Sunday, March 15, 2009

ليل بغداد يعج بالحياة بعد ان تنعمت بالأمن

عن: التايمز
ترجمة: علاء غزالة

لم تر بغداد مثيلا لهذا من قبل: في حانة الخيام التي تم افتتاحها مؤخرا على ضفاف نهر دجلة تتشابك اذرع مجموعة من الجنود المظليين الاميركيين، المدججين بكامل عدتهم الحربية، مع ايدي ثلة من العراقيين الذين انتشوا بسكرة الخمرة وهم يرقصون طوال الليل. يقول احد الجنود من الفرقة 82 المحمولة جوا: "انه لامر طيب ان نتعرف قليلا على ثقافة العراقيين." وقد اجتهد مع ثلاثة او اربعة من اخوته في الرقص، وهم لايزالون يرتدون السترات الواقية من الرصاص وتتدلى من اكتافهم البنادق الالية نوع (ام فور)، اجتهدوا في ان يتقنوا الرقصة. كانوا يضحكون ويتندرون. بعضهم رقص يد بيد مع نساء عراقيات. البعض الاخر رقص حتى مع الرجال، وهو امر معتاد في العالم العربي.
يقول احد الجنود من فورت براغ في نورث كارولينا، بينما كان يعدل من صدريته وخوذته: "اتمنى حقا لو انني لم ارتدِ هذه (القذارة)، لكن ذلك خطر."
كان الجو العام يبعث على الراحة، وقد غمر بالموسيقى العربية ذات النغمات الرفيعة العالية. وبين الحين والآخر يعتلي احد المطربين الخشبة ليغني للزبائن، وهم خليط من الرجال السكارى الذين يردتون قمصانا لماعة واخذية ذات نهايات مدببة وقد دهنوا شعورهم بالمعاجين، ورفيقاتهم وهن مجموعة من المومسات اللائي يرتدين قمصانا ضيقة وزاهية.
بدا ان العراقيين مسرورين بوجود الاميركيين معهم. تقول شذى، التي تبلغ 25 عاما من العمر وهي نادلة قصيرة القامة: "حينما ارى الامريكيين هنا اشعر بالسعادة، فهذا يعني اننا على علاقة طيبة."
وفي بضع ساعات تلاشى عنف ست سنوات بين كؤوس الجعة وقرع الموسيقى.
ان تنامي حياة الليل في العاصمة العراقية هو اوضح دليل على ان هذه المدينة تعود الى حالتها القديمة قبل الحرب، بعد كابوس العنف الطائفي والتمرد الدموي الذي تخللته التفجيرات الانتحارية وعمليات قطع الرؤوس.
وحتى تحت الحكم البريطاني، تمتع سكان بغداد بتناول مشروباتهم الكحولية وبالموسيقى والرقص. لكن على مدى معظم السنوات الخمس عشرة الماضية حُرموا من هذه المتع.
في البداية سعى صدام حسين الى اغلاق الحانات والملاهي الليلية في انحاء المدينة. وفي عام 1994 اطلق ما يسمى بـ"الحملة الإيمانية" في محاولة لاقناع العالم الاسلامي انه قد اصبح مؤمنا بعد سنوات من الحكم الديكتاتوري . وقد أغلق الحانات والنوادي الليلية لإظهار ذلك .
وعادت الحياة الليلية إلى بغداد لفترة وجيزة بعد الغزو الاميركي. ولكن ما هي الا أشهر قليلة حتى اصبح التجول في المدينة بعد هبوط الظلام مغامرة لا يقدم عليها الا اشجع الناس او اكثرهم حمقا.
وفي احلك الاوقات تم قتل بائعي الخمور وتفجير محالهم على يد المليشيات. وحدهما المخابرات الاميركية والسفارة البريطانية امتلكتا حانات، لكنها كانت محدودة بخدمة الاجانب فقط وواقعة في عمق المنطقة الخضراء، وهي المنطقة المحمية التي لم يستطع معظم العراقيين ان يصلوا اليها.
اما اليوم فلدى العراقيين ثلاثين ملهىً ليلياً ليختاروا من بينها، بدء من حانة صغيرة عبارة عن حفرة في حائط مخصصة لطبقة العمال، الى النوادي العربية المنعمة بالحرير والراقصات وقناني الكحول على كل منضدة.
ويأتي على قمة القائمة نادي "المضيف" وهو بناية بطابقين ذات واجهة من الحجارة الصفراء في شارع ابو نواس، على ضفاف نهر دجلة. وقد كانت البناية في الماضي منتجعا للصحفيين وقادة الفصائل الفلسطينية وكبار المسؤوليين الحكوميين العراقيين.
حينما زرناه هذا الاسبوع، وجدنا ثمانين رجلا يرتدون بذلات براقة واحذية جلدية مدببة النهاية محتشدين على الطريقة البغدادية في صف الخدم والحشم.
هذا هو ما تبقى من اموال المدينة، بعد ان ارسل التجار والمهنيون اموالهم الى الخارج في سنوات المحنة. هؤلاء الموسرين يحتسون الجعة والحكول ويتسلون بمشاهدة راقصة تردي فستانا احمر يعانق جسدها ويثير جمهورها، لكنها بدت فيه مملة الى حد ما.
يقول عبد الزهرة ابو علي، وهو شيوعي متحمس يبلغ 52 عاما من العمر ويمتلك حصة في النادي، وقد تمكن اخيرا من تدليل نفسه: "لقد ولد العراق من جديد وهو يعود الى الحياة."
وفي اتحاد الأدباء، الكائن قرب ساحة الاندلس،التي تعج بالمؤلفين العراقين، كان الجو اكثر فقرا. فسقف الحانة المنخفض ومصابيحه العارية قد سلبت المكان ضوءه عن عمد. وعلى الرغم من مراوح التهوية المثبتة على الحائط، فان ضباب السجائر يسبح معلقا في الهواء. ويمكن مشاهدة مباراة كرة القدم المعروضة على شاشة التلفاز.
يقول احد الزبائن المعتادين: "لا اوصيكم بتناول الويسكي لانه مغشوش، وكذلك هي البيرة. جربوا العَرَق فهو يوناني."
يذهب معظم اغنياء بغداد الى ملهى "نجمة الزاوية"، حيث تجد قوائم المشروبات باللغتين العربية والانكليزية. وتشعر فيه باجواء مطعم الثمانينيات الايطالي في شمالي لندن.
وتستمع الى موسيقى "البي جيز" في هذا النادي. وهناك نبيذ لبناني للبيع، بينما تكلف زجاجة الويسكي اكثر من 110 دولارات. وهم لديهم نادلين من بنغلاديش، ويتوفر على قوائمهم للطعام طبق لشرائح اللحم بالفلفل الحار.
وهناك غرف للعشاق في الطابق العلوي، وقد شاهدنا في اثناء زيارتنا زوجا من المولهين يخرجان من المرافق العامة. الا فلتموتي بغيضك يا سوهو .