عن: جريدة مكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
بحلول عام 2009 حقق العراق، على الورق في الاقل، انجازا لم يتسنَّ له منذ ان غزته القوات الاميركية، قرابة ستة اعوام مضت، واسقطت نظام حزب البعث الذي كان يرأسه صدام هذا الانجاز هو اعلان سيادة الامة، والتخلص من تفويض الامم المتحدة الذي اتاح للولايات المتحدة ان تدير الشأن العراقي.
بالطبع، مازالت القوات الاميركية هنا، وسوف تبقى لبعض الوقت. على كل حال، فحسب الاتفاقية الثنائية الجديدة يجب على هذه القوات ان تراجع المسؤولين العراقيين فيما تفعل، وتتقدم بطلب اوامر الاعتقال والاوامر القضائية قبل القيام باعتقال الاشخاص، وبحلول حزيران يجب عليها ان تنسحب بشكل كبير من المدن العراقية.
ان هذه التغييرات لن تحدث مرة واحدة، والبعض منها مفتوح للتأويلات. فالمسؤولون الاميركيون يصرون على ان من المحتمل ان تبقى قواتهم في المراكز الامنية المشتركة، التي يشرفون عليها بالتعاون مع القوات العراقية في بغداد، الى ما بعد الوقت المحدد للانسحاب من المدن وهو 30 حزيران.
لكنه ما من شك ان تاريخ 1 كانون الثاني يمثل خطوة رئيسة في التطور العراقي. فقد غادر المسؤولون الاميركيون بالفعل من القصر الجمهوري الذي كان يشغله صدام حسين، والذي استخدموه كمقر منذ ان سيطرت القوات الاميركية على بغداد، ليشغلوا بنايتهم الجديدة التي تبلغ مساحتها 420 ألف متر مربع، وتعد اكبر موقع لسفارة اميركية في العالم.
وعلى الرغم من ذلك، فان العراقيين غير راغبين في القول بان ايام العنف الطائفي البغيضة قد ولت، او ان ما يحدث الان سوف يؤدي الى مستقبل افضل.
وهم يتوقعون صراعا حول المناطق. ومع اقتراب الانتخابات المحلية في وقت لاحق من هذا الشهر، فانهم قلقون من ان يؤدي التنافس السياسي الى تجدد العنف. وهم لايزالون غير واثقين في الحكومة، وغير واثقين في المستقبل الذي ليس بمقدوهم التنبؤ به.
وقد عادت الاسواق في الهواء الطلق الى الانتعاش من جديد. وفتحت المتاجر، كما تم اعادة بناء المقاهي التاريخية والمكتبات والمطاعم. يبدو ان المخاوف والمآسي التي حدثت عامي 2006 و2007، حينما اجبر العنف الطائفي والتفجيرات العشوائية العراقيين على الانزواء في منازلهم، قد تلاشت في معظمها. لكن من الصعب، باي حال، ان يعود الامل بهذه السرعة بعد كل هذا القدر من سفك الدماء.
وقد عاد رواد مقهى الشابندر، وهو مؤسسة فكرية في شارع المتنبي، سوق بيع الكتب التاريخي في بغداد والذي سمي نسبة الى الشاعر العراقي الذي يعد اشهر شعراء العرب على مدى التاريخ، عاد الرواد الى المقهى الذي احترق إثر تفجير ارهابي عام 2007، ثم تمت اعادة بنائه.
يشعر محمد كاظم الخشالي ببعض البهجة حينما يجلس الى طاولته في مدخل المقهى، كما كان يفعل على مدى خمسين عاما، واضعا كتابا عن التراث الشعبي العراقي امامه، وهو يتسلم النقود من الزبائن عن المشروبات التي تناولوها. وقد علق على يسار الحائط خلفه صورة تحمل وشاحا اسود في اعلاها. لقد قتل اربعة من اولاده واحفاده في تفجير عام 2007.
يقول انه قبل خمسة اعوام كان لديه اربعة اولاد متعلمين وثلاثة عشر حفيدا. وقد حقق حلمه في بناء مكان لتجميع المثقفين لمناقشة الشعر والفلسفة، مكان يقصده السواح ليطلعوا على تاريخ العراق وحضارته. اما اليوم فقد امتلأت عيناه أسى وهو في مقهاه الذي انفقت الدولة على اعادة بنائه.
وهو يقول: «لقد اعتبرت نفسي اميرا من قبل. لقد تم اعادة بناء المقهى ودار الطباعة. لكن الحياة تغيرت. لقد انتقلت من والد يعيش مع اولاده الى والد يعيش لاعالة ايتام اولاده.. لقد اضحت الحياة تعذيبا.»
وقد توفيت زوجته ايضا. وهو يقول انها توفيت كمدا وحزنا. تأتي اصوات المثاقب والمناشير الآلية من الخارج لتؤكد على التغيير في شارع المتنبي الجديد الذي بُني على انقاض سلفه الجريح.
يصل جسر الائمة بين احياء الاعظمية ، والكاظمية وقد تمت إعادة فتحه مجددا بعد سنوات من الغلق لمنع المتطرفين من استهداف وقتل بعضهم البعض الاخر.
والان يتزاور سكان احدى المنطقتين مع سكان المنطقة الاخرى. ليس من المستغرب ان تسمتع الى هتافات تنطلق من سيارة عَلقت عند تقاطع مروري. لكنها لاتزال غير اعتيادية.
يتم اخلاء الحافلات التي تعبر الجسر، والممتلئة بالزوار الى مرقد الامام الكاظم او الامام ابو حنيفة على جانبي الجسر، يتم اخلاؤها من ركابها قبل عبورها الجسر. ويقوم الجنود بتفتيشهم وتفتيش مركباتهم قبل ارسالهم في طريقهم.