Tuesday, December 02, 2008

أمريكا تحصل على انتصار ضعيف

عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة

واشنطن – تضع الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة بداية لنهاية الحرب في العراق. غير انها ليست الا البداية، في اية حال، حيث توجد بنود الاتفاقية ظروفاً من عدم الثقة، والتي من شأنها ان تحدث اضطراباً في انسحاب القوات الاميركية من العراق، الذي يفترض ان يكون سلسا. تحدد هذه الاتفاقية – وتشتمل على "اطار عمل ستراتيجي" عام، واتفاقية امنية اكثر تفصيلاً، واللتين صادق عليهما البرلمان العراقي يوم الخميس الماضي– مواعيد نهائية طالما رغبت فيها المدن التي حصلت فيها الحروب. ويتطلب من القوات الاميركية، بموجب هاتين الاتفاقيتين، ان تنسحب باجمعها من العراق قبل 31 كانون الاول 2011، لكنهما لا تعطيان جدولا زمنيا للانسحاب، ويمكن –نظريا– ان تضيف ثلاث سنوات اخرى الى الحرب، التي استمرت خمس سنوات ونصف حتى الان.
كما وافقت الولايات المتحدة على ازالة جميع القوات القتالية من المدن والقرى العراقية بنهاية حزيران، لكن الاتفاقيتين تصمتان ازاء اعداد القوات "القتالية"، والى اين سوف تتحرك تحديدا. فقد تـُركت هذه القرارات على عاتق لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة، وهي لجنة مؤلفة من اميركيين وعراقيين، قد تثبت انها جسم غريب تماما مثل اسمها المختصر Jmocc.
سوف يكون لهذه اللجنة صلاحية المصادقة على العمليات العسكرية الاميركية، واستخدام القواعد والمنشآت، واعتقال العراقيين من قبل القوات الاميركية، حتى – في حالات نادرة على ما يبدو – محاكمة الجنود الاميركيين المتهمين في "جنايات قتل متعمدة" التي ترتكب خارج الواجب وخارج القواعد العسكرية. يمكن ان تتوافر ظروف عديدة تسبب توتراً في العلاقات، بل وقد تؤدي الى التصادم.
كتب ترافس شارب، محلل شؤون الدفاع في مجلس العالم القابل للعيش، وهي منظمة غير نفعية، في بيان صدر بعد تصويت البرلمان العراقي: "تبقى علامات الاستفهام تحوم حول حرية القوات الاميركية في القيام بالعمليات القتالية، والالتزامات الامنية الفضفاضة، وحماية المنشآت الحيوية العراقية".
وقد عارضت هذه المنظمة الحرب مدة طويلة، ولكن بيانها ينص على انها تساند الاتفاقيتين. والسبب في ذلك يعود الى كون بعض البنود والتعريفات فضفاضة بما يتيح للرئيس المنتخب باراك اوباما مقداراً لا بأس به من المرونة لتنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب.
ان كسب تأييد منظمة معارضة للحرب مثل هذه يعد انتصاراً للرئيس بوش، برغم كونه مشوشا. كما انه يبرر اصرار اوباما على إيجاد جدول زمني للانسحاب، مرغماً الأمريكيين والعراقيين على التفكير في الزمن الذي يعقب رحيل القوات الامريكية التي تحتل البلاد.
وقد بدأ القادة الاميركيون بالفعل في التخطيط لوضع جدول زمني لانسحاب الالوية القتالية يقترب كثيراً من وجهة نظر اوباما، وأسرع مما كان يبدو ممكناً قبل عام مضى.
وفي الوقت نفسه تترك الاتفاقيتان مجالاً للاحتفاظ بقوات اكبر في مكانها مما كان انصار اوباما يتطلع اليه، حيث سيبقى عشرات الآلاف من القوات الاميركية للتدريب والاغراض المساندة الاخرى، في الوقت الراهن على الاقل.
وقد رحبت بروك اندرسون، المستشارة والناطقة باسم فريق اوباما الانتقالي، بالمصادقة العراقية على الاتفاقيتين، قائلا ان فريق اوباما كان "متشجعاً لرؤية التقدم" في بناء الظروف التي تحكم الوجود الاميركي بعد نفاد تفويض الامم المتحدة بنهاية العام.
والسبب في ان الاتفاقيتين تعدان نصراً الى بوش يكمن في ان ادارته قد فاوضت بفاعلية من اجل انهاء الحرب المكلفة والتي لا تحظى بتأييد شعبي، والتي بدأت عام 2003 تحت ذريعة انهاء اسلحة العراق غير التلقيدية، والتي فقدت مصداقيتها منذ ذلك الحين.
وقد اضطر الرئيس بوش، في فترة الشهر المتبقية من فترته الرئاسية، على التنازل عن معارضته المبدئية لاية مواعيد نهائية للانسحاب الاميركي، وهو ما حث عليه اوباما على مسار حملته الانتخابية، ووافق على المطالب العراقية في ان يكون لهم دور متزايد في حكم بلدهم في نفس الوقت.
يقول جوردان جوندور، الناطق باسم السيد بوش: "مع اخذ ما كنا عليه في كانون الثاني عام 2007 بنظر الاعتبار، فقد شهدنا مدى من التقدم في القضايا السياسية والاقتصادية والامنية لم يكن يخطر على البال"، وذلك في تصريح يصف الاتفاقيتين بانهما دليل على نجاح ستراتيجية الرئيس بوش. مضيفا: "هذا التقدم بلغ حداً بحيث ان تحسن الظروف اتاح لنا ان نتوصل الى اتفاقية متبادلة مع العراق كامل السيادة الذي يحل مشاكله من خلال العملية السياسية، وليس من خلال البنادق والقنابل".
وقد اثار قبول الرئيس بوش بعراق ذي سيادة مخاوف لدى بعض كبار الديمقراطيين في الكونغرس، ومن بينهم كارل ليفين عن ولاية ميتشيغان، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة، ونظيره في مجلس النواب، النائب ايكي سكليتون عن ولاية ميزوري.
لكن أي انسحاب من العراق سوف يصاحبه حتما تأكيد اقوى على سيادة العراق، وبالتالي فترة من عدم الثقة، وذلك حين يتم تسليم السيطرة على العمليات القتالية من الجيش الاميركي الى العراقيين.
فعلى سبيل المثال، تعطي المادة التاسعة من الاتفاقية، التي تتحكم في القوات الامنية، للعراق حق السيطرة على مجاله الجوي أول مرة منذ ان بدأت الحرب، لكنها تمضي الى القول بانه يمكن للعراق ان يطلب "دعما مؤقتا" من الولايات المتحدة.
وما يزال من غير الواضح كم من القوات الاميركية يتوقع ان تبقى منذ الآن حتى الموعد النهائي للانسحاب، وفيما اذا كان أي منها يمكن ان يبقى بعد ذلك الموعد. لكن من الواضح انه مع بداية حزيران، حينما يبدأ مفعول الاتفاقيات بالسريان، فان العمليات التي تقودها اميركا في العراق سوف تنفد تحت قيود مشددة.
ويشير تاريخ الحرب الى ان المكاسب الامنية يمكن ان تنتكس، فمهما استؤنفت المصالحة السياسية فإن نشوب اعمال العنف سوف يؤدي الى انقطاعها مجددا، بحيث يتوجب على القوات الاميركية الاستمرار في الاشراف على الفسيفساء الطائفية والعرقية والتي يمكن ان تعود سريعا الى الحرب الاهلية.وقد وافقت حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، ضمن جهودها للفوز بمصادقة البرلمان العراقي، على عرض الاتفاقيات للاستفتاء العام في العام المقبل. واذا جاء التصويت الشعبي بالرفض، فيمكن ان يضع ذلك القوات الاميركية في العراق، التي لن تكون اقل من 100,00 جدي باي حال، في مفترق طرق قانوني، وذلك بغياب تفويض الامم المتحدة الذي يفترض ان تحل الاتفاقيتان محله نهاية هذا العام.
تقول منظمة شبكة الامن الوطنية، وهي مجموعة سياسية مؤلفة في معظمها من الديمقراطيين الذين انتقدوا بحدة سياسة الرئيس بوش: "من الواضح تماما ان ادارة بوش سوف تترك لادارة اوباما وضعا مرتبكا ومعقدا وغير مستقر في العراق"، لكن ان إدارة بوش تركت أيضاً لـ(اوباما) طريقاً للخروج.