عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – قد تكون المسافة بين بغداد والبصرة، البالغة 500 كيلومترا، امرا غير سار. فالصحراء المنبسطة تتكور احيانا على شكل كثبان تكونت بفعل الانسان او الطبيعة، ثم تتكشف واحات عفوية من اشجار النخيل تنفح بالحياة. تجري فيها عروق من قنوات ذات ضفاف من الطين، كل منها مثل قلعة رملية في عقل طفل. وتتجمع اكوام من الطين والطابوق على طول الخط الحديدي الصديء، الذي هو قطعة اثرية اكثر منه وسيلة نقل قيد الاستعمال.
ولكن التناقض، كما هو تعقيد التضاريس الارضية، يحوم حول سكان جنوب العراق، الذين انهكتهم سنوات الطغيان والحروب وافساد.
فهم يدركون ان الديمقراطية، كما خبروها هنا على الاقل، تكبحها حدودها.
تعِد الانتخابات المحلية المقررة نهاية هذا الشهر، بانها سوف تعيد تعريف توزيع السلطة في بلد يمر بمرحلة انتقالية، وحيث يتنافس الالاف من المرشحين المدرجين على المئات من القوات الانتخابية، التي يمثل بعضها مرشح واحد فقط. ولكن بعد ستة سنوات من الحرب، التي تمحورت عادة على الخيارات البراغماتية للعسكريين والدبلوماسيين الاميركيين، قد عززت في بعض الاحيان قوة المجاميع الغير محبذة، مثل العشائر السنية، والمتمردين الشيعة السابقين والاحزاب الدينية الشيعية، بطرق سوف تؤدي الى تشكيل النظام السياسي الدائم الذي سوف تخلفه الولايات المتحدة وراءها في العراق.
وليس هناك من دليل على ذلك في أي مكان اكثر من جنوب العراق، الذي تقطنه اغلبية شيعة العراق.
تعطي السلطة وتحشيد الدعم، وهو نوع من المحاباة التي تضمن الوظائف في الشرطة والجيش والتي تخدم زوار العتبات المقدسة والعشائر، الاحزاب الشيعية افضلية في صناديق الاقتراع المقررة يوم 31 كانون الثاني، معززة السلطة التي تمتعوا بها منذ ان ورثوا حكم صدام حسين في عام 2003، بمساعدة القوات الاميركية والبريطانية. وهم يبدون متأكدين من الاحتفاظ بالسلطة، حتى مع جريان نهر من عدم الرضا يخترق مناطق الجنوب على طول مسار نهر الفرات، تملؤه الشكاوى بان لا احد يقدم التمثيل المناسب الذي يسعى من اجله الناس، لا بين الاحزاب السياسية وبالتأكيد ليس بين القوى العلمانية الضعيفة او التكنوقراط خارج منطقة البحث.
يقول ابو مؤمن التميمي، عامل البناء في مدينة الميناء البصرة: "لم يعد لدي أي ايمان بالاحزاب الدينية. فهم لم يقدموا لنا أي شيء ملموس."
لكنه يقر بان هذه الاحزاب الاسلامية تبدو واثقة من هيمنتها على جنوب العراق على مدى السنوات القادمة، بحيث ستقرر امورا حيوية بخصوص مستقبل العراق: سلطة الحكومة المركزية في بغداد، استقلالية المحافظات، النفوذ الايراني، والسؤال فيما اذا كان الجنوب، الذي ينعم بالموارد الطبيعية، ولكنه مبتلٍ بالاقتتال الطائفي، يمكن له ان يحقق طموحاته.
يقول خالد الجشاني، المرشح عن حزب ديني، بفخر: "لا توجد منافسة. ليس هناك من ينافسنا في هذا المكان."
النجف: الطريق الى السلطة
عبد الحسن عبطان هو المرشح الاول على قائمة الجشاني، وهو إئتلاف اسمي يمثل المجلس الاسلامي الاعلى في العراق قوته الرئيسة، وهو الحزب السياسي الشيعي الذي يدير اربعة من المحافظات التسع الجنوبية. عبطان، رجل نحيل بلحية مشذبة وماض كلوح الشطرنج، كان يدير منظمة بدر في النجف، وهي الجناح العسكري للمجلس الاعلى، بالاضافة الى منصبه نائبا لمحافظة النجف، يتنبأ بان قائمته سوف تفوز بشكل منفرد على الاقل في كل من المحافظات الجنوبية على الاقل.
ويقول: "انا على ثقة. هذه حقيقة، انا واثق من ذلك."
توقف عبطان هنيهة في لحظة تواضع، ليس عليك ان كانت صادقة ام لا، ثم قال: "ان شاء الله."
ان اكبر منافسي المجلس الاعلى هو الإئتلاف الذي تشكل حول رئيس الوزراء نوري المالكي وحزبه، حزب الدعوة. وقد ناضلت كل من الفرقتين لبناء هويتها الخاصة. وحاول حزب الدعوة في حملته الانتخابية ان يتواصل مع العشائر والمجاميع العلمانية والموالين لعدوه السابق مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الذي قاتل الاميركيين والمجاميع الشيعية الاخرى والجيش العراقي. وبهذا اظهر حزب الدعوة نفسه على انه حزب اسلامي سياسي معادل لحزب اجتماعي ديمقراطي (بالنسبة للغرب)، متجاوزا الايديولوجية لصالح البراغماتية، ومؤكدا على الوطنية بدلا عن الدين. ويؤكد مسؤولو حزب الدعوة، في كل حلقة نقاش، ان حزبهم قد تأسس في النجف عام 1957، مقارنة مع تشكيل المجلس الاعلى خارج البلاد، في ايران عام 1982.
على الرغم من ان المجلس الاعلى قد اصبح اكثر نضوجا، الا انه لايزال ينفح زفرات من المنظمة الخفية التي كانت في المنفى. وبينما يظهر اتباع الصدر ثقة عالية بطريقة التواصل مع الشارع، ويبدو حزب الدعوة في بعض الاحيان نخبويا، وحتى انعزاليا، فان مسؤولو المجلس الاعلى يميلون الى النظر الى كل سؤال بنظرة متشككة. وهم لايزالون يركزون على الرسالة الشيعية بلا وجل، رغم ان العراق قد تعافى، الى حين، من الحرب الطائفية.
تعلن ملصقات المجلس الاعلى قائلة: "معكم، معكم"، وهي جزء من التوسل الذي يتلوه الزائرون عند دخولهم الى الضريح المقدس في كربلاء، وهي احدى المدن الشيعية المقدسة: "معكم، معكم، لا مع عدوكم."
يقول فايد الشمري، مسؤوب حزب الدعوة في النجف، واحد المرشحين على قائمته: "لن تستطيع ان تحمل الناخبين على التصويت بناء على ولاءاتهم بعد الان."
يفيض مسؤولو حزب الدعوة في شرح الفروقات الايديولوجية مع خصومهم. كلا الحزبين يبقى منغمسا في الدين. لكن المسائل المتعلقة بالسلطة تقسمهما، خصوصا دور الحكومة المركزية، والتي اصبحت، بشكل متزايد، تحمل ختم حزب الدعوة بقيادة المالكي.
وقد سعى المجلس الاعلى منذ وقت طويل الى انشاء منطقة فيدرالية تضم المحافظات الجنوبية التسع، مع حكم ذاتي قريب من شكل حكومة الاقلية الكردية في الشمال. وحجة الحزب في هذا انه اذا اصبح الجنوب قويا فان ذلك يحمي المجتمع الشيعي، وهي الاغلبية في العراق ولكنها بقيت محرومة من حقوقها لمدة طويلة، من نزوات نظام ديكتاتوري في بغداد. ولدى المجلس الاعلى مصالحه الخاصة ايضا: فهو الاقوى سياسيا في الجنوب. وسوف يؤدي الحصول على المزيد من الصلاحيات للمحافظات الى الحفاظ على نفوذ الحزب نفسه.
وقد قاوم حزب الدعوة الدعوات الى اقامة الفيدرالية، التي يدعوها تقسميا حقيقيا للعراق على طول الخطوط الاثنية: العرب السنة، والعرب الشيعة، والاكراد. يقول حزب الدعوة انه لا يمانع في اعادة رسم الخطوط الادارية، مثل تجميع ثلاث محافظات حول البصرة. ولكنه يعارض أي مقترح لانتزاع السلطة من بغداد. وقد ادى هذا الموقف الى كسب دعم السنة والشيعة الذين هم وطنيون اكثر مما هم متدينون.
يفتقر محافظ البصرة، الذي ينتمي الى حزب اسلامي آخر يعرف بـ(الفضيلة)، الى الحماسة حتى بالنسبة الى فكرته في منطقة حكم ذاتي في البصرة. كما ان المجلس الاعلى نفسه قد تراجع عن دعوته القوية من اجل هذه القضية، على الاقل خلال الحملة الانتخابية.
يقول احمد الفتلاوي، مرشح المجلس الاعلى في النجف: "نود ان نعطي العراقيين مزيدا من الوقت لفهم ايجابيات الفيدرالية قبل تقديمها."
هذا يترك قضية المالكي نفسه، والذي طرحت محاولته ان يظهر شخصيته على انه رجل النظام والقانون من اجل انجاح حزب الدعوة، امام سؤال حيوي.
يقول مسؤولون اميركيون ان استطلاعات الرأي تبين دعما متزايدا للمالكي في الجنوب منذ ان ارسل القوات العسكرية في العام الماضي ضد المليشيات الشيعية والعصابات في بغداد والبصرة.
ولكن المستفتين عادة ما يرسمون خطا للتميز بين المالكي وحزب الدعوة، وهو وما يدعو للتعجب: فنجاح المالكي جعل منه رمزا وطنيا، اقل طائفية بشكل من الاشكال، ساخطا من محاولة الحزب ترجمة شعبيته الى نجاح للحزب. ومنذ عام 2005، لم يسيطر حزب الدعوة الا على محافظة واحدة فقط وهي كربلاء.
يقول الجشاني، العضو في المجلس الاعلى: "نحن ليس لدينا اية مشكلة مع المالكي. ولكن المالكي لن يأتي ويحكمنا في النجف."
يقول الجشاني ان ابتعاد المالكي عن الطائفة، لانه يقضي معظم وقته في بغداد، يقدم نافذة لتحرك المجلس الاعلى. تجري الاجتماعات، في مقر الحزب في النجف، على مدار الساعة. ويشرف الحزب على العشرات من المجلات والجرائد، وقناتين فضائيتين، وقنوات محلية للتلفاز في المحافظات الجنوبية. وهو يمتلك خمس منظمات نسائية، وثلاث مجاميع طلابية، واكثر من الف من المكاتب السياسية في عموم مناطق الجنوب.
يحمل مرشحو الحزب ملفا من 20 صفحة يحتوي على نتائج استطلاعاتهم للرأي، التي تجرى كل 15 يوما. وهم يصرون على انها تبين ان 90 بالمائة من المقاعد في الجنوب سوف تذهب الى الاحزاب الدينية، حتى وان كان الاقبال على التصويت اقل مما كان عليه في الانتخابات السابقة.
وهم يقولون انهم سوف يفوزون بمقاعد اربعة من المحافظات تماما، وهي النجف وبابل والقادسية وذي قار، كما انهم سوف ينبثقون على انهم الكتلة المنفردة الاكبر في المحافظات الاخرى.
يقول الفتلاوي: "سوف تتذكر هذه الاستطلاعات عندما ترى النتائج."
الحيرة: العشائر، والتقاليد، والسلطة
ربما يكون الشخص الوحيد في الجنوب الذي يمتلك الثقة التي لدى المجلس الاعلى هو محمد ذيبان الشبل: وهو مضيف كريم، وسياسي احيانا، وشيخ عشيرة يقول انها تحتوي على 70,000 عائلة تفضله على غيره.
وهو يعلن قائلا: "تسعى اكثر الاحزاب من اجل كسب ودنا."
الشبل يمثل المدرسة القديمة للعراق. وهو يمثل العشائر التي رعاها البريطانيون بعد الحرب العالمية الاولى، والتي غمرها صدام بدعمه، والتي احتواها المالكي، والتي تعتبرها الاحزاب عنصرا جديدا ومؤثرا في الانتخابات.
بالنسبة الى الشبل، المتفاخر بقدر ما هو مقنع، هذه هي الطريقة التي يجب ان تسير بها الامور. فالعشائر تجسر الفجوة الطائفية، وتظهر صورة العراق في تقاليدها وهويتها وتاريخها. يقول الشبل ان قادتها، وهم الشيوخ، لديهم السلطة لـ"كسر العظام وجبرها."
يعقد الشبل محكمة في مضيفه الذي يبغ عمره نصف قرن في الحيرة، وهي منطقة قروية في محافظة النجف. وقد بني المضيف من القصب الذي يجلب من منطقة الاهوار، ويربط مع بعضه في اقواس يدعي انها اقوى من الحديد. وهو يستقبل ضيوفه كل يوم وهو جالس على وسائد نضدت على السجاد الاحمر. والكثير من هؤلاء الضيوف ليسوا الا نهازي فرص بانتظار الغداء الفاخر، حيث تقوم عشيرته بذبح خروفين والعشرات من الدجاج لاعداده.
لم يقم المجلس الاعلى بزيارة هذا المضيف منذ بدء الحملة الانتخابية. هذا الحزب ليس الا استثناء، ففي الاسابيع القليلة الماضية، قام سيل من الزائرين، من بينهم الشمري ومساعديه من حزب الدعوة، واعضاء من قوائم اخرى، وممثلي الصدر، والمستقلين، قاموا بتقديم الاحترام اليه، وهو جالس قرب حلقة النار التي تغذيها اغضان شجرة التوت.
وهو يشتكي قائلا: "انهم يستمرون في الاتصال بي يوما بعد يوم."
يجري تيار من الغضب عبر العشائر مثل عشيرة الشبل. فهم عادة وطنيون متحمسون، يراقبون بقلق الاحزاب الدينية التي استخدمت خزينها من الاسناد الشعبي. ولان العشائر لازالت تشعر بالمرارة نتيجة الحرب مع ايران خلال الثمانينيات، والتي فقدوا فيها بعضا من ابنائهم،، فانهم يتوجسون خيفة من التأثير الايراني على كل من الاحزاب الدينية والمؤسسة الشيعية في النجف، حيث يتولى آية الله العظمى علي السيستاني، المولود في ايران، اعظم سلطة.
اما الصدر فقد حظي بالدعم العشائري بسبب ان اباه، رجل الدين محمد صادق الصدر، قد ولد في العراق، واغتيل عام 1999. وفي الوقت الحاضر، عكف المالكي على انشاء مجالس الاسناد العشائرية والتي تعمل على استحصال الدعم من بين العشائر بواسائل عدة، من بينها دفع تخصيصات شهرية مقدارها 10,000 دولار. واشتكى مناوؤا المالكي ان مثل هذا الاجراء ليس نظيفا، واتهموه في العودة الى تكتيكات صدام من اجل التشبث بالسلطة.
يقول الشبل ان المالكي فاز بدعمه، في الوقت الراهن على الاقل.
لكنه يقول، وقد ظهر عليه المزيد من الطموح: "نحن نخبر الاحزاب الدينية، انكم كنتم في السلطة لفترة من الزمن. لقد حان الوقت لكي تتنحوا جانبا لكي ندخل نحن في الصورة."
الناصرية: قراءة الشارع
تزين مدخل مكتب الصدر في الناصرية، الذي يقوده رجل دين يدعى فياض عطواني، شعارات دينية، تصرح بالقول: "بعون الله، لن تستطيع ان تمحو ذاكرتنا."
وبخلاف انتخابات عام 2005، حينما انضم كل من رجال الدين الصدريين والمجلس الاعلى وحزب الدعوة واحزاب اخرى في الإئتلاف الشيعي، فان الحركة اعلنت المقاطعة في الوقت الحالي، رسميا على الاقل، حتى وان كانت تسيطر على محافظات مضطربة مثل ميسان. وقد اختارت الحركة ان تدعم قائمتين مستقلتين من التكنوقراط، الاولى تسمى (النزاهة والدستور) والاخرى تدعى (حركة المستقلين الاحرار).
يقول عطواني: "هناك استياء شعبي بسبب فشل الاحزاب في تحقيق أي من طموحات الشعب. لقد اصبحت تمثل خطرا على الايمان."
يمكن قراءة تواضع رجال الدين الصدرين بطرق عديدة.
فالحركة تبقى ذات سطوة كبيرة، لكن نفوذها، حسب اغلب الاراء، قد ضعف منذ ان اطلق المالكي حملته العسكرية ضدها في البصرة، وفي معقلها في مدينة الصدر ببغداد. وانضم بعض الصدريين الى ابراهيم الجعفري، رئيس الوزراء السابق، والذي طالما رعاهم. كما ان دور الحركة الذي يأخذ الانفاس في عمليات الانتقام الطائفي ادى الى سلبها أي دعم بين ابناء السنة، الذين حاولوا ارضاءهم في الماضي. وفقدت الحركة في المعارك التي بدأت عام 2004 الالاف من مقاتليها، دفن العديد منهم في قبور منتشرة في مقبرة النجف، محاطة بالورود البلاستيكية، والعطر، والغضب.
لكن منذ سقوط صدام، اثبت مساعدو الصدر مهارتهم في قراءة المشاعر العامة. وهم كحركة شعبية تهتم بالمحرومين، فان خلاصهم يعتمد على قياس نبض الشارع. وهم لازالوا واثقين ان اتباعهم سوف يمكنوهم من الاشتراك في أي إئتلاف، سواء كان مع العشائر او مع المالكي، الذي قال المتحدث باسم الصدر، صلاح العبيدي، انه بدأ في خطب ودهم منذ شهر ايلول.
من جهة اخرى، رفض السيستاني ان يلعب أي دور في هذه الانتخابات، على عكس الحال في عام 2005، حينما قاد اسناده، الذي يحمل قوة القانون بالنسبة للشيعة المخلصين، الى نجاح الإئتلاف الشيعي، الذي انفرط عقده الان، في كل من دورتي الانتخابات. وضرب ممثل السيستاني، في حديث مجازي، مثلا عن مستشفى. فقد بنيت عام 2005 وتطلب الامر مساعدته. لكن العناية الطبية الان هي بادي الاطباء، ولا احد يحتاج السيستاني نفسه ليجري جراحة.
اما رجال الصدر، على شدتهم، فهم اكثر صراحة.
يصر العبيدي على انه "سوف يذهب الناس الى صناديق الاقتراع لينتقموا من هذا الحزب او ذلك الحزب."
البصرة: سيل من الشكاوى
حينما يتحدث ابو علي التميمي، الناخب من البصرة، عن الاحزاب الدينية، فانه عادة ما ينطق كلمة "مصلحة"، في تعبيره عن سعي الاحزاب للعمل لمصلحتها الخاصة.
يصرخ التميمي، بينما يقف ابو مؤمن التميمي وآخرون من اولاد العمومة على شارع في المدينة الواقعة في اقصى جنوب العراق، واحدى اكثرها سحرا: "انظر الى البصرة! انظر!"
ثم اشار الى بقايا الطعام، واوراق تغليف الحلوى، والقناني المعدنية، والقناني البلاستيكية، والاكياس التي تجمعت عند حافة الرصيف، وقد غطاها الذباب. وتنبعث رواح كريهة من المجاري في ناصية الشارع، حيث خـُطت عبارة تقول: "لا يجوز رمي الازبال هنا بتاتا."
يتساءل، بينما يحرك ابن عمه رأسه في الموافقة: "البصرة غنية. لكن انظر شوارعها. هل يبدو لك هذا غنى؟ انا اتحدث بصراحة. فالشارع يخبرك قصته بنفسه."
تذهب شكاواهم سدى. يقول ابن العم ان الماء الذي تستطيع بلدية المدينة توفيره لا يكفي سوى لغسل الايدي، "وحتى هذا ليس نظيفا." ولا تستمر الكهرباء اكثر من ثلاث ساعات في النوبة الواحدة. وتتجمع مياه المجاري على شكل برك.
تقر كل الاحزاب ما عدا المجلس الاعلى بالاستياء الشعبي في اماكن مثل البصرة، وجميعها تقريبا اثقلت قوائمها الانتخابية وأتت بمرشحين جدد. وتطلق النكات على رمز القائمة، وهو الشمعة، على انها يجب ان تكون مصدر النور في بلد بلا كهرباء.
وكثيرا ما تسمع ان الناس تقول، ببساطة، انها لن تصوت.
وتندب القوى المستقلة والعلمانية حظها لقلة الموارد والتنظيم. وحده اياد علاوي، وهو رئيس وزراء سابق آخر، يبدو واثقا في الفوز بحصة من التصويت. اما الاخرون فيتحدثون بمرارة عن التحشيد الذي تمارسه الاحزاب الاسلامية، عن طريق الوظائف التي تأمنها لاتباعها في الشرطة والجيش، والسيارات التي يمنحوها لزعماء العشائر، وحتى نفوذهم الكبير في المفوضية التي تشرف على الانتخابات.
وفي ركن الشارع يقر التميمي واولاد عمومته ان من المرجح ان تبقى الاحزاب هنا.
يقول التميمي: "بودنا ان نصوت الى شخص ما لا يضع جدرانا كونكريتية حول منزله." ويضيف ان من لا يفعل ذلك هم المرشحون المستقلون فقط، وهم المرشحون من التكنوقراط، الذين عبّر عنهم بالكفاءات. ويصر على ان من يحكم يجب ان يكون من بين هؤلاء الاشخاص.
هز جعفر عبد الله، احد اولاد العم، رأسه بالموافقة، ليزيح عنه وصف السذاجة، قائلا: "لكن المستقلون لا يملكون عصابات خلفهم يمكن لها ان تقتل."