عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
كامب بوكا – العراق، برغم ان المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة قد تحسنت كثيرا منذ فضيحة ابو غريب، لم يتم وضع نظام لتحديد المذنبين حيث يسعى المسؤولون الامريكيون الى تحويل السجون، التي وصفت ذات مرة بانها معسكرات تدريب تخرّج متمردين محتملين، الى شيء يشابه المدارس المهنية الاميركية. ويتم تقديم دروس دينية ومهنية للمعتقلين، كما يسمح لهم بزيارات للاقارب عبر دائرة الاتصالات المغلقة.
لكن الاتفاقية الامنية التي تمت المصادقة عليها حديثا تتطلب ان يقوم الجيش الاميركي باطلاق سراح المعتقلين العراقيين البالغ عددهم 16,000 سجين، حيث يقبع الاغلبية العظمى منهم في المعتقل الجنوبي الصحراوي، او احالتهم الى القضاء العراقي.
ومع اقتراب تحويل المعتقل الذي تديره الولايات المتحدة الى الادارة العراقية، تـُبذل جهود مشتركة حثيثة من اجل فرز المعتقلين الذين لا يُخشى اطلاق سراحهم عن المتمردين المحتملين.
وقد صرح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بان «معظم الاشخاص الذين اعتقلوهم هم ابرياء».
سعى ضباط الجيش الاميركي،على مدى العام الماضي، الى تحويل نظام السجون، الذي اصبح مثالا على الاساءة الاميركية في العراق، الى نظام يتمشى اكثر مع مباديء ستراتيجية مقارعة التمرد مصمم من اجل كسب دعم الشعب العراقي. هذه العملية حسّنت ظروف السجناء منذ ان ارتكب جنود اميركيون اساءاتهم بحق المعتقلين في ابي غريب، لكن لم يتم ايجاد نظام لتقرير من هو المذنب ومن هو البريء من بين الالاف من السجناء العراقيين.
اقتيد طالب محمد فرحان، الذي امضى خمسة عشر شهرا في السجن، الى غرفة الاستجواب رقم 3 للاستماع الى سجانه الاميركي يشرح الادعاءات ضده أول مرة.
ظهر فرحان، وهو مسلم ، منصتا الى قول الضابط الاميركي بانه كان عنصرا في المليشيا ت المعادية للاميركيين. لكنه بدا حائرا تماما حينما اتهموه ايضا في العمل مع تنظيم القاعدة في العراق، المجموعة المتطرفة التي تقتل الاميركيين والعراقيين على حد سواء.
قال فرحان، الذي يعمل حدادا في مدينة الاسكندرية جنوب العراق، وقد ظهرت عليه أمارات الانزعاج: «لا افهم كيف يكون ذلك ممكنا «.
غير ان اللجنة المكونة من ثلاثة مسؤولين اميركيين ولا تضم أي محام بينهم، والتي تشكلت كجزء من عملية شبه قضائية لمراجعة ملفات كل معتقل على حدة، في كل ستة اشهر، لم تكن في حاجة الى تقرير فيما اذا كان فرحان قد خالف القانون. فقد كانت مهمتهم تكمن في تقرير فيما اذا كان «يشكل تهديدا امنيا» ضد الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة او الى العراقيين. وقد استنتجوا ان هناك ادلة ذات مصداقية تشير الى انه قد يكون كذلك، ولكنهم لم يشرحوها الى فرحان نفسه أو إلى مراسل (الواشنطن بوست) الذي سُمح له ان يشاهد جلسة الاستماع التي استمرت 19 دقيقة.
يقول الميجر جيف غينغليري، رئيس هيأة المراجعة التي انعقدت في آيار: «انا لا انظر فيما اذا كان مذنبا او بريئا. نحن نحاول ان نقدّر، باقصى ما نستطيع، فيما اذا كانوا سيقومون بافعال سيئة اذا اطلق سراحهم.» وبعد دقائق، صوتت اللجنة بالاغلبية على ابقاء فرحان رهن الاعتقال لستة اشهر اخرى.
تلك هي الاجراءات التي تم اتباعها بالنسبة الى الكثير من السجناء الـ 100,000 الذين مروا من خلال نظام المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان اللغط القانوني حول السجناء في معتقل غوانتانامو، في كوبا، والذي يديره الجيش الاميركي قد استحوذ على اهتمام اكبر بكثير، الا ان هناك سجناء يبلغ عددهم مئة ضعف اولئك معتقلون في سجن كامب بوكا ومواقع عراقية اخرى. وهم لا يتمتعون الا باقل الحقوق القانونية وبدون اشراف من النظام القضائي الامريكي، حيث لا يتم توجيه اتهام للعراقيين بالجرائم المنسوبة اليهم، ولا يسمح لهم بمعاينة الادلة ضدهم، ولا يتم توفير محامين لهم.
لكن يتم الان تقديم دروس دينية واكاديمية ومهنية للاسرى العراقيين. كما يسمح لهم بلقاء الاقارب شخصيا او عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. ولدى المعتقلين في كامب بوكا، الذين يحب الكثير منهم قراءة روايات اغاثا كريستي الغامضة، ومتابعة افلام جاكي شان، لديهم فرقة للانشاد، ورابطة موسمية لكرة القدم وورشة عمل لانتاج نماذج الحيوانات المحشوة التي تسمى (دببة بوكا).
يقول الميجر جنرال دوغلاس ستون، الذي كان يعمل مديراً للمعتقل حتى الصيف الماضي: «لقد كان هذا المكان مدرسة تخرج المزيد من الارهابيين. اما الان فنحن نتواصل اكثر مع المعتقلين ونستغل قدرات السجين في تعليم العراقيين هنا وتحسين نظرتهم الى الاميركيين».
اطلق سراح علي صبري عبود، البالغ 31 عاما من العمر، والذي يعمل جنديا في الجيش العراقي، في الصيف الماضي بعد ان بقي محتجزا مدة عام كامل. وقد صُعق بالمعاملة الحسنة في هذا المعتقل. وقد علمه الجيش الاميركي مهارات النجارة، وحسّن من لغته الانكليزية، ووُفرت له عناية صحية من الدرجة الاولى. لكن هذه المعاملة الحسنة لم تهدئ من غضبه بسبب احتجازه بتهمة لايزال لا يفهمها.
فهو يقول: «حتى لو أحالوا المكان الى فردوس، فانه لايزال سجناً يعج بالابرياء».
واضح كالوحل
حينما وصل (ستون) الى العراق في العام الماضي ليقود وحدة المهام 134 التي تشرف على عمليات المعتقل صُدم لما رأى.يقول ستون: «المعتقلات هنا في العراق هي فشل كامل. لقد ادركت انه ليس من احد لديه ادنى فكرة عما نقوم به هنا.»
يقول الضباط الاميركيون ان المسلمين المتطرفين سيطروا بشكل فعال على كامب بوكا، يقتلعون اعين السجناء الاكثر اعتدالا ويقطعون السنتهم لانهم لا يطيعونهم. وقد اعد ستون عرضا تقديميا داخليا باستخدام برنامج (باور بوينت) يصف هذه الافعال الشنيعة واعطاه عنوانا: «عبوة البارود تنفجر، جامعة الجهاديين».
وقد قرر انه سوف يضع ستراتيجية لمكافحة التمرد تتمركز على المظلة الاساسية لاستراتيجية مكافحة التمرد للجيش الاميركي: حماية الشعب، وتوظيف الاصوات المعتدلة. وقد آمن ان الاغلبية الساحقة من المعتقلين ليسوا متطرفين. واستنادا الى احصائيات الجيش الاميركي، فان اقل من ربعهم كانوا اعضاء في تنظيم القاعدة في العراق أو المليشيات، وان 70 بالمئة منهم لم يواظبوا حتى على الذهاب الى الجوامع كل اسبوع.
بدأ مستوى العنف بالانحدار، وقد انخفض معدل الاعتقالات من 7,6 بالمئة بين عامي 2004 و2007 الى اقل من 1,2 بالمئة هذا العام. وبينما ازداد عدد المعتقلين بشكل صاروخي، من 15,000 معتقل عند بداية العام الماضي الى 26,000 معتقل مع قدوم القوات الاضافية للجيش الاميركي، فقد طبق ستون اجراءات معينة ليشرح للمعتقلين كيف يعمل النظام ولماذا هم قيد الاعتقال.
قام الجيش باعداد كتاب يوزع على المعتقلين يصور شخصية عراقية اسمها احمد، والذي اعتقل لزرعه عبوة ناسفة على جانب الطريق، وملفا اصفر يحتوي على ادلة ناطقة ضده. كما قام ستون ايضا، برغم معارضة كبار محاميه، بتشكيل لجنة المراجعة لكي يتسنى للمعتقلين معرفة السبب في احتجازهم، والتهمة الموجهة ضدهم.
لكن ستون رفض بشدة ما قال انه طلب مستحيل قدمته ناشطة في شؤون المعتقلين داعية الى تطبيق نظام يشابه النظام القانوني الاميركي في منتصف منطقة الحرب.
يقول ستون: «الان، سيدتي (حقوق الانسان)، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ انا مؤمن براغماتي بحقوق الانسان، لكنك لا يمكنك ببساطة ان تحصلي عليها بادئ الامر».
ويضيف ان مجلس الامن الدولي فوض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اعتقال أي شخص «يمثل تهديدا خطراً للامن»
ومع ذلك، فقد اعترف بسرعة ان «ذلك ليس واضحا الا كالوحل».
من يذهب الى الجنة؟
تبدو التغييرات الهائلة في عمليات الاعتقال واضحة للعيان في معتقل كامب بوكا، الذي تبلغ مساحته كيلومترين ونصف، والذي يضم عددا كبيرا من السجناء بحيث ان الضباط الاميركيون يقولون انه يمثل المدينة رقم 63 من حيث التعداد السكاني في العراق. وهم يقولون ايضا ان الانارة الليلية في منشآت السجن تبدو شبيهة بـ(لاس فيغاس).
سمح الضباط الاميركيون لصحفيي (واشنطن بوست) بزيارة بوكا وكامب كروبر، وهي منشأة بالقرب من مطار بغداد، ولكن لم يسمحوا بالتكلم مباشرة مع المعتقلين لانهم يقولون ان مثل هذا التصرف ينافي معاهدة جنيف. لكن بعض المعتقلين وافقوا على الاجابة على اسئلة تم نقلها عن طريق ضباط الجيش.
بعض الاشارات المرئية على الاستراتيجية الجديدة تبدت من خلال حضور (دببة بوكا)، التي صنعها المعتقلون، في كل مكان. وكان اولها تم تصميمه من قبل حيدر، وهو مزارع من النجف امضى ثلاثة اعوام في سجن بوكا، باستخدام قماش اصفر حشاه بالقطن المستخدم للاسرة. ثم قام باستخدام اقلام الرسم لوضع الملامح البسيطة. يقول حيدر: «حينما وجدوا الدب معي قاموا بمصادرته، وقد خشيت ان يوقعني ذلك في المتاعب».
لكن الضباط الاميركيون قرروا، بدلا عن معاقبة حيدر، باعداد برنامج للمهارات اليدوية الفنية وانتاج (دببة بوكا) على نطاق واسع لكي يتم توزيعها على الاطفال الذين يزورون السجناء.
وبينما يقوم حيدر بتصميم دماه المحشوة، يخطب امام مسجد قريب داعيا الى نسخة معتدلة من الاسلام، ويحاضر سياسي سابق في دروس التعليم المدني، كجزء من نظام السجون الذي يركز على توظيف المعتدلين.
تجمع عشرون من المعتقلين حول الشيخ عبد الستار عبد الجبار في صلاة الجماعة، وهو يدعوهم الى نبذ العنف الطائفي، والتشبه بالنماذج السيئة. يسأل عبد الجبار، الخطيب البالغ 45 عاما من العمر: «من سيذهب الى الجنة؟ يقول ابناء الشيعة انهم الشيعة، ويقول ابناء السنة انهم السنة. هذا خطأ. الله هو الذي يحكم بين عباده، كل حسب عمله.»
وليس كل المعتقلين، بطبيعة الحال، هم من المعتدلين الذين يشاركون في البرنامج. فالمتطرفون الاكثر خطرا يتم احتجازهم في المنشأ رقم 30، المعروف باسم الصخرة. هناك يقوم السجناء برمي البول، والبراز، وكرات على هيأة كرة التنس مؤلفة من الطين والشاي، على الجنود الاميركيين. يقول الملازم كايل غرافيس، مسؤول هذه الوحدة: «الكل هنا غاضب دائما».
لكن الامور مختلفة بالنسبة الى ضابط الصف جوزيف سابيا، الذي عُيّن للعمل مع المعتقلين في وحدة النجارة. تتوفر في هذه الوحدة ادوات النجارة التي يمكن ان تستخدم كاسلحة قاتلة، مثل المناشير القرصية والمناشير اليدوية ومفكات البراغي والادوات الكهربائية المتنوعة، باقل قدر من الاشراف على المعتقلين.
يقول سابيا: «هذه ثقة عالية. لم تحدث لنا اية مشكلة مع المعتقلين».
ليس من السهل اثبات الذنب
احتجز الجيش الأميركي قرابة 300 من الاحداث في الصيف الماضي في كامب كروبر، والذين تمت مراجعة ملفاتهم من قبل اللجنة العسكرية. وقد استدعي اياد حمزة صالح، والبالغ 16 عاما، الى غرفة الاستماع في احد ايام آيار، فجاء مرتديا صندلا بلون بيجي، وسروالا وردي اللون، وقميصا ابيض رسم عليه بالقلم صورة القلب.
افتتح ملازم البحرية تشاك لي موين الجلسة بقراءة البيان التعبوي الذي يشير الى الفقرة 78 من معاهدة جنيف الرابعة وقرارات مجلس الامن الدولي.
قال لي مولن: «انت غير محكوم. انت معتقل لانه يُظن انك تمثل تهديدا امنيا. هذه اللجنة سوف تقرر فيما اذا كنت لاتزال تهديدا خطراً لامن القوات المتعددة الجنيسة او الشعب العراقي او الحكومة العراقية».
نظر مباشرة الى صلاح، ثم قال: «لقد قرأنا ملفك، وهو يشير الى انك شاركت في اطلاق النار ضد قوات التحالف».
هزّ صالح رأسه قائلا: «لم افعل شيئا من هذا القبيل».
قال الملازم جافير اسكوبار، وهو عضو آخر في اللجنة: «اريد ان اتأكد انك تفهم ما يقال. نحن لسنا في محكمة. نحن مهتمون لما حصل في ذلك الوقت. لكننا اكثر اهتماما بما يحصل الان. لذلك سيكون من الجيد ان تتخذ خطوات للاعتراف بالحقيقة.»
لكن صالح، الذي القي القبض عليه في بغداد في آب 2007، انكر انه فعل أي شيء خاطئ. وحينما غادر الغرفة، قال لي مولن: «كان يمكن ان يفيد من التقييم اكثر. لا اعتقد انه عضو في مجموعة ارهابية دولية، اعتقد انه مجرد صبي غبي.» وعلى الرغم من ان صالح مشمول بقانون العفو العام الذي صدر في وقت سابق هذا العام، فان اللجنة صوتت لاستمرار احتجازه ستة اشهر اخرى.
يقول لي مولن، البالغ 45 عاما من العمر وهو محامي دفاع سابق من نورث كارولينا: «الشيء الفريد هنا هو انه ليس هناك محل للسؤال فيما اذا كان مذنبا ام لا. ذلك غير موجود في أي كتاب قانوني تعلمته في كلية القانون. يجب ان تمحو كل ذلك من رأسك.»
يقول اسكوبار انه خلال العام الماضي على وجه التحديد، وبينما كان يتم بناء القوات الامريكية الاضافية، فان الكثير من العراقيين اعتقلوا فقط لانهم كانوا على مقربة من موقع تفجير او هجوم مسلح. ويقول انه من شبه المستحيل عادة اثبات ان أي شخص مذنب في الحقيقة.
ويضيف: «اقل من ربع الحالات هي اصابات ناجحة. نحن نتعامل في معظم الاحوال مع منطقة رمادية. ما عليك الا ان تصلي، اننا نقوم بالشيء الصحيح.»