Monday, January 19, 2009

ريوبرت كورنويل: تراث بوش

عن: الاندبندنت
ترجمة: علاء غزالة

(خارج اميركا): بينما يُحضر باراك اوباما نفسه للذهاب الى البيت الابيض، فان مراجعة لفترة حكم سلفه التي دامت ثمانية اعوام تظهر انه كان الرئيس الاقل نجاحا على الاطلاق. كيف ساءت الامور الى هذا الحد؟
قل ما شئت، فان جورج بوش كان رمزا تحوليا. فقد تحول كل شيء في اميركا تحت حكمه، لكن نحو الاسوأ مع الاسف.
لازال امام الرئيس الثالث والاربعين ايام قليلة يمضيها في الحكم، ولكنها اكثر من كافية لالحاق كوارث جديدة بالبلاد. انها لحقيقة ان حكم التاريخ على الرئيس قد يتغير، ليس اكثر مما حكم على هاري ترومان، والذي هبطت نسبة شعبيته ذات مرة الى 23 بالمائة، وهو العمق الذي حتى بوش لم يصل اليه. ولكن بعد مضي نصف قرن، وبعد ان ساعدته انتهاء الحرب الباردة (بالاضافة الى مجموعة من كتاب السيرة الذاتية المحببين جدا) فقد أعتبر واحدا من بين اكثر اثني عشر رئيسا نجاحا على الاطلاق.
لكن ترومان، انموذج الرئيس الغير شعبي، ما هو الا استتثناء. فالقاعدة ان الاحكام تنبثق بسرعة، ولا تتقلب بشكل كبير. ان التقدير الحالي لبوش غاية في الجدية، ومن المرجح انه سيبقى كذلك.
حقا، المجادلة الوحيدة في الوقت الحالي هي بالتحديد تسلسله بين الرؤساء. هل كان اسوأ من بوكانان، الذي فشل في منع الحرب الاهلية؟ هل هو اسوأ من اندرو جونسون الذي زاد الامر سوءا بعد انتهائها؟ ام اسوأ من هوفر، على شوارع الكساد العظيم؟ هل هو اسوأ من الرئيسين الخاملين واللذين ابتليا بالفضائح، وارن هاردنغ وريتشارد نيكسون، وهو الرئيس الوحيد الذي اجبر على الاستقالة؟ في استطلاع للرأي العام (اقر القائمون عليه انه غير عملي) ضم 100 مؤرخ في جامعة جورج ميسون، فان 61 بالمائة اجابوا على هذا السؤال بـ(نعم). وقد وضعوا بوش في المرتبة الاخيرة، وكان هذا في السنة الاخيرة قبل الانهيار الاقتصادي. ولم يحصل أي رئيس على نسبة 90 بالمائة من الشعبية مثلما تمتع بوش بعد 11 ايلول. اما الان فان اعظم انجازاته هو شيء لم يقع: هجوم ارهابي رئيس آخر على التراب الاميركي. ولكن، كما اشرت آنفا، فانه ما يزال امام الرئيس ايام اخرى في الحكم.
لقد كان بوش، الذي وصف نفسه بانه "صاحب قرار"، هو اول رئيس يحمل شهادة الماجستير في ادارة الاعمال. لكنه قد يكون المدير الاقل قدرة على احتلال المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس الاميركي). لقد كان هو الرجل الذي لم يَقدر، او لم يشأ، ان يضع حدا للتطاحن بين كبار المسؤولين في ادارته (العداء المستديم بين رامسفيلد وكولن باول). وهو رئيس السلطة التنفيذية الذي ذهب الى الحرب على العراق على اسس دعائية قبيحة، ومعلومات ثبت آخر الامر انها خاطئة. وهل من رئيس يحترم نفسه يرفض ان يحمّل اعضاء حكومته المسؤولية عن اخطاء شوهت اسم مؤسستهم؟
على سبيل المثال، هل طرد دونالد رامسفيلد خارج البنتاغون حينما انتشرت اخبار فضيحة ابو غريب المشينة، او على الاقل فعل ذلك حينما فاز بفترته الرئاسية الثانية في تشرين الثاني عام 2004. ولو انه وضع ديفيد بترايوس مسؤولا عن العراق قبل سنتين مما فعل، لكان من الممكن ان تكون الحرب اقل تعاسة.
ثم جاء اعصار كاترينا، واستجابة بوش الساذجة له، لتدق المسمار الاخير في النعش الرئاسي. وبما انه كان قد افرغ وكالة الكوارث الفيدرالية من محتواها قبل ذلك، فقد انهال على مديرها العاجز مايكل بروان بالثناء "يا لها من مهنة"، ثم فضل ان يتطلع الى الكارثة من نافذة طائرته الرئاسية بدلا من زيارة نيو اورليانز شخصيا. لقد نحّى الاميركيون بوش جانبا بعد اعصار كاترينا.
وكل شي، تقريبا، وضع يده عليه ساء حاله، من الصورة العالمية للولايات المتحدة، الى الاقتصاد. ومن الجيش (الذي هزل الى درجة الانكسار نتيجة حربين) الى حزبه الجمهوري، والى قضية المحافظين التي كان بطلها رمز بوش الشخصي رونالد ريغان. وبكل المقاييس تقريبا، فالبلاد بحال اسوأ مما كانت عليه قبل ان يعتلي السلطة في 20 كانون الثاني من عام 2001.
لقد حدد بوش، ومسانده ديك تشيني، هدفهما في تقوية الرئاسة، وقد نجحا في ذلك الى حد ما، ولكن في الغالب على حساب اضعاف الدستور، وحتى تحطيمه في بعض الاحيان.
ونحن نميل الى الحكم عليه من خلال ادائه على المسرح العالمي، ومنها اساءة ادارة الحرب في العراق، وجعبة الاساءات التي دفعت العديد من الليبراليين الى طلب محاكمة بوش كمجرم حرب: غوانتينامو باي، رفض الانصياع الى معاهدات جنيف، "التعذيب بالوكالة" (وهي نقل السجين من دولة الى اخرى معروفة باستخدام طريق ترقى الى مستوى التعذيب في اجراء التحقيق)، "المعسكرات الشبحية" لوكالة الاستخبارات الاميركية، ايحاء التعذيب بالماء، وما الى ذلك.
ونعم، فان القتال الوحشي في غزة هو رثاء مناسب لسياسة بوش في الشرق الاوسط، حيث جرّ الذنبُ الاسرائيليُ الكلبَ الاميركيَ، وحيث جسدتها الاحداث على مدى الاشهر الخمسة عشر الماضية: مؤتمر انابوليس ذائع الصيت، والتطبيل لاعادة اطلاق "عملية السلام"، ولكنها خلت من أي متابعة جدية من قبل بوش نفسه، وانتهاء بالهجوم الاسرائيلي الاخير، والذي انطلق بمعرفة تامة انه لن تكون هناك اعتراضات من البيت الابيض.
لكن سجله في السياسة الخارجية ربما يكون افصل فرصة لاعادة التقييم، كما اعادت السياسة الخارجية تقييم ترومان من قبل، وهو الذي كان موضع سخرية عندما غادر مكتبه كرئيس، اما الان فينظر اليه على انه لم يتوان في اتخاذ القرارات الكبيرة وتنفيذها بشكل صحيح.
وحتى بدون 11 ايلول، وحتى لو لم يشن بوش حربه الاختيارية ضد صدام حسين، حتى بدون انهيار وول ستريت، لربما يكون هذا العقد، نسبيا، هو زمن الانحدار الاميركي، برغم القوة العسكرية الاميركية الغامرة. فالقوى العظمى ترتقي ثم تسقط. لم يكن باستطاعة أي رئيس اميركي ان يمنع الازدهار الاقتصادي الصيني المستحق وتصاعد صوتها الواثق.
وحدها الحرب على العراق، تلك المغامرة الدموية والمكلفة، والتي افادت ايران اكثر من اية دولة اخرى لحد الان، تنطوي على حقيقة انها قد تنتج يوما ما ديمقراطية علمانية مستقرة ومعتدلة في بلد عربي يربض في قلب منطقة الشرق الاوسط. ولربما بعد نصف قرن من الان يمكن ان ينظر الى بوش على انه وضع اسس لهزيمة الارهاب المتلبس بلبوس الاسلام، كما بات ينظر الى ترومان على انه وضع الاسس لهزيمة الاتحاد السوفيتي. كما انه بدون شك تصدى لجهود المساعدات الموجهة الى افريقيا اكثر من أي رئيس اميركي آخر.
اما في داخل الولايات المتحدة، فلن يكون هناك خلاص. فمنذ ان تولى بوش مهام منصبه في عام 2001، انحدر كل مؤشر اقتصادي-اجتماعي في البلاد. فقد انخفض متوسط دخل العائلة بين العامين 2000 و2008 بمقدار 1%، بينما تصاعدت ارباح الشركات الكبرى بمقدار 70%، واتسعت الفجوة بين الغنى والفقر اكثر من أي وقت مضى منذ العام 1929. وقفز عدد العائلات التي تعيش تحت خط الفقر بمقدار 20%، وهي نفس نسبة الاشخاص الذي لا يملكون تأمينا صحيا. وفي هذه الاثناء، فان كلفة التأمين صحي لهؤلاء المحظوظين الذي حصوا عليه تصاعدت بمقدار 90%.
ورث بوش ميزانية بفائض يبلغ 240 مليار دولار، ولكنه ترك عجزا في الميزانية لخلفه باراك اوباما يبلغ 1,2 ترليون دولار. وتصاعد ميزان العجز التجاري، وضعفت قيمة الدولار، وحدث كل ذلك قبل الانهيار الاقتصادي. اعاد باراك اوباما في حملته الانتخابية صياغة سؤال ريغان الشهير قبل جيل من الزمن: هل انت افضل حالا مما كنت قبل ثمانية سنوات؟ وجاءت الاجابة غامرة على لسان الاميركيين، صارخة كلا.
لكن لا يقع اللوم كليا على بوش، بالطبع. فالعجز العالمي كان في تنامِ قبل ان يتولى السلطة، كما هو حال الرهوانات العقارية الخطرة. لكن موقفه في ترك الامور لتأخذ مجراها، وسخافة الوكالات الحكومية المختصة التي تساهل معها، والتي يقول البعض انه شجعها، جعلت الامور اسوأ بكثير. تصرفت اسواق وول ستريت بشكل سيء، ولكن لم تقبع أي ادارة سابقة في جيب وول ستريت بهذا العمق. واليوم أجبرتْ الدعوة الى الاسواق غير المحدودة على تحمّل اكبر تدخل حكومي في الاقتصاد منذ الكساد العظيم.
لا يمكن تجنب السؤال المحتوم: كيف وقعت تلك المأساة في اميركا والعالم؟ ولكن لولا بعض الاضطراب في اوراق الاقتراع في بالم بيج في فلوريدا، عام 2000، لم يكن لها ان تقع. غير انه ليس هناك من قاعدة تنص على ان الفائزين الخطأ يصبحون رؤساء سيئين. وهناك من يتتبع سلوك بوش ويعزيه الى عقدة اوديب. فحيث انه عاش في ظل والده، فقد امضى كامل فترته الرئاسية وهو يهدف الى التفوق على ابيه، واثبات ان بوش الابن، الجاهل الذي يخشى الله، قد عَلِم اكثر من بوش الاب الحكيم المتعلق بالحياة الدنيا.
وعلى خلاف بوش الاول، فان بوش الثاني لم يخدم في حرب، مما حدا به الى اللجوء للحرب ليس كآخر ملاذ، بل كأول اختيار. وفي عيون الابن، فان سبب فشل الاب في الفوز بالانتخابات في عام 1992 يعود الى انه اهمل قاعدة الجمهوريين المسيحية المحافظة. وسوف لن يقع في هذا الخطأ مجددا، وفعلا لم يقع فيه، وفاز في الفترة الرئاسية الثانية متجاوزا والده.
لكن العُقد المتجذرة في اساطير غابرة غير كافية لتوضيح الفشل المزمن لرئاسة بوش الابن. فعقدة اوديب، على سبيل المثال، لا توضح السبب في ان الابن لا يستطيع الاقرار بالخطأ. الحظ العاثر، ربما. كيف يمكن له ان ان يعلم ان المعلومات الاستخبارية عن اسلحة الدمار الشامل كانت خاطئة؟ وعدا عن ذلك، حينما تسمع جورج يقولها، فانه بالكاد يضع قدما واحدا في الاعتراف بالخطأ، بوش هذا ليس هو الرجل الذي ينتقد نفسه. لا يمكن مقارنته حتى بومضة من ندم اوديب.
الحقيقة ابسط. فالعمل الافضل بالنسبة الى بوش هو ذلك العمل الذي بدا لوهله انه كان يستطيع ان يناله، وهو ان يصبح مفوضا لاتحاد بيسبول كبير، قبل ان يخوض الانتخابات لمنصب حاكم ولاية تكساس. وهو لم يكن مناسبا لان يصبح رئيسا مهما بلغ عمره، لا على صعيد الخبرة، ولا المزاج، ولا الشخصية. يمكننا فقط ان نحتفل بهذا بعد اربعة او ثمانية اعوام، لكننا لن نقول الشيء عينه عن اوباما.