Wednesday, April 01, 2009

ست سنوات في العراق وثلاث قصص

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

بالنسبة الى السرجنت تود باورز فان الاعوام الست المنصرمة في العراق كانت انجازا وملحمة، جُمعت بافضل ما يكون في حياة رجل واحد، رجل عراقي يعرفه باسمه الاول فقط، مفيد.
كان عام 2005، وكانت الفلوجة، معقل التمرد، في حالة الحرب، حيث تحيل التفجيرات البنايات الى ركام بينما تشق الصواريخ عنان السماء. وفي وسط هذه الفوضى، يقول السرجنت باورز، الذي خدم مرتين في العراق: «جاءنا هذا الرجل العراقي وقال: كيف لي ان اساعدكم؟»

لقد كانت لحظة تأخذ الانفاس بالنسبة الى الوحدة التي خدم فيها باورز. يقول: «لقد كان حقا يمثل ذلك النوع من العلاقة التي تريد ان تبنيها على المستوى المحلي حتى يمكن لك ان تعكس المد.»
بعد ستة اعوام من الغزو الاميركي للعراق، ترمز خبرة باورز الى ما تعلمته اميركا، والى ما قدمه العراق من تضحيات. لقد حصل التقدم في العراق من خلال بناء علاقة تلو الاخرى. هذا الدرس من شأنه ان يغير من الطريقة التي يقاتل بها الجيش الاميركي في افغانستان وما بعدها. لكن (مفيد) قـُتل امام عائلته في وقت لاحق من ذلك العام لتعاونه مع الاميركيين. لقد تعلم باورز درسا هو بمثابة لمحة عن تكلفة الحرب على الشعب العراقي. خبا عمل العنف الاعمى الذي حصد روح (مفيد) والالاف من المدنيين العراقيين. كما انخفضت اعداد القتلى بين صفوف القوات الاميركية على السواء، بحيث باتت في ادنى مستوياتها منذ بداية الغزو عام 2003. وعلى الرغم ان عددا قليلا من الخبراء، ما خلا العراقيين منهم، يتحدثون عن النصر، فان الحكومة العراقية تأخذ بالتدريج مسؤولية اكبر عن شؤون بلدها. وتقدم الانتخابات الوطنية المقررة في نهاية هذا العام وعدا بتحقيق خطوة اخرى نحو الاستقرار والهدوء في العراق، وهو ما لم يشهده العراق منذ عقود عديدة. وهذا ما منح الرئيس اوباما الثقة ليقر خطته بسحب ثلثي القوات الاميركية البالغ عديدها 145,000 عسكري بحلول خريف عام 2010. وقد تم تأخير الانسحاب لغرض توفير اعظم تغطية امنية خلال الانتخابات.
لكن صورة العراق تشوبها ظلال اكثر اذا نظرنا اليها من خلال اعين ثلاثة اميركيين خدموا في العراق وتعرفوا الى البلاد عن قرب: الجندي باورز، وخبير اعادة الاعمار باول هيوز، والناشطة في مجال السلام نار-اوبيد. وفي الذكرى السادسة للغزو، فان وجهة نظرهم الذاتية تشير الى الانجازات مثل التي تحققت في الفلوجة، ولكن تشير ايضا الى الصعوبات التي ما يزال على البلاد ان تواجهها، من صعود تيار اسلامي محافظ، الى سبات التصدع الطائفي والذي قد يعود الى الحياة مع رحيل الاميركيين.
الجندي
كان باورز يعمل متدربا في مكتب النائب عن ولاية اريزونا جيم كولبي في مبنى الكابيتول هيل حينما تلقى بلاغ ارساله الى العراق اوائل عام 2003. وبعد اسبوع تم نقله على متن سفينة متجهة الى الكويت ليشترك في عملية غزو العراق.
وبدأ مسؤول العلاقات المدنية في اول دورة له في العراق بتكوين فكرة عن اهمية الحفاظ على امن المدنيين. لكن باورز لم يبدأ بادراك مدى حيوية العلاقات بين الولايات المتحدة والشعب العراقي في تحقيق الاستقرار للبلاد حتى عاد الى العراق في المرة الثانية، بعد ان درس اللغة العربية وشؤون الشرق الاوسط في جامعة جورج واشنطن، بالعاصمة الاميركية واشنطن. وبينما كان باورز يراقب تعاقب الاحداث، بضمنها تشويه واحراق المتعاقدين الاميركيين الاربعة في الفلوجة علنا عام 2004، وجد نفسه يتساءل: «كيف يمكن ان تسير الامور بهذا السوء؟»
كان هذا في نفس الوقت الذي بدأ المسؤولون الاميركيون، بضمنهم اولئك العاملون في البنتاغون، في مناقشة الحاجة الى طريقة مختلفة في العراق، هذا التفكير الذي قاد الى ما يعرف بـ»زيادة القوات الاميركية القتالية»، والتركيز على الفوز باسناد الشعب المحلي. ولاحت الفرصة لباورز، هذا الرجل النحيل ذو النظرات الثاقبة، في توظيف مبدأ «المدنيين اولا» في غضون خدمته في الفلوجة. يقول انه اختبار صعب، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان هدف المعركة كان التخلص من المتعاطفين مع القاعدة، والذين باتوا يهيمنون على المدينة. ويضيف: «ليس من السهل ان تبني العلاقات التي تنشد النجاح على المدى الطويل حينما يبدو ان كل ما تفعله هو ان تقصف المدينة مرارا وتكرار.»
وربما لم يتمكن من فعل ذلك من دون (مفيد).
يقول باورز انه كان رابطا حيويا لبناء الثقة، وقد ساعد الاميركيين على التواصل مع وجهاء الفلوجة النافذين، والذين ارادوا التحرر من التمرد المتأثر بالقاعدة.
ويضيف قائلا: «لقد ساعدنا في تكوين النقطة الحيوية التي طالما سعينا لتكوينها. ذلك ليس بان تقوم الولايات المتحدة باشياء مثل اعادة بناء الخدمات او تشكيل المجالس المحلية للعراقيين، لكن ان يقوم العراقيون بانفسهم بعمل هذه الاشياء.» سمع باورز تقارير في الفترة الاخيرة ان جنود المارينز في الفلوجة يقومون بدورياتهم من دون ارتداء خوذهم. يعرف من هذا ان عمله، وعمل (مفيد)، قد تكلل بالنجاح. يقول باورز، وهو يعمل حاليا مدير الشؤون الحكومية لقدامى المحاربين الاميركيين في العراق وافغانستان: «مازال امامنا طريق نسلكه، لكن ما بقي من هذا المسار يجب ان يكون اسهل نتيجة ما تعلمناه.» يقول باورز، وهو يستعد لمشاركته الحربية الثالثة، هذه المرة في افغانستان في وقت لاحق من هذا العام، انه سيحمل درسا اساسيا واحدا معه: «التواصل بطريق المصافحة لا برمي النبال، هو الاكثر تأثيرا في الدوام في عمليات مقارعة التمرد.»
خبير اعادة الاعمار
جاء السيد هيوز الى العراق ثماني مرات منذ بدء الغزو. فقد شارك مع الجيش، وشارك كخبير في اعادة الاعمار، واصطحب مجموعة دراسة العراق في رحلة تقصي الحقائق عام 2005. ولكن ما يتذكره هو لحظتان تشيران إلى الفشل الأولى والنجاح اللاحق الذان دمغا الحملة الأميركية في العراق.
اللحظة الأولى تبدأ في حفلة شواء في مقر القوات الأميركية في بغداد أواخر أيار عام 2003، أي بعد نحو عشرة اسابيع من الغزو في 19 آذار. وجاءت الاخبار ان هجوما وقع على عربتين مصفحيتن اميركيتين قد ادى الى مقتل جنديين اميركيين في طريق المطار.
وقد كانت تلك، في عقل هيوز، بداية التمرد. وجاء الحادث بعد خمسة ايام فقط من القرار العليل الذي اصدرته الولايات المتحدة بحل الجيش العراقي. وهو يقول ان الامرين متصلان. فما اعتقده الكثير من المسؤولين الاميركيين خطأَ انه سيكون اسقاطا سريعا لنظام صدام حسين اصبح في الواقع حربا طويلة لا يمكن التنبؤ بها. يقول هيوز، والذي كان في آيار يعمل ببغداد مساعدا لاول مسؤول اداري اميركي بعد الغزو، الجنرال جاي غارنر: «لقد كان ذلك مؤشرا على ما سيأتي.» ولكنه لم يشعر بان التغييرات المهمة في سياسة الولايات المتحدة قد اخذت تؤتي ثمارها الا بعد اربعة اعوام، وذلك في اثناء خدمته في المحمودية، وهي المنطقة التي اطلق عليها تسمية «مثلث الموت» في جنوب غربي بغداد. وقد عانى اللواء الاميركي الذي تم ارساله لتأمين المنطقة خلال الفترة التي شهدت زيادة القوات مصاعب في تحقيق أي تقدم في علاقتها مع السكان المحليين. وكان الجنود يُقتلون ويُختطفون. ولا يعمل القادة المحليون مع نظرائهم. ولكن بعد اشهر عديدة من الجهود المضنية تم التوصل الى خطة للمصالحة. يقول هيوز، الذي يعمل الان مدير برنامج اقدم في المعهد الاميركي للسلام، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن تركز على منع الصراعات واعادة الاعمار بعد الصدامات: «لقد كان ما وقعه قادة المحمودية اساسا هو اتفاق للسلام، وقد اصبحت تعرف بين العراقيين على انها (انموذج المحمودية)». يقول هيوز ان هذه التجربة، وتجارب اخرى مماثلة، قد علمت الاميركيين درسين. الاول مدى قصور التحضيرات التي جهزوها لفترة ما بعد الصراع. والثاني المدى الزمني الضروري لوجودهم في العراق على مدى السنوات القادمة. ويضيف: «أصبحنا نعي تماما هنا، في الولايات المتحدة، عدم جاهزيتنا لظروف ما بعد الصراع.» لكنه يستدرك انه في نفس الوقت «هناك أيضا متطلبات لبقاء الاميركيين في العراق لفترة من الزمن، طالما كان العراقيون يطالبون به ويوافقون عليه.»
ويمضي الى القول: «تتمثل مسؤوليتنا في مساعدتهم على تخطي الصعاب التي تواجههم في بناء مجتمعهم وتحقيق الاستقرار له ونشر العدالة بينه، وفي بناء اقتصاد سوق حر ومفتوح.» لكن ذلك يعني ان على الولايات المتحدة ان تتعلم من خلال هذه العملية بنفس القدر الذي يتعلمه العراقيون، وهي الدروس التي ربما تكون قادرة على تطبيقها في افغانستان واماكن اخرى. كما يأمل هيوز في ان يؤدي تحويل التركيز العسكري عن العراق الى كشف عراق آخر للاميركيين. ويقول: «اتذكر اني كنت اقود السيارة قرب كربلاء (في جنوب العراق) حينما اشار المترجم من خلال النافذة وقال (هذا ضريح النبي اسحاق)، او ما قيل لي عن مكان محتمل لمخبأ دانيل في مدينة بابل الاثرية. هذه المعالم هي ما يود الكثير من الاميركيين ان يشاهدوه، وهو العراق الذي يريدون ان يَخبروه.»
ناشطة السلام
حينما عادت السيدة نار-اوبيد من العراق عام 2004، جلبت معها انباء هزت اميركا والعالم، تمثلت في افادات ادلى بها عراقيون عن اساءات في المعتقل الاميركي في ابو غريب.
تقول السيدة نار-اوبيد، وقد دأبت على البقاء في العراق عدة اشهر من كل عام منذ سنة 2002: «كنت آمل اني مهما سلطت من ضغوطات في العراق، او تحدثت جهارا في وطني حينما اعود اليه، فانها ستساعد على وضع نهاية لإساءة المعاملة التي كنا نسمع عنها.»
وقد دُهشت نار-اوبيد، وهي تعود من جديد الى العراق، لا بالتقدم الحاصل الذي امكنها ان تراه، ولكن بمقدار التحديات التي مازال العراق يواجهها. لقد خفت حدة التوترات الطائفية في العراق عن الفترة التي شهدت اعمال التطهير العرقي والتهجير والفصل. لكن هناك توتر خفي مازال باقِيا. وتقول متحدثة عبر الهاتف والبريد الالكتروني: «هناك انخفاض ملحوظ في اعمال العنف (نتيجة الفصل الجديد بين التجمعات السكانية)، لكن لم يتم تحقيق الا القليل في مضمار المصالحة السياسية او الشخصية.» والشيء الايجابي الوحيد المؤكد الذي ترى نار-اوبيد انه نتج عن ست سنوات من الصراع هو ان صدام حسين لم يعد في السلطة. وهي تقول انها لم تعِ –حقيقة– اهمية هذا الشيء حتى انتقل فريقها، من بغداد الى مدنية السليمانية.
وتضيف: «لا اعتقد اني فهمت عمق وحشية صدام حسين حتى انتقل فريقنا الى المنطقة الكردية في الشمال، وبدأت في التعرف على المآسي التي عاناها العراقيون هناك .»
كما أنها غير متفائلة بالانتخابات المحلية التي اجريت مؤخرا، على عكس تفاؤل الكثيرين غيرها. وتقول، وهي تشير الى قضايا عدد كبير من العراقيين الذين حرموا من حق التصويت بسبب امور تقنية او عدم اهلية جميع المهجرين للتصويت.
وعلى الرغم من رؤية نار-اوبيد غير المشجعة للوجود الاميركي هنا، فانها تقول ان السنوات الست الاميركية في العراق قد اوصلتها الى الاستنتاج ان للولايات المتحدة دور دولي مهم تعلبه، اذا غيرت اميركا طريقتها في التعامل مع العالم.
وتقول: «نحن الاميركيين لدينا الكثير من الموارد والمواهب، اذا كان لها ان تستخدم في مصلحة العالم، لا ان تستخدم في مصلحة القوة العظمى.» وبطريقة ما، فان رؤيتها لا تختلف كثيرا عن ما رآه باورز في شوارع الفلوجة. هذه الخبرات انصهرت مع بعضها لتصب في انموذج مقارعة التمرد الذي طبقه الجنرال ديفد بترايوس، مؤكدا على طريقة «امن الشعب اولا». وكانت الفكرة من ذلك ان يتم الحصول على ثقة الناس المدنيين، وطريقة بناء الامة استنادا الى العمل، وهما درسان يفترض ان تكون الولايات المتحدة قد استوعبتهما من سنواتها في العراق. وتقول نار-اوبيد، مشيرة الى تجربتها الشخصية، ان العراقيين ينتظرون ان تمد اليهم يد المساعدة لبناء السلام واعادة التواصل مع العالم. وتضيف: «هذا الشعب الذي تعرض الى الازدراء والعزل من قبل المجتمع الدولي لفترة طويلة اصبح لديهم من يمد لهم يد الصداقة من الغرب. ارى رد الفعل في اعينهم، انها لهدية استطيع، بصفتي الفردية، ان اقدمها لهم هنا.»