Saturday, January 03, 2009

تعافي المستشفيات ترفع الآمال في العراق

عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – حذره زملاؤه ان من المبكر العودة الى العراق. وقالوا له ان العراق مازال خطرا، خصوصا بالنسبة الى طبيب قـُتل سائقه في محاولة فاشلة لاغتياله. لكن غزوان البداوي لم يعد يستطيع البقاء بعيدا اكثر من ذلك. فهنا تقطن عائلته، وهنا يكمن اكثر احتياج الى عمله. يقول: «الامور اخذت في التحسن يوماً بعد يوم. لقد بدأنا بالتفاؤل مجددا. انها بداية امل جديد.» يعود الاطباء والعاملون في المجال الصحي الذين هربوا من العراق على مهل بينما تقل وتيرة العنف، كما ان الادوية والمستلزمات الطبية اصبحت متوفرة بشكل غير مسبوق.
وبينما مازال القطاع الصحي في العراق مبتلىً بالمشاكل الناتجة عن الحرب، والدكتاتورية، وسنوات من العقوبات الدولية، تلوح علامات على التعافي، حيث تمتليء صالات المستشفى الذي يعمل فيه الدكتور البداوي الان (بالمراجعين).
يُعد مستشفى الاطفال التعليمي المركزي هو الاكبر من نوعه في بغداد، وقد اعتبر لمدة طويلة مقياسا على تعافي العراقيين على الاجمال، منذ الايام المظلمة لعهد صدام، الى العنف الطائفي اثناء الحرب، الى تحقيق المكاسب الامنية الاخيرة.
لكن البداوي، الذي بقي مشتتا في قراره، يقول ان التقدم الحالي مؤقت. مضيفا ان التفاؤل الذي اعقب سقوط صدام حسين صاحبه الكثير من الامال «بان تأتي الولايات المتحدة بكل ما اوتيت من منشآت ومعدات طبية. لكننا كنا مخطئين».
بدلاً من ذلك، اضحى الاختصاصيون هدفا للقتل والخطف حينما نشبت الفتنة الطائفية اوائل عام 2006. وبعد ان تعرض الى محاولة اغتيال، غادر البداوي الى الاردن ومن ثم الى الولايات المتحدة.
يقول البداوي ان زملاءه يسألونه الآن: «لماذا عدتَ؟ انه ليس الوقت الملائم، قد يكون ذلك بعد اربع او خمس سنوات». ولكنه يجيب قائلا: «لا استطيع العيش بسلام اذا كانت عائلتي تعاني. إما أن نعيش كلنا في سلام، او ان نعاني جميعا».
وبرغم ذلك، يختار البداوي ان يرى الامل في العراق. فتوفير الغذاء قد تحسن خلال العامين الماضيين، على سبيل المثال، واصبح العراق قادرا على استيراد جميع الاحتياجات الطبية والادوية من خلال وزارة الصحة.
يقول ستيفان دي مستورا، الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق، والذي عمل هنا اواخر التسعينيات خلال فترة الحصار وبرنامج النفط مقابل الغذاء: «لم يعد الموقف ازمة انسانية». لكن الفقر مستمر. فعدد العراقيين الذين هم تحت خط الفقر يبلغ اربعة ملايين نسمة، في بلد تبلغ ميزانيته 78 مليار دولار. بينما يبلغ عدد العراقيين الذين تركوا منازلهم او هاجروا الى الخارج بسبب الحرب 4,8 مليون نسمة.
يقول السيد دي مستورا: «ان اسوأ الحالات هي بين المهجرين داخليا. انهم يعيشون على الحافة وهم في امس الحاجة الى المساعدة.» لكن في الجانب الايجابي، فان واردات العراق تنمو بمقدار 7 بالمئة.
وبالمقارنة مع ازمة القطاع الصحي في العراق قبل عقد من الزمن، فان اماكن قليلة فقط بقيت بحالة سيئة في ما كان يعرف بمستشفى صدام التعلمي المركزي للاطفال.
وقد شهد كاتب هذا المقال، آنذاك، وفاة طفلين حديثي الولادة لعائلتين مختلفتين وبعمر يقل عن 15 يوما، خلال فترة لم تتجاوز 30 دقيقة. فقد ولدا ضعيفين جدا نتيجة سوء التغذية، فلم يستطيعا النجاة. وتشير احصائية اخرى للامم المتحدة نشرت عام 2002 الى ان «حالات المواليد ذوي الوزن المنخفض قد ازدادت من 4.5 بالمئة عام 1990 الى 23.8 بالمئة عام 1998».
صرح مسؤول المساعدات الانسانية في الامم المتحدة، دنيس هاليدي عام 1998: «للعقوبات الدولية تأثير هائل. لقد حولت العراق الى انقاض.» وقد استقال من منصبه محتجا، ليكون ثاني اثنين من المسؤولين اللذين اتخذا مثل هذه الخطوة.
وقد حُذف اسم صدام حسين من اسم المستشفى. يقول المسؤولون انها تعمل الان بطاقة تبلغ 70 الى 80 بالمئة من طاقتها الاستيعابية، ارتفاعا من نسبة 30 الى 40 بالمئة قبل عقد من الزمن. وهي مازالت تتعافى من آثار العنف الطائفي في عامي 2006 و2007، والذي ادى الى خسارتها تسعة من اطبائها الاربعة والعشرين. فقد قـُتل اثنان منهم، بينما غادر الباقون العراق.
يقول مدير المستشفى قاسم راهي عيسى: «نحاول ان نتقدم نحو عالم جديد. لا اعتقد ان الامور ستعود الى العنف مجددا. فقد سأم الناس من تلك الظروف».
ان روح التفاؤل المؤقت التي عبر عنها البداوي وآخرون منتشرون في المستشفى يمكن ان تتجلى في جناح الامومة، حيث جلست الجدة المتشحة بالسواد والتي تسمى زمزم بحانب حاضنة حفيدها، المدعو مصطفى، النائم في حاضنة الرضع، والذي يبلغ 6 ايام من العمر.
فهي تقول: «شفاؤه من الله». لكن العاملين هنا يقولون انهم يقومون بكل ما يسعهم لتحسين فرص جميع الاطفال. وبالنسبة الى جميع العراقيين، فان المشاكل الصحية التي اثقلت كاهلهم قبل عشر سنوات اصبحت اقل تأثيرا الآن.
وبرغم ذلك فان تقرير مكتب المساعدات الانسانية التابع للامم المتحدة الذي صدر في 19 تشرين الثاني يدعو الى تخصيص مبلغ 547.3 مليون دولار الى العراق واللاجئين العراقيين في المنطقة. ويشير التقرير الى ان «مئات الالوف من العوائل العراقية مازالت تكافح على حافة الفقر، والتهجير، والعواقب المستمرة للصراع». كما ان تأثيرات العقوبات السابقة، والصراع، والاهمال «مازالت مكثفة وحادة».
يبقى الفساد وعدم القدرة على توزيع المساعدات على رأس مشاكل الحكومة. فقد وجد تقرير صادر عن صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف)، استنادا الى ارقام رسمية، ان نسبة الوفيات بين الاطفال تحت سن 5 سنوات قد ارتفعت مرتين ونصف خلال العقد المنصرم. ويشير التقرير الى ان اكثر من خُمس عدد الاطفال «لازالوا يعانون تأخراً في النمو».
بينما تعتبر الارقام الواردة من عهد صدام محل استفهام، فان الحكومة اليوم تنفق 5.9 مليار دولار على نظام البطاقة التموينية القديم والذي تم استحداثه في الثمانينيات واشاد به مسؤولو الامم المتحدة ذات مرة على انه يحافظ على الانفس وانه نموذج للفعالية. لكن حاجات العراق تغيرت. يقول ديفيد شيردر، منسق المساعدات الانسانية في العراق ان ذلك النظام بات «غير فعال بالمرة في توفير الحاجات الاساسية».
ويضيف قائلا: «نحن نرى كثيراً من الحاجات الانسانية المكثفة نوعا ما. والحال في العراق انه مؤلف من فسيفساء مختلفة المستويات من الطبقات المحتاجة، سواء من العهد السابق او في السنوات القليلة السابقة. ان التحدي امامنا هو ان نعمل على هذه الحالات الحرجة حقا».
يقول الخبراء ان النظام بحاجة الى اصلاح، لان مفردات البطاقة التموينة لا توزع استنادا الى الحاجة، بل على انها حق لكل عراقي. لكن ايصال الطعام الى الفقراء العراقيين ليس الا حقلاً واحداً من الحقول التي تمس الحاجة الى تطويرها.
فعلى سبيل المثال، تشير الارقام الرسمية التي تعود الى عام 2006 ان 79 بالمئة من العراقيين يتم تزويدهم بالماء الصافي، غير ان 40 بالمئة فقط يمتلكون ماءً جاريا في منازلهم. كما يتم اعتراض انابيب الماء الصافي من قبل البعض على امتدادها متسبببين في تلوثها، ما يؤدي الى زيادة معدلات وفيات الرضع.
وقد حدّ الوضع الامني غير المستقر، حتى الآن، من تطوير البنية التحيتية والتي من شأنها ان تحسن الوضع الصحي عموما في البلاد. وقد قـُتل حتى بداية العام الجاري قرابة 600 من العاملين في مجال البلديات والاشغال العامة في انحاء العراق، اثناء قيامهم بمهامتهم في اصلاح مشاكل الماء والمجاري في العراق.
يقول شيردر: «مع كل هذا التركيز على الامن، اعتقد اننا نفتقد اشياء اخرى في بعض الاحيان. نحن نفتقد العوز».