عن: الاندبندنت
ترجمة: علاء غزالة
تمثل بداية الحرب على العراق في عام 2003 نقطة تحول حيوية في علاقة الولايات المتحدة مع معظم الدول في المنطقة. يقول وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري: "لم تشعر ايا من دول الجوار، ولا واحدة منها، بالارتياح للاحتلال الاميركي للعراق." وقد صُدم البيت الابيض من موقف تركيا، حليفتها طويلة الاجل، المتمثل برفضها السماح للقوات الاميركية استعمال الاراضي التركية لغزو العراق. يحاول باراك اوباما، الذي قام باول زيارة رسمية الى تركيا، ان يفك الارتباط مع العراق من دون ان يبدو هاربا منه، او ان يترك الفوضى في البلاد خلفه. وهو يحاول ان يستعيد حلفاءه السابقين، وكما اوضح في خطابه في انقرة ، فهو يسعى الى انهاء المواجهة بين الولايات المتحدة والاسلام، وهو ما كان تراث بوش.
ليس من السهل على اوباما ان يعكس المد المعادي لاميركا، او ان يضع نهاية الى الحروب التي بدأها بوش. ومع كل ادعاءات الحكومة العراقية حول عودة الحياة الطبيعية الى بغداد، فقد شهدت الايام القليلة الماضية تصاعدا في اعمال العنف. ففي اليوم الذي سبق وصول الرئيس الى العراق، انفجرت ست قنابل في اجزاء مختلفة من بغداد، مخلفة 37 قتيلا.
وبقدر ما يود اوباما ان يتعامل مع الحرب في العراق على انها تاريخ قديم، فان الولايات المتحدة مازالت تجهد للنفاذ بجلدها منها. فحقيقة ان الرئيس الاميركي لم يجد مفرا من القدوم الى العراق في زيارة مفـــــاجئــــــــــة، كما فعل جورج بوش وتوني بلير على الدوام لاسباب امنية، تظهر ان الصراع يأبى ان يزول.
وقد بقي رئيس وزراء العراق داخل المنطقة الخضراء معظم الاوقات. ولم يستطع الرئيس الاميركي ان يطير الى المنطقة الخضراء بالطائرات العمودية بسبب الطقس السيئ، ولكن طريق المطار لايزال غير آمن، وتبقى بغداد واحدة من اكثر المدن خطرا في العالم. كما ان الوضع السياسي العراقي قد تبدل نهائيا بعد الغزو الاميركي وسوف يكون من الصعب تشكيل دولة عراقية مستقرة لا تعتمد على الولايات المتحدة. وقد اظهر استطلاع للرأي اجري في العراق ان معظم العراقيين يعتقدون ان الولايات المتحدة، وليست حكومتهم، هي من يسيطر على الاوضاع في بلدهم.
هناك تغيّر واحد يصب في صالح اوباما، وهو ان وسائل الاعلام الاميركية توقفت، الى حد كبير، عن تغطية الصراع (في العراق) بسبب نضوب مواردهم المالية، اضافة الى ان معظم الاميركيين يعتقدون انه قد تم احراز النصر في هذه الحرب. لكن الخطر امام هذا الرئيس انه اذا حدث تفجر في الاوضاع بالعراق فانه قد يُلام على هدر النصر الذي احرزه سلفه.
يُعد تغيير الخطاب الدبلوماسي للولايات المتحدة اسهل من تغيير الحقائق على الارض في العراق وافغانستان. وقد جاء خطاب اوباما امام البرلمان التركي في انقرة رهانا محسوبا بعناية لطمأنة العالم الاسلامي ان الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع الاسلام.
فقد خالف في كل شيء قاله التهديدات المتشنجة التي اطلقها جورج بوش فيما بعد احداث 11 ايلول حول اطلاق "حملة صليبية" والكلام حول مهاجمة المحافظين الجدد لـ" الفاشية الاسلامية" او الادعاء بان هناك "تصادماً في الحضارات."
يكن قادة الدول ذات الغالبية الاسلامية التقدير للنبرة المختلفة لخطاب الولايات المتحدة الرسمي، لكنهم يتساءلون في الجلسات الخاصة عن المدى الذي يمكن فيه لأوباما ان يحدث تغيير حقيقياً.
واعرب الطلبة التركيون في لقائهم مع اوباما في اسنطبول عن شكوكهم في ان الافعال الامريكية سوف تختلف كثيرا في المستقبل عنها تحت حكم بوش. لكن اوباما اجاب بعقلانية انه يجب ان يُمنح الوقت الكافي وان "تحريك سفينة الدولة هي عملية بطيئة." لكنه اشار ايضا الى الانسحاب من العراق على انه علامة على مطابقة الافعال للاقوال.
تقع اسطنبول على الحدود بين اوروبا واسيا، وهو موقع جيد للرئيس الاميركي لكي يعلن عن موقف اكثر تهدئة للعالم الاسلامي. وتمتليء المدينة بالمعالم الفخمة لكل من المسيحية والاسلام، غير ان البلاد شهدت تسامحا دينيا ملموسا اكثر في زمن الامبراطورية العثمانية عنه منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة في عام 1923. وقد زار اوباما الكنيسة البيزنطية العظيمة (آيا صوفيا)، كما اطلعه رجال دين معممون على روائع المسجد الازرق.
بيد ان مشهد النسوة التركيات اللائي ارتدين تنانير قصيرة ولم يعتمرن غطاء الرأس وهن يوجهن الى اوباما اسئلة باللغة الانكليزية بطلاقة يعطي انطباعا خاطئا عن التوازن بين القوى العلمانية والدينية في تركيا الحديثة.
فالحقيقة ان العلمانية في حالة احتضار في العمق الريفي وفي حالة تراجع حتى في اسطنبول ذاتها. والقصابون الذي يبيعون لحم الخنزير اصبحوا قلة بالمقارنة مع عددهم قبل عشرين عاما. وقد اصبح الحصول على المشروبات الروحية صعبا الى حد ما، فيما عدا السياح الاجانب، بسبب الضرائب العالية على الخمور والتكلفة الباهظة للحصول على اجازة بيع الخمور في المطاعم.
ربما تكون الطبقة الوسطى القديمة، خصوصا في اسطنبول وانقرة وازمير، عازمة على الدفاع عن الدولة العلمانية. لكن الشركات الجديدة التي تعرف باسم "النمور الاناضولية" والتي قادت النمو الاقتصادي التركي المذهل، هي مملوكة –عموما– الى العوائل المحافظة التي يرتدي نساؤها الحجاب.
يقول احد الخبراء في الشؤون التركية: "اصبحت تركيا من الناحية الاجتماعية اكثر توجها نحو الدين، على الرغم من ان حزب العدالة والتقدم الحاكم يتحرك بحذر."
تعتمد جهود اوباما من اجل عكس اتجاه السياسة الاميركية نحو العالم الاسلامي، في آخر الامر، على المدى الذي يستطيع فيه ان يغير من السياسة الاميركية تجاه اسرائيل والفلسطينيين، واحتلال العراق، والمواجهة مع ايران وسوريا، والحرب في افغانستان.
وعلى سبيل المثال، فان الايرانيين يلاحظون انه على الرغم من تقرب اوباما الودي نحوهم، الا ان المسؤولين الاميركيين في واشنطن الذين يعملون على تطبيق العقوبات ضدهم هم انفسهم قد تداولوها من ادارة بوش.
اتخذت المواجهة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي فيما بعد احداث 11 ايلول شكل المعارضة للغزو الاجنبي والاحتلال، اكثر منها حول الفروقات الثقافية، فحتى اكثر الدول الاسلامية تنظيرا في الفكر الاسلامي، مثل المملكة العربية السعودية، دعمت الولايات المتحدة الاميركية، كما ان لديها شكوكا في عمق التأثير الذي يمارسه المتعصبون الدينيون على مقاتلي القاعدة.
يقول الميجر ماثيو الكساندر، رئيس المحققين في العراق، والذي يُنسب اليه الفضل في العثور على مخبأ قائد تنظيم القاعدة في العراق، ابو مصعب الزرقاوي، يقول انه لم يعثر من خلال عمليات الاستجواب الـ 1300 التي اشرف عليها الا على شخص واحد فقط يعدّه ايديولوجيا حقيقيا. ويًقتبس عنه قوله: "لقد استمعت المرة تلو الاخرى الى المقاتلين الاجانب، واخرين من العراقيين، يقولون أن السبب رقم واحد الذي دفعهم الى حمل السلاح والالتحاق بالقاعدة هو سوء معاملة المعتقلين في ابو غريب، واعمال التعذيب المرخص بها، والاساءات في معتقل غوانتانامو."
هذا التشخيص من الميجر الكساندر يؤكده تاريخ التطرف الاسلامي في انحاء العالم الاسلامي على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
لقد كان نجاح الثورة الايرانية ضد الشاه بين عامي 1978 و1979 هو ما بدأ الحقبة التي اصبح فيها الغرب يرى الاسلام السياسي تهديدا، لكن خطاب آية الله الخميني الى الايرانيين كان يضم على الدوام مشاعر قومية قوية، كما ان نفيه على يد الشاه عام 1964 جاء بسبب جهره بمعارضة منح حقوق استخدام الاراضي الايرانية الى عناصر الجيش الاميركي في ايران.
ان تفوق الاسلام السياسي على القومية العلمانية في العالم العربي كان في الاغلب بسبب قدرة الانظمة السابقة على مقاومة اعداء المجتمع او الدولة. ففي مصر تقوضت قومية جمال عبد الناصر بالهزيمة المذلة في حرب 1967 مع اسرائيل. وفي العراق، كان صدام حسين قائدا كارثيا بلا جدال، وقد بدأت جميع الانظمة العسكرية التي تدعو الى القومية في العالم العربي، او انتهت، بحكم فردي فاسد ووحشي. وعلى النقيض من ذلك، فان الاسلام السياسي كان قادرا على المضي قدما، الى حد ما، في تحقيق وعوده في الدفاع عن المجتمع.
وفي لبنان، تمكن مقاتلو حزب الله بنجاح من التضييق على القوات الاسرائيلية في التسعينيات في الوقت الذي ترك القادة العسكريون، تحت امرة ياسر عرفات، رجالهم وفرّوا بعيدا.
وفي غزة هذا العام، تمكنت حماس من تأطير نفسها على انها الحركة الفلسطينية الوحيدة التي تلتزم بمقاومة اسرائيل.
وفي العراق، لم تتمكن القاعدة من اثبات وجودها حتى اظهرت نفسها على انها معارضة للاحتلال الاميركي، وعلى انها حليف للقوميين العراقيين، برغم انها حليف لا يتوانى عن اعمال القتل، ذو نهج فكري متطرف.
اما في افغانستان، فقد تحلـّت حركة طالبان بصفة مقاتلة المحتل الاحنبي.
ومن ناحية ثانية، فان الحركات العلمانية