضي وراءنا الان. لقد أخفقتُ، ولكن لا اريد ان اتذكر سنوات الفشل."
في حزيران من عام 2007 انقلب خليل على حلفائه، معلنا حربه عليهم من مسجده.
واستصرخ قومه قائلا: "يجب على القاعدة ان ترحل، او تواجه ما لا تتوقعه منا. ارموا بهم خارج قرانا. لا تأخذكم بهم رأفة، صغارا كانوا ام كبارا."
حاول اتباع القاعدة في العراق قتله ثلاث مرات. ففي 19 تشرين الاول من ذلك العام، زرعوا قنبلة تحت كرسيه في المسجد، مما ادى الى اصابة 136 من المصلين. وعانى خليل نفسه من ثلاثين جرحا، خلفت ندوبا داكنة على ذراعه اليسرى ورجله اليسرى. ولكن في غضون اشهر قليلة، ومن خلال عمله مع الجيش الاميركي والشرطة والرجال الذين انقلبوا على القاعدة وانضموا الى المليشيات التي يدعمها الجيش الاميركي من المقاتلين السابقين، تمكن خليل من تحطيم هذا التنظيم. يقدر الاهالي انه تم اعتقال ثمانين من رجال القاعدة، وقتل سبعين آخرين، خمسين منهم على ايدي القوات الاميركية، وعشرين بايدي رجال الشرطة. ولم يتمكن سوى اثنا عشر مقاتلا من الفرار، يتملكهم الرعب وهم يخطون السير عبر المزارع المحيطة بالمدينة.
واستنادا الى تقدير خليل نفسه، فهو آخر الرجال المتبقين.
وقد حلق ذقنه، التي كانت نعومتها دلالة على حداثة سنه. وفي صالة الاستقبال خاصته التي طليت باللون الزهري الفاتح، علـّق بدون الشعور بالحرج صورته وهو يحمل بندقية قنص، ومحاطا برجال من القوات الامنية العراقية، والمتمردين السابقين الذين انقلبوا الى حلفاء للاميركيين، وجندي اميركي فغر ثغره بابتسامة عريضة. وهو كريم دائما مع زواره، ويتحدث بعاطفة الهداية.
صرّح قائلا: "لدي الان شركة جديدة."
واضاف مبتسما: "لن تستطيع ان تعيد النياندرتال الى الحياة في عصر العولمة."
لكنه مايزال يعتبر انفسه (اسلاميا)، وتبقى كلماته لتابعيه قوية وحادة.
وادعى في خطبة القاها حديثا على جموع المصلين في مسجده، الذي هو في آن صومعته: "بلدنا محتل واجسادنا ممزقة، لكن يجب ان لا ننسى اهلنا في فلسطين."
واعلن، في صوت آخذ في الارتفاع، إدانته لليهود: "اولئك اولاد الحمير، اعداء الله، وقتلة الانبياء، يقومون بقتل اخواننا واخواتنا في فلسطين."

الفراغ الذي خلفه صدام
تمتعت الضلوعية، في ظل حكم صدام، بميزات دعمه وموالاته. ويقدر بعض الاهالي انه ربما كان تسعين بالمائة من سكان المدينة اعضاء في حزب البعث، ربعهم يعملون في الجيش او في جهاز المخابرات الحكومي.
لكان هذا العالم تهاوى في نيسان 2003. وقامت العشائر، ومن بينها اسماء ذات سطوة، مثل الجبوري، والخزرجي، والعبيدي، والبوفرج، باملاء الفجوة لفترة من الزمن، ثم افسحت المجال امام المجاميع المتمردة، واخيرا القاعدة في العراق. وترك رحيل القاعدة مناطق متنازعة، حيث لا تمثل الحكومة بجنودها السبعين في المدينة الا احد اللاعبين.
اما مجلس المدينة فلا يحظى بادنى احترام، ويوصف بانه فاسد، وتم تجاوزه لانه غير فعال. وتقوم العشائر بادارة المدينة. قبل ايام التقى شيوخ المنطقة في مدينة بلد للتفاوض حول قضية فصل عشائري، حيث قتل اعضاء القاعدة في الضلوعية اربعة عشر عامل بناء من بلد باطلاق النار على مؤخرة رؤوسهم في عام 2006. لكن حتى شيوخ العشائر يشتكون من انهم لم يعودوا يتمتعون بنفس السلطات في مناطقهم، بعد ان تم اعادة تشكليها من قبل القوى التي يرعاها ويسلحها الجيش الاميركي والحكومة.
يقول خليل ان منظور زعماء العشائر "محدود."
وذلك ما يترك خليل لوحده، وهو الذي يقود سبعمائة عضو من قوات ابناء العراق في المنطقة. هؤلاء الرجال يقومون على نقاط التفتيش في الطرق الرئيسة للمدينة، مرتدين ملابس مدنية او زيا عسكريا غير نظامي، حاملين اشرطة العيارات النارية على صدورهم، وملوحين باجهزتهم للاتصالات اللاسلكية. وهو يرأس مجلسا مكونا من عشرة من زعماء العشائر، اسسه المالكي في العام الماضي، في محاولة صعبة للتواصل مع المناطق الريفية. يقول انه يلتقي مع الجيش الاميركي كل اسبوعين. وفي كل ثلاثاء، يجمع مجلس الضلوعية مع المسؤول الاداري وقادة الشرطة، ومجلس المدينة والجيش ليتدارسوا الوضع الامني هناك.
يقول المقدم ديفيد دورتي، المتحدث باسم القوات الاميركية في شمال العراق، وهي المنطقة التي تضم الضلوعية: "لقد ساعد (خليل) في الحفاظ على الامن في المنطقة، بينما يساعد في تلبية احتياجات الاهالي في نفس الوقت."
في مقر مجلس المدينة، وهي بناية بسيطة في مدخل المدينة توشحها اثار اطلاقات نارية، كان الجبوري اكثر تحفظا. هذا الرجل الفاره الطول، الذي يعتمر الكوفية ذات المربعات، يمثل ماضي الضلوعية . فقد كان ضابط برتبة عميد في النظام السابق، وشارك في الحرب مع ايران. وهو الان محامٍ وشيخ عشيرة، وعضو مجلس المدينة، ويطمح الى ان يجلس تحت قبة البرلمان. في البداية حاول تجنب الاسئلة حول خليل.
اجاب الجبوري، البالغ 68 عاما من العمر: "هذا سؤال عميق."
ولكن بعد تناول الشاي المحلى الساخن، المصبوب في اقداح رقيقة، بدأ النقاش في الانفتاح.
تطوع احد زملاؤه في الاجابة: "انه من عائلة محترمة."
رد الجبوري بغضب: "ماذا؟ هل هو شيخ عشيرة؟ كم من البيوت تعود اليه؟ خمسة؟ هو ليس مفكرا. وهو ليس الا مراهقا."
ثم تهاوى النقد مع تصاعد الغلظة. لقد كانت مناقشة قضية خليل مثل تحريم بعض المتدينين للخمر، ومن ثم شرب الكأس الاول. لقد اتاح له المال والسطلة ان يصبح فرعونا. وجردت بنادقه التي يحملها رجاله مجلس المدينة من قدراته. وبرغم انهم انتخبوا لشغل مناصبهم في المجلس، الا انهم وجدوا انفسهم واقفين في الخارج، لا يملكون الا النظر الى الداخل.
قال احد الاعضاء: "كل ما نفعله هو ان نكتب، لا نستطيع تنفيذ أي شيء."
وقال آخر، بدا خائفا جدا من التصريح باسمه: "لقد نصّبه الاميركيون مسؤولا. هم الذين اعطوه المفتاح، والا فمن اين يتأتى له الحصول عليه؟"
هز الجبوري رأسه، قائلا: "طموحاته وصلت الى السماء."

هيأة المرشح للانتخابات
بعد ان انتهى خليل من القاء خطبته جلس يتحدث على طاولة غداء مؤلف من لحم الغنم والرز والسمك المشوي والباميا المطبوخة بالمزيد من لحم الغنم، وقال: "القتال الان هو القتال على الاصبع."
وهو يعني بذلك الانتخابات القادمة واللطخة القرمزية التي سَتسِم اصابع العراقيين بعد التصويت. كما انه يعني انه سوف يرشح نفسه الى البرلمان، على امل ان يمثل الضلوعية.
في هذه الايام، يبدو خليل مهتما بالمدينة. لقد تزوج وكسب بذلك المزيد من الاحترام. وهو يتواصل مع الذين يصلون خلفه بسهولة. وهؤلاء هم من المقاتلين الذين يعملون تحت قيادته، والعمال الذين يرممون المسجد. وحتى قبل ما يقرب من سنة من الانتخابات النيابية، فهو يبدو بهيأة المرشح.
يقول ان الاميركيين قدموا، بتدخل منه، التمويل لعشرين مشروعا في المدينة، من تبليط طريق بطول 16 كيلومتر الى توفير الماء الصالح للشرب للالاف من العائلات. ولايزال يشرف على توزيع رواتب قوات ابناء العراق. وقد وفـّر فرص عمل في الجيش والشرطة لاربعمائة شخص. كما انه أمّن تعويضات لـ 1,500 شخص من الذين اصيبوا اثناء القتال.
يقول: "في هذه اللحظة، انا امتلك مصداقية كبيرة بين الناس."
وفي خارج المسجد، راقب شهاب خالد قصابا وهو يذبح خروفا، ومن ثم يجرّ السكين على طول بطن الحيوان المعلق على خطاف اللحم.
قال بصدر منقبض: "لطالما ارتكبوا مجازر جماعية مثل هذه. كانوا يقومون بذلك بانتظام." فقد قتلت القاعدة اخاه زيدا، وهو رجل شرطة مثله، في آب من عام 2007. وهو نفسه لم يرتدِ زي رجال الشرطة ابدا. واستطرد قائلا: "قضي الامر الان. لقد مرّ وكأنه حلم."
قال انه حمدَ الله اولا، "وثانيا جهود ملا ناظم."
ولكن هناك شيئا مألوفا حول تردد الكثيرين غيره في الحديث.
هناك مثل شائع في المدينة يقول: "من يخاف يبقى آمنا." وكان هذا المثل يقال بعد سقوط صدام والفوضى التي صاحبته. لكنه لايزال صحيحا اليوم. هناك خوف هنا، وهو الاحساس العام في اماكن يكون فيها القانون اعتباطيا، بحيث يكون من الافضل ان تقل الكلمات التي تقال.
يقول سليمان كنوش، الموظف الحكومي البالغ 43 عاما من العمر: "لايزال (خليل) بحاجة الى المزيد من الوقت لبناء الثقة. نحن بحاجة الى المزيد من الوقت لكي نمحه ثقتنا مجددا."
لكن الثقة ليست هي تحديدا مرتكز قوة خليل.

اليوم التالي في العراق .. ربما تكون الحرب انتهت.. لكن السؤال الحتمي: ماذا بعد؟

عن واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

ربما تكون الاطلاقة الوحيدة التي سمعتها منذ عدة ايام في حي سكني كان في الماضي يسوده اطلاق النار. ربما تكون الابتسامات في نقاط التفتيش، وصياح رجال الشرطة العراقيين المارين خلال زحام الشوارع الدائم. «رحم الله والديكم، بارك الله فيكم.» ربما يكون صوت جهاز التسجيل الذي مازال يعزف موسيقى عيد الميلاد في محل صغير ممتلئ بزينة عيد الميلاد والوسائد الموشحة بالقلوب الحمر. من امضى فترة من الزمن في احلك ايامها قبل عامين، حينما كانت مشلولة بالكره الطائفي وخاضعة الى سيطرة المسلحين الذين عملوا على نشر روح اليأس، فانه لا مناص له من الاقرار بالتغيير الحاصل، حينما يعود ليراها الان.
يقول بائع الرصيف حيدر العبودي: «لقد انتهت الحرب.»
حقا لقد انتهت الحرب في العراق، في الاقل من ناحية الصراع الذي تعلمناه في السنوات الخمس الاولى: التمرد، التطهير المناطقي، معارك العصابات والخارجين على القانون، والامل البعيد في الخلاص. وبكلمات اخرى، الحرب الاهلية، برغم انها لا ترقى الى التعريف بمصطلح الحرب الاهلية. وقد بدأ العلاج، حتى الان، في اخذ مفعوله. وهو الحال ايضا بالنسبة الى الكثير من القوى التي انفلت زمامها مع الغزو الاميركي عام 2003، محولة العراق الى ارض مقسمة تتملكها القسوة المفرطة. في ذلك (العراق) كان الاميركيون هم الحكم الاخير، ونتيجة لذلك جردوا كل شيء تركوه وراءهم من الشرعية.
من نافلة القول ان هناك سِلم في العراق. حيث لا يقتل كل يوم في العراق الا نحو نفس العدد الذي سجل في عامي 2003 و2004. ولابد كذلك من القول ان هناك نصرا. حينما تتم ترجمة هذه الكلمة الى العربية فان اي عراقي يرسم ملامح تعجب على وجهه. نصر على من؟ بالتأكيد ليس على عشرات الالاف من المدنيين، وربما اكثر من ذلك بكثير، الذين قتلوا في المصادمات الجنونية مع تلك القوى الغامضة.
لكنه اليوم التالي.
تبدو بغداد كثيرة الشبه بجنوب لبنان بعد الحرب غير المتناظرة بين اسرائيل وحزب الله عام 2006، نهض الناجون من بين حطام منازلهم ومكاتبهم ومحالهم التجارية مع ابتسامة الرضا عن نجاتهم. في زمن الحرب، ذلك هو نصرهم. ثم استوعبوا الدمار الذي تركه القتال حولهم. لكن ملامح وجوههم تجهمت حينما ادركوا المهمة التي امامهم.
لربما يكون هذا هو اليوم السابق، كذلك.
يقول شيدراك جورج، احد الذين شهدوا سقوط التمثال يوم 9 نيسان 2003: «لا نعلم ماذا سيحدث لاحقا.» في ذلك اليوم شاهد رجالا يضربون تمثال صدام بالسلاسل والمطارق قبل ان يفسحوا المجال لدبابة المارينز ان تسقط التمثال ارضا. لقد توقفت المركبة بلا داع. لم يكن عليها ان تفعل ذلك.
يقول ان كل شيء يبقى «غامضا» وغير واضح.
ويضيف: «نريد ان نعرف كيف ستسير الامور.»
مدينة الجدران
اطلق سكان مدينة بغداد، على مدى 1250 عاما من تاريخها، اسماء كثيرة عليها. سماها مؤسسها ابو جعفر المنصور مدينة السلام، وقد بناها لكي تكون عاصمة له واحاطها بأسوار مدورة. بلغ كمال استدارة هذه الاسوار حدا دفع بعض المعاصرين للاعتقاد بان تلك الجدران قد صُبت صبا في قالب.
اما بغداد في زمن صدام فقد كانت شهادة على مرضه في الشعور بالعظمة، باطرافها المتباعدة وفخامتها المشوهه. وبعد سقوطه تم تجريد المدينة من حلتها لتكشف عن ابنية من الطابوق والطين، ضعيفة مثل سكانها. لقد اضحت مدينة القناديل الزيتية وسط الظلمة الشديدة، مدينة اشباح يظللها الخوف، مدينة مهجورة. ثم ما لبث ان جاء معمار الاحتلال، متهاويا عليها كالستائر، جدرانا إسمنتية مستوية ومقرفة، ذات لون رمادي غامق كئيب.
بغداد الان هي مدينة هذه الجدران.
يبدو حي الدورة مثل سجن شديد الحراسة، تكمل صورته ابراج الحراسة الصدئة. وفي السيدية لا يوجد الا مدخل واحد، حيث يصل احيانا طول السيارات التي تنتظر عبور المدخل اكثر من كيلومتر ونصف، ومدينة الصدر مقفلة ومقسمة الى ثلاث مناطق. اما حي العامرية فمحاطة من جميع الجهات. وهو حال احياء الحرية والشعلة والبياع والعامل. لا يستطيع من في الخارج ان يرى ما بداخلها، ولا يستطيع من في الداخل ان يرى شيئا خارجها.
وعلى مدى عامين لم يتغير الا اوجه الجدران.
تعلن لافتات الجدران الان عن الجيش العراقي المتفاخر: «لواء الاسد يبقى اسد» وهي تحذر: «احترم لكي تحترم.» وتوجه التحية: «عاش العراق الجديد.» وهي تخدم كارضية للوحات زيتية تتخطى تاريخ العراق العربي المعاصر الى التاريخ الاقدم، زمن مجد السومريين والبابليين. تحمل الجدران لافتات الاعلان عن وكالات السفر، ومحال الصيرفة، وسماسرة العقارات التي تحميها الان (أي التي تقع خلفها). كما انها تحمل انماطا مكررة للازهار، كانت قبل وقت ليس بالبعيد اكثر رواجا في ملصقات الشهداء.
الاهم من كل ذلك ان الجدران تخفي ما خلفها.
وصف رئيس مجلس النواب السابق ما خلفه الاميركيون وراء هذه الجدران بالقول: «دولة محطمة.» قال ذلك محمود المشهداني بغضب قبل ان يستقيل من منصبه في كانون الاول. لكن لقوله صدى، سواء في العراق ككل، تلك البلاد الناعسة التي تسودها ظلال من اللون البني، لون الفقر، ام في بغداد، المدينة التي يبدو كل شيء فيها هذه الايام ملتويا وممزقا. تتخللها الاسلاك الشائكة التي فقدت بريقها. وفي كل جزرة وسطية اكوام من التراب والانقاض. وعلى كل رصيف قمامته الفجة.
تبدو نهاية الحرب هذه وكأنها هدنة اكثر منها معاهدة، تهدئة اكثر منها مصالحة. ليس هناك انتعاش او نهضة، لا احتفال. انها تعّرف نفسها على انها رفع حصار، لا اكثر.
في الساحة المدورة التي عرفت مرة باسم ساحة علي بابا، يتدفق الماء احيانا من نافورة برونزية تجسد كهرمانة، الفتاة الأمة التي غلبت بمكرها الاربعين حرامي، تلك القصة التي اوردتها حكايات «الف ليلة وليلة.» يلعب الفتية لعبة البليارد على مناضد رصفت بموازاة نهر دجلة الجاري وئيدا. تجلب الشاحنات المصطفة على طول شارع ابو نؤاس السمك الحي، الذي سوف يُقدم في اطباق الـ(مسكوف)، الأكلة العراقية بامتياز.
وفي ساحة الفردوس، حيث اتاح تمثال صدام ، ذات مرة، الطريق امام الدبابات الاميركية التي كتب على مواسيرها: «الفتى الوحشي» و»شهوة الدم»، تعلوها سماعات المدرعات الاميركية تصدح باغنية «حلقة النار»، هناك التقط طالبان، هما حسين العباس وامجد عبد الحمزة، صورة لكل منهما الاخر قرب معالم المتنزه.
قال عباس: «انها للذكرى.»
وخلفهما يمكن قراءة ملصق يقول: «القانون يبني الامم.»
غالبا ما يصف المسؤولون الاميركيون هذا (العراق) بمصطح (هش)، وهو حقا كذلك. ومع ذلك، وفي هذه الاثناء، يشعر البلد انه قد يتعافى، من الناحية الاقتصادية إن لم يكن من الناحية المظهرية، ببركة الاحتياطيات النفطية الاكبر في العالم. يبدو هذا البلد متهاويا، وان كان بمقدوره ان يبقى بلاحول ولا قوة، معتمدا على الولايات المتحدة التي يبدو انها عازمة على التحكم بمستقبله.
من اجل الحصول على السلطة هناك عدة وسائل، منها سلسلة الانتخابات هذا العام، والمال، والسلاح، والاضطهاد، والوسائل الاخرى الشائعة. يبقى الطيف بين هذه الاقطاب معتمدا على مسألة السلطة، وهو يغذي معظم مظاهر الحياة في العراق اليوم.
يكرر الاميركيون قول كلمة (هش). الكثير من العراقيين يقولون (خطر)، يستعد للمزيد من العنف.
تقول امل سلمان: «الهدوء يسبق العاصفة دائما.» وهي تعيش مع عائلتها في الكرادة، على شارع اصطف فيه باعة الرصيف الذين يعرضون قبعات خطت عليها اسماء باللغة الانكليزية. ويعرض كشك صغير ملصقات لصابون تركي اصبح مطلوبا في بغداد واماكن اخرى من العالم العربي. وما تلبث ملصقات المطرب العراقي الشهير حسام الرسام ان تنفد لكثرة الطلب.
سجلت امل سلمان سقوط صدام في مذكراتها، وكانت في الثالثة عشرة من العمر عندما كتبت عام 2003: «لا احد يدرك انهم قد ذهبوا جميعا الى الابد.» وبقيت متفائلة حتى في احلك فصول بغداد: «سوف تغيب الشمس اليوم، ولكنها دائما تشرق من جديد. كل شيء ينهض من جديد.» ثم تقول: «لا اعرف كيف اعبّر عنه، ولكني افهمه.»
اما الان وقد بلغت الثامنة عشرة من العمر فهي قلقة.
تقول: «يكون الخطر الاكبر، على الدوام، حينما يسود الهدوء.»
مع مشهد مركبة الانقاذ التابعة الى البحرية الاميركية وهي متوفقة عند ساحة الفردوس يوم التاسع من نيسان عام 2003 بعد ان أدت دورها، من الصعب ان نتصور ان الولايات المتحدة قد تفهمت، بصدق، البلد الذي ورثته اليوم. هذا البلد الذي نهشته الحرب والطغيان، وتغمره المشاعر المتناقضة تجاه المستقبل، ويملأه الحنين الى الماضي. لم يخضع ابدا الى البديهيات الاميركية. لم يمتثل ابدا الى نموذج الولايات المتحدة فيما يجب ان يكون عليه.
وفي غضون اشهر، انطلق عنان القوى غير المتوقعة والتي ستشكل العراق قريبا، حركة تحررية استيراد المتطرفين الاسلاميين، التركيز على الهوية الطائفية والعرقية، وبدء ثقافة حمل السلاح خارج القانون.
واليوم يبدو ان الكثير من هذه القوى قد اتخذت دورتها كاملة.
يقول وميض ناظم، الاستاذ في العلوم السياسية الذي يسكن في منطقة الاعظمية، وهو يجلس الى طاولة غداء شتوي: «هناك عدم تكامل في عموم النظام الطائفي في العراق. بعضهم يسعى الان لغسل ايديهم من الدماء التي لوثتها.»
اصبح الحي الذي يسكنه هادئا، بعد ان كان ذات مرة غاية في الخطورة. لم تكن هناك رشقات متقطعة من العيارات النارية، ولا الاصوات القارعة للطائرات العمودية. لم تكن بوابة منزله مقفلة، ولم يكن باب المدخل مقفلا.
ماطل ابنه جمال في الموافقة، ولكنه وجه بعد ذلك انذارا.
حذر والده بالقول: «مازال الجمر وضاء.»
افضل ما توصف به السياسة العراقية هذه الايام هي: الزئبق. القفز، الدحرجة، التكاثف، الدفع والجر من قبل قوى تبدو دائما خفية وغير منظورة..
لقد كان الشيعة العرب والسنة العرب والاكراد على الدوام تمثيلا مبسطا للعراق. لم يعد للامر معنى اليوم مع كل هذه التحالفات المتفجرة التي تسعى للاجابة على السؤال الكامن في قلب الحياة السياسية العراقية اليوم: ما هو مقدار سلطة الحكومة المركزية في بغداد، واي تحالف مصالح سوف يحوز على تلك السلطة في بغداد؟
يقول عبودي، بائع الرصيف في حي الكرادة المزدحم، وهو جالس امام معروضاته من الالبسة الرجالية : «لقد اختفت ألسنة اللهب. هذا صحيح. لكن الحرب مستمرة بين السياسيين. حتى هذه اللحظة هناك عراك شديد يدور بينهم.»

Tuesday, January 13, 2009

عام 2009 في العراق.. فجرٌ لعهد جديد برغم المخاوف القديمة

عن: جريدة مكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة

بحلول عام 2009 حقق العراق، على الورق في الاقل، انجازا لم يتسنَّ له منذ ان غزته القوات الاميركية، قرابة ستة اعوام مضت، واسقطت نظام حزب البعث الذي كان يرأسه صدام هذا الانجاز هو اعلان سيادة الامة، والتخلص من تفويض الامم المتحدة الذي اتاح للولايات المتحدة ان تدير الشأن العراقي.
بالطبع، مازالت القوات الاميركية هنا، وسوف تبقى لبعض الوقت. على كل حال، فحسب الاتفاقية الثنائية الجديدة يجب على هذه القوات ان تراجع المسؤولين العراقيين فيما تفعل، وتتقدم بطلب اوامر الاعتقال والاوامر القضائية قبل القيام باعتقال الاشخاص، وبحلول حزيران يجب عليها ان تنسحب بشكل كبير من المدن العراقية.
ان هذه التغييرات لن تحدث مرة واحدة، والبعض منها مفتوح للتأويلات. فالمسؤولون الاميركيون يصرون على ان من المحتمل ان تبقى قواتهم في المراكز الامنية المشتركة، التي يشرفون عليها بالتعاون مع القوات العراقية في بغداد، الى ما بعد الوقت المحدد للانسحاب من المدن وهو 30 حزيران.
لكنه ما من شك ان تاريخ 1 كانون الثاني يمثل خطوة رئيسة في التطور العراقي. فقد غادر المسؤولون الاميركيون بالفعل من القصر الجمهوري الذي كان يشغله صدام حسين، والذي استخدموه كمقر منذ ان سيطرت القوات الاميركية على بغداد، ليشغلوا بنايتهم الجديدة التي تبلغ مساحتها 420 ألف متر مربع، وتعد اكبر موقع لسفارة اميركية في العالم.
وعلى الرغم من ذلك، فان العراقيين غير راغبين في القول بان ايام العنف الطائفي البغيضة قد ولت، او ان ما يحدث الان سوف يؤدي الى مستقبل افضل.
وهم يتوقعون صراعا حول المناطق. ومع اقتراب الانتخابات المحلية في وقت لاحق من هذا الشهر، فانهم قلقون من ان يؤدي التنافس السياسي الى تجدد العنف. وهم لايزالون غير واثقين في الحكومة، وغير واثقين في المستقبل الذي ليس بمقدوهم التنبؤ به.
وقد عادت الاسواق في الهواء الطلق الى الانتعاش من جديد. وفتحت المتاجر، كما تم اعادة بناء المقاهي التاريخية والمكتبات والمطاعم. يبدو ان المخاوف والمآسي التي حدثت عامي 2006 و2007، حينما اجبر العنف الطائفي والتفجيرات العشوائية العراقيين على الانزواء في منازلهم، قد تلاشت في معظمها. لكن من الصعب، باي حال، ان يعود الامل بهذه السرعة بعد كل هذا القدر من سفك الدماء.
وقد عاد رواد مقهى الشابندر، وهو مؤسسة فكرية في شارع المتنبي، سوق بيع الكتب التاريخي في بغداد والذي سمي نسبة الى الشاعر العراقي الذي يعد اشهر شعراء العرب على مدى التاريخ، عاد الرواد الى المقهى الذي احترق إثر تفجير ارهابي عام 2007، ثم تمت اعادة بنائه.
يشعر محمد كاظم الخشالي ببعض البهجة حينما يجلس الى طاولته في مدخل المقهى، كما كان يفعل على مدى خمسين عاما، واضعا كتابا عن التراث الشعبي العراقي امامه، وهو يتسلم النقود من الزبائن عن المشروبات التي تناولوها. وقد علق على يسار الحائط خلفه صورة تحمل وشاحا اسود في اعلاها. لقد قتل اربعة من اولاده واحفاده في تفجير عام 2007.
يقول انه قبل خمسة اعوام كان لديه اربعة اولاد متعلمين وثلاثة عشر حفيدا. وقد حقق حلمه في بناء مكان لتجميع المثقفين لمناقشة الشعر والفلسفة، مكان يقصده السواح ليطلعوا على تاريخ العراق وحضارته. اما اليوم فقد امتلأت عيناه أسى وهو في مقهاه الذي انفقت الدولة على اعادة بنائه.
وهو يقول: «لقد اعتبرت نفسي اميرا من قبل. لقد تم اعادة بناء المقهى ودار الطباعة. لكن الحياة تغيرت. لقد انتقلت من والد يعيش مع اولاده الى والد يعيش لاعالة ايتام اولاده.. لقد اضحت الحياة تعذيبا.»
وقد توفيت زوجته ايضا. وهو يقول انها توفيت كمدا وحزنا. تأتي اصوات المثاقب والمناشير الآلية من الخارج لتؤكد على التغيير في شارع المتنبي الجديد الذي بُني على انقاض سلفه الجريح.
يصل جسر الائمة بين احياء الاعظمية ، والكاظمية وقد تمت إعادة فتحه مجددا بعد سنوات من الغلق لمنع المتطرفين من استهداف وقتل بعضهم البعض الاخر.
والان يتزاور سكان احدى المنطقتين مع سكان المنطقة الاخرى. ليس من المستغرب ان تسمتع الى هتافات تنطلق من سيارة عَلقت عند تقاطع مروري. لكنها لاتزال غير اعتيادية.
يتم اخلاء الحافلات التي تعبر الجسر، والممتلئة بالزوار الى مرقد الامام الكاظم او الامام ابو حنيفة على جانبي الجسر، يتم اخلاؤها من ركابها قبل عبورها الجسر. ويقوم الجنود بتفتيشهم وتفتيش مركباتهم قبل ارسالهم في طريقهم.

نتيجة للتحسن الأمني..المرشحون يخوضون حملات انتخابية شعبية

عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – كان صباحا شتويا باردا في بغداد يوم الاثنين، لكن على بعد بضعة كيلومترات من مسجد ، حيث فجر انتحاري نفسه ما ادى الى مقتل وجرح 112 شخصا في اليوم السابق، كان سمسار العقارات ذو الخمسين عاما والذي يدعى عبد الكريم وهو ايضا مرشح مستقل، كان في الشارع يحث على انتخابه في اية حال، موزعا بطاقات حملته الانتخابية ومعلقا ملصقاته على الجدران.
قال عبد الكريم لشخص مسن، وهو يسلمه رزمة من البطاقات المغلفة بالنايلون: «اذا كنت ترى اني رجل جيد، ادع الناس الى انتخابي.»
تعتبر الانتخابات المحلية التي ستجرى في 31 كانون الثاني الاولى التي اعتبرتها الحكومة آمنة بما فيه الكفاية للاعلان عن اسماء المرشحين بدلا عن مجرد اعلان الانتماءات السياسية، حيث ستظهر اسماء المرشحين الساعين للحصول على بطاقات الانتخاب.
وهي ايضا الانتخابات الاولى التي يقرر فيها عدد كبير من المرشحين، امثال عبد الكريم، خوض الحملات الانتخابية الشعبية ووضع صورهم بحجم كبير على ملصقاتهم واعلاناتهم المنتشرة في ارجاء المدينة. ويبدو احيانا ان الاعلانات قد غطت حتى اصغر اجزاء الجدران الكونكريتية الواقية من الانفجارات في بغداد.
وهذه الانتخابات هي جزء من سلسلة من التصويتات التي تم جدولتها في العراق لهذا العام، وتتضمن الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على انسحاب القوات الاميركية من العراق.
سوف تشكل هذه الانتخابات، في مجموعها، المستقبل السياسي في العراق، حيث انها تنبثق بعد فترة من الصراع الطائفي واسع المدى، وتواصل طرح اسئلة اساسية، مثل ما اذا كانت وحدة العراق ستستمر ام سوف يتم تقسيمه.
كما ان هذه الانتخابات المحلية سوف تجرى على خلفية انسحاب موجة من القوات الاجنبية، واكثرها عددا من بريطانيا والولايات المتحدة. فقد وافقت الولايات المتحدة على سحب قواتها القتالية، التي يبلغ عديدها حاليا نحو 145,000 مقاتل، من المدن بحلول 30 حزيران، والانسحاب تماما من العراق بحلول نهاية عام 2011.
يتوقع ان يؤدي التصويت لانتخاب مجالس المحافظات الى تصحيح التمثيل في الحكومات المحلية بين العرب السنة، خصوصا في المناطق التي كانت خاضعة للمتمردين، وطالما عانت من العنف الطائفي، وتشمل محافظات بغداد والانبار وديالى ونينوى.
هناك خوف على نطاق واسع، على كل حال، من يؤدي التصويت الى جولة جديدة من الصدامات. فقد تم اغتيال مرشح واحد في الاقل على يد منافسيه السياسيين، كما تم اعتقال عدد من مرشحي المعارضة، والتحقيق مع بعضهم بتهم تتعلق بالارهاب في ديالى.
سوف تؤجل الانتخابات في محافظة كركوك المضطربة، والتي تحتوي على 40% من الاحتياطي النفطي في العراق. ولن تجرى الاتخابات ايضا في محافظات اقليم كردستان الثلاث، المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي.
وما يزيد الانتخابات تعقيدا ان نصف عدد المهجرين فقط، الذين يبلغ تعدادهم 5,1 مليون نسمة حسب منظمة الهجرة العالمية، سوف يسمح لهم بالتصويت، وهم اللاجئون في داخل حدود العراق.
وتعد هذه الانتخابات المحلية بمثابة استفتاء على شعبية الاحزاب الدينية التي سيطرت على الوضع السياسي في العراق، ومن بينها حزب الدعوة، حزب رئيس الوزراء نوري كامل المالكي.
يقول ريدر فيسار، الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية في اوسلو، والذي يدير موقعا الكترونيا يركز على الشأن العراقي: «هناك عدم رضا واسع عن الاحزاب الدينية الحاكمة، لكن المالكي يحاول بوضوح التقليل من هذا الشأن عن طريق لعب الورقة الوطنية المعتدلة.»
وعلى الرغم من ان المالكي نفسه ليس مرشحا، الا ان حزب الدعوة الذي يقوده قد نظم مجموعة من المنظمات السياسية في إئتلاف اطلق عليه «دولة القانون»، والذي يحاول التقليل من اهمية جذوره والتركيز على التحسن الامني، والروح الوطنية، والتنمية الاقتصادية.
وقد عبر الناخبون، في مقابلات اجريت على مدى الاسبوعين الماضيين، عن اعتقادهم بان العنف الطائفي الذي تأجج في عموم البلاد مرتبط بصعود الاحزاب الدينية. وقال هؤلاء الناخبون ان الحكومات المحلية لم تفعل الا القليل من اجل توفير الخدمات الاساسية مثل الكهرباء. واليوم، بعد اربع سنوات من رفع الاصبع البنفسجي الذي اضحى رمزا للديمقراطية في العراق، فان هناك املاً بان تعيد انتخابات منفردة الامن والنظام، التي استبدلت بروح الاستسلام للقدر في ديمقراطيات اقدم بكثير.
تقول ايمان كركز، الاكاديمية البالغة خمسين عاما، التي تسكن مدينة الفلوجة، تلك المدينة التي مزقتها الحرب: «لن اشارك في هذه الانتخابات، لان من انتخبنا في المرة الماضية قد قادونا الى الفشل. لقد استخدمت معظم الاحزاب الدين والاسلام كغطاء، ومن ثم اوجدت الطائفية والشغب في مجتمعنا.»
سعت الحكومة للحد من تأثير الاحزاب الدينية على الانتخابات المحلية عن طريق منع الدعاية الانتخابية في المساجد واماكن العبادة الاخرى، ومنع استخدام صور الرموز الدينية في الشعارات السياسية، وهي الستراتيجيات التي وظفتها الاحزاب الدينية ، بنجاح كبير، في الانتخابات السابقة.
وقد قال رجل الدين الأكثر نفوذا، آية الله العظمى على السيستاني، وهو رجل الدين البالغ 78 عاما من العمر انه يخطط في البقاء على الحياد بشكل كبير خلال هذه الانتخابات.
وصرح الصدر، الذي ضعف موقفه كثيرا عما كان عليه في انتخابات 2005، انه سوف يساند هذه المرة مرشحين بعينهم لخوض الانتخابات المحلية، بدلا من وضع اسمه على قائمة المرشحين.
يقول صلاح العبيدي، المتحدث باسم الصدر: «لم نشأ ان نفقد ثقة الشعب عن طريق تسييس الانتخابات المحلية.»
ربما جاء هذا القرار متأخرا. يقول كرار علي، عامل البناء البالغ 28 عاما في محافظة ميسان جنوب العراق، انه يخطط للتصويت لمرشحين ذوي خلفية علمانية فقط.
ويضيف: «لن انتخب اية قائمة دينية. تلك القوائم التي تعتقد ان الفن حرام، وان الرياضة حرام، وان حرية التعبير حرام، لن تحصل على صوتي لانها تربطني بقيود طالما عانيت منها، وانا اريد ان اكون حرا الان، بدون هذه القيود.»
هناك علامات اخرى تشير الى سأم الناخبين من الممارسات السياسية في العراق.
ففي استبيان حكومي، اجري في شهر تشرين الثاني الماضي وشمل 3,000 ناخب عراقي مؤهل، ساند ما يقارب الثلث منهم فكرة الدولة ذات الحزب الواحد، بينما قال 46 بالمائة من مؤيدي التعددية ان اداء الحكومات المحلية القائمة كان ضعيفا. وبرغم هذا، فان 75 بالمائة من المستفتين عبروا عن تفاؤلهم بمستقبل العراق، وقال 69 بالمائة انهم ينوون التصويت.
لكن على الرغم من ان الاحزاب الدينية قد لا تحصل على النجاح الذي حازته في الانتخابات السابقة، فان المحللين يقولون ان استحواذهم على الاموال، وقبضتهم على المقاعد في المجالس المحلية والوطنية، وقدرتهم على تشكيل تحالفات سياسة سوف تضمن لهم، الى حد كبير، تبعية كبيرة في التنافس المحلي.
يقول كريم المحمداوي ، سائق التاكسي البالغ من العمر 57 عاما من محافظة ميسان: «نحن بلد مسلم لا يتقبل ابدا من يوزع المشروبات الكحولية ويحث اولادنا على التشبه بالنساء.»
وتبذل الحكومة، التي رصدت مبلغ 225 مليون دولار من اجل الانتخابات، جهودا حثيثة لتصل الى نسبة المشاركة التي بلغت 63 بالمائة في انتخابات عام 2005، والتي اجريت في نفس يوم انتخابات الجمعية الوطنية.
ومن اجل منع التزوير سيسمح لـ 46,000 من المراقبين غير المتحزبين، بمتابعة سير التصويت في داخل مراكز الاقتراع.

Saturday, January 03, 2009

تعافي المستشفيات ترفع الآمال في العراق

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – حذره زملاؤه ان من المبكر العودة الى العراق. وقالوا له ان العراق مازال خطرا، خصوصا بالنسبة الى طبيب قـُتل سائقه في محاولة فاشلة لاغتياله. لكن غزوان البداوي لم يعد يستطيع البقاء بعيدا اكثر من ذلك. فهنا تقطن عائلته، وهنا يكمن اكثر احتياج الى عمله. يقول: «الامور اخذت في التحسن يوماً بعد يوم. لقد بدأنا بالتفاؤل مجددا. انها بداية امل جديد.» يعود الاطباء والعاملون في المجال الصحي الذين هربوا من العراق على مهل بينما تقل وتيرة العنف، كما ان الادوية والمستلزمات الطبية اصبحت متوفرة بشكل غير مسبوق.
وبينما مازال القطاع الصحي في العراق مبتلىً بالمشاكل الناتجة عن الحرب، والدكتاتورية، وسنوات من العقوبات الدولية، تلوح علامات على التعافي، حيث تمتليء صالات المستشفى الذي يعمل فيه الدكتور البداوي الان (بالمراجعين).
يُعد مستشفى الاطفال التعليمي المركزي هو الاكبر من نوعه في بغداد، وقد اعتبر لمدة طويلة مقياسا على تعافي العراقيين على الاجمال، منذ الايام المظلمة لعهد صدام، الى العنف الطائفي اثناء الحرب، الى تحقيق المكاسب الامنية الاخيرة.
لكن البداوي، الذي بقي مشتتا في قراره، يقول ان التقدم الحالي مؤقت. مضيفا ان التفاؤل الذي اعقب سقوط صدام حسين صاحبه الكثير من الامال «بان تأتي الولايات المتحدة بكل ما اوتيت من منشآت ومعدات طبية. لكننا كنا مخطئين».
بدلاً من ذلك، اضحى الاختصاصيون هدفا للقتل والخطف حينما نشبت الفتنة الطائفية اوائل عام 2006. وبعد ان تعرض الى محاولة اغتيال، غادر البداوي الى الاردن ومن ثم الى الولايات المتحدة.
يقول البداوي ان زملاءه يسألونه الآن: «لماذا عدتَ؟ انه ليس الوقت الملائم، قد يكون ذلك بعد اربع او خمس سنوات». ولكنه يجيب قائلا: «لا استطيع العيش بسلام اذا كانت عائلتي تعاني. إما أن نعيش كلنا في سلام، او ان نعاني جميعا».
وبرغم ذلك، يختار البداوي ان يرى الامل في العراق. فتوفير الغذاء قد تحسن خلال العامين الماضيين، على سبيل المثال، واصبح العراق قادرا على استيراد جميع الاحتياجات الطبية والادوية من خلال وزارة الصحة.
يقول ستيفان دي مستورا، الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق، والذي عمل هنا اواخر التسعينيات خلال فترة الحصار وبرنامج النفط مقابل الغذاء: «لم يعد الموقف ازمة انسانية». لكن الفقر مستمر. فعدد العراقيين الذين هم تحت خط الفقر يبلغ اربعة ملايين نسمة، في بلد تبلغ ميزانيته 78 مليار دولار. بينما يبلغ عدد العراقيين الذين تركوا منازلهم او هاجروا الى الخارج بسبب الحرب 4,8 مليون نسمة.
يقول السيد دي مستورا: «ان اسوأ الحالات هي بين المهجرين داخليا. انهم يعيشون على الحافة وهم في امس الحاجة الى المساعدة.» لكن في الجانب الايجابي، فان واردات العراق تنمو بمقدار 7 بالمئة.
وبالمقارنة مع ازمة القطاع الصحي في العراق قبل عقد من الزمن، فان اماكن قليلة فقط بقيت بحالة سيئة في ما كان يعرف بمستشفى صدام التعلمي المركزي للاطفال.
وقد شهد كاتب هذا المقال، آنذاك، وفاة طفلين حديثي الولادة لعائلتين مختلفتين وبعمر يقل عن 15 يوما، خلال فترة لم تتجاوز 30 دقيقة. فقد ولدا ضعيفين جدا نتيجة سوء التغذية، فلم يستطيعا النجاة. وتشير احصائية اخرى للامم المتحدة نشرت عام 2002 الى ان «حالات المواليد ذوي الوزن المنخفض قد ازدادت من 4.5 بالمئة عام 1990 الى 23.8 بالمئة عام 1998».
صرح مسؤول المساعدات الانسانية في الامم المتحدة، دنيس هاليدي عام 1998: «للعقوبات الدولية تأثير هائل. لقد حولت العراق الى انقاض.» وقد استقال من منصبه محتجا، ليكون ثاني اثنين من المسؤولين اللذين اتخذا مثل هذه الخطوة.
وقد حُذف اسم صدام حسين من اسم المستشفى. يقول المسؤولون انها تعمل الان بطاقة تبلغ 70 الى 80 بالمئة من طاقتها الاستيعابية، ارتفاعا من نسبة 30 الى 40 بالمئة قبل عقد من الزمن. وهي مازالت تتعافى من آثار العنف الطائفي في عامي 2006 و2007، والذي ادى الى خسارتها تسعة من اطبائها الاربعة والعشرين. فقد قـُتل اثنان منهم، بينما غادر الباقون العراق.
يقول مدير المستشفى قاسم راهي عيسى: «نحاول ان نتقدم نحو عالم جديد. لا اعتقد ان الامور ستعود الى العنف مجددا. فقد سأم الناس من تلك الظروف».
ان روح التفاؤل المؤقت التي عبر عنها البداوي وآخرون منتشرون في المستشفى يمكن ان تتجلى في جناح الامومة، حيث جلست الجدة المتشحة بالسواد والتي تسمى زمزم بحانب حاضنة حفيدها، المدعو مصطفى، النائم في حاضنة الرضع، والذي يبلغ 6 ايام من العمر.
فهي تقول: «شفاؤه من الله». لكن العاملين هنا يقولون انهم يقومون بكل ما يسعهم لتحسين فرص جميع الاطفال. وبالنسبة الى جميع العراقيين، فان المشاكل الصحية التي اثقلت كاهلهم قبل عشر سنوات اصبحت اقل تأثيرا الآن.
وبرغم ذلك فان تقرير مكتب المساعدات الانسانية التابع للامم المتحدة الذي صدر في 19 تشرين الثاني يدعو الى تخصيص مبلغ 547.3 مليون دولار الى العراق واللاجئين العراقيين في المنطقة. ويشير التقرير الى ان «مئات الالوف من العوائل العراقية مازالت تكافح على حافة الفقر، والتهجير، والعواقب المستمرة للصراع». كما ان تأثيرات العقوبات السابقة، والصراع، والاهمال «مازالت مكثفة وحادة».
يبقى الفساد وعدم القدرة على توزيع المساعدات على رأس مشاكل الحكومة. فقد وجد تقرير صادر عن صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف)، استنادا الى ارقام رسمية، ان نسبة الوفيات بين الاطفال تحت سن 5 سنوات قد ارتفعت مرتين ونصف خلال العقد المنصرم. ويشير التقرير الى ان اكثر من خُمس عدد الاطفال «لازالوا يعانون تأخراً في النمو».
بينما تعتبر الارقام الواردة من عهد صدام محل استفهام، فان الحكومة اليوم تنفق 5.9 مليار دولار على نظام البطاقة التموينية القديم والذي تم استحداثه في الثمانينيات واشاد به مسؤولو الامم المتحدة ذات مرة على انه يحافظ على الانفس وانه نموذج للفعالية. لكن حاجات العراق تغيرت. يقول ديفيد شيردر، منسق المساعدات الانسانية في العراق ان ذلك النظام بات «غير فعال بالمرة في توفير الحاجات الاساسية».
ويضيف قائلا: «نحن نرى كثيراً من الحاجات الانسانية المكثفة نوعا ما. والحال في العراق انه مؤلف من فسيفساء مختلفة المستويات من الطبقات المحتاجة، سواء من العهد السابق او في السنوات القليلة السابقة. ان التحدي امامنا هو ان نعمل على هذه الحالات الحرجة حقا».
يقول الخبراء ان النظام بحاجة الى اصلاح، لان مفردات البطاقة التموينة لا توزع استنادا الى الحاجة، بل على انها حق لكل عراقي. لكن ايصال الطعام الى الفقراء العراقيين ليس الا حقلاً واحداً من الحقول التي تمس الحاجة الى تطويرها.
فعلى سبيل المثال، تشير الارقام الرسمية التي تعود الى عام 2006 ان 79 بالمئة من العراقيين يتم تزويدهم بالماء الصافي، غير ان 40 بالمئة فقط يمتلكون ماءً جاريا في منازلهم. كما يتم اعتراض انابيب الماء الصافي من قبل البعض على امتدادها متسبببين في تلوثها، ما يؤدي الى زيادة معدلات وفيات الرضع.
وقد حدّ الوضع الامني غير المستقر، حتى الآن، من تطوير البنية التحيتية والتي من شأنها ان تحسن الوضع الصحي عموما في البلاد. وقد قـُتل حتى بداية العام الجاري قرابة 600 من العاملين في مجال البلديات والاشغال العامة في انحاء العراق، اثناء قيامهم بمهامتهم في اصلاح مشاكل الماء والمجاري في العراق.
يقول شيردر: «مع كل هذا التركيز على الامن، اعتقد اننا نفتقد اشياء اخرى في بعض الاحيان. نحن نفتقد العوز».