عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
أعادت الحكومة العراقية تسمية سجن ابو غريب الشهير الواقع على اطراف بغداد، كما قامت بترميم اجزاء منه، وتخطط لتسفير نحو ثلاثة الآف من المحكومين ليشغلوه، وهم اول من سيسكن السجن منذ ان قام الاميركيون بتسليمه عام 2006.
تقول الحكومة انها بحاجة ماسة الى سجن ابو غريب –الذي اصبح اسمه سجن بغداد المركزي– ومراكز الاعتقال الاخرى في انحاء البلاد والتي تم ترميمها من قبل الاميركيين. يقول صفاء الدين الصافي، الذي كان وزيرا للعدل بالوكالة على مدى عامين، ان الحاجة ناشئة عن اكتظاظ السجون بالنزلاء واستمرار التهديدات الامنية.
وقد اصبح القاضي دارا نور الدين ، الذي كان سجينا في ابو غريب عام 2002، وزيراً للعدل. وقد اطلق سراح نور الدين في تشرين الثاني من ذلك العام بعد ان اخلى صدام جميع السجون قبل الغزو الاميركي. وعلى الرغم من شهرة سجن ابو غريب السيئة تحت حكم صدام حسين كمكان للتعذيب والاعدام، لكنه ربما دُمغ حول العالم وللابد بالصور التي نشرت عام 2004، والتي تضمنت نزلاء عراقيين يتعرضون الى الاساءة والتحقير الجنسي على يد الجنود والمحققين الاميركيين.
ويعارض بعض الضحايا، والذين رفعوا دعاوى قضائية ضد المتعاقدين الاميركيين الذين رفدوا سجن ابو غريب بالمحققين والمترجمين عندما كان تحت السيطرة الاميركية، يعارضون اعادة فتح الموقع كسجن ويريدون ان يتم تحويله الى متحف يخلد معاناة العراقيين. بينما يقول آخرون انه يجب –ببساطة– هدمه بالكامل.
لكن الحكومة العراقية عازمة على تشغيل السجن. يقول الصافي، وهو ايضا وزير الدولة للشؤون البرلمانية وأحد ثقاة رئيس الوزراء نوري المالكي: «ليس من السهل علينا اضاعة موارد الدولة. نعم، لقد كانت لهذا السجن سمعة سيئة، لكن هذا ليس –في ذاته– عذرا لهدم السجن، مع اخذ حاجتنا اليه بنظر الاعتبار.»
ويضيف الصافي ان الاحتفاظ بسجن ابو غريب على انه سجن بغداد المركزي وتغيير مهمته الى اعادة التأهيل سوف يساعدان على ازالة بعض العار الذي لحق به.
ويؤكد الصافي انه قد اشرف شخصيا على تجديد الزنزانات التي شهدت اعظم الاساءات التي ارتكبها الجنود والمتعاقدون الاميركيون، وان السجن يضم الآن صفوفا دراسية ومكتبة واراضي لممارسة البستنة والزراعة المحمية وورش عمل لتعليم النزلاء الخياطة والحلاقة ومهارات الحاسوب.
يقع سجن ابو غريب، الذي صممه المعماري الاميركي ادموند وايتنغ وبناه المتعاقدون البريطانيون في أواخر الستينيات، على بعد 24 كيلومتراً غرب بغداد، ويحتل مساحة تقدر بـ 113 هكتاراً.
ويفتخر الصافي بان الحكومة العراقية استطاعت ان تنجز اعمال تجديد السجن المحدودة بمبلغ مليون دولار، مقارنة بعدة ملايين من الدولارات انفقتها الوكالات الحكومية الاميركية في مشاريع مماثلة في انحاء البلاد.
وعدد الصافي، وهو يقرأ وثيقة على مكتبه، مشاريع ترميم السجون التي مولتها الولايات المتحدة في البصرة واقليم كردستان والناصرية والرمادي، والتي بلغت كلفتها الاجمالية نحو مئة مليون دولار.
ويقول الصافي ان هناك ما يقرب من 17,000 نزيل في السجون التي تديرها وزارة العدل، ويضاف الى هذا الرقم اعداد اخرى من الموقوفين من قبل وزارة الداخلية والجهات الامنية الاخرى في الحكومة.
ويحتفظ الجيش الاميركي بنحو 14,500 سجين تحت تسمية «محتجز امني». ويقول الصافي انه يتم تفحص ملفاتهم على شكل دفعات تتألف من 1,500 سجين في كل دفعة، بحيث يتم بعدها اما اطلاق سراحهم او احالتهم الى النظام القضائي. وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الامنية التي عقدت بين بغداد وواشنطن في الخريف الماضي.
ويقدر الصافي انه ستتم –في نهاية الامر– ادانة 5,000 من الموقوفين في المعتقلات الاميركية من قبل محاكم عراقية ويتم ايداعهم السجون. وهو يقول ان هذه الزيادة المتوقعة في اعداد السجناء، اضافة الى زحام السجون العراقية الحالية، تجعلان اعادة فتح سجن ابو غريب امراً ملحاً.
لكن اعادة افتتاح السجن تثير الانزعاج بين الكثير من العراقيين، والذين لا يربطون هذا السجن مع الاساءات الاميركية فحسب، بل مع تاريخه الطويل من وحشية وقمع الحكومة ايضا.
وكانت منظمة مراقبة حقوق الانسان قد أكدت هذه المخاوف في تقريرها الذي اصدرته في شهر كانون الاول وحذرت من ان عمليات الاعتقال الطويلة بدون محاكمة، وتكرار الاساءة الى المعتقلين في السجون العراقية، بضمنها استخلاص الاعترافات بالقوة والاعتقال بناء على شهادة المخبرين السريين، «تظهر استمرارا يبعث على الانزعاج» للاساءات التي كانت تمارس في عهد صدام.
يقول حسن العزاوي، الذي امضى سبعة اشهر في هذا السجن عام 2004 حينما كان تحت الادارة الاميركية، ان اعادة فتح السجن تمثل تقصيرا في التزام الحكومة بالمصالحة الوطنية، او لعلها تخفي نيتها في حشو السجن بمعارضيها.
والعزاوي، وهو يبلغ 50 عاما من العمر، هو احد 300 نزيل سابق يقاضون اثنين من المتعاقدين الاميركيين، هما (سي أيه سي أي العالمية) و(مجموعة تايتن)، وذلك عن اعمال التعذيب والاساءة في المحاكم الاميركية. وكانت هاتان الشركتان قد جهزتا الجيش الاميركي بالمحققين والمترجمين.
ووصف مشتكٍ آخر يدعى اسعد، وقد اعطى اسمه الاول فقط لان قضيته ما زالت معلقة، بالتفصيل طرق التعذيب التي استخدمتها فرق التحقيق.
ويقول انه قد أجبر على البقاء لساعات تحت دوش من الماء البارد حتى ينهار. ثم يُسحب بعدها الى صالة الزنزانات، حيث يتوجب عليه، حسب ادعائه، ان يزحف عاريا على الارض الصلبة بينما يكزه الحراس ويهددوه بالاغتصاب. يقول اسعد، الذي يبلغ 36 عاما من العمر، انه قد تم تقييده ذات مرة الى سريره لمدة تزيد على يوم كامل.
ويضيف: «انا مجرد مواطن عادي وليس لي قول ذلك، لكني اعتقد انه من الافضل ان يتم تحويله إلى متحف. لقد حدثت اشياء فظيعة في ابو غريب.»
تجفل بلقيس شرارة وهي تستذكر كيف وضع زوجها رفعة الجادرجي، احد ابرز المعماريين العراقيين، في السجن قبل ثلاثين عاما بعد ان تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم «تخريب الاقتصاد» و»الخيانة العظمى» وذلك لرفضه العمل في مشروع تموله الدولة.
وهي تقول، متحدثة عبر الهاتف من منزل الزوجين في لندن: «لقد كانت تلك احلك الايام في حياتنا.»
ويستذكر الجاردجي، الذي يبلغ 83 عاما من العمر الآن، سماع اصوات جلسات التعذيب كل ليلة تقريبا، واعدام 180 من رفاقه المعتقلين السياسيين في السجن في يوم واحد. وقد اصدر صدام عفوا عنه في عام 1981 ومن ثم غادر الزوجان، في العام التالي، العراق نهائياً.