Wednesday, March 11, 2009

سنغادر العراق وهو افضل حالا

عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة

يدّعي الجنرال الذي قاد اطول حملتين عسكريتين بريطانيتين، وهما ايضا الاكثر اثارة للجدل في السنوات الستين الماضية، انه بخروج الجيش من العراق فان القاعدة تكون قد مُنيت بهزيمة ساحقة، وان جذور الديمقراطية تكون قد ترسخت. وكان اللفتنانت جنرال جون كوبر، والذي سيغادر منصب نائب القائد العام الذي يشغله الان ويتقاعد من الجيش بعد خدمة 30 سنة، قد قال ان البصرة التي سيغادرها البريطانيون اوائل الصيف المقبل، قد وقفت على قدميها من جديد وهي في مأمن من عودة أي نشاط للمليشيات. ويعتقد كوبر ان الانتخابات المحلية التي أجريت في شهر كانون الثاني الماضي في انحاء البلاد هي بمثابة نقطة تحول، وقال ان العراق سوف يصبح، مع رحيل القوات الاجنبية، بحال افضل مما كان عليه قبل ست سنوات.

ان تفاءله هذا ليس الا صدىً للتوقعات المتفائلة التي صدرت عقب انتخابات عام 2005، ولكن تلك الانتخابات قد ادلت – بدلا عن ذلك– الى تصاعد العنف. بيد انه قال ان الامر مختلف في هذه المرة. فالتبدل في المواقف في عموم المجتمع العراقي، اضافة الى التحسن الامني، سوف تمنعان الانجراف نحو الفوضى,
وقال كوبر في مقابلته الاخيرة قبل مغادرة العراق: «لقد تجذرت الديمقراطية هنا. من الواضح انه مازال هناك طريق طويل لانجاز المزيد من التطوير. لكن الانتخابات المحلية قد اظهرت ان العراقيين لديهم الشهية لذلك. لقد كانوا احرارا من أي خوف وامناء، وهو ما يعكس الرغبة في التغيير.»
وكان كوبر الرجل الثاني في تسلسل القيادة بعد القائد الاميركي ديفيد بترايوس وخـَلفَه رايموند اوديرنو. وكان القادة الثلاثة مسؤولين عن تحالف يضم 150,000 عسكري في العراق.
يأتي تقييم كوبر الايجابي قبل اسابيع من بداية مغادرة القوات البريطانية المتمركزة في البصرة للعراق نهائيا، والتي ستؤدي بدورها الى تجديد الجدال حول الدور البريطاني في الغزو وما تلاه من احداث.
وقد قتل عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين خلال التمرد. بينما يقف عدد القتلى بين الجنود البريطانيين عند الرقم 179 قتيلا، لكن هناك المئات من الجنود من الذين اصيبوا بعاهة جراء الحرب.
كما تم تدمير البنية التحتية، في بعض الاماكن، بشكل كبير.
وكان جنرالات اميريكون قد قالوا ان القاعدة قد هزمت ستراتيجيا في العراق بعد ان تم زيادة القوات الاميركية في العراق عام 2007.
لكن كوبر لم يذهب الى هذا المدى، بل قال: «لقد كانت القاعدة هنا باعداد كبيرة، لكننا نأمل انهم لم يحصلوا على اهدافهم ومقاصدهم. ان العبرة التي نستخلصها من ذلك ان المنظمات مثل القاعدة والتي تدعي انها تمثل الناس ولكنها تستهدفهم بعد ذلك لن تستطيع ان تكسب الناس الى جانبها. انهم يعانون ارتدادات نوعية، وقد اضمحلت قدرتهم على العمل واستهداف المدنيين.»
واضاف الجنرال كوبر: «لقد تضاءلت قدراتهم التنظيمية الى حد كبير. واستـُلبتْ قدرتهم على التواصل عبر الانترنت، وتلاشت قدرتهم على تمويل نشاطتهم. لقد تقلص حجم شبكتهم الفعالة الى حد بعيد.»
واستطرد قائلا: «لقد كانت زيادة القوات في غاية الاهمية. ان زيادة القوات لها فعلها، وقد شهدنا ذلك في ايرلندا الشمالية، في عام 1972، وايضا بالطريقة التي عملت بها قوات الصحوة والتي مكنتها من تجريد القاعدة من كل اسناد. اذا حصلت على تأييد الناس فسوف تكسب.» ويطلق مصطلح (مجالس الصحوة) على المجاميع التي تم تشكيلها بين العشائر والتي بدأت في الإتلاف مع قوات التحالف عام 2005 لغرض قتال القاعدة.»
على ان البصرة تبقى، برغم تعليقات الجنرال، فقيرة وبحاجة ماسة الى الخدمات الاساسية. لكن كوبر يعتقد ان اكبر مهمة لجيش الاحتلال يجب ان تكون في توفير الظروف الملائمة لاحداث التغييرات في المجتمع، اذ قال: «يقع على عاتق العراقيين ادارة حكومتهم الوطنية، من خلال تنمية القدرات الامنية الذاتية. وهم اضافة الى ذلك لديهم نظام قضائي محكم، ونظام تشريعي محكم ومفهوم، وقد تنامت هيكلية القوات الامنية. لقد فعلنا ذلك عن طريق بناء الديمقراطية في الشرق الاوسط. لقد بدأت البعثات الدبلوماسية، وقد عاد العراق من جديد الى المجتمع الدولي.»
واسترسل الجنرال في حديثه: «ستغادر القوات البريطانية العراق وهو بحال افضل مما كان عليه. لقد قدم الناس تضحيات. وفي بعض الاحيان قدموا منتهى التضحية ويتفهم الجنود ما يفعلونه هنا والسبب فيه. لن تحصل على حكم عادل من التاريخ ما لم يمت كل من ساهم في صنعه. لكني اعتقد، في الوقت الراهن، ان الناس سوف يقولون اننا لعبنا دورا قويا في الجنوب.»
ستبدأ القوات البريطانية في الانسحاب اعتبارا من منتصف هذا الشهر، تاركين خلفهم نحو 400 من الجنود والبحارة والمتعاقدين وسيكون واجب هؤلاء العناصر المتبقية الاساس منحصرا في تدريب قوات الجيش والبحرية العراقية.
وكان كوبر قد وصل الى العراق اوائل عام 2005 وكان برتبة ميجر جنرال، بعد ان خدم نائبا لقائد مسرح العمليات في افغانستان. حينذاك كان المتمردون قد اتخذوا قواعدهم الثابتة. وقاد الفرقة المدرعة الاولى في العراق الذي اتجه حينها بسرعة نحو التمرد المناهض للتحالف ونحو الحرب الاهلية.
اما اليوم فهو يترك البلاد مع تيارين يتحركان باتجاهين متعاكسين: فالعراق يعزز منجزاته الامنية، بينما يتصاعد التمرد في افغانستان.يتساءل الجنرال: «ما حصل في العراق كان تمردا واسع النطاق. فما الفرق في العراق عام 2009؟»
وسرعان ما يجيب قائلا: «انها الظروف. في عام 2003 رُفع الغطاء عن ما يزيد على ثلاثين عاما من القمع الوحشي، مما ادى الى تحرر الرغبات الشخصية لكل فرد. لقد استلزم الامر مقدار من الزمن لكي يدرك العرب السنة ان عليهم ان يشتركوا في العملية السياسية. وقد استغرقت المليشيات الشيعية زمنا لفعل الشيء عينه. كما اخذ بناء قدرات الحكومة زمنه هو الاخر. لقد كان الوقت مناسبا في عام 2008 لفعل ذلك.»
غير ان القوات الاميركية سوف تخلف القوات البريطانية في قاعدتها المحصنة في مطار البصرة، الواقعة على بعد 15 كيلومترا الى الشمال من المدينة، وهي الحقيقة التي تفتح الباب للنقد بان مهمة البريطانيين ابعد ما تكون عن الانجاز مما يدعي كل من ويستمنستر ووايت هول في المقرات الحكومية.
وقال كوبر، من مكتبه في السفارة الاميركية في بغداد : «سيقوم الاميركيون بشي مختلف. كانت مهمتنا الاساس تكمن في تدريب 13 فرقة من الجيش العراقي. لقد انجزنا ذلك. كما اننا استهدفنا توفير الظروف الملائمة لتنمية النشاطات غير العسكرية الاخرى. ستكون القوات الاميركية اصغر. كما انهم سوف ينسحبون ايضا. انهم لا يستنسخون ما قمنا به بالفعل.»
يقول المسؤولون العراقيون في البصرة ان القوات الاميركية قد اتخذت المبادرة فعلا في توفير الامن الى المدينة منذ ما يزيد على ستة شهور. فالبريطاينون يحتفظون بـ18 مركزا امنيا بالتعاون مع الجيش العراقي في عموم مدينة البصرة، الا ان من النادر مشاهدة وحداتهم تسير في شوارع البلدات والمدن.
وقد انتقدت بعض المجاميع في العراق القوات البريطانية بسبب ندرة خروجهم من قواعدهم منذ اواخرعام 2007.
وبينما تزداد عدم شعبية الحرب في العراق بين الشعب البريطاني، فقد وُجهت اتهامات الى الحكومة بانها اتخذت اجراءات متطرفة جدا للتقليل من الضحايا في احدى جبهتي القتال، بينما تستمر الحرب في افغانستان في حصد ارواح الجنود والمجندات البريطانيين بارقام متصاعدة.
ولم تغادر الدبابات البريطانية نوع (تشالنجر) قواعدها في البصرة منذ ثمانية اشهر، وقد تم تقليل العمليات القتالية بحيث لم تتعد المشاركة في الطلعات الجوية في بغداد ومحيطها.
وكان باراك اوباما قد اعلن قبل وقت قصير ان جميع الوحدات القتالية الاميركية سوف تخرج من العراق في العام 2010، أي قبل سنة مما كان متوقعا.
وقد انسحبت القوات البريطانية من مدينة البصرة لتستقر في قاعدة المطار في ايلول من عام 2007، بعد ان تفاوضت مع المليشيات التي قاتلوها في جنوب العراق لثلاث سنوات خلت، لتوفير ممر آمن. وقد ساندوا الجيش العراقي في حملتها في آذار الماضي من اجل طردهم خارج مدينة البصرة، وهي العملية التي أدت الى احلال الامن نسبيا في المدينة.
وكان كوبر قد عاد للعراق للتو في ذلك الوقت بعد عامين من انقطاعه عنه، ولم يكن قد علم بشأن العملية. وقد تركت بعض القوات العراقية التي اشرفت القوات البريطانية على تدريبها مواقعها ومركباتها اثناء العملية التي اطلق عليها (صولة الفرسان).
لكن كوبر اصر على ان القدرات العراقية قد تنامت بشكل كبير.
مضيفا: «لقد أعلنت الحكومة بجلاء ان هناك قوة واحدة مسموح لها في النظام الديمقراطي وهي القوات الحكومية. لقد شهدت مناطق الجنوب سيطرة المليشيا على حياتها، وهو ما رفضوه في آخر الامر. لقد توصلوا الى ان من الافضل لهم ان يكونوا منخرطين في العملية السياسية.»