عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
وقف ثلاثة عشر مرشحا يتنافسون للحصول على مقاعد في مجلس محافظة بغداد امام جمهور متشكك، واحيانا غير ودي، وتحدثوا عبر مكبر الصوت لمدة ثلاث ساعات في اجتماع جماهيري محلي، حيث بدأ الناخبون ينهالون عليهم بالاسئلة ويتحدونهم في الاجابة عليها.
سألت احدى النسوة الجالسات في الصف الاول: «هل سوف تستمر عسكرة العراق؟»
وسأل رجل: «كيف ستتعاملون مع الابنية الخربة؟ وازمة السكن؟»
وطالب صحفي عراقي: «كم انفقتم على حملاتكم الانتخابية؟ خصوصا الاحزاب الدينية الكبيرة؟»
في مناسبات مثل هذه، تعقد في نادٍ اجتماعي في بغداد، يتنافس السياسيون العراقيون للحصول على مقاعد في الانتخابات المحلية المقررة في 31 كانون الاول، ويخوضون حملات نشيطة من اجل الحصول على دعم الناخبين سواء في القضايا الكبرى، او حتى في ابسط الامور.
تمثل هذه الطريقة في التواصل السياسي المفصل تحولا كبيرا عن الحملات التي اجريت عام 2005، وهي المرة الاخيرة التي اجريت فيها الانتخابات في العراق على نطاق البلاد باجمعها. ونتيجة لتصاعد العنف في ذلك الوقت قام المرشحون باخفاء وجوههم والانضواء تحت مظلات الاحزاب الكبرى المعرّفة بالطائفة او الدين.
يتنافس اكثر من 14,000 مرشح للحصول على مكانهم بين الـ440 مقعد المخصصة لاربعة عشر من المحافظات العراقية الثماني عشرة. بعض المرشحين يخوض الحملات الانتخابية كمرشح مستقل، لكن اغلبيتهم منضوية تحت لواء احدى الكتل السياسية، المعروفة هنا بـ(القائمة)، والتي يبلغ عددها اربعمائة قائمة، يمثل70 بالمئة منها قوائم جديدة.
الجدارن الكونكريتية التي قسّمت وحَمَت العراقيين في السنوات الاخيرة، والمنتشرة في عموم البلاد، تحمل ملصقات سياسية. تمتلئ الجرائد بالدعايات الانتخابية، وهو حال الاذاعة والتلفزيون ايضا. كما تظهر صور المرشحين وشعاراتهم على قمصان النصف كم والبالونات الهوائية.
قامت الاحزاب التي حصلت على اغلبية الاصوات عام 2005 بتعيين اعضاء المجلس. أما في هذه المرة، فان الانتخابات المفتوحة تتيح للناخبين ان يختاروا مرشحين بعينهم من بين الاحزاب. يقول ستيفان ديمستورا، مبعوث الامم المتحدة الخاص الى العراق: «سوف يكون المرشحون مسؤولين، كافراد، امام الناخبين عما سيحصل على الارض.»
جاء حسين الطحان، وهو مرشح لمجلس محافظة بغداد، بفكرة مبتكرة لاجتذاب الناخبين: فقد قام بطبع صورته على منطاد على شكل بيضوي، يشبه الى حد كبير تلك التي يستخدمها الجيش الاميركي في عموم البلاد للمراقبة.
اما صابر العيساوي، وهو رئيس مجلس محافظة بغداد الحالي، والذي يسعى الى اعادة انتخابه، فقد وزع ملصقا يحمل صورته وهو يتطلع الى الاعلى، بينما تظهر الى جنب أحد المرشحين صورة طفل يشرب ماء ملوثا من انبوب مكسور.
سوف تقدم المنافسة في انتخابات مجالس المحافظات، وكذلك الانتخابات النيابية المتوقعة في نهاية هذه السنة، لمحة جديدة عن توزيع السلطة بين الاحزاب العراقية، التي لجأ بعضهم الى العنف في الماضي في سعيها للوصول الى السلطة.
ومن بين القضايا التي زُجت في الحملات الانتخابية مسألة صلاحيات الحكومتين المركزية والمحلية
وبينما خاضت الاحزاب الشيعية انتخابات عام 2005 في قائمة مشتركة، فانها تتنافس مع بعضها بعضاً هذه المرة في المحافظات الجنوبية ذات الاغلبية الشيعية. وفي ذات الوقت، يحاول زعماء العشائر ان يلعبوا دور صانعي السلطة في الجنوب وفي اماكن اخرى من البلاد.
يتوقع ان يستحوذ العرب السنة، الذين قاطع الكثير منهم انتخابات عام 2005، على قاعدة سياسية في مختلف انحاء البلاد هذا العام. وتتنافس الاحزاب الدينية الراسخة في محافظة الانبار، ذات الاغلبية السنية والواقعة غرب بغداد، مع الاحزاب العلمانية، بضمنها تلك التي شكلها الطامحون إلى تولي المناصب القيادية،
وفي شمال العراق، في محافظة نينوى تحديدا، يتصاعد الشد السياسي لكن صورة الانتخابات تشوهت بمقتل مرشحين في الاقل، إضافة الى الجدل حول دور النساء واساليب الدعاية الانتخابية.
وقد تعرضت المرشحات في الميناء الجنوبي، البصرة، وفي مدينة الفلوجة بمحافظة الانبار، الى الازدراء نتيجة استخدامهن صورهن على الملصقات، وفي منشورات الحملات الانتخابية.
يقول جبار حسين العلواني، وهو شيخ عشيرة من الفلوجة، انه قد فزع للعدد الهائل من المرشحات النساء اللائي استخدمن صورهن في الدعاية الانتخابية.
مضيفا : «ليس لدينا مشكلة مع النساء اللواتي يسعين الى انتخابهن. لكن يجب عليهن الا ينشرن صورهن. هذا غير مقبول. يمكن لهن نشر اسمائهن فقط.»
تقول سهى جاسم محمد، وهي مرشحة لمجلس محافظة الانبار، انها منزعجة للضجة حول هذا الموضوع. وقد امضت السيدة سهى، وهي مديرة مدرسة، الاسبوع الماضي في توزيع منشورات انيقة الطبع تحمل صورتها. وتقول ان العنف الذي كان مستشريا في البلاد قد دفع النساء الى التصدي للمناصب القيادية، وجزء من ذلك يعود الى ان العديد منهن قد اصبحن ارامل.
وتضيف: «تعهدت النسوة بالخروج للعمل. تود النساء ان تشارك في الانتخابات.»
يبلغ عدد النساء المرشحات زهاء 30 بالمئة من عدد المرشحين الـ 14,431 المتنافسين في الانتخابات. وحسب نظام الكوتا، فان على الاحزاب التي تحصل على اكثر من مقعد واحد ان تعيّن امرأة واحدة لكل ثلاثة مقاعد تشغلها في المجلس.
وحتى هذا الوقت، لا يبدو ان النزاعات والمجادلات في الحملات الانتخابية سوف تؤدي الى تخريب التصويت في اية محافظة.
منذ ان اقر البرلمان العراقي قانون الانتخابات في اواخر العام الماضي، حضّر العراقيون والمسؤولون الاميركيون انفسهم لموسم سياسي دامٍ. لكن مستوى العنف، والذي انخفض بشدة منذ صيف عام 2007، قد بقي مستقرا على ادنى مستوى منذ اربع سنوات.
ومع ذلك، فالكثير من العراقيين يرون ان هناك دوافع سياسية في الهجمات الاخيرة التي لم تستهدف المرشحين. وقد اتهم المالكي هؤلاء الذين استهدفوا البنية التحتية في البلاد، والتي مازالت معطلة، بمحاولة التقليل من جهود حكومته خلال فترة الانتخابات.
يتحدث العراقيون عن السلطة والوعود الانتخابية بخليط من التفاؤل والقلق والتشكك.
يقول احمد حسين، البالغ من العمر 25 عاما، ورفاقه انهم تحمسوا للتصويت في عام 2005. لكنهم يقولون انهم لن يزعجوا انفسهم في التصويت هذه المرة.
ويضيف، وهو واقف خارج متجر الملابس الذي يعمل فيه: «لن اشارك. حينما يضعون الملصقات، فانهم يظهرون انفسهم بابهى صورة. لكنهم حينما يتسنمون المنصب، لا يفعلون شيئا.»
اما كاظم الصافي، السجين السياسي في حكومة صدام ويبلغ 60 عاما من العمر، فيقول انه ايضا خائب الامل بالطريقة التي تطبق فيها الديمقراطية في العراق حتى الان.
وفي اعتراف على عمق عدم الرضا العام عن الوضع الراهن، اصدر مؤخرا كل من المالكي ورجل الدين الأكثر نفوذا، آية الله العظمى علي السيستاني، بيانات تحث العراقيين على ان لا يدعوا تحفاظتهم تجاه السياسيين العراقيين تردعهم عن الذهاب الى صناديق الاقتراع.
ومن بين الصحفيين العراقيين الاكثر نقدا في الندوة الانتخابية آنفة الذكر مراسل لقناة تلفزيون. وقد افصح بان بعض المرشحين كانوا «غير متعلمين»، لكنه، مع ذلك، يقول انه سوف يمارس حقه في التصويت يوم 31 كانون الثاني.
مضيفا: «إن الديمقراطية هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الدكتاتورية والعنف».