عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة
تشبثت رائدة علي بالامل ان الوضع سوف يتحسن في بغداد. لكن حينما تعرضت عائلتها الى التهديد، قرروا انه قد حان الوقت للمغادرة، رائدة تنتمي الى الطائفة الشيعية لكن زوجها، محمد، هو من اهل السنة، وهو ما كان ذات مرة وضعا شائكا بالنسبة للعوائل التي تسكن منطقة الدورة، ذلك الحي السكني المختلط في بغداد والذي تحول الى الخط الأمامي في ارض المعركة، حتى بات الاختطاف والقتل والتفجير الانتحاري والغارات المستمرة التي يقوم بها الجيش الأميركي مستهدفا المتمردين، بات كل ذلك هو الوضع الطبيعي. تستذكر ذلك رائدة، بينما كان اطفالها مسمرين الى جهاز التلفاز لمشاهدة أفلام الكارتون: «تلقينا رسالة تهديد، مرروها من اسفل الباب".
تقول: (غادروا العراق او سوف تقتلون جميعا، حتى أطفالكم)»، وقد تلقت اخت زوجها رسالة مماثلة لكنها لم تعرها أهمية، ومن ثم اختطف زوجها ولم يسمع عنه شيئا بعد ذلك أبداً.
وهكذا جاءت السيدة رائدة علي وزوجها محمد وأطفالهما الأربعة الى الأردن قبل اكثر من سنة، بعد ان احتملوا اعمال العنف المستمرة منذ ان أسقطت الولايات المتحدة النظام العراقي قبل ست سنوات.
وبعد ان غادرت العائلة، ادت زيادة القوات الأميركية وتكثيف الجهود لمقارعة التمرد إلى انخفاض كبير في اعمال العنف، ومن ثم تقلصت القصص الإخبارية على الصفحات الأولى التي تغطي التأثيرات الجانبية للحرب في العراق. لكن هنا في الأردن، التي يقطنها اكثر من نصف مليون لاجئ عراقي، ولم يعد منهم الى العراق غير 300 شخص فقط، فان العراقيين مازالوا يتقاطرون عبر الحدود.
يقول رفيق تسجانن، مدير مكتب عمان لمنظمة الهجرة العالمية: «هناك اتجاه مثير للاهتمام انه مايزال هناك قادمون جدد من العراق. وعلى النقيض من المهاجرين السابقين، فان القادمين الجدد يذهبون الى القرى بدلا من عمان، التي ترتفع فيها كلفة المعيشة. ليس لدى هؤلاء اللاجئين سوى مال قليل ولذلك يبحثون عن ارخص القرى للعيش فيها».
وبينما عَلِق الزوجان في عمان فانهما يعيشان، بشكل غير قانوني، في حي سكني هادئ وفقير في العاصمة يدعى (المحطة)، وهما بالكاد يستطيعان ان يوفرا بدل الإيجار الشهري البالغ 150 دولارا بسبب انهما غير مرخصين للعمل. فالزوج، محمد، ينام في النهار ويعمل في الليل بأي عمل يمكن ان يجده مهما كان منخفض الأجر، لكن اثنين من أطفالهما الأربعة، وهما قصي البالغ 10 سنوات من العمر ولطيفة التي تصغره بعام واحد، يذهبان الى المدرسة. ليست هناك انفجارات، ولا اختفاءات، ولا رسائل تهديد من عقب الباب.
الأردن: المحطة الأولى للاجئين
تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان حوالي 4,7 مليون عراقي قد تركوا بيوتهم منذ بدء الحرب، ما يشكل زيادة كبيرة عن الرقم المسجل قبل عامين والبالغ 3,8 مليون، والعراقيون هم اكثر طالبي اللجوء السياسي في أوروبا، وفي انتظار تحقيق أحلامهم، سواء في بناء حياة جديدة في الغرب او الانتظار حتى تزول الغمة عن العراق ويعود صالحا للعيش من جديد، فان العراقيين عموما يمرون في الأردن بادئ الامر.
يقول مسؤولو الهجرة انه من شبه المستحيل تقدير عدد العراقيين الذين يعيشون الان في الأردن، لان الغالبية الساحقة منهم غير مسجلين، وقد أعطت مجموعة نرويجية تسمى (فافو) تقديرا للعراقيين الذين يعيشون في الاردن يبلغ نصف مليون لاجئ، وذلك في دراستها التي نشرت مؤخرا. لكن آخرون يقولون ان الرقم قد انخفض بسبب قبول طلبات إعادة التوطين في بلدان اخرى.
تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان اكثر من 54.000 عراقي قد تم تسجيلهم على انهم لاجئون في الأردن، بالمقارنة مع 221.000 في سوريا، البلد المجاور.
يحاول بعض العراقيين الذين يقيمون هنا ان يبقوا بعيدا عن نظر السلطات الأردنية عن عمد خوفا من ترحيلهم. كما ان هناك أشخاصاً مثل رائدة ومحمد اللذين غادرا على عجل بدون الحصول على جواز سفر، ثم الفيا نفسيهما غير قادرين على اثبات هويتهما من اجل الحصول على وضع لاجئ، وهناك آخرون يسعون الى الحصول على تأشيرة السفر الى أوروبا او الولايات المتحدة. لكن السيد تسجانن يقول ان بعضا ممن حصل عليها بالفعل هم بصدد العودة الان لاستحالة الحصول على عمل في خضم الانهيار الاقتصادي العالمي.
لقد كانت الأردن مضيافة، برغم صعوبة الحصول على ترخيص الإقامة بالنسبة للعراقيين، كما انها لم تمنح سوى عدد قليل منهم إقامة دائمة في أراضيها، وقد سمحت السلطات الأردنية، للعام الثاني، للأطفال العراقيين ان يسجلوا في المدارس الأردنية، كما انها أسقطت الغرامات المالية التي تفرضها الحكومة على هؤلاء الذين يتجاوزون مدة الإقامة التي حصلوا عليها في الأردن.
غير ان المسؤولين الأردنيين يقولون ان هذه الضيافة المؤقتة قد سببت ضغطا على الموارد المحدودة للبلاد.
يقول نبيل الشريف، وزير الدولة لشؤون الإعلام: «لقد اتخذت الأردن قرارا بتمديد إسقاط غرامات تجاوز الإقامة عن العراقيين، وهذا ما سيكلف الموازنة الأردنية مبلغ 270 مليون دولار هذا العام».
ويضيف: «لقد اتخذ الملك إجراءات غير اعتيادية لتسهيل إقامة العراقيين، وقد وضعت هذه الإجراءات بطبيعة الحال المزيد من الضغط على الجهات الخدمية في الأردن. يتضح هذا لنا اذا آخذنا بنظر الاعتبار ان هناك نحو نصف مليون لاجئ عراقي يعيشون في الأردن، حيث يبعثون أطفالهم الى المدارس الأردنية، ويذهبون الى العيادات الطبية، وما شابه ذلك. يشكل هذا الرقم نحو عشر تعداد السكان في الأردن، وهو ما يكلف نحو مليار دينار أردني (1,4 مليار دولار) سنويا، هناك دعم من المجتمع الدولي، غير انه غير كاف».
وقد أعلنت إدارة اوباما في الشهر الماضي عن تقديم المزيد من الاموال الى المهجرين العراقيين في العراق والأردن وسوريا، وهو ما يجعل قيمة مساهمة الولايات المتحدة هذا العام 150 مليون دولار، بينما كانت تلك المساهمة 400 مليون دولار في عام 2008، حسب ما افاد موقع بروبابليكا دوت اورغ.
يقول السيد الشريف: «تلتزم الحكومة الأردنية بتوفير العيش الملائم للعراقيين في الأردن، وقد اتخذت خطوات هائلة للتأكد من انهم قادرون على الحصول على الخدمات الحكومية، مثل المدارس العامة والعيادات الصحية، لكن الحل الامثل للعراقيين يتمثل في العودة الطوعية الى العراق.»
يقول السيد تسجانن ان بعض اللاجئين ربما اتخذوا هذه الخطوة بالفعل، لكن عددهم اقل مما يشاع.
ويضيف: «العدد الحقيقي للأشخاص الذين نعرفهم ونعلم انهم عادوا الى العراق هو 300 شخص من الأردن وعدد يتراوح بين 500 الى 600 شخص من سوريا. لكن لا احد يملك الأرقام المضبوطة عن الموجودين هنا حقيقة».
لم يعد لدينا من امل في العراق
السيد اراز همبرسوم اوديك هو احد اللاجئين العراقيين، وهو حديث العهد في الأردن نسبيا، فقد غادر بغداد قبل عامين، وهو وزوجته مسيحيان ارمنيان تعرضت طائفتهما الى المذابح الجماعية، وقد تمت مهاجمة كنيستهما في مناسبات عديدة، وهو غير قادر على احصاء كم من افراد العائلة والأصدقاء قد قتلوا او تعرضوا الى الاختطاف، ويقول انه قد تعرض الى التهديد واجبر على المغادرة.
يقول السيد اوديك، ويعمل كهربائيا: «من الصعب جدا الحصول على لقمة العيش هنا لاننا غير مرخصين بالعمل»، وقد وجد عملا في منطقة بعمان يقطنها عراقيون مسيحيون، وقد بدأ سكانها بالنضوب مع حصول الكثير منهم على تأشيرة السفر الى الولايات المتحدة.
يقول اوديك انه يتوقع الذهاب الى لوس أنجلس، حيث تسكن عائلة زوجته، في الاشهر القليلة القادمة. وقد حصلوا بالفعل على الموافقة بالهجرة الى الولايات المتحدة.
يقول اوديك: «لم يعد لنا من أمل في العراق، ولا احد يفكر بالعودة»، في الاقل لا احد يعرفه هو شخصياً، ويضيف: «اعلم انني لن أعود الى هناك ابدا».