Tuesday, February 03, 2009

تحت ظروف أمنية مشددة.. الانتخابات العراقية مضت بسلام

عن نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة

بغداد صوت العراقيون يوم السبت لاختيار ممثليهم المحليين، في يوم انتخابي خلا تقريبا من أي اعمال عنف، يهدف الى تشكيل مجالس محافظات ذات تمثيل اقرب الى التركيبة الاثنية والطائفية والعشائرية. ومع هبوط الظلام، لم يتأكد موت أي شخص، بينما مارس الصبية لعبة كرة القدم في الطرقات المغلقة، في جو من المرح. وكانت التحضيرات الامنية فوق العادة. فقد حُظرت حركة السيارات في معظم اجزاء البلاد لمنع المفجرين الانتحاريين من مهاجمة اكثر من ستة آلاف مركز اقتراع، ونقاط السيطرة التي تقع على مبعدة عدة امتار عنها. لكن الظروف الامنية المشددة، إضافة الى ارتباك الناخبين حول المكان الذي يتوجب عليهم التصويت فيه، قد اديا الى تقليل نسبة الاقتراع في العديد من المناطق في عموم البلاد. وقد اشتكى العديد من كبار اعضاء الاحزاب السياسية علنا، حتى قبل ان تقفل ابواب مراكز التصويت.
واختلفت نسبة الاقبال على التصويت في مناطق مختلفة من البلاد: فقد بلغت في بعض المحافظات نسبة 60 بالمئة ، بينما بقيت دون 50 بالمئة في البصرة، المحافظة الكبرى في الجنوب. وفي المحافظات الاخرى، ومنها نينوى في الشمال، والتي تعاني التوترات السياسية واعمال العنف ، بلغت نسبة التصويت 75 بالمئة ، حسبما افاد مسؤولو مفوضية الانتخابات المحلية. وتتضارب المشاعر في هذه المحافظة من الحملات الانتخابية التي تواصلت الى يوم التصويت، فقد اشتكى قادة احزاب المعارضة من خصومهم الى الاميركيين والمراقبين الدوليين الذين زاروا مراكز الاقتراع.
وكان الاقبال على التصويت في محافظة الانبار عاليا أيضا، و التي قاطع سكانها الانتخابات الوطنية في عام 2005، بسبب تهديدات المتمردين والمعارضين لحرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة. تعتبر تلك المشاركة حيوية من اجل اعادة التوازن الى الساحة السياسية المحلية، وربما تؤدي الى انهاء احد اسباب اعمال العنف.
يقول مخلد وليد، الذي يبلغ 25 عاما من العمر وهو من مدينة الرمادي بمحافظة الانبار: "لقد صوتت للتو، وانا سعيد للغاية. لم نستطع ان نصوت في الانتخابات الماضية بسبب التمرد."
وبحلول منتصف النهار رفعت الحكومة حظر تجول المركبات في بعض المناطق للسماح للناخبين الادلاء باصواتهم في مراكز الاقتراع البعيدة عن مناطق سكناهم. كما مددت الحكومة فترة التصويت ساعة اخرى، لتقفل ابواب مراكز الاقتراع في الساعة السادسة مساء.
ومن المتوقع ان تعلن النتائج في غضون ايام، مع ترقب السياسيين الذين يودون معرفة عدد المجالس التي ستتغير فيها تركيبة الاحزاب، وفيما اذا كان عدم الرضا الواسع النطاق عن اداء الاحزاب الدينية سوف يترجم الى مقاعد اقل لها.
وقد خاض ما يزيد على 14,000 مرشح لشغل 440 مقعداً في مجالس 14 من محافظات العراق الـ18. تتحكم مجالس المحافظات في الميزانية البلدية ولها سلطة تعيين وفصل الموظفين، ما يعطي المرشحين الناجحين سلطة كبيرة ونفوذا في بلاد تعاني نسبة بطالة مرتفعة. ولم تجرى الانتخابات في محافظات كردستان، المنطقة التي تتمع باستقلال ذاتي في الشمال، ولا في مدينة كركوك.
في ناحية القحطانية، الواقعة الى الجنوب الغربي من قضاء سنجار في محافظة نينوى، والتي كانت موقع اسوأ تفجير منفرد خلال الحرب، والذي وقع عام 2007 وادى الى استشهاد نحو 500 شخص، كان التصويت نظاميا وحتى في اجواء من البهجة. ويتوقع مدير الناحية، خضر خديده راشو، ان تبلغ نسبة التصويت 90 بالمئة في معظم الاماكن.
وكانت عملية التصويت هي الممارسة الانتخابية الاكبر التي تجرى بعد موجة العنف التي بلغت اوجها بين عامي 2006 و2007، حيث اصبحت الظروف الآن اكثر سلاما بشكل ملحوظ.
وقال رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يدلي بصوته في المنطقة الخضراء ببغداد، التي اصبحت الآن تحت السيطرة العراقية، لكنها مازالت محمية بشدة: "انا سعيد للغاية في هذا اليوم، لان جميع المؤشرات والمعلومات تشير الى نسبة مشاركة عالية في مراكز الاقتراع. هذا نصر لجميع العراقيين."
وفي واحدة من الحوادث القليلة التي وقعت في يوم الانتخابات ، أصيب مواطنان بنيران القوات الامنية العراقية في مدينة الصدر ببغداد لدى محاولتهما الدخول الى مركز الاقتراع وهما يحملان كاميرات واجهزة تسجيل، حسبما افاد مسؤولون عراقيون وشهود عيان.
وقال احد شهود العيان ان الرجلين اشتبكا في عراك مع الجنود الذي يتولون حماية المركز الانتخابي، مطالبين بالسماح لهم بالدخول من الباب الخلفي، بينما أصر الجنود على انهم يجب ان يدخلوا من الباب الامامي.
وكانت هناك بعض اعمال العنف في الفترة السابقة ليوم الانتخاب، بحيث لقي خمسة مرشحين في الاقل وثلاثة من العاملين في الحملات الانتخابية مصارعهم اثناء الحملة.
وفي مجمل الأمر، يبدو أن هناك تحمساً كبيراً للتصويت، لكن هناك ارتباكاً ايضا. فبعض الناخبين حضر الى المراكز الانتخابية الاقرب الى منازلهم بدلا من المراكز التي تم توزيعهم عليها، بسبب حظر التجوال المفروض على حركة المركبات. كما تم رفض السماح لآخرين بالتصويت لان اسماءهم لم ترد ضمن قوائم الناخبين.
وكانت عملية تسجيل الناخبين قد نظمت استنادا الى نظام البطاقة التموينية، والتي استمر العمل بها بعد سقوط النظام السابق. ويتوجب على الناخبين ان يراجعوا قائمتين لغرض معرفة فيما اذا كان قد تم تسجيلهم للانتخاب في مركز انتخابي معين. ثم ينبغي على الناخبين ان يراجعوا قوائم مطولة تشتمل على جميع العوائل التي يخدمها وكيل الغذائية. فاذا فـُقد اسم الناخب، فلن يكون بامكانه (او بامكانها) التصويت في ذلك المركز.
بعض الناخبين اصابهم الاستياء واقلعوا عن التصويت، بينما وردت تقارير تفيد بان بعض الناخبين تجول من مركز اقتراع الى آخر حتى عثر على المركز الذي يضم اسم وكيلهم.
ومن هؤلاء نسرين يوسف، المسيحية ذات الـ54 عاما. وقد زارت ثلاثة مراكز انتخابية في بغداد الجديدة، لكنها لم تعثر على اسمها في أي منها، ما حدا بها الى القول: "سوف اذهب الى البيت الان. ربما تكون هناك مدرسة رابعة، لكنها بعيدة جدا ولا استطيع المشي اليها."
ثم اضافت: "انها فوضى واضحة. وان لم تكن فوضى، فأين اسمي؟"
تلقي الحكومة العراقية ومسؤولو مفوضية الانتخابات باللائمة على الناخبين انفسهم لهذا الارتباك.
فقد صرح قاسم العبيدي، مدير مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة: "لقد كررنا القول مرات عديدة قبل الانتخابات بانه قد يتوجب على بعض الناخبين ان يصوتوا في اماكن بعيدة لانهم لم يحدثوا سجل الناخبين حينما غيروا عنوان سكناهم." وقال ان المفوضية امهلت الناس 45 يوما لتحديث معلوماتهم.
وحتى بالنسبة للاشخاص الذي استطاعوا التصويت، فانه كانت هناك الكثير من الخيارات على قسيمة الاقتراع بحيث انهم التزموا التصويت الى الاحزاب المعروفة، او الى الاقارب. يقول حيدر خلف، ضابط الشرطة من محافظة البصرة ويبلغ 27 عاما من العمر، انه اختار مرشحا محليا في قائمة عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق. ويضيف: "لقد صوتت لعبد الحسين فقط. انا اعرف اسمه الاول فقط. لقد أخبرتُ ان اصوت له."
ينظر الى عملية الاقتراع يوم السبت، الى جانب كونها ستقرر كيفية ادارة الحكومات المحلية، بانها مؤشر على الانتخابات الوطنية التي ستجرى في غضون عام واحد، والتي ستقرر شكل الحكومة المركزية.
وتأمل الأحزاب العلمانية في ان تحصل على اصوات المحتجين على اداء الاحزاب الدينية، التي تعرضت الى نقد واسع بسبب فشلها في توفير فرص العمل والخدمات الاساسية منذ عام 2005.