Wednesday, November 05, 2008

جيــــل جديـــد يتولــى القيـــادة فــي الانــــبار

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

الرمادي – بينما أفل النهار الى الغسق، جلس جاسم محمد السويداوي على بساط بني مفروش على الارض، يدخن السيجارة تلو الاخرى، ويراقب بهدوء التجادل بين رجال العشائر بشأن قضية فصل عشائري.
فقد قتل رجل من عشيرة الدليم رجلا من عشيرة الجنابيين. وكان بامكان كبار رجال العشيرتين ان يلجأوا الى محكمة المحافظة. كما كان بامكانهم ان يحيلوا الامر الى شيوخ العشائر التقليديين الذين طالما فصلوا في حل النزاعات على مدى قرون مضت. لكنهم لم يفعلوا ايا من ذلك. بل جاءوا الى السويداوي، وهو رجل حضري، وقائد عشيرة بدعم من الاميركيين، تمكن في غضون سنتين ان يصبح الرجل الاكثر سلطة في منطقة شرق الرمادي.
سأل الرجال اذا ما كانوا يثقون بحكمه، فاشاروا بالموافقة. تمكن من التوصل الى تسوية خلال دقائق. لم يكن الرجال سعداء، لكنهم يخشون السويداوي وبحاجة الى حمايته ايضا. قال الشيخ الذي يبلغ 52 عاما من العمر بعد ان قبل كلا من الرجلين خديه: «تقديركم لي لن يذهب طي النسيان».
«شيخ جاسم» كما يدعو رجال العشائر السويداوي، هو من بين الجيل الجديد من القادة الذين يمتلكون سطوة في عموم المناطق الغربية. وقد حصلوا على مكانتهم بعد ان قاتلوا المتمردين المرتبطين بالقاعدة في العراق. وقد تمكنوا، من خلال الاموال والدعم الاميركي، من احلال نظام هش في محافظة الانبار، والتي كانت ذات مرة مسرحا لاكثر اعمال العنف دموية في العراق، منجزين في اشهر ما لم يكن باستطاعة الجيش الاميركي انجازه في سنوات.
لكن ارتقاء هؤلاء الشيوخ، الذي يطلق عليهم مجتمعين اسم الصحوة، قد بدأ يثير نزاعات جديدة قد تتعمق اذا لم يواصل الجيش الاميركي تقديم الدعم الى هذه الحركة. فقد جردوا شيوخ العشائر التقليديين من سلطتهم. كما انهم اقتطعوا المناطق لتصبح إقطاعيات لهم، يفرضون فيها وجهات نظرهم بخصوص القانون والامن، ومضعفين سلطة الحكومة، حتى أنهم يتحدون سلطة الاحزاب الدينية المعترف بها للحصول على هيمنة سياسية.
ان صعود هؤلاء الرجال انما يظهر كيف ان الصراع على السلطة قد أخذ يشكل مستقبل العراق بشكل متزايد. كما ان تنامي سلطتهم يؤكد ان اجزاءا كبيرة من العراق سوف تبقى تحت تأثير القانون القبلي، بدلا من سلطة القوانين الحديثة، مما يضع عراقيل في اسس البناء الديمقراطي الذي يتمنى الكثيرون ان يروه هنا.
يقول السويداوي: «لن يستطيع احد ان يزيحنا». وهو يتملك السلطة على معظم عشيرة البو صيدا، التي يبلغ عدد افرادها 30،000 نسمة.
الدعم من الولايات المتحدة
انتشرت مجالس الصحوة، منذ ان تأسست في اواخر عام 2006، في المناطق والمحافظات الأخرى، كوسيلة للدفاع عن النفس. وقد منح الجيش الاميركي مبلغ 300 دولار كراتب شهري لكل من المقاتلين، الذين كان الكثير منهم من المتمردين السابقين، لكي يقوموا بدوريات الحراسة في المناطق ويوقفوا الهجمات ضد القوات الاميركية.
كما منح ضباط الجيش الاميركي شيوخ عشائر الصحوة مقاولات لاعادة الاعمار في مناطقهم، مما ساعد في بناء سطوتهم. وقد ساعدوهم في العمليات ضد القاعدة في العراق من خلال الدعم الجوي وغيره من اشكال الدعم العسكري والتعبوي. كما تذكر السويداوي في احد الايام كيف وعده الضباط الاميركيون بتبليط الشارع المؤدي الى منزله.
وقد اقرّ القادة الاميركيون بدور حركة الصحوة كعامل اساس في التقليل من العنف، حتى ان بعضهم اعتبر انهم أدوا دورا اهم من دور «زيادة القوات» التي اضافت 30،000 من الجنود الاميركيين خلال العام الماضي.
وفي هذه الشهر، سلم الجيش الاميركي الى السلطة الحكومية ما يزيد على نصف مجاميع الصحوة، التي يناهز عددها الان 100،000 فرد، معظمهم من المقاتلين. لكن الحكومة، التي تزداد ثقتها في قدرتها على توفير الامن بنفسها، قد رفضت ضم معظم اعضاء الصحوة الى قوات الجيش والشرطة. وفي الاسابيع الماضية قامت القوات الامنية العراقية باعتقال بعض قادة الصحوة الذين كانوا متمردين سابقين، مدفوعة بالخشية من انهم قد يرفعون السلاح في وجه الحكومة.
يقول حيدر العبادي، عضو البرلمان من حزب الدعوة الذي يرأسه رئيس الوزاء نوري المالكي: «هناك اعضاء جيدون في حركات الصحوة. لكن غيرهم قد قاموا ببساطة بتغيير قميصهم، وهم لا يريدون التقدم، ولا يؤمنون بالعراق الجديد. نحن لا نريد ان نرى هذه العناصر تخترق قواتنا الامنية».
بيد ان القادة العسكريين الاميركيين قلقون من ان تتبخر نجاحاتهم اذا اوقف القادة العراقيون دفع رواتب مقاتلي الصحوة. يقول الميجر جنرال جيفري هاموند، القائد العسكري الاميركي المسؤول عن بغداد: «قد يسبب ذلك كسرا في هذا البرنامج المهم، مما قد يؤدي الى ان يعود هؤلاء الرجال الى العنف. حيث ان هناك على الدوام احد ما، مثل القاعدة او بعض مجاميع الإرهاب، راغب في تقديم صفقة افضل لهم».
يصر السويداوي وقادة الصحوة المؤسسين الآخرين على أنهم لن يعودوا الى العنف ابدا. وقد انضم 20،000 من المقاتلين الى قوات الشرطة في الانبار. لكن اغلبهم بقي اكثر ولاءا الى عشيرته منه الى الحكومة، مما يعزز من سلطة حركة الصحوة.
ويضيف السويداوي قائلا: «ليس لدي أي ثقة بالحكومة العراقية. هناك مخطط لتنحيتنا عن العملية الامنية باي طريقة ممكنة».
الالتفاف ضد المتمردين
شارك السويداوي، وهو اب لاحد عشر ولدا وبنتا، ويبدو نحيل البنية بشاربين سميكين وهيئة مؤدبة، في القوة الجوية العراقية لعقود من الزمن، عمل في اثنائها بصيانة الطائرات المقاتلة. بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 قام بتولي عمل مربح من خلال حماية القوافل التجارية في الانبار، حيث بدأ التمرد. وهوايته المفضلة صيد الطيور في مزرعة العائلة.
يقول منتقدوه انه كان احد قادة العصابات الذين يعملون في سرقة السيارات على الطريق السريع. لكن السويداوي ينفي هذه التهمة. يصف النقاد كيف انه التقى بعبد الستار ابو ريشة، مؤسس حركات الصحوة، الذي يشاع انه، هو الآخر، قام باعمال تسليب في الطريق السريع.
يقول حمادي محمد السويداوي، البالغ من العمر 45 عاما، والذي ينتمي الى عشيرة الشيخ نفسها ويعمل في تدريس القانون بجامعة الانبار: «الشيخ جاسم غير متعلم. انه ليس شيخا اصيلا لعشيرة البو صيدا. ولم يكن له دوراً يذكر قبل مجيء القاعدة».
يقول السويداوي انه كره الاحتلال الاميركية في بدايته. ويضيف ان الجيش الاميركي ألـّب العشائر ضده نتيجة اجراءاته شديدة الوطأة، وقيامه باعتقالات جماعية ضد الرجال المشتبه بعلاقتهم بالمتمردين.
وقد شارك الكثير من رجال عشريته في اعمال التمرد. يقول ناصر الجنابي، وهو من كبار قادة القاعدة في العراق، في مقابلة هاتفية، ان السويداوي سمح للمتمردين بان يتخذوا لهم قاعدة للعمليات في منطقته. ويضيف الجنابي: «جاسم هو ذلك النوع من الرجال الذين يقفون دائما مع الاقوى. حينما كنا نسيطر على الرمادي، كان يتظاهر انه رجل لطيف، وانه اراد ان يخدمنا ويرضينا».
يوافق السويداوي على انه كان «يغطي على المسلحين ولا يبلغ عنهم القوات الاميركية او السلطات المحلية.» ولكنه يقول انه بحلول العام 2006 بدأ يرى القوات الاميركية اقل عداءا. فقد تمادت القاعدة في العراق؛ يقطعون الروؤس ويحرمون التدخين وحلاقة الذقن والسلوكيات الاخرى التي اعتبروها غير اسلامية.
وفي اواخر عام 2006، وفي اثناء شهر رمضان المبارك، والذي يقوم المسلمون بصيامه من شروق الشمس (...) الى غروبها، قام متمردو القاعدة باختطاف سبعة من اخوة السويداوي واولاد عمومته من بيت العائلة. وقد تم قتلهم في اليوم نفسه، ومن ثم القيت الجثث في نهر الفرات، والذي يمر عبر مدينة الرمادي.
يقول السويداوي: « بعد ذلك، بدأت بملاحقتهم في الشوارع والامساك بهم».
خطوط السلسلة المقطوعة
قام رؤساء العشائر، بضمنهم الكثير من اعضاء حزب البعث الذي قاده صدام حسين، بدعم من القوات الاميركية، بطرد تنظيم القاعدة في العراق من اراضيهم. كما انهم حطموا سلسلة التمويل القديمة. وقد تم اغتيال ابو راشد، الذي قاد عشيرته خلفا لاحد اعمامه الابعدين، العام الماضي في عملية تفجير. ثم اصبح رعد صباح العلواني، وهو رجل ضخم الجثة، ورجل اعمال يشرب الويسكي، شيخا للعشيرة. يقول العلواني، الذي يسكن منزلا شديد الحراسة في الرمادي، وقد علقت على الجدران صورا له مع القادة الاميركيين: «لقد اصبحنا شيوخا لاننا نستخدم القوة. العراق بحاجة الى رجال يستخدمون القوة».
ونهج الكثير من رجال العشائر نهج السويداوي، محولين ولاءهم من شيخ العشيرة التقليدي، الشيخ محمد الجربوع، والذي حكمت عائلته عشيرة السويداوي على مدى ثلاثة قرون. يوضح اللواء حامد حماد الشوكي، قائد شرطة الرمادي السابق، ذلك بالقول: «لم يؤدي الشيخ محمد أي دور في ساحة المعركة. لقد تمكن الشيخ جاسم من فرض الامن، والامن هو الاساس لكل شيء هنا».
سيطر السويداوي على عشيرته خلال اسابيع من اطلاق حملته ضد تنظيم القاعدة في العراق، وهي ثاني اكبر عشيرة في الرمادي، فيما تنحى الجربوع جانبا بهدوء. يقول السويداوي: «الشيخ محمد هو رجل ضعيف».
يؤكد الجربوع، الذي غادر الى سوريا، ان معظم عشيرته لازالت على ولائها له، لكنه اقر ان خصمه اجبره على الرحيل. ويقول: «لقد اراد تولي منصب شخص آخر. ليس من حق جاسم ان يقوّمني، بل ان ذلك من حق عشيرتي. انه شخص يحب الدكتاتورية».
يصف الرائد البحري ادم ستريكلاند، الذي عمل عن قرب مع قادة الصحوة، يصف السويداوي بالقول: «انه شخص عظيم التأثير»، وينظر اليه باعتباره احد اهم حلفاءنا المحليين. ويقول ان الجيش الاميركي «كان يساند قيادته». حتى ان بعض القادة الاميركيين اطلقوا على السويداوي اسم «اسد شرق الرمادي».
اعطاء الحكم العشائري
في الاونة الاخيرة، وفي احد الايام، اختار السويداوي بنفسه مجموعة من الرجال المسلحين، من ضمنهن ثلاثة من اولاده ليركبوا في شاحنة شرطة عراقية بلون ابيض وازرق. بعض هؤلاء الرجال اعتمر قبعة تحمل العلم العراقي الذي يعود الى فترة حكم حزب البعث، حيث انهم يرفضون العلم الجديد. ويتذكر السويداوي كيف انه تعرض الى 12 محاولة اغتيال، منها واحدة كانت عبارة عن طرد ملغوم مغلف على انه هدية أرسل الى منزله.
وفي اثناء جولتهم مرّوا بساحة فارغة سبق وان خاضوا فيها معركة ضد تنظيم القاعدة في العراق. يقول السويداوي، وقد ظهر الوجوم على وجهه، ان سبعين من رجاله قتلوا في ذلك اليوم. وحينما وصلوا الى محطة الكهرباء المحلية استقبل الموظفون الشيخ بالترحاب، كما لو كانت البناية خاصة به. يقوم رجال عشيرته بادارتها وحمايتها. كما يدير السويداوي تسعة من مراكز الشرطة في منطقته.
ثم قام بعد ذلك بزيارة جمعة حسين، وهو شاب عاطل عن العمل يبلغ 25 عاما، وقد فقد يديه ورجليه في قنبلة كانت مزروعة على جانب الطريق. وحينما همّ الشيخ بالمغادرة قام بمنح الشاب مبلغ مائة دولار، قائلا: «اخبرني اذا احتجت أي شيء».
تولى السويداوي التحكيم في النزاعات بخصوص الاراضي، والميراث، ودعاوى الشرطة، وحتى العراك بين المراهقين. وهو يقوم بتقليد الشيوخ التقليديين، مستخدما العادات البدوية التي تبلغ قرونا من العمر، والمستندة إلى الشرف والمساواة في احلال العدالة. يقول السويداوي: «لا يستطيع احد ان يترك او يتخلص من القانون العشائري. فالقانون والدستور ليسا دائمين. انهما يتغيران مع تغير الحكومات».
لكن سلطته، في آخر المطاف، سوف تستند إلى مقدرته على فرض العقوبات. يقول انه طالما قام بالتحقيق مع مشتبهي تنظيم القاعدة في العراق في مضيفه الواسع. اما الان فانه يستخدم احد مراكز الشرطة التابعة له. كيف يتسنى له استخلاص المعلومات؟ يجيب، وقد علت وجهه ابتسامة خجولة، قائلا: «لدينا وسائلنا الخاصة». ثم خلع عقاله الاسود المصنوع من وبر الابل، الذي يتمم لباسه العشائري، مضيفا: «كنت استخدم هذا، اضربهم به مرتين او ثلاث».
وحينما اتم عبارته هذه، سحب هاتفه الخليوي وقام بتشغيل فيلم يحتوي على موسيقى عربية لا يمكن نسيانها، ويمثل عملية اعدام مجموعة من رجال الشرطة العراقية على ايدي المتمردين. يقول السويداوي: «اذا شعرت يوما بالرحمة حيالهم فان هذا الفيلم سوف يمنعني. سوف يذكرني على الدوام بجرائمهم».
الحركة من اجل السلطة السياسية
يسعى السويداوي وقادة الصحوة الاخرين الى تحويل انجازاتهم، التي تحققت في قتالهم ضد التمرد، الى مطامح سياسية. انهم يخططون لتحدى الحزب الاسلامي العراقي، وهو اكبر الاحزاب السياسية المؤتلف مع حكومة المالكي، في الانتخابات المحلية المخطط لها العام القادم. وعلى المحك، لا يزال قادة الاقلية غير المنضبطين يخوضون في جدال طويل بغية الحصول على موطيء قدم في العراق الجديد.
يقول السويداوي: «نحن نعرف اناسنا خيرا منهم». اذا تمكن قادة الصحوة من الفوز فسوف يتسنى لهم فرض قيم عشائرية وعلمانية على النظام السياسي المقسم طائفيا. وقد تعرضت مقرات الحزب الاسلامي الى الهجمات في الاسابيع الاخيرة، كما تمت مهاجمة قادة الصحوة، مما يثير المخاوف من صراعات اوسع عبر المناطق السنية.
غير ان حركات الصحوة نفسها مشحونة بالصراعات. وقد قال بعض مؤسسي الصحوة، في مقابلات صحفية، ان احمد ابو ريشة، الذي تولى زعامة مجالس الصحوة بعد موت اخيه، ليس مؤهلا للقيادة، لانه لم يقاتل تنظيم القاعدة في العراق. وقد انسحب اثنان من المؤسسين المهمين ليشكلوا احزابهم السياسية الخاصة بهم. كما ان السويداوي دخل في خصام مع ابو ريشة. يقول عن ذلك: «لسوء الحظ، فان الاقوى والاشجع يقوم بكل العمل بينما يقطف ثمار عملنا الجبناء».
وهو مشغول البال في السؤال الملح: ماذا سيحدث اذا غادر مساندوه من الاميركيين؟ انه يتوقع بحزن حلول الفوضى في الانتخابات المحلية. وقد اخبر السويداوي الميجر جنرال جون كيلي، قائد القوات الاميركية في الانبار قبل فترة وجيزة ان «هناك خلايا نائمة للقاعدة في المحافظة. لازالت حدودنا مخترقة».
يحبذ السويداوي ان يرى القوات الامريكية في قواعدها لاعوام، او حتى عقود، كما فعلوا في اليابان والمانيا. فهو يخشى، على غرار الكثير، أن تقع البلاد تحت تأثير الصراعات.
يستخدم السويداوي في الفترة الاخيرة قاربا ذا محرك ينساب ببطء عبر نهر الفرات لغرض حراسة عشيرته واراضيه. يقول، وهو يحدق في احراش البردي العالية تحت الشمس الحارقة: «الشر موجود في كل مكان».