عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
أعلن الجيش الأميركي يوم الأحد الماضي إن 12,000 جندي اميركي سوف ينسحبون من العراق بحلول شهر ايلول، وهي الخطوة الاولى لتنفيذ خطة ادارة اوباما لسحب القوات القتالية خارج البلاد بحلول آب من عام 2010. وكان الرئيس اوباما قد اعلن الشهر الماضي، بينما كان يعمل على تحديد الموعد النهائي للانسحاب، ان الولايات المتحدة سوف تقيد نفسها باهداف يمكن تحقيقها قبل مغادرة العراق. ان توقيت اعلان الانسحاب يوم الاحد يؤكد ان العراق سوف يبقى –على الارجح– مكانا خطرا ومضطربا وضعيفا امام الهجمات الدموية الكبيرة في إثناء الانسحاب الاميركي.
فقبل ساعات من اعلان الانسحاب اقدم مهاجم انتحاري يقود دراجة نارية على تفجير نفسه وسط جمعاً من الناس امام مدخل كلية الشرطة في بغداد، ما ادى الى مقتل 28 شخصا وجرح العشرات. وقد روى الناجون قصصا عن مشاهد الفوضى والارتباك الذي تلا الانفجار، بينما حاولت سيارات الاسعاف ان تشق طريقها في الشوارع المزدحمة. كما اطلق رجال الشرطة العيارات النارية في الهواء، اما بسبب ارتباكهم او خوفا من من انفجارٍ ثانٍ، في محاولة لتفريق الجموع.
وفي فترة مابعد الظهيرة لم تبق الا اثار قليلة للجهوم، وهي عبارة عن قطع من الزجاج المتناثر على الاسفلت. وتدلى من عمود جسر قريب ملصق ممزق يعود الى فترة الانتخابات المحلية، خطت عليه عبارة تقول: "بدماء الشهداء يتحرر العراق."
وبحسب خطة الادارة الاميركية، فانه سوف يتم تأجيل تقليل عديد القوات الاميركية التي يزيد عددها على 130,000 عسكري الى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر كانون الاول، تلك الانتخابات التي يرى فيها الجميع تقريبا انها ستكون نقطة انقسام محتملة. وتتطلب الاتفاقية التي تم التفاوض عليها بين العراق والولايات المتحدة في العام الماضي ان تغادر جميع القوات الاميركية بنهاية عام 2011، وهو الموعد النهائي الذي اعاد المسؤولون العراقيون التأكيد عليه يوم الاحد، حيث قال علي الدباغ، الناطق باسم الحكومة: "ليس في نية الحكومة العراقية ان تقبل بوجود قوات اجنبية او قواعد لها بعد عام 2011."
ولكن مسرح عمليات الجيش الاميركي في العراق قد تغير بشكل كبير، حتى قبل وقت طويل من الموعد النهائي للانسحاب. واستنادا الى الاتفاقية الامنية يتوجب على القوات الاميركية ان تغادر المدن بنهاية حزيران، كما ان اوباما قد اصدر امرا للوائين قتالين كانا على وشك الذهاب الى العراق لاستبدال قوات اخرى، لاعادة انتشارهما في افغانستان بدلا من العراق. ان مغادرة اللوائين القتاليين المقررة في ايلول سيجعل عدد الالوية القتالية الاميركية في العراق 12 لواءا. كما ان سربا من طائرات اف-16، مع بعض الوحدات الساندة، ستغادر هي الاخرى، ا4ضافة الى الجنود البريطانيين الـ 4000 المتبقين في العراق، والذين يتخذون من جنوبي العراق مقرا لهم.
وكان اكبر عدد للقوات الاميركية في العراق قد بلغ 165,000 عسكري. وسوف تبقى قوات قوامها 50,000 عسكري في العراق حتى بعد مغادرة القوات القتالية، لاغراض التدريب، ومن اجل ما يطلق عليه المسؤولون بعمليات مقارعة الارهاب.
وقال الميجر جنرال ديفيد بيكنز، المتحدث باسم القوات الاميركية، وهو يعلن عن الانسحاب: "لا نشعر بالاطمئنان باي شكل من الاشكال. نحن نعلم ان القاعدة، على الرغم من انخفاض قدراتها وعديد افرادها بشكل كبير، الا انها ما زالت تكافح للحصول على النفوذ هنا."
واضاف بيركنز ان القوات المتبقية سوف يُعاد انتشارها في انحاء البلاد. وعلى الرغم من انخفاض الهجمات بشكل كبير، الا ان هناك اجزاءً من العراق ما زالت ترزح تحت نير العنف بشكل واضح. ولايزال التمرد ناشطا في مدينة الموصل الشمالية، اضافة الى خطوط التقسيم العرقي في البلاد. وبقيت ديالى التي هي خليط من الأعراق والديانات منطقة خطرة برغم الحملات المتكررة التي قامت بها القوات الاميركية والعراقية لقمع المقتالين فيها.
وقال بيركنز: " لن نترك ثغرات امنية خلفنا. نعرف كيف نفعل ذلك. هذه ليست المرة الاولى التي قللنا فيها من عديد قواتنا."
وحتى العراقيين المتشددين حيال الوجود الاميركي، الذي ابتدأ حينما غزت الولايات المتحدة البلاد واحتلتها في اوائل عام 2003، اعربوا عن قلقهم من احتمال تصاعد العنف خلال الانسحاب. وبرغم تصريح الدباغ بان العراق "يعود الى الحالة الطبيعية"، فان المسؤولين الاميركيين يقرون بان من المحتمل ان تستمر الهجمات المماثلة لهجوم الاحد في اجزاء من العراق. وقد علل بيركنز الهجمات التي تهدف الى جلب انتباه وسائل الاعلام بانها اشارة على اليأس بعد نجاح الانتخابات في شهر كانون الثاني والمفاوضات على الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة. ويأتي تصريحه هذا ترديدا لوجهة النظر التي عادة ما يكرر الجيش القول بها.
كما قال بان العنف قد وصل الى ادنى مستوياته منذ صيف عام 2003.
واضاف: "حينما تستشعر القاعدة انها تحت ضغط هائل فانها تفقد زخمها، ومن ثم تعمل جاهدة لاستعادة نفوذها واستعادة زخمها."
وفي هجوم يوم الاحد، قام الارهابي بتفجير قنابل حملها على جسمه وعلى دراجته النارية في منطقة ذات حماية مكثفة ببغداد تقع بالقرب من مقر وزارة النفط ومقرات عسكرية وحكومية اخرى. كما ان مدخل كلية الشرطة محمي بالجدران الكونكريتية، غير ان الجموع المستهدفة كانت تقف تحت الجسر، على بعد عدة امتار من المدخل، وكانت معرضة الى حركة المرور.
وقد تجمع الرجال خارج الكلية على امل ان يتطوعوا في سلك الشرطة. وقال الناجون ان رجال الامن تركوهم ينتظرون في الشارع لفترة اكثر من ساعتين من دون ان يعطوهم اية توجيهات، كما عبر البعض عن الغضب لتركهم هدفا سهلا للهجمات بهذا الشكل.
وكان تفجير سابق قد استهدف كلية الشرطة ذاتها في الاول من كانون الاول الماضي ما ادى الى مقتل 15 شخصا.
يقول علي فراجي، الذي كان يحاول ان يحصل على قبول في الكلية منذ ثلاث سنوات: "لم نحط علما بما كان يجري. لقد طلبوا من القدوم، ثم ابعدونا. طلبونا من جديد، ثم ابعدونا مرة اخرى. لم يكونوا ليخبرونا بأي شيء."
وفي مستشفى الكندي، عُلقت اسماء الجرحى الـ 58 على مرمر المدخل الرمادي، وقد كتبت من دون عناية على ورقة دفتر ولصقت باستعمال شريط لاقص معد للعمليات الجراحية. وساعد الاشخاص الموجودون في المنطقة في البحث عن اسماء اقرباء هؤلاء الذي لا يجيدون القراءة.
قالت امرأة وهي تنوح: "لم اعثر على اسمه. اين اسمه؟"
وقف حنون حسين مع ابنه اسعد، ذي العشرين عاما، وكان قد ذهب الى كلية الشرطة بعد ان شاهد اعلانا عن فتح باب التقديم في الكلية على التلفاز في الليلة الماضية. كانت هناك ضمادة على عين ابنه، كما فقد سمعه نتيجة الانفجار.
وتساءل الوالد: "لماذا يتركوهم في الخارج. لماذا لا يدخلوهم إلى داخل البناية؟ لماذا يتركوهم في الشارع ألا يعلمون أن الوضع شديد الخطورة في الخارج؟."