Thursday, February 12, 2009

ورقة أميركا الرابحة في العراق

عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – هذا ما يفترض للنصر في العراق ان يكون عليه. خمسة عشر مليونا من العراقيين الذين ادلوا باصواتهم في انتخابات حرة ونزيهة على العموم ، والمتدفقين من مراكز الاقتراع باصابع بنفسجية في جو خلا (غالبا) من التهديد والعنف.
لقد كان هذا –حقا– مشهد الانتخابات المحلية العراقية التي أجريت نهاية الاسبوع الماضي. والاكثر من ذلك، ان النتائج المعلنة جعلت من الواضح ان الاحزاب التي وعدت باحلال الامن والوحدة الوطنية، بقيادة رئيس الوزارء نوري المالكي، قد حصلت على نتائج افضل من تلك التي قامت على الطائفية والتي كانت حتى وقت قريب مصرة على تقسيم البلاد.
لقد رفعت الانتخابات الامال مجددا في عراق مستقر وديمقراطي وهو يخرج من مآسي ستة اعوام من الحرب، وهي حصيلة من شأنها ان تسرع في مغادرة 140,000 عسكري اميركي، كما اقترح اوباما على القادة العراقيين، حينما اتصل بهم لتهنئتهم.
لكن هناك مقاييس اخرى للنصر في العراق. ولذلك قد يكون هذا الوقت، وهو مفصل آخر في تاريخ العراق المعذب، ملائما لطرح التساؤل: هل حسّنت الحرب المصالح الستراتيجية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط المضطربة، كما اصر الرئيس جورج دبليو بوش والقادة الاخرون على انه سيحدث؟
الجواب على ذلك –حقيقة– يأتي بالنفي، او في الاقل ليس بعد.
لقد كانت الاطاحة بنظام صدام حسين، مهما كانت الاسباب التي أدت الى ذلك، قد ازاحت –بالتأكيد– تهديدا محتملا للمصالح الاميركية. لكن نظرة ثاقبة، مع اقتراب الذكرى السادسة للحرب، تبين ان منطقة الشرق الاوسط لا تزال مضطربة وملتهبة كما كانت دائما. مهما كانت المكاسب التي جلبها العراق، فانها يجب ان تقاس، الى جانب الكلف المادية، بمقدار الضحايا البشرية التي قدمتها اميركا في المنطقة.
تقول مارينا اوتواي، مديرة شؤون الشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي، ومؤلفة كتاب (وراء الواجهة: الاصلاح السياسي في العالم العربي): "نحن لسنا بالضرورة اضعف. لكن بعد كل هذه السنوات والاموال التي انفقت، انا لست واثقة اننا نخلـُص الى موقف ستراتيجي اقوى."
حقا، تنغمس افغانستان في التمرد اكثر فاكثر، وربما لن يمكن عكس ذلك، بينما تنزلق الباكستان نحو الفوضى. والنموذج الديمقراطي في العراق كان يجب ان يتكرر في بلدان مثل مصر والمملكة العربية السعودية والاردن وسوريا، في الوقت الذي عانى التأثير الاميركي عليها بطرق شتى حيث تحتاج إلى سنين للاصلاح.
وهناك، بعد كل هذا، ايران. لقد برزت عدوة الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود قوة اسلامية في الشرق الاوسط، مفصحة عن طموحاتها وقدراتها من خلال اطلاق قمر صناعي الى الفضاء في الاسبوع الماضي. ويبدو انها لم تخفف من طموحاتها النووية، ولا من دعمها لحماس في غزة وحزب الله في لبنان، ما يجعل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي مستعصيا كما كان دائما.
يقول مصطفى العاني، المحلل الامني في مركز دراسات الخليج في دبي: "ان انهيار العراق –بحكومته وجيشه– قد خلق فجوة عظمى في المنطقة." وهو ما يعكس القلق المتفشي بين الحكومات. ويضيف قائلا: "وهكذا برزت ايران، نتيجة لذلك، على انها القوة الاولى في المنطقة." قبل ان تزيح القوات الأميركية صدام عن كرسيه، فان جيشه المعزول والمخرب كان سلاح المواجهة مع ايران، حسبما كان يرى معظم العالم العربي.
ان ما أدت اليه الاحداث الاخيرة، مثل الانتخابات، هو ان تزيح العراق من قمة قائمة الازمات التي يتوجب على ادارة اوباما الجديدة ان تواجهها، وهذا لوحده ربما يكون انجازا الى حد ما.
وحتى قبل الانتخابات الرئاسية التي اجريت في الولايات المتحدة العالم الماضي، فان مساعدي بوش كرروا القول مرارا ان هدفهم هو في التأكد من ان العراق لن يكون المشكلة الاولى على منضدة الرئيس الجديد.
يبدو الان ان العراق قد هبط تسلسله في القائمة اكثر مما كانوا يتصورون. حينما منح اوباما اولى مقابلاته الطويلة الى تلفزيون العربية، وهي القناة الاخبارية التي تتخذ من الامارات العربية المتحدة مقرا لها، فانه بالكاد ذكر العراق. حتى انه، في الواقع، قام في لاوعيه باسقاط العراق، حينما عرض "يد الصداقة" فيما تعهد ان يكون دفعة كلية نحو السلام الاقليمي.
فقد قال: "لا اعتقد ان من المستحيل علينا ان نفكر فقط في الصراع الفلسطيني–الاسرائيلي، ولا نفكر في ما قد يحدث في سوريا او ايران او لبنان او افغانستان او الباكستان."
لدى اوباما، كونه الرئيس الجديد، الفرصة لاعادة تركيز الستراتيجية الاميركية. واذا كان للعراق اية مساهمة في ذلك فانها تكمن في انه سيصبح مستقرا بما فيه الكفاية بحيث يحرر الجيش الاميركي، الذي يعاني من ضغوطات فائقة، حتى يتمكن من مواجهة التمرد المتجدد في افغانستان. وقد تعهدت ادارة اوباما بارسال 30,000 عسكري الى هناك، حتى مع مضاعفة مبعوثي الرئيس الجهود الدبلوماسية في المنطقة.
تقول اوتواي: "مع ذهاب ادارة بوش، ترسل ادارة اوباما اشارات تفيد بأنها ترغب في بدء حوار" بين قادة المنطقة. وتضيف: "ومع ازدياد استقرار العراق الظاهر، فمن المحتمل ان يكون هناك بعض التقدم الستراتيجي."
لكن السؤال الذي لا يمكن الاجابة عليه هو كيف سيكون العراق مع مغادرة آخر عسكري اميركي.
المالكي نفسه هو قائد احد الاحزاب الشيعية. لكن تعقبه المليشيات الشيعية في العام الماضي، متبوعا بالانتخابات المحلية، قد بدد المخاوف بطريقة ما، في كل من العراق والولايات المتحدة في أن إيران سوف تتحكم في سياسيات العراق الداخلية ودبلوماسيته الخارجية. في الواقع، ان نمو الحس الوطني، وبالاخص بين العرب الذين يخشون النفوذ الإيراني، قد يعيد الدور العراقي الكامل في المنطقة، والمتمثل في منع التوسع الفارسي.
لم يعد يُنظر الى المالكي على انه قائد ضعيف، كما يبدو أن إيران قد قللت من محاولاتها الواضحة للتقليل من شأن الحكومة العراقية الناشئة، في الوقت الراهن في الأقل.
وكان وزير الدفاع الاميركي، روبرت غيتس، قد تحدث الى الكونغرس في الشهر الماضي قائلا: "هناك تنامٍ في سيادة العراق واكتفائه الذاتي، الى الحد الذي اظهر قادته، أنهم لا ينوون لعراق ما بعد صدام ان يصبح مقاطعة تابعة لجارته الشرقية."
هذا لا يعني ان العراق سوف يصبح مقاطعة اميركية كذلك. فمع ازدياد ثقة العراقيين بانفسهم، وتأكيدهم على ذاتهم، فانه يبدو ان العراق سيبتعد عن هيمنة السياسة الخارجية الاميركية.
ففي المفاوضات التي جرت العام الماضي حول الاتفاقية الامنية الجديدة، على سبيل المثال، تمكن العراق من الحصول على تنازلات في قضايا سياسية واقتصادية وعسكرية كانت ادارة بوش قد عارضتها اول الامر. ومن جهة اخرى، فان شعور العداء لاميركا يبقى قويا بين الاحزاب التي حصلت على نتائج طيبة في الانتخابات.
كما يمكن للعراق ان يستخدم نفطه لتقريب نفسه من القوى الاخرى التي تلهث للتقرب منه، من روسيا الى الصين الى ايران. وحينما يبدأ العراق في توقيع اتفاقياته النفطية في وقت لاحق من هذا العام، فان الشركات الاميركية قد لا تهيمن على العطاءات، كما اعتقد منتقدو الحرب وبعض مؤيديها ذات مرة.
يقول العاني، من مركز دراسات الخليج: "اعتقد ان الامريكيين يذهبون شوطا بعيدا في التفكير بان العراق سوف يصبح حليفا رئيسا في المنطقة."
سوف يكون العراق، في المستقبل المنظور، منشغلا في تعزيز التضامن السياسي واعادة بناء الاقتصاد، الذي مزقته ست سنوات من الحرب وعقود من الطغيان قبلها. ولكنه يبقى هشا، مع بقاء التمرد متقد الجذوة في بعض المحافظات، والتنافس الداخلي وهو ما يهدد بتخريب التقدم الحاصل. ان الانتخابات المحلية هي ليست الا مقدمة للانتخابات الوطنية التي ستجرى في وقت لاحق من هذا العام، وحينها ستكون الرهانات اكبر.
لم تنته الحرب بعد، لكن الدور الاميركي فيها لم يعد كما كان من قبل. ومع اخذ الخيارات الاخرى بالحسبان، فان عراق اليوم قد يكون افضل حصيلة ستراتيجية يمكن للولايات المتحدة ان تتمنى.