CFR.org
ترجمة: علاء غزالة
قالت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس ان العقوبات الدولية على إيران نجحت في ابعاد المستثمرين عن تلك البلاد، مما يؤثر في اقتصادها، ويعزل قيادتها. لكنها واصلت التعبير عن دعمها لتشكيل وحدات رعاية المصالح لتحسين التواصل مع الشعب الايراني. كما اكدت رايس، في مقابلة شاملة مع موقع CFR.org على الجهود الدبلوماسية لحل المسائل المتعلقة بالانتشار النووي لكل من ايران وكوريا الشمالية. وقالت رايس، في معرض اجابتها على التهم المتعلقة بتغيير النظام في العراق، والتي وسمت الجهود الاميركية لمساعدة القوى المؤدية للديمقراطية في ايران: “لن يكون بمقدور الولايات المتحدة ان تغير كل نظام سياسي في العالم.” وقالت ان افضل دور لحكومة الولايات المتحدة هو ان “تعمل على تقوية المجتمع المدني، وتقوية القوى الديمقراطية، وان تحمّل الحكومات المسؤولية امام شعوبها عندما تتخذ اجراءات قاسية ضد هذه القوى.” كما عزت رايس التغييرات الاساسية في الجدل حول الاصلاح الديمقراطي في الشرق الاوسط الى الجهود الاميركية في الدعوة للديمقراطية.
* السيدة وزيرة الخارجية رايس، المدينة مشغولة الان جدا بالتخطيط لحفل تنصيب الرئيس. وفي التنصيب الماضي، اعلن الرئيس عن برنامج جريء للدعوة من اجل الديمقراطية، خصوصا في الشرق الاوسط، وقد كان لكِ دور كبير في ذلك. وفي هذه الايام، لا نسمع الا القليل عن هذا الامر، كما انك ادليتي ببعض التصريحات مثل: «الولايات المتحدة ليست منظمة غير حكومية، وعلينا ان نوزان علاقاتنا مع الانظمة القمعية.» هل في ذلك موافقة ضمنية على ان هناك جوانب سياسية في جدول اعمال الترويج للديمقراطية؟
- يجب ان تبقى الولايات المتحدة صادقة في الترويج للديمقراطية، لان قيمنا ومصالحنا، في غاية الامر، مرتبطة ببعضها بشكل وثيق. لقد تعلمنا ذلك مع انهيار الاتحاد السوفيتي، الامر الذي كان جيدا لقيمنا وممتازا لمصالحنا. لذلك فانا مؤمنة جدا بان هذين الامرين مرتبطان. وفي ظروف السياسة اليومية، فان على المرء ان يوازن الحقائق بانه، نعم، يتوجب عليك في بعض الاحيان ان تتعامل مع الانظمة القمعية. وفي بعض الاحيان عليك التعامل مع الانظمة الصديقة، التي لم تظهر تقدما كما تتمنى لهم، لكن لولا اصرار الولايات المتحدة على المطالبة بانهاء الانظمة الاستبدادية، وان كل رجل وامرأة وطفل يستحق ان يعيش في مجتمع ديمقراطي، لسقطت تلك المفاهيم من الاجندة الدولية. وهذا ما فعله خطاب الرئيس.
ان النقاش في الشرق الاوسط مختلف تماما اليوم عما كان عليه قبل بضعة اعوام كنتيجة، حسب اعتقادي، للدور الاميركي في الترويج للقيم الديمقراطية.
* لنأخذ مصر على سبيل المثال، فقد كانت هناك اشارات مختلطة بان الولايات المتحدة سوف تكون اكثر دعما لوضع ضغوط حقيقية على مصر من اجل الاصلاح الديمقراطي، ولكن حينما آن اوان التنفيذ، كانت مصر اكثر اهمية من الناحية الامنية، وكانت مفيدة في الحوار مع حماس وهكذا. كيف تردين على هذه التساؤلات؟
- يجب عليكَ ان تقوم بالامرين معا. لقد دعوتُ شخصيا وبقوة من اجل الاصلاح الديمقراطي في مصر. سوف تكون مصر بحال افضل، في واقع الامر، واكثر استقراراً آخر المطاف، اذا أولت ثقة اكبر بشعبها. انا اعتقد ان الانتخابات الرئاسية (في ايلول من عام 2005) كانت نوعا مختلفا من الانتخابات عن أي من مثيلاتها التي خاضتها مصر سابقا. فقد كانت هناك انتقادات لسياسات الرئيس على الصفحات الاولى للصحف المصرية. وكانت الاحاديث في المقاهي المصرية غير اعتيادية. ثم جاءت الانتخابات البرلمانية (في كانون الاول من عام 2005) لتمثل، بصراحة، تراجعا. لكني لا اعتقد انكَ ستشهد انتخابات رئاسية في مصر على الطراز القديم للانتخابات الرئاسية على الاطلاق. مثل هذه الاشياء تأتي غالبا بالتدريج. فانت تحصل على الكثير من التقدم لفترة من الزمن، ثم تميل الامور الى الانحدار، ومن ثم تحدث قفزة اخرى. ولكن ما قامت به الولايات المتحدة كان من اجل دعم الاصلاح، ودعم برامج بناء الديمقراطية من خلال برنامج الشراكة الشرق اوسطية. وقد روجنا كلينا (الوزارة وبرنامج الشراكة) مع الحكومات من اجل كل المفاهيم بدءا من خصوصية افراد الشعب الى تغيير القوانين. انت تدعم الاصلاح، لكن التغيير لن يأتي في يوم واحد.
* ماذا عن بلدان مثل ايران، حيث لا توجد اية علاقات مع الحكومة، ولكن هناك اهتمام كبير في رعاية قوى الديمقراطية الناشئة هناك؟ يبدو ان الاستجابة لبرامج الترويج للديمقراطية، تحديدا، غير موفقة. فالناشطون الايرانيون مثل اكبر غانجي وشيرين عبادي وآخرون يقولون ان هذه الجهود اصطبغت بصورة تغيير النظام. كيف تتعاملين مع هذا الارتباط المزعج بين الترويج للديمقراطية والتهديد بتغيير النظام في بلد مثل ايران؟
- انا مؤمنة صلبة بان التغيير، في معظمه، سوف ياتي من الداخل آخر المطاف. وما تستطيع الولايات المتحدة فعله هو مساعدة وتقوية المجتمع المدني، وتقوية القوى الديمقراطية، وتحميل الحكومة المسؤولية امام شعبها عندما تتخذ اجراءات قاسية ضد هذه القوى. لكن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تغيير كل نظام سياسي في العالم. حينما كانت هناك ظروف مثل التي في العراق، حيث كان صدام يمثل تهديدا للمنطقة، وتهديدا لمصالحنا، حينما جرّنا الى الحرب مرتين، وحينما استخدم اسلحة التدمير الشامل. عليك التعامل مع التهديد الامني هناك، اعتقد ان عليك التزاما، طالما انك اشتركت في تغيير النظام لاسباب امنية، ان تصر على ان ما يأتي خلفا له يجب ان يكون نظاما ديمقراطياً، وعلى هذا فان الولايات المتحدة لم تتخذ طريقا سهلا في العراق، وهو ان تطيح بصدام وتنصب رجلا قويا آخر، لقد اتخذنا الطريق الاصعب المتمثل بمساعدة العراقيين على تطوير مؤسساتهم الديمقراطية، وهم الان سائرون على الطريق.
* حينما تذكرين العراق وايران يلوح في الافق توازيا للاحداث يبعث على الاهتمام. فالجولة الاخيرة من العقوبات تغطي الاستخدام المزدوج للمواد النووية، هناك حركة متزايدة لعزل ايران. هل اننا نتطلع الى آخر هذا الطريق من نظام العقوبات التي تراقبها الامم المتحدة والتي ستحاول ان تضع ايران في صندوق كما كان الامر بالنسبة للعراق؟
- هناك اختلاف بالنسبة للعقوبات على ايران. نعم، هناك عقوبات فرضها مجلس الامن الدولي، لكنها عموما موجهة ضد الكيانات الايرانية التي تعمل على نشر البرنامج النووي، او تلك التي انخرطت في الارهاب، مثل تمويل قوة القدس وقوة الحرس الثوري الايراني. هذه العقوبات تتبع الملكيات الفردية للاشخاص المتورطين في هذه النشاطات، لقد حاولنا صياغة العقوبات بحيث لا يكون لها تأثير على الشعب الايراني، لكنها تؤثر في الاقتصاد الإيراني، لان إيران غير قادرة على اجتذاب الاستثمارات او الدعم الاستثماري، على سبيل المثال، من بلدان في اوربا. وقد غادرت جميع الشركات النفطية الغربية. وكانت شركة (توتال) آخر المغادرين. وهكذا فان المخاطرة بالسمعة، والمخاطرة بالاستثمار دفعت المستثمرين الى الخروج من ايران. تختلف هذه العقوبات نوعا عن العقوبات الشاملة التي فرضت على العراق.
* لقد كنت مؤيدة لان تفتح الولايات المتحدة مكتبا لرعاية المصالح في ايران، وذلك لمحاولة خلق ارتباط مع ايران. لكن احداثا مختلفة افسدت هذه الامر خلال الصيف الماضي. ما كان رد الفعل الذي تلقيته من المسؤولين الايرانيين؟
- لم نقترح هذا الامر رسميا ابدا. لقد اتخذ الرئيس قرارا من حيث المبدأ، وبدأنا بالعمل، ثم كما قلتَ، جاء الاحتلال الروسي لجورجيا، وبعدها المعارضة الايرانية لاتفاقية وضع القوات مع العراق (صوفا)، مما صرف النظر عنه، لكننا لم نسأل الايرانيين حقا، لذا لا نعلم ماذا كانوا سيقولون، سمعنا في بعض الاحيان، حتى من خلال تصريحات علنية، انهم سوف يكونون على استعداد للنظر في الامر، لكن الهدف من ذلك كان دائما الشعب الايراني. الهدف كان دائما ضمن جهودنا في التقرب اليهم، لكي نجعل الحصول على تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة اسهل عليهم، ولكي يكون لديهم اصدقاء في الولايات المتحدة، وذلك يشبه الى حد كبير ما تقوم به شعبة رعاية المصالح في هافانا (كوبا). وفي سياق السياسة الحازمة ضد النظام، فان من المعقول تشكيل شعبة لرعاية المصالح من شأنها ان تمهد ارضية للتواصل مع الشعب الايراني. اما السؤال فيما اذا كان الايرانيون سوف يوافقون اخيرا، لا ادري، لكني أملت انهم سوف يفعلون. وان لم يفعلوا فان ذلك يقول شيئا عن سياساتهم.
* حول الملف الكوري، الذي كنت تتعاملين معه في الفترة الاخيرة، هل لك ان تبيني ما قيمة سياسة الولايات المتحدة في التواصل التي اعلنت في السنتين الاخيرتين؟ كيف لك ان تشرحي انه على الرغم من التراجع الاخير، فان الامر كان يستحق المحاولة؟
- لقد بدأتَ باقرار حقيقة انهم لم ينتجوا البولتونيوم منذ الاتفاق السداسي في ايلول من عام 2005، وهذه نقطة مهمة، وقد اغلقوا المفاعل في يونغبيون. وقد عطلوا اجزاءا منه، إضافة الى برج التبريد. انه ليس تعطيل دائم كما كنا نرغب، لكنها سلسلة من الخطوات المهمة. وقد فاوضنا حول (بروتوكول التحري)، والذي وافقوا عليه. ولسوء الحظ، فان بعض التوضيحات التي قدموها لنا في الخفاء كان يجب ان تضاف حتى لا يكون هناك ثغرات في بروتوكول التحري، لكنهم رفضوا ان يكتبوها. وهذا ما ادى الى الانهيار. لكن، مع ذلك، فان للامر اهمية لان الكوريين الشماليين هم في موقف يواجهون فيه كلا من روسيا والصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، لذا فانهم لا يستطيعون ان يجعلوا من تلك مجرد مشكلة عرضية مع الولايات المتحدة. كما ان شحنات النفط التي يحتاجونها، لا تأتي فقط من الولايات المتحدة ولكن من كوريا الجنوبية أيضاً، وطالما ان كوريا الجنوبية اوضحت بجلاء ان علاقتها مع كوريا الشمالية تعمتد، جزئيا، على التقدم في نزع السلاح النووي، فان الشماليون لن يكون بمقدورهم التمتع بمنافع معينة بينما يواصلون التمسك بالملف النووي. لكن تم تحقيق الكثير هنا. ففي سياق المحادثات السداسية، سوف يتم التوصل في اخر الامر الى بروتوكول التحري الذي يسمح لنا التعامل مع الكثير من النشاطات المقلقة، وقد علمنا بالكثير منها في أثناء تقدم العملية الدبلوماسية.
* واحدة من كبريات مظاهر ما يسمى بـ»التحول في الدبلوماسية» هي المساعدة الخارجية. لكن هناك عددا من الخبراء الذين يقولون انه من اجل فعل ذلك عليك التخلص من الالتزامات المتداخلة، وحتى تأسيس مكتب على مستوى الوزارات للاشراف على تقديم المساعدات. هل من فائدة في ذلك؟
- انا لا افضل ذلك، لان مساعدات التنمية يجب ان تكون جزءا من سياسة خارجية اوسع، والتي تربط بين التنمية والديمقراطية وامن الشعوب. اذا اردت ان تتبع التنمية في الدول ذات الديمقراطيات المحكمة، فانها لابد ان تكون قد حصلت على نوع من المساعدات من الولايات المتحدة، والتي تمكنها من توفير خدمات جيدة وتعليما جيدا لشعوبها، ويجب ان تتكامل مع السياسات لتقديم دعم جيد للحكومات. كما يتوجب ان تكون في بيئة آمنة. لذلك ففي مكان مثل كولومبيا، انت تتكلم عن السياسة التجارية، انت تتحدث عن النمو الاقتصادي، ان تتكلم عن الحكم، وتتحدث عن المساعدات الاجنبية والمساعدات الامنية. هذه سلة واحدة. وحدها وزارة الخارجية (الاميركية) ووزيرة الخارجية تستطيع ان تجمع كل ذلك سوية لصالح الولايات المتحدة الاميركية. انا لا ارغب حقا في ان اكون وزيرة للخارجية بدون قدرة على منح المساعدات الاجنبية كأداة تساعد في جلب والترويج للديمقراطية او الامن او بناء الامم بعد الصراعات. سوف تكون المهمة صعبة بدون توفر أداة المساعدات الاجنبية.
* لقد كانت هناك الكثير من النقاشات بين كلا الحزبين، والخبراء في الجيش كذلك، حول طريقة غولدووتر-نيكولز (قرار الكونغرس عام 1986 الذي حسن من التعاون العسكري) في التعاون بين المدنيين والعسكريين. وتحديدا، فان اكثر الدراسات التي تجرى الان حول بناء الامم تدور حول العراق وافغانستان. هل هناك حاجة رسمية لعملية تمكن من تحسين التعاون بين الاثنين؟
- لقد كان لدينا تنسيق جيد جدا، لقد تعلمنا القيام بذلك بالطريقة الصعبة، من خلال التجربة. هذا هو الغرض من (فيالق الاستجابة المدنية)، انها الحاجة الى المدنيين الذي يمكن تعبئتهم لمساعدة البلدان في بناء نظام ضريبي او نظام موازنات او العمل لاصلاح النظام القضائي او تدريب الشرطة. هذا هو السبب في ان المؤسسات التي تقيمُ الان في وزارة الخارجية (الاميركية) يمكن ان تكون مبادرات مهمة جدا. لاننا، بصراحة، حاولنا في البلقان من خلال الامم المتحدة، ولكن محاولتنا لم تفلح. وحاولنا في افغانستان من خلال ما ادعوه طريقة (تبنّي الوزارة لكل بلد على حدة). اننا نعيش مع بعض تداعيات ذلك الان، على الرغم من انه من المدهش ان تحصل على مساهمة جميع هذه الدول، انها حقا ليست بالجهود المتماسكة. ثم جاء العراق، حيث كانت وزارة الدفاع (الاميركية) مسؤولة عنه ولكنها لم تكن حقا الجهة الصحيحة لتولي المهمة. لكن اعطاء وزارة الخارجية الاشراف على جهود الولايات المتحدة في هذا المضمار مكنها من تعبئة المدنيين الذين يمتلكون خبرات متخصصة تمس الحاجة لها، والتي سوف تفلح في اداء عملها. كما اطلقنا ايضا برنامجا رائدا في فرق اعادة اعمار المحافظات، حيث يعمل العسكريون وموظفو المساعدات المدنية والخبراء في الحكم المحلي سوية في مناطق مثل محافظة الانبار في العراق وفي اجزاء من افغانستان مثل محافظة قندهار. هذه هي حقا الطريقة التي بنيت بها هذه المؤسسات.
وكما تعلم، كان هناك نوع من سوء الفهم عن ما حدث عام 1947 حينما اقر الكونغرس قانون الامن الوطني، والذي شكل جميع المؤسسات التي نعرفها الان. لم يتم تشكيل هذه المؤسسات من مخيلة شخص ما. لقد كانت وكالة الاستخبارات الاميركية هي (مكتب الخدمات الستراتيجية)، والتي نمت خلال الحرب العالمية الثانية. اما مجلس الامن القومي فقد كان مجلس الحرب في أثناء فترة الرئيس روزفلت، لانه اراد تنسيقا افضل. وتم انشاء وزارة الدفاع بعد الاستياء من عدم قدرة وزارة البحرية ووزارة الحرب على العمل سوية بشكل جيد. وعلى هذا، بينما اتفهم الرغبة في جعل جميع هذه الجهات تعمل بشكل افضل، فان لدينا الكثير من المبادرات التي نحن بحاجة الى العمل عليها وتحتاج الى دفعها للامام. نحن نتعلم. لقد تعلمنا بالطريقة الصعبة ان مقارعة التمرد، وهو اغلب ما نفعله حول العالم، هي ليست مجرد حرب يتبعها سلم. ان لها مدى واسعا. ثم، نعم، يجب على المدنيين والعسكريين ان يتعاونوا بشكل افضل، لكن لديك وزارتين متميزتين ولديك مهمات متميزة جدا ومجموعتين من الصلاحيات المتميزة جدا. وما استطعنا فعله هو ندمج ذلك من خلال آليات متنوعة بدون ان نجرد وزارة الخارجية من قدراتها او مهماتها او الاخلال في مهمة جيشنا. انا افضل ستراتيجية الدمج التي نتبعها حاليا.
* كانت هناك حالات اجرت فيها الولايات المتحدة محادثات مستمرة، مثل كوسوفو وجورجيا-ابخازيا ونظام الدفاع الصاروخي. يبدو انها جميعا تغلي خلال هذا العام. وبعض الاستجابات كانت تتمثل بان روسيا تعرضت للاهمال، وانه لم يتم وضع اعتبار حقيقي للمصالح الروسية ما ادى الى خروج الامور عن السيطرة، ما رأيك في ما حصل؟
- أولا، انتهت قضية كوسوفو بخير. ، لقد ولدت دولة كوسوفو المستقلة وان لم يوافق الروس.
* لكنها تبقى دولة مقسمة.
- لكن الحقيقة هي ان المجتمع العالمي باجمعه علم ان كوسوفو لم تكن لتستمر بالطريقة التي كانت عليها. ولربما لن يكون بامكانك دوما ان تحصل على الموافقة على شيء مثل ذلك.
لكني دعني اعود الى قضية روسيا. لدينا الان تعاون جيد جدا مع روسيا في القضايا العالمية، سواء كانت بشأن الإرهاب او منع الانتشار النووي او حتى ايران وكوريا الشمالية. لقد رعينا مع روسيا قرارا حول الشرق الاوسط في الامم المتحدة قبل يومين، في شأن القرصنة. سمّها ما شئت، وعلى الجبهة العالمية، كان لدينا تعاون جيد جدا. لكن المشاكل تبدأ حينما تقترب من المناطق المحاذية لروسيا، او الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق، لان روسيا ترى انه يجب ان يكون لها دور خاص في (اطرافها). وهذا الدور الخاص يتمثل في التحكم في سياسات هذه الدول التي تعتبر مستقلة الان. اما موقفنا فان هذه الدول تمتلك الحق في سياسة مستقلة، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
لم نعتقد ابدا انه بسبب ان الولايات المتحدة تحافظ على علاقات جيدة مع جورجيا او اوكرانيا او اسيا الوسطى فان ذلك، بطريقة ما، يهدد المصالح الروسية، وذلك هو المكان الذي حدثت فيه مشكلة.
Wednesday, December 31, 2008
على الرغم من تحسن الوضع الأمني.. تبقى الموصل ساحة للمعركة
عن: كريستيان ساينس مونيتر
ترجمة:علاء غزالة
تقلصت الهجمات بشكل ملحمي في عموم العراق، لتنخفض بنسبة 80% منذ آذار الماضي، حينما اشتبكت القوات الاميركية والعراقية مع المتمردين ورجال المليشيات في قتال مرير، واليوم تبدو الظروف، في الكثير من انحاء البلاد، مهيأة لبدء انسحاب القوات الاميركية من العراق، وللقوات العراقية ان تتولى الزمام. لكن العنف في المدينة الشمالية، الموصل، مازال مستشرياً، وتواصل القوات الاميركية قتال فلول تنظيم القاعدة في العراق، والذي يَعتبر هذه المدينة مجالا حيويا لنشاطاته، واعلن فيها ولاية اسلامية.
كما اضاف موقع المدينة قرب الحدود السورية اهمية خاصة لها، حيث يَعبر المقاتلون الاجانب من هذه الحدود الى العراق. والمكاسب الامنية هنا هشة، ولا يستطيع القادة العراقيون ولا قادة الجيش الاميركي احتمال رؤية عودة المدينة الى ايدي المتمردين.
ولهذا فحينما يحين موعد انسحاب القوات الاميركية الى قواعدها في حزيران القادم حسب الاتفاقية مع الحكومة العراقية، فان هناك احتمالا كبيرا في أنها ستبقى على وضعها في الموصل، حسبما افاد مسؤولون اميركيون وعراقيون.
يقول زهير الاعرجي، قائمقام الموصل: لا يمكننا العمل بدون الاميركيين في هذه الظروف. فحكومتنا لا تزال ضعيفة جدا لكي تساند القوات الامنية العراقية بالكامل، وكان الجنرال راي ادويرنو، قائد القوات الاميركية في العراق قد صرح السبت الماضي بانه على الرغم من الاتفاقية الامنية المشتركة التي تدعو الى سحب القوات الاميركية من المدن، الا ان بعض الالوية سوف تبقى قرب المدن، مضيفاً: من المهم ان نحافظ على وجود كافٍ هنا حتى نساعدهم في ان يقفوا على اقدامهم خلال هذه السنة الانتقالية.
واقرّ الجنرال اوديرنو بان الموصل هي احدى الاماكن التي يمكن ان يبقى فيها الجيش الأميركي، قائلاً: ما تزال هناك بعض القضايا في الموصل والتي نحتاج الى التعامل معها.
وكان البرلمان العراقي قد صادق على الاتفاقية الأمنية (التي تسمى اتفاقية انسحاب القوات –صوفا) في شهر تشرين الثاني بعد اشهر عديدة من المداولات، وهي تتيح للقوات الاميركية ان تبقى تمارس نشاطاتها في المدن العراقية، طالما طلبت منها الحكومة العراقية ذلك.
يقول احد المسؤولين الأميركيين، طلب عدم الافصاح عن هويته: لم يحصل في التاريخ ان نعقد اتفاقية امنية تحدد لنا جدولا زمنيا لكي نجلي قواتنا، ويقول مسؤولون عسكريون أميركيين ان من المرجح ان تبقى القوات الاميركية في مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى المبتلية بالعنف، ومن المحتمل ان تبقى في اجزاء من تكريت.
يقول العقيد ديلدار دوسكي، وهو احد ضباط الجيش العراقي: الموصل هي عراق مصغر، لدينا كل اللهجات المختلفة، والاديان المتنوعة.. ولهذا السبب فان من الصعب السيطرة على الموصل.
ويستطرد العقيد دوسكي، وهو امر اللواء الثاني في الفرقة الثانية للجيش العراقي: أريد ان يبقى الأميركيون، فجيشنا ما يزال ناشئا، ونحن بحاجة على اعوام قليلة اخرى.
وعلى الرغم من الخطر الدائم الكامن في عدم التفاهم بين الجنود الاميركيين والشعب العراقي، الذي لاتزال ثقافته غريبة عليهم، الا ان الوجود الاميركي هنا كان بمثابة الغراء الذي يَقي طوائف الموصل من التباعد عن بعضها البعض.
ويقول الجنود الاميركيون في الميدان، كما يقول قادتهم ايضا، ان القوات العراقية، التي تضاعف عددها خلال السنة الماضية، قد حققت خطوات هائلة منذ ان قدِموا الى العراق.
يؤكد ذلك ضابط الصف كريستوفر شيرمان المنتسب الى الكتيبة الثالثة من فرقة الخيالة المدرعة الثالثة بالقول: في الأشهر القلائل الأولى منذ ان قدمنا هنا كان هناك قتل كل يوم. وكان من الصعب ان تحملهم (القوات العراقية) على الخروج (للقتال).
ويضيف، وهو يتطلع الى طريق تم اعادة انشائه، وكان خطرا جدا بالنسبة للاميركيين والعراقيين على حد سواء حينما وصلت وحدته العسكرية الى هنا قبل اكثر من سنة: «اما الان فهم يتخذون الموقف على عاتقهم، وحينما نأتي هنا عادة، نرى انهم يبقون مرتدين الزي النظامي في معظم الوقت، ويؤدون عملهم، ويفتشون المركبات، هؤلاء الرجال يفتخرون بما يفعلون.
وفي أوائل هذا العام، قامت الوحدات الاضافية الاميركية والعراقية بتحقيق الاستقرار في بغداد ودفعت بالمتمردين نحو الشمال.
يقول الميجر ادم بويد، ضابط استخبارات الفرقة: في اشد الأوقات كان هناك اكثر من 50 هجوما في اليوم الواحد. اما الان فالهجمات اقل من عشرة في اليوم، وفي معظم الايام لا تزيد عن خمسة.
ويأمل المسؤولون ان تساعد الانتخابات المقررة في كانون الثاني على تحقيق الاستقرار للمدينة، التي غذا التمرد فيها عوامل منها البطالة والتأثيرات المزمنة لحلّ الجيش السابق وعملية اجتثاث البعث. ويُقدر انه كان هناك 1500 ضابط عراقي برتبة عميد فما فوق في الموصل وحدها حينما حلّت الولايات المتحدة الجيش بعد ان اسقطت نظام صدام.
ويقول الميجر بويد: الكل في هذه المدينة يريد الانتخابات، حتى المتمردين. فهم لا يريدون ان يفعلوا اي شي قد يفقدهم الدعم الذي يمكن ان يحصلوا عليه من الشعب. يمكنك ان ترهب الشعب الى حد معين، ولكن اذا تجاوزت حدودك فلن تكون لديك ارضية كافية من الاسناد التي تساعدك على القيام بالعمليات (الإرهابية).
وبينما يُرجح ان يبقى الامريكيون هنا لبعض الوقت، فان بانتظارهم الكثير من النكسات، حيث سوف تتخذ القوات الامنية العراقية المزيد من المسؤوليات، وقبل فترة وجيزة، عَلِق الجنود الاميركيون في قتال بالبنادق وسط موكب عرس.
فقد عبر موكب العرس نقطة تفتيش عراقية، مع اطفال يلوحون بايديهم، وسائقين يزمرون ابواق سياراتهم كاشارة على الاحتفال. كما خطت كلمة (حب) بالورود الحمر البلاستيكية على مقدمة احدى السيارات.
وبعد اقل من دقيقة بدأ اطلاق النار، وكان من الصعب تحديد مصدر النار من المدرعة العسكرية القريبة. فاستجاب الجنود الاميركيون بوابل من بنادقهم الالية على مصدر النار، الذي بدا انه آتيا من بناية مهجورة.
وحينما توقف اطلاق النار، قفز الملازم جون بارلي الى خارج المدرعة لاستطلاع ما حدث للتو. لم يصب احد في هذا الحادث.
وهتف الملازم غاضبا، موجها الكلام الى عناصر الجيش العراقي المسؤولين عن نقطة التفتيش: احد عناصر الشرطة اطلق النار علينا.
فما كان من الملازم سعيد محمد الا ان يأخذ البندقية من احد رجال الشرطة الذي كان يطلق النار في الهواء احتفالا بالعرس. وقال المسؤولون لاحقا ان احد المتمردين اطلق النار في نفس الوقت من بناية قريبة.
يقول السرجنت رايان مادريس، ضابط الصف في الجيش الاميركي الذي قاد المدرعة مبتعدا عن نقطة التفتيش: اننا جميعا نحاول ان نفعل الصواب، لكن من الصعب تحديد مَن يفعل ذلك.
ترجمة:علاء غزالة
تقلصت الهجمات بشكل ملحمي في عموم العراق، لتنخفض بنسبة 80% منذ آذار الماضي، حينما اشتبكت القوات الاميركية والعراقية مع المتمردين ورجال المليشيات في قتال مرير، واليوم تبدو الظروف، في الكثير من انحاء البلاد، مهيأة لبدء انسحاب القوات الاميركية من العراق، وللقوات العراقية ان تتولى الزمام. لكن العنف في المدينة الشمالية، الموصل، مازال مستشرياً، وتواصل القوات الاميركية قتال فلول تنظيم القاعدة في العراق، والذي يَعتبر هذه المدينة مجالا حيويا لنشاطاته، واعلن فيها ولاية اسلامية.
كما اضاف موقع المدينة قرب الحدود السورية اهمية خاصة لها، حيث يَعبر المقاتلون الاجانب من هذه الحدود الى العراق. والمكاسب الامنية هنا هشة، ولا يستطيع القادة العراقيون ولا قادة الجيش الاميركي احتمال رؤية عودة المدينة الى ايدي المتمردين.
ولهذا فحينما يحين موعد انسحاب القوات الاميركية الى قواعدها في حزيران القادم حسب الاتفاقية مع الحكومة العراقية، فان هناك احتمالا كبيرا في أنها ستبقى على وضعها في الموصل، حسبما افاد مسؤولون اميركيون وعراقيون.
يقول زهير الاعرجي، قائمقام الموصل: لا يمكننا العمل بدون الاميركيين في هذه الظروف. فحكومتنا لا تزال ضعيفة جدا لكي تساند القوات الامنية العراقية بالكامل، وكان الجنرال راي ادويرنو، قائد القوات الاميركية في العراق قد صرح السبت الماضي بانه على الرغم من الاتفاقية الامنية المشتركة التي تدعو الى سحب القوات الاميركية من المدن، الا ان بعض الالوية سوف تبقى قرب المدن، مضيفاً: من المهم ان نحافظ على وجود كافٍ هنا حتى نساعدهم في ان يقفوا على اقدامهم خلال هذه السنة الانتقالية.
واقرّ الجنرال اوديرنو بان الموصل هي احدى الاماكن التي يمكن ان يبقى فيها الجيش الأميركي، قائلاً: ما تزال هناك بعض القضايا في الموصل والتي نحتاج الى التعامل معها.
وكان البرلمان العراقي قد صادق على الاتفاقية الأمنية (التي تسمى اتفاقية انسحاب القوات –صوفا) في شهر تشرين الثاني بعد اشهر عديدة من المداولات، وهي تتيح للقوات الاميركية ان تبقى تمارس نشاطاتها في المدن العراقية، طالما طلبت منها الحكومة العراقية ذلك.
يقول احد المسؤولين الأميركيين، طلب عدم الافصاح عن هويته: لم يحصل في التاريخ ان نعقد اتفاقية امنية تحدد لنا جدولا زمنيا لكي نجلي قواتنا، ويقول مسؤولون عسكريون أميركيين ان من المرجح ان تبقى القوات الاميركية في مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى المبتلية بالعنف، ومن المحتمل ان تبقى في اجزاء من تكريت.
يقول العقيد ديلدار دوسكي، وهو احد ضباط الجيش العراقي: الموصل هي عراق مصغر، لدينا كل اللهجات المختلفة، والاديان المتنوعة.. ولهذا السبب فان من الصعب السيطرة على الموصل.
ويستطرد العقيد دوسكي، وهو امر اللواء الثاني في الفرقة الثانية للجيش العراقي: أريد ان يبقى الأميركيون، فجيشنا ما يزال ناشئا، ونحن بحاجة على اعوام قليلة اخرى.
وعلى الرغم من الخطر الدائم الكامن في عدم التفاهم بين الجنود الاميركيين والشعب العراقي، الذي لاتزال ثقافته غريبة عليهم، الا ان الوجود الاميركي هنا كان بمثابة الغراء الذي يَقي طوائف الموصل من التباعد عن بعضها البعض.
ويقول الجنود الاميركيون في الميدان، كما يقول قادتهم ايضا، ان القوات العراقية، التي تضاعف عددها خلال السنة الماضية، قد حققت خطوات هائلة منذ ان قدِموا الى العراق.
يؤكد ذلك ضابط الصف كريستوفر شيرمان المنتسب الى الكتيبة الثالثة من فرقة الخيالة المدرعة الثالثة بالقول: في الأشهر القلائل الأولى منذ ان قدمنا هنا كان هناك قتل كل يوم. وكان من الصعب ان تحملهم (القوات العراقية) على الخروج (للقتال).
ويضيف، وهو يتطلع الى طريق تم اعادة انشائه، وكان خطرا جدا بالنسبة للاميركيين والعراقيين على حد سواء حينما وصلت وحدته العسكرية الى هنا قبل اكثر من سنة: «اما الان فهم يتخذون الموقف على عاتقهم، وحينما نأتي هنا عادة، نرى انهم يبقون مرتدين الزي النظامي في معظم الوقت، ويؤدون عملهم، ويفتشون المركبات، هؤلاء الرجال يفتخرون بما يفعلون.
وفي أوائل هذا العام، قامت الوحدات الاضافية الاميركية والعراقية بتحقيق الاستقرار في بغداد ودفعت بالمتمردين نحو الشمال.
يقول الميجر ادم بويد، ضابط استخبارات الفرقة: في اشد الأوقات كان هناك اكثر من 50 هجوما في اليوم الواحد. اما الان فالهجمات اقل من عشرة في اليوم، وفي معظم الايام لا تزيد عن خمسة.
ويأمل المسؤولون ان تساعد الانتخابات المقررة في كانون الثاني على تحقيق الاستقرار للمدينة، التي غذا التمرد فيها عوامل منها البطالة والتأثيرات المزمنة لحلّ الجيش السابق وعملية اجتثاث البعث. ويُقدر انه كان هناك 1500 ضابط عراقي برتبة عميد فما فوق في الموصل وحدها حينما حلّت الولايات المتحدة الجيش بعد ان اسقطت نظام صدام.
ويقول الميجر بويد: الكل في هذه المدينة يريد الانتخابات، حتى المتمردين. فهم لا يريدون ان يفعلوا اي شي قد يفقدهم الدعم الذي يمكن ان يحصلوا عليه من الشعب. يمكنك ان ترهب الشعب الى حد معين، ولكن اذا تجاوزت حدودك فلن تكون لديك ارضية كافية من الاسناد التي تساعدك على القيام بالعمليات (الإرهابية).
وبينما يُرجح ان يبقى الامريكيون هنا لبعض الوقت، فان بانتظارهم الكثير من النكسات، حيث سوف تتخذ القوات الامنية العراقية المزيد من المسؤوليات، وقبل فترة وجيزة، عَلِق الجنود الاميركيون في قتال بالبنادق وسط موكب عرس.
فقد عبر موكب العرس نقطة تفتيش عراقية، مع اطفال يلوحون بايديهم، وسائقين يزمرون ابواق سياراتهم كاشارة على الاحتفال. كما خطت كلمة (حب) بالورود الحمر البلاستيكية على مقدمة احدى السيارات.
وبعد اقل من دقيقة بدأ اطلاق النار، وكان من الصعب تحديد مصدر النار من المدرعة العسكرية القريبة. فاستجاب الجنود الاميركيون بوابل من بنادقهم الالية على مصدر النار، الذي بدا انه آتيا من بناية مهجورة.
وحينما توقف اطلاق النار، قفز الملازم جون بارلي الى خارج المدرعة لاستطلاع ما حدث للتو. لم يصب احد في هذا الحادث.
وهتف الملازم غاضبا، موجها الكلام الى عناصر الجيش العراقي المسؤولين عن نقطة التفتيش: احد عناصر الشرطة اطلق النار علينا.
فما كان من الملازم سعيد محمد الا ان يأخذ البندقية من احد رجال الشرطة الذي كان يطلق النار في الهواء احتفالا بالعرس. وقال المسؤولون لاحقا ان احد المتمردين اطلق النار في نفس الوقت من بناية قريبة.
يقول السرجنت رايان مادريس، ضابط الصف في الجيش الاميركي الذي قاد المدرعة مبتعدا عن نقطة التفتيش: اننا جميعا نحاول ان نفعل الصواب، لكن من الصعب تحديد مَن يفعل ذلك.
Tuesday, December 23, 2008
الفلاحون العراقيون يعودون إلى مزاولة الزراعة
عن: جريدة مكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
يعطي مزيج (منصور عبد الكاظم) من المحاصيل الشتوية الانطباع بان المحصول سيكون وفيرا، برغم التهديد المزدوج من الجفاف والعنف اللذين ابتليت بهما الزراعة منذ سقوط نظام صدام في عام 2003. زرعت خطوط من البطاطا الحمراء والبقول الخضر معاً على نفس الخط، وتشرئب الحنطة في حقل مجاور، بينما تحمل الطماطة التي زرعت في الربيع ثمارها وسط اكوام من الاسمدة. يبدو كاظم متفائلا وهو يتطلع الى الحقول، وذلك –في اقل تقدير– لان الايام التي كانت الحكومة تلزم المزارعين فيها بانتاج الحنطة قد ولت. وهو يعتقد ان هذا سوف يعطيه فرصاً اكبر لربح اموال اضافية عن طريق بيع منتجات ذات قيمة اكثر.
يقول عبد الكاظم، البالغ من العمر 37 عاما، والذي دأبت عائلته على زراعة هذه الارض الواقعة جنوبي بغداد منذ عقود: «لست مقيدا باية شروط حكومية. انا حر في استثمار الارض بالطريقة التي اراها.»
وقد افاد كاظم من انخفاض العنف لكي يعمل على تأهيل القنوات البالية وتحسين انتاج مزرعته، كعضو في جميعة فلاحية تضم 700 عضو. وهو يمثل نزعة يأمل الكثيرون ان تزداد في انحاء البلاد، من اجل توفير فرص العمل واعادة الوضع التاريخي للعراق كونه سلة الخبز لعموم منطقة الشرق الاوسط.
وكما يتبين من مزرعة عبد الكاظم في محافظة بابل، التي كانت منذ وقت قريب جزءا مما يعرف بـ(مثلث الموت)، فانها يمكن ان توفر نوعا من (صحن السَلَطة) للعراق اذا استمر السلام واستطاع المزارعون ان يستثمروا اراضيهم.
يقول باتريك برويلز، المستشار في وزراة الزراعة الاميركية، والذي يعمل في المنطقة المحيطة بمزرعة عبد الكاظم: «يمكنهم ان يحولوا محافظة بابل الى مركز زراعي مثل وادي فريسنو (في ولاية كاليفورنيا)».
لكن مجموعة من الخبراء الاميركيين الذين عملوا في البلاد منذ عام 2003 يقولون ان هذه الرؤية لن تحقق قبل عقد آخر من الزمن في احسن الاحوال. وهم يعملون على دعم القطاع الزراعي في العراق لان دوره حيوي في خلق فرص العمل، حيث يوفر هذا القطاع ما مقداره ربع عدد الوظائف في العراق.
وتتمتع البلاد بخيرات عدة، منها ظروف الزراعة الملائمة على مدى عشرة اشهر، والارض الخصبة، ونهران وفرا احتياجات الري في العراق على مدى الالاف من الاعوام: دجلة والفرات.
يقول جوزيف كينغ، مدير مشروع ابحاث الزراعة في العراق، والذي تولاه معهد بورلانغ للزراعة العالمية، التابع لجامعة تكساس: « النظام الاساسي للزراعة موجود هناك ، غير انه في حالة من التخبط.»
ان اكبر العراقيل الرئيسة التي يمكن ان تبقي العراق مستوردا لغذائه في المستقبل المنظورهي:
- النقص في الطاقة الكهربائية والوقود، وهو ما يمنع المزارعين من ضخ الماء من الابار.
- عدم كفاءة نظام توصيل الماء من دجلة والفرات الى المزارع. فمزرعة عبد الكاظم تمر بها قناة كبيرة حفرت من قبل البريطانيين في الثلاثينيات، إضافة الى قناة ثانية بوضعية مزرية حفرت قبل 30 عاما من قبل شركة تركية. ويقول عبد الكاظم ان كلا منهما بحاجة الى صيانة مستمرة.
- نضوب موارد البذور والماشية، والتي ابتليت اولا بالحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات ومن ثم بالعقوبات التي فرضتها الامم المتحدة عقب غزو العراق للكويت عام 1990، ودامت على مدى العقد التالي. يقول برويلز: «في الاساس، فان كل محصول ينتج في العراق كان هناك نوع آخر افضل منه يمكن استنباته».
- عدم كفاءة نظام البزل في الكثير من الحقول الزراعية والذي ادى الى ازدياد الملوحة في الارض الزراعية مع الزمن محيلا اياها الى ارض بور.
- النقص في عدد عناصر حماية الحدود المطلوبين لمنع المنتجات السورية او الايرانية او التركية من غزو الاسواق العراقية وتعريض المحاصيل العراقية الى الخطر.
ان هذه التحديات هي من الشدة بمكان بحيث ان المسؤولين الاميركيين والعراقيين يعملون على التعامل مع كل منها على حدة بدلا من توليها كلها مرة واحدة.
يقول ادوين بريس، مدير معهد بورلانغ: «لن نستطيع ان نغير ذلك في ستة اشهر. لن نستيطع ان نغير ذلك في ثلاث سنوات.»
درس الفريق من معهد بريس وضع الزراعة في المحافظات العراقية على مدى العام الماضي، واعطوا توصيات مفصلة لكل منها.تركز هذه التوصيات على ارشاد الفلاحين بدلا من الدعوة الى تغييرات فورية في الطريقة التي يدير فيها العراقيون قطاعهم الزراعي. احد المشاريع التي اطلقتها هو ما يسمى بنوادي الشباب في جنوب محافظة بابل، حيث يعمل الطلاب مع بعضهم بعضا في تربية الدواجن.
ولدى وزارة الخارجية ستراتيجية مماثلة. فهي تستثمر في برنامج الارشاد الزراعي العراقي لنشر المعرفة حول آخر التقنيات الزراعية.يقول احد المسؤولين في السفارة الاميركية، طلب عدم ذكر اسمه: «الدليل بالنسبة لي يكون حينما يكون الجميع سعداء في ايراداتهم من الزراعة. فالهدف، آخر الامر، يكمن في توفير المردود الكافي للناس حتى لا يطلقوا النار على بعضهم بعضاً، او علينا.»
يلاحظ بريس ان هناك طلباً اقليمياً على منتجات عراقية بعينها، مثل التمور والباذنجان والخيار والباميا. وقد شجع المزارعين على التركيز على هذه المحاصيل، والتي يمكن لها ان تحقق ايرادات اكبر لهم، وتستهلك قدرا اقل من الماء، من محاصيل الحبوب. كما تعتبر تربية الاغنام العراقية ضعيفة ايضا.
وللعراقيين تقدير خاص للمحاصيل المنتجة محليا. فالكثير من العراقيين يعتقدون ان منتجاتهم، ببساطة، لها طعم افضل من تلك التي تستورد من سوريا وايران.
يقول فؤاد حسين، وهو رجل يعمل مع برويلز في عقد مع مكتب وزارة الخارجية الاميركية في محافظة بابل: «ان نوعية المنتجات الزراعية (العراقية) هي الافضل في منطقة الشرق الاوسط باسرها.»
لكن من الصعب العثور على المنتجات العراقية في اسواق الخضراوات والفواكه التي تملأ شوراع بغداد. فالعديد من اصناف الرمان والنارنج والقرنبيط والطماطة والخيار والباذنجان المتوفرة في الاسواق تأتي من سوريا، حسبما يقول الباعة.
يقول قصي عباس احمد، البالغ 30 عاما من العمر وهو بائع جملة في مدينة ابو غريب غرب بغداد: «ان اول سؤال يطرحه باعة المفرد، في كل مرة يأتون للتسوق من عندنا، هو: هل لديكم اية منتجات محلية؟ وبعد ان نجيب بالنفي، يبدأون في تفحص المنتجات الاخرى. انهم يفضلونها لان المنتجات العراقية ذات طعم افضل، وهي طرية اكثر، ولكي اخبرك بالحقيقة، فان أي شخص يتمتع بأكل المحاصيل التي تنتجها بلاده.»
يقول باعة الجملة انهم غير قادرين على الحصول على المحاصيل من المزارعين العراقيين، والذين يقولون انهم تأثروا بشكل كبير بنقص الطاقة الكهربائية. وهم يقولون انه كان من الايسر الحصول على المحاصيل العراقية اثناء فترة العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة، لانه لم يسمح الا لعدد قليل من البضائع ان تعبر الحدود.
بائع جملة آخر في ابو غريب، واسمه جاسم ويكنى (ابو اثير) ويبلغ 42 عاما من العمر، ولديه بستان للفواكه في محافظة ديالى شرق بغداد، يقول ان على وزارة الزراعة العراقية اعادة العمل بنظام الدعم للوقود والاسمدة لمساعدة الفلاحين، والوصول الى مستوى ما قبل الحرب. لكن هذه المساعدات يجب ان تكون بدرجة اقل.
ويضيف قائلا: «الان لا يوجد أي دعم، لا بذور ولا اسمدة. ان اراد الفلاح ان يشتري ما يحتاجه من السوق فان اسعار منتجاته ستكون اغلى من مثيلاتها المستوردة.»
على ان العنف الطائفي الدموي لم يكن مُعينا هو الاخر. فلم يكن ممكنا الوصول الى محال البيع بالجملة في ابو غريب طوال عامي 2006 و2007 بسبب غلق الطرقات، كما يقول الباعة.
وعانت محافظة عبد الكاظم كثيرا خلال هذه الفترة ايضا. فالمتمردون هددوا بقتل والديه ان لم يغادر ارضه.
واتخذت خلايا من تنظيم القاعدة في العراق مواقع لها على طول قناة الري الرئيسة مهددة كل من يحاول اصلاح التسربات فيها. وقام كاظم واخرون بالعمل مع العشائر والجيش الاميركي للتخلص من هذه الخلايا.
ان ازدهار القطاع الزراعي قد يكون هو العامل الاساس في منع هذه الخلايا من العودة، كما يؤكد صباح، وهو رئيس اللجنة الزراعية في مجلس القضاء التابع الى محافظة بابل. وقد حضر الاحتفال الذي اقيم هذا الاسبوع لمناسبة افتتاح (علوة الفرات الاوسط) وهو مشروع بقيمة 3,2 مليون دولار، تم تمويله من قبل الولايات المتحدة ويتوقع ان يسهل على مزارعي بابل ان يسوقوا منتجاتهم.
يقول صباح: «نأمل ان ننفذ هذا (المشروع) ونحمل الناس على العمل هنا من اجل استقرار الوضع الامني.»
ترجمة: علاء غزالة
يعطي مزيج (منصور عبد الكاظم) من المحاصيل الشتوية الانطباع بان المحصول سيكون وفيرا، برغم التهديد المزدوج من الجفاف والعنف اللذين ابتليت بهما الزراعة منذ سقوط نظام صدام في عام 2003. زرعت خطوط من البطاطا الحمراء والبقول الخضر معاً على نفس الخط، وتشرئب الحنطة في حقل مجاور، بينما تحمل الطماطة التي زرعت في الربيع ثمارها وسط اكوام من الاسمدة. يبدو كاظم متفائلا وهو يتطلع الى الحقول، وذلك –في اقل تقدير– لان الايام التي كانت الحكومة تلزم المزارعين فيها بانتاج الحنطة قد ولت. وهو يعتقد ان هذا سوف يعطيه فرصاً اكبر لربح اموال اضافية عن طريق بيع منتجات ذات قيمة اكثر.
يقول عبد الكاظم، البالغ من العمر 37 عاما، والذي دأبت عائلته على زراعة هذه الارض الواقعة جنوبي بغداد منذ عقود: «لست مقيدا باية شروط حكومية. انا حر في استثمار الارض بالطريقة التي اراها.»
وقد افاد كاظم من انخفاض العنف لكي يعمل على تأهيل القنوات البالية وتحسين انتاج مزرعته، كعضو في جميعة فلاحية تضم 700 عضو. وهو يمثل نزعة يأمل الكثيرون ان تزداد في انحاء البلاد، من اجل توفير فرص العمل واعادة الوضع التاريخي للعراق كونه سلة الخبز لعموم منطقة الشرق الاوسط.
وكما يتبين من مزرعة عبد الكاظم في محافظة بابل، التي كانت منذ وقت قريب جزءا مما يعرف بـ(مثلث الموت)، فانها يمكن ان توفر نوعا من (صحن السَلَطة) للعراق اذا استمر السلام واستطاع المزارعون ان يستثمروا اراضيهم.
يقول باتريك برويلز، المستشار في وزراة الزراعة الاميركية، والذي يعمل في المنطقة المحيطة بمزرعة عبد الكاظم: «يمكنهم ان يحولوا محافظة بابل الى مركز زراعي مثل وادي فريسنو (في ولاية كاليفورنيا)».
لكن مجموعة من الخبراء الاميركيين الذين عملوا في البلاد منذ عام 2003 يقولون ان هذه الرؤية لن تحقق قبل عقد آخر من الزمن في احسن الاحوال. وهم يعملون على دعم القطاع الزراعي في العراق لان دوره حيوي في خلق فرص العمل، حيث يوفر هذا القطاع ما مقداره ربع عدد الوظائف في العراق.
وتتمتع البلاد بخيرات عدة، منها ظروف الزراعة الملائمة على مدى عشرة اشهر، والارض الخصبة، ونهران وفرا احتياجات الري في العراق على مدى الالاف من الاعوام: دجلة والفرات.
يقول جوزيف كينغ، مدير مشروع ابحاث الزراعة في العراق، والذي تولاه معهد بورلانغ للزراعة العالمية، التابع لجامعة تكساس: « النظام الاساسي للزراعة موجود هناك ، غير انه في حالة من التخبط.»
ان اكبر العراقيل الرئيسة التي يمكن ان تبقي العراق مستوردا لغذائه في المستقبل المنظورهي:
- النقص في الطاقة الكهربائية والوقود، وهو ما يمنع المزارعين من ضخ الماء من الابار.
- عدم كفاءة نظام توصيل الماء من دجلة والفرات الى المزارع. فمزرعة عبد الكاظم تمر بها قناة كبيرة حفرت من قبل البريطانيين في الثلاثينيات، إضافة الى قناة ثانية بوضعية مزرية حفرت قبل 30 عاما من قبل شركة تركية. ويقول عبد الكاظم ان كلا منهما بحاجة الى صيانة مستمرة.
- نضوب موارد البذور والماشية، والتي ابتليت اولا بالحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات ومن ثم بالعقوبات التي فرضتها الامم المتحدة عقب غزو العراق للكويت عام 1990، ودامت على مدى العقد التالي. يقول برويلز: «في الاساس، فان كل محصول ينتج في العراق كان هناك نوع آخر افضل منه يمكن استنباته».
- عدم كفاءة نظام البزل في الكثير من الحقول الزراعية والذي ادى الى ازدياد الملوحة في الارض الزراعية مع الزمن محيلا اياها الى ارض بور.
- النقص في عدد عناصر حماية الحدود المطلوبين لمنع المنتجات السورية او الايرانية او التركية من غزو الاسواق العراقية وتعريض المحاصيل العراقية الى الخطر.
ان هذه التحديات هي من الشدة بمكان بحيث ان المسؤولين الاميركيين والعراقيين يعملون على التعامل مع كل منها على حدة بدلا من توليها كلها مرة واحدة.
يقول ادوين بريس، مدير معهد بورلانغ: «لن نستطيع ان نغير ذلك في ستة اشهر. لن نستيطع ان نغير ذلك في ثلاث سنوات.»
درس الفريق من معهد بريس وضع الزراعة في المحافظات العراقية على مدى العام الماضي، واعطوا توصيات مفصلة لكل منها.تركز هذه التوصيات على ارشاد الفلاحين بدلا من الدعوة الى تغييرات فورية في الطريقة التي يدير فيها العراقيون قطاعهم الزراعي. احد المشاريع التي اطلقتها هو ما يسمى بنوادي الشباب في جنوب محافظة بابل، حيث يعمل الطلاب مع بعضهم بعضا في تربية الدواجن.
ولدى وزارة الخارجية ستراتيجية مماثلة. فهي تستثمر في برنامج الارشاد الزراعي العراقي لنشر المعرفة حول آخر التقنيات الزراعية.يقول احد المسؤولين في السفارة الاميركية، طلب عدم ذكر اسمه: «الدليل بالنسبة لي يكون حينما يكون الجميع سعداء في ايراداتهم من الزراعة. فالهدف، آخر الامر، يكمن في توفير المردود الكافي للناس حتى لا يطلقوا النار على بعضهم بعضاً، او علينا.»
يلاحظ بريس ان هناك طلباً اقليمياً على منتجات عراقية بعينها، مثل التمور والباذنجان والخيار والباميا. وقد شجع المزارعين على التركيز على هذه المحاصيل، والتي يمكن لها ان تحقق ايرادات اكبر لهم، وتستهلك قدرا اقل من الماء، من محاصيل الحبوب. كما تعتبر تربية الاغنام العراقية ضعيفة ايضا.
وللعراقيين تقدير خاص للمحاصيل المنتجة محليا. فالكثير من العراقيين يعتقدون ان منتجاتهم، ببساطة، لها طعم افضل من تلك التي تستورد من سوريا وايران.
يقول فؤاد حسين، وهو رجل يعمل مع برويلز في عقد مع مكتب وزارة الخارجية الاميركية في محافظة بابل: «ان نوعية المنتجات الزراعية (العراقية) هي الافضل في منطقة الشرق الاوسط باسرها.»
لكن من الصعب العثور على المنتجات العراقية في اسواق الخضراوات والفواكه التي تملأ شوراع بغداد. فالعديد من اصناف الرمان والنارنج والقرنبيط والطماطة والخيار والباذنجان المتوفرة في الاسواق تأتي من سوريا، حسبما يقول الباعة.
يقول قصي عباس احمد، البالغ 30 عاما من العمر وهو بائع جملة في مدينة ابو غريب غرب بغداد: «ان اول سؤال يطرحه باعة المفرد، في كل مرة يأتون للتسوق من عندنا، هو: هل لديكم اية منتجات محلية؟ وبعد ان نجيب بالنفي، يبدأون في تفحص المنتجات الاخرى. انهم يفضلونها لان المنتجات العراقية ذات طعم افضل، وهي طرية اكثر، ولكي اخبرك بالحقيقة، فان أي شخص يتمتع بأكل المحاصيل التي تنتجها بلاده.»
يقول باعة الجملة انهم غير قادرين على الحصول على المحاصيل من المزارعين العراقيين، والذين يقولون انهم تأثروا بشكل كبير بنقص الطاقة الكهربائية. وهم يقولون انه كان من الايسر الحصول على المحاصيل العراقية اثناء فترة العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة، لانه لم يسمح الا لعدد قليل من البضائع ان تعبر الحدود.
بائع جملة آخر في ابو غريب، واسمه جاسم ويكنى (ابو اثير) ويبلغ 42 عاما من العمر، ولديه بستان للفواكه في محافظة ديالى شرق بغداد، يقول ان على وزارة الزراعة العراقية اعادة العمل بنظام الدعم للوقود والاسمدة لمساعدة الفلاحين، والوصول الى مستوى ما قبل الحرب. لكن هذه المساعدات يجب ان تكون بدرجة اقل.
ويضيف قائلا: «الان لا يوجد أي دعم، لا بذور ولا اسمدة. ان اراد الفلاح ان يشتري ما يحتاجه من السوق فان اسعار منتجاته ستكون اغلى من مثيلاتها المستوردة.»
على ان العنف الطائفي الدموي لم يكن مُعينا هو الاخر. فلم يكن ممكنا الوصول الى محال البيع بالجملة في ابو غريب طوال عامي 2006 و2007 بسبب غلق الطرقات، كما يقول الباعة.
وعانت محافظة عبد الكاظم كثيرا خلال هذه الفترة ايضا. فالمتمردون هددوا بقتل والديه ان لم يغادر ارضه.
واتخذت خلايا من تنظيم القاعدة في العراق مواقع لها على طول قناة الري الرئيسة مهددة كل من يحاول اصلاح التسربات فيها. وقام كاظم واخرون بالعمل مع العشائر والجيش الاميركي للتخلص من هذه الخلايا.
ان ازدهار القطاع الزراعي قد يكون هو العامل الاساس في منع هذه الخلايا من العودة، كما يؤكد صباح، وهو رئيس اللجنة الزراعية في مجلس القضاء التابع الى محافظة بابل. وقد حضر الاحتفال الذي اقيم هذا الاسبوع لمناسبة افتتاح (علوة الفرات الاوسط) وهو مشروع بقيمة 3,2 مليون دولار، تم تمويله من قبل الولايات المتحدة ويتوقع ان يسهل على مزارعي بابل ان يسوقوا منتجاتهم.
يقول صباح: «نأمل ان ننفذ هذا (المشروع) ونحمل الناس على العمل هنا من اجل استقرار الوضع الامني.»
Saturday, December 20, 2008
سجن كبير يعجّ بالكثير من الأبرياء
عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
كامب بوكا – العراق، برغم ان المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة قد تحسنت كثيرا منذ فضيحة ابو غريب، لم يتم وضع نظام لتحديد المذنبين حيث يسعى المسؤولون الامريكيون الى تحويل السجون، التي وصفت ذات مرة بانها معسكرات تدريب تخرّج متمردين محتملين، الى شيء يشابه المدارس المهنية الاميركية. ويتم تقديم دروس دينية ومهنية للمعتقلين، كما يسمح لهم بزيارات للاقارب عبر دائرة الاتصالات المغلقة.
لكن الاتفاقية الامنية التي تمت المصادقة عليها حديثا تتطلب ان يقوم الجيش الاميركي باطلاق سراح المعتقلين العراقيين البالغ عددهم 16,000 سجين، حيث يقبع الاغلبية العظمى منهم في المعتقل الجنوبي الصحراوي، او احالتهم الى القضاء العراقي.
ومع اقتراب تحويل المعتقل الذي تديره الولايات المتحدة الى الادارة العراقية، تـُبذل جهود مشتركة حثيثة من اجل فرز المعتقلين الذين لا يُخشى اطلاق سراحهم عن المتمردين المحتملين.
وقد صرح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بان «معظم الاشخاص الذين اعتقلوهم هم ابرياء».
سعى ضباط الجيش الاميركي،على مدى العام الماضي، الى تحويل نظام السجون، الذي اصبح مثالا على الاساءة الاميركية في العراق، الى نظام يتمشى اكثر مع مباديء ستراتيجية مقارعة التمرد مصمم من اجل كسب دعم الشعب العراقي. هذه العملية حسّنت ظروف السجناء منذ ان ارتكب جنود اميركيون اساءاتهم بحق المعتقلين في ابي غريب، لكن لم يتم ايجاد نظام لتقرير من هو المذنب ومن هو البريء من بين الالاف من السجناء العراقيين.
اقتيد طالب محمد فرحان، الذي امضى خمسة عشر شهرا في السجن، الى غرفة الاستجواب رقم 3 للاستماع الى سجانه الاميركي يشرح الادعاءات ضده أول مرة.
ظهر فرحان، وهو مسلم ، منصتا الى قول الضابط الاميركي بانه كان عنصرا في المليشيا ت المعادية للاميركيين. لكنه بدا حائرا تماما حينما اتهموه ايضا في العمل مع تنظيم القاعدة في العراق، المجموعة المتطرفة التي تقتل الاميركيين والعراقيين على حد سواء.
قال فرحان، الذي يعمل حدادا في مدينة الاسكندرية جنوب العراق، وقد ظهرت عليه أمارات الانزعاج: «لا افهم كيف يكون ذلك ممكنا «.
غير ان اللجنة المكونة من ثلاثة مسؤولين اميركيين ولا تضم أي محام بينهم، والتي تشكلت كجزء من عملية شبه قضائية لمراجعة ملفات كل معتقل على حدة، في كل ستة اشهر، لم تكن في حاجة الى تقرير فيما اذا كان فرحان قد خالف القانون. فقد كانت مهمتهم تكمن في تقرير فيما اذا كان «يشكل تهديدا امنيا» ضد الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة او الى العراقيين. وقد استنتجوا ان هناك ادلة ذات مصداقية تشير الى انه قد يكون كذلك، ولكنهم لم يشرحوها الى فرحان نفسه أو إلى مراسل (الواشنطن بوست) الذي سُمح له ان يشاهد جلسة الاستماع التي استمرت 19 دقيقة.
يقول الميجر جيف غينغليري، رئيس هيأة المراجعة التي انعقدت في آيار: «انا لا انظر فيما اذا كان مذنبا او بريئا. نحن نحاول ان نقدّر، باقصى ما نستطيع، فيما اذا كانوا سيقومون بافعال سيئة اذا اطلق سراحهم.» وبعد دقائق، صوتت اللجنة بالاغلبية على ابقاء فرحان رهن الاعتقال لستة اشهر اخرى.
تلك هي الاجراءات التي تم اتباعها بالنسبة الى الكثير من السجناء الـ 100,000 الذين مروا من خلال نظام المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان اللغط القانوني حول السجناء في معتقل غوانتانامو، في كوبا، والذي يديره الجيش الاميركي قد استحوذ على اهتمام اكبر بكثير، الا ان هناك سجناء يبلغ عددهم مئة ضعف اولئك معتقلون في سجن كامب بوكا ومواقع عراقية اخرى. وهم لا يتمتعون الا باقل الحقوق القانونية وبدون اشراف من النظام القضائي الامريكي، حيث لا يتم توجيه اتهام للعراقيين بالجرائم المنسوبة اليهم، ولا يسمح لهم بمعاينة الادلة ضدهم، ولا يتم توفير محامين لهم.
لكن يتم الان تقديم دروس دينية واكاديمية ومهنية للاسرى العراقيين. كما يسمح لهم بلقاء الاقارب شخصيا او عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. ولدى المعتقلين في كامب بوكا، الذين يحب الكثير منهم قراءة روايات اغاثا كريستي الغامضة، ومتابعة افلام جاكي شان، لديهم فرقة للانشاد، ورابطة موسمية لكرة القدم وورشة عمل لانتاج نماذج الحيوانات المحشوة التي تسمى (دببة بوكا).
يقول الميجر جنرال دوغلاس ستون، الذي كان يعمل مديراً للمعتقل حتى الصيف الماضي: «لقد كان هذا المكان مدرسة تخرج المزيد من الارهابيين. اما الان فنحن نتواصل اكثر مع المعتقلين ونستغل قدرات السجين في تعليم العراقيين هنا وتحسين نظرتهم الى الاميركيين».
اطلق سراح علي صبري عبود، البالغ 31 عاما من العمر، والذي يعمل جنديا في الجيش العراقي، في الصيف الماضي بعد ان بقي محتجزا مدة عام كامل. وقد صُعق بالمعاملة الحسنة في هذا المعتقل. وقد علمه الجيش الاميركي مهارات النجارة، وحسّن من لغته الانكليزية، ووُفرت له عناية صحية من الدرجة الاولى. لكن هذه المعاملة الحسنة لم تهدئ من غضبه بسبب احتجازه بتهمة لايزال لا يفهمها.
فهو يقول: «حتى لو أحالوا المكان الى فردوس، فانه لايزال سجناً يعج بالابرياء».
واضح كالوحل
حينما وصل (ستون) الى العراق في العام الماضي ليقود وحدة المهام 134 التي تشرف على عمليات المعتقل صُدم لما رأى.يقول ستون: «المعتقلات هنا في العراق هي فشل كامل. لقد ادركت انه ليس من احد لديه ادنى فكرة عما نقوم به هنا.»
يقول الضباط الاميركيون ان المسلمين المتطرفين سيطروا بشكل فعال على كامب بوكا، يقتلعون اعين السجناء الاكثر اعتدالا ويقطعون السنتهم لانهم لا يطيعونهم. وقد اعد ستون عرضا تقديميا داخليا باستخدام برنامج (باور بوينت) يصف هذه الافعال الشنيعة واعطاه عنوانا: «عبوة البارود تنفجر، جامعة الجهاديين».
وقد قرر انه سوف يضع ستراتيجية لمكافحة التمرد تتمركز على المظلة الاساسية لاستراتيجية مكافحة التمرد للجيش الاميركي: حماية الشعب، وتوظيف الاصوات المعتدلة. وقد آمن ان الاغلبية الساحقة من المعتقلين ليسوا متطرفين. واستنادا الى احصائيات الجيش الاميركي، فان اقل من ربعهم كانوا اعضاء في تنظيم القاعدة في العراق أو المليشيات، وان 70 بالمئة منهم لم يواظبوا حتى على الذهاب الى الجوامع كل اسبوع.
بدأ مستوى العنف بالانحدار، وقد انخفض معدل الاعتقالات من 7,6 بالمئة بين عامي 2004 و2007 الى اقل من 1,2 بالمئة هذا العام. وبينما ازداد عدد المعتقلين بشكل صاروخي، من 15,000 معتقل عند بداية العام الماضي الى 26,000 معتقل مع قدوم القوات الاضافية للجيش الاميركي، فقد طبق ستون اجراءات معينة ليشرح للمعتقلين كيف يعمل النظام ولماذا هم قيد الاعتقال.
قام الجيش باعداد كتاب يوزع على المعتقلين يصور شخصية عراقية اسمها احمد، والذي اعتقل لزرعه عبوة ناسفة على جانب الطريق، وملفا اصفر يحتوي على ادلة ناطقة ضده. كما قام ستون ايضا، برغم معارضة كبار محاميه، بتشكيل لجنة المراجعة لكي يتسنى للمعتقلين معرفة السبب في احتجازهم، والتهمة الموجهة ضدهم.
لكن ستون رفض بشدة ما قال انه طلب مستحيل قدمته ناشطة في شؤون المعتقلين داعية الى تطبيق نظام يشابه النظام القانوني الاميركي في منتصف منطقة الحرب.
يقول ستون: «الان، سيدتي (حقوق الانسان)، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ انا مؤمن براغماتي بحقوق الانسان، لكنك لا يمكنك ببساطة ان تحصلي عليها بادئ الامر».
ويضيف ان مجلس الامن الدولي فوض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اعتقال أي شخص «يمثل تهديدا خطراً للامن»
ومع ذلك، فقد اعترف بسرعة ان «ذلك ليس واضحا الا كالوحل».
من يذهب الى الجنة؟
تبدو التغييرات الهائلة في عمليات الاعتقال واضحة للعيان في معتقل كامب بوكا، الذي تبلغ مساحته كيلومترين ونصف، والذي يضم عددا كبيرا من السجناء بحيث ان الضباط الاميركيون يقولون انه يمثل المدينة رقم 63 من حيث التعداد السكاني في العراق. وهم يقولون ايضا ان الانارة الليلية في منشآت السجن تبدو شبيهة بـ(لاس فيغاس).
سمح الضباط الاميركيون لصحفيي (واشنطن بوست) بزيارة بوكا وكامب كروبر، وهي منشأة بالقرب من مطار بغداد، ولكن لم يسمحوا بالتكلم مباشرة مع المعتقلين لانهم يقولون ان مثل هذا التصرف ينافي معاهدة جنيف. لكن بعض المعتقلين وافقوا على الاجابة على اسئلة تم نقلها عن طريق ضباط الجيش.
بعض الاشارات المرئية على الاستراتيجية الجديدة تبدت من خلال حضور (دببة بوكا)، التي صنعها المعتقلون، في كل مكان. وكان اولها تم تصميمه من قبل حيدر، وهو مزارع من النجف امضى ثلاثة اعوام في سجن بوكا، باستخدام قماش اصفر حشاه بالقطن المستخدم للاسرة. ثم قام باستخدام اقلام الرسم لوضع الملامح البسيطة. يقول حيدر: «حينما وجدوا الدب معي قاموا بمصادرته، وقد خشيت ان يوقعني ذلك في المتاعب».
لكن الضباط الاميركيون قرروا، بدلا عن معاقبة حيدر، باعداد برنامج للمهارات اليدوية الفنية وانتاج (دببة بوكا) على نطاق واسع لكي يتم توزيعها على الاطفال الذين يزورون السجناء.
وبينما يقوم حيدر بتصميم دماه المحشوة، يخطب امام مسجد قريب داعيا الى نسخة معتدلة من الاسلام، ويحاضر سياسي سابق في دروس التعليم المدني، كجزء من نظام السجون الذي يركز على توظيف المعتدلين.
تجمع عشرون من المعتقلين حول الشيخ عبد الستار عبد الجبار في صلاة الجماعة، وهو يدعوهم الى نبذ العنف الطائفي، والتشبه بالنماذج السيئة. يسأل عبد الجبار، الخطيب البالغ 45 عاما من العمر: «من سيذهب الى الجنة؟ يقول ابناء الشيعة انهم الشيعة، ويقول ابناء السنة انهم السنة. هذا خطأ. الله هو الذي يحكم بين عباده، كل حسب عمله.»
وليس كل المعتقلين، بطبيعة الحال، هم من المعتدلين الذين يشاركون في البرنامج. فالمتطرفون الاكثر خطرا يتم احتجازهم في المنشأ رقم 30، المعروف باسم الصخرة. هناك يقوم السجناء برمي البول، والبراز، وكرات على هيأة كرة التنس مؤلفة من الطين والشاي، على الجنود الاميركيين. يقول الملازم كايل غرافيس، مسؤول هذه الوحدة: «الكل هنا غاضب دائما».
لكن الامور مختلفة بالنسبة الى ضابط الصف جوزيف سابيا، الذي عُيّن للعمل مع المعتقلين في وحدة النجارة. تتوفر في هذه الوحدة ادوات النجارة التي يمكن ان تستخدم كاسلحة قاتلة، مثل المناشير القرصية والمناشير اليدوية ومفكات البراغي والادوات الكهربائية المتنوعة، باقل قدر من الاشراف على المعتقلين.
يقول سابيا: «هذه ثقة عالية. لم تحدث لنا اية مشكلة مع المعتقلين».
ليس من السهل اثبات الذنب
احتجز الجيش الأميركي قرابة 300 من الاحداث في الصيف الماضي في كامب كروبر، والذين تمت مراجعة ملفاتهم من قبل اللجنة العسكرية. وقد استدعي اياد حمزة صالح، والبالغ 16 عاما، الى غرفة الاستماع في احد ايام آيار، فجاء مرتديا صندلا بلون بيجي، وسروالا وردي اللون، وقميصا ابيض رسم عليه بالقلم صورة القلب.
افتتح ملازم البحرية تشاك لي موين الجلسة بقراءة البيان التعبوي الذي يشير الى الفقرة 78 من معاهدة جنيف الرابعة وقرارات مجلس الامن الدولي.
قال لي مولن: «انت غير محكوم. انت معتقل لانه يُظن انك تمثل تهديدا امنيا. هذه اللجنة سوف تقرر فيما اذا كنت لاتزال تهديدا خطراً لامن القوات المتعددة الجنيسة او الشعب العراقي او الحكومة العراقية».
نظر مباشرة الى صلاح، ثم قال: «لقد قرأنا ملفك، وهو يشير الى انك شاركت في اطلاق النار ضد قوات التحالف».
هزّ صالح رأسه قائلا: «لم افعل شيئا من هذا القبيل».
قال الملازم جافير اسكوبار، وهو عضو آخر في اللجنة: «اريد ان اتأكد انك تفهم ما يقال. نحن لسنا في محكمة. نحن مهتمون لما حصل في ذلك الوقت. لكننا اكثر اهتماما بما يحصل الان. لذلك سيكون من الجيد ان تتخذ خطوات للاعتراف بالحقيقة.»
لكن صالح، الذي القي القبض عليه في بغداد في آب 2007، انكر انه فعل أي شيء خاطئ. وحينما غادر الغرفة، قال لي مولن: «كان يمكن ان يفيد من التقييم اكثر. لا اعتقد انه عضو في مجموعة ارهابية دولية، اعتقد انه مجرد صبي غبي.» وعلى الرغم من ان صالح مشمول بقانون العفو العام الذي صدر في وقت سابق هذا العام، فان اللجنة صوتت لاستمرار احتجازه ستة اشهر اخرى.
يقول لي مولن، البالغ 45 عاما من العمر وهو محامي دفاع سابق من نورث كارولينا: «الشيء الفريد هنا هو انه ليس هناك محل للسؤال فيما اذا كان مذنبا ام لا. ذلك غير موجود في أي كتاب قانوني تعلمته في كلية القانون. يجب ان تمحو كل ذلك من رأسك.»
يقول اسكوبار انه خلال العام الماضي على وجه التحديد، وبينما كان يتم بناء القوات الامريكية الاضافية، فان الكثير من العراقيين اعتقلوا فقط لانهم كانوا على مقربة من موقع تفجير او هجوم مسلح. ويقول انه من شبه المستحيل عادة اثبات ان أي شخص مذنب في الحقيقة.
ويضيف: «اقل من ربع الحالات هي اصابات ناجحة. نحن نتعامل في معظم الاحوال مع منطقة رمادية. ما عليك الا ان تصلي، اننا نقوم بالشيء الصحيح.»
ترجمة: علاء غزالة
كامب بوكا – العراق، برغم ان المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة قد تحسنت كثيرا منذ فضيحة ابو غريب، لم يتم وضع نظام لتحديد المذنبين حيث يسعى المسؤولون الامريكيون الى تحويل السجون، التي وصفت ذات مرة بانها معسكرات تدريب تخرّج متمردين محتملين، الى شيء يشابه المدارس المهنية الاميركية. ويتم تقديم دروس دينية ومهنية للمعتقلين، كما يسمح لهم بزيارات للاقارب عبر دائرة الاتصالات المغلقة.
لكن الاتفاقية الامنية التي تمت المصادقة عليها حديثا تتطلب ان يقوم الجيش الاميركي باطلاق سراح المعتقلين العراقيين البالغ عددهم 16,000 سجين، حيث يقبع الاغلبية العظمى منهم في المعتقل الجنوبي الصحراوي، او احالتهم الى القضاء العراقي.
ومع اقتراب تحويل المعتقل الذي تديره الولايات المتحدة الى الادارة العراقية، تـُبذل جهود مشتركة حثيثة من اجل فرز المعتقلين الذين لا يُخشى اطلاق سراحهم عن المتمردين المحتملين.
وقد صرح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بان «معظم الاشخاص الذين اعتقلوهم هم ابرياء».
سعى ضباط الجيش الاميركي،على مدى العام الماضي، الى تحويل نظام السجون، الذي اصبح مثالا على الاساءة الاميركية في العراق، الى نظام يتمشى اكثر مع مباديء ستراتيجية مقارعة التمرد مصمم من اجل كسب دعم الشعب العراقي. هذه العملية حسّنت ظروف السجناء منذ ان ارتكب جنود اميركيون اساءاتهم بحق المعتقلين في ابي غريب، لكن لم يتم ايجاد نظام لتقرير من هو المذنب ومن هو البريء من بين الالاف من السجناء العراقيين.
اقتيد طالب محمد فرحان، الذي امضى خمسة عشر شهرا في السجن، الى غرفة الاستجواب رقم 3 للاستماع الى سجانه الاميركي يشرح الادعاءات ضده أول مرة.
ظهر فرحان، وهو مسلم ، منصتا الى قول الضابط الاميركي بانه كان عنصرا في المليشيا ت المعادية للاميركيين. لكنه بدا حائرا تماما حينما اتهموه ايضا في العمل مع تنظيم القاعدة في العراق، المجموعة المتطرفة التي تقتل الاميركيين والعراقيين على حد سواء.
قال فرحان، الذي يعمل حدادا في مدينة الاسكندرية جنوب العراق، وقد ظهرت عليه أمارات الانزعاج: «لا افهم كيف يكون ذلك ممكنا «.
غير ان اللجنة المكونة من ثلاثة مسؤولين اميركيين ولا تضم أي محام بينهم، والتي تشكلت كجزء من عملية شبه قضائية لمراجعة ملفات كل معتقل على حدة، في كل ستة اشهر، لم تكن في حاجة الى تقرير فيما اذا كان فرحان قد خالف القانون. فقد كانت مهمتهم تكمن في تقرير فيما اذا كان «يشكل تهديدا امنيا» ضد الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة او الى العراقيين. وقد استنتجوا ان هناك ادلة ذات مصداقية تشير الى انه قد يكون كذلك، ولكنهم لم يشرحوها الى فرحان نفسه أو إلى مراسل (الواشنطن بوست) الذي سُمح له ان يشاهد جلسة الاستماع التي استمرت 19 دقيقة.
يقول الميجر جيف غينغليري، رئيس هيأة المراجعة التي انعقدت في آيار: «انا لا انظر فيما اذا كان مذنبا او بريئا. نحن نحاول ان نقدّر، باقصى ما نستطيع، فيما اذا كانوا سيقومون بافعال سيئة اذا اطلق سراحهم.» وبعد دقائق، صوتت اللجنة بالاغلبية على ابقاء فرحان رهن الاعتقال لستة اشهر اخرى.
تلك هي الاجراءات التي تم اتباعها بالنسبة الى الكثير من السجناء الـ 100,000 الذين مروا من خلال نظام المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان اللغط القانوني حول السجناء في معتقل غوانتانامو، في كوبا، والذي يديره الجيش الاميركي قد استحوذ على اهتمام اكبر بكثير، الا ان هناك سجناء يبلغ عددهم مئة ضعف اولئك معتقلون في سجن كامب بوكا ومواقع عراقية اخرى. وهم لا يتمتعون الا باقل الحقوق القانونية وبدون اشراف من النظام القضائي الامريكي، حيث لا يتم توجيه اتهام للعراقيين بالجرائم المنسوبة اليهم، ولا يسمح لهم بمعاينة الادلة ضدهم، ولا يتم توفير محامين لهم.
لكن يتم الان تقديم دروس دينية واكاديمية ومهنية للاسرى العراقيين. كما يسمح لهم بلقاء الاقارب شخصيا او عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. ولدى المعتقلين في كامب بوكا، الذين يحب الكثير منهم قراءة روايات اغاثا كريستي الغامضة، ومتابعة افلام جاكي شان، لديهم فرقة للانشاد، ورابطة موسمية لكرة القدم وورشة عمل لانتاج نماذج الحيوانات المحشوة التي تسمى (دببة بوكا).
يقول الميجر جنرال دوغلاس ستون، الذي كان يعمل مديراً للمعتقل حتى الصيف الماضي: «لقد كان هذا المكان مدرسة تخرج المزيد من الارهابيين. اما الان فنحن نتواصل اكثر مع المعتقلين ونستغل قدرات السجين في تعليم العراقيين هنا وتحسين نظرتهم الى الاميركيين».
اطلق سراح علي صبري عبود، البالغ 31 عاما من العمر، والذي يعمل جنديا في الجيش العراقي، في الصيف الماضي بعد ان بقي محتجزا مدة عام كامل. وقد صُعق بالمعاملة الحسنة في هذا المعتقل. وقد علمه الجيش الاميركي مهارات النجارة، وحسّن من لغته الانكليزية، ووُفرت له عناية صحية من الدرجة الاولى. لكن هذه المعاملة الحسنة لم تهدئ من غضبه بسبب احتجازه بتهمة لايزال لا يفهمها.
فهو يقول: «حتى لو أحالوا المكان الى فردوس، فانه لايزال سجناً يعج بالابرياء».
واضح كالوحل
حينما وصل (ستون) الى العراق في العام الماضي ليقود وحدة المهام 134 التي تشرف على عمليات المعتقل صُدم لما رأى.يقول ستون: «المعتقلات هنا في العراق هي فشل كامل. لقد ادركت انه ليس من احد لديه ادنى فكرة عما نقوم به هنا.»
يقول الضباط الاميركيون ان المسلمين المتطرفين سيطروا بشكل فعال على كامب بوكا، يقتلعون اعين السجناء الاكثر اعتدالا ويقطعون السنتهم لانهم لا يطيعونهم. وقد اعد ستون عرضا تقديميا داخليا باستخدام برنامج (باور بوينت) يصف هذه الافعال الشنيعة واعطاه عنوانا: «عبوة البارود تنفجر، جامعة الجهاديين».
وقد قرر انه سوف يضع ستراتيجية لمكافحة التمرد تتمركز على المظلة الاساسية لاستراتيجية مكافحة التمرد للجيش الاميركي: حماية الشعب، وتوظيف الاصوات المعتدلة. وقد آمن ان الاغلبية الساحقة من المعتقلين ليسوا متطرفين. واستنادا الى احصائيات الجيش الاميركي، فان اقل من ربعهم كانوا اعضاء في تنظيم القاعدة في العراق أو المليشيات، وان 70 بالمئة منهم لم يواظبوا حتى على الذهاب الى الجوامع كل اسبوع.
بدأ مستوى العنف بالانحدار، وقد انخفض معدل الاعتقالات من 7,6 بالمئة بين عامي 2004 و2007 الى اقل من 1,2 بالمئة هذا العام. وبينما ازداد عدد المعتقلين بشكل صاروخي، من 15,000 معتقل عند بداية العام الماضي الى 26,000 معتقل مع قدوم القوات الاضافية للجيش الاميركي، فقد طبق ستون اجراءات معينة ليشرح للمعتقلين كيف يعمل النظام ولماذا هم قيد الاعتقال.
قام الجيش باعداد كتاب يوزع على المعتقلين يصور شخصية عراقية اسمها احمد، والذي اعتقل لزرعه عبوة ناسفة على جانب الطريق، وملفا اصفر يحتوي على ادلة ناطقة ضده. كما قام ستون ايضا، برغم معارضة كبار محاميه، بتشكيل لجنة المراجعة لكي يتسنى للمعتقلين معرفة السبب في احتجازهم، والتهمة الموجهة ضدهم.
لكن ستون رفض بشدة ما قال انه طلب مستحيل قدمته ناشطة في شؤون المعتقلين داعية الى تطبيق نظام يشابه النظام القانوني الاميركي في منتصف منطقة الحرب.
يقول ستون: «الان، سيدتي (حقوق الانسان)، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ انا مؤمن براغماتي بحقوق الانسان، لكنك لا يمكنك ببساطة ان تحصلي عليها بادئ الامر».
ويضيف ان مجلس الامن الدولي فوض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اعتقال أي شخص «يمثل تهديدا خطراً للامن»
ومع ذلك، فقد اعترف بسرعة ان «ذلك ليس واضحا الا كالوحل».
من يذهب الى الجنة؟
تبدو التغييرات الهائلة في عمليات الاعتقال واضحة للعيان في معتقل كامب بوكا، الذي تبلغ مساحته كيلومترين ونصف، والذي يضم عددا كبيرا من السجناء بحيث ان الضباط الاميركيون يقولون انه يمثل المدينة رقم 63 من حيث التعداد السكاني في العراق. وهم يقولون ايضا ان الانارة الليلية في منشآت السجن تبدو شبيهة بـ(لاس فيغاس).
سمح الضباط الاميركيون لصحفيي (واشنطن بوست) بزيارة بوكا وكامب كروبر، وهي منشأة بالقرب من مطار بغداد، ولكن لم يسمحوا بالتكلم مباشرة مع المعتقلين لانهم يقولون ان مثل هذا التصرف ينافي معاهدة جنيف. لكن بعض المعتقلين وافقوا على الاجابة على اسئلة تم نقلها عن طريق ضباط الجيش.
بعض الاشارات المرئية على الاستراتيجية الجديدة تبدت من خلال حضور (دببة بوكا)، التي صنعها المعتقلون، في كل مكان. وكان اولها تم تصميمه من قبل حيدر، وهو مزارع من النجف امضى ثلاثة اعوام في سجن بوكا، باستخدام قماش اصفر حشاه بالقطن المستخدم للاسرة. ثم قام باستخدام اقلام الرسم لوضع الملامح البسيطة. يقول حيدر: «حينما وجدوا الدب معي قاموا بمصادرته، وقد خشيت ان يوقعني ذلك في المتاعب».
لكن الضباط الاميركيون قرروا، بدلا عن معاقبة حيدر، باعداد برنامج للمهارات اليدوية الفنية وانتاج (دببة بوكا) على نطاق واسع لكي يتم توزيعها على الاطفال الذين يزورون السجناء.
وبينما يقوم حيدر بتصميم دماه المحشوة، يخطب امام مسجد قريب داعيا الى نسخة معتدلة من الاسلام، ويحاضر سياسي سابق في دروس التعليم المدني، كجزء من نظام السجون الذي يركز على توظيف المعتدلين.
تجمع عشرون من المعتقلين حول الشيخ عبد الستار عبد الجبار في صلاة الجماعة، وهو يدعوهم الى نبذ العنف الطائفي، والتشبه بالنماذج السيئة. يسأل عبد الجبار، الخطيب البالغ 45 عاما من العمر: «من سيذهب الى الجنة؟ يقول ابناء الشيعة انهم الشيعة، ويقول ابناء السنة انهم السنة. هذا خطأ. الله هو الذي يحكم بين عباده، كل حسب عمله.»
وليس كل المعتقلين، بطبيعة الحال، هم من المعتدلين الذين يشاركون في البرنامج. فالمتطرفون الاكثر خطرا يتم احتجازهم في المنشأ رقم 30، المعروف باسم الصخرة. هناك يقوم السجناء برمي البول، والبراز، وكرات على هيأة كرة التنس مؤلفة من الطين والشاي، على الجنود الاميركيين. يقول الملازم كايل غرافيس، مسؤول هذه الوحدة: «الكل هنا غاضب دائما».
لكن الامور مختلفة بالنسبة الى ضابط الصف جوزيف سابيا، الذي عُيّن للعمل مع المعتقلين في وحدة النجارة. تتوفر في هذه الوحدة ادوات النجارة التي يمكن ان تستخدم كاسلحة قاتلة، مثل المناشير القرصية والمناشير اليدوية ومفكات البراغي والادوات الكهربائية المتنوعة، باقل قدر من الاشراف على المعتقلين.
يقول سابيا: «هذه ثقة عالية. لم تحدث لنا اية مشكلة مع المعتقلين».
ليس من السهل اثبات الذنب
احتجز الجيش الأميركي قرابة 300 من الاحداث في الصيف الماضي في كامب كروبر، والذين تمت مراجعة ملفاتهم من قبل اللجنة العسكرية. وقد استدعي اياد حمزة صالح، والبالغ 16 عاما، الى غرفة الاستماع في احد ايام آيار، فجاء مرتديا صندلا بلون بيجي، وسروالا وردي اللون، وقميصا ابيض رسم عليه بالقلم صورة القلب.
افتتح ملازم البحرية تشاك لي موين الجلسة بقراءة البيان التعبوي الذي يشير الى الفقرة 78 من معاهدة جنيف الرابعة وقرارات مجلس الامن الدولي.
قال لي مولن: «انت غير محكوم. انت معتقل لانه يُظن انك تمثل تهديدا امنيا. هذه اللجنة سوف تقرر فيما اذا كنت لاتزال تهديدا خطراً لامن القوات المتعددة الجنيسة او الشعب العراقي او الحكومة العراقية».
نظر مباشرة الى صلاح، ثم قال: «لقد قرأنا ملفك، وهو يشير الى انك شاركت في اطلاق النار ضد قوات التحالف».
هزّ صالح رأسه قائلا: «لم افعل شيئا من هذا القبيل».
قال الملازم جافير اسكوبار، وهو عضو آخر في اللجنة: «اريد ان اتأكد انك تفهم ما يقال. نحن لسنا في محكمة. نحن مهتمون لما حصل في ذلك الوقت. لكننا اكثر اهتماما بما يحصل الان. لذلك سيكون من الجيد ان تتخذ خطوات للاعتراف بالحقيقة.»
لكن صالح، الذي القي القبض عليه في بغداد في آب 2007، انكر انه فعل أي شيء خاطئ. وحينما غادر الغرفة، قال لي مولن: «كان يمكن ان يفيد من التقييم اكثر. لا اعتقد انه عضو في مجموعة ارهابية دولية، اعتقد انه مجرد صبي غبي.» وعلى الرغم من ان صالح مشمول بقانون العفو العام الذي صدر في وقت سابق هذا العام، فان اللجنة صوتت لاستمرار احتجازه ستة اشهر اخرى.
يقول لي مولن، البالغ 45 عاما من العمر وهو محامي دفاع سابق من نورث كارولينا: «الشيء الفريد هنا هو انه ليس هناك محل للسؤال فيما اذا كان مذنبا ام لا. ذلك غير موجود في أي كتاب قانوني تعلمته في كلية القانون. يجب ان تمحو كل ذلك من رأسك.»
يقول اسكوبار انه خلال العام الماضي على وجه التحديد، وبينما كان يتم بناء القوات الامريكية الاضافية، فان الكثير من العراقيين اعتقلوا فقط لانهم كانوا على مقربة من موقع تفجير او هجوم مسلح. ويقول انه من شبه المستحيل عادة اثبات ان أي شخص مذنب في الحقيقة.
ويضيف: «اقل من ربع الحالات هي اصابات ناجحة. نحن نتعامل في معظم الاحوال مع منطقة رمادية. ما عليك الا ان تصلي، اننا نقوم بالشيء الصحيح.»
Friday, December 19, 2008
اعتقالات الضباط في بغداد تتلبد بالغيوم السياسية
عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
اكد مسؤولون عراقيون، يوم الخميس، موجة الاعتقالات التي يبدو انها عملية داخلية واسعة لتنظيف الاجهزة الامنية الوطنية. ولكن في جو التنافس الامني والسياسي، لم يتفق المسؤولون الا على القليل من الحقائق الاخرى، ابتداءا من عددالمعتقلين الى جدية التهم الموجهة اليهم.
وردد اللواء عبد الكريم خلف الناطق باسم وزارة الداخلية، في مؤتمر صحفي عقد يوم الخميس، بعضا من الاتهامات الخطيرة التي كانت قد سُربت في الليلة السابقة. واخبر الصحفيين ان قد تم اعتقال 23 من ضباط وزارة الداخلية في الايام الاخيرة، حيث ينتمي الكثير منهم الى حزب (العودة)، المتحدّر عن حزب البعث الذي كان يقوده صدام حسين، والذي اصبح محضورا الان.
وفي اشارة محتملة الى اتساع التحقيقات، فان وزارة الداخلية قالت انها لم تقتصر على الوزارة نفسها، كما تم تناقله في الاخبار، ولكن اشتملت على وزارتي الدفاع والامن الوطني ايضا. اما المسؤولين الاخرين فقالوا ان التحقيقات لم تنته بعد وانه يتوقع القيام بالمزيد من الاعتقالات.
لكن خلف انكر الاتهامات الاكثر جدية التي صرح بها مسؤولون عراقيون في وقت سابق، قائلا انه لا توجد ادلة على ان المعتقلين كانوا في المراحل الاولى من التخطيط لانقلاب ضد حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي.
دفع التضارب في سرد التفاصيل نقاد المالكي الى طرح السؤال الملح: هل هناك دوافع سياسية وراء عمليات الاعتقال، والتي تم تنفيذها قبل المالكي، لاضعاف خصومه قبيل الانتخابات المحلية التي خـُطط لاجرائها في عموم البلاد الشهر المقبل؟
ومما يعزز هذه الشكوك التقارير بان قوات مكافحة الارهاب، التي يشرف المالكي بنفسه عليها، كان لها دور في عمليات الاعتقال، برغم ان بعض المسؤولين انكر ذلك الدور.
وقال محمود عثمان، وهو نائب برلماني كوردي مستقل، ان اثارة الاسئلة جاء على خلفية تغيير الادعاءات التي سمعها هو ذاته كما سمعها قادة عراقيون اخرون خلال الايام القليلة الماضية: ذلك ان المعتقلين كانوا يخططون لانقلاب، وان المعتقلين كانوا اعضاء في حزب (العودة)، وان المعتقلين كانوا يخططون لحرق الوزراة.
يضاف الى ذلك ان الاعتقالات جاءت في معظمها من وزراة الداخلية، وهي الوزارة التي يسيطر عليها عدد من الاحزاب المنافسة للمالكي.
واكد عثمان: "ان هذه الروايات المتناقضة والافتقار الى الشفافية قادت بعض الناس الى الاعتقاد بان الاعتقالات كانت لغايات سياسية، وانه لابد ان يكون ذلك بسبب الانتخابات".
اما اللواء احمد ابو رغيف، مدير الشؤون الداخلية في وزراة الداخلية فقال ان الاعتقالات جاءت ضمن مهام لجنة شُكلت قبل اسبوعين من قبل المالكي.
واشارت التقارير الاولية التي صدرت عن مسؤولين امنيين عراقيين، واوردتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس، الى ان ابو رغيف كان من بين المعتقلين. لكنه قال في ذات اليوم ان هذه التقارير خاطئة. واضاف انه كان في الواقع مشاركا في اللجنة التي اشرفت على التحقيقات بشأن عدد من المسؤولين الامنيين العراقيين الذين وجهت لهم عدد من الاتهامات.
ويضيف ابو رغيف ان اللجنة تتألف من قاض وخمسة ضباط امنيين ذوي رتب رفيعة، بالاضافة الى ممثلين عن ثلاثة وزارات امنية، وهي وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني.
تقوم اللجنة بالتحري عن دور الضباط في اصدار هويات دخول (باجات) مزيفة، مفسحين المجال للنشاطات الارهابية، او لارتباطهم بشكل مشبوه مع البلدان الاجنبية او الاحزاب السياسية، ومن بينها حزب (العودة).
وقال ابو رغيف انه ليس هناك من دليل دامغ يدين الضباط المعتقلين، على الاقل اولئك المنتمين الى وزارة الداخلية. لكنه يستدرك قائلا انه أمر باعتقال 16 ضابطا في الوزراة كجزء من التحقيقات، وانها ما زالت مستمرة. واكد انه لم يكن يعلم كم هو عدد المعتقلين من بين منتسبي الوزارات الاخرى.
من ناحية اخرى، قدم احد كبار مستشاري وزير الداخلية جواد البولاني، والذي لم يرغب في نشر اسمه لانه غير مخول بالتصريح الصحفي، قدم قائمة باسماء ورتب 24 من منتسبي وزراة الداخلية الذين يقول انهم من بين المعتقلين، تشتمل على رتب ملازم ونقيب ورائد ومقدم ولواء.
وقال عباس البياتي، وهو عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان ان اكثر من 30 من منتسبي وزراة الداخلية قد تم اعتقالهم.
كما ان عدد المعتقلين من الوزارات الاخرى غير مؤكد هو الآخر. وصرح العميد قاسم عطا، المتحدث باسم الجيش، ان ضابطا واحدا من وزارة الدفاع قد تم اعتقاله. لكن مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، اياد الطائي، قال ان سبعة من متسبي وزارة الدفاع قد اعتقلوا.
بيد ان وزير الدفاع، عبد القادر العبيدي، نفسه صرح بانه لم يتلق اية معلومات عن اية اعتقالات.
وقال مسؤول امني رفيع، غير مخول بالتصريح عن العملية، انه قد تم القيام بـ39 اعتقال من بين منتسبي الوزارات، من بينها اربع اعتقالات تمت يوم الخميس.
وجاء رد فعل العديد من المسؤولين العراقيين غاضبا تجاه الاعتقالات والتحقيقات السرية.
وقال وليد شركه، العضو التركماني في البرلمان العراقي، وهو ايضا عضو لجنة الامن والدفاع: "هذه ليست المرة الاولى، ولن تكون الاخيرة، التي تنفذ فيها الحكومة العراقية مثل هذه العمليات بدون علم مجلس النواب، والذي هو جسم تشريعي ورقابي على نشاطات الحكومة. نحن لم نعلم شيئا عنها بالتأكيد."
وقال مستشار البولاني ان رئيس الوزراء كان يضغط في الخفاء من اجل اعتقال عدد من ضباط الداخلية منذ فترة شهرين، لكن البولاني قاوم ذلك، مصرا على ان الضباط ابرياء".
لكن يد البولاني، على كل حال، قد قـُيدت حينما وافقت الوزارات الاخرى على تشكيل اللجنة، ومن ثم اعطى اغلى ما عنده، على حد قول المستشار، الذي عزا الحادثة الى التنافس السياسي بين البولاني، الذي يبني حزبه الخاص المسمى الحزب الدستوري، والمالكي.
وفي اية حال، فان كلا من ابو رغيف والطائي، مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، قالا بان وزارة الداخلية دعمت بالكامل تشكيل اللجنة.
وكان البولاني في رحلة الى الخارج، الا انه يتوقع ان يعود الى العراق يوم الجمعة.
ترجمة: علاء غزالة
اكد مسؤولون عراقيون، يوم الخميس، موجة الاعتقالات التي يبدو انها عملية داخلية واسعة لتنظيف الاجهزة الامنية الوطنية. ولكن في جو التنافس الامني والسياسي، لم يتفق المسؤولون الا على القليل من الحقائق الاخرى، ابتداءا من عددالمعتقلين الى جدية التهم الموجهة اليهم.
وردد اللواء عبد الكريم خلف الناطق باسم وزارة الداخلية، في مؤتمر صحفي عقد يوم الخميس، بعضا من الاتهامات الخطيرة التي كانت قد سُربت في الليلة السابقة. واخبر الصحفيين ان قد تم اعتقال 23 من ضباط وزارة الداخلية في الايام الاخيرة، حيث ينتمي الكثير منهم الى حزب (العودة)، المتحدّر عن حزب البعث الذي كان يقوده صدام حسين، والذي اصبح محضورا الان.
وفي اشارة محتملة الى اتساع التحقيقات، فان وزارة الداخلية قالت انها لم تقتصر على الوزارة نفسها، كما تم تناقله في الاخبار، ولكن اشتملت على وزارتي الدفاع والامن الوطني ايضا. اما المسؤولين الاخرين فقالوا ان التحقيقات لم تنته بعد وانه يتوقع القيام بالمزيد من الاعتقالات.
لكن خلف انكر الاتهامات الاكثر جدية التي صرح بها مسؤولون عراقيون في وقت سابق، قائلا انه لا توجد ادلة على ان المعتقلين كانوا في المراحل الاولى من التخطيط لانقلاب ضد حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي.
دفع التضارب في سرد التفاصيل نقاد المالكي الى طرح السؤال الملح: هل هناك دوافع سياسية وراء عمليات الاعتقال، والتي تم تنفيذها قبل المالكي، لاضعاف خصومه قبيل الانتخابات المحلية التي خـُطط لاجرائها في عموم البلاد الشهر المقبل؟
ومما يعزز هذه الشكوك التقارير بان قوات مكافحة الارهاب، التي يشرف المالكي بنفسه عليها، كان لها دور في عمليات الاعتقال، برغم ان بعض المسؤولين انكر ذلك الدور.
وقال محمود عثمان، وهو نائب برلماني كوردي مستقل، ان اثارة الاسئلة جاء على خلفية تغيير الادعاءات التي سمعها هو ذاته كما سمعها قادة عراقيون اخرون خلال الايام القليلة الماضية: ذلك ان المعتقلين كانوا يخططون لانقلاب، وان المعتقلين كانوا اعضاء في حزب (العودة)، وان المعتقلين كانوا يخططون لحرق الوزراة.
يضاف الى ذلك ان الاعتقالات جاءت في معظمها من وزراة الداخلية، وهي الوزارة التي يسيطر عليها عدد من الاحزاب المنافسة للمالكي.
واكد عثمان: "ان هذه الروايات المتناقضة والافتقار الى الشفافية قادت بعض الناس الى الاعتقاد بان الاعتقالات كانت لغايات سياسية، وانه لابد ان يكون ذلك بسبب الانتخابات".
اما اللواء احمد ابو رغيف، مدير الشؤون الداخلية في وزراة الداخلية فقال ان الاعتقالات جاءت ضمن مهام لجنة شُكلت قبل اسبوعين من قبل المالكي.
واشارت التقارير الاولية التي صدرت عن مسؤولين امنيين عراقيين، واوردتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس، الى ان ابو رغيف كان من بين المعتقلين. لكنه قال في ذات اليوم ان هذه التقارير خاطئة. واضاف انه كان في الواقع مشاركا في اللجنة التي اشرفت على التحقيقات بشأن عدد من المسؤولين الامنيين العراقيين الذين وجهت لهم عدد من الاتهامات.
ويضيف ابو رغيف ان اللجنة تتألف من قاض وخمسة ضباط امنيين ذوي رتب رفيعة، بالاضافة الى ممثلين عن ثلاثة وزارات امنية، وهي وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني.
تقوم اللجنة بالتحري عن دور الضباط في اصدار هويات دخول (باجات) مزيفة، مفسحين المجال للنشاطات الارهابية، او لارتباطهم بشكل مشبوه مع البلدان الاجنبية او الاحزاب السياسية، ومن بينها حزب (العودة).
وقال ابو رغيف انه ليس هناك من دليل دامغ يدين الضباط المعتقلين، على الاقل اولئك المنتمين الى وزارة الداخلية. لكنه يستدرك قائلا انه أمر باعتقال 16 ضابطا في الوزراة كجزء من التحقيقات، وانها ما زالت مستمرة. واكد انه لم يكن يعلم كم هو عدد المعتقلين من بين منتسبي الوزارات الاخرى.
من ناحية اخرى، قدم احد كبار مستشاري وزير الداخلية جواد البولاني، والذي لم يرغب في نشر اسمه لانه غير مخول بالتصريح الصحفي، قدم قائمة باسماء ورتب 24 من منتسبي وزراة الداخلية الذين يقول انهم من بين المعتقلين، تشتمل على رتب ملازم ونقيب ورائد ومقدم ولواء.
وقال عباس البياتي، وهو عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان ان اكثر من 30 من منتسبي وزراة الداخلية قد تم اعتقالهم.
كما ان عدد المعتقلين من الوزارات الاخرى غير مؤكد هو الآخر. وصرح العميد قاسم عطا، المتحدث باسم الجيش، ان ضابطا واحدا من وزارة الدفاع قد تم اعتقاله. لكن مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، اياد الطائي، قال ان سبعة من متسبي وزارة الدفاع قد اعتقلوا.
بيد ان وزير الدفاع، عبد القادر العبيدي، نفسه صرح بانه لم يتلق اية معلومات عن اية اعتقالات.
وقال مسؤول امني رفيع، غير مخول بالتصريح عن العملية، انه قد تم القيام بـ39 اعتقال من بين منتسبي الوزارات، من بينها اربع اعتقالات تمت يوم الخميس.
وجاء رد فعل العديد من المسؤولين العراقيين غاضبا تجاه الاعتقالات والتحقيقات السرية.
وقال وليد شركه، العضو التركماني في البرلمان العراقي، وهو ايضا عضو لجنة الامن والدفاع: "هذه ليست المرة الاولى، ولن تكون الاخيرة، التي تنفذ فيها الحكومة العراقية مثل هذه العمليات بدون علم مجلس النواب، والذي هو جسم تشريعي ورقابي على نشاطات الحكومة. نحن لم نعلم شيئا عنها بالتأكيد."
وقال مستشار البولاني ان رئيس الوزراء كان يضغط في الخفاء من اجل اعتقال عدد من ضباط الداخلية منذ فترة شهرين، لكن البولاني قاوم ذلك، مصرا على ان الضباط ابرياء".
لكن يد البولاني، على كل حال، قد قـُيدت حينما وافقت الوزارات الاخرى على تشكيل اللجنة، ومن ثم اعطى اغلى ما عنده، على حد قول المستشار، الذي عزا الحادثة الى التنافس السياسي بين البولاني، الذي يبني حزبه الخاص المسمى الحزب الدستوري، والمالكي.
وفي اية حال، فان كلا من ابو رغيف والطائي، مدير العلاقات العامة في وزراة الداخلية، قالا بان وزارة الداخلية دعمت بالكامل تشكيل اللجنة.
وكان البولاني في رحلة الى الخارج، الا انه يتوقع ان يعود الى العراق يوم الجمعة.
Tuesday, December 16, 2008
جندي التعاسة .. يقاتلون في معارك موازية في العراق: المتعاقدون الخصوصيون غير منظورين رسميا حتى عند موتهم
عن: واشنطن بوست
بقلم: ستيف فاينارو
ترجمة: علاء غزالة
بينما كانت طائرة الخطوط الجوية الاميركية المرقمة 1860 تقترب من البوابة رقم 4 في مطار بوفيلو نياغرا الدولي، جاء صوت الطيار عبر المذياع الداخلي مناديا: "انتباه رجاء. نحن نحمل هذه الليلة معنا جثمان احد الاميركيين الذين قتلوا في العراق. الرجاء ان تبقوا في مقاعدكم من اجل تسهيل نقل الجثمان، ولتسهيل مغادرة مرافقيه الطائرة". ساد الصمت في مقصورة الطائرة. لم يتحرك احد عندما نهض رجلان كانا يجلسان في الصف الامامي ليأخذا حقائبهما. الرجلان هما ضابط الصف، ذو القفاز الابيض، المرافق لجثمان جوناثان كوتي من قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير، ورجل امن اميركي والذي استطاع ان يجد الجثمان المقطوع الرأس بعد 16 شهر من البحث في جنوبي العراق.
تم اقتياد الرجلين الى المدرج، وتسلق ضابط الصف الى بطن الطائرة. ثم القى العلم الاميركي على النعش الفضي وتأكد من ان جثمان كوتي قد وضع على مسافة القدم الاول من الحزام الناقل.
كانت السماء تمطر غيثا خفيفا، وبلغت درجة الحرارة 5 درجات مئوية. هبت ريح من جهة بحيرة (ايري) لتعصف بستة من الاعلام التي حملها اعضاء مجموعة دراجي الحرس الوطني في نيويورك، وهي مجموعة متضامنة مع عوائل القتلى الاميركيين في العراق. القت اضواء سيارات الشرطة ومعدات فرق تلفزيون بافيلو ومضات من الضوء والظل على الطائرة. يمكنك ان ترى المسافرين من الارض وهم مسمرين الى مقاعدهم في المقصورة المضاءة، بينما انتظر حمالو الامتعة على جانب المدرج حيث وضعت موانع برتقالية براقة وحواجز منتظمة.
وقفت مع عائلة جون تحت جناح الطائرة، متلقيا هبات الريح الباردة. حمل خمس رجال وامرأة من كتيبة القوة الجوية الوطنية 107 في نيويورك، حملوا النعش وساروا وئيدا عبر المدرج نحو عربة نقل الجثامين المنتظرة.
ربما يظن أي مشاهد انه يشهد العودة الحزينة لبطل اميركي قتل في العراق. هذا صحيح من الناحية التقنية: فقد قاتل جوناثان كوتي مع الجيش الاميركي. وقد قتل في العراق.
لكن الامر اكثر تعقيدا من ذلك.
المال والحياة
قمت بتغطية اخبار الحرب في العراق منذ خريف عام 2004 حتى عام 2007، وقد تبين لي ان القصة في جوهرها كانت قضية مرتزقة.
لقد حملتْ هذه الحرب خطيئتها الاصلية: فشل ادارة بوش في توفير القوات الكافية. ولتعويض النقص، اختارت الحكومة ان تعطي مسؤولية تقرير من يمكن له ان يـَقتل ومن يموت من اجل الولايات المتحدة الى شركات غرضها الربح المادي، توظف عشرات الالاف من الجنود المستأجرين: المرتزقة، او المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، كما اصطلح على تسميتهم. قام هؤلاء المرتزقة بتطوير لغتهم الخاصة وثقافتهم الفرعية، وخاضوا حروبهم السرية تحت شروطهم الخاصة، او "قواعد الصبي الكبير" كما يسمون كتابهم الحركي، وهي اكثر من اشارة على التحقير، وذلك لتمييزها عن ضوابط الجيش الرسمية. لم تقم الحكومة بادارجهم في لوائحها، احياءا او امواتا.
لقد كانت، من اعتبارات عدة، حربا موازية، تلك الحرب التي اظهرت، آخر المطاف، اكثر مظاهر الصراع في العراق ظلاما. قام المرتزقة بقتل العراقيين في ظل الحصانة الممنوحة لهم رسميا، كما قام العراقيون بقتلهم. ولم تظهر شدة هذه الحرب الخاصة حتى قام موظفو بلاك ووتر، وهي شركة من بين المئات من المؤسسات الامنية الخاصة في العراق، بقتل 17 شخصا في ساحة للمرور في بغداد في ايلول من عام 2007. وعند ذاك، بعد مرور خمس سنوات من الصراع، لم يكن ممكنا الحفاظ على المجهود الحربي الاميركي بدون المرتزقة.
لقد كانت حربا بلا خطة. حربا بلا تنظير. حربا بدون حساب.
حربا كالهزيمة.
كنت قد التقيت كوتي أول مرة في تشرين الثاني من عام 2006، حينما دعاني الى الركوب الى جانبه من قاعدة طليل الجوية قرب الناصرية عائدين الى مدينة الكويت، حيث يقع المقر الرئيس لشركته المسماة كرسنت سكيوريتي غروب (مجموعة الهلال الامنية). وبغية تقليل التكاليف قامت كرسنت بعبور الطرق الخطرة في العراق مستخدمة مركبات مصفحة نوع جيفي افالانجز، وهي شاحنة صغيرة مدرعة بصفائح من الفولاذ على الابواب واضيف اليها مدفع رشاش في المؤخرة. قال كوتي آنذاك، انه قبل شهرين من ذلك الوقت القت عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق بشاحنة غير مدرعة الى مسافة 50 متر عن الشارع الرئيس، وتسببت في مقتل اثنين من الموظفين العراقيين الذين كانوا بداخلها.
كان الوقت في منتصف الظهيرة، حيث تشع الصحراء حرارة ملتهبة، حينما توجه كوتي بشاحنته نحو البوابة الرئيسة للقاعدة الجوية. وصلنا الى مقدمة المدخل، ثم اصبحنا فجأة غير قادرين على الحركة، فقد وقفت قافلة من الشاحنات الكبيرة في طريقنا. وكان هناك على اليسار سياج من السلاسل يمتد مع الطريق. اما على اليمين فقد انحدر كتف ترابي بزاوية حادة الى الاسفل نحو حقل طيني هائل.
قال لي كوتي، مشيحا عن ابتسامة صفراء: "تشبث. هل ربطت حزام الامان؟"
انطلق بشاحنته المدرعة مسرعا عبر الكتف الترابي، حتى ارتطمت المركبة بالوحل، وارتمينا على لوحة التحكم الداخلية، ثم قاد الشاحنة الى الوراء، وبدأ المحرك بالزئير، بينما تدور الاطارات في محلها. ثم قام كوتي بتغيير اتجاه مغير السرعة فانطلقت الشاحنة الى الامام قافزة بنا عبر الوحول. وحينما وصلنا الى مقدمة القافلة قام كوتي باعادة الشاحنة بتهور الى الطريق المعبد. ثم ضحك طويلا.
قال كوتي انه يشعر احيانا كما لو انه يراقب نفسه يلعب بنفسه في الحرب. كان يبلغ 23 عاما من العمر ويبدو وكأنه عارض ازياء، بلحيته البنية القصيرة، ووجهه الوسيم الذي تشوبه بعض البقع الخفيفة، وجسده الذي يشبه اجسام لاعبي كرة القدم الاميركية. وقد نشر صورا في صفحته بموقع فيس بوك تظهر فقط نصفه الاعلى، او درعه الخالي ملتفا حول بندقية كلاشنكوف. وقال لي: "انا ذلك النوع من الشباب الذين يجب ان يحصلوا على التسلية مهما كان العمل الذي يقومون به".
احدى الاشياء التي كان يحب ان يقوم بها على سبيل التسلية هو ان يقود شاحنته في مدينة بغداد مع وضع اغاني باعلى صوت وفتح النوافذ، بينما يقوم بالتمايل الى الامام والخلف على ايقاعها وقد تباعدت اصابع يديه. لقد كان كوتي ايضا مهووسا بصحته. فعلى المقعد الامامي لشاحنته المدرعة كان يضع علبا من الخوخ والمكسرات المخلوطة، بالاضافة الى بندقيته الكلاشنكوف الملقمة ولكن مؤمنة، ونسخة من كتاب: "ما بعد القوة: الموسوعة الداخلية حول كيفية بناء العضلات واكتساب القوة".
وكان كوتي يكسب مبلغ 7,000 دولار في الشهر من عمله في حماية قوافل الامدادات في العراق، لكن لم يكن المال وحده السبب في عودته الى العراق. لقد خدم في الفرقة 82 المحمولة جوا، مكملا الجولات القتالية في العراق وافغانستان. وبعد انهاء خدمته العسكرية تم ادراج قيده في جامعة فلوريدا ليدرس المحاسبة. لابد انه كان يعيش مدينتة الفاضلة: لديه امرأة جميلة، حفلات اجتماعية، الشمس المشرقة على الدوام والتي لم ير مثلها في بوفيلو، مدينته الاصلية.
لكنه وجد ان العراق مازال يشغل باله، تلك التجربة المكثفة، والاحساس بالهدف الذي حصل عليه، والذي لا يمكن الاستعاضة عنه في أي مكان آخر. لقد حاول ان يحاكي هذه التجربة من خلال معاقرة الشراب، ومعاشرة نساء عديدات، وركوب المخاطر. في احد الليالي، بينما كان نصف سكران، وضع شاحنته نوع فورد على وضع القيادة الآلية ثم اخرج جسمه من نافذة السائق والقى بنفسه الى حوض الشاحنة الخلفي. وقف يتطلع من خلف قمرة الشاحنة مثلما فعل ليوناردو دي كابريو حينما مالت التايتانك، تضرب الريح وجهه، بينما تهرع شاحنته نحو الظلمة بسرعة 110 كم/ ساعة، وقد سيطر على مقودها صديقه المذعور بعد ان تحول الى مقعد السائق. ثم قام كوتي اخيرا بتسلق طريقه عائدا الى مقد المسافر من خلال النافذة.
قال كوتي لاحد اصدقائه في الكلية في احد الايام: " مكاني ليس هنا".
وغادر قبل ان يعلم به أي احد.
قال لي وهو يعود بشاحنته الى طريق تموين الرئيس المسمى (تامبا) بالقرب من الناصرية: "لقد كنت ابحث عن شعور افتقده، وهذه الوظيفة قدمته لي". كان كوتي يقود الشاحنة وقد فتح نافذته وارتدى قميصا قصير الكم، بينما كنت ارتدي سترة واقية. ازدحمت النجوم في السماء وبامكانك ان تشعر بحرارة الليل ورائحة الصحراء. وضع كوتي مشغل الاغاني الخاص به ليعزف اغنيات الهيب-هوب والراب في الخلفية باستمرار. اخذ كوتي يضرب على المقود ويتمايل برأسه طربا مع الموسيقى وهو يقود الشاحنة.
وكان يخبرني انه كان ينظر الى حياته كما لو كانت كتابا، قائلا وهو يشير عمره: "ان كان الكتاب من 23 صفحة فقط، فاريدها ان تكون 23 صفحة مثيرة للاهتمام حقا".
كانت تلك هي نسخته عن التعبير الذي سمعته مرارا وتكرارا في العراق: تعال من اجل المال، ابق من اجل الحياة.
بالنسبة للمرتزقة، او ان شئت المتعاقدين الامنيين، هذه احدى الطرق لتجميع مليون سبب لتوضيح لماذا هم في ذلك المكان. ولماذا واصلوا العودة الى ذلك المكان، بضمنها الاسباب التي لا يستطيعون التعبير عنها او ربما لا يريدون الاعتراف بها حتى لو استطاعوا. هناك يجدون ما هو جلي: الشعور بالرفقة، والادمان على الاثارة، فالعراق ميدان للواقع وليس التجريد. لكن الامر كان شخصيا في الغالب. مهما تكن روايتك، فهذا هو السبب في وجودك هناك. ليس لكون الرواية صحيحة اهمية كبرى، او فيما اذا اخبرت بها أي احد سواك، او فيما اذا تغيرت مع الزمن، حتى لو تغيرت كل يوم.
انا لدي روايتي الخاصة، ولهذا السبب ربما ظننت اني اتفهم لماذا يواصل الرجال مثل كوتي عودتهم الى هناك. ففي موطني في كاليفورنيا يرقد والدي على فراش الموت مريضا بسرطان الرئة، بينما يستأنف اخي، وهو صحفي ايضا، حكما بالسجن 18 شهرا لرفضه الافصاح عن مصدره الذي سرب له معلومات عن فضيحة منشطات. اما ابني، واسمه ويل، فقد بلغ للتو ثماني سنوات.
نعم، انا ايضا واصلت العودة الى العراق. حينما يسألني الناس لماذا لا استطيع الاجابة سوى بالقول: "انا اشعر اني احتاج الى ذلك فحسب".
خطة للربيع
تتطلب الصحافة كمهنة توازنا بين الحميمية والحفاظ على المسافة. لكني اعتقد ان الميزان قد مال بالنسبة لي، فبعد ان امضيت ساعات وساعات مع كوتي، وجدت نفسي فجأة اسديه النصيحة.
لم افكر في ذلك كثيرا في الواقع. لقد كان جون اصغر مني باحدى وعشرين سنة، لكن لدينا نفس يوم الميلاد: الحادي عشر من شباط. وكنت منبهرا به، مثلي مثل أي شخص آخر، فقد كان تجسيدا لقوة الطبيعة. قال احد اصدقائه ذات مرة: "قلبه مصنوع من اجزاء من هذا العالم".
لقد كانت الحياة كلها مفتوحة امام كوتي. وشركة كرسنت، باي اعتبار، لم تكن في مأمن لا من قريب ولا من بعيد. ذلك واضح للجميع. فبالاضافة الى ضعف شاحناتها، فقد تركت الشركة آثارا من الفوضى في عموم العراق. وردت تقارير بان موظفيها قاموا بتزوير هويات عسكرية من اجل ادخال العراقيين الذين لم يتم التحقق منهم الى قواعد الجيش الاميركي. كما تجول موظفو كرسنت في المدن العراقية، مطلقين النار من اسلحتهم، ومهربين الاسلحة والكحول عبر الحدود العراقية الكويتية. ويذكر ان الموظف "الصحي" للشركة وصف نفسه بانه مدمن كحول لم يمر باي تدريب طبي رسمي وليس لديه الوسائل الصحية الاساسية مثل الاربطة المانعة للنزيف. اما "المدير الامني" فهو مدان بتهمة العنف المنزلي وممنوع من حمل أي سلاح ناري في الولايات المتحدة، لكنه يقود مركبته في العراق مصطحبا بندقية كلاشنكوف، وقاذفة صواريخ محمولة على الكتف. وقد وظفت الشركة سائقي شاحنات قطر واشخاصا لم يخدموا في الجيش منذ سبعينيات القرن الماضي وارسلتهم الى ساحة المعركة مدججين بالسلاح.
قلت لكوتي: "يا صاح، عليك الخروج من هنا. عليك العودة الى مقاعد الدراسة".
كنا في احدى الشاحنات المدرعة في طريقنا الى زيارة احد الصاغة في مدينة الكويت، كان كوتي قد طلب منه ان يصوغ له محبسا على هيأة فراشة ليهديها الى امه في عيد مولدها. قال لي انها تحب الفراشات لانها حرة، مثلهما. وكان يخطط ان يعطي امه المحبس عندما يعود الى الوطن.
قلت لكوتي: "هذه الشركة غارقة في الفوضى. اعلم انك لا تشعر بذلك في بعض الاوقات، لكن كل شيء في العالم يجري امامك. مكانك ليس هنا".
ربما قال في بعض الاحيان انه لا يعبأ حقا اذا اصابه مكروه، لانه لا يمتلك زوجة او ابنا او أي شخص يكون هو مسؤولا عنه. لا اعتقد ابدا انه يعتقد بذلك تماما على الاطلاق، انها احدى الاشياء التي تقولها لتستدرك شعورك في لحظة ما. لكنه لم يقلها هذه المرة.
بل قال، عوضا من ذلك، انه يفكر في العودة الى الوطن، وانه قد قرر ذلك بالفعل. قال انه سوف يذهب الى الكلية في الربيع، هذه المرة ليدرس مادة مختلفة ولديه خطة.
قال: "ربما ارغب في ان اصبح مدربا، كما تعلم، مثل مدرب رياضي لفريق الكلية. افعل شيء ما خارج الغرف المقفلة".
اخبر كوتي عائلته واصدقاءه انه عائد الى الوطن، وترك رسالة على هاتفه النقال في الولايات المتحدة. طلب من اصدقائه في الاخوية بمدينة غينسفيليد ان يحجزوا له غرفة من اجل دراسته في الربيع. واتصل بصديقته شيفا هافيزي وطلب منها ان تأتي لاستقباله في المطار.
في الليلة التي سبقت مغادرتي الكويت، قررت ان التقط بعض الصور الفيديوية لكوتي. جلس على سريره في غرفته، متكئا على الحائط مرتديا قميصا اسودا قصير الكم وقد وشح عليه تمساح برتقالي اللون وكلمات "متبرع بالدم من جامعة فلويدا".
فجاة لاحظت الظلال على الحائط خلفه.
قلت له: "هل تعلم، انا انظر الى الظلال خلفك، وهي تبدو كما لو ان لديك اجنحة".
اجاب: "لا، لا يبدو ذلك".
قلت ضاحكا: "بلى، انها تبدو كذلك، نوعا ما".
ادار كوتي ليلقي نظرة، لكن الظلال تحركت بالطبع فلم يستطع رؤيتها.
قصة في الاخبار
توفي والدي بالسرطان وانا في طريق العودة من العراق.
بعد عدة ايام، قمت مع اخي بتنظيف شقته في بيتالوما، بكاليفورنيا. وبينما كنت اقود سيارتي عائدا الى منزلي، متعب ومجرد من الاحساس، شغلت هاتفي النقال. كانت هناك رسالة مستعجلة تطلب مني ان اتصل بالمكتب.
وكان مدير التحرير على الخط يسألني عن اسم الشركة الامنية التي سافرت برفقتها الاسبوع الماضي.
قلت له: "كرسنت سكيوريتي غروب".
قال: "هذا ما ظننت. اسمع، هناك قصة في الاخبار ان كرسنت قد تعرضت الى كمين في جنوب العراق. ثم فـُقد خمس من عناصرها".
وسرد علي الاسماء فلم اعيها في وقتها.
شعرت بالصداع والغثيان، وهو ما تشعر به حينما تنحدر الطائرة من ارتفاعها فجأة.
اسرعت بالعودة الى المنزل لكي اتصل بكوتي في مدينة الكويت. اجابني المجيب الالي، اولا بالعربية، ثم بالانكليزية: "الشخص الذي تحاول الاتصال به غير موجود حاليا او خارج نطاق التغطية".
تم اختطاف كوتي مع اربعة آخرين في نفس الطريق السريع الذي كنا نسافر فيه الاسبوع السابق. لقد سافرنا سوية، ولم يخطر على بالي ان حياته ليست الا كتابا من 23 صفحة.
حيوات معلقة
بعد اربعة شهور من الاختطاف، قرع جرس الهاتف قرب سرير فرانسيس ونانسي كوتي حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا. كانت نانسي الاقرب الى الهاتف، وقد ايقضها صوته، وملأها رعبا.
كان المتحدث هو فرانكو بيكو، مالك شركة كرسنت سكيوريتي غروب، متصلا من الكويت. استيقظ فرانسيس في هذه الاثناء فناولته نانسي سماعة الهاتف. افزعته لهجة بيكو الافريقية الجنوبية الغليظة. لكن بيكو قال له انه "كان يتوقع اخبارا طيبة". قال له ان لديه مصادر اخبروه انهم شاهدوا جون والاربعة الاخرين احياءا. قال انه لم يستطع الحصول على تفاصيل اكثر. لكنه ترك انطباعا ان كابوسهم سوف ينجلي قريبا.
مرت ايام، واسابيع، ومن ثم اشهر. لكن كوتي لم يسمع من بيكو اي خبر مرة اخرى.
كيف نلتقي اصدقاءنا، هؤلاء الاشخاص الذي احببنا؟
التقيت فرانسيس ونانسي كوتي لان ابنهم مختطف في العراق، وكنت من بين آخر الناس الذين رأوه حيا.
فرانسيس البالغ 50 عاما من العمر، كان رجلا صلبا ومحتملا، بلحية مدببة على الحنك وشعر كثيف اشيب. امضى عشرين عاما في المارينز، وقاتل في حرب الخليج، ومن ثم تقاعد من الخدمة. والان يعمل مدير برنامج في شركة أي بي ام. اما نانسي فهي زوجته الثانية وزوجة اب لجون، والتحقت بادارة مكافحة المخدرات في عام 1980، لتصبح المرأة رقم 50 في التاريخ التي ترتقي الى مرتبة العميل المقيم المسؤول عن فرقة مكافحة المخدرات في بوفيلو.
راقبتهم، بعد الاختطاف، وهم يعانون في وقار وتأدب، بصبر وايمان. لا يمكن تفريق مأساتهم عن مأساة العوائل الاخرى التي لديها احبة في حافة الخطر في العراق، لكنها مع ذلك مختلفة تماما لانها تشتمل على الاعمال التجارية.
حال ان اعلن فقدان جون والرجال الاربع الاخرين قامت شركة كرسنت سكيوريتي غروب بتعليق رواتبهم، كما لو انهم اخذوا اجازة غير مصرّح بها، او تغيبوا لشهور عديدة في اجازة مرضية غير موثقة. بالنسبة الى كوتي، الطالب الجامعي، لم يكن ذلك يعني الكثير، لكن الاخرين كانوا معيلين ولديهم اطفال.
شعرت عوائل المختطفين بالضعف، واليأس، وتعلقت حيواتهم. عينت وزارة الخارجية ممثلة عنها من مكتب خدمات المواطنين وادارة الازمات لاحاطتهم علما بما يجري. هذه الممثلة اسمها جيني فو، وقد اتصلت بكل عائلة مرة في الاسبوع من مكتبها في واشنطن.
لكن لم يكن لديها الكثير لتقوله. كانت فو مبتهجة ومتعاطفة، واتصلت كل اسبوع بلا تأخر. لكن العوائل ادركت انها ليست الا موظفة تقوم بواجبها، حيث ان دورها الاساس ينصب في تهدئة روعهم، ومن ثم ازداد استيائهم. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي أي) هو من يقوم بالتحقيقات خارج المنطقة الخضراء في بغداد، وليس وزارة الخارجية، وكان هو الاخر مضطربا. كان حادث الاخطاف هو الاكبر الذي يقع ضد اميركيين منذ بدء الحرب، ومع ذلك فان غرفة العمليات كانت متمركزة على بعد 500 كم من ساحة الجريمة، وليس في أي مكان قرب المنطقة التي يعتقد ان الرهائن قد احتجزوا فيها. امضى العملاء الفيدراليون 90 يوما في العراق ومن ثم سلموا القضية.
كانت نانسي كوتي غاضبة جدا للتقصير الواضح التعامل مع قضية ابن زوجها. وقامت بدفع الحكومة، من خلال اتصالاتها داخل ادارة مكافحة المخدرات، لتغيير تكتيكاتها بهدوء. وعلى خلاف الاف بي أي، قام عميل لا يمتلك خبرة سابقة في التعامل مع قضايا الاختطاف بايجاد موقع له جنوب العراق.
سوف يبقى هناك فترة طويلة حتى اصبح يعرف باسم جو من البصرة.
الحمولة المهولة
سافر جو، بعد ان امضى بضعة شهور في عمله، الى بغداد لابلاغ مسؤولي الاف بي أي والمسؤولين الحكوميين الاخرين بمستجدات القضية. وبينما كان هناك تلقى اتصالا على هاتفه النقال. اخبره المتصل ان رسولا قد توجه الى مطار البصرة حاملا دليلا على رهائن شركة كرسنت المفقودين.
في الحادي عشر من شباط 2008، في يوم ميلاد جون كوتي الخامس والعشرين، اتصل جو بالبصرة لاخبار فريق القوات الخاصة في البصرة بان الرسول في طريقه اليهم.
جاء الرجل الى بوابة المطار حاملا كيسا صغيرا من البلاستك. تم اصطحابه الى الموقع شديد التحصين، حيث قام قائد القوات الخاصة، مرتديا قفازات بلاستيكية، بفتح الكيس بعناية، ثم شعر بالقشعريرة تمر بجسده. وجد في داخل الحقيبة خمس اصابع مقطوعة، كل في كيس منفصل. اخبره حامل الكيس انها تعود الى رهائن شركة كرسنت المفقودين. كانت الاصابع مغطاة بالاتربة ، كما انها كانت قد تحللت بشدة، حتى اصبحت اشبه باطراف الاصابع منها بالاصابع نفسها. وفيما بعد، اظهر التحليل الذي اجري عليها في الولايات المتحدة ان احدها يعود الى جون كوتي.
شعر كل من فرانسيس ونانسي ان الاكتشاف المهول كان دليلا على ان جون مازال حيا. قالت لي نانسي: "لو كان جثة، اما كنتَ ستأخذ الاصبع بكامله؟ انا اعتقد حقا انه قد قـُطع من جسم حي".
ولكن ما هي الاسابيع حتى يتم استلام الجثث نفسها. ففي 24 نيسان، وبعد العثور على رفات الاربعة الاخرين من رهائن كرسنت، توقفت اربع سيارات امام منزل كوتي في ضواحي بوفيلو. كان يوما ربيعيا مشرقا. مرّ العملاء من خلال المطبخ، ثم جلسوا الى طاولة الشرفة في الخارج مع فرانسيس، ونانسي، والاخ الاكبر لجون، المدعو كريس.
نظرت العميلة ذات الشعر الاحمر الطويل مباشرة الى فرانسيس، واخبرته ان الفحوصات قد استكملت وان الجثة الاخيرة تعود الى "ابنك جوناثان كوتي".
معضلة غير محلولة
بلغ الرقم الرسمي لاعداد القتلى الاميركيين في العراق حتى ذلك اليوم 4,047. ولم يتغير الرقم حينما تم التعرف على رفاة جون.
بعد مرور خمس سنوات من الحرب في العراق، لا يتم احتساب المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، احياءا او امواتا، حتى ولو كان المئات، وربما الالاف قد قضوا.
يخلق استئجار اناس ليقاتلوا في حربك حالة من عدم الوضوح.
لم استطع ابدا ان احل هذه المعضلة. اضحت قضية جون كوتي، بالنسبة لي، مثالا على الحرب، مع كل البطولات المجيدة والفراغ الاخلاقي. لقد اصبحت مرتبطة، بما يستحيل الفصل، مع موت والدي، ومع اسبابي الغامضة لترك عائلتي لكي اعود الى العراق، بالاضافة الى القرارات المأساوية، كبيرها وصغيرها، التي نتخذها جميعنا، كافراد وكبلد.
لقد احببت كوتي لحظة التقيته. لكنه اقحم نفسه في عمل قبيح رعته الحكومة الاميركية، وهو ما يظهر فشلنا في العراق، وهو ايضا وسيلة لتحويل المسؤولية واخفاء اعداد القتلى.
بينما انقسم العراق الى اجزاء، ليس قريبا التآمها مجددا، ساعد المتعاقدون الامنيون الخصوصيون في الصاق الحرب بهامش ضمائرنا، العشرات من الالاف من جنود الظل، دورهم وهوياتهم ضبابية مثل الحرب نفسها. لم يكن عليك ان تدرجهم في سجلاتك، او تحتسبهم، او تديرهم من خلال الكونغرس.
لم يكن عليك حتى ان تعلم انهم كانوا هناك.
في الثاني من آيار، ازدحم 800 شخص قرب صورة ميلاد المسيح في كنيسة مريم العذراء المباركة في وليامزفيل في نيويورك، من اجل تأبين كوتي. ضم الجمع اكثر من اثني عشر من اعضاء الفصيل الذي خدم فيه التابع للكتيبة 82 المحمولة جوا، وبعضا من اصدقائه في الاخوية من جامعة فلوريدا، واصدقاء واقارب من انحاء البلاد. ولكن لم يكن بينهم ممثل واحد عن شركة كرسنت سكيويتي غروب.
نهض فرانسيس، ضغط بيده اليسرى على نعش ابنه، ثم مشى متثاقلا نحو المنبر.
في غمرة رثاءه الطويل، وقد تردد صوته في ارجاء الكنيسة، اخذ لحظات يصف فيها العالم الغريب وغير المألوف الذي قتل فيه ابنه.
قال فرانسيس ان موظفي المتعاقدين الخصوصيين "يخفون التكلفة الحقيقية للحرب. موتهم لم يضف الى حساب القتلى الرسمي. واجباتهم –وامتيازاتهم– يقوم باخفائها مدراء تنفيذيون مكممو الافواه، والذين لا يعطون تفاصيل الى الكونغرس، بينما تنتفخ اموالهم وادوارهم".
ثم اضاف قائلا: "على الرغم من جون لم يكن في القوات المسلحة حينما قتل، الا انه كان، مرة اخرى، يخدم بلدنا في هذه الحرب".
* فاينارو هو مراسل واشنطن بوست. وقد منح جائزة بولتزر عن تقاريره عام 2007 حول دور القوات الامنية الخصوصية في الحرب في العراق.
بقلم: ستيف فاينارو
ترجمة: علاء غزالة
بينما كانت طائرة الخطوط الجوية الاميركية المرقمة 1860 تقترب من البوابة رقم 4 في مطار بوفيلو نياغرا الدولي، جاء صوت الطيار عبر المذياع الداخلي مناديا: "انتباه رجاء. نحن نحمل هذه الليلة معنا جثمان احد الاميركيين الذين قتلوا في العراق. الرجاء ان تبقوا في مقاعدكم من اجل تسهيل نقل الجثمان، ولتسهيل مغادرة مرافقيه الطائرة". ساد الصمت في مقصورة الطائرة. لم يتحرك احد عندما نهض رجلان كانا يجلسان في الصف الامامي ليأخذا حقائبهما. الرجلان هما ضابط الصف، ذو القفاز الابيض، المرافق لجثمان جوناثان كوتي من قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير، ورجل امن اميركي والذي استطاع ان يجد الجثمان المقطوع الرأس بعد 16 شهر من البحث في جنوبي العراق.
تم اقتياد الرجلين الى المدرج، وتسلق ضابط الصف الى بطن الطائرة. ثم القى العلم الاميركي على النعش الفضي وتأكد من ان جثمان كوتي قد وضع على مسافة القدم الاول من الحزام الناقل.
كانت السماء تمطر غيثا خفيفا، وبلغت درجة الحرارة 5 درجات مئوية. هبت ريح من جهة بحيرة (ايري) لتعصف بستة من الاعلام التي حملها اعضاء مجموعة دراجي الحرس الوطني في نيويورك، وهي مجموعة متضامنة مع عوائل القتلى الاميركيين في العراق. القت اضواء سيارات الشرطة ومعدات فرق تلفزيون بافيلو ومضات من الضوء والظل على الطائرة. يمكنك ان ترى المسافرين من الارض وهم مسمرين الى مقاعدهم في المقصورة المضاءة، بينما انتظر حمالو الامتعة على جانب المدرج حيث وضعت موانع برتقالية براقة وحواجز منتظمة.
وقفت مع عائلة جون تحت جناح الطائرة، متلقيا هبات الريح الباردة. حمل خمس رجال وامرأة من كتيبة القوة الجوية الوطنية 107 في نيويورك، حملوا النعش وساروا وئيدا عبر المدرج نحو عربة نقل الجثامين المنتظرة.
ربما يظن أي مشاهد انه يشهد العودة الحزينة لبطل اميركي قتل في العراق. هذا صحيح من الناحية التقنية: فقد قاتل جوناثان كوتي مع الجيش الاميركي. وقد قتل في العراق.
لكن الامر اكثر تعقيدا من ذلك.
المال والحياة
قمت بتغطية اخبار الحرب في العراق منذ خريف عام 2004 حتى عام 2007، وقد تبين لي ان القصة في جوهرها كانت قضية مرتزقة.
لقد حملتْ هذه الحرب خطيئتها الاصلية: فشل ادارة بوش في توفير القوات الكافية. ولتعويض النقص، اختارت الحكومة ان تعطي مسؤولية تقرير من يمكن له ان يـَقتل ومن يموت من اجل الولايات المتحدة الى شركات غرضها الربح المادي، توظف عشرات الالاف من الجنود المستأجرين: المرتزقة، او المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، كما اصطلح على تسميتهم. قام هؤلاء المرتزقة بتطوير لغتهم الخاصة وثقافتهم الفرعية، وخاضوا حروبهم السرية تحت شروطهم الخاصة، او "قواعد الصبي الكبير" كما يسمون كتابهم الحركي، وهي اكثر من اشارة على التحقير، وذلك لتمييزها عن ضوابط الجيش الرسمية. لم تقم الحكومة بادارجهم في لوائحها، احياءا او امواتا.
لقد كانت، من اعتبارات عدة، حربا موازية، تلك الحرب التي اظهرت، آخر المطاف، اكثر مظاهر الصراع في العراق ظلاما. قام المرتزقة بقتل العراقيين في ظل الحصانة الممنوحة لهم رسميا، كما قام العراقيون بقتلهم. ولم تظهر شدة هذه الحرب الخاصة حتى قام موظفو بلاك ووتر، وهي شركة من بين المئات من المؤسسات الامنية الخاصة في العراق، بقتل 17 شخصا في ساحة للمرور في بغداد في ايلول من عام 2007. وعند ذاك، بعد مرور خمس سنوات من الصراع، لم يكن ممكنا الحفاظ على المجهود الحربي الاميركي بدون المرتزقة.
لقد كانت حربا بلا خطة. حربا بلا تنظير. حربا بدون حساب.
حربا كالهزيمة.
كنت قد التقيت كوتي أول مرة في تشرين الثاني من عام 2006، حينما دعاني الى الركوب الى جانبه من قاعدة طليل الجوية قرب الناصرية عائدين الى مدينة الكويت، حيث يقع المقر الرئيس لشركته المسماة كرسنت سكيوريتي غروب (مجموعة الهلال الامنية). وبغية تقليل التكاليف قامت كرسنت بعبور الطرق الخطرة في العراق مستخدمة مركبات مصفحة نوع جيفي افالانجز، وهي شاحنة صغيرة مدرعة بصفائح من الفولاذ على الابواب واضيف اليها مدفع رشاش في المؤخرة. قال كوتي آنذاك، انه قبل شهرين من ذلك الوقت القت عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق بشاحنة غير مدرعة الى مسافة 50 متر عن الشارع الرئيس، وتسببت في مقتل اثنين من الموظفين العراقيين الذين كانوا بداخلها.
كان الوقت في منتصف الظهيرة، حيث تشع الصحراء حرارة ملتهبة، حينما توجه كوتي بشاحنته نحو البوابة الرئيسة للقاعدة الجوية. وصلنا الى مقدمة المدخل، ثم اصبحنا فجأة غير قادرين على الحركة، فقد وقفت قافلة من الشاحنات الكبيرة في طريقنا. وكان هناك على اليسار سياج من السلاسل يمتد مع الطريق. اما على اليمين فقد انحدر كتف ترابي بزاوية حادة الى الاسفل نحو حقل طيني هائل.
قال لي كوتي، مشيحا عن ابتسامة صفراء: "تشبث. هل ربطت حزام الامان؟"
انطلق بشاحنته المدرعة مسرعا عبر الكتف الترابي، حتى ارتطمت المركبة بالوحل، وارتمينا على لوحة التحكم الداخلية، ثم قاد الشاحنة الى الوراء، وبدأ المحرك بالزئير، بينما تدور الاطارات في محلها. ثم قام كوتي بتغيير اتجاه مغير السرعة فانطلقت الشاحنة الى الامام قافزة بنا عبر الوحول. وحينما وصلنا الى مقدمة القافلة قام كوتي باعادة الشاحنة بتهور الى الطريق المعبد. ثم ضحك طويلا.
قال كوتي انه يشعر احيانا كما لو انه يراقب نفسه يلعب بنفسه في الحرب. كان يبلغ 23 عاما من العمر ويبدو وكأنه عارض ازياء، بلحيته البنية القصيرة، ووجهه الوسيم الذي تشوبه بعض البقع الخفيفة، وجسده الذي يشبه اجسام لاعبي كرة القدم الاميركية. وقد نشر صورا في صفحته بموقع فيس بوك تظهر فقط نصفه الاعلى، او درعه الخالي ملتفا حول بندقية كلاشنكوف. وقال لي: "انا ذلك النوع من الشباب الذين يجب ان يحصلوا على التسلية مهما كان العمل الذي يقومون به".
احدى الاشياء التي كان يحب ان يقوم بها على سبيل التسلية هو ان يقود شاحنته في مدينة بغداد مع وضع اغاني باعلى صوت وفتح النوافذ، بينما يقوم بالتمايل الى الامام والخلف على ايقاعها وقد تباعدت اصابع يديه. لقد كان كوتي ايضا مهووسا بصحته. فعلى المقعد الامامي لشاحنته المدرعة كان يضع علبا من الخوخ والمكسرات المخلوطة، بالاضافة الى بندقيته الكلاشنكوف الملقمة ولكن مؤمنة، ونسخة من كتاب: "ما بعد القوة: الموسوعة الداخلية حول كيفية بناء العضلات واكتساب القوة".
وكان كوتي يكسب مبلغ 7,000 دولار في الشهر من عمله في حماية قوافل الامدادات في العراق، لكن لم يكن المال وحده السبب في عودته الى العراق. لقد خدم في الفرقة 82 المحمولة جوا، مكملا الجولات القتالية في العراق وافغانستان. وبعد انهاء خدمته العسكرية تم ادراج قيده في جامعة فلوريدا ليدرس المحاسبة. لابد انه كان يعيش مدينتة الفاضلة: لديه امرأة جميلة، حفلات اجتماعية، الشمس المشرقة على الدوام والتي لم ير مثلها في بوفيلو، مدينته الاصلية.
لكنه وجد ان العراق مازال يشغل باله، تلك التجربة المكثفة، والاحساس بالهدف الذي حصل عليه، والذي لا يمكن الاستعاضة عنه في أي مكان آخر. لقد حاول ان يحاكي هذه التجربة من خلال معاقرة الشراب، ومعاشرة نساء عديدات، وركوب المخاطر. في احد الليالي، بينما كان نصف سكران، وضع شاحنته نوع فورد على وضع القيادة الآلية ثم اخرج جسمه من نافذة السائق والقى بنفسه الى حوض الشاحنة الخلفي. وقف يتطلع من خلف قمرة الشاحنة مثلما فعل ليوناردو دي كابريو حينما مالت التايتانك، تضرب الريح وجهه، بينما تهرع شاحنته نحو الظلمة بسرعة 110 كم/ ساعة، وقد سيطر على مقودها صديقه المذعور بعد ان تحول الى مقعد السائق. ثم قام كوتي اخيرا بتسلق طريقه عائدا الى مقد المسافر من خلال النافذة.
قال كوتي لاحد اصدقائه في الكلية في احد الايام: " مكاني ليس هنا".
وغادر قبل ان يعلم به أي احد.
قال لي وهو يعود بشاحنته الى طريق تموين الرئيس المسمى (تامبا) بالقرب من الناصرية: "لقد كنت ابحث عن شعور افتقده، وهذه الوظيفة قدمته لي". كان كوتي يقود الشاحنة وقد فتح نافذته وارتدى قميصا قصير الكم، بينما كنت ارتدي سترة واقية. ازدحمت النجوم في السماء وبامكانك ان تشعر بحرارة الليل ورائحة الصحراء. وضع كوتي مشغل الاغاني الخاص به ليعزف اغنيات الهيب-هوب والراب في الخلفية باستمرار. اخذ كوتي يضرب على المقود ويتمايل برأسه طربا مع الموسيقى وهو يقود الشاحنة.
وكان يخبرني انه كان ينظر الى حياته كما لو كانت كتابا، قائلا وهو يشير عمره: "ان كان الكتاب من 23 صفحة فقط، فاريدها ان تكون 23 صفحة مثيرة للاهتمام حقا".
كانت تلك هي نسخته عن التعبير الذي سمعته مرارا وتكرارا في العراق: تعال من اجل المال، ابق من اجل الحياة.
بالنسبة للمرتزقة، او ان شئت المتعاقدين الامنيين، هذه احدى الطرق لتجميع مليون سبب لتوضيح لماذا هم في ذلك المكان. ولماذا واصلوا العودة الى ذلك المكان، بضمنها الاسباب التي لا يستطيعون التعبير عنها او ربما لا يريدون الاعتراف بها حتى لو استطاعوا. هناك يجدون ما هو جلي: الشعور بالرفقة، والادمان على الاثارة، فالعراق ميدان للواقع وليس التجريد. لكن الامر كان شخصيا في الغالب. مهما تكن روايتك، فهذا هو السبب في وجودك هناك. ليس لكون الرواية صحيحة اهمية كبرى، او فيما اذا اخبرت بها أي احد سواك، او فيما اذا تغيرت مع الزمن، حتى لو تغيرت كل يوم.
انا لدي روايتي الخاصة، ولهذا السبب ربما ظننت اني اتفهم لماذا يواصل الرجال مثل كوتي عودتهم الى هناك. ففي موطني في كاليفورنيا يرقد والدي على فراش الموت مريضا بسرطان الرئة، بينما يستأنف اخي، وهو صحفي ايضا، حكما بالسجن 18 شهرا لرفضه الافصاح عن مصدره الذي سرب له معلومات عن فضيحة منشطات. اما ابني، واسمه ويل، فقد بلغ للتو ثماني سنوات.
نعم، انا ايضا واصلت العودة الى العراق. حينما يسألني الناس لماذا لا استطيع الاجابة سوى بالقول: "انا اشعر اني احتاج الى ذلك فحسب".
خطة للربيع
تتطلب الصحافة كمهنة توازنا بين الحميمية والحفاظ على المسافة. لكني اعتقد ان الميزان قد مال بالنسبة لي، فبعد ان امضيت ساعات وساعات مع كوتي، وجدت نفسي فجأة اسديه النصيحة.
لم افكر في ذلك كثيرا في الواقع. لقد كان جون اصغر مني باحدى وعشرين سنة، لكن لدينا نفس يوم الميلاد: الحادي عشر من شباط. وكنت منبهرا به، مثلي مثل أي شخص آخر، فقد كان تجسيدا لقوة الطبيعة. قال احد اصدقائه ذات مرة: "قلبه مصنوع من اجزاء من هذا العالم".
لقد كانت الحياة كلها مفتوحة امام كوتي. وشركة كرسنت، باي اعتبار، لم تكن في مأمن لا من قريب ولا من بعيد. ذلك واضح للجميع. فبالاضافة الى ضعف شاحناتها، فقد تركت الشركة آثارا من الفوضى في عموم العراق. وردت تقارير بان موظفيها قاموا بتزوير هويات عسكرية من اجل ادخال العراقيين الذين لم يتم التحقق منهم الى قواعد الجيش الاميركي. كما تجول موظفو كرسنت في المدن العراقية، مطلقين النار من اسلحتهم، ومهربين الاسلحة والكحول عبر الحدود العراقية الكويتية. ويذكر ان الموظف "الصحي" للشركة وصف نفسه بانه مدمن كحول لم يمر باي تدريب طبي رسمي وليس لديه الوسائل الصحية الاساسية مثل الاربطة المانعة للنزيف. اما "المدير الامني" فهو مدان بتهمة العنف المنزلي وممنوع من حمل أي سلاح ناري في الولايات المتحدة، لكنه يقود مركبته في العراق مصطحبا بندقية كلاشنكوف، وقاذفة صواريخ محمولة على الكتف. وقد وظفت الشركة سائقي شاحنات قطر واشخاصا لم يخدموا في الجيش منذ سبعينيات القرن الماضي وارسلتهم الى ساحة المعركة مدججين بالسلاح.
قلت لكوتي: "يا صاح، عليك الخروج من هنا. عليك العودة الى مقاعد الدراسة".
كنا في احدى الشاحنات المدرعة في طريقنا الى زيارة احد الصاغة في مدينة الكويت، كان كوتي قد طلب منه ان يصوغ له محبسا على هيأة فراشة ليهديها الى امه في عيد مولدها. قال لي انها تحب الفراشات لانها حرة، مثلهما. وكان يخطط ان يعطي امه المحبس عندما يعود الى الوطن.
قلت لكوتي: "هذه الشركة غارقة في الفوضى. اعلم انك لا تشعر بذلك في بعض الاوقات، لكن كل شيء في العالم يجري امامك. مكانك ليس هنا".
ربما قال في بعض الاحيان انه لا يعبأ حقا اذا اصابه مكروه، لانه لا يمتلك زوجة او ابنا او أي شخص يكون هو مسؤولا عنه. لا اعتقد ابدا انه يعتقد بذلك تماما على الاطلاق، انها احدى الاشياء التي تقولها لتستدرك شعورك في لحظة ما. لكنه لم يقلها هذه المرة.
بل قال، عوضا من ذلك، انه يفكر في العودة الى الوطن، وانه قد قرر ذلك بالفعل. قال انه سوف يذهب الى الكلية في الربيع، هذه المرة ليدرس مادة مختلفة ولديه خطة.
قال: "ربما ارغب في ان اصبح مدربا، كما تعلم، مثل مدرب رياضي لفريق الكلية. افعل شيء ما خارج الغرف المقفلة".
اخبر كوتي عائلته واصدقاءه انه عائد الى الوطن، وترك رسالة على هاتفه النقال في الولايات المتحدة. طلب من اصدقائه في الاخوية بمدينة غينسفيليد ان يحجزوا له غرفة من اجل دراسته في الربيع. واتصل بصديقته شيفا هافيزي وطلب منها ان تأتي لاستقباله في المطار.
في الليلة التي سبقت مغادرتي الكويت، قررت ان التقط بعض الصور الفيديوية لكوتي. جلس على سريره في غرفته، متكئا على الحائط مرتديا قميصا اسودا قصير الكم وقد وشح عليه تمساح برتقالي اللون وكلمات "متبرع بالدم من جامعة فلويدا".
فجاة لاحظت الظلال على الحائط خلفه.
قلت له: "هل تعلم، انا انظر الى الظلال خلفك، وهي تبدو كما لو ان لديك اجنحة".
اجاب: "لا، لا يبدو ذلك".
قلت ضاحكا: "بلى، انها تبدو كذلك، نوعا ما".
ادار كوتي ليلقي نظرة، لكن الظلال تحركت بالطبع فلم يستطع رؤيتها.
قصة في الاخبار
توفي والدي بالسرطان وانا في طريق العودة من العراق.
بعد عدة ايام، قمت مع اخي بتنظيف شقته في بيتالوما، بكاليفورنيا. وبينما كنت اقود سيارتي عائدا الى منزلي، متعب ومجرد من الاحساس، شغلت هاتفي النقال. كانت هناك رسالة مستعجلة تطلب مني ان اتصل بالمكتب.
وكان مدير التحرير على الخط يسألني عن اسم الشركة الامنية التي سافرت برفقتها الاسبوع الماضي.
قلت له: "كرسنت سكيوريتي غروب".
قال: "هذا ما ظننت. اسمع، هناك قصة في الاخبار ان كرسنت قد تعرضت الى كمين في جنوب العراق. ثم فـُقد خمس من عناصرها".
وسرد علي الاسماء فلم اعيها في وقتها.
شعرت بالصداع والغثيان، وهو ما تشعر به حينما تنحدر الطائرة من ارتفاعها فجأة.
اسرعت بالعودة الى المنزل لكي اتصل بكوتي في مدينة الكويت. اجابني المجيب الالي، اولا بالعربية، ثم بالانكليزية: "الشخص الذي تحاول الاتصال به غير موجود حاليا او خارج نطاق التغطية".
تم اختطاف كوتي مع اربعة آخرين في نفس الطريق السريع الذي كنا نسافر فيه الاسبوع السابق. لقد سافرنا سوية، ولم يخطر على بالي ان حياته ليست الا كتابا من 23 صفحة.
حيوات معلقة
بعد اربعة شهور من الاختطاف، قرع جرس الهاتف قرب سرير فرانسيس ونانسي كوتي حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا. كانت نانسي الاقرب الى الهاتف، وقد ايقضها صوته، وملأها رعبا.
كان المتحدث هو فرانكو بيكو، مالك شركة كرسنت سكيوريتي غروب، متصلا من الكويت. استيقظ فرانسيس في هذه الاثناء فناولته نانسي سماعة الهاتف. افزعته لهجة بيكو الافريقية الجنوبية الغليظة. لكن بيكو قال له انه "كان يتوقع اخبارا طيبة". قال له ان لديه مصادر اخبروه انهم شاهدوا جون والاربعة الاخرين احياءا. قال انه لم يستطع الحصول على تفاصيل اكثر. لكنه ترك انطباعا ان كابوسهم سوف ينجلي قريبا.
مرت ايام، واسابيع، ومن ثم اشهر. لكن كوتي لم يسمع من بيكو اي خبر مرة اخرى.
كيف نلتقي اصدقاءنا، هؤلاء الاشخاص الذي احببنا؟
التقيت فرانسيس ونانسي كوتي لان ابنهم مختطف في العراق، وكنت من بين آخر الناس الذين رأوه حيا.
فرانسيس البالغ 50 عاما من العمر، كان رجلا صلبا ومحتملا، بلحية مدببة على الحنك وشعر كثيف اشيب. امضى عشرين عاما في المارينز، وقاتل في حرب الخليج، ومن ثم تقاعد من الخدمة. والان يعمل مدير برنامج في شركة أي بي ام. اما نانسي فهي زوجته الثانية وزوجة اب لجون، والتحقت بادارة مكافحة المخدرات في عام 1980، لتصبح المرأة رقم 50 في التاريخ التي ترتقي الى مرتبة العميل المقيم المسؤول عن فرقة مكافحة المخدرات في بوفيلو.
راقبتهم، بعد الاختطاف، وهم يعانون في وقار وتأدب، بصبر وايمان. لا يمكن تفريق مأساتهم عن مأساة العوائل الاخرى التي لديها احبة في حافة الخطر في العراق، لكنها مع ذلك مختلفة تماما لانها تشتمل على الاعمال التجارية.
حال ان اعلن فقدان جون والرجال الاربع الاخرين قامت شركة كرسنت سكيوريتي غروب بتعليق رواتبهم، كما لو انهم اخذوا اجازة غير مصرّح بها، او تغيبوا لشهور عديدة في اجازة مرضية غير موثقة. بالنسبة الى كوتي، الطالب الجامعي، لم يكن ذلك يعني الكثير، لكن الاخرين كانوا معيلين ولديهم اطفال.
شعرت عوائل المختطفين بالضعف، واليأس، وتعلقت حيواتهم. عينت وزارة الخارجية ممثلة عنها من مكتب خدمات المواطنين وادارة الازمات لاحاطتهم علما بما يجري. هذه الممثلة اسمها جيني فو، وقد اتصلت بكل عائلة مرة في الاسبوع من مكتبها في واشنطن.
لكن لم يكن لديها الكثير لتقوله. كانت فو مبتهجة ومتعاطفة، واتصلت كل اسبوع بلا تأخر. لكن العوائل ادركت انها ليست الا موظفة تقوم بواجبها، حيث ان دورها الاساس ينصب في تهدئة روعهم، ومن ثم ازداد استيائهم. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي أي) هو من يقوم بالتحقيقات خارج المنطقة الخضراء في بغداد، وليس وزارة الخارجية، وكان هو الاخر مضطربا. كان حادث الاخطاف هو الاكبر الذي يقع ضد اميركيين منذ بدء الحرب، ومع ذلك فان غرفة العمليات كانت متمركزة على بعد 500 كم من ساحة الجريمة، وليس في أي مكان قرب المنطقة التي يعتقد ان الرهائن قد احتجزوا فيها. امضى العملاء الفيدراليون 90 يوما في العراق ومن ثم سلموا القضية.
كانت نانسي كوتي غاضبة جدا للتقصير الواضح التعامل مع قضية ابن زوجها. وقامت بدفع الحكومة، من خلال اتصالاتها داخل ادارة مكافحة المخدرات، لتغيير تكتيكاتها بهدوء. وعلى خلاف الاف بي أي، قام عميل لا يمتلك خبرة سابقة في التعامل مع قضايا الاختطاف بايجاد موقع له جنوب العراق.
سوف يبقى هناك فترة طويلة حتى اصبح يعرف باسم جو من البصرة.
الحمولة المهولة
سافر جو، بعد ان امضى بضعة شهور في عمله، الى بغداد لابلاغ مسؤولي الاف بي أي والمسؤولين الحكوميين الاخرين بمستجدات القضية. وبينما كان هناك تلقى اتصالا على هاتفه النقال. اخبره المتصل ان رسولا قد توجه الى مطار البصرة حاملا دليلا على رهائن شركة كرسنت المفقودين.
في الحادي عشر من شباط 2008، في يوم ميلاد جون كوتي الخامس والعشرين، اتصل جو بالبصرة لاخبار فريق القوات الخاصة في البصرة بان الرسول في طريقه اليهم.
جاء الرجل الى بوابة المطار حاملا كيسا صغيرا من البلاستك. تم اصطحابه الى الموقع شديد التحصين، حيث قام قائد القوات الخاصة، مرتديا قفازات بلاستيكية، بفتح الكيس بعناية، ثم شعر بالقشعريرة تمر بجسده. وجد في داخل الحقيبة خمس اصابع مقطوعة، كل في كيس منفصل. اخبره حامل الكيس انها تعود الى رهائن شركة كرسنت المفقودين. كانت الاصابع مغطاة بالاتربة ، كما انها كانت قد تحللت بشدة، حتى اصبحت اشبه باطراف الاصابع منها بالاصابع نفسها. وفيما بعد، اظهر التحليل الذي اجري عليها في الولايات المتحدة ان احدها يعود الى جون كوتي.
شعر كل من فرانسيس ونانسي ان الاكتشاف المهول كان دليلا على ان جون مازال حيا. قالت لي نانسي: "لو كان جثة، اما كنتَ ستأخذ الاصبع بكامله؟ انا اعتقد حقا انه قد قـُطع من جسم حي".
ولكن ما هي الاسابيع حتى يتم استلام الجثث نفسها. ففي 24 نيسان، وبعد العثور على رفات الاربعة الاخرين من رهائن كرسنت، توقفت اربع سيارات امام منزل كوتي في ضواحي بوفيلو. كان يوما ربيعيا مشرقا. مرّ العملاء من خلال المطبخ، ثم جلسوا الى طاولة الشرفة في الخارج مع فرانسيس، ونانسي، والاخ الاكبر لجون، المدعو كريس.
نظرت العميلة ذات الشعر الاحمر الطويل مباشرة الى فرانسيس، واخبرته ان الفحوصات قد استكملت وان الجثة الاخيرة تعود الى "ابنك جوناثان كوتي".
معضلة غير محلولة
بلغ الرقم الرسمي لاعداد القتلى الاميركيين في العراق حتى ذلك اليوم 4,047. ولم يتغير الرقم حينما تم التعرف على رفاة جون.
بعد مرور خمس سنوات من الحرب في العراق، لا يتم احتساب المتعاقدين الامنيين الخصوصيين، احياءا او امواتا، حتى ولو كان المئات، وربما الالاف قد قضوا.
يخلق استئجار اناس ليقاتلوا في حربك حالة من عدم الوضوح.
لم استطع ابدا ان احل هذه المعضلة. اضحت قضية جون كوتي، بالنسبة لي، مثالا على الحرب، مع كل البطولات المجيدة والفراغ الاخلاقي. لقد اصبحت مرتبطة، بما يستحيل الفصل، مع موت والدي، ومع اسبابي الغامضة لترك عائلتي لكي اعود الى العراق، بالاضافة الى القرارات المأساوية، كبيرها وصغيرها، التي نتخذها جميعنا، كافراد وكبلد.
لقد احببت كوتي لحظة التقيته. لكنه اقحم نفسه في عمل قبيح رعته الحكومة الاميركية، وهو ما يظهر فشلنا في العراق، وهو ايضا وسيلة لتحويل المسؤولية واخفاء اعداد القتلى.
بينما انقسم العراق الى اجزاء، ليس قريبا التآمها مجددا، ساعد المتعاقدون الامنيون الخصوصيون في الصاق الحرب بهامش ضمائرنا، العشرات من الالاف من جنود الظل، دورهم وهوياتهم ضبابية مثل الحرب نفسها. لم يكن عليك ان تدرجهم في سجلاتك، او تحتسبهم، او تديرهم من خلال الكونغرس.
لم يكن عليك حتى ان تعلم انهم كانوا هناك.
في الثاني من آيار، ازدحم 800 شخص قرب صورة ميلاد المسيح في كنيسة مريم العذراء المباركة في وليامزفيل في نيويورك، من اجل تأبين كوتي. ضم الجمع اكثر من اثني عشر من اعضاء الفصيل الذي خدم فيه التابع للكتيبة 82 المحمولة جوا، وبعضا من اصدقائه في الاخوية من جامعة فلوريدا، واصدقاء واقارب من انحاء البلاد. ولكن لم يكن بينهم ممثل واحد عن شركة كرسنت سكيويتي غروب.
نهض فرانسيس، ضغط بيده اليسرى على نعش ابنه، ثم مشى متثاقلا نحو المنبر.
في غمرة رثاءه الطويل، وقد تردد صوته في ارجاء الكنيسة، اخذ لحظات يصف فيها العالم الغريب وغير المألوف الذي قتل فيه ابنه.
قال فرانسيس ان موظفي المتعاقدين الخصوصيين "يخفون التكلفة الحقيقية للحرب. موتهم لم يضف الى حساب القتلى الرسمي. واجباتهم –وامتيازاتهم– يقوم باخفائها مدراء تنفيذيون مكممو الافواه، والذين لا يعطون تفاصيل الى الكونغرس، بينما تنتفخ اموالهم وادوارهم".
ثم اضاف قائلا: "على الرغم من جون لم يكن في القوات المسلحة حينما قتل، الا انه كان، مرة اخرى، يخدم بلدنا في هذه الحرب".
* فاينارو هو مراسل واشنطن بوست. وقد منح جائزة بولتزر عن تقاريره عام 2007 حول دور القوات الامنية الخصوصية في الحرب في العراق.
Thursday, December 04, 2008
دراسة تظهر تغيير قائمة دول التحالف على موقع البيت الابيض
عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
بذلت ادارة بوش، قبل حرب العراق عام 2003، جهوداً دبلوماسية حثيثة لاستحصال الدعم الدولي، كما سعى المسؤولون في البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية باقصى طاقتهم للاعلان عن الدول التي انضمت الى ما اطلقوا عليه «تحالف الارداة». غير ان بعض المؤرخين الذين تناولوا هذه الجهود المبكرة في بناء التحالف يقولون انها واجهت مصاعب يبدو انها مَحت وبدّلت القوائم الاولى للدول التي دعمت المجهود الحربي. وكانت هذه القوائم قد نشرت على موقع البيت الابيض الالكتروني. وعلى الرغم من ان مسؤولي الادارة الاميركية اعترفوا بأن عدد الدول التي تدعم الحرب قد تغير مع الزمن، الا ان الباحثين الاكاديميين يقولون يبدو انه قد تمت تغيير ثلاث قوائم رسمية، الا انها حافظت على تاريخ صدورها الاصلي، ما يجعلها تبدو وكأنها القوائم الاصلية التي لم يحصل فيها تبديل.
واستناداً الى الدراسة التي اجراها كل من سكوت الثاوس، وكالف ليتارو، من مركز كلاين للديمقراطية بجامعة الينويز في اوربانا-جامباين، فيبدو أنه قد تمت إزالة اثنتين من القوائم من الموقع الالكتروني.
كان عدد اعضاء التحالف عشية حرب العراق يبلغ 45 دولة، لكن الباحثين وجدوا ان عمليات مسح القوائم الاولى ومراجعة المستندات الحساسة جعلت القائمة تبدو وكأنها تضم 49 دولة.
وتمت ت إزالة دولتين اخريين كانتا قد ادرجتا في القوائم السابقة على اساس انها شركاء في التحالف، لكن القوائم المُحدّثة ظلت تحمل التاريخ الاصلي ولم يُذكر انها قد تغيرت.
وقد اكد مسؤولو البيت الابيض يوم الاثنين ان اسماء اثنتين من الدول قد تمت ت ازالتهما من قائمة الشركاء في التحالف المنشورة على الموقع الالكتروني، وذلك بناء على طلب من هاتين الدولتين. فقد تمت ت إزالة كل من كوستاريكا وانغولا، لكن انغولا ظهرت لاحقا في القائمة.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض يوم الاثنين ان البيت الابيض تبنى في السنوات الاخيرة سياسة تقضي بان يتمت تأشير تاريخ اجراء مثل هذه التغييرات على الموقع الالكتروني.
لكن يبدو انه لم يتمت العمل بهذه السياسة بالنسبة للمنشورات التي تعود الى الجهود الاولى في الحرب.
وكتب الباحثان بجامعة الينويز في دراستهما: «سواء تمت فعل ذلك عن سابق تصميم او نتج عن اهمال غير مقصود، فإن النتيجة واحدة: تؤدي إزالة ومراجعة وثائق البيت الابيض الى اضطراب السجلات التاريخية حول ما قالته او فعلته حكومتنا.» وقد تتبعت الدراسة خمس وثائق منشورة على الموقع الالكتروني، والتي ضمت عدداً واسماء الشركاء في التحالف.
وتوصل الباحثان الى ان اثنتين من القوائم قد تمت ازالتهما، الاولى في اواخر عام 2004، والاخرى في اواخر عام 2005 او بداية عام 2006. ويقول الباحثان: «هاتين القائمتان (المفقودتان) انما تمت ثلان قوائم اقدم واصغر عن اعضاء التحالف».
وتوصلت الدراسة ايضا الى ان القائمة المنشورة بتاريخ 21 آذار 2003 تظهر عدد الدول المشاركة في التحالف 46 دولة، بضمنها الولايات المتحدة. ولكن تمت تحديث القائمة في نيسان من نفس العام، لاضافة انغولا واوكرانيا، ما يجعل العدد الكلي 48 دولة.
وعلق الباحثان على ذلك بالقول: «بدلا من ان يقوم البيت الابيض بإصدار قائمة جديدة تحمل تاريخا جديدا، فانه اتخذ خطوة غير معتادة بان يتمت تغيير الاصدار الصحفي الاصلي المؤرخ في 21 آذار بأثر رجعي، من دون ان يتمت وضع ملاحظة تشير الى التعديلات التي اجريت على الاصل».
كما قام البيت الابيض في 13 نيسان 2003، او قبل هذه التاريخ، بنشر قائمة محدثة بالدول الحليفة، حيث تمت اضافة (تونغا) الى القائمة السابقة التي كانت تضم 48 دولة. ثم ازيلت القائمة مؤقتا من الموقع في عام 2004، لتعود الى الظهور مجددا في 3 تشرين الثاني من عام 2004، مع اجراء تنقيحات.
هذه القائمة المنقحة حملت تاريخا للنشر يعود الى 27 آذار من عام 2003، أي قبل اكثر من سنة ونصف من اجراء التعديلات، كما اكد تقرير الباحثين. وتمت تعديل القائمة مرة اخرى بتغيير عدد الدول المشاركة في التحالف الى 49 دولة، برغم ان الوثيقة عددت اسماء 48 دولة فقط، بإزالة كوستاريكا.
ترجمة: علاء غزالة
بذلت ادارة بوش، قبل حرب العراق عام 2003، جهوداً دبلوماسية حثيثة لاستحصال الدعم الدولي، كما سعى المسؤولون في البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية باقصى طاقتهم للاعلان عن الدول التي انضمت الى ما اطلقوا عليه «تحالف الارداة». غير ان بعض المؤرخين الذين تناولوا هذه الجهود المبكرة في بناء التحالف يقولون انها واجهت مصاعب يبدو انها مَحت وبدّلت القوائم الاولى للدول التي دعمت المجهود الحربي. وكانت هذه القوائم قد نشرت على موقع البيت الابيض الالكتروني. وعلى الرغم من ان مسؤولي الادارة الاميركية اعترفوا بأن عدد الدول التي تدعم الحرب قد تغير مع الزمن، الا ان الباحثين الاكاديميين يقولون يبدو انه قد تمت تغيير ثلاث قوائم رسمية، الا انها حافظت على تاريخ صدورها الاصلي، ما يجعلها تبدو وكأنها القوائم الاصلية التي لم يحصل فيها تبديل.
واستناداً الى الدراسة التي اجراها كل من سكوت الثاوس، وكالف ليتارو، من مركز كلاين للديمقراطية بجامعة الينويز في اوربانا-جامباين، فيبدو أنه قد تمت إزالة اثنتين من القوائم من الموقع الالكتروني.
كان عدد اعضاء التحالف عشية حرب العراق يبلغ 45 دولة، لكن الباحثين وجدوا ان عمليات مسح القوائم الاولى ومراجعة المستندات الحساسة جعلت القائمة تبدو وكأنها تضم 49 دولة.
وتمت ت إزالة دولتين اخريين كانتا قد ادرجتا في القوائم السابقة على اساس انها شركاء في التحالف، لكن القوائم المُحدّثة ظلت تحمل التاريخ الاصلي ولم يُذكر انها قد تغيرت.
وقد اكد مسؤولو البيت الابيض يوم الاثنين ان اسماء اثنتين من الدول قد تمت ت ازالتهما من قائمة الشركاء في التحالف المنشورة على الموقع الالكتروني، وذلك بناء على طلب من هاتين الدولتين. فقد تمت ت إزالة كل من كوستاريكا وانغولا، لكن انغولا ظهرت لاحقا في القائمة.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض يوم الاثنين ان البيت الابيض تبنى في السنوات الاخيرة سياسة تقضي بان يتمت تأشير تاريخ اجراء مثل هذه التغييرات على الموقع الالكتروني.
لكن يبدو انه لم يتمت العمل بهذه السياسة بالنسبة للمنشورات التي تعود الى الجهود الاولى في الحرب.
وكتب الباحثان بجامعة الينويز في دراستهما: «سواء تمت فعل ذلك عن سابق تصميم او نتج عن اهمال غير مقصود، فإن النتيجة واحدة: تؤدي إزالة ومراجعة وثائق البيت الابيض الى اضطراب السجلات التاريخية حول ما قالته او فعلته حكومتنا.» وقد تتبعت الدراسة خمس وثائق منشورة على الموقع الالكتروني، والتي ضمت عدداً واسماء الشركاء في التحالف.
وتوصل الباحثان الى ان اثنتين من القوائم قد تمت ازالتهما، الاولى في اواخر عام 2004، والاخرى في اواخر عام 2005 او بداية عام 2006. ويقول الباحثان: «هاتين القائمتان (المفقودتان) انما تمت ثلان قوائم اقدم واصغر عن اعضاء التحالف».
وتوصلت الدراسة ايضا الى ان القائمة المنشورة بتاريخ 21 آذار 2003 تظهر عدد الدول المشاركة في التحالف 46 دولة، بضمنها الولايات المتحدة. ولكن تمت تحديث القائمة في نيسان من نفس العام، لاضافة انغولا واوكرانيا، ما يجعل العدد الكلي 48 دولة.
وعلق الباحثان على ذلك بالقول: «بدلا من ان يقوم البيت الابيض بإصدار قائمة جديدة تحمل تاريخا جديدا، فانه اتخذ خطوة غير معتادة بان يتمت تغيير الاصدار الصحفي الاصلي المؤرخ في 21 آذار بأثر رجعي، من دون ان يتمت وضع ملاحظة تشير الى التعديلات التي اجريت على الاصل».
كما قام البيت الابيض في 13 نيسان 2003، او قبل هذه التاريخ، بنشر قائمة محدثة بالدول الحليفة، حيث تمت اضافة (تونغا) الى القائمة السابقة التي كانت تضم 48 دولة. ثم ازيلت القائمة مؤقتا من الموقع في عام 2004، لتعود الى الظهور مجددا في 3 تشرين الثاني من عام 2004، مع اجراء تنقيحات.
هذه القائمة المنقحة حملت تاريخا للنشر يعود الى 27 آذار من عام 2003، أي قبل اكثر من سنة ونصف من اجراء التعديلات، كما اكد تقرير الباحثين. وتمت تعديل القائمة مرة اخرى بتغيير عدد الدول المشاركة في التحالف الى 49 دولة، برغم ان الوثيقة عددت اسماء 48 دولة فقط، بإزالة كوستاريكا.
Tuesday, December 02, 2008
أمريكا تحصل على انتصار ضعيف
عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن – تضع الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة بداية لنهاية الحرب في العراق. غير انها ليست الا البداية، في اية حال، حيث توجد بنود الاتفاقية ظروفاً من عدم الثقة، والتي من شأنها ان تحدث اضطراباً في انسحاب القوات الاميركية من العراق، الذي يفترض ان يكون سلسا. تحدد هذه الاتفاقية – وتشتمل على "اطار عمل ستراتيجي" عام، واتفاقية امنية اكثر تفصيلاً، واللتين صادق عليهما البرلمان العراقي يوم الخميس الماضي– مواعيد نهائية طالما رغبت فيها المدن التي حصلت فيها الحروب. ويتطلب من القوات الاميركية، بموجب هاتين الاتفاقيتين، ان تنسحب باجمعها من العراق قبل 31 كانون الاول 2011، لكنهما لا تعطيان جدولا زمنيا للانسحاب، ويمكن –نظريا– ان تضيف ثلاث سنوات اخرى الى الحرب، التي استمرت خمس سنوات ونصف حتى الان.
كما وافقت الولايات المتحدة على ازالة جميع القوات القتالية من المدن والقرى العراقية بنهاية حزيران، لكن الاتفاقيتين تصمتان ازاء اعداد القوات "القتالية"، والى اين سوف تتحرك تحديدا. فقد تـُركت هذه القرارات على عاتق لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة، وهي لجنة مؤلفة من اميركيين وعراقيين، قد تثبت انها جسم غريب تماما مثل اسمها المختصر Jmocc.
سوف يكون لهذه اللجنة صلاحية المصادقة على العمليات العسكرية الاميركية، واستخدام القواعد والمنشآت، واعتقال العراقيين من قبل القوات الاميركية، حتى – في حالات نادرة على ما يبدو – محاكمة الجنود الاميركيين المتهمين في "جنايات قتل متعمدة" التي ترتكب خارج الواجب وخارج القواعد العسكرية. يمكن ان تتوافر ظروف عديدة تسبب توتراً في العلاقات، بل وقد تؤدي الى التصادم.
كتب ترافس شارب، محلل شؤون الدفاع في مجلس العالم القابل للعيش، وهي منظمة غير نفعية، في بيان صدر بعد تصويت البرلمان العراقي: "تبقى علامات الاستفهام تحوم حول حرية القوات الاميركية في القيام بالعمليات القتالية، والالتزامات الامنية الفضفاضة، وحماية المنشآت الحيوية العراقية".
وقد عارضت هذه المنظمة الحرب مدة طويلة، ولكن بيانها ينص على انها تساند الاتفاقيتين. والسبب في ذلك يعود الى كون بعض البنود والتعريفات فضفاضة بما يتيح للرئيس المنتخب باراك اوباما مقداراً لا بأس به من المرونة لتنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب.
ان كسب تأييد منظمة معارضة للحرب مثل هذه يعد انتصاراً للرئيس بوش، برغم كونه مشوشا. كما انه يبرر اصرار اوباما على إيجاد جدول زمني للانسحاب، مرغماً الأمريكيين والعراقيين على التفكير في الزمن الذي يعقب رحيل القوات الامريكية التي تحتل البلاد.
وقد بدأ القادة الاميركيون بالفعل في التخطيط لوضع جدول زمني لانسحاب الالوية القتالية يقترب كثيراً من وجهة نظر اوباما، وأسرع مما كان يبدو ممكناً قبل عام مضى.
وفي الوقت نفسه تترك الاتفاقيتان مجالاً للاحتفاظ بقوات اكبر في مكانها مما كان انصار اوباما يتطلع اليه، حيث سيبقى عشرات الآلاف من القوات الاميركية للتدريب والاغراض المساندة الاخرى، في الوقت الراهن على الاقل.
وقد رحبت بروك اندرسون، المستشارة والناطقة باسم فريق اوباما الانتقالي، بالمصادقة العراقية على الاتفاقيتين، قائلا ان فريق اوباما كان "متشجعاً لرؤية التقدم" في بناء الظروف التي تحكم الوجود الاميركي بعد نفاد تفويض الامم المتحدة بنهاية العام.
والسبب في ان الاتفاقيتين تعدان نصراً الى بوش يكمن في ان ادارته قد فاوضت بفاعلية من اجل انهاء الحرب المكلفة والتي لا تحظى بتأييد شعبي، والتي بدأت عام 2003 تحت ذريعة انهاء اسلحة العراق غير التلقيدية، والتي فقدت مصداقيتها منذ ذلك الحين.
وقد اضطر الرئيس بوش، في فترة الشهر المتبقية من فترته الرئاسية، على التنازل عن معارضته المبدئية لاية مواعيد نهائية للانسحاب الاميركي، وهو ما حث عليه اوباما على مسار حملته الانتخابية، ووافق على المطالب العراقية في ان يكون لهم دور متزايد في حكم بلدهم في نفس الوقت.
يقول جوردان جوندور، الناطق باسم السيد بوش: "مع اخذ ما كنا عليه في كانون الثاني عام 2007 بنظر الاعتبار، فقد شهدنا مدى من التقدم في القضايا السياسية والاقتصادية والامنية لم يكن يخطر على البال"، وذلك في تصريح يصف الاتفاقيتين بانهما دليل على نجاح ستراتيجية الرئيس بوش. مضيفا: "هذا التقدم بلغ حداً بحيث ان تحسن الظروف اتاح لنا ان نتوصل الى اتفاقية متبادلة مع العراق كامل السيادة الذي يحل مشاكله من خلال العملية السياسية، وليس من خلال البنادق والقنابل".
وقد اثار قبول الرئيس بوش بعراق ذي سيادة مخاوف لدى بعض كبار الديمقراطيين في الكونغرس، ومن بينهم كارل ليفين عن ولاية ميتشيغان، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة، ونظيره في مجلس النواب، النائب ايكي سكليتون عن ولاية ميزوري.
لكن أي انسحاب من العراق سوف يصاحبه حتما تأكيد اقوى على سيادة العراق، وبالتالي فترة من عدم الثقة، وذلك حين يتم تسليم السيطرة على العمليات القتالية من الجيش الاميركي الى العراقيين.
فعلى سبيل المثال، تعطي المادة التاسعة من الاتفاقية، التي تتحكم في القوات الامنية، للعراق حق السيطرة على مجاله الجوي أول مرة منذ ان بدأت الحرب، لكنها تمضي الى القول بانه يمكن للعراق ان يطلب "دعما مؤقتا" من الولايات المتحدة.
وما يزال من غير الواضح كم من القوات الاميركية يتوقع ان تبقى منذ الآن حتى الموعد النهائي للانسحاب، وفيما اذا كان أي منها يمكن ان يبقى بعد ذلك الموعد. لكن من الواضح انه مع بداية حزيران، حينما يبدأ مفعول الاتفاقيات بالسريان، فان العمليات التي تقودها اميركا في العراق سوف تنفد تحت قيود مشددة.
ويشير تاريخ الحرب الى ان المكاسب الامنية يمكن ان تنتكس، فمهما استؤنفت المصالحة السياسية فإن نشوب اعمال العنف سوف يؤدي الى انقطاعها مجددا، بحيث يتوجب على القوات الاميركية الاستمرار في الاشراف على الفسيفساء الطائفية والعرقية والتي يمكن ان تعود سريعا الى الحرب الاهلية.وقد وافقت حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، ضمن جهودها للفوز بمصادقة البرلمان العراقي، على عرض الاتفاقيات للاستفتاء العام في العام المقبل. واذا جاء التصويت الشعبي بالرفض، فيمكن ان يضع ذلك القوات الاميركية في العراق، التي لن تكون اقل من 100,00 جدي باي حال، في مفترق طرق قانوني، وذلك بغياب تفويض الامم المتحدة الذي يفترض ان تحل الاتفاقيتان محله نهاية هذا العام.
تقول منظمة شبكة الامن الوطنية، وهي مجموعة سياسية مؤلفة في معظمها من الديمقراطيين الذين انتقدوا بحدة سياسة الرئيس بوش: "من الواضح تماما ان ادارة بوش سوف تترك لادارة اوباما وضعا مرتبكا ومعقدا وغير مستقر في العراق"، لكن ان إدارة بوش تركت أيضاً لـ(اوباما) طريقاً للخروج.
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن – تضع الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة بداية لنهاية الحرب في العراق. غير انها ليست الا البداية، في اية حال، حيث توجد بنود الاتفاقية ظروفاً من عدم الثقة، والتي من شأنها ان تحدث اضطراباً في انسحاب القوات الاميركية من العراق، الذي يفترض ان يكون سلسا. تحدد هذه الاتفاقية – وتشتمل على "اطار عمل ستراتيجي" عام، واتفاقية امنية اكثر تفصيلاً، واللتين صادق عليهما البرلمان العراقي يوم الخميس الماضي– مواعيد نهائية طالما رغبت فيها المدن التي حصلت فيها الحروب. ويتطلب من القوات الاميركية، بموجب هاتين الاتفاقيتين، ان تنسحب باجمعها من العراق قبل 31 كانون الاول 2011، لكنهما لا تعطيان جدولا زمنيا للانسحاب، ويمكن –نظريا– ان تضيف ثلاث سنوات اخرى الى الحرب، التي استمرت خمس سنوات ونصف حتى الان.
كما وافقت الولايات المتحدة على ازالة جميع القوات القتالية من المدن والقرى العراقية بنهاية حزيران، لكن الاتفاقيتين تصمتان ازاء اعداد القوات "القتالية"، والى اين سوف تتحرك تحديدا. فقد تـُركت هذه القرارات على عاتق لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة، وهي لجنة مؤلفة من اميركيين وعراقيين، قد تثبت انها جسم غريب تماما مثل اسمها المختصر Jmocc.
سوف يكون لهذه اللجنة صلاحية المصادقة على العمليات العسكرية الاميركية، واستخدام القواعد والمنشآت، واعتقال العراقيين من قبل القوات الاميركية، حتى – في حالات نادرة على ما يبدو – محاكمة الجنود الاميركيين المتهمين في "جنايات قتل متعمدة" التي ترتكب خارج الواجب وخارج القواعد العسكرية. يمكن ان تتوافر ظروف عديدة تسبب توتراً في العلاقات، بل وقد تؤدي الى التصادم.
كتب ترافس شارب، محلل شؤون الدفاع في مجلس العالم القابل للعيش، وهي منظمة غير نفعية، في بيان صدر بعد تصويت البرلمان العراقي: "تبقى علامات الاستفهام تحوم حول حرية القوات الاميركية في القيام بالعمليات القتالية، والالتزامات الامنية الفضفاضة، وحماية المنشآت الحيوية العراقية".
وقد عارضت هذه المنظمة الحرب مدة طويلة، ولكن بيانها ينص على انها تساند الاتفاقيتين. والسبب في ذلك يعود الى كون بعض البنود والتعريفات فضفاضة بما يتيح للرئيس المنتخب باراك اوباما مقداراً لا بأس به من المرونة لتنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب.
ان كسب تأييد منظمة معارضة للحرب مثل هذه يعد انتصاراً للرئيس بوش، برغم كونه مشوشا. كما انه يبرر اصرار اوباما على إيجاد جدول زمني للانسحاب، مرغماً الأمريكيين والعراقيين على التفكير في الزمن الذي يعقب رحيل القوات الامريكية التي تحتل البلاد.
وقد بدأ القادة الاميركيون بالفعل في التخطيط لوضع جدول زمني لانسحاب الالوية القتالية يقترب كثيراً من وجهة نظر اوباما، وأسرع مما كان يبدو ممكناً قبل عام مضى.
وفي الوقت نفسه تترك الاتفاقيتان مجالاً للاحتفاظ بقوات اكبر في مكانها مما كان انصار اوباما يتطلع اليه، حيث سيبقى عشرات الآلاف من القوات الاميركية للتدريب والاغراض المساندة الاخرى، في الوقت الراهن على الاقل.
وقد رحبت بروك اندرسون، المستشارة والناطقة باسم فريق اوباما الانتقالي، بالمصادقة العراقية على الاتفاقيتين، قائلا ان فريق اوباما كان "متشجعاً لرؤية التقدم" في بناء الظروف التي تحكم الوجود الاميركي بعد نفاد تفويض الامم المتحدة بنهاية العام.
والسبب في ان الاتفاقيتين تعدان نصراً الى بوش يكمن في ان ادارته قد فاوضت بفاعلية من اجل انهاء الحرب المكلفة والتي لا تحظى بتأييد شعبي، والتي بدأت عام 2003 تحت ذريعة انهاء اسلحة العراق غير التلقيدية، والتي فقدت مصداقيتها منذ ذلك الحين.
وقد اضطر الرئيس بوش، في فترة الشهر المتبقية من فترته الرئاسية، على التنازل عن معارضته المبدئية لاية مواعيد نهائية للانسحاب الاميركي، وهو ما حث عليه اوباما على مسار حملته الانتخابية، ووافق على المطالب العراقية في ان يكون لهم دور متزايد في حكم بلدهم في نفس الوقت.
يقول جوردان جوندور، الناطق باسم السيد بوش: "مع اخذ ما كنا عليه في كانون الثاني عام 2007 بنظر الاعتبار، فقد شهدنا مدى من التقدم في القضايا السياسية والاقتصادية والامنية لم يكن يخطر على البال"، وذلك في تصريح يصف الاتفاقيتين بانهما دليل على نجاح ستراتيجية الرئيس بوش. مضيفا: "هذا التقدم بلغ حداً بحيث ان تحسن الظروف اتاح لنا ان نتوصل الى اتفاقية متبادلة مع العراق كامل السيادة الذي يحل مشاكله من خلال العملية السياسية، وليس من خلال البنادق والقنابل".
وقد اثار قبول الرئيس بوش بعراق ذي سيادة مخاوف لدى بعض كبار الديمقراطيين في الكونغرس، ومن بينهم كارل ليفين عن ولاية ميتشيغان، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة، ونظيره في مجلس النواب، النائب ايكي سكليتون عن ولاية ميزوري.
لكن أي انسحاب من العراق سوف يصاحبه حتما تأكيد اقوى على سيادة العراق، وبالتالي فترة من عدم الثقة، وذلك حين يتم تسليم السيطرة على العمليات القتالية من الجيش الاميركي الى العراقيين.
فعلى سبيل المثال، تعطي المادة التاسعة من الاتفاقية، التي تتحكم في القوات الامنية، للعراق حق السيطرة على مجاله الجوي أول مرة منذ ان بدأت الحرب، لكنها تمضي الى القول بانه يمكن للعراق ان يطلب "دعما مؤقتا" من الولايات المتحدة.
وما يزال من غير الواضح كم من القوات الاميركية يتوقع ان تبقى منذ الآن حتى الموعد النهائي للانسحاب، وفيما اذا كان أي منها يمكن ان يبقى بعد ذلك الموعد. لكن من الواضح انه مع بداية حزيران، حينما يبدأ مفعول الاتفاقيات بالسريان، فان العمليات التي تقودها اميركا في العراق سوف تنفد تحت قيود مشددة.
ويشير تاريخ الحرب الى ان المكاسب الامنية يمكن ان تنتكس، فمهما استؤنفت المصالحة السياسية فإن نشوب اعمال العنف سوف يؤدي الى انقطاعها مجددا، بحيث يتوجب على القوات الاميركية الاستمرار في الاشراف على الفسيفساء الطائفية والعرقية والتي يمكن ان تعود سريعا الى الحرب الاهلية.وقد وافقت حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، ضمن جهودها للفوز بمصادقة البرلمان العراقي، على عرض الاتفاقيات للاستفتاء العام في العام المقبل. واذا جاء التصويت الشعبي بالرفض، فيمكن ان يضع ذلك القوات الاميركية في العراق، التي لن تكون اقل من 100,00 جدي باي حال، في مفترق طرق قانوني، وذلك بغياب تفويض الامم المتحدة الذي يفترض ان تحل الاتفاقيتان محله نهاية هذا العام.
تقول منظمة شبكة الامن الوطنية، وهي مجموعة سياسية مؤلفة في معظمها من الديمقراطيين الذين انتقدوا بحدة سياسة الرئيس بوش: "من الواضح تماما ان ادارة بوش سوف تترك لادارة اوباما وضعا مرتبكا ومعقدا وغير مستقر في العراق"، لكن ان إدارة بوش تركت أيضاً لـ(اوباما) طريقاً للخروج.
Subscribe to:
Posts (Atom)