عن: جريدة ماكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – عمل احمد رزاق، الذي يبلغ 14 سنة من العمر، في اعمال اكثر ما يستطيع ان يعد. فقد عمل في طلاء المنازل، وتنظيف المباني التي تحتوي على مكاتب، واشرف على فريق من عمال التنظيف. وفي الفترة الاخيرة يمضي ايامه في غسل السيارات قرب فندق متواضع في بغداد مقابل بضعة دولارات كل اسبوع. لم تطأ قدماه صفا دراسيا قط. وقد سمع عن المدارس من اصدقائه فحسب. وهو لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، ويعتقد انه لن يستطيع ذلك ابدا.
يقول احمد، وهو يقف خارج منزل العائلة في اطراف منطقة الكرادة ببغداد: «ارغب في الذهاب الى المدرسة، ولكني اعتقد انه قد فات الاوان لذلك. ثم انك بحاجة الى المال لتذهب الى المدرسة».
هذه هي الطريقة التي يعيش بها الكثير من اطفال العراق، يعملون بادنى الاجور، او يبقون في منازلهم بدلا من الذهاب الى المدرسة. تشير تقديرات الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الى ان نحو خمس الاطفال بعمر المدرسة لا يذهبون اليها، لكن وزارة التربية العراقية تعارض هذه الاحصاءات. وتشير التقارير الى ان البنات والاطفال الذين يقطنون المناطق القروية هم بالتحديد الاكثر تأثرا.
انخفضت اعمال العنف بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، لكن نتائج اعمال العنف، من قتل الانفس، وتقطيع اوصال العائلات، الى تخريب المنشأت، سوف تستمر لفترة اطول من الزمن. اينما تذهب في بغداد تجد اطفالا يتسولون او يبيعون قناني المشروبات الغازية على جانب الطريق، حتى في اوقات دوام المدراس. وبقدر أي شيء آخر، فانهم ليسوا الا مثالا لما يتوجب اعادة بنائه في العراق.
يقول محمود عثمان، النائب الكردي في البرلمان العراقي: «هناك الكثير من العواقب الوخيمة على مستقبل بلدنا اذا لم يلتحق اطفالنا بالمدارس. ذلك يؤثر على اقتصادنا، وعلى نظام معيشتنا، وعلى نمو البلاد ككل».
ويعتبر المال اكبر سبب يجعل الاطفال يبقون منازلهم بعيدا عن المدارس. فبرغم ان التعليم العام مجانيا في العراق، ولكن الكثير من العائلات فقيرة الى الحد الذي لا يتمكنون فيه من دفع ثمن حقيبة المدرسة، والدفاتر، والملابس المدرسية المناسبة. وقد ارتفعت كلفة المعيشة بشكل مأساوي في عموم البلاد في السنوات الاخيرة، بينما تبلغ نسبة البطالة نحو 50%.
تتسائل عبير عبد الرحمن، الارملة ذات الـ 36 عاما، وهي ام لخمسة اطفال، وليس لديها وظيفة، قائلة: «لا استطيع ان اشتري لهم حليبا، فكيف لي ان اشتري لهم كتبا مدرسية؟ انا اريد ان اعطيهم المزيد، لكن اخبرني، كيف؟»
يبلغ عمر اثنين من اولاد عبير عبد الرحمن سن المدرسة، اذ تبلغ نورا سبع سنوات من العمر، بينما يبلغ عُمَر تسع سنوات، ولكن ايا منهما لم يذهب الى المدرسة. انما يمضيان يومهما في التسول مع والدتهما.
تقول عبير: «الامر الاكثر اهمية هو ان يقوم اولادي بالتسول حتى نستطيع ان نأكل. ماذا عساهم يجنون من التعليم؟»
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان نسبة التسجيل في المدرسة متدنية بحيث عُدّت مشكلة. ولكنها اصبحت اسوأ مع اعمال العنف التي تلت بداية الحرب.
وفي اواخر عام 2006، قرر الكثير من الاهالي ان ارسال اولادهم الى المدارس يشكل مخاطرة كبيرة. بينما توقف اطفال آخرون عن الذهاب الى المدرسة حينما اجبرت عائلاتهم على الرحيل عن مناطقهم إثر فورة العنف الطائفي. وقد قام بعضهم بالتسجيل في المدارس من جديد، لكن البعض الآخر لم يفعل ذلك.
تبقى كل من شهد تحسين، ذات السبعة اعوام، مع اخيها نبراس الذي يصغرها بعام واحد في بيت جدتهما المكون من غرفة واحدة قذرة في بغداد، بدلا من الذهاب الى المدرسة. وقد أتيا الى هذا المكان في عام 2006 بعد ان قتل كل من والديهما.
تقول الجدة، البالغة 63 عاما من العمر، واسمها حليمة محمد فرج: «لقد بعنا كل شيء نملك فقط لندفع ايجار البيت. ليس لدينا كهرباء، ولا ماء، ولا ملابس. نحن لا نفكر في تعلم القراءة والكتابة».
غير ان مشلكة نقص المدارس زادت الطين بلة، خصوصا في المناطق الريفية، حيث قد تكون اقرب مدرسة بعيدة جدا بالنسبة للاطفال لكي يذهبوا اليها يوميا.
يقدر علاء مكي، وهو نائب برلماني، ويرأس لجنة التربية في البرلمان، ان العراق بحاجة الى بناء 4،500 مدرسة ابتدائية ومتوسطة واعدادية لكي يسد الطلب بشكل مناسب.
كما ان اعداد المعلمين تعتبر دون المطلوب هي الاخرى. فحسب تقارير الامم المتحدة، تم قتل اكثر من 250 معلما منذ عام 2003، بينما هرب المئات منهم الى خارج البلاد.
يقول علاء مكي: «نحن نعلم، بكل تأكيد، ان مشكلة تسرب الاطفال من المدراس هي اكبر تحدٍ تواجهه لجنتنا. لكن هناك آخرين في الحكومة، لسوء الحظ، يحاولون ان يقللوا من خطورة المسألة».
ويضيف مكي ان وزارة التربية العراقية تقلل من تقديرات اعداد الاطفال المتسربين بشكل كبير. فالناطق الرسمي باسم وزارة التربية، وليد حسين، يقول ان 6 بالمئة فقط من عدد الاطفال الذين يتوجب ان يكونوا في المدارس، هم الان متسربين عنها.
ويمضي مكي الى القول: «هذه المشكلة، في جزء منها، قضية فساد، وفي جزء آخر، قضية اناس غير مؤهلين يعملون في الوزارات. حتى لو رصدنا مبالغ طائلة لحل المشكلة، لايبدو ان الامور سوف تتحسن».
ويضيف ان الجهود المبذولة في البرلمان لاقرار قانون من شأنه ان يزيد من عدد الاطفال المسجلين في المدارس قد باءت بالفشل. فقد رفض المشرعون حديثا مشروع قانون يعطي رواتب لطلبة الكليات، الامر الذي يعتقد مكي انه سيشجع الطلبة في المراحل كافة على البقاء في المدارس.
يقول: «انهم يقولون انها مكلفة جدا. لا يرون الامر على انه اولوية... بالنسبة لي، اعتقد ان هؤلاء الاطفال سوف يكبرون بدون ان يحصلوا على أي شيء، ومن ثم فانهم سوف يتحولون الى العنف والجريمة والمسالك الخطرة الاخرى. وحينها سوف يكون علينا ان نتجرع عواقب وخيمة».
لا يعرف حسام حسن عمره بالضبط، لكنه يبدو انه يبلغ عشرة اعوام. وهو يمضي يومه في بيع العاب الاطفال في تقاطع مزدحم في بغداد.
وهو يقول انه كان يذهب الى المدرسة، لكنه توقف عن ذلك قبل بضعة اعوام، حينما غادرت عائلته مدينة الصدر بسبب اعمال العنف.
سألته عن مستقبله، فمسح انفه وقد بدت عليه إمارات الحيرة، وأجاب قائلا: «مستقبلي؟»، ثم توقف لحظة. ثم استطرد قائلا: «سوف اعمل، تماما كما اعمل هذا اليوم».