Thursday, March 05, 2009

نهاية «الفترة المظلمة» التي مرت بها بغداد

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – خرج جندي اميركي من نادٍ ليلي في بغداد، حاملا باحدى يديه سلاحه وباليد الاخرى علبة معدنية خضراء من الجعة. اخذ رشفة من العلبة ومشى نحو اثنين من الضباط وقد ارتدى بزة تبدو كما لو كانت البزة العسكرية النظامية مع كل معدات القتال. وفي داخل النادي الليلي، في ليلة الخميس، يحدق الجنود الاميريكون من الفرقة 82 المحمولة جوا نحو شابات عراقيات، يبدو انهن راقصات محترفات، وهن يتمايلن على وقع موسيقى البوب العربية، بينما راح المطرب ينشد اغنيته متمهلا من خلال لاقط صوت رديء يطلق صفيرا بين الحين والاخر. كل ذلك كان قبل وقت قريب محرما من قبل المتطرفين الاسلاميين ويعاقبون عليه بقطع الرأس.
وبعد عشرين دقيقة، دفع ثلة من السكارى جنديا اميركيا ليرقص. حرّك الجندي قدميه بصورة ناشزة، وهو يضع معدات الرؤية الليلة ويحمل جهاز الاتصال الخاص به، ليشارك النساء والرجال المتحمسين في رقصة الدبكة العربية حول منضدة ملآى بقناني الجعة الفارغة.
لقد تقوقع الجنود الاميركيون والغربيون الآخرون في بغداد، على مدى معظم السنوات الست الماضية، خلف جدران من الكونكريت والاسلاك الشائكة، وحينما يخرجون الى الشوارع فانهم يجولون بعربات مصفحة، خوفا من الهجمات او الاختطاف. فالوقت الذي يمضونه في المنطقة الحمراء، وهي جميع انحاء مدينة بغداد باستثناء منطقة محمية، عادة ما يجلب لهم المصائب. لا يغادر الجنود الاميركيون قواعدهم او معسكراتهم الا اذا كانوا في الواجب.
يقول الجنود في شارع ابو نواس انهم كانوا يزورون النادي الليلي للتحدث مع المدير حول امور امنية، لكنهم كانوا يخالطون العامة من العراقيين بطريقة لم يكونوا يتخيلوها قبل بضعة شهور فقط. يعكس المشهد تزايد الشعور بالامان في العاصمة العراقية وفي انحاء كثيرة من العراق، لكن من المستحيل معرفة كم من الجنود الاميركيين في بغداد قد وافته الفرصة او الرغبة في شرب الجعة بينما يقوم بدورية، وهي مخالفة للقوانين العسكرية التي تمنع تناول المشروبات الروحية في مناطق الحرب.
ولكن المتحدث العسكري الاميركي، السرجنت كريس ستانغر، كان متشككا، في معرض جوابه عن سؤال حول ما قام به الجنود، إذ قال: "اريد ان افهم هذا بوضوح، هل رأيت الجنود الاميريكون في النادي الليلي في وسط مدينة بغداد خارج المنطقة الخضراء مرتدين الزي النظامي ويشربون ويرقصون؟"
يقول مدير النادي الليلي، صلاح حسن، ان زيارة الخميس لم تكن استثنائية، ويضيف: "لقد جاء الاميريكون الى هنا اربع او خمس مرات خلال هذا الاسبوع. لقد اشتروا مشروبات ودفعوا اثمانها."
وأيد آخرون ان الجنود الاميريكيين قد جاءوا الى النادي اكثر من مرة. تقول امل سعد، وهي شابة قصيرة القامة، تضع عدسات لاصقة زرقاء وتصبغ شفتاها باللون الاحمر بكثافة: "انا احب الاميركيين، واحب قدومهم الى هنا. ذلك يشعرني بالامن."
وتستطرد قائلة: "لقد ذهبت معهم الى عرباتهم المدرعة عدة مرات. لقد اخذوني الى المتاجر واشتروا لي الحلوى والهدايا."
يقول حسن انه افتتح ناديه بعد ان حصل على منحة قدرها عشرة الاف دولار من الجيش الاميركي، تم تخصيصها على خطة للمساعدة في اطلاق المشاريع الصغيرة، ضمن ستراتيجية اشمل لمقارعة التمرد واحلال الامن في بغداد. ويضيف حسن: "انهم يأتون ويرقصون. يعرف بعضنا البعض الاخر جيدا. وهم يخبرون اصدقاءهم ومن ثم يأتي هؤلاء الى هنا ايضا."
تنص اتفاقية مستوى القوات، التي وقعتها كل من حكومتي الولايات المتحدة والعراق في شهر تشرين الثاني الماضي، على ان يتم تقديم الجنود الاميركيين الذين يرتكبون جرائم خطيرة خارج قواعدهم وخارج الواجب الى القضاء العراقي، برغم ان الولايات المتحدة احتفظت بالكلمة الاخيرة في تحديد ما اذا كان الجنود خارج الواجب. تعطي مشاهدة الجنود وهم يشربون ويرقصون انطباعا يصعب تفاديه بان الجنود ليسوا في الواجب، بل هم في وقت الراحة.
يقول العريف ايريك كارترايت، الذي يبلغ 26 عاما من العمر وهو من كندا، بينما كان يراقب رفاقه يرقصون الدبكة: "الجميع يستمتع بوقته هنا. لا احد يخشى من ما يمكن ان يحدث. هذه إمارة جيدة."
لقد كان شارع ابو نواس عصبا للحياة في السبعينيات. وقد ظلت الحانات مفتوحة حتى ساعات الصباح الاولى. ولكن صدام اغلق جميع الملاهي الليلية في عام 1994، في مسعاه للحصول على دعم الجماعات الدينية العراقية المحافظة.
وبعد الغزو الاميركي عام 2003، استهدفت المليشيات والمتمردون بائعي المشروبات الكحولية. وقد ارسلوا تهديدات بالقتل الى المطربين والراقصات، ما اجبر الكثير منهم على الهروب الى خارج البلاد.
وقد سمحت الحكومة بإعادة افتتاح النوادي الليلية قبل ثلاثة شهور، وهي الخطوة التي وسعت من شعبيتها بين الكثير من العراقيين من سكان المدن. لكن الكثير من النوادي الليلية بقي مقفلا خلال معظم الفترة التي تلت اصدار هذا الامر، وهي الفترة التي تضمنت ايضا بعضا من الايام المقدسة لدى المسلمين.
لايزال تهديد المتطرفين ساريا، بيد ان الاجراءات الامنية المشددة عبر العاصمة قد ولدت الثقة.
وبدأت النوادي الليلية بفتح ابوابها في بعض المناطق في بغداد. وتستضيف الفنادق فرق الرقص من اجل الترفيه عن العراقيين الموسورين. اما النوادي الاجتماعية، التي توفر المشروبات الكحولية والقمار مدفوعة ضمن تذكرة الدخول اليها، فقد بدأت تشهد تزايداً في زبائنها. ويعود المطربون من منفاهم.
ولعل شارع ابو نواس اليوم هو من اكثر المناطق امنا منطقة في بغداد. وهو يسير بمحاذاة نهر دجلة، وينتهي عند احدى بوابات المنطقة الخضراء، حيث تقع ابنية السفارة الاميركية والحكومة العراقية. ويقع النادي الليلي الذي يملكه حسن عند فرع يمتد من هذا الشارع وتغلقه جدران كونكريتية من كلتي نهايتيه بالاضافة الى تواجد نقاط تفتيش يقوم عليها متعاقدون امنيون خصوصيون عراقيون وقوات الشرطة. وفي نهاية الشارع توجد مكاتب على هيئة ثكنات عسكرية لمنظمات اعلامية غربية، كل منها يمتلك قواته الخاصة. وتقوم القوات الاميركية بدوريات راجلة في المنطقة كل يوم تقريبا.
يقول حسن: "هذه المنطقة محمية بشكل جيد. لو لم اتوفر على الامن لما كنت قادرا على تشغيل النادي، لان الزبائن كانوا سيحجمون عن القدوم الى هنا خشية القتل او الاختطاف."
ويقول ان رجالا مسلحين دخلوا ناديا ليليا بساحة الاندلس في الليلة الماضية واختطفوا اثنين من الزبائن.
وبعد مضي دقائق معدودة من الحديث بدأ حسن يتوجس من مناقشة زيارة الجنود الاميركيين. وقد طلب ان لا يذكر اسم ناديه الليلي، حتى وان كان الاسم قد كتب على لوحة ضوئية خارج النادي وباللغة الانكليزية. ويعلق على ذلك بالقول: "سوف يأتي الاميركيون ويغلقوا النادي."
وتجد في نادٍ مجاور الرواد وقد اسكرتهم الخمرة لدرجة انهم لم يعودوا يبالون بالتهديدات. وكان كل منهم قد دفع 45 دولارا اجرا لدخول النادي، وهو مبلغ كبير بالنسبة الى الكثير من العراقيين، لسماع غناء اديبة، وهي احدى المطربات في البلاد. ولم تخيب اديبة، ذات الشعر الاسود، ظنهم.
انهالت على كل من الرجال الحاضرين بالقبل، وبدأت بالغناء:
صدقني، لم اضجر منك
روحي ساكنة في بيتك
صدقني
وبينما كانت تغني اديبة، جالت راقصة، ترتدي فستانا ذا لونين احمر واسود، في حلبة الرقص بينما اهتاج الجمهور بالصياح. وفي الاثناء هزّ شبان يرتدون سترات انيقة اجسادهم ولوحوا بمناديل وردية اللون. صعد احد الرجال الى الحلبة ونثر ملء اليد نقودا لتنهال على اديبة وفرقتها ذات الخمسة رجال.
وكانت اديبة، وهي على غرار معظم المطربات العراقيات تستعمل اسمها الاول فقط، قد عادت من البحرين قبل شهرين، بعد ان فرّت من العراق قبل ثلاث سنوات. وهي تقول: "لم يكن هناك عمل أما هنا، فقد كان يتم قطع رؤوس المطربات اللائي يعثر عليهن وهن يغنين."
وقد شجعها التحسن الامني على العودة، كما ان "العيش خارج بلدي يقتلني" كما تقول. يضاف الى ذلك انها سمعت بان النوادي الليلية قد فتحت ابوابها من جديد.
تقول اديبة بثقة: "لقد ولى العهد المظلم."
ويوافق جمهورها على ذلك.
يقول منتظر خزعل، بائع الملابس ابن الـ 18 ربيعا: "اشعر بالامان بمجرد الاستماع اليها."
ويضيف صديقه حسين شيبا، الذي يبلغ 17 ربيعا فقط: "لم نكن نتوقع ان يأتي مثل هذا اليوم في العراق."
وفي هذه الاثناء، وفي نادي حسن الليلي، يرقص الجنود الاميركيون يدا بيد مع اصدقائهم العراقيين الجدد.