Saturday, January 17, 2009

المالكي هو القضية الكبرى في الانتخابات المحلية

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – يطل وجه رئيس الوزراء نوري المالكي الحازم من خلال ملصقات الدعاية الانتخابية التي تنتشر في انحاء العراق هذه الايام.
وهو ليس مرشحا على اية قائمة تخوض الانتخابات المحلية المقررة في 31 كانون الثاني. لكنه، بموافقته على ان يتحول الى صورة شعبية لإئتلاف (دولة القانون)، وهو مجموعة من المرشحين الذين يخوضون الانتخابات استنادا الى سجله، فانه قد حوّلهذه المنافسة، وبفاعلية، الى استفتاء على حكمه.
سوف تكون هذه الانتخابات الاختبار الاهم، لحد الان، حول محاولة المالكي تقوية سلطة الحكومة المركزية، وسلطته الشخصية. واذا نجح المالكي في بناء قاعدة عريضة تتسع لتشمل البلاد باكملها من السياسيين المحليين الذين يساندوه ويدعمون فكرة الحكم المركزي، فانه يكون قد انهى تحوله على مدى ثلاث سنوات، من مجرد مشرّع غير معروف على نطاق واسع الى اكثر رجل دولة قوة منذ عهد صدام.
وعلى الرغم من تاريخ حزب الدعوة كحركة شيعية مناهضة للحكومة العلمانية، فان المالكي وقائمته (دولة القانون) تجنبت استخدام رسائل ذات طابع ديني، وفضلت ان تعطي وعودا لتحسين الامن والخدمات الاساسية، مثل الماء والكهرباء.
هددت شعبيته المتزايدة سلطة حلفاءه القدماء، وبضمنهم الاكراد وزملاءه من الشيعة، كما هددهم الشعور بانه سوف يصبح قويا جدا. ويخشى النقاد انه سوف يوسع قوته السياسية في الانتخابات القادمة.
يقول وليد صالح شركة، العضو البرلماني عن التحالف الكردستاني: "لم نكد نتخلص من الدكتاتور الكابوس صدام حسين حتى جاءنا هذا الدكتاتور الجديد الذي يتلبس بلبوس الديمقراطية."
لكن مقابلات مع اكثر من 100 عراقي من اماكن متعددة من البلاد اظهرت دعما واسعا للمالكي، وفي الكثير من الاحيان بسبب تكتيكاته القوية التي تزعج حلفاءه. يقول الشيعة انهم يساندوه، ولكن الكثير من اهل السنة قال ذلك ايضا، وهؤلاء اصبحوا ينظرون اليه بشكل متزايد على انه قائد غير طائفي. وقد بنى هذه السمعة في السنة الماضية من خلال اطلاق حملة عسكرية ضد المليشيا التابعة لمقتدى الصدر، والذي كان حليفه ذات مرة، ومن خلال افتعال شجار مع الكرد، وهو عنصر اساسي في حكومته الإتلافية.
قال ياسر علي وهو شيعي بعمر 31 عاما، عندما سُئل عن الانتخابات المحلية، انه لم يكن يدعم المالكي عندما اصبح رئيسا للوزراء، وبدأ باطلاق الشتائم على السياسيين.
ثم صاح قائلا: "يجب ان يذهبوا جميعا الى الجحيم." قال ذلك بينما كان يعد اللحم لتحضير الكباب في احد شوارع حي الكرادة المزدحمة.
لكن بائع الكباب لم يتكلم بنفس اللهجة عن رئيس الوزراء. قال: "لا، لا، لا، المالكي شخص جيد. انه وردة جميلة. لكن لا احد يساعد المالكي. انه الشخص الوحيد الذي يعمل من اجل جميع العراقيين، بينما يعمل الاخرون من اجل مصالحهم الشخصية."
وقال علي انه يخطط للتصويت لصالح إئتلاف (دولة القانون)، والتي قال انها قائمة المالكي، حتى مع انه لا يعرف أيا من المرشحين فيها. واضاف: "كما ترى فنحن جدد على السياسة هنا. لا احد يعرف كل التفاصيل. ولكننا نعلم شيئا واحدا: المالكي رجل جيد وشجاع وقد ساعدنا."

(عراقيون) لا اسلاميون
يقول صلاح عبد الزراق، مدير الحملة الانتخابية لإتلاف دولة القانون ان لديه ستراتيجية بسيطة للحملة: انها كلها تدور حول المالكي.
ويضيف عبد الرزاق، الذي هو نفسه مرشح لانتخابات مجلس محافظة بغداد: "نحن مرشحو المالكي. نحن نريد ان نضمن اهداف المالكي في المحافظات."
ويؤكد ان الإتلاف التي يضم ستة من الاحزاب الصغيرة بالاضافة الى حزب الدعوة، يركز في حملته الانتخابية على وعود بزيادة تركيز السلطة، وسحب موارد من الحكومة الفيدرالية من خلال علاقاتهم مع المالكي.
ومن المقرر ان يحضر المالكي، الذي يقود حزب الدعوة، عددا من المناسبات السياسية للإتلاف، لكنه اشترك في اتخاذ قرارات رئيسة حول الحملة.
يقول عبد الرزاق ان رئيس الوزراء قد قرر ان تطلق تسمية (دولة القانون) على الإئتلاف منذ ثلاثة شهور. وهذا الاسم مستوحى من الاسم السابق لخطة امن بغداد، والذي يعرف باللغة العربية بـ(خطة فرض القانون). يذكر انه منذ ان اطلق المالكي والمسؤولين الاميريكيين هذه العملية في عام 2006، فان العنف انخفض في العاصمة بشكل ملحمي.
غير ان المالكي تردد في السماح باستخدام صورته في ملصقات الحملة الانتخابية، وذلك لانه كان يخشى ان يعتبر ذلك اساءة لاستخدام موقعه لاغراض سياسية، حسبما يقول محسن الربيعي، نائب مدير الحملة.
ويضيف الربيعي ان الحملة حصلت، آخر الامر، على موافقة مفوضية الانتخابات المستقلة على استخدام صورته، كما ان كل قائمة مرشحين اخرى تقريبا وضعت صورة على ملصقاتها لاحد الرموز السياسية المعروفة. لكن مساعدو المالكي يقولون ان تردده يعكس الميل الى تجنب تعظيم الذات.
يقول الربيعي، الذي عمل مديرا لمكتب المالكي حينما كان في البرلمان: "لقد رفض تماما فكرة التفاخر بنفسه. لقد كنا في اجتماع حينما نهض احد الشيوخ وبدأ في الاشادة بحماسة شديدة برئيس الوزراء. فطلب مني ان اذهب الى الشيخ واطلب من الشيخ التوقف عن ذلك."
ويجمع مساعدو المالكي، الذي يبلغ 58 عاما من العمر، على انه رجل معتدل ومتواضع. يقول الربيعي انه من النادر ان تراه يرتدي أي شيء غير بذلات داكنة، ذات علامة تجارية وبتصميم قديم، ويضع نظارات ثقيلة تترك ظلا على وجهه يرسم شكل الساعة الخامسة. وحتى حينما كان عضوا في البرلمان كان المالكي يغلي الماء لصنع الشاي، وينظف مكتبه.
تبقى حياة المالكي الشخصية غامضة بالنسبة لاكثر الناس، وهو نادرا ما يوافق على اجراء مقابلة صحفية، ولم يعط موافقتة على مقابلة من اجل هذا المقال.
ولد المالكي في قرية صغير جنوب العراق، وتلقى درجة الماجستير في الادب العربي، وسرعان ما التحق بصفوف حزب الدعوة، والذي تأسس منذ العام 1957، كحركة معارضة شيعية. وقد دعت الى حكومة ديمقراطية يشرف عليها رجال الدين، وهم الذين سيضمنوا ان القوانين تصدر متوافقة مع الشريعة الاسلامية.
ثم بعد ارتقاء صدام حسين الى السلطة قام بمنع حزب الدعوة، مما اضطر المالكي الى الهروب الى المنفى على مدى العقدين التاليين. ذهب اولا الى ايران، ومن ثم توجه الى سوريا حيث اضحى رئيس الفرع المحلي لحزب الدعوة. وكان يعرف هناك باسم (جواد) التي تعني (كريم) باللغة العربية، ثم اسقط اسمه المستعار حينما اصبح رئيسا للوزراء.
ويقول مساعدو المالكي انه تبنى بنتا ماتت امها اثناء الولادة لان والدها كان من الفقر بحيث لا يستطيع اعالتها. غير ان اقرب حلفاءه لا يعلمون بهذا الامر. وتضم عائلته الى جانب هذه البنت، التي يبلغ عمرها 12 عاما الان، زوجة وثلاثة بنات اخريات وولدا واحدا.
يقول عبد الرزاق ان الحملة الانتخابية لم تعد تركز على الدين، ويضيف: "المالكي شخص متدين، ولكنه كرجل دولة؟ كلا، انه علماني. ولديه في هذا الوقت اولويات. فالناس لا تمتلك مساكن، ولا طعاما، ولا أمنا. هناك حاجات اساسية للناس قبل التفكير بمنع الكحول او اجبار النساء على ارتداء الحجاب."
واستطرد قائلا: "المالكي هو قبل كل شيء (عراقي). لا يمكن له ان يكون اسلاميا الان."

الشعور السلبي للمعارضة
ان تحول حزب الدعوة من الدعوة الى حكومة دينية الى الاستجابة الى الحاجات اليومية للمواطنين، هو بمثابة طريقة براغماتية، تأثرت بالانظمة الحاكمة في بلدان الشرق الاوسط.
يقول كل من المحللين والمشرعين ان التحول يعكس تطورا ايجابيا في النظام السياسي العراقي. ففي الانتخابات السابقة التي اجريت في عام 2005 تطلع الكثير من الناخبين الى توصيات رموز دينية مثل آية الله العظمى علي السيستاني، والذي ادى دعمه للتحالف الشيعي الى فوزها في الانتخابات. اما الان، فان السيستاني يتجنب تقديم أي دعم، بينما تفتت الإئتلافات التي بُنيت سابقا على الطائفة والمذهب الى كتل مستندة الى احزاب سياسية وشخصيات.
واستبدلت الملصقات التي كانت تحمل صورة السيستاني باخرى تحمل صور سياسيين مثل المالكي وعبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي في العراق، والتي تشكل قائمة مرشحيه اكبر تهديد لإئتلاف المالكي في هذه الانتخابات.
يقول عبد الرزاق: "نحن، كمجتمع شرقي، معتادون على ان يكون لنا رموزا. ويجب ان يكون لنا رمزا لكي نصوت له. ولكن هذه الرموز اصبحت اليوم سياسيين لا (آيات الله)."
يقول غسان العطية، المحلل السياسي ومدير المؤسسة العراقية للتنمية والديمقراطية، وهي مؤسسة علمانية، ان من غير الواضح سبب توقف المالكي عن الخطاب الديني.
يقول عطية: "من الواضح ان المالكي يرغب في البقاء في السلطة، ان كل من يتسلق سلم الصعود الى السلطة لا يود تسلقه هبوطا. لذلك يجب عليه ان يتكيف وان يتغير. لكننا لازالنا لا نعرف الاجابة على السؤال الاهم: هل ان المالكي مخلص في ارتداء قميص الاصلاح بدلا عن عباءة الاسلام؟"
يقول عطية انه يعتبر المالكي فائزا في الانتخابات حتى لو حصل إئتلافه على محافظتين فقط، فحزب الدعوة يسيطر الان على محافظة كربلاء فحسب. يعتقد مديرو الحملة الانتخابية ان الإئتلاف يمكن ان يفوز باغلبية المقاعد في مجالس محافظات بغداد والنجف والبصرة وذي قار.
لكن على الإئتلاف ان يتخطى الشعور السلبي للمعارضة، التي ترى ان المالكي يتجاوز حدود سلطته.
فاستنادا الى مسؤول اميركي رفيع المستوى، طلب عدم نشر اسمه نظرا لحساسية الموقف، فان 142 نائبا على الاقل يمكن ان يصوتوا على سحب الثقة من المالكي، أي بزيادة اربعة اصوات عن العدد المطلوب. لكن هذا المسؤول ومشرعين بارزين من مختلف الاطياف السياسية يؤكدون ان من غير الراجح ان يُتخذ هذا الاجراء، لانه ما من بديل آخر، وان ذلك قد يغرق البلاد في حالة من الفوضى.
لكن المالكي لا يحظى باجماع على مستوى البلاد. فالصدريون يلقون عليه باللائمة في الحملات العسكرية التي استهدفتهم. ويرى الكرد انه يحاول ان يسلبهم حقوقا واراض يجب ان تكون جزءا من منطقتهم. وآخرين ينتقدون قيامه بانشاء ما يسمى بمجالس الاسناد، وهي مجاميع مسلحة هدفها المعلن تعزيز الامن، في مختلف محافظات البلاد.
يقول مخلد علي، المدرس الخصوصي لمادة اللغة الانكليزية في النجف والذي يبلغ 47 عاما من العمر: "ان انشاء مجالس الاسناد هي خطوة معدة مسبقا بهدف تحويل هذه المجالس الى قوة ضاربة لحزب الدعوة."
لكن المرشحين على قائمة (دولة القانون)، في اية حال، يعتقدون بوضوح ان علاقتهم به سوف تساعدهم على الفوز في الانتخابات. ففي اثناء تجمع ضم ثمانين من النساء في النجف التقين بمناسبة شهر محرم الحرام، حاول متطوعو الإئتلاف والمرشحات من النساء ان يفوزوا بدعمهن.
نهضت امرأة ترتدي عباءة سوداء بينهن وذكرت اسم المالكي اكثر من ثماني مرات في غضون دقيقتين. قالت المرأة، التي وافقت على اعطاء اسمها الاول فقط، ندى: "يجب علينا ان نحمد الله الان لانه منحنا حكومة المالكي. لقد اصبح لدينا الكثير مما كنا لا نمتلكه."
وبينما ماجت النسوة نهضت مرشحة، وادعت قائلة: "اخواتي، اسمي جنان البغدادي، وانا على قائمة المالكي"، وذلك قبل ان تتحدث عن اهتمامها بقضايا المرأة. ثم جلست، وبدأت النسوة بالدعاء والنحيب في مراسم محرم.
وكانت البغدادي قد اوضحت مسبقا السبب في عدم حاجتها الى التحدث مطولا.
قالت: "انا على قائمة المالكي، والكل في العراق يحب المالكي. ما الذي يمكن ان يقال اكثر من هذا؟"