عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
تخوض الحكومة العراقية حملة محمومة، مع رحيل الاميركيين وتحسن الوضع الامني، لاقناع العالم انها دولة مستقلة، غير تابعة لا الى الولايات المتحدة ولا الى ايران.
وقد حدد رئيس الوزراء نوري المالكي أطر السياسة الخارجية الناشئة للبلاد في خطابه بمؤتمر القمة العربية الذي انعقد قبل اسبوعين في الدوحة، مؤكدا على هوية العراق العربية المسلمة، ومشيرا الى انه لا يقتفي أثر السياسات العلمانية للولايات المتحدة.
وقال المالكي في خطابه بمؤتمر القمة، الذي ضم ممثلين عن 22 دولة: "ان هوية العراق العربية والاسلامية ووحدته وسيادته هي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وهي ليست عرضة للمساومة."
لكن رسالته تلك قد تكون صعبة التسويق مع بقاء 130,000 جندي اميركي على التربة العراقية، وتواجد المستشارين الاميركيين في معظم المؤسسات الامنية العراقية، على الرغم من انها اصبحت اسهل اليوم مما كانت عليه قبل عام، أي قبل ان يتأكد انسحاب القوات الاميركية.
يتسائل هوشيار زيباري، وزير الخرجية العراقي: "كيف يمكن لك ان تُمثل بلدا تحت الاحتلال الاجنبي؟ لقد كان ذلك تحديا صعبا، تحديا جسيما."
يُكسب التقرب من الولايات المتحدة قادة الدول في معظم ارجاء الشرق الاوسط ازدراء العرب الذين ينظرون الى الولايات المتحدة على انها حليف قوي الى اسرائيل، وعلى انها امبراطورية استعمارية، وعدوة للمسلمين. وفي اوربا، التي عارض الكثير من اقطارها الغزو الاميركي، فان العديد من هذه البلدان لاتزال متشككة، حتى وقت قريب، في استقلال العراق مع استمرار التواجد الاميركي، بالاضافة الى الوضع الامني غير المستقر.
ويقول السيد زيباري انه ما ان اعلنت الولايات المتحدة عن الانسحاب المؤكد والتزامها بعدم الاحتفاظ بقواعد دائمة في العراق، حتى بدأت بلدان العالم والمنظمات الدولية التزامها بفتح سفارات لها في العراق، باعداد متفاوتة، والقيام بزيارات رسمية.
ويوجد في بغداد اليوم اربعون سفيرا لبلد اجنبي، بالاضافة الى 12 وكالة دولية، بضمنها الامم المتحدة ومنظمة الصليب الاحمر. وقد قام الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي بزيارة الى العراق في شهر شباط هي الاولى التي يقوم بها رئيس فرنسي منذ بدء الغزو في عام 2003، كما اضحى فران والتر ستينمير اول وزير خارجية الماني يزور بغداد منذ 22 عاما.
وقد عارض كلا من هذين البلدين الغزو الاميركي، لكنهما يبدوان الان مستعدان لصياغة علاقات وثيقة مع بغداد.
ودعا العراق القادة السوريين والايرانيين الى فتح سفارات لها في العراق (...)، في جهوده لاثبات قدرته على حكم نفسه، برغم ان هذين البلدين لديهما علاقات غير ودية مع الولايات المتحدة، كما تواصل العراق ايضا مع منافسي الولايات المتحدة العالميين، وهما الصين وروسيا.
يقول مصطفى العاني، مدير معهد الدفاع في مركز ابحاث الخليج، وهي مجموعة مستقلة يقع مقرها في الامارات العربية المتحدة: "انهم يحاولون ان يثبتوا استقلالهم عن الولايات المتحدة، وهم يحاولون ان يرسموا سياسة خارجية واضحة، ويمكننا ان نرى بلدانا اخرى تبدأ في التحدث الى العراق جديا."
غير انه الاصعب بالنسبة الى العراق ان يظهر للعالم تحرره من التأثير الايراني. يقول السيد زيباري: "هناك بعض الشكوك في عقول ورؤوس (قادة) بعض البلدان العربية." حيث ان اكثر البلدان تشككا هي المملكة العربية السعودية، وهي احدى اكثر جيران العراق نفوذا. اذ ان السعوديين لمّا يفتتحوا سفارة لهم في بغداد على الرغم من الدعوات والمجاملات المتكررة.
ففي حين تعتذر السعودية عن فعل ذلك بالوضع الامني، الا ان السبب الاكبر يكمن في انها مازالت غير واثقة من الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، والذين تخشى انهم يفضلوا ايران، او حتى ان يضحوا توابع تدور في فلك ايران. السعوديين هم من اهل السنة، والايرانيين هم من الشيعة، وقبل مدة طويلة على رسم الحدود الحالية بين الدول، تنافس العرب والفرس فيما بينهم ومع الدولة العثمانية من اجل الهيمنة والسيطرة على المنطقة التي اصبحت تشكل العراق اليوم.
وقد قال الامير تركي الفيصل، مدير المخابرات السعودية والسفير السابق في الولايات المتحدة، في مؤتمر بعمان يوم السبت ان المملكة العربية السعودية اخبرت الولايات المتحدة من قبل انها حينما جلبت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بعد الغزو عام 2003، فانها: "سلمت العراق الى ايران على طبق من ذهب،" حسب ما اوردت صحيفة الوطن اليومية السعودية.
ولا يمكن دحض النفوذ الايراني. فهي الشريك التجاري الثاني للعراق بعد تركيا، بميزان تبادل تجاري يبلغ اربعة مليارات دولار. وهي تساعد في توفير التمويل للعديد من الاحزاب الشيعية، وترسل الملايين من الزوار الى العتبات المقدسة في العراق كل عام.
ويقول السيد زيباري، الذي يعي جيدا الجهود الايرانية الحثيثة لممارسة نفوذها في العراق، انه كان يحذر السعودية مؤخرا انهم اذا لم يساعدوا في ملء الفجوة بعد رحيل الاميركيين، فان الايرانيين سوف يقومون بذلك. ويضيف: "نحن نقول لهم ان عليهم ان يكونوا هنا. لماذا عليكم ان تتذمروا من توسّع النفوذ (الايراني)؟ انهم هنا، لكنكم لستم هنا."
وكانت ايران هي الدولة الاولى التي تعترف بالعراق بعد الغزو الاميركي، كما انها تواصلت بحنكة مع السياسيين العراقيين من مختلف الطوائف والاعراق. وقد تمكنت، من خلال علاقاتها مع السياسيين النافذين، من المناورة خلف الكواليس، مؤثرة على القرار السياسي العراقي الداخلي، وفي بعض الاحيان قامت بتقويض السياسات الحكومية.
يقول السيد زيباري: "لقد اقمنا علاقاتنا معهم مع صعوبات بالغة، سياسية ورسمية."
ويضيف: "لقد كانت هناك زيارت، الكثير من الزيارات. ففي كل اسبوع هناك وفد ايراني يزور العراق او وفد عراقي يزور ايران. لدى ايران الكثير من القوة اللينة (الدبلوماسية)، وهم يستعملونها بذكاء."
يقول جوست هيلترمان، كبير محللي العراق في المجموعة الدولية للازمات، وهي منظمة بحثية تتخذ مقرات لها في واشنطن وبروكسل ان العرق المشتت بين ايران والعالم العربي يبدو على الارجح ان سيغدو "محطا للصراع". غير ان شبكة الامان بالنسبة للبلاد، شاء العراقيين ام ابوا، سوف تبقى، في الاغلب، الولايات المتحدة.
يقول السيد هيلترمان: "سوف يبعدون انفسهم عن الولايات المتحدة في العلن. لكنهم في الوقت ذاته سوف يبقون روابط وثيقة معهم. انهم بحاجة اليهم لتحقيق الامن. سوف يكون عليهم الهرولة في كل الاوقات."