عن هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – قـُتلت أختاها لدى محاولتهما الفرار من الفلوجة عام 2004، ثم قـُتل زوجها في تفجير سيارة مفخخة في بغداد بعد وقت قصير من حَملها. وحينما بلغ احد وليديها التوأمين خمسة اشهر من عمره قـُتل في تفجير قنبلة زرعت بسوق في بغداد.
واليوم تعيش نجاة جليل كاظم ذات الثلاثة والعشرين ربيعا مع ابنتها الوحيدة الباقية في مجمع مقطورات لارامل الحرب وعوائلهم في احد اشد الاحياء فقراً في العاصمة العراقية. لكن ذلك يجعلها في عداد المحظوظين. فهذا المجمع السكني الذي يدعى "الوفاء"، هو من بين المجمعات القليلة التي تصلها برامج المساعدات الإنسانية التي تقدم للأرامل العراقيات اللائي يقدر عددهن بـ 740,000 ارملة، ويضم المجمع 750 فرداً.
وبينما تضخم اعداد الأرامل نتيجة ست سنوات من الحرب، فان وجود بعضهن في الشوارع لاستجداء الطعام، او ان يتم تجنيدهن على يد المتمردين قد اصبح علامة مقلقة على ما آل اليه الاكتفاء الذاتي في العراق، كانت النسوة اللائي فقدن ازواجهن يحظين بالرعاية من قبل، ليس من قبل عوائلهن فحسب، بل ومن جيرانهن ومن المساجد.
ولكن مع ترسخ الحرب، فان الحكومة ومنظمات الخدمات الاجتماعية يقولون ان حاجات النساء قد تجاوزت المساعدات المتوفرة، ما يشكل تهديدا لبنية البلاد الاجتماعية على ضعفها.
يقر المسؤولون ان من غير الراجح ان يحدث تغيير كبير في هذا الشأن مع ضعف الاقتصاد واعتماده بالكامل تقريبا على تصدير النفط الخام، ومع انشغال الحكومة في عملية اعادة الاعمار واخماد العنف الطائفي.
تقول ليلى كاظم، مديرة الادارة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية: "لا يمكننا مساعدة كل شخص، هناك الكثير من طالبي المساعدة". يقدر ان هناك ارملة من بين كل احدى عشرة من النساء العراقيات اللواتي بين عمر 15 سنة و80 سنة، على الرغم من أن المسؤولين يقرون ان هذا الرقم ليس الا تخمينا، مع استمرار العنف وتهجير الملايين من الناس، ويقدر تقرير للامم المتحدة انه في اشد فترة عنف طائفي وقعت في عام 2006، فان عددا يبلغ 90 الى 100 امرأة قد أصبحت ارملة في كل يوم.
يصعب تجاهل وجود ارامل الحرب في المدن الكبرى مثل بغداد. فهن يَجبنَ صفوف السيارات المنتظرة قرب نقاط التفتيش، وقد تلفعن بعباءاتهن السود، ليستجدين نقودا او طعاماً، كما تجدهن يَقفنَ في طابور قرب مسجد بانتظار الحصول على بطانية، او يَبحثنَ بين اكوام القمامة عن ما يمكن ان يَفدنَ منه. وبعضهن يَعشنَ مع اطفالهن في الحدائق العامة او داخل دورات المياه في محطات الوقود.
ويقدر الجيش العراقي ان عدد الارامل اللائي تحولن الى مفجرات انتحاريات اصبح يُعد بالعشرات.
وقد شكلت الحكومة في الاسابيع القليلة الماضية لجنة للنظر في هذه المشكلة، وقد اطلقت حملة لاعتقال الشحاذين والمتشردين، ومن بينهم ارامل الحرب.
كما تفاعلت القضية في الرأي العام بطرق غير اعتيادية في الاونة الأخيرة وفي غضون الانتخابات المحلية التي اجريت مؤخرا، قام المتنافسون بالإشارة الى معاناة الارامل من خلال اغانٍ تفطر القلب، لكن هذه المشاعر يجب ان تترجم الى فعل سياسي.
وقد توقفت الجهود الرامية لزيادة التخصيصات المقدمة للأرامل، والتي تبلغ حاليا 50 دولاراً لكل ارملة، إضافة الى 12 دولاراً لكل طفل. وعلى سبيل المقارنة فان العبوة ذات الخمس لترات من وقود السيارات، والذي يستخدم ايضا في مولدات الكهرباء المنزلية، تباع بسعر 3دولارات.
ومع هذا فان نحو 120.000 من الأرامل فقط، أي واحدة من كل ست، يتسلمنَ مساعدات حكومية حسبما تشير الأرقام الحكومية. تقول سميرة الموسوي، رئيسة لجنة شؤون المرأة في البرلمان: "هذا ابتزاز. ليس لدينا قانون يعالج هذه النقطة. لا تحتاج الأرامل الى دعم مؤقت، ولكن الى حل دائم"
تقترح الخطة الأخيرة التي اعدها مازن الشاهين، مدير لجنة المهجرين في بغداد، وهي وكالة تابعة لإدارة المدينة، ان يتم دفع اموال للرجال مقابل زواجهم من الأرامل، وهو يقول: "لا توجد محاولات جادة من الحكومة الوطنية لإصلاح هذه المشكلـــــة، لذلـــــك قدمت برنامجي الخاص".. ضحك شاهين حينما سألناه لماذا لا يتم اعطاء الأموال الى الارامل مباشرة؟
وقال: "اذا اعطينا الأموال الى الأرامل فانهن سوف ينفقنها بدون حكمة لانهن غير متعلمات ولا يعرفن شيئا على موازنة النفقات. لكننا اذا وجدنا لهن أزواجاً فانهم سوف يكونون مسؤولين عنهن وعن أولادهن لبقية حياتهن. هذا ما جرت عليه تقاليدنا وقوانينا".
يقول عبد الله العفار، الذي يدير منظمة مريم للاطفال الخيرية في بغداد انه قد اصبح مستاءا من نقص الدعم الحكومي لدرجة انه بدأ في رفض استقبال ارامل الحرب، ويقول انه يخطط لإغلاق منظمته بالكامل في هذا الشهر.
ويضيف، وهو يتساءل عن اولويات الحكومة: "اذا استمر الموقف الحالي فسوف نكون مثل الهند، فهم مشغولون في بناء النوافير العامة بينما لا يوجد ماء في مغاسل بيوتنا".
وكــان مجمع الوفاء قد تم افتتــــاحه فــي منطقة الشعـــــــب ببغـــــداد قبل اربعة اشهر. وهو يحتوي على 150 مقطورة متطابقة الشكل مصنوعة من الالومنيوم، وضعت في خطوط متوازية الى جوار بركة ماء، وقد بدأت واجهاتها البيضاء بالتحول الى اللون الاسمر نتيجة العواصف الرملية.
وعلى مسافة ليست بعيدة من مقطورة السيدة كاظم، يعمل احمد حسن شرمل، وهو يبلغ 58 عاما من العمر، على نقل عائلته ذات الثلاثين فردا الى المقطورتين رقم 39 و40، لقد ترملت ثلاث من زوجات اولاده. ويبدو ان الاطفال اليتامى يملأون كل ركن متاح في المقطورة، يلعبون ويمرحون بينما تتساءل امهاتهم اين سينام الجميع.
فقدَ شرمل، ثلاثة من اولاده في العنف الطائفي في محافظة ديالى، والتي كانت مركز التمرد خلال 10 شهور في عام 2006.
وقد قتل احد اولاده، وكان طبيبا، في موقف للسيارات بينما كان يمشي نحو سيارته.. ومات الثاني إثر رشقات من الرصاص أطلقها رجل مسلح عبر ساحة للعب كرة القدم، اما الثالث، وكان شرطيا، فقد قتل باطلاقة على مؤخرة رأسه بينما كان ذاهبا في طريقه للعمل.
السيدة جنان، التي تبلغ 25 عاما من العمر، هي زوجة الطبيب، وهي لا تملك مالا وليس لها الا حرية قليلة.. يقول احد أخوة زوجها، وهو رجل شرطة سابق وعاطل عن العمل الان، انه يخطط للزواج منها، وهي عملية اقتران تم ترتيبها بين افراد العائلة، وبينما كان يتحدث الينا، تنحنح ابنها ذو الأربعة اعوام في حضن حماتها.
بعد وقت قصير، لن تعود جنان أرملة، لكنها ترفض ان تنظر الى الرجل الذي اختير ليكون زوجها، فبينما تعلق رأسها كما لو كانت تريد البكاء، يستمر الحديث من دون مشاركتها.
Thursday, February 26, 2009
Tuesday, February 24, 2009
إعادة افتتاح سجن (أبو غريب) الشهير باسم ومهمة جديدين
عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
أعادت الحكومة العراقية تسمية سجن ابو غريب الشهير الواقع على اطراف بغداد، كما قامت بترميم اجزاء منه، وتخطط لتسفير نحو ثلاثة الآف من المحكومين ليشغلوه، وهم اول من سيسكن السجن منذ ان قام الاميركيون بتسليمه عام 2006.
تقول الحكومة انها بحاجة ماسة الى سجن ابو غريب –الذي اصبح اسمه سجن بغداد المركزي– ومراكز الاعتقال الاخرى في انحاء البلاد والتي تم ترميمها من قبل الاميركيين. يقول صفاء الدين الصافي، الذي كان وزيرا للعدل بالوكالة على مدى عامين، ان الحاجة ناشئة عن اكتظاظ السجون بالنزلاء واستمرار التهديدات الامنية.
وقد اصبح القاضي دارا نور الدين ، الذي كان سجينا في ابو غريب عام 2002، وزيراً للعدل. وقد اطلق سراح نور الدين في تشرين الثاني من ذلك العام بعد ان اخلى صدام جميع السجون قبل الغزو الاميركي. وعلى الرغم من شهرة سجن ابو غريب السيئة تحت حكم صدام حسين كمكان للتعذيب والاعدام، لكنه ربما دُمغ حول العالم وللابد بالصور التي نشرت عام 2004، والتي تضمنت نزلاء عراقيين يتعرضون الى الاساءة والتحقير الجنسي على يد الجنود والمحققين الاميركيين.
ويعارض بعض الضحايا، والذين رفعوا دعاوى قضائية ضد المتعاقدين الاميركيين الذين رفدوا سجن ابو غريب بالمحققين والمترجمين عندما كان تحت السيطرة الاميركية، يعارضون اعادة فتح الموقع كسجن ويريدون ان يتم تحويله الى متحف يخلد معاناة العراقيين. بينما يقول آخرون انه يجب –ببساطة– هدمه بالكامل.
لكن الحكومة العراقية عازمة على تشغيل السجن. يقول الصافي، وهو ايضا وزير الدولة للشؤون البرلمانية وأحد ثقاة رئيس الوزراء نوري المالكي: «ليس من السهل علينا اضاعة موارد الدولة. نعم، لقد كانت لهذا السجن سمعة سيئة، لكن هذا ليس –في ذاته– عذرا لهدم السجن، مع اخذ حاجتنا اليه بنظر الاعتبار.»
ويضيف الصافي ان الاحتفاظ بسجن ابو غريب على انه سجن بغداد المركزي وتغيير مهمته الى اعادة التأهيل سوف يساعدان على ازالة بعض العار الذي لحق به.
ويؤكد الصافي انه قد اشرف شخصيا على تجديد الزنزانات التي شهدت اعظم الاساءات التي ارتكبها الجنود والمتعاقدون الاميركيون، وان السجن يضم الآن صفوفا دراسية ومكتبة واراضي لممارسة البستنة والزراعة المحمية وورش عمل لتعليم النزلاء الخياطة والحلاقة ومهارات الحاسوب.
يقع سجن ابو غريب، الذي صممه المعماري الاميركي ادموند وايتنغ وبناه المتعاقدون البريطانيون في أواخر الستينيات، على بعد 24 كيلومتراً غرب بغداد، ويحتل مساحة تقدر بـ 113 هكتاراً.
ويفتخر الصافي بان الحكومة العراقية استطاعت ان تنجز اعمال تجديد السجن المحدودة بمبلغ مليون دولار، مقارنة بعدة ملايين من الدولارات انفقتها الوكالات الحكومية الاميركية في مشاريع مماثلة في انحاء البلاد.
وعدد الصافي، وهو يقرأ وثيقة على مكتبه، مشاريع ترميم السجون التي مولتها الولايات المتحدة في البصرة واقليم كردستان والناصرية والرمادي، والتي بلغت كلفتها الاجمالية نحو مئة مليون دولار.
ويقول الصافي ان هناك ما يقرب من 17,000 نزيل في السجون التي تديرها وزارة العدل، ويضاف الى هذا الرقم اعداد اخرى من الموقوفين من قبل وزارة الداخلية والجهات الامنية الاخرى في الحكومة.
ويحتفظ الجيش الاميركي بنحو 14,500 سجين تحت تسمية «محتجز امني». ويقول الصافي انه يتم تفحص ملفاتهم على شكل دفعات تتألف من 1,500 سجين في كل دفعة، بحيث يتم بعدها اما اطلاق سراحهم او احالتهم الى النظام القضائي. وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الامنية التي عقدت بين بغداد وواشنطن في الخريف الماضي.
ويقدر الصافي انه ستتم –في نهاية الامر– ادانة 5,000 من الموقوفين في المعتقلات الاميركية من قبل محاكم عراقية ويتم ايداعهم السجون. وهو يقول ان هذه الزيادة المتوقعة في اعداد السجناء، اضافة الى زحام السجون العراقية الحالية، تجعلان اعادة فتح سجن ابو غريب امراً ملحاً.
لكن اعادة افتتاح السجن تثير الانزعاج بين الكثير من العراقيين، والذين لا يربطون هذا السجن مع الاساءات الاميركية فحسب، بل مع تاريخه الطويل من وحشية وقمع الحكومة ايضا.
وكانت منظمة مراقبة حقوق الانسان قد أكدت هذه المخاوف في تقريرها الذي اصدرته في شهر كانون الاول وحذرت من ان عمليات الاعتقال الطويلة بدون محاكمة، وتكرار الاساءة الى المعتقلين في السجون العراقية، بضمنها استخلاص الاعترافات بالقوة والاعتقال بناء على شهادة المخبرين السريين، «تظهر استمرارا يبعث على الانزعاج» للاساءات التي كانت تمارس في عهد صدام.
يقول حسن العزاوي، الذي امضى سبعة اشهر في هذا السجن عام 2004 حينما كان تحت الادارة الاميركية، ان اعادة فتح السجن تمثل تقصيرا في التزام الحكومة بالمصالحة الوطنية، او لعلها تخفي نيتها في حشو السجن بمعارضيها.
والعزاوي، وهو يبلغ 50 عاما من العمر، هو احد 300 نزيل سابق يقاضون اثنين من المتعاقدين الاميركيين، هما (سي أيه سي أي العالمية) و(مجموعة تايتن)، وذلك عن اعمال التعذيب والاساءة في المحاكم الاميركية. وكانت هاتان الشركتان قد جهزتا الجيش الاميركي بالمحققين والمترجمين.
ووصف مشتكٍ آخر يدعى اسعد، وقد اعطى اسمه الاول فقط لان قضيته ما زالت معلقة، بالتفصيل طرق التعذيب التي استخدمتها فرق التحقيق.
ويقول انه قد أجبر على البقاء لساعات تحت دوش من الماء البارد حتى ينهار. ثم يُسحب بعدها الى صالة الزنزانات، حيث يتوجب عليه، حسب ادعائه، ان يزحف عاريا على الارض الصلبة بينما يكزه الحراس ويهددوه بالاغتصاب. يقول اسعد، الذي يبلغ 36 عاما من العمر، انه قد تم تقييده ذات مرة الى سريره لمدة تزيد على يوم كامل.
ويضيف: «انا مجرد مواطن عادي وليس لي قول ذلك، لكني اعتقد انه من الافضل ان يتم تحويله إلى متحف. لقد حدثت اشياء فظيعة في ابو غريب.»
تجفل بلقيس شرارة وهي تستذكر كيف وضع زوجها رفعة الجادرجي، احد ابرز المعماريين العراقيين، في السجن قبل ثلاثين عاما بعد ان تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم «تخريب الاقتصاد» و»الخيانة العظمى» وذلك لرفضه العمل في مشروع تموله الدولة.
وهي تقول، متحدثة عبر الهاتف من منزل الزوجين في لندن: «لقد كانت تلك احلك الايام في حياتنا.»
ويستذكر الجاردجي، الذي يبلغ 83 عاما من العمر الآن، سماع اصوات جلسات التعذيب كل ليلة تقريبا، واعدام 180 من رفاقه المعتقلين السياسيين في السجن في يوم واحد. وقد اصدر صدام عفوا عنه في عام 1981 ومن ثم غادر الزوجان، في العام التالي، العراق نهائياً.
ترجمة: علاء غزالة
أعادت الحكومة العراقية تسمية سجن ابو غريب الشهير الواقع على اطراف بغداد، كما قامت بترميم اجزاء منه، وتخطط لتسفير نحو ثلاثة الآف من المحكومين ليشغلوه، وهم اول من سيسكن السجن منذ ان قام الاميركيون بتسليمه عام 2006.
تقول الحكومة انها بحاجة ماسة الى سجن ابو غريب –الذي اصبح اسمه سجن بغداد المركزي– ومراكز الاعتقال الاخرى في انحاء البلاد والتي تم ترميمها من قبل الاميركيين. يقول صفاء الدين الصافي، الذي كان وزيرا للعدل بالوكالة على مدى عامين، ان الحاجة ناشئة عن اكتظاظ السجون بالنزلاء واستمرار التهديدات الامنية.
وقد اصبح القاضي دارا نور الدين ، الذي كان سجينا في ابو غريب عام 2002، وزيراً للعدل. وقد اطلق سراح نور الدين في تشرين الثاني من ذلك العام بعد ان اخلى صدام جميع السجون قبل الغزو الاميركي. وعلى الرغم من شهرة سجن ابو غريب السيئة تحت حكم صدام حسين كمكان للتعذيب والاعدام، لكنه ربما دُمغ حول العالم وللابد بالصور التي نشرت عام 2004، والتي تضمنت نزلاء عراقيين يتعرضون الى الاساءة والتحقير الجنسي على يد الجنود والمحققين الاميركيين.
ويعارض بعض الضحايا، والذين رفعوا دعاوى قضائية ضد المتعاقدين الاميركيين الذين رفدوا سجن ابو غريب بالمحققين والمترجمين عندما كان تحت السيطرة الاميركية، يعارضون اعادة فتح الموقع كسجن ويريدون ان يتم تحويله الى متحف يخلد معاناة العراقيين. بينما يقول آخرون انه يجب –ببساطة– هدمه بالكامل.
لكن الحكومة العراقية عازمة على تشغيل السجن. يقول الصافي، وهو ايضا وزير الدولة للشؤون البرلمانية وأحد ثقاة رئيس الوزراء نوري المالكي: «ليس من السهل علينا اضاعة موارد الدولة. نعم، لقد كانت لهذا السجن سمعة سيئة، لكن هذا ليس –في ذاته– عذرا لهدم السجن، مع اخذ حاجتنا اليه بنظر الاعتبار.»
ويضيف الصافي ان الاحتفاظ بسجن ابو غريب على انه سجن بغداد المركزي وتغيير مهمته الى اعادة التأهيل سوف يساعدان على ازالة بعض العار الذي لحق به.
ويؤكد الصافي انه قد اشرف شخصيا على تجديد الزنزانات التي شهدت اعظم الاساءات التي ارتكبها الجنود والمتعاقدون الاميركيون، وان السجن يضم الآن صفوفا دراسية ومكتبة واراضي لممارسة البستنة والزراعة المحمية وورش عمل لتعليم النزلاء الخياطة والحلاقة ومهارات الحاسوب.
يقع سجن ابو غريب، الذي صممه المعماري الاميركي ادموند وايتنغ وبناه المتعاقدون البريطانيون في أواخر الستينيات، على بعد 24 كيلومتراً غرب بغداد، ويحتل مساحة تقدر بـ 113 هكتاراً.
ويفتخر الصافي بان الحكومة العراقية استطاعت ان تنجز اعمال تجديد السجن المحدودة بمبلغ مليون دولار، مقارنة بعدة ملايين من الدولارات انفقتها الوكالات الحكومية الاميركية في مشاريع مماثلة في انحاء البلاد.
وعدد الصافي، وهو يقرأ وثيقة على مكتبه، مشاريع ترميم السجون التي مولتها الولايات المتحدة في البصرة واقليم كردستان والناصرية والرمادي، والتي بلغت كلفتها الاجمالية نحو مئة مليون دولار.
ويقول الصافي ان هناك ما يقرب من 17,000 نزيل في السجون التي تديرها وزارة العدل، ويضاف الى هذا الرقم اعداد اخرى من الموقوفين من قبل وزارة الداخلية والجهات الامنية الاخرى في الحكومة.
ويحتفظ الجيش الاميركي بنحو 14,500 سجين تحت تسمية «محتجز امني». ويقول الصافي انه يتم تفحص ملفاتهم على شكل دفعات تتألف من 1,500 سجين في كل دفعة، بحيث يتم بعدها اما اطلاق سراحهم او احالتهم الى النظام القضائي. وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الامنية التي عقدت بين بغداد وواشنطن في الخريف الماضي.
ويقدر الصافي انه ستتم –في نهاية الامر– ادانة 5,000 من الموقوفين في المعتقلات الاميركية من قبل محاكم عراقية ويتم ايداعهم السجون. وهو يقول ان هذه الزيادة المتوقعة في اعداد السجناء، اضافة الى زحام السجون العراقية الحالية، تجعلان اعادة فتح سجن ابو غريب امراً ملحاً.
لكن اعادة افتتاح السجن تثير الانزعاج بين الكثير من العراقيين، والذين لا يربطون هذا السجن مع الاساءات الاميركية فحسب، بل مع تاريخه الطويل من وحشية وقمع الحكومة ايضا.
وكانت منظمة مراقبة حقوق الانسان قد أكدت هذه المخاوف في تقريرها الذي اصدرته في شهر كانون الاول وحذرت من ان عمليات الاعتقال الطويلة بدون محاكمة، وتكرار الاساءة الى المعتقلين في السجون العراقية، بضمنها استخلاص الاعترافات بالقوة والاعتقال بناء على شهادة المخبرين السريين، «تظهر استمرارا يبعث على الانزعاج» للاساءات التي كانت تمارس في عهد صدام.
يقول حسن العزاوي، الذي امضى سبعة اشهر في هذا السجن عام 2004 حينما كان تحت الادارة الاميركية، ان اعادة فتح السجن تمثل تقصيرا في التزام الحكومة بالمصالحة الوطنية، او لعلها تخفي نيتها في حشو السجن بمعارضيها.
والعزاوي، وهو يبلغ 50 عاما من العمر، هو احد 300 نزيل سابق يقاضون اثنين من المتعاقدين الاميركيين، هما (سي أيه سي أي العالمية) و(مجموعة تايتن)، وذلك عن اعمال التعذيب والاساءة في المحاكم الاميركية. وكانت هاتان الشركتان قد جهزتا الجيش الاميركي بالمحققين والمترجمين.
ووصف مشتكٍ آخر يدعى اسعد، وقد اعطى اسمه الاول فقط لان قضيته ما زالت معلقة، بالتفصيل طرق التعذيب التي استخدمتها فرق التحقيق.
ويقول انه قد أجبر على البقاء لساعات تحت دوش من الماء البارد حتى ينهار. ثم يُسحب بعدها الى صالة الزنزانات، حيث يتوجب عليه، حسب ادعائه، ان يزحف عاريا على الارض الصلبة بينما يكزه الحراس ويهددوه بالاغتصاب. يقول اسعد، الذي يبلغ 36 عاما من العمر، انه قد تم تقييده ذات مرة الى سريره لمدة تزيد على يوم كامل.
ويضيف: «انا مجرد مواطن عادي وليس لي قول ذلك، لكني اعتقد انه من الافضل ان يتم تحويله إلى متحف. لقد حدثت اشياء فظيعة في ابو غريب.»
تجفل بلقيس شرارة وهي تستذكر كيف وضع زوجها رفعة الجادرجي، احد ابرز المعماريين العراقيين، في السجن قبل ثلاثين عاما بعد ان تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم «تخريب الاقتصاد» و»الخيانة العظمى» وذلك لرفضه العمل في مشروع تموله الدولة.
وهي تقول، متحدثة عبر الهاتف من منزل الزوجين في لندن: «لقد كانت تلك احلك الايام في حياتنا.»
ويستذكر الجاردجي، الذي يبلغ 83 عاما من العمر الآن، سماع اصوات جلسات التعذيب كل ليلة تقريبا، واعدام 180 من رفاقه المعتقلين السياسيين في السجن في يوم واحد. وقد اصدر صدام عفوا عنه في عام 1981 ومن ثم غادر الزوجان، في العام التالي، العراق نهائياً.
Saturday, February 21, 2009
القوات العراقية تجتاز الاختبار
عن: فاينيشيال تايمز
ترجمة: علاء غزالة
تقف مجموعة من الجنود العراقيين في سلسلة من نقاط التفتيش على الطريق المؤدية الى منطقة الحيانية، الحي الاكثر فقرا والاصعب مراسا في مدينة البصرة، ليفتشوا السيارات المارة ويستجوبوا سائقيها. وفي بعض نقاط التفتيش هذه توجد حاملات الجنود المدرعة نوع همفي التي تبرعت بها الولايات المتحدة، وهي تحمل العلم العراقي ومحاطة بالاسلاك الشائكة، هذه المدرعات، إضافة الى تعدد نقاط التفتيش، تضفي جوا من عسكرة المنطقة.
لكن الحقيقة، في اية حال، ان نشر الجنود في منطقة الحيانية، التي كانت في الماضي منطقة محرمة ومعقلا للجماعات المسلحة، يعتبر اشارة على التقدم الحاصل في الجيش العراقي.
ان التحسن الامني المستمر قد اتضح اكثر ما يمكن من خلال الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي بسلام، كما ان استمرار تطور القوات الامنية العراقية الناشئة هو امر حيوي لاستقرار البلاد التي تنظر الولايات المتحدة وبريطانيا في سحب قواتهما منها.
في منطقة كهذه يكمن الاختبار الحقيقي للقوات العراقية. فهي المنطقة الصعبة التي كانت تعد مأوى المليشيات المسلحة وقد شهدت عددا من اشد المعارك في السنة الماضية حينما همّ الجيش بالسيطرة على مدينة البصرة، معقل هذه المليشيات.
مازال الحذر يخيم على حي الحيانية، لكن لا يوجد شك في ان البصراويين قد استعادوا احساسهم بالامن بسبب تلك العملية العسكرية الواسعة التي اطلق عليها صولة الفرسان.
وكان نجاح هذه العملية عاملا مهما وراء الظهور القوي للكتلة السياسية التي يدعمها رئيس الوزراء، نوري المالكي، في انتخابات الشهر الماضي.
لايزال السؤال فيما اذا كانت المليشيات قد هُزمت او انها ببساطة اختفت عن الانظار، يبحث عن اجابة، كما ان العملية العسكرية اظهرت بعض نقاط الضعف في القوات الامنية العراقية في الوقت نفسه الذي أظهرت فيه مكاسبها.
يقول الخبراء ان القوات الامنية العراقية اعتمدت على مساعدة قوات التحالف، في امور ليس اقلها الدعم التعبوي في الطعام والماء والذخيرة. وقد عانت كل من قوات الجيش والشرطة من انقطاع السبل اليهم، ويقدر هؤلاء ما بين عدة مئات الى الف من العناصر الامنية.
ويقول المسؤولون العسكريون العراقيون والغربيون ان الجيش قد حصل على تقدم منذ ذلك الحين، وتمكن من تحسين بنيته الهيكلية للسيطرة والتحكم ومن قدراته التعبوية، لكنهم، على كل حال، يقرون بوجود نقص في القوة في العمق على مستوى الضباط وضباط الصف.
ويقول احد ضباط الجيش العراقي ان اكبر مشاكلهم تكمن في نقص المعدات الثقيلة، ويشتكون من ان لديهم «سائقي دبابات بلا دبابات».
وهو يعبر أيضاً عن المخاوف من ان تؤدي اية صراعات بين الاحزاب السياسية ضمن الحكومة في المستقبل الى التأثير على فاعلية الجيش.
لكن الشرطة هي التي تدور حولها اكبر المخاوف في البصرة. فقبل شن عملية صولة الفرسان كان ينظر اليها على انها جزء من المشكلة، حيث يُعتقد انها كانت مخترقة من قبل عناصر المليشيات ويُشتبه في ضلوعها في اعمال قتل واختطاف.
كما قاتل العديد من رجال الشرطة اثناء العملية الى جانب المليشيات، وتم طرد 4000 منتسب بسبب علاقتهم معهم . يقول ضابط شرطة، وهو حاليا في دورة تدريبية على الادلة الجنائية في بريطانيا، ان القوات قد تحسن اداؤها، لكن اعضاء المليشيات مايزالون يتولون مواقع مهمة.
وهو يشارك الكثير من البصراويين مخاوفهم من ان تعاود المليشيات الظهور مجددا اذا سنحت لها الفرصة.
فهو يقول: «انهم (المليشيات) لا يفعلون أي شيء الان... لكنهم انما ينتظرون الاسد (القوات الاميركية) ليغادر ثم تعود الجرذان الى مواقعها ثانية».
وحينما سُئل هذا الضابط وزميل له فيما اذا كان بامكان الشرطة ان تسيطر على البصرة اذا انسحب الجيش، هزّ كل منهما رأسه.
ويلقي ضابط الشرطة باللائمة على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وحُجته في ذلك انها سمحت للاحزاب السياسية، التي يمتلك العديد منها مليشياه الخاصة، بأن تختار من سيكون في سلك الشرطة، ويضيف: «وهكذا وجدت نفسي فجأة اخدم المليشيا».
ويقول بعض الضباط البريطانيين انه لم تكن هناك خطة تدريب مناسبة، وان التحالف اغتر بعديد رجال الشرطة وليس مهاراتهم وقدراتهم.
ويتم اعداد الشرطة العسكرية الاميركية لتقديم المزيد من التدريب. لكن هناك شكاوى من عدم قدرة وزارة الداخلية على تجهيز القوات بكل شيء من الاقلام الى الاطلاقات النارية، كما يتطلب الامر عملا مضنيا لبناء ثقة البصراويين بالشرطة.
يقول احدهم: «لقد كانت الشرطة متخفية تحت بطانياتها (حينما غزت المليشيات البصرة)، واذا ذهب الجيش فان الشرطة سوف تعود الى التخفي تحت بطانياتها».
ترجمة: علاء غزالة
تقف مجموعة من الجنود العراقيين في سلسلة من نقاط التفتيش على الطريق المؤدية الى منطقة الحيانية، الحي الاكثر فقرا والاصعب مراسا في مدينة البصرة، ليفتشوا السيارات المارة ويستجوبوا سائقيها. وفي بعض نقاط التفتيش هذه توجد حاملات الجنود المدرعة نوع همفي التي تبرعت بها الولايات المتحدة، وهي تحمل العلم العراقي ومحاطة بالاسلاك الشائكة، هذه المدرعات، إضافة الى تعدد نقاط التفتيش، تضفي جوا من عسكرة المنطقة.
لكن الحقيقة، في اية حال، ان نشر الجنود في منطقة الحيانية، التي كانت في الماضي منطقة محرمة ومعقلا للجماعات المسلحة، يعتبر اشارة على التقدم الحاصل في الجيش العراقي.
ان التحسن الامني المستمر قد اتضح اكثر ما يمكن من خلال الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي بسلام، كما ان استمرار تطور القوات الامنية العراقية الناشئة هو امر حيوي لاستقرار البلاد التي تنظر الولايات المتحدة وبريطانيا في سحب قواتهما منها.
في منطقة كهذه يكمن الاختبار الحقيقي للقوات العراقية. فهي المنطقة الصعبة التي كانت تعد مأوى المليشيات المسلحة وقد شهدت عددا من اشد المعارك في السنة الماضية حينما همّ الجيش بالسيطرة على مدينة البصرة، معقل هذه المليشيات.
مازال الحذر يخيم على حي الحيانية، لكن لا يوجد شك في ان البصراويين قد استعادوا احساسهم بالامن بسبب تلك العملية العسكرية الواسعة التي اطلق عليها صولة الفرسان.
وكان نجاح هذه العملية عاملا مهما وراء الظهور القوي للكتلة السياسية التي يدعمها رئيس الوزراء، نوري المالكي، في انتخابات الشهر الماضي.
لايزال السؤال فيما اذا كانت المليشيات قد هُزمت او انها ببساطة اختفت عن الانظار، يبحث عن اجابة، كما ان العملية العسكرية اظهرت بعض نقاط الضعف في القوات الامنية العراقية في الوقت نفسه الذي أظهرت فيه مكاسبها.
يقول الخبراء ان القوات الامنية العراقية اعتمدت على مساعدة قوات التحالف، في امور ليس اقلها الدعم التعبوي في الطعام والماء والذخيرة. وقد عانت كل من قوات الجيش والشرطة من انقطاع السبل اليهم، ويقدر هؤلاء ما بين عدة مئات الى الف من العناصر الامنية.
ويقول المسؤولون العسكريون العراقيون والغربيون ان الجيش قد حصل على تقدم منذ ذلك الحين، وتمكن من تحسين بنيته الهيكلية للسيطرة والتحكم ومن قدراته التعبوية، لكنهم، على كل حال، يقرون بوجود نقص في القوة في العمق على مستوى الضباط وضباط الصف.
ويقول احد ضباط الجيش العراقي ان اكبر مشاكلهم تكمن في نقص المعدات الثقيلة، ويشتكون من ان لديهم «سائقي دبابات بلا دبابات».
وهو يعبر أيضاً عن المخاوف من ان تؤدي اية صراعات بين الاحزاب السياسية ضمن الحكومة في المستقبل الى التأثير على فاعلية الجيش.
لكن الشرطة هي التي تدور حولها اكبر المخاوف في البصرة. فقبل شن عملية صولة الفرسان كان ينظر اليها على انها جزء من المشكلة، حيث يُعتقد انها كانت مخترقة من قبل عناصر المليشيات ويُشتبه في ضلوعها في اعمال قتل واختطاف.
كما قاتل العديد من رجال الشرطة اثناء العملية الى جانب المليشيات، وتم طرد 4000 منتسب بسبب علاقتهم معهم . يقول ضابط شرطة، وهو حاليا في دورة تدريبية على الادلة الجنائية في بريطانيا، ان القوات قد تحسن اداؤها، لكن اعضاء المليشيات مايزالون يتولون مواقع مهمة.
وهو يشارك الكثير من البصراويين مخاوفهم من ان تعاود المليشيات الظهور مجددا اذا سنحت لها الفرصة.
فهو يقول: «انهم (المليشيات) لا يفعلون أي شيء الان... لكنهم انما ينتظرون الاسد (القوات الاميركية) ليغادر ثم تعود الجرذان الى مواقعها ثانية».
وحينما سُئل هذا الضابط وزميل له فيما اذا كان بامكان الشرطة ان تسيطر على البصرة اذا انسحب الجيش، هزّ كل منهما رأسه.
ويلقي ضابط الشرطة باللائمة على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وحُجته في ذلك انها سمحت للاحزاب السياسية، التي يمتلك العديد منها مليشياه الخاصة، بأن تختار من سيكون في سلك الشرطة، ويضيف: «وهكذا وجدت نفسي فجأة اخدم المليشيا».
ويقول بعض الضباط البريطانيين انه لم تكن هناك خطة تدريب مناسبة، وان التحالف اغتر بعديد رجال الشرطة وليس مهاراتهم وقدراتهم.
ويتم اعداد الشرطة العسكرية الاميركية لتقديم المزيد من التدريب. لكن هناك شكاوى من عدم قدرة وزارة الداخلية على تجهيز القوات بكل شيء من الاقلام الى الاطلاقات النارية، كما يتطلب الامر عملا مضنيا لبناء ثقة البصراويين بالشرطة.
يقول احدهم: «لقد كانت الشرطة متخفية تحت بطانياتها (حينما غزت المليشيات البصرة)، واذا ذهب الجيش فان الشرطة سوف تعود الى التخفي تحت بطانياتها».
القوة العاملة فرصة لبناء مستقبل جيد
عن: ذي نيوز تربيون
ترجمة: علاء غزالة
في موقع بناء تعصف به الرياح الرملية في وسط العراق يقوم العشرات من العمال العراقيين بدفع عربات ملأى بالحصى، ويضعون الحجر فوق الآخر ليتصاعد البناء، بينما يقوم آخرون بفتح القوالب الخشبية، مازال هناك الكثير من اعمال التنظيف لرفع اعقاب السكائر والنفايات الآخرى من القاعدة العسكرية التي تقع فيها منطقة البناء.
يعمل 180 عراقيا من القرى المحيطة بمدينة بلد عمالاً غير ماهرين ستة ايام في الاسبوع، بينما يقوم فصيل من الجنود من اللواء القتالي واشنطن 81 بمرافقتهم وحراستهم.
تقول ضابطة الصف الين هندمان من جامعة بلاس، والتي كانت في الواجب صباح الاثنين: «لقد كان العراقيون على الدوام اصدقاء لنا. انهم متحمسون للعمل معنا لانهم متحمسون في الحصول على وظيفة افضل. كما ان عليهم اعالة عوائلهم.»
تشرف هندمان و36 آخرون من جنود الحرس الوطني لولاية واشنطن على «العمال المحليين» كما يطلق عليهم هنا. كل من هؤلاء الرجال يحصل على 13 دولاراً في اليوم، ولا توجد بينهم أية امرأة.
يقول عبد الله فرحان عبد المحسن، ويبلغ 19 عاما من العمر، وهو يقدم المساعدة الى عائلته التي تسكن معه في قرية السعدية القريبة: «ان هذا المبلغ ليس كبيرا، لكن العمل جيد.»
وكان محسن قد عمل أجيرا يوميا على مدى ثمانية اشهر. وهو يقول انه يأمل ان يجمع ما يكفي ما المال ليتزوج.
يقول عراقي آخر، واسمه رعد شكر حامد ويبلغ 31 عاما، انه يجني الكثير من المال الان، اكثر مما كان يحصل عليه حينما كان صدام في السلطة، وهو يتقن النجارة ويعمل في القاعدة لاعالة ابنته وولديه.
لقد كان هناك القليل من التحادث –نسبيا– اثناء العمل، لكن البعض منهم كان ينشد الاغاني وهو يؤدي عمله، كما ان الجميع –تقريبا– واصلوا تدخين سكائر رخيصة الواحدة تلو الاخرى.
يقول ضابط الصف مايك جاكا، وهو من مدينة بيولاب بولاية واشنطن: «انهم عمال نشيطون الى حد كبير. لم تحصل لي أية مشكلة معهم ابدا.»
ويعمل الكثير من الحراس على ضمان ذلك. يتطب الامر فترة 15 دقيقة للمرور من خلال سلسلة من نقاط التفتيش عند الدخول الى القاعدة، وتوجب على العمال ان يمروا من خلال بوابتين لكشف المعادن، ويمتثلون للتفتيش باليد، واجراء مسح جميع الجسم باشعة اكس. ولا يسمح لهم بادخال هواتفهم النقالة او اية معدات الكترونية اخرى. ويتم تفتيشهم بالطريقة نفسها عند خروجهم من القاعدة أيضاً.
وبعد ان تتم اجراءات التفتيش، يقوم العمال باعتلاء شاحنة ذات حمولة 5 طن تأخذهم الى منطقة الانتظار حيث يتم تسجيل الحضور وتوزيع الواجبات.
يقوم جندي واحد بالاشراف على عمل خمسة من العمال العراقيين. هؤلاء الجنود هم اعضاء في الفصيل الثاني المتمركز في سياتل، ويعود الى سرية تتبع فوج الاسناد المرقم 181.
يقول ضابط الصف روبرت كاماكو من مدينة بيولاب: «نحن هنا كي نحرص على عدم خروج الامور عن السيطرة.»
يقوم عامر احمد علي، وهو ضابط طيار سابق برتبة عقيد فقد وظيفته عندما تم حل الجيش العراقي، بتنسيق توزيع الواجبات بين العمل.
يقول علي، ابن الـ49 عاما: «هذه مجموعة جيدة. انهم فتية جيدون جدا. انهم يحبون القدوم الى هنا لان الاميركيين يقدمون لنا عملا يمكن الاعتماد عليه.»
تقول هندمان، التي تعمل مع الحرس بوظيفة دائمة وتبلغ 38 عاما من العمر، انها تعتقد ان العلاقات التي بُنيت بين الجنود والعمال قد تترك اثراً كبيراً في الصراع الذي تأخذ فيه النيات الحسنة موقعا يماثل في اهميته العمليات التكتيكية.
وتضيف: «لقد بنينا علاقة حسنة معهم من خلال التواجد معهم كل يوم في العمل. نحن نحترمهم وهم يحترمونا.»
ان بوادر الاحترام هذه تتضمن المصافحة على الطريقة العراقية (التي تتمثل بتماس الأكتاف بعد المصافحة)، والتحدث بأسلوب مجاملة، وعدم توجيه باطن الحذاء نحو الشخص المقابل، واعطاء التحذيرات الى العامل بشكل شخصي بدلا من توجيهها أمام اقرانه، واعطاء الرجال المسنين اعمالا اسهل.
يقوم الجنود بإحالة اسهل الاعمال، وهي تنظيف المنطقة التي ينتظر فيها العراقيون واجباتهم، الى نفر من الرجال المعاقين، ومن بينهم رجل فقد عينه نتيجة السرطان، وآخر اخرس. تقول هندمان ان امثال هؤلاء الرجال غير مرحب بهم عادة في مجتمعهم (...).
ويتخذ العمال من يوم الجمعة عطلة لهم، وهو يوم الأسبوع المقدس لدى المسلمين.
يتعلم بعض من الجنود في القاعدة مقاطع من اللغة العربية، بينما يعرف الكثير من العراقيين اللغة الانكليزية.
يقول كاماكو، ويبلغ 36 عاما من العمر ويعمل بوظيفة دائمة مع الحرس الوطني: «نحن نحاول ان نجعلهم اصدقاء لنا وان نريهم اننا لسنا اعداءهم. كما اننا حصلنا على بعض المعلومات من خلالهم.»
ويضيف ان العمال اخبروهم عن موقع مخازن الاسلحة وعن هويات المتمردين الذين اطلقوا قذائف الهاون على القاعدة.
يقول قتيبة طارق ياسين، الذي يبلغ 22 عاما، ان تلك الوظائف قد ساعدت القرى القريبة. ويضيف ان الكثير من الناس في قريته التي تسمى (بكر) ويقطنها 6000 مواطن، يعملون مع الاميركيين او لديهم اقرباء يعملون معهم. ويؤكد ان جميع افراد عائلته يعملون مع الاميركيين في انحاء متفرقة من العراق.
ويأمل ياسين ان يستمر بقاء الاميركيين لسنوات عديدة وان يرفضوا تعهد الرئيس باراك اوباما بسحب القوات خلال 16 شهرا.
ويقول: «لا اعتقد ذلك لاني أريدهم ان يبقوا. لكنهم ان رحلوا فان المتمردين سوف يعودون. وهم سوف يقتلوننا جميعا لاننا عملنا هنا».
ترجمة: علاء غزالة
في موقع بناء تعصف به الرياح الرملية في وسط العراق يقوم العشرات من العمال العراقيين بدفع عربات ملأى بالحصى، ويضعون الحجر فوق الآخر ليتصاعد البناء، بينما يقوم آخرون بفتح القوالب الخشبية، مازال هناك الكثير من اعمال التنظيف لرفع اعقاب السكائر والنفايات الآخرى من القاعدة العسكرية التي تقع فيها منطقة البناء.
يعمل 180 عراقيا من القرى المحيطة بمدينة بلد عمالاً غير ماهرين ستة ايام في الاسبوع، بينما يقوم فصيل من الجنود من اللواء القتالي واشنطن 81 بمرافقتهم وحراستهم.
تقول ضابطة الصف الين هندمان من جامعة بلاس، والتي كانت في الواجب صباح الاثنين: «لقد كان العراقيون على الدوام اصدقاء لنا. انهم متحمسون للعمل معنا لانهم متحمسون في الحصول على وظيفة افضل. كما ان عليهم اعالة عوائلهم.»
تشرف هندمان و36 آخرون من جنود الحرس الوطني لولاية واشنطن على «العمال المحليين» كما يطلق عليهم هنا. كل من هؤلاء الرجال يحصل على 13 دولاراً في اليوم، ولا توجد بينهم أية امرأة.
يقول عبد الله فرحان عبد المحسن، ويبلغ 19 عاما من العمر، وهو يقدم المساعدة الى عائلته التي تسكن معه في قرية السعدية القريبة: «ان هذا المبلغ ليس كبيرا، لكن العمل جيد.»
وكان محسن قد عمل أجيرا يوميا على مدى ثمانية اشهر. وهو يقول انه يأمل ان يجمع ما يكفي ما المال ليتزوج.
يقول عراقي آخر، واسمه رعد شكر حامد ويبلغ 31 عاما، انه يجني الكثير من المال الان، اكثر مما كان يحصل عليه حينما كان صدام في السلطة، وهو يتقن النجارة ويعمل في القاعدة لاعالة ابنته وولديه.
لقد كان هناك القليل من التحادث –نسبيا– اثناء العمل، لكن البعض منهم كان ينشد الاغاني وهو يؤدي عمله، كما ان الجميع –تقريبا– واصلوا تدخين سكائر رخيصة الواحدة تلو الاخرى.
يقول ضابط الصف مايك جاكا، وهو من مدينة بيولاب بولاية واشنطن: «انهم عمال نشيطون الى حد كبير. لم تحصل لي أية مشكلة معهم ابدا.»
ويعمل الكثير من الحراس على ضمان ذلك. يتطب الامر فترة 15 دقيقة للمرور من خلال سلسلة من نقاط التفتيش عند الدخول الى القاعدة، وتوجب على العمال ان يمروا من خلال بوابتين لكشف المعادن، ويمتثلون للتفتيش باليد، واجراء مسح جميع الجسم باشعة اكس. ولا يسمح لهم بادخال هواتفهم النقالة او اية معدات الكترونية اخرى. ويتم تفتيشهم بالطريقة نفسها عند خروجهم من القاعدة أيضاً.
وبعد ان تتم اجراءات التفتيش، يقوم العمال باعتلاء شاحنة ذات حمولة 5 طن تأخذهم الى منطقة الانتظار حيث يتم تسجيل الحضور وتوزيع الواجبات.
يقوم جندي واحد بالاشراف على عمل خمسة من العمال العراقيين. هؤلاء الجنود هم اعضاء في الفصيل الثاني المتمركز في سياتل، ويعود الى سرية تتبع فوج الاسناد المرقم 181.
يقول ضابط الصف روبرت كاماكو من مدينة بيولاب: «نحن هنا كي نحرص على عدم خروج الامور عن السيطرة.»
يقوم عامر احمد علي، وهو ضابط طيار سابق برتبة عقيد فقد وظيفته عندما تم حل الجيش العراقي، بتنسيق توزيع الواجبات بين العمل.
يقول علي، ابن الـ49 عاما: «هذه مجموعة جيدة. انهم فتية جيدون جدا. انهم يحبون القدوم الى هنا لان الاميركيين يقدمون لنا عملا يمكن الاعتماد عليه.»
تقول هندمان، التي تعمل مع الحرس بوظيفة دائمة وتبلغ 38 عاما من العمر، انها تعتقد ان العلاقات التي بُنيت بين الجنود والعمال قد تترك اثراً كبيراً في الصراع الذي تأخذ فيه النيات الحسنة موقعا يماثل في اهميته العمليات التكتيكية.
وتضيف: «لقد بنينا علاقة حسنة معهم من خلال التواجد معهم كل يوم في العمل. نحن نحترمهم وهم يحترمونا.»
ان بوادر الاحترام هذه تتضمن المصافحة على الطريقة العراقية (التي تتمثل بتماس الأكتاف بعد المصافحة)، والتحدث بأسلوب مجاملة، وعدم توجيه باطن الحذاء نحو الشخص المقابل، واعطاء التحذيرات الى العامل بشكل شخصي بدلا من توجيهها أمام اقرانه، واعطاء الرجال المسنين اعمالا اسهل.
يقوم الجنود بإحالة اسهل الاعمال، وهي تنظيف المنطقة التي ينتظر فيها العراقيون واجباتهم، الى نفر من الرجال المعاقين، ومن بينهم رجل فقد عينه نتيجة السرطان، وآخر اخرس. تقول هندمان ان امثال هؤلاء الرجال غير مرحب بهم عادة في مجتمعهم (...).
ويتخذ العمال من يوم الجمعة عطلة لهم، وهو يوم الأسبوع المقدس لدى المسلمين.
يتعلم بعض من الجنود في القاعدة مقاطع من اللغة العربية، بينما يعرف الكثير من العراقيين اللغة الانكليزية.
يقول كاماكو، ويبلغ 36 عاما من العمر ويعمل بوظيفة دائمة مع الحرس الوطني: «نحن نحاول ان نجعلهم اصدقاء لنا وان نريهم اننا لسنا اعداءهم. كما اننا حصلنا على بعض المعلومات من خلالهم.»
ويضيف ان العمال اخبروهم عن موقع مخازن الاسلحة وعن هويات المتمردين الذين اطلقوا قذائف الهاون على القاعدة.
يقول قتيبة طارق ياسين، الذي يبلغ 22 عاما، ان تلك الوظائف قد ساعدت القرى القريبة. ويضيف ان الكثير من الناس في قريته التي تسمى (بكر) ويقطنها 6000 مواطن، يعملون مع الاميركيين او لديهم اقرباء يعملون معهم. ويؤكد ان جميع افراد عائلته يعملون مع الاميركيين في انحاء متفرقة من العراق.
ويأمل ياسين ان يستمر بقاء الاميركيين لسنوات عديدة وان يرفضوا تعهد الرئيس باراك اوباما بسحب القوات خلال 16 شهرا.
ويقول: «لا اعتقد ذلك لاني أريدهم ان يبقوا. لكنهم ان رحلوا فان المتمردين سوف يعودون. وهم سوف يقتلوننا جميعا لاننا عملنا هنا».
Thursday, February 19, 2009
القصة غير المروية في العراق
عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة
إيران، أفغانستان–الباكستان، الانتشار النووي، اسرائيل–فلسطين، روسيا، هذه هي نقاط التركيز في الستراتيجية الامنية لادارة اوباما كما باتت تتوضح مع الايام، كما يمكن – بسهولة – ملاحظة غياب اية مناقشة جدية حول العراق، ان قضية العراق التي وسمت سنوات حكم بوش، ونشرت الخلاف والبغضاء عبر العالم الاسلامي، قد احتكمت للتاريخ الان. يبدو هذا وكأنه خطأ. فالعراق لم ينته بعد. لقد التقى هؤلاء الذين ساندوا زيادة القوات عام 2007، واولئك الذين عارضوها، في قضية مشتركة تطالب باسدال الستار حيث حيّا فريدريك كاغان، علامة مؤسسة انتربرايز الاميركية، الانتخابات المحلية العراقية المسالمة على انها «انجاز مميز»، يثبت صحة الغزو عام 2003، ويعزز المكاسب الديمقراطية اللاحقة.
كتب كاغان في صحيفة وول ستريت جورنال: «لقد مضى العراق من وضع الكارثة الموقوتة الى الفرصة الذهبية... ما زالت الرهانات عالية، لكننا اخيرا بدأنا نرى عوائد استثمارنا.» اما المحلل المحافظ عامر طاهري فقد ذهب الى أبعد من ذلك في نيويورك بوست قائلا: «من الواضح ان الامة قد اتخذت خطوة كبرى اخرى في طريق الديمقراطية.»
كما يبدو منتقدو سياسة الولايات المتحدة مستبشرين بالمستقبل. فهم يعتقدون ان انتخاب باراك اوباما قد أدى اخيرا الى انهاء التدخل الكارثي، والذي حددته، باي حال، اتفاقية مستوى القوات التي عقدت في شهر كانون الاول مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وتدعو الاتفاقية الى مغادرة القوات الاميركية بحلول عام 2011. وقد تعهد اوباما بازالة جميع القوات القتالية في وقت اقرب من ذلك، أي في غضون 16 شهراً.
لاشك في ان العراق يمر في اكثر الفترات استقرارا على مدى السنوات الست الماضية. وقد برز المالكي بشكل غير متوقع كقائد صلب، وبراغماتي في هيئة الرجل الوطني القوي. كما فازت قائمته (دولة القانون) بمعظم المقاعد في تسع من المحافظات الاربع عشرة التي خاضت الانتخابات، وقد خفف المالكي من الجذور الاسلامية لحزبه، حزب الدعوة، مشجعا جوا من العلمانية والوطنية القوية والتأكيد على وحدة العراق.
وحسب النتائج المعلنة للانتخابات فان الاحزاب الدينية قد عانت اكثر من غيرها، ومن بينها الأحزاب في محافظات الانبار وصلاح الدين وديالى، والتي شكلت في الماضي قلب التمرد، أما حزب المجلس الاعلى الاسلامي الذي ، دعا الى الحكم الفيدرالي في الجنوب فيما مضى، فقد حصل على نتائج ضعيفة.
مع ازدياد تركيز الناخبين العراقيين على الامن والاقتصاد والقضايا الاجتماعية اكثر من الهوية العرقية والدينية، ومع بناء التحالفات السياسية حسب متطلبات الساعة، يبدو المالكي في موقف حسن لمواصلة تأهيل الهوية الوطنية للعراق استباقا للانتخابات العامة في وقت لاحق من هذا العام.
لكن المتشككون يقولون ان ذلك لن يكون بهذه السرعة. فلايزال الوقت باكرا لاعلان النجاح في العراق وتحويل الانتباه الى اماكن اخرى. ومن بين اكثر الطواقم الحذرة يبرز جنرالات الجيش الذين يعتمد عليهم اوباما في اسداء النصيحة. يقول المسؤولون الاميركيون ان الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الوسطى وصاحب فكرة زيادة القوات، والجنرال راي اوديرنو، الذي يقود حاليا 144,000 عسكري اميركي في العراق، يعتقدان انه لا يمكن سحب القوات بشكل آمن خلال فترة 16 شهرا. وتشير التقارير ان كلا من الرجلين قد حث على جدول زمني يبلغ 23 شهرا، وربما اطول من ذلك.
ففي حديثه الى الواشنطن بوست قبل فترة وجيزة، حذر اوديرنو من ان المكاسب الامنية قد تتعرض الى الخطر اذا غادرت القوات الاميركية، وان الطوائف العراقية قد تنجرف بسرعة الى المواجهات العنيفة. وفي معرض اجابته على السؤال عن أي نوع من التواجد العسكري الذي يتوقعه في العراق في الاعوام 2014 و2015، قال اوديرنو: «اود ان ارى... قوات يبلغ قوامها بحدود 30,000 او 35,000 عسكري» لاستخدامها في تدريب القوات العراقية ولخوض العمليات القتالية ضد (القاعدة في العراق) وحلفائها.
يبدو هذا، بالنسبة للكثيرين، خطة لاحتلال غير محدد الزمن، مدفوعة بأمن الولايات المتحدة الاقليمي والمخاوف الاقتصادية، التي تتمثل اساسا في ايران وانتاج النفط العراقي، لكن هناك اسبابا موضوعية تدفعنا للتأني في القول،
يضاف إلى ذلك أن هناك قلقا مستمرا حول عدم قدرة القوات العراقية على التعامل مع القاعدة والمجاميع المتطرفة الاخرى بدون مساعدة خارجية، ومخاوف من العودة الى العنف الطائفي ، ومخاوف من تأثير اسعار النفط المنخفضة على النمو الاقتصادي للبلاد.
إن الحقيقة المزعجة هي ان قصة العراق مازال امامها طريق تسلكه، والخطر بالنسبة الى اوباما انه، مثل رجل اطفاء استرالي، ما ان يوجه خرطوم مياه الاطفاء في اتجاه ما حتى يكتشف ان اللهب الذي اعتقد انه كان قد خمد عاد الى الاشتعال مجددا.
ترجمة: علاء غزالة
إيران، أفغانستان–الباكستان، الانتشار النووي، اسرائيل–فلسطين، روسيا، هذه هي نقاط التركيز في الستراتيجية الامنية لادارة اوباما كما باتت تتوضح مع الايام، كما يمكن – بسهولة – ملاحظة غياب اية مناقشة جدية حول العراق، ان قضية العراق التي وسمت سنوات حكم بوش، ونشرت الخلاف والبغضاء عبر العالم الاسلامي، قد احتكمت للتاريخ الان. يبدو هذا وكأنه خطأ. فالعراق لم ينته بعد. لقد التقى هؤلاء الذين ساندوا زيادة القوات عام 2007، واولئك الذين عارضوها، في قضية مشتركة تطالب باسدال الستار حيث حيّا فريدريك كاغان، علامة مؤسسة انتربرايز الاميركية، الانتخابات المحلية العراقية المسالمة على انها «انجاز مميز»، يثبت صحة الغزو عام 2003، ويعزز المكاسب الديمقراطية اللاحقة.
كتب كاغان في صحيفة وول ستريت جورنال: «لقد مضى العراق من وضع الكارثة الموقوتة الى الفرصة الذهبية... ما زالت الرهانات عالية، لكننا اخيرا بدأنا نرى عوائد استثمارنا.» اما المحلل المحافظ عامر طاهري فقد ذهب الى أبعد من ذلك في نيويورك بوست قائلا: «من الواضح ان الامة قد اتخذت خطوة كبرى اخرى في طريق الديمقراطية.»
كما يبدو منتقدو سياسة الولايات المتحدة مستبشرين بالمستقبل. فهم يعتقدون ان انتخاب باراك اوباما قد أدى اخيرا الى انهاء التدخل الكارثي، والذي حددته، باي حال، اتفاقية مستوى القوات التي عقدت في شهر كانون الاول مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وتدعو الاتفاقية الى مغادرة القوات الاميركية بحلول عام 2011. وقد تعهد اوباما بازالة جميع القوات القتالية في وقت اقرب من ذلك، أي في غضون 16 شهراً.
لاشك في ان العراق يمر في اكثر الفترات استقرارا على مدى السنوات الست الماضية. وقد برز المالكي بشكل غير متوقع كقائد صلب، وبراغماتي في هيئة الرجل الوطني القوي. كما فازت قائمته (دولة القانون) بمعظم المقاعد في تسع من المحافظات الاربع عشرة التي خاضت الانتخابات، وقد خفف المالكي من الجذور الاسلامية لحزبه، حزب الدعوة، مشجعا جوا من العلمانية والوطنية القوية والتأكيد على وحدة العراق.
وحسب النتائج المعلنة للانتخابات فان الاحزاب الدينية قد عانت اكثر من غيرها، ومن بينها الأحزاب في محافظات الانبار وصلاح الدين وديالى، والتي شكلت في الماضي قلب التمرد، أما حزب المجلس الاعلى الاسلامي الذي ، دعا الى الحكم الفيدرالي في الجنوب فيما مضى، فقد حصل على نتائج ضعيفة.
مع ازدياد تركيز الناخبين العراقيين على الامن والاقتصاد والقضايا الاجتماعية اكثر من الهوية العرقية والدينية، ومع بناء التحالفات السياسية حسب متطلبات الساعة، يبدو المالكي في موقف حسن لمواصلة تأهيل الهوية الوطنية للعراق استباقا للانتخابات العامة في وقت لاحق من هذا العام.
لكن المتشككون يقولون ان ذلك لن يكون بهذه السرعة. فلايزال الوقت باكرا لاعلان النجاح في العراق وتحويل الانتباه الى اماكن اخرى. ومن بين اكثر الطواقم الحذرة يبرز جنرالات الجيش الذين يعتمد عليهم اوباما في اسداء النصيحة. يقول المسؤولون الاميركيون ان الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الوسطى وصاحب فكرة زيادة القوات، والجنرال راي اوديرنو، الذي يقود حاليا 144,000 عسكري اميركي في العراق، يعتقدان انه لا يمكن سحب القوات بشكل آمن خلال فترة 16 شهرا. وتشير التقارير ان كلا من الرجلين قد حث على جدول زمني يبلغ 23 شهرا، وربما اطول من ذلك.
ففي حديثه الى الواشنطن بوست قبل فترة وجيزة، حذر اوديرنو من ان المكاسب الامنية قد تتعرض الى الخطر اذا غادرت القوات الاميركية، وان الطوائف العراقية قد تنجرف بسرعة الى المواجهات العنيفة. وفي معرض اجابته على السؤال عن أي نوع من التواجد العسكري الذي يتوقعه في العراق في الاعوام 2014 و2015، قال اوديرنو: «اود ان ارى... قوات يبلغ قوامها بحدود 30,000 او 35,000 عسكري» لاستخدامها في تدريب القوات العراقية ولخوض العمليات القتالية ضد (القاعدة في العراق) وحلفائها.
يبدو هذا، بالنسبة للكثيرين، خطة لاحتلال غير محدد الزمن، مدفوعة بأمن الولايات المتحدة الاقليمي والمخاوف الاقتصادية، التي تتمثل اساسا في ايران وانتاج النفط العراقي، لكن هناك اسبابا موضوعية تدفعنا للتأني في القول،
يضاف إلى ذلك أن هناك قلقا مستمرا حول عدم قدرة القوات العراقية على التعامل مع القاعدة والمجاميع المتطرفة الاخرى بدون مساعدة خارجية، ومخاوف من العودة الى العنف الطائفي ، ومخاوف من تأثير اسعار النفط المنخفضة على النمو الاقتصادي للبلاد.
إن الحقيقة المزعجة هي ان قصة العراق مازال امامها طريق تسلكه، والخطر بالنسبة الى اوباما انه، مثل رجل اطفاء استرالي، ما ان يوجه خرطوم مياه الاطفاء في اتجاه ما حتى يكتشف ان اللهب الذي اعتقد انه كان قد خمد عاد الى الاشتعال مجددا.
Thursday, February 12, 2009
ورقة أميركا الرابحة في العراق
عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – هذا ما يفترض للنصر في العراق ان يكون عليه. خمسة عشر مليونا من العراقيين الذين ادلوا باصواتهم في انتخابات حرة ونزيهة على العموم ، والمتدفقين من مراكز الاقتراع باصابع بنفسجية في جو خلا (غالبا) من التهديد والعنف.
لقد كان هذا –حقا– مشهد الانتخابات المحلية العراقية التي أجريت نهاية الاسبوع الماضي. والاكثر من ذلك، ان النتائج المعلنة جعلت من الواضح ان الاحزاب التي وعدت باحلال الامن والوحدة الوطنية، بقيادة رئيس الوزارء نوري المالكي، قد حصلت على نتائج افضل من تلك التي قامت على الطائفية والتي كانت حتى وقت قريب مصرة على تقسيم البلاد.
لقد رفعت الانتخابات الامال مجددا في عراق مستقر وديمقراطي وهو يخرج من مآسي ستة اعوام من الحرب، وهي حصيلة من شأنها ان تسرع في مغادرة 140,000 عسكري اميركي، كما اقترح اوباما على القادة العراقيين، حينما اتصل بهم لتهنئتهم.
لكن هناك مقاييس اخرى للنصر في العراق. ولذلك قد يكون هذا الوقت، وهو مفصل آخر في تاريخ العراق المعذب، ملائما لطرح التساؤل: هل حسّنت الحرب المصالح الستراتيجية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط المضطربة، كما اصر الرئيس جورج دبليو بوش والقادة الاخرون على انه سيحدث؟
الجواب على ذلك –حقيقة– يأتي بالنفي، او في الاقل ليس بعد.
لقد كانت الاطاحة بنظام صدام حسين، مهما كانت الاسباب التي أدت الى ذلك، قد ازاحت –بالتأكيد– تهديدا محتملا للمصالح الاميركية. لكن نظرة ثاقبة، مع اقتراب الذكرى السادسة للحرب، تبين ان منطقة الشرق الاوسط لا تزال مضطربة وملتهبة كما كانت دائما. مهما كانت المكاسب التي جلبها العراق، فانها يجب ان تقاس، الى جانب الكلف المادية، بمقدار الضحايا البشرية التي قدمتها اميركا في المنطقة.
تقول مارينا اوتواي، مديرة شؤون الشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي، ومؤلفة كتاب (وراء الواجهة: الاصلاح السياسي في العالم العربي): "نحن لسنا بالضرورة اضعف. لكن بعد كل هذه السنوات والاموال التي انفقت، انا لست واثقة اننا نخلـُص الى موقف ستراتيجي اقوى."
حقا، تنغمس افغانستان في التمرد اكثر فاكثر، وربما لن يمكن عكس ذلك، بينما تنزلق الباكستان نحو الفوضى. والنموذج الديمقراطي في العراق كان يجب ان يتكرر في بلدان مثل مصر والمملكة العربية السعودية والاردن وسوريا، في الوقت الذي عانى التأثير الاميركي عليها بطرق شتى حيث تحتاج إلى سنين للاصلاح.
وهناك، بعد كل هذا، ايران. لقد برزت عدوة الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود قوة اسلامية في الشرق الاوسط، مفصحة عن طموحاتها وقدراتها من خلال اطلاق قمر صناعي الى الفضاء في الاسبوع الماضي. ويبدو انها لم تخفف من طموحاتها النووية، ولا من دعمها لحماس في غزة وحزب الله في لبنان، ما يجعل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي مستعصيا كما كان دائما.
يقول مصطفى العاني، المحلل الامني في مركز دراسات الخليج في دبي: "ان انهيار العراق –بحكومته وجيشه– قد خلق فجوة عظمى في المنطقة." وهو ما يعكس القلق المتفشي بين الحكومات. ويضيف قائلا: "وهكذا برزت ايران، نتيجة لذلك، على انها القوة الاولى في المنطقة." قبل ان تزيح القوات الأميركية صدام عن كرسيه، فان جيشه المعزول والمخرب كان سلاح المواجهة مع ايران، حسبما كان يرى معظم العالم العربي.
ان ما أدت اليه الاحداث الاخيرة، مثل الانتخابات، هو ان تزيح العراق من قمة قائمة الازمات التي يتوجب على ادارة اوباما الجديدة ان تواجهها، وهذا لوحده ربما يكون انجازا الى حد ما.
وحتى قبل الانتخابات الرئاسية التي اجريت في الولايات المتحدة العالم الماضي، فان مساعدي بوش كرروا القول مرارا ان هدفهم هو في التأكد من ان العراق لن يكون المشكلة الاولى على منضدة الرئيس الجديد.
يبدو الان ان العراق قد هبط تسلسله في القائمة اكثر مما كانوا يتصورون. حينما منح اوباما اولى مقابلاته الطويلة الى تلفزيون العربية، وهي القناة الاخبارية التي تتخذ من الامارات العربية المتحدة مقرا لها، فانه بالكاد ذكر العراق. حتى انه، في الواقع، قام في لاوعيه باسقاط العراق، حينما عرض "يد الصداقة" فيما تعهد ان يكون دفعة كلية نحو السلام الاقليمي.
فقد قال: "لا اعتقد ان من المستحيل علينا ان نفكر فقط في الصراع الفلسطيني–الاسرائيلي، ولا نفكر في ما قد يحدث في سوريا او ايران او لبنان او افغانستان او الباكستان."
لدى اوباما، كونه الرئيس الجديد، الفرصة لاعادة تركيز الستراتيجية الاميركية. واذا كان للعراق اية مساهمة في ذلك فانها تكمن في انه سيصبح مستقرا بما فيه الكفاية بحيث يحرر الجيش الاميركي، الذي يعاني من ضغوطات فائقة، حتى يتمكن من مواجهة التمرد المتجدد في افغانستان. وقد تعهدت ادارة اوباما بارسال 30,000 عسكري الى هناك، حتى مع مضاعفة مبعوثي الرئيس الجهود الدبلوماسية في المنطقة.
تقول اوتواي: "مع ذهاب ادارة بوش، ترسل ادارة اوباما اشارات تفيد بأنها ترغب في بدء حوار" بين قادة المنطقة. وتضيف: "ومع ازدياد استقرار العراق الظاهر، فمن المحتمل ان يكون هناك بعض التقدم الستراتيجي."
لكن السؤال الذي لا يمكن الاجابة عليه هو كيف سيكون العراق مع مغادرة آخر عسكري اميركي.
المالكي نفسه هو قائد احد الاحزاب الشيعية. لكن تعقبه المليشيات الشيعية في العام الماضي، متبوعا بالانتخابات المحلية، قد بدد المخاوف بطريقة ما، في كل من العراق والولايات المتحدة في أن إيران سوف تتحكم في سياسيات العراق الداخلية ودبلوماسيته الخارجية. في الواقع، ان نمو الحس الوطني، وبالاخص بين العرب الذين يخشون النفوذ الإيراني، قد يعيد الدور العراقي الكامل في المنطقة، والمتمثل في منع التوسع الفارسي.
لم يعد يُنظر الى المالكي على انه قائد ضعيف، كما يبدو أن إيران قد قللت من محاولاتها الواضحة للتقليل من شأن الحكومة العراقية الناشئة، في الوقت الراهن في الأقل.
وكان وزير الدفاع الاميركي، روبرت غيتس، قد تحدث الى الكونغرس في الشهر الماضي قائلا: "هناك تنامٍ في سيادة العراق واكتفائه الذاتي، الى الحد الذي اظهر قادته، أنهم لا ينوون لعراق ما بعد صدام ان يصبح مقاطعة تابعة لجارته الشرقية."
هذا لا يعني ان العراق سوف يصبح مقاطعة اميركية كذلك. فمع ازدياد ثقة العراقيين بانفسهم، وتأكيدهم على ذاتهم، فانه يبدو ان العراق سيبتعد عن هيمنة السياسة الخارجية الاميركية.
ففي المفاوضات التي جرت العام الماضي حول الاتفاقية الامنية الجديدة، على سبيل المثال، تمكن العراق من الحصول على تنازلات في قضايا سياسية واقتصادية وعسكرية كانت ادارة بوش قد عارضتها اول الامر. ومن جهة اخرى، فان شعور العداء لاميركا يبقى قويا بين الاحزاب التي حصلت على نتائج طيبة في الانتخابات.
كما يمكن للعراق ان يستخدم نفطه لتقريب نفسه من القوى الاخرى التي تلهث للتقرب منه، من روسيا الى الصين الى ايران. وحينما يبدأ العراق في توقيع اتفاقياته النفطية في وقت لاحق من هذا العام، فان الشركات الاميركية قد لا تهيمن على العطاءات، كما اعتقد منتقدو الحرب وبعض مؤيديها ذات مرة.
يقول العاني، من مركز دراسات الخليج: "اعتقد ان الامريكيين يذهبون شوطا بعيدا في التفكير بان العراق سوف يصبح حليفا رئيسا في المنطقة."
سوف يكون العراق، في المستقبل المنظور، منشغلا في تعزيز التضامن السياسي واعادة بناء الاقتصاد، الذي مزقته ست سنوات من الحرب وعقود من الطغيان قبلها. ولكنه يبقى هشا، مع بقاء التمرد متقد الجذوة في بعض المحافظات، والتنافس الداخلي وهو ما يهدد بتخريب التقدم الحاصل. ان الانتخابات المحلية هي ليست الا مقدمة للانتخابات الوطنية التي ستجرى في وقت لاحق من هذا العام، وحينها ستكون الرهانات اكبر.
لم تنته الحرب بعد، لكن الدور الاميركي فيها لم يعد كما كان من قبل. ومع اخذ الخيارات الاخرى بالحسبان، فان عراق اليوم قد يكون افضل حصيلة ستراتيجية يمكن للولايات المتحدة ان تتمنى.
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – هذا ما يفترض للنصر في العراق ان يكون عليه. خمسة عشر مليونا من العراقيين الذين ادلوا باصواتهم في انتخابات حرة ونزيهة على العموم ، والمتدفقين من مراكز الاقتراع باصابع بنفسجية في جو خلا (غالبا) من التهديد والعنف.
لقد كان هذا –حقا– مشهد الانتخابات المحلية العراقية التي أجريت نهاية الاسبوع الماضي. والاكثر من ذلك، ان النتائج المعلنة جعلت من الواضح ان الاحزاب التي وعدت باحلال الامن والوحدة الوطنية، بقيادة رئيس الوزارء نوري المالكي، قد حصلت على نتائج افضل من تلك التي قامت على الطائفية والتي كانت حتى وقت قريب مصرة على تقسيم البلاد.
لقد رفعت الانتخابات الامال مجددا في عراق مستقر وديمقراطي وهو يخرج من مآسي ستة اعوام من الحرب، وهي حصيلة من شأنها ان تسرع في مغادرة 140,000 عسكري اميركي، كما اقترح اوباما على القادة العراقيين، حينما اتصل بهم لتهنئتهم.
لكن هناك مقاييس اخرى للنصر في العراق. ولذلك قد يكون هذا الوقت، وهو مفصل آخر في تاريخ العراق المعذب، ملائما لطرح التساؤل: هل حسّنت الحرب المصالح الستراتيجية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط المضطربة، كما اصر الرئيس جورج دبليو بوش والقادة الاخرون على انه سيحدث؟
الجواب على ذلك –حقيقة– يأتي بالنفي، او في الاقل ليس بعد.
لقد كانت الاطاحة بنظام صدام حسين، مهما كانت الاسباب التي أدت الى ذلك، قد ازاحت –بالتأكيد– تهديدا محتملا للمصالح الاميركية. لكن نظرة ثاقبة، مع اقتراب الذكرى السادسة للحرب، تبين ان منطقة الشرق الاوسط لا تزال مضطربة وملتهبة كما كانت دائما. مهما كانت المكاسب التي جلبها العراق، فانها يجب ان تقاس، الى جانب الكلف المادية، بمقدار الضحايا البشرية التي قدمتها اميركا في المنطقة.
تقول مارينا اوتواي، مديرة شؤون الشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي، ومؤلفة كتاب (وراء الواجهة: الاصلاح السياسي في العالم العربي): "نحن لسنا بالضرورة اضعف. لكن بعد كل هذه السنوات والاموال التي انفقت، انا لست واثقة اننا نخلـُص الى موقف ستراتيجي اقوى."
حقا، تنغمس افغانستان في التمرد اكثر فاكثر، وربما لن يمكن عكس ذلك، بينما تنزلق الباكستان نحو الفوضى. والنموذج الديمقراطي في العراق كان يجب ان يتكرر في بلدان مثل مصر والمملكة العربية السعودية والاردن وسوريا، في الوقت الذي عانى التأثير الاميركي عليها بطرق شتى حيث تحتاج إلى سنين للاصلاح.
وهناك، بعد كل هذا، ايران. لقد برزت عدوة الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود قوة اسلامية في الشرق الاوسط، مفصحة عن طموحاتها وقدراتها من خلال اطلاق قمر صناعي الى الفضاء في الاسبوع الماضي. ويبدو انها لم تخفف من طموحاتها النووية، ولا من دعمها لحماس في غزة وحزب الله في لبنان، ما يجعل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي مستعصيا كما كان دائما.
يقول مصطفى العاني، المحلل الامني في مركز دراسات الخليج في دبي: "ان انهيار العراق –بحكومته وجيشه– قد خلق فجوة عظمى في المنطقة." وهو ما يعكس القلق المتفشي بين الحكومات. ويضيف قائلا: "وهكذا برزت ايران، نتيجة لذلك، على انها القوة الاولى في المنطقة." قبل ان تزيح القوات الأميركية صدام عن كرسيه، فان جيشه المعزول والمخرب كان سلاح المواجهة مع ايران، حسبما كان يرى معظم العالم العربي.
ان ما أدت اليه الاحداث الاخيرة، مثل الانتخابات، هو ان تزيح العراق من قمة قائمة الازمات التي يتوجب على ادارة اوباما الجديدة ان تواجهها، وهذا لوحده ربما يكون انجازا الى حد ما.
وحتى قبل الانتخابات الرئاسية التي اجريت في الولايات المتحدة العالم الماضي، فان مساعدي بوش كرروا القول مرارا ان هدفهم هو في التأكد من ان العراق لن يكون المشكلة الاولى على منضدة الرئيس الجديد.
يبدو الان ان العراق قد هبط تسلسله في القائمة اكثر مما كانوا يتصورون. حينما منح اوباما اولى مقابلاته الطويلة الى تلفزيون العربية، وهي القناة الاخبارية التي تتخذ من الامارات العربية المتحدة مقرا لها، فانه بالكاد ذكر العراق. حتى انه، في الواقع، قام في لاوعيه باسقاط العراق، حينما عرض "يد الصداقة" فيما تعهد ان يكون دفعة كلية نحو السلام الاقليمي.
فقد قال: "لا اعتقد ان من المستحيل علينا ان نفكر فقط في الصراع الفلسطيني–الاسرائيلي، ولا نفكر في ما قد يحدث في سوريا او ايران او لبنان او افغانستان او الباكستان."
لدى اوباما، كونه الرئيس الجديد، الفرصة لاعادة تركيز الستراتيجية الاميركية. واذا كان للعراق اية مساهمة في ذلك فانها تكمن في انه سيصبح مستقرا بما فيه الكفاية بحيث يحرر الجيش الاميركي، الذي يعاني من ضغوطات فائقة، حتى يتمكن من مواجهة التمرد المتجدد في افغانستان. وقد تعهدت ادارة اوباما بارسال 30,000 عسكري الى هناك، حتى مع مضاعفة مبعوثي الرئيس الجهود الدبلوماسية في المنطقة.
تقول اوتواي: "مع ذهاب ادارة بوش، ترسل ادارة اوباما اشارات تفيد بأنها ترغب في بدء حوار" بين قادة المنطقة. وتضيف: "ومع ازدياد استقرار العراق الظاهر، فمن المحتمل ان يكون هناك بعض التقدم الستراتيجي."
لكن السؤال الذي لا يمكن الاجابة عليه هو كيف سيكون العراق مع مغادرة آخر عسكري اميركي.
المالكي نفسه هو قائد احد الاحزاب الشيعية. لكن تعقبه المليشيات الشيعية في العام الماضي، متبوعا بالانتخابات المحلية، قد بدد المخاوف بطريقة ما، في كل من العراق والولايات المتحدة في أن إيران سوف تتحكم في سياسيات العراق الداخلية ودبلوماسيته الخارجية. في الواقع، ان نمو الحس الوطني، وبالاخص بين العرب الذين يخشون النفوذ الإيراني، قد يعيد الدور العراقي الكامل في المنطقة، والمتمثل في منع التوسع الفارسي.
لم يعد يُنظر الى المالكي على انه قائد ضعيف، كما يبدو أن إيران قد قللت من محاولاتها الواضحة للتقليل من شأن الحكومة العراقية الناشئة، في الوقت الراهن في الأقل.
وكان وزير الدفاع الاميركي، روبرت غيتس، قد تحدث الى الكونغرس في الشهر الماضي قائلا: "هناك تنامٍ في سيادة العراق واكتفائه الذاتي، الى الحد الذي اظهر قادته، أنهم لا ينوون لعراق ما بعد صدام ان يصبح مقاطعة تابعة لجارته الشرقية."
هذا لا يعني ان العراق سوف يصبح مقاطعة اميركية كذلك. فمع ازدياد ثقة العراقيين بانفسهم، وتأكيدهم على ذاتهم، فانه يبدو ان العراق سيبتعد عن هيمنة السياسة الخارجية الاميركية.
ففي المفاوضات التي جرت العام الماضي حول الاتفاقية الامنية الجديدة، على سبيل المثال، تمكن العراق من الحصول على تنازلات في قضايا سياسية واقتصادية وعسكرية كانت ادارة بوش قد عارضتها اول الامر. ومن جهة اخرى، فان شعور العداء لاميركا يبقى قويا بين الاحزاب التي حصلت على نتائج طيبة في الانتخابات.
كما يمكن للعراق ان يستخدم نفطه لتقريب نفسه من القوى الاخرى التي تلهث للتقرب منه، من روسيا الى الصين الى ايران. وحينما يبدأ العراق في توقيع اتفاقياته النفطية في وقت لاحق من هذا العام، فان الشركات الاميركية قد لا تهيمن على العطاءات، كما اعتقد منتقدو الحرب وبعض مؤيديها ذات مرة.
يقول العاني، من مركز دراسات الخليج: "اعتقد ان الامريكيين يذهبون شوطا بعيدا في التفكير بان العراق سوف يصبح حليفا رئيسا في المنطقة."
سوف يكون العراق، في المستقبل المنظور، منشغلا في تعزيز التضامن السياسي واعادة بناء الاقتصاد، الذي مزقته ست سنوات من الحرب وعقود من الطغيان قبلها. ولكنه يبقى هشا، مع بقاء التمرد متقد الجذوة في بعض المحافظات، والتنافس الداخلي وهو ما يهدد بتخريب التقدم الحاصل. ان الانتخابات المحلية هي ليست الا مقدمة للانتخابات الوطنية التي ستجرى في وقت لاحق من هذا العام، وحينها ستكون الرهانات اكبر.
لم تنته الحرب بعد، لكن الدور الاميركي فيها لم يعد كما كان من قبل. ومع اخذ الخيارات الاخرى بالحسبان، فان عراق اليوم قد يكون افضل حصيلة ستراتيجية يمكن للولايات المتحدة ان تتمنى.
Tuesday, February 10, 2009
العراقيون يرحّبون بأول (سيّاحهم)
عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – "انا سائح"، كانت تلك هي اولى كلماته. كانت الخطوط الهاتفية مع الفلوجة سيئة، لكن لم يكن هناك أي خطأ. فقد جاء اول السياح الغربيين الى العراق، والى الفلوجة تحديدا، لقضاء بعض الوقت. ولم يمض وقت طويل حتى لمح احد الحراس الامنيين في نقطة التقتيش (لوسا مارتشو) بين المسافرين العراقيين على الحافلة المتجهة من بغداد الى هذه المدينة الواقعة غرب العراق، والتي كانت ذات مرة مسرحا للعنف، ومازالت بحالة من التوتر. واخطر الحارس الامني مسؤوله حول ما شاهده. وسرعان ما وجد مارتشو، وهو ايطالي من مدينة كومو ويبلغ 33 عاما من العمر، نفسه في مقر قيادة الشرطة، محاطا بالضباط المحتارين الذين يريدون ان يعرفوا لماذا يتجول شخص غربي في مدينتهم بلا مترجم او حراس. ربما يكون مارتشو قد اقلق الشرطة، لكنه انما كان يريد ان يقتصد في النفقات.
ومن خلال محادثتين هاتفيتين مع الصحفيين، ازاح مارتشو المخاوف بشأن سلامته، ورفض عروض المساعدة. وقال: "انا سائح. اريد ان ارى اهم المدن في البلاد. هذا هو السبب في وجودي هنا."
واضاف قائلا: "اريد ان ارى واتفهم الحقيقة، لاني لم آتِ الى هنا من قبل، واعتقد انه يجب رؤية جميع البلدان في العالم. لقد كنت ابحث عن فندق رخيص هنا في الفلوجة، لكن السلطات اوضحت لي ان ذلك غير ممكن لانه لا توجد أي فنادق هنا. وقد عرضوا علي جولة قصيرة ثم العودة الى بغداد."
ان جمع اجزاء تلك الرحلة غير الاعتيادية التي خاضها مارتشو الهادئ، منه شخصيا ومن الضباط العراقيين والايطاليين المتشككين، ورؤية نسخة من تأشيرة الدخول على جواز سفره والتي احتفظ بها فندق كورال بالاس في بغداد، كل ذلك يخبر قصة غريبة.
بعد ان علمت السفارة الايطالية في بغداد بوجود مارتشو هذا في العراق، من خلال صحيفة نيويورك تايمز، فقد بينت السفارة انه كان قد سافر من ايطاليا الى مصر، ثم الى تركيا، ومنها الى شمال العراق. وتظهر نسخة من جواز سفره انه قد حصل على تأشيرة دخول لمدة عشرة ايام وعبر الحدود من تركيا الى المنطقة الكردية في العراق.
ثم استقل سيارة اجرة ليقطع مسافة 320 كيلومترا من مدينة اربيل، عاصمة اقليم كردستان، الى بغداد. وحينما حضر الى فندق كورال بالاس، سجل بشار يعقوب، موظف استعلامات الفندق ذو الـ31 عاما، والذي لم ير زائرا غربيا اعتياديا منذ الحرب عام 2003، سجل بيانات مارتشو وهو في حالة من الذهول.
قام يعقوب، كافضل ما يقوم به اداري جيد، بتدقيق مستندات مارتشو، على الرغم من المخاوف التي ترافق تضييف اجنبي. ولما وجد ان اوراقه سليمة اعطاه مفتاح الغرفة. يقول يعقوب عن ذلك: "لقد قال لنا انه يريد رؤية بغداد فحسب."
وحينما سُئل يعقوب فيما اذا كان العراق جاهزا لاستقبال السائحين، اجاب بالنفي. اما عندما سُئل عما اذا كانت الفلوجة، وهي المدينة التالية التي توجه اليها مارتشو، امينة للسياح، فان اجابته القوية بالنفي رددها موظفو الفندق وزائروه الذين كانوا واقفين على مرمى السمع.
لكن مارتشو لم يوقفه شيء. فقد وافق الفندق على منحه جولة في اجزاء من مدينة بغداد مقابل مبلغ اربعين دولاراً، تضمنت جولة بالسيارة على طول ضفاف النهر لالتقاط صور لتمثال شهرزاد، وهي راوية قصص "الف ليلة وليلة"، ومشاهدة الاطفال وهم يلعبون على الحدائق على ضفة النهر. ثم زار البحيرة الصناعية الواقعة قرب جامعة بغداد، وتوجه بعدها الى الساحة التي سميت على اسم مؤسس مدينة بغداد، ابو جعفر المنصور، والتي تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة. وذهب الى متنزه الزوراء، وهو منتجع عائلي شعبي يضم حديقة حيوانات صغيرة ومدينة العاب. وانهى جولته في منطقة الكرادة الغنية، والتي طالما عانت من الهجمات الارهابية. يقول دليله في هذه الجولة، رامز فايق، ابن الـ23 عاما: "حينما هبط الظلام، اصابه الخوف وطلب العودة الى الفندق." وفي الصباح التالي قرر ان يذهب الى الفلوجة، على الرغم من كل محاولات موظفي الفندق لثنيه عن ذلك. فقد اصر على ان يستقل الحافلات العامة للذهاب الى تلك المدينة التي تبعد 65 كيلومتراً عن بغداد.
وماهي الا ساعات حتى تلقى الفندق اتصالا من شرطة الفلوجة.
يقول يعقوب: "لم اكن متفاجئا حينما اتصلوا بنا. فقد وجدته الشرطة على حافلة صغيرة جالسا الى جنب امرأة تجول البيوت لبيع الحليب الطازج واللبن والقيمر. لقد كانوا قلقين جدا عليه."
وهكذا كانت نهاية الرحلة في العراق، على النمط الإيطالي، لمارتشو المحتمس.
استدعت الشرطة الصحفيين المحليين لاخبارهم عن هذا الايطالي المتجول، وحضرت القوات الاميركية، وتم ابلاغ السفارة الايطالية.
وتوصلت الشرطة حالا الى انه ليس "جهاديا" ايطاليا، وانه لا يمثل خطرا الا على نفسه.
وعرضت قوات البحرية الاميركية التي تعمل مع الشرطة ان تقوم بنقله الى حدود المدينة حيث تطلقه على الطريق السريع المؤدي الى الفلوجة.
يقول ريناتو دي بورشيا، نائب السفير الايطالي في بغداد: "لقد اوضحت له انه لم تكن الظروف امينة له لكي يتجول طليقا. لقد كان ساذجا قليلا."
وتقول الشرطة انه تم تسفيره ليلة الجمعة حفاظا على سلامته.
ويضيف دي بورشيا: "سوف يغادر على اول طائرة غدا صباحا."
يتفكر مدير استعلامات فندق كورال بالاس في السؤال: متى سوف يكون العراق آمنا للسياح؟ ويشير الى ان هناك سياحة دينية في مدن النجف وكربلاء والكاظمية. ولكنه يقول: "اما السياحة عموما، فلا. لا استطيع ان اتكهن متى سيحدث ذلك، حتى وان كانت الظروف الامنية الان جيدة. انت تعلم انه في هذا البلد يمكن توقع أي شيء في اية لحظة."
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – "انا سائح"، كانت تلك هي اولى كلماته. كانت الخطوط الهاتفية مع الفلوجة سيئة، لكن لم يكن هناك أي خطأ. فقد جاء اول السياح الغربيين الى العراق، والى الفلوجة تحديدا، لقضاء بعض الوقت. ولم يمض وقت طويل حتى لمح احد الحراس الامنيين في نقطة التقتيش (لوسا مارتشو) بين المسافرين العراقيين على الحافلة المتجهة من بغداد الى هذه المدينة الواقعة غرب العراق، والتي كانت ذات مرة مسرحا للعنف، ومازالت بحالة من التوتر. واخطر الحارس الامني مسؤوله حول ما شاهده. وسرعان ما وجد مارتشو، وهو ايطالي من مدينة كومو ويبلغ 33 عاما من العمر، نفسه في مقر قيادة الشرطة، محاطا بالضباط المحتارين الذين يريدون ان يعرفوا لماذا يتجول شخص غربي في مدينتهم بلا مترجم او حراس. ربما يكون مارتشو قد اقلق الشرطة، لكنه انما كان يريد ان يقتصد في النفقات.
ومن خلال محادثتين هاتفيتين مع الصحفيين، ازاح مارتشو المخاوف بشأن سلامته، ورفض عروض المساعدة. وقال: "انا سائح. اريد ان ارى اهم المدن في البلاد. هذا هو السبب في وجودي هنا."
واضاف قائلا: "اريد ان ارى واتفهم الحقيقة، لاني لم آتِ الى هنا من قبل، واعتقد انه يجب رؤية جميع البلدان في العالم. لقد كنت ابحث عن فندق رخيص هنا في الفلوجة، لكن السلطات اوضحت لي ان ذلك غير ممكن لانه لا توجد أي فنادق هنا. وقد عرضوا علي جولة قصيرة ثم العودة الى بغداد."
ان جمع اجزاء تلك الرحلة غير الاعتيادية التي خاضها مارتشو الهادئ، منه شخصيا ومن الضباط العراقيين والايطاليين المتشككين، ورؤية نسخة من تأشيرة الدخول على جواز سفره والتي احتفظ بها فندق كورال بالاس في بغداد، كل ذلك يخبر قصة غريبة.
بعد ان علمت السفارة الايطالية في بغداد بوجود مارتشو هذا في العراق، من خلال صحيفة نيويورك تايمز، فقد بينت السفارة انه كان قد سافر من ايطاليا الى مصر، ثم الى تركيا، ومنها الى شمال العراق. وتظهر نسخة من جواز سفره انه قد حصل على تأشيرة دخول لمدة عشرة ايام وعبر الحدود من تركيا الى المنطقة الكردية في العراق.
ثم استقل سيارة اجرة ليقطع مسافة 320 كيلومترا من مدينة اربيل، عاصمة اقليم كردستان، الى بغداد. وحينما حضر الى فندق كورال بالاس، سجل بشار يعقوب، موظف استعلامات الفندق ذو الـ31 عاما، والذي لم ير زائرا غربيا اعتياديا منذ الحرب عام 2003، سجل بيانات مارتشو وهو في حالة من الذهول.
قام يعقوب، كافضل ما يقوم به اداري جيد، بتدقيق مستندات مارتشو، على الرغم من المخاوف التي ترافق تضييف اجنبي. ولما وجد ان اوراقه سليمة اعطاه مفتاح الغرفة. يقول يعقوب عن ذلك: "لقد قال لنا انه يريد رؤية بغداد فحسب."
وحينما سُئل يعقوب فيما اذا كان العراق جاهزا لاستقبال السائحين، اجاب بالنفي. اما عندما سُئل عما اذا كانت الفلوجة، وهي المدينة التالية التي توجه اليها مارتشو، امينة للسياح، فان اجابته القوية بالنفي رددها موظفو الفندق وزائروه الذين كانوا واقفين على مرمى السمع.
لكن مارتشو لم يوقفه شيء. فقد وافق الفندق على منحه جولة في اجزاء من مدينة بغداد مقابل مبلغ اربعين دولاراً، تضمنت جولة بالسيارة على طول ضفاف النهر لالتقاط صور لتمثال شهرزاد، وهي راوية قصص "الف ليلة وليلة"، ومشاهدة الاطفال وهم يلعبون على الحدائق على ضفة النهر. ثم زار البحيرة الصناعية الواقعة قرب جامعة بغداد، وتوجه بعدها الى الساحة التي سميت على اسم مؤسس مدينة بغداد، ابو جعفر المنصور، والتي تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة. وذهب الى متنزه الزوراء، وهو منتجع عائلي شعبي يضم حديقة حيوانات صغيرة ومدينة العاب. وانهى جولته في منطقة الكرادة الغنية، والتي طالما عانت من الهجمات الارهابية. يقول دليله في هذه الجولة، رامز فايق، ابن الـ23 عاما: "حينما هبط الظلام، اصابه الخوف وطلب العودة الى الفندق." وفي الصباح التالي قرر ان يذهب الى الفلوجة، على الرغم من كل محاولات موظفي الفندق لثنيه عن ذلك. فقد اصر على ان يستقل الحافلات العامة للذهاب الى تلك المدينة التي تبعد 65 كيلومتراً عن بغداد.
وماهي الا ساعات حتى تلقى الفندق اتصالا من شرطة الفلوجة.
يقول يعقوب: "لم اكن متفاجئا حينما اتصلوا بنا. فقد وجدته الشرطة على حافلة صغيرة جالسا الى جنب امرأة تجول البيوت لبيع الحليب الطازج واللبن والقيمر. لقد كانوا قلقين جدا عليه."
وهكذا كانت نهاية الرحلة في العراق، على النمط الإيطالي، لمارتشو المحتمس.
استدعت الشرطة الصحفيين المحليين لاخبارهم عن هذا الايطالي المتجول، وحضرت القوات الاميركية، وتم ابلاغ السفارة الايطالية.
وتوصلت الشرطة حالا الى انه ليس "جهاديا" ايطاليا، وانه لا يمثل خطرا الا على نفسه.
وعرضت قوات البحرية الاميركية التي تعمل مع الشرطة ان تقوم بنقله الى حدود المدينة حيث تطلقه على الطريق السريع المؤدي الى الفلوجة.
يقول ريناتو دي بورشيا، نائب السفير الايطالي في بغداد: "لقد اوضحت له انه لم تكن الظروف امينة له لكي يتجول طليقا. لقد كان ساذجا قليلا."
وتقول الشرطة انه تم تسفيره ليلة الجمعة حفاظا على سلامته.
ويضيف دي بورشيا: "سوف يغادر على اول طائرة غدا صباحا."
يتفكر مدير استعلامات فندق كورال بالاس في السؤال: متى سوف يكون العراق آمنا للسياح؟ ويشير الى ان هناك سياحة دينية في مدن النجف وكربلاء والكاظمية. ولكنه يقول: "اما السياحة عموما، فلا. لا استطيع ان اتكهن متى سيحدث ذلك، حتى وان كانت الظروف الامنية الان جيدة. انت تعلم انه في هذا البلد يمكن توقع أي شيء في اية لحظة."
Tuesday, February 03, 2009
ما الذي تعلمناه من الانتخابات المحلية العراقية؟
عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة
قدمت الانتخابات العراقية المحلية لمحات من فسيفساء معقدة عن المزاج الشعبي، لكن الوقت لازال باكرا لمعرفة النتائج الحقيقية للانتخابات التي اجريت يوم السبت. وحتى بعد اعلان النتائج، فمن الصعب معرفة السبب الذي دفع الناخبين الى اختيار هذا الحزب او ذاك بغياب استطلاعات الرأي العام التي تجرى عادة بعد التصويت.
ولكن يمكن التنويه عن اتجاهين رئيسيين. فقد كانت هناك ابتعاد عن الاحزاب الدينية، بالاضافة الى انخفاض في دعم تلك القوى التي فضلت او توقعت ان يتحول العراق الى نوع من الفيدرالية الرخوة، وحتى ان يتم تقسيمه.
وكان الاتجاه الاول منظورا بالفعل اثناء الحملات الانتخابية. فقد عرّفت اقلية ضئيلة من المرشحين، البالغ عددهم اربعة عشر الفا، عن انفسهم بانهم مرشحو احزاب دينية. حتى ان رئيس الوزراء نوري المالكي غيّر اسم قائمة مرشحيه ليصبح الاسم (إئتلاف دولة القانون).
اما الداعية الاكبر لمنطقة حكم ذاتي في الجنوب العربي، وهو عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق، الحزب الذي كان ذات مرة ذا نفوذ كبير، فقد التزم الصمت حيال هذا الموضوع خلال الاسابيع الاخيرة من الحملة. وعلى الرغم من ذلك، فانه يبدو ان قائمته قد فقدت ارضية كبيرة لصالح مؤيدي المالكي في معظم مناطق الجنوب في العراق، وهو ما يدل على رفض الجهود المبذولة لاضعاف الحكومة المركزية في بغداد، الرمز التاريخي العراقي وهويته الثقافية. وعلى هذا فقد انحرف ميزان القوى في داخل التحالف الشيعي الذي يقود البلاد بعيدا عن المجلس الاعلى، حتى وان لم تكن انتخابات السبت من اجل انتخاب ممثلين على مستوى البلاد.
وهناك سببين آخرين، وان كانا متناقضين، يوضحان انحدار شعبية المجلس الاعلى. فبعض الناخبين يرون ان هذا الحزب يخضع لنفوذ ايراني كبير. بينما يرى البعض الاخر ان هذا الحزب مقرب للولايات المتحدة اكثر من اللازم، حيث انه كان على الدوام اقوى ظهير لها في العراق. وفي كلتا الحالتين، فان منافس المجلس الاعلى، وهو المالكي، قد نجح في الحصول على دعم الناخبين من خلال اللعب على الورقة الوطنية واظهار نفسه على انه الرجل الذي اجبر واشنطن على تحديد موعد صارم لسحب قواتها من العراق.
ان التحسن الامني المستمر، حيث بلغت الوفيات بين المدنيين نتيجة اعمال العنف اقل نسبة لها منذ الحرب في العراق عام 2003، هو نتيجة طبيعة لاتفاقية سحب القوات تلك. ويستطيع العراقيون الان ان يروا ان الاميركيين سوف يغادون اخيرا. فما الذي يدفع بهم الى تسخين المشهد الامني اذا كان المحتلون على وشك الرحيل؟
يلف الغموض النتائج الخاصة بالمرشحين المقربين من مقتدى الصدر، وهو الشخصية الاقل مساومة والاكثر عداء للاحتلال في جنوب العراق. هناك مؤشرات على انهم ربما جاءوا في المرتبة الثانية، او حتى في المرتبة الاولى في البصرة، وهي من المعاقل التقليدية لهم، لكن لازال الوقت مبكرا للتأكد من ذلك.
وعلى الجانب السني، يبدو ان الاحزاب التي نأت بنفسها عن وصف المتدينة قد احرزت تقدما هي الاخرى. فالحزب الاسلامي العراقي، وهو دعامة للعديد من التحالفات الحاكمة منذ عام 2005، خسر ارضيته في محافظتي الانبار وبغداد لصالح حركات الصحوة التي يقودها زعماء العشائر ومقاتلو المقاومة السابقون. وفي الموصل يبدو ان مجموعة وطنية علمانية، تدعى الحركة الوطنية العربية، والتي يقودها نائب في البرلمان صوت ضد اتفاقية سحب القوات لانه كان يرى ان الجدول الزمني كان طويلا جدا، يبدو انها حصلت على فوز كاسح، على حساب الحزب الاسلامي ايضا، وعلى حساب المجموعات الاصولية. لكن الخاسر الاكبر كانت الاحزاب الكردية والتي افادت من مقاطعة العرب السنة لانتخابات عام 2005. ويهيمن التنافس العربي – الكردي على الاجواء السياسية في الموصل، مركز محافظة نينوى، بشأن مستقبل المحافظة. وتعد نتائج الانتخابات اشارة على ان العرب مصممين على مقاومة ضم أي جزء منها الى محافظات الاكراد الثلاث في الشمال.
وتعد النتائج الاولية بالنسبة الى فريق اوباما الجديد مطمئنة ومحذرة في نفس الوقت. فمن جهة تظهر هذه النتائج ان نفوذ الولايات المتحدة آخذ في التقلص بسرعة، حيث قدم الناخبون المكافأة للاحزاب والمجاميع التي فضلت الانسحاب. ومن شأن هذا الامر ان يرضي الرئيس الاميركي الذي طالما اعلن ان حرب العراق "كانت خاطئة". ومن جهة اخرى، اظهر العراقيون انهم يريدون حكومة مركزية في العراق بدلا عن النظام الذي يؤدي الى التقسيم. وكان نائب الرئيس الاميركي، جو بايدن، قد تعرض الى ادانة واسعة من قبل العديد من السياسيين العراقيين حينما رعى قرارا يدعو الى انشاء فيدراليات شبه مستقلة عن الحكومة المركزية، وحصل على تأييد واسع النطاق بين اعضاء الكونغرس الاميركي. وقد قال الناخبون العراقيون الان "كلا" لهذا القرار.
ترجمة: علاء غزالة
قدمت الانتخابات العراقية المحلية لمحات من فسيفساء معقدة عن المزاج الشعبي، لكن الوقت لازال باكرا لمعرفة النتائج الحقيقية للانتخابات التي اجريت يوم السبت. وحتى بعد اعلان النتائج، فمن الصعب معرفة السبب الذي دفع الناخبين الى اختيار هذا الحزب او ذاك بغياب استطلاعات الرأي العام التي تجرى عادة بعد التصويت.
ولكن يمكن التنويه عن اتجاهين رئيسيين. فقد كانت هناك ابتعاد عن الاحزاب الدينية، بالاضافة الى انخفاض في دعم تلك القوى التي فضلت او توقعت ان يتحول العراق الى نوع من الفيدرالية الرخوة، وحتى ان يتم تقسيمه.
وكان الاتجاه الاول منظورا بالفعل اثناء الحملات الانتخابية. فقد عرّفت اقلية ضئيلة من المرشحين، البالغ عددهم اربعة عشر الفا، عن انفسهم بانهم مرشحو احزاب دينية. حتى ان رئيس الوزراء نوري المالكي غيّر اسم قائمة مرشحيه ليصبح الاسم (إئتلاف دولة القانون).
اما الداعية الاكبر لمنطقة حكم ذاتي في الجنوب العربي، وهو عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق، الحزب الذي كان ذات مرة ذا نفوذ كبير، فقد التزم الصمت حيال هذا الموضوع خلال الاسابيع الاخيرة من الحملة. وعلى الرغم من ذلك، فانه يبدو ان قائمته قد فقدت ارضية كبيرة لصالح مؤيدي المالكي في معظم مناطق الجنوب في العراق، وهو ما يدل على رفض الجهود المبذولة لاضعاف الحكومة المركزية في بغداد، الرمز التاريخي العراقي وهويته الثقافية. وعلى هذا فقد انحرف ميزان القوى في داخل التحالف الشيعي الذي يقود البلاد بعيدا عن المجلس الاعلى، حتى وان لم تكن انتخابات السبت من اجل انتخاب ممثلين على مستوى البلاد.
وهناك سببين آخرين، وان كانا متناقضين، يوضحان انحدار شعبية المجلس الاعلى. فبعض الناخبين يرون ان هذا الحزب يخضع لنفوذ ايراني كبير. بينما يرى البعض الاخر ان هذا الحزب مقرب للولايات المتحدة اكثر من اللازم، حيث انه كان على الدوام اقوى ظهير لها في العراق. وفي كلتا الحالتين، فان منافس المجلس الاعلى، وهو المالكي، قد نجح في الحصول على دعم الناخبين من خلال اللعب على الورقة الوطنية واظهار نفسه على انه الرجل الذي اجبر واشنطن على تحديد موعد صارم لسحب قواتها من العراق.
ان التحسن الامني المستمر، حيث بلغت الوفيات بين المدنيين نتيجة اعمال العنف اقل نسبة لها منذ الحرب في العراق عام 2003، هو نتيجة طبيعة لاتفاقية سحب القوات تلك. ويستطيع العراقيون الان ان يروا ان الاميركيين سوف يغادون اخيرا. فما الذي يدفع بهم الى تسخين المشهد الامني اذا كان المحتلون على وشك الرحيل؟
يلف الغموض النتائج الخاصة بالمرشحين المقربين من مقتدى الصدر، وهو الشخصية الاقل مساومة والاكثر عداء للاحتلال في جنوب العراق. هناك مؤشرات على انهم ربما جاءوا في المرتبة الثانية، او حتى في المرتبة الاولى في البصرة، وهي من المعاقل التقليدية لهم، لكن لازال الوقت مبكرا للتأكد من ذلك.
وعلى الجانب السني، يبدو ان الاحزاب التي نأت بنفسها عن وصف المتدينة قد احرزت تقدما هي الاخرى. فالحزب الاسلامي العراقي، وهو دعامة للعديد من التحالفات الحاكمة منذ عام 2005، خسر ارضيته في محافظتي الانبار وبغداد لصالح حركات الصحوة التي يقودها زعماء العشائر ومقاتلو المقاومة السابقون. وفي الموصل يبدو ان مجموعة وطنية علمانية، تدعى الحركة الوطنية العربية، والتي يقودها نائب في البرلمان صوت ضد اتفاقية سحب القوات لانه كان يرى ان الجدول الزمني كان طويلا جدا، يبدو انها حصلت على فوز كاسح، على حساب الحزب الاسلامي ايضا، وعلى حساب المجموعات الاصولية. لكن الخاسر الاكبر كانت الاحزاب الكردية والتي افادت من مقاطعة العرب السنة لانتخابات عام 2005. ويهيمن التنافس العربي – الكردي على الاجواء السياسية في الموصل، مركز محافظة نينوى، بشأن مستقبل المحافظة. وتعد نتائج الانتخابات اشارة على ان العرب مصممين على مقاومة ضم أي جزء منها الى محافظات الاكراد الثلاث في الشمال.
وتعد النتائج الاولية بالنسبة الى فريق اوباما الجديد مطمئنة ومحذرة في نفس الوقت. فمن جهة تظهر هذه النتائج ان نفوذ الولايات المتحدة آخذ في التقلص بسرعة، حيث قدم الناخبون المكافأة للاحزاب والمجاميع التي فضلت الانسحاب. ومن شأن هذا الامر ان يرضي الرئيس الاميركي الذي طالما اعلن ان حرب العراق "كانت خاطئة". ومن جهة اخرى، اظهر العراقيون انهم يريدون حكومة مركزية في العراق بدلا عن النظام الذي يؤدي الى التقسيم. وكان نائب الرئيس الاميركي، جو بايدن، قد تعرض الى ادانة واسعة من قبل العديد من السياسيين العراقيين حينما رعى قرارا يدعو الى انشاء فيدراليات شبه مستقلة عن الحكومة المركزية، وحصل على تأييد واسع النطاق بين اعضاء الكونغرس الاميركي. وقد قال الناخبون العراقيون الان "كلا" لهذا القرار.
تحت ظروف أمنية مشددة.. الانتخابات العراقية مضت بسلام
عن نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
بغداد صوت العراقيون يوم السبت لاختيار ممثليهم المحليين، في يوم انتخابي خلا تقريبا من أي اعمال عنف، يهدف الى تشكيل مجالس محافظات ذات تمثيل اقرب الى التركيبة الاثنية والطائفية والعشائرية. ومع هبوط الظلام، لم يتأكد موت أي شخص، بينما مارس الصبية لعبة كرة القدم في الطرقات المغلقة، في جو من المرح. وكانت التحضيرات الامنية فوق العادة. فقد حُظرت حركة السيارات في معظم اجزاء البلاد لمنع المفجرين الانتحاريين من مهاجمة اكثر من ستة آلاف مركز اقتراع، ونقاط السيطرة التي تقع على مبعدة عدة امتار عنها. لكن الظروف الامنية المشددة، إضافة الى ارتباك الناخبين حول المكان الذي يتوجب عليهم التصويت فيه، قد اديا الى تقليل نسبة الاقتراع في العديد من المناطق في عموم البلاد. وقد اشتكى العديد من كبار اعضاء الاحزاب السياسية علنا، حتى قبل ان تقفل ابواب مراكز التصويت.
واختلفت نسبة الاقبال على التصويت في مناطق مختلفة من البلاد: فقد بلغت في بعض المحافظات نسبة 60 بالمئة ، بينما بقيت دون 50 بالمئة في البصرة، المحافظة الكبرى في الجنوب. وفي المحافظات الاخرى، ومنها نينوى في الشمال، والتي تعاني التوترات السياسية واعمال العنف ، بلغت نسبة التصويت 75 بالمئة ، حسبما افاد مسؤولو مفوضية الانتخابات المحلية. وتتضارب المشاعر في هذه المحافظة من الحملات الانتخابية التي تواصلت الى يوم التصويت، فقد اشتكى قادة احزاب المعارضة من خصومهم الى الاميركيين والمراقبين الدوليين الذين زاروا مراكز الاقتراع.
وكان الاقبال على التصويت في محافظة الانبار عاليا أيضا، و التي قاطع سكانها الانتخابات الوطنية في عام 2005، بسبب تهديدات المتمردين والمعارضين لحرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة. تعتبر تلك المشاركة حيوية من اجل اعادة التوازن الى الساحة السياسية المحلية، وربما تؤدي الى انهاء احد اسباب اعمال العنف.
يقول مخلد وليد، الذي يبلغ 25 عاما من العمر وهو من مدينة الرمادي بمحافظة الانبار: "لقد صوتت للتو، وانا سعيد للغاية. لم نستطع ان نصوت في الانتخابات الماضية بسبب التمرد."
وبحلول منتصف النهار رفعت الحكومة حظر تجول المركبات في بعض المناطق للسماح للناخبين الادلاء باصواتهم في مراكز الاقتراع البعيدة عن مناطق سكناهم. كما مددت الحكومة فترة التصويت ساعة اخرى، لتقفل ابواب مراكز الاقتراع في الساعة السادسة مساء.
ومن المتوقع ان تعلن النتائج في غضون ايام، مع ترقب السياسيين الذين يودون معرفة عدد المجالس التي ستتغير فيها تركيبة الاحزاب، وفيما اذا كان عدم الرضا الواسع النطاق عن اداء الاحزاب الدينية سوف يترجم الى مقاعد اقل لها.
وقد خاض ما يزيد على 14,000 مرشح لشغل 440 مقعداً في مجالس 14 من محافظات العراق الـ18. تتحكم مجالس المحافظات في الميزانية البلدية ولها سلطة تعيين وفصل الموظفين، ما يعطي المرشحين الناجحين سلطة كبيرة ونفوذا في بلاد تعاني نسبة بطالة مرتفعة. ولم تجرى الانتخابات في محافظات كردستان، المنطقة التي تتمع باستقلال ذاتي في الشمال، ولا في مدينة كركوك.
في ناحية القحطانية، الواقعة الى الجنوب الغربي من قضاء سنجار في محافظة نينوى، والتي كانت موقع اسوأ تفجير منفرد خلال الحرب، والذي وقع عام 2007 وادى الى استشهاد نحو 500 شخص، كان التصويت نظاميا وحتى في اجواء من البهجة. ويتوقع مدير الناحية، خضر خديده راشو، ان تبلغ نسبة التصويت 90 بالمئة في معظم الاماكن.
وكانت عملية التصويت هي الممارسة الانتخابية الاكبر التي تجرى بعد موجة العنف التي بلغت اوجها بين عامي 2006 و2007، حيث اصبحت الظروف الآن اكثر سلاما بشكل ملحوظ.
وقال رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يدلي بصوته في المنطقة الخضراء ببغداد، التي اصبحت الآن تحت السيطرة العراقية، لكنها مازالت محمية بشدة: "انا سعيد للغاية في هذا اليوم، لان جميع المؤشرات والمعلومات تشير الى نسبة مشاركة عالية في مراكز الاقتراع. هذا نصر لجميع العراقيين."
وفي واحدة من الحوادث القليلة التي وقعت في يوم الانتخابات ، أصيب مواطنان بنيران القوات الامنية العراقية في مدينة الصدر ببغداد لدى محاولتهما الدخول الى مركز الاقتراع وهما يحملان كاميرات واجهزة تسجيل، حسبما افاد مسؤولون عراقيون وشهود عيان.
وقال احد شهود العيان ان الرجلين اشتبكا في عراك مع الجنود الذي يتولون حماية المركز الانتخابي، مطالبين بالسماح لهم بالدخول من الباب الخلفي، بينما أصر الجنود على انهم يجب ان يدخلوا من الباب الامامي.
وكانت هناك بعض اعمال العنف في الفترة السابقة ليوم الانتخاب، بحيث لقي خمسة مرشحين في الاقل وثلاثة من العاملين في الحملات الانتخابية مصارعهم اثناء الحملة.
وفي مجمل الأمر، يبدو أن هناك تحمساً كبيراً للتصويت، لكن هناك ارتباكاً ايضا. فبعض الناخبين حضر الى المراكز الانتخابية الاقرب الى منازلهم بدلا من المراكز التي تم توزيعهم عليها، بسبب حظر التجوال المفروض على حركة المركبات. كما تم رفض السماح لآخرين بالتصويت لان اسماءهم لم ترد ضمن قوائم الناخبين.
وكانت عملية تسجيل الناخبين قد نظمت استنادا الى نظام البطاقة التموينية، والتي استمر العمل بها بعد سقوط النظام السابق. ويتوجب على الناخبين ان يراجعوا قائمتين لغرض معرفة فيما اذا كان قد تم تسجيلهم للانتخاب في مركز انتخابي معين. ثم ينبغي على الناخبين ان يراجعوا قوائم مطولة تشتمل على جميع العوائل التي يخدمها وكيل الغذائية. فاذا فـُقد اسم الناخب، فلن يكون بامكانه (او بامكانها) التصويت في ذلك المركز.
بعض الناخبين اصابهم الاستياء واقلعوا عن التصويت، بينما وردت تقارير تفيد بان بعض الناخبين تجول من مركز اقتراع الى آخر حتى عثر على المركز الذي يضم اسم وكيلهم.
ومن هؤلاء نسرين يوسف، المسيحية ذات الـ54 عاما. وقد زارت ثلاثة مراكز انتخابية في بغداد الجديدة، لكنها لم تعثر على اسمها في أي منها، ما حدا بها الى القول: "سوف اذهب الى البيت الان. ربما تكون هناك مدرسة رابعة، لكنها بعيدة جدا ولا استطيع المشي اليها."
ثم اضافت: "انها فوضى واضحة. وان لم تكن فوضى، فأين اسمي؟"
تلقي الحكومة العراقية ومسؤولو مفوضية الانتخابات باللائمة على الناخبين انفسهم لهذا الارتباك.
فقد صرح قاسم العبيدي، مدير مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة: "لقد كررنا القول مرات عديدة قبل الانتخابات بانه قد يتوجب على بعض الناخبين ان يصوتوا في اماكن بعيدة لانهم لم يحدثوا سجل الناخبين حينما غيروا عنوان سكناهم." وقال ان المفوضية امهلت الناس 45 يوما لتحديث معلوماتهم.
وحتى بالنسبة للاشخاص الذي استطاعوا التصويت، فانه كانت هناك الكثير من الخيارات على قسيمة الاقتراع بحيث انهم التزموا التصويت الى الاحزاب المعروفة، او الى الاقارب. يقول حيدر خلف، ضابط الشرطة من محافظة البصرة ويبلغ 27 عاما من العمر، انه اختار مرشحا محليا في قائمة عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق. ويضيف: "لقد صوتت لعبد الحسين فقط. انا اعرف اسمه الاول فقط. لقد أخبرتُ ان اصوت له."
ينظر الى عملية الاقتراع يوم السبت، الى جانب كونها ستقرر كيفية ادارة الحكومات المحلية، بانها مؤشر على الانتخابات الوطنية التي ستجرى في غضون عام واحد، والتي ستقرر شكل الحكومة المركزية.
وتأمل الأحزاب العلمانية في ان تحصل على اصوات المحتجين على اداء الاحزاب الدينية، التي تعرضت الى نقد واسع بسبب فشلها في توفير فرص العمل والخدمات الاساسية منذ عام 2005.
ترجمة: علاء غزالة
بغداد صوت العراقيون يوم السبت لاختيار ممثليهم المحليين، في يوم انتخابي خلا تقريبا من أي اعمال عنف، يهدف الى تشكيل مجالس محافظات ذات تمثيل اقرب الى التركيبة الاثنية والطائفية والعشائرية. ومع هبوط الظلام، لم يتأكد موت أي شخص، بينما مارس الصبية لعبة كرة القدم في الطرقات المغلقة، في جو من المرح. وكانت التحضيرات الامنية فوق العادة. فقد حُظرت حركة السيارات في معظم اجزاء البلاد لمنع المفجرين الانتحاريين من مهاجمة اكثر من ستة آلاف مركز اقتراع، ونقاط السيطرة التي تقع على مبعدة عدة امتار عنها. لكن الظروف الامنية المشددة، إضافة الى ارتباك الناخبين حول المكان الذي يتوجب عليهم التصويت فيه، قد اديا الى تقليل نسبة الاقتراع في العديد من المناطق في عموم البلاد. وقد اشتكى العديد من كبار اعضاء الاحزاب السياسية علنا، حتى قبل ان تقفل ابواب مراكز التصويت.
واختلفت نسبة الاقبال على التصويت في مناطق مختلفة من البلاد: فقد بلغت في بعض المحافظات نسبة 60 بالمئة ، بينما بقيت دون 50 بالمئة في البصرة، المحافظة الكبرى في الجنوب. وفي المحافظات الاخرى، ومنها نينوى في الشمال، والتي تعاني التوترات السياسية واعمال العنف ، بلغت نسبة التصويت 75 بالمئة ، حسبما افاد مسؤولو مفوضية الانتخابات المحلية. وتتضارب المشاعر في هذه المحافظة من الحملات الانتخابية التي تواصلت الى يوم التصويت، فقد اشتكى قادة احزاب المعارضة من خصومهم الى الاميركيين والمراقبين الدوليين الذين زاروا مراكز الاقتراع.
وكان الاقبال على التصويت في محافظة الانبار عاليا أيضا، و التي قاطع سكانها الانتخابات الوطنية في عام 2005، بسبب تهديدات المتمردين والمعارضين لحرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة. تعتبر تلك المشاركة حيوية من اجل اعادة التوازن الى الساحة السياسية المحلية، وربما تؤدي الى انهاء احد اسباب اعمال العنف.
يقول مخلد وليد، الذي يبلغ 25 عاما من العمر وهو من مدينة الرمادي بمحافظة الانبار: "لقد صوتت للتو، وانا سعيد للغاية. لم نستطع ان نصوت في الانتخابات الماضية بسبب التمرد."
وبحلول منتصف النهار رفعت الحكومة حظر تجول المركبات في بعض المناطق للسماح للناخبين الادلاء باصواتهم في مراكز الاقتراع البعيدة عن مناطق سكناهم. كما مددت الحكومة فترة التصويت ساعة اخرى، لتقفل ابواب مراكز الاقتراع في الساعة السادسة مساء.
ومن المتوقع ان تعلن النتائج في غضون ايام، مع ترقب السياسيين الذين يودون معرفة عدد المجالس التي ستتغير فيها تركيبة الاحزاب، وفيما اذا كان عدم الرضا الواسع النطاق عن اداء الاحزاب الدينية سوف يترجم الى مقاعد اقل لها.
وقد خاض ما يزيد على 14,000 مرشح لشغل 440 مقعداً في مجالس 14 من محافظات العراق الـ18. تتحكم مجالس المحافظات في الميزانية البلدية ولها سلطة تعيين وفصل الموظفين، ما يعطي المرشحين الناجحين سلطة كبيرة ونفوذا في بلاد تعاني نسبة بطالة مرتفعة. ولم تجرى الانتخابات في محافظات كردستان، المنطقة التي تتمع باستقلال ذاتي في الشمال، ولا في مدينة كركوك.
في ناحية القحطانية، الواقعة الى الجنوب الغربي من قضاء سنجار في محافظة نينوى، والتي كانت موقع اسوأ تفجير منفرد خلال الحرب، والذي وقع عام 2007 وادى الى استشهاد نحو 500 شخص، كان التصويت نظاميا وحتى في اجواء من البهجة. ويتوقع مدير الناحية، خضر خديده راشو، ان تبلغ نسبة التصويت 90 بالمئة في معظم الاماكن.
وكانت عملية التصويت هي الممارسة الانتخابية الاكبر التي تجرى بعد موجة العنف التي بلغت اوجها بين عامي 2006 و2007، حيث اصبحت الظروف الآن اكثر سلاما بشكل ملحوظ.
وقال رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يدلي بصوته في المنطقة الخضراء ببغداد، التي اصبحت الآن تحت السيطرة العراقية، لكنها مازالت محمية بشدة: "انا سعيد للغاية في هذا اليوم، لان جميع المؤشرات والمعلومات تشير الى نسبة مشاركة عالية في مراكز الاقتراع. هذا نصر لجميع العراقيين."
وفي واحدة من الحوادث القليلة التي وقعت في يوم الانتخابات ، أصيب مواطنان بنيران القوات الامنية العراقية في مدينة الصدر ببغداد لدى محاولتهما الدخول الى مركز الاقتراع وهما يحملان كاميرات واجهزة تسجيل، حسبما افاد مسؤولون عراقيون وشهود عيان.
وقال احد شهود العيان ان الرجلين اشتبكا في عراك مع الجنود الذي يتولون حماية المركز الانتخابي، مطالبين بالسماح لهم بالدخول من الباب الخلفي، بينما أصر الجنود على انهم يجب ان يدخلوا من الباب الامامي.
وكانت هناك بعض اعمال العنف في الفترة السابقة ليوم الانتخاب، بحيث لقي خمسة مرشحين في الاقل وثلاثة من العاملين في الحملات الانتخابية مصارعهم اثناء الحملة.
وفي مجمل الأمر، يبدو أن هناك تحمساً كبيراً للتصويت، لكن هناك ارتباكاً ايضا. فبعض الناخبين حضر الى المراكز الانتخابية الاقرب الى منازلهم بدلا من المراكز التي تم توزيعهم عليها، بسبب حظر التجوال المفروض على حركة المركبات. كما تم رفض السماح لآخرين بالتصويت لان اسماءهم لم ترد ضمن قوائم الناخبين.
وكانت عملية تسجيل الناخبين قد نظمت استنادا الى نظام البطاقة التموينية، والتي استمر العمل بها بعد سقوط النظام السابق. ويتوجب على الناخبين ان يراجعوا قائمتين لغرض معرفة فيما اذا كان قد تم تسجيلهم للانتخاب في مركز انتخابي معين. ثم ينبغي على الناخبين ان يراجعوا قوائم مطولة تشتمل على جميع العوائل التي يخدمها وكيل الغذائية. فاذا فـُقد اسم الناخب، فلن يكون بامكانه (او بامكانها) التصويت في ذلك المركز.
بعض الناخبين اصابهم الاستياء واقلعوا عن التصويت، بينما وردت تقارير تفيد بان بعض الناخبين تجول من مركز اقتراع الى آخر حتى عثر على المركز الذي يضم اسم وكيلهم.
ومن هؤلاء نسرين يوسف، المسيحية ذات الـ54 عاما. وقد زارت ثلاثة مراكز انتخابية في بغداد الجديدة، لكنها لم تعثر على اسمها في أي منها، ما حدا بها الى القول: "سوف اذهب الى البيت الان. ربما تكون هناك مدرسة رابعة، لكنها بعيدة جدا ولا استطيع المشي اليها."
ثم اضافت: "انها فوضى واضحة. وان لم تكن فوضى، فأين اسمي؟"
تلقي الحكومة العراقية ومسؤولو مفوضية الانتخابات باللائمة على الناخبين انفسهم لهذا الارتباك.
فقد صرح قاسم العبيدي، مدير مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة: "لقد كررنا القول مرات عديدة قبل الانتخابات بانه قد يتوجب على بعض الناخبين ان يصوتوا في اماكن بعيدة لانهم لم يحدثوا سجل الناخبين حينما غيروا عنوان سكناهم." وقال ان المفوضية امهلت الناس 45 يوما لتحديث معلوماتهم.
وحتى بالنسبة للاشخاص الذي استطاعوا التصويت، فانه كانت هناك الكثير من الخيارات على قسيمة الاقتراع بحيث انهم التزموا التصويت الى الاحزاب المعروفة، او الى الاقارب. يقول حيدر خلف، ضابط الشرطة من محافظة البصرة ويبلغ 27 عاما من العمر، انه اختار مرشحا محليا في قائمة عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق. ويضيف: "لقد صوتت لعبد الحسين فقط. انا اعرف اسمه الاول فقط. لقد أخبرتُ ان اصوت له."
ينظر الى عملية الاقتراع يوم السبت، الى جانب كونها ستقرر كيفية ادارة الحكومات المحلية، بانها مؤشر على الانتخابات الوطنية التي ستجرى في غضون عام واحد، والتي ستقرر شكل الحكومة المركزية.
وتأمل الأحزاب العلمانية في ان تحصل على اصوات المحتجين على اداء الاحزاب الدينية، التي تعرضت الى نقد واسع بسبب فشلها في توفير فرص العمل والخدمات الاساسية منذ عام 2005.
Subscribe to:
Posts (Atom)