عن الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
بعد يومين من انتخاب باراك أوباما رئيساً، قال الناطق باسم الحكومة العراقية، بتشديد غير معتاد، ان حكومته سوف تستمر في المطالبة بتحديد موعد حازم لانسحاب القوات الاميركية، برغم المطالب الاميركية بان يكون الانسحاب مرهون بالوضع الامني.
وقال علي الدباغ، المتحدث الرسمي: «يرغب العراقيون في ان يعرفوا ويشاهدوا موعدا ثابتا.» جاء ذلك في مقابلة صحفية كرر فيها الموقف العراقي القاضي بان تخضع القوات الاميركية الى القضاء العراقي في بعض الحالات.
يظهر المسؤولون العراقيون، الذين يرون ان وجهات نظر الرئيس المنتخب اوباما تتطابق مع وجهات نظرهم، وكأنهم يحاولون الافادة من انتخابه لغرض الضغط على ادارة بوش من اجل الحصول على تنازلات اللحظة الاخيرة. وقال الدباغ ان المفاوضات من اجل الوصول الى اتفاقية مستوى القوات (صوفا)، والتي من شأنها السماح بوجود عسكري اميركي في العراق، قد تنهار اذا لم يتم التوصل الى اتفاق في نهاية هذا الشهر.
تحدث القادة العراقيون، باللغة العربية، في مناسبات عدة عن تحديد موعد ثابت للانسحاب، متوجهين الى الجمهور المحلي والاقليمي. وقد علل المسؤولون الاميركيون، المرة تلو الاخرى، بان نظرائهم العراقيين كانوا اكثر ميلا الى التوافق في الجلسات الخاصة. لكن الدباغ كان يتحدث مباشرة الى واشنطن بوست، وباللغة الانكليزية.
وقال الدباغ ان على المسؤولين العودة الى طاولة المفاوضات. لكن المتحدثة باسم السفارة الاميركية في بغداد قالت ان المسؤولين الاميركين قدموا ما اطلقت عليه «النص النهائي» للاتفاقية الى العراق يوم الخميس.
وقال المسؤولون الاميركيون في واشنطن انهم حاولوا ان يستجيبوا للطلبات العراقية في الوثيقة الجديدة، برغم انهم اوضحوا انه قد تم اجراء بضعة تغييرات فقط ، ان كانت هناك اية تغييرات جوهرية. وقد اقترحت الادارة بيانا اقوى ينص على الزامها بعدم مهاجمة دول الجوار انطلاقا من الاراضي العراقية، وهو التغيير الذي طرأ نتيجة انتقاد العراقيين العملية الجوية التي قامت بها القوات الاميركية على احد عناصر تنظيم القاعدة في العراق المزعومين داخل الاراضي السورية.
وقد تم اجراء تعديلات على الموعد النهائي للانسحاب في عام 2011 للتأكيد ان اية قوات تبقى في العراق بعد هذا التاريخ انما تبقى هناك بطلب من العراق. وفي قضية ولاية القضاء العراقي قاوم البنتاغون اجراء اي تغييرات نوعية، الان هناك تغييرا طفيفا في صياغة الكلمات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود: «لقد تم انجاز العملية من جانبنا، ونحن نتطلع قدما الى الاستماع الى ما يقوله العراقيون. لقد تعاملنا مع القضايا بطريقة تحترم استقلال كلا الجانبين».
ولم يستجب مساعدو اوباما الى طلب التعليق على هذا الامر.
وقال الدباغ في هذه المقابلة انه يجب تقديم الجنود الاميركيين الى المحاكم العراقية اذا ارتكبوا جناية كبرى خارج قواعدهم العسكرية، الا اذا كانوا في مهمة مشتركة مع القوات العراقية. واضاف الدباغ ان على القوات القتالية الاميركية ان توقف عملياتها من طرف واحد بحلول حزيران، وان يتوجب ان يذكر في اتفاقية مستوى القوات (صوفا) ان على القسم الاكبر من القوات الاميركية ان تغادر العراق بحلول نهاية عام 2011.
واوضح الدباغ: «يجب ايواء القوات الاميركية في معسكرات معلومة. سوف يتم استدعاء الاميركيين عندما تدعو الحاجة الى ذلك. سوف تكون تحركاتهم محدودة.»
من جانب آخر قال وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري ان المسؤوليين العراقيين في اعلى المستويات يقومون بدراسة الوثيقة التي تسلموها من الاميركيين، مضيفا: «الوقت من ذهب».
فيما قال حيدر العبادي، عضو البرلمان واحد كبار مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي، ان هدف اوباما المعلن المتمثل باعادة القوات الاميركية الى بلادها بسرعة كبيرة نسبيا، يتوافق مع رؤية الحكومة العراقية.
وقال العبادي في مقابلة هاتفية: «لقد واصل اوباما الاعراب باستمرار عن رغبته بسحب القوات الاميركية خلال 15 شهرا. هذا يناسب تماما المطلب العراقي».
وكان اوباما قد قال، قبل عدة أشهر، انه يرغب في سحب القوات الاميركية خلال فترة 16 شهرا من تسلمه المنصب، لكن مع تحسن الوضع الامني، توقف اوباما عن ذكر هذا الاطار الزمني.
ويقول العبادي انه من غير الواضح كيف سيؤثر انتخاب اوباما في المفاوضات آخر المطاف. مضيفا: «قد تذهب في اي من الاتجاهين المتعارضين.» واوضح المشرع العراقي ان ادارة بوش ربما تجنبت اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في اثناء فترة الانتخابات الاميركية. لكنه يستدرك قائلا: «من الناحية الاخرى، ربما ستكون الارادة السياسية في واشنطن اضعف» مع انتهاء الانتخابات.
ويقول السياسيون العراقيون ايضا ان من غير الواضح حجم الاسناد المتوافر للاتفاقية بين اعضاء البرلمان الـ275، حيث ان الكثير من المشرعين يخشون اظهار مواقفهم علانية.
وكان مسؤولون عراقيون وأميركيون قد قالوا ان الحكومة الايرانية تحاول ان تقنع المشرعين العراقيين برفض الاتفاقية. كما ان المشرعين مترددين في دعم تمديد بقاء الجيش الاميركي لعدة اعوام لانهم يخشون ان يؤثر فيهم ذلك من الناحية السياسية في الانتخابات المحلية والوطنية المقررة العام القادم.
وفي الوقت الذي حدث فيه تحسن ملحمي في الوضع الامني في العراق، وصف العديد من المسؤولين العراقيين والاميركيين المنجزات بانها هشة واعربوا عن خوفهم ان تؤدي التوترات السياسية قبل وبعد الانتخابات في العام القادم الى اطلاق العنان للمزيد من اعمال العنف.
وقال الدباغ ان العراق يتجنب تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التي تسمح بوجود القطعات الاميركية في العراق باي ثمن. واضاف: «يمنحهم تفويض الامم المتحدة يدا مطلقة في كل شيء».وقال الدباغ ان المالكي بعث برقية تهنئة الى اوباما يوم الاربعاء. وقال ان العديد من السياسيين العراقيين الذي كانوا يفضلون السيناتور جون ماكين (عن ولاية اريزونا) قد تحولوا الى دعم اوباما بعد ان زار الديمقراطيون العراق خلال الصيف الماضي، وحيث انهم ادركوا ان رؤيتهم بخصوص الوجود الاميركي في العراق تتطابق مع اوباما اكثر منها مع ماكين.
واضاف الدباغ، واصفا شعور القادة العراقيين حيال اوباما: «انهم يحترمونه ويشعرون انه من الممكن ان يكون صديقا جيدا».
وبرغم ان الساسة العراقيين يقرون بان العراق لازال يعتمد على القوات العسكرية الاميركية بشدة في مجالات مثل الدعم الجوي وجمع المعلومات الاستخبارية، الا انهم يرغبون في ان يتوقف الاميركيين عن التصرف من جانب واحد في العراق. فعلى سبيل المثال، يقول الدباغ ان الاعلانات التلفزيونية واللوحات الاعلانية الكبيرة في الساحات العامة وغير ذلك من الوسائل الاعلامية، يجب ان تكون جهدا مشتركا.
ويستطرد: «ليس لدينا يد في الدعاية الموجهة التي يتم عملها الان. من الممكن ان تنجز بشكل افضل بكثير اذا كان للعراقيين قول فيها، وبامكان العراقيين ان يقدموا المشورة».
يستند تفاؤل الادارة الاميركية المعلن بان يتم توقيع الاتفاقية قبل انتهاء فترة تفويض الامم المتحدة في 31 كانون الاول الى عاملين: ان حكومة المالكي تعتبر ان تمديد ولاية الامم المتحدة اكثر اثارة للمشاكل السياسية من اتفاق ثنائي، حتى وان لم يصل الى 100% من مطالبه، كما أن القادة العراقيين غير راغبين في اعادة عملية التفاوض من جديد حينما يتولى اوباما مقاليد السلطة.
لكن اذا ثبت ان كلا من هذين الفرضين باطل، فان عملية تقديم قرار الى الامم المتحدة والتصويت عليه سوف تستغرق اسبوعين. ورغم ان المسؤوليين العراقيين كانوا قد بادروا الى ايجاد صيغة بديلة عن تفويض الامم المتحدة تصون استقلالهم، فانهم اقروا مؤخرا بان العوامل التي تمنح بموجبها الامم المتحدة تفويضا لقوات غير قوات حفظ السلام هي ضيقة الى حد ما. وبدلا من ذلك، فان المسؤولين يقولون ان المالكي يؤكد على ان يكون اي تمديد من الامم المتحدة مقتصرا على فترة محدودة.
وكان أوباما حذراً اثناء حمله الانتخابية في ابداء اي تعليقات بشأن محتوى المفاوضات مع العراق او اية قضية معينة، سوى القول بانه سوف يعطي الجيش مهمة اخرى تتمثل في الانسحاب من العراق خلال فترة 16 شهرا، بمعدل لواء او اثنين من الالوية القتالية كل شهر. كما ان اوباما كان قد قال بانه سيحافظ على «قوات مقيمة» بحجم غير محدد في العراق، بحيث تكون مهيأة «لعمليات مقارعة الارهاب» باستهداف تنظيم القاعدة في العراق ولحماية البعثة الدبلوماسية الاميركية وموظفيها المدنيين.
كما قال اوباما ان القوات الاميركية سوف تستمر في تدريب القوات الامنية العراقية، طالما حققت حكومة المالكي تقدما في عملية المصالحة الوطنية بين الطوائف والمجاميع العرقية.
يذكر ان كلا من اوباما ونائب الرئيس المنتخب جوزيف بادين قد لاحظا بان المالكي التزم بتقديم اي اتفاقية الى البرلمان العراقي، وقالا انه «من غير المقبول» ان لا يقوم البيت الابيض بمراجعة مماثلة مع الكونغرس الاميركي. كما انهما صرحا بان اية اتفاقية يجب ان «تنص صراحة على أن لا تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد دائمة في العراق».