Saturday, April 04, 2009

مخاوف من فوضى تعقب إغلاق السجون الأميريكية في العراق..النزلاء السابقون يعيدون نشاطهم

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

مهد إطلاق سراح المئات من السجناء في معتقل بوكا، وهو السجن الذي تديره الولايات المتحدة في جنوبي العراق، الطريق لاعادة احياء المليشيات والتمرد في البصرة وبغداد والمناطق الممتدة على طول نهر الفرات، وذلك حسبما افاد قادة الشرطة ومسؤولو الاستخبارات في وزارة الداخلية بالاضافة الى المواطنين المحليين. وعلى الرغم من انه لا احد يتوقع العودة الى فترة الفوضى والاقتتال الطائفي التي شهدتها البلاد في عامي 2006 و2007، حينما كان يُعثر على عدد من الجثث ملقاة في الطرقات كل يوم، الا ان المسؤولين يرون ان هذه المجاميع كانت تستعد لبدء الانسحاب الاميركي.
وللمفارقة فان هذا التحذير يأتي مع بداية نهاية التواجد الاميركي هنا. فبينما تعمل الولايات المتحدة على تفكيك سجن بوكا، وهو المكان الذي وصفه العديدون على انه اجهاض مقرف للعدالة حيث لم توجه التهم الى السجناء ولم يسمح لهم بالاطلاع على الادلة ضدهم، فان العديد من المطلق سراحهم قد ينتهون الى الانضمام الى التمرد الذي خبا اواره.
يتحدث بعض النزلاء السابقين في معتقل بوكا، في المناطق التي تفتقر إلى ابسط الاحتياجات ببغداد، يتحدثون عن الانتقام. بينما يتحدث آخرون عن تحولهم حينما كانوا في السجن و يسود المنطقة الخاوية المحيطة بالكرمة جو من عدم اليقين، تلك المدينة التي تعصف بها الرياح الجافة لتذرها يبابا، مثلما جفاها القانون، حيث يستعد السكان المحليون من عودة العشرات من المقاتلين، بينما يقر رجال مثل العقيد سعد عباس محمود، قائد شرطة المدينة، علنا بانهم لا يستطيعون مجاراة توافد هؤلاء المعتقلين السابقين.
يقول العقيد محمود، الذي يدعوه مساعدوه باسم (ابو قتيبة)، ولكنهم يطرقون كعوب احذيتهم عندما يدخلون عليه: «لم يكن هؤلاء الرجال يزرعون الزهور في الحدائق. ولم يكونوا يتنزهون في الطرقات. هذه مشكلة كبيرة وخطيرة في آن واحد. ولكن الحكومة العراقية، للاسف، لا تدرك المدى الذي وصلت اليه هذه المشكلة.»
وكانت الولايات المتحدة قد اعتقلت، منذ ان قادت الحرب التي اسقطت صدام في نيسان من عام 2003، حوالي مائة الف شخص في البلاد. وقد وصل عدد المعتقلين بسجن بوكا، وهو معتقل شاسع المساحة بالقرب من الحدود الكويتية جنوب العراق، في الفترة التي شهدت اكبر عديد للقوات الاميركية نحو 26,000 نزيل. لكن هذه الرقم انخفض الى 9,600 نزيل. وقد بلغ اجمالي عدد النزلاء الذي اطلق سراحهم منذ الاول من كانون الثاني نحو 2,000 معتقل، ويخطط الجيش الاميركي لاغلاق المعسكر مع حلول فصل الصيف.
وقد اطلق سراح 106 من المعتقلين في بغداد في احتفال بهيج اقيم يوم الخميس الماضي، حيث تم اصطحابهم الى جامع ام القرى، وقد ماجت العوائل في شجون وصياح وبكاء بينما كان المعتقلون تسلمون اوراقهم الثبوتية.
يقول سعد نعمة، وهو يمسك يد ولده رعد، الذي كان مسجونا لمدة 18 شهرا: «ان معظم المعتقلين ابرياء، تماما مثل ولدي. لقد بكيت اليوم فرحا.»
لكن العقيد داود حمود، نائب قائد شرطة الفلوجة، يقول ان محمد علي مراد ليس بريئا، وهو الذي عمل سائقا لدى ابو مصعب الزرقاوي، قائد المجموعة المتمردة التي أطلق عليها تسمية (القاعدة في العراق)، والذي قتل في حزيران من عام 2006.
وقد تم احتجاز مراد بعد ان غادر سجن بوكا، لكن القاضي اطلق سراحه. ويعتقد انه يدير خلية متمردين في بغداد بالتعاون مع مسجونين سابقين آخرين. ويتهم العقيد حمود هذا السجين السابق بتدبير الهجوم الذي وقع في 4 كانون اول الماضي، بان ارسل شاحنتين محملتين بالمتفجرات استهدفتا مركزا للشرطة، ما ادى الى مقتل 15 شخصا.
يقول حمود، وهو ضابط شرطة سابق في عهد صدام، ويعمل حاليا في موقع يمتلئ بسيارات البي ام دبليو والتيوتا والاوبل والشيفروليه التي تم استخدامها كسيارات مفخخة: «لدينا معلومات انه وخليته دبروا هذا الهجوم.»
ويخمن حمود ان عدد الذين سوف يعودون الى الفلوجة، التي كانت يوما مهدا للتمرد، سيبلغ المئات. ويقدر انه قد حاول ان يعتقل 10 بالمئة من الذين اطلق سراحهم، لكنه يقر بان عددا لا يتجاوز اصابع اليدين من هؤلاء المقاتلين قادرون على اشاعة العنف.
ويقول: «بالطبع انهم يمثلون مسرحا للعمليات.»
بيد ان مسؤولا رفيعا في استخبارات وزارة الداخلية يقول ان العدد اكبر من ذلك بكثير، وان المشكلة اكثر هولا. ويقول ان «المجاميع الخاصة» التي تشكلت بين صفوف المليشيات والتي تؤيد الحكم الذاتي، اصبحت تعيد تنظيم نفسها في البصرة، وبدرجة اقل في بغداد. ويضيف ان جهود المتمردين تحت مظلة القاعدة ربما كانت اكثر درامية لاعادة تشكيل نفسها في الاحياء الجنوبية والغربية من العاصمة، ومن ثم في منطقة الكرمة الواقعة الى الغرب من بغداد.
ويقول: «لقد اضحت هذه الاماكن خطرا على الحكومة. فالقاعدة تحضر نفسها لرحيل الاميركيين. وهم يخططون لتنفيذ ثورة.»
ويؤكد ان نسبة 60 بالمئة من الذين اطلق سراحهم في هذه المناطق يعودون الى القتال. غير ان العقيد محمود من الكرمة يرى هذه النسبة في منطقته تصل الى 90 بالمئة.
ويسكن محمود في قلعة حصينة تحيطها جدران من الاكياس الرملية في الكرمة التي يقود شرطتها. وهو رجل مميز، اذ يقول ان عدد المرات التي تعرض فيها الى محاولة الاغتيال وصلت الى خمس وعشرين. وربما كانت آخر مرة تعرض فيها الى محاولة اغتيال هي الاكثر ابداعا ايضا: فقد ارسل اليه المصحف الشريف وقد اخفيت المتفجرات بين دفتي غلافه الاخضر، مدفونة بين اوراقه. وبعد اقل من اسبوعين، جرى تسميم طبقه من (الدليمية)، وهي خليط من الدجاج ولحم الضأن وقطع من الدهن الحيواني والرز، ما اجبره على النزول في المستشفى لمدة عشرة ايام. وحينما خرج من المستشفى، استهدف بتفجير قنبلتين قرب منزله في الفلوجة.
يقول: «الحمد لله، لم يصب احد بمكروه.»
وقد تم اختطاف احد اخوته، بينما قتل الاخر في تفجير قنبلة في العام الماضي.
يقول محمود: «لم يتسن لنا ان نجمع كليوغراما واحدا من لحمه.»
فتح حقيبته ليستخرج صورتين، احدهما لرأس مقطوع لاحد المفجرين الانتحاريين، وقد ظلت عيناه مفتوحتين، والاخرى لجثة انتحاري وقد افرغت احشاؤه.
يشرف محمد على 3,000 من رجال الصحوة، وهي المجاميع العشائرية التي ساندتها القوات الاميركية، والتي يطلق عليها احيانا تسمية (ابناء العراق) والتي ساعدت في هزيمة تنظيم القاعدة في العراق في المناطق الساخنة . ولكنه يقول ان راتب كل فرد لا يتعدى مبلغ 130 دولاراً في الشهر، «وهو لا يكفي لشراء سجائرهم»، على حد قوله. ومع ذلك، فانهم لم يتسلموا رواتبهم في الأشهر الثلاث الماضية. ويبلغ تعداد القوات الامنية الاخرى في المنطقة 500 فرد فقط، ولكنه يقول ان نصفهم قد فروا من الخدمة.
يقول محمود انه في نفس الوقت يعود المعتقلون من بوكا. وقد القت قواته القبض على 70 من المسجونين السابقين منذ اجراء الانتخابات المحلية في 31 كانون الثاني. ويؤكد ان بعض هؤلاء المعتقلين قد ركزوا جهودهم على محاولة اجتذاب عناصر الصحوة الغاضبين الى جانبهم من جديد. كـُتب على منشور موقع باسم (صحوة الشباب المسلم) ووجد في الكرمة: «نرجوكم ان تعودوا الى ايمانكم، وسوف نستقبلكم بقلوبنا وايادينا المفتوحة. وان لم تعودوا، فسوف نأتيكم برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة.»
احد هؤلاء الرجال الذي اعتقلهم محمود اسمه صلاح خضير.
وقد امضى سبعة أشهر في بوكا بعد ان اكتشف الجنود اربعة الغام في شاحنته. وقد اعيد الى السجن في عام 2008 بعد ان قبض عليه وهو يزرع القنابل التي تستهدف دورية اميركية. وقد اطلق سراحه هذا الشهر. وبعد خمسة ايام اعتقل مرة ثانية، بعد انفجار قنبلة على جانب الطريق، والتي تقول الشرطة انها تحمل بصمته في صنع القنابل.
قال خضير لضابط الشرطة، وهو يهز برأسه: «انا بريء.»
واضاف هذا الشاب النحيف الذي يبلغ 22 عاما من العمر: «انا رجل مسالم.»
اجاب محمود: «انه خبير في زراعة القنابل.»
بعد ان انصرف خضير، سلمنا محمود رسالة يقول فيها ان خضير ارسلها الى اخيه.
وكتب في لغة طفولية وبخط بالكاد يقرأ: «اذا كنت تعتقد اني ساهجر الجهاد، فاني اقول اني قد نذرت نفسي الى الله وبارادته سوف افعل أي شيء.»
وقد وقع الرسالة: «صلاح، قنبلة جانب الطريق.»
غير ان هناك حقيقة واحدة لدى السجناء السابقين من الكرمة واجزاء من بغداد تتمثل في ان الكثير منهم قد اعتقلوا في الوقت الذي كان الوجود الاميركي يعد احتلالاً بما لا يقبل الجدل، وان التمرد ضد الاميركيين كان يحظى بالاسناد. والسؤال ليس فيما اذا كانوا يريدون الانتقام وانما متى سيسعون الى الانتقام.
وفي حي الامين ، لايزال في نفس انور عباس شيء تجاه رجل الشرطة الذي اعتقله.
فهو يعلن قائلا: «اريد ان اقتله. ليس هناك تعويض كاف يدفعه لي بخلاف قتله. انه ليس عراقياً ماذا اعني؟ انه جاسوس، ولا احد يقبل جاسوسا.»
وقد اطلق سراح عباس في الاسبوع الماضي، بعد ان امضى قرابة عامين في بوكا. ولم يستطع ابنه الاكبر، البالغ ثلاثة اعوام من العمر ان يتعرف عليه. يقول: «لا ينفك يسأل امه عني من اكون». اما ابنه الاصغر، واسمه منتظر، فقد ولد بينما كان في السجن.
انكر عباس بادئ الامر انه مقاتل. لكن كاظم سعدي، غمزه بعينه. فما كان من عباس، بعد أن غمرته الثقة مجددا، الا ان يتحدث تملؤه طاقة التحول.
وأضاف عباس: «لم ينته القتال. انها مجرد هدنه مؤقتة.»
وكان المسؤولون الاميركيون قد اعربوا عن قلقهم منذ فترة طويلة من ان سجن بوكا بات مدرسة للمتمردين، وقد حاولوا ان يتخذوا خطوات للتصدي لذلك. لكن عباس يقول انه في القسم الذي كان يشغله من السجن درّس سعدي، وهو رجل دين، فقه القانون والدراسات القرآنية واللغة العربية وحتى الادب.
ويعتقد سعدي انه اجتذب 80 رجلا خلال السنة التي قضاها في بوكا.
ويقول: «افتتحنا، بعون الله، معهدنا في سجن اميركي.»
احد تلامذته، واسمه سيف طعمة كان قد حظي بنصيب من الشهرة عندما ظهرت صورته في مجلة تايم عام 2004. ونشر المقال تحت عنوان: «استعادة الشوارع.» وظهرت في هذا المقال صورة طعمة على رأس مجموعة من رجال الشرطة وهم يقومون بدورية.»
وبعد عامين تعرض للاعتقال بعد ان داهمت دورية مشتركة للقوات الاميركية والعراقية منزله لتعتقل صديقا لاحد اصدقائه كان يزوره. وقد انتهى به المطاف في بوكا لمدة 19 شهرا.
وطعمة هذا هو رجل بدين بلحية مدببة على الذقن وقد بدت خيوط من الشيب فوق أذنيه .يتحدث عن نفسه قائلا: «لم اكن ملتزما من قبل. لم اكن اؤدي الصلاة والصوم. وكنت احب الفتيات. وكنت احب الشراب. اقول ذلك بصراحة. لقد علموني الصلاة وعبادة الله. لو لم يعلموني ذلك، لبقيت اعيش حياة الضلال. انهم اناس طيبون؛ رجال ممتازون.»
ويقول ان عشرين من رفاقه في سجن بوكا شعروا بنفس الشيء.