عن: التايمز
ترجمة: علاء غزالة
ديالى – تقف القوات الخاصة الاميركية لحراسة احد البنايات في هذه المدينة العنيدة، رافعين بنادقهم، بينما يحمل الجنود نقالتين لادخالها الى داخل البناية.
ربما لم يمض وقت طويل منذ ان حملت هذه النقالات القتلى والجرحى نتيجة تفجير انتحاري او اشتباك مع المتمردين. اما الان فانها لم تحمل اي سوء غير مواد تستخدم في صناعة الملبوسات النسائية، من اجل مؤتمر لنساء العراق. ويتم اعطاء قطع من النسيج لكل من النسوة اللائي يحضرن اللقاء في بعقوبة.
تناقض صورة القوات الخاصة المعتادة، تلك القوات التي تخوض العمليات القتالية، مع مهمة توفير الامن الى اجتماع نسوي صباحي، لكنها توضح مدى التكتيكات اللينة التي يتم توظيفها في مواجهة التمرد.
تعد مَهمة (العقل والقلب) مُهمة بالتحديد في محافظة ديالى، التي شهدت اكثر من 32 عملية انتحارية قامت بها النساء خلال هذا العام.
يقول احد جنود القوات الخاصة المشاركين في هذه المهمة: «نقوم بخمس او ست عمليات، البعض منها حركي، وبعضها غير حركي، والبعض الاخر مزيج بينهما. ان ما نفعله هو بمساعدة، وبرفقة، ومن خلال العراقيين».
وقد تغيرت طبيعة جهود الجيش الاميركي في العراق في الاشهر الاخيرة، منذ ان انخفض العنف الى ادنى مستوياته خلال اربعة اعوام، بينما تزداد ثقة الجيش والشرطة العراقية بانفسها وتتخذ مواقعها في خط المواجهة عند اي قتال. ونتيجة لذلك، فان من الارجح ان يكون الجنود الاميركيون في زيارة الى احد الشيوخ والسياسيين المحليين، يرتشفون الشاي، لا ان يقوموا بتكسير الابواب واعتقال الناس.
يقود الكولونيل بورت ثومبسون لواءا قتاليا مؤلفا من 4100 جندي في ديالى، التي كانت في الماضي مركزا لعمليات القاعدة في العراق. وهو يمضى وقته اليوم في محاولة مساعدة الحكومة المحلية على انفاق ميزانيتها، وبناء المدارس، والتحضير للانتخابات المحلية، وجهود المصالحة بين الطوائف المختلفة.
يقول الكولونيل ثومبسون: «اشخاصا مثلي يرتاحون اكثر للعمليات القتالية. انا لست مرتاحا جدا مع هذه الاعمال التي تخص الحكومة، فما هي؟ وكيف تقيسها؟ لا أتسلم راتبي من اجل مثل هذا العمل... اجل، يتم دفع راتبي من اجل كل هذا. ان اهم واجبات هذا اللواء هو مساعدة الحكومة المحلية».
تتركز 90 بالمئة من جهود القائد الميدانية على مبادرات مثل ضمان ان تقوم السلطات المحلية بتنفيذ مشاريع الطرق، وحفر الابار، وتوفير الكهرباء الى المدن والقرى في عموم محافظة ديالى.
بينما لا تشكل الجهود «الحركية» الا جزءا بسيطا من مهمات لواء الاسكا القتالي الاول من فرقة المشاة الخامسة والعشرين، وهي تتضمن في مجملها مساعدة القوات العراقية على اصطياد المتمردين.
يقول الكولونيل ثومبسون، الذي وصلت قواته الى محافظة ديالى في الشهر الماضي: «كانت المهمات في عام 2007 حركية بنسبة 99,999 بالمئة.» ويخلد الجنود في قواعدهم داخل بعقوبة الى الراحة وهم يؤدون دورتهم الثانية او الثالثة في العراق، مما يعكس طبيعة التغيير الحاصل.
وقد فقد العريف جيمس ويلسون اعز اصدقائه حينما انفجرت قنبلة زرعت في جانب الطريق على المدرعة التي كانوا يستقلونها في بغداد، عندما كان في اول دورة واجب يؤديها في العراق بين عامي 2005 و2007.
ويقول العريف البالغ 23 عاما من العمر، وهو من ولاية اوهايو، ان فرص الهجمات الان قد تقلصت بشكل كبير، مضيفا: «ارى نفسي في الغالب وكأني في اجازة. ذلك يجعلني اشعر بالسرور». سوف يمّكن التحسن الامني القوات الاميركية على تقليص وجودها في العراق خلال هذا الشهر الى 14 لواءا قتاليا بدلا من 16، اي انهم يستبقون الجدول المعد مسبقا بشهرين.
وعلى الرغم من تغيّر الواجبات من الفعاليات القتالية الى تناول القهوة في الصباح، يبقى الخطر ماثلا. فقد قتل جنديان من لواء الاسكا في الشهر الماضي إثر هجوم صاروخي على القاعدة الرئيسة للقوات الاميركية في ديالى.
كما تحوم علامات استفهام على مستبقل القوات الاميركية في العراق بعد نهاية هذا العام، حينما تنتهي صلاحية تفويض الامم المتحدة الذي يسمح بوجود القوات الاميركية في العراق.
وتستمر المفاوضات بين بغداد وواشنطن على الاتفاقية الامنية، التي يجب ان توقع قبل 31 كانون الاول، والتي سوف يكون لها تأثير رئيس على العمليات.
ويحدد الجدول الزمني موعد انسحاب القوات الاميركية من المدن مثل بعقوبة بحلول الصيف القادم، وان تنسحب من عموم العراق خلال ثلاثة اعوام.
يقول الكولونيل ثومبسون انه مستعد للاستجابة لكل ما قد يحدث. ويستطرد قائلا: «لدي مجموعة من المشاكل. لدي رؤية. سوف اتوقف، واعيد التقييم. سوف ارسم خطة وسوف ننفذها». ويؤكد ان المفتاح يتمثل في تسليم المزيد من المسؤوليات الى السلطات العراقية لتمكين القوات الاميركية من التراجع.
وحضر المؤتمر النسوي هذا الاسبوع، الذي نظمه ضابط الشؤون المدنية الاميركي، شخصية دبلوماسية ونحو 60 او 70 من النساء العراقيات القياديات، ومارسن تبادلا حيا للافكار، وكان الجميع مهتمين بهذه المناسبة.
وخرج الكثير من النسوة ملآى الايادي بالمواد المطلوبة لخياطة ملابسهن، في محاولة وادعة لتشجيع النساء على ايجاد مصدر جديد للدخل في المحافظة التي انفردت فيها القاعدة كأرضية لتجنيد النساء الانتحاريات.
يصف احد جنود القوات الخاصة ستراتيجية التحصين على انها «ترك التفجير»، القفز امام المشكلة، التواصل مع النساء من اجل بديل منافس عن التمرد
Thursday, November 27, 2008
Thursday, November 20, 2008
الاتفاقية الأمنية تحدد موعد انسحاب القوات الأميركية
عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
صادق مجلس الوزراء العراقي يوم الاحد باغلبية ساحقة على الاتفاقية الامنية المقترحة، والتي تدعو الى انسحاب القوات الاميركية من البلاد بحلول نهاية عام 2011. من شأن قرار مجلس الوزراء هذا ان يجعل الموعد النهائي لرحيل القوات الاميركية اقرب بشكل ملحوظ بعد خمس سنوات ونصف من الحرب. على انه لازال امام الاتفاقية المقترحة ان تحصل على مصادقة البرلمان العراقي، وذلك في جلسة تصويت تقررت ان تعقد خلال اسبوع. لكن بعض قادة الكتل البرلمانية الكبرى عبروا عن ثقتهم بان لديهم الإسناد الكافي لضمان الحصول على المصادقة.
وقد صوت سبعة وعشرون من بين الوزراء الثماني والعشرين الذين حضروا جلسة التصويت التي استمرت ساعتين ونصف، صوتوا لمصلحة الاتفاقية بما يعد شبه بإجماع حيث كان من الممكن ان تؤدي المعارضة الواسعة النطاق إلى إفشال الاتفاقية الأمنية حتى لو توفرت لها الاصوات الكافية، وكان من شأنها ان تطرح تساؤلات فيما اذا كان هناك اجماع وطني حقيقي، والذي يتعبره القادة أمرا اساسيا.
لم تحدد الاتفاقية الامنية، التي استغرقت قرابة السنة من المفاوضات مع الولايات المتحدة، موعدا لانسحاب القوات الاميركية فحسب، بل انها وضعت قيودا جديدة على عمليات القوات القتالية الاميركية اعتبارا من الاول من كانون الثاني، وتلزم الجيش الاميركي بالانسحاب من المناطق الحضرية بحلول 30 حزيران. ان هذه التواريخ المؤكدة تعكس التنازلات الكبيرة التي قدمتها ادارة بوش المنصرفة، والتي كانت تجاهر بمعارضتها لاي جدول زمني.
كما حصل العراق على صلاحيات قضائية ملحوظة في بعض القضايا التي تخص الجرائم الخطرة التي يرتكبها الاميركيون حينما لا يكونون في الواجب ولا في قواعدهم.
وفي واشنطن، رحب البيت الابيض بالمصادقة على انه «خطوة مهمة وايجابية» واعطى الفضل في التوصل الى هذه الاتفاقية الى التحسن الامني خلال السنة الماضية.
وقد حاولت الاحزاب ، ورئيس الوزراء نوري المالكي، خلال المفاوضات، وتحت ضغوط داخلية ومن خارج البلاد، ان يحدثوا توزانا في صياغة الاتفاقية الحيوية مع الاميركيين بحيث تضمن امن العراق ولكنها تبقى حاسمة بوجه ما يعتبره الكثيرون، ومن ضمنهم الجارة ايران، القوة الغاشمة التي احتلت العراق حين غزته في ربيع عام 2003 واطاحت بنظام صدام حسين.
يقول مايكل اوهانلون، المتخصص في شؤون العراق بمعهد بوركنز: «يظهر هذا التصويت ان العراقيين قد توصلوا الى طريقة للتعبير عن موقفهم، لايران وللولايات المتحدة على السواء. لقد تفحصوا مختلف الخيارات وتوصلوا الى انه ليس هناك من خيار مثالي، ولكن الخيار الافضل لأمنهم يكمن في ان يستمر التعاون مع الاميركيين ولكن لفترة زمنية محددة. وهم، في الوقت ذاته، يعبرون عن رغبتهم القوية في ان يديروا امور بلدهم بانفسهم باسرع وقت ممكن».
يقول المسؤولون الاميركيون ان هذا التوافق جاء نتيجة مساومات صعبة بين العراقيين. وكان السفير الاميركي، رايان كوركر، قد تحدث عن المفاوضات قبل ايام من تصويت مجلس الوزراء قائلا حول المئة مطلب لتغيير الاتفاقية التي سعى اليها العراقيون خلال الاسابيع الاخيرة: «بعضها كان ماديا، وبعضها كان لغويا، وبعضها كان نمطيا. لقد نظرنا في جميع المطالب، وقد كنا سباقين الى الاستجابة قدر الامكان». يقول بعض السياسيين العراقيين إن العامل المهم في قرار الحكومة هو مصادقة آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الأكثر نفوذا في العراق، والذي فرض ثلاثة شروط من موقعه خارج المفاوضات: سيادة عراقية كاملة، الشفافية، ومساندة الاغلبية للاتفاقية.
ويقول ضياء الدين الفياض، عضو المجلس الاسلامي الاعلى، احد اكبر الاحزاب ، إن آية الله (السيستاني) لم يعط موافقته حتى زاره وفد من القادة يوم السبت ليؤكدوا له ان الاتفاقية تلبي هذه الشروط. ويمضي في القول: «لقد قلنا له اننا اقتربنا اكثر ما يمكن لنا ان نقترب. لم نحصل على كل شيء، ولكننا حصلنا على معظم الاشياء التي اردناها».
اما المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، فقد قال ان الاتفاقية تسمح بامكانات انسحاب القوات الاميركية، حتى قبل الموعد المقرر، اذا تمكنت القوات الامنية العراقية من ان تتولى المسؤولية الامنية قبل الموعد. وقال ايضا انه يحق لكلا الجانبين الغاء الاتفاقية بعد ارسال اشعار الى الطرف الاخر قبل سنة واحدة.
يقول بعض المحللين السياسيين ان مواقف الامريكيين قد لانت بعد انتصار السيناتور باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية. حيث وضع جدولا زمنيا للانسحاب من العراق اسرع حتى من الوقت الذي اقرته الاتفاقية الامنية، برغم انه عدل موقفه مؤخرا.
يقول كريم سجادبور، المحلل المتخصص بالشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي: «لو كان لرئاسة بوش ان تستمر حتى عام 2012، فاني اعتقد ان الناس سوف يكونون قلقين اكثر من ذلك بكثير كما أن المادة التي يقول المسؤولون العراقيون انها تمنع الولايات المتحدة من استخدام الاراضي العراقية في شن هجمات على الدول المجاورة، ربما تكون قد قللت المعارضة .
يقول الفياض: «لقد ارسلنا رسائل الى دول الجوار لنوضح ان الاتفاقية تصب في مصلحة العراق.
ويمكن النظر للمصادقة، من نواح عدة، على انها نتيجة حسابات القادة العراقيين فيمن سيكون، في الوقت الراهن، في افضل موقف لضمان نجاتهم سياسيا. فبعد كل شيء فان الولايات المتحدة هي التي اوصلت العديد من القادة العراقيين الى سدة الحكم. ومع تحسن الوضع الأمني، وان كان هشا، بنظر الاعتبار، فان الكثيرين يرون انه لازالت هناك حاجة للوجود الاميركي.
وتحكم قرارات الامم المتحدة وجود القوات الاميركية في العراق، والتي ستنتهي في 31 كانون الاول. لو لم تتم المصادقة على الاتفاقية، وامتنع مجلس الامن عن تمديد القرارات السابقة، فان الاميركيين يقولون انه كان سيتوجب على قواتهم ايقاف عملياتها. ان اعمال العنف التي نشبت خلال الاسبوعين السابقين لمصادقة الحكومة على الاتفاقية توضح خطورة عدم التوصل اليها. وفي يوم الاحد قتل عشرة اشخاص في محافظة ديالى في هجمات مكثفة تضمنت سيارة مفخخة.
ويبقى من غير الواضح مدى شدة استجابة معارضو الاتفاقية، حيث ادّعى سياسيون صدريون، في تأكيد لمعارضتهم لهذا التوافق، انه من الناحية الاجرائية، فانه يتوجب الحصول على ثلثي الاصوات لتمرير الاتفاقية في البرلمان. لكن المساندين يقولون ان الاغلبية البسيطة سوف تكون كافية.
إلا انه يبدو ان جبهة التوافق تبدو منقسمة على نفسها. فقد قال اكثر من ربع اعضائها انهم سوف يصوتون لمصلحة الاتفاقية، غير ان قادة الحزب الاسلامي، اكبر احزاب جبهة التوافق، يقول انه لن يصادق على اية اتفاقية من دون استفتاء وطني، وهو تطور غير مرجح.
وكان بعض السياسيين قد أعربوا عن اعتقادهم بان العقبة امام تصويت البرلمان ستكون الفشل في الحصول على النصاب اللازم للتصويت، وهو فشل له تاريخ سابق، خصوصا اذا غادر البرلمانيون فورا الى المملكة العربية السعودية لاداء فريضة الحج. وقد تحرك البرلمان بسرعة لانهاء هذه الاحتمالية من خلال منع الاعضاء من السفر الى الخارج.
ولم يكد البرلمانيون يخفون فرحتهم يوم الاحد في اروقة البرلمان التي لاتزال تحمل آثار حكومة صدام حسين البعثية في هيأة لوحات من الفسيفساء تصور الطائرات الاميركية تحلق فوق الجنود العراقيين المندحرين. وهم يشيرون إلى الاتفاقية على انها «اتفاقية الجلاء»، في اشارة الى قوتهم الناشئة مع الاميركيين.
وقد صرح هادي العامري، الذي يقود منظمة بدر، التي كانت في الماضي الجناح العسكري للمجلس الاعلى، بأنهم سوف يسعون إلى إجماع واسع في البرلمان.
كما انه حذر من احتمالية حدوث رد فعل على شكل اعمال عنف من قبل المعارضين، «والتي يمكن ان تحدث سواء وقعنا الاتفاقية أو لم نوقعها».
ترجمة: علاء غزالة
صادق مجلس الوزراء العراقي يوم الاحد باغلبية ساحقة على الاتفاقية الامنية المقترحة، والتي تدعو الى انسحاب القوات الاميركية من البلاد بحلول نهاية عام 2011. من شأن قرار مجلس الوزراء هذا ان يجعل الموعد النهائي لرحيل القوات الاميركية اقرب بشكل ملحوظ بعد خمس سنوات ونصف من الحرب. على انه لازال امام الاتفاقية المقترحة ان تحصل على مصادقة البرلمان العراقي، وذلك في جلسة تصويت تقررت ان تعقد خلال اسبوع. لكن بعض قادة الكتل البرلمانية الكبرى عبروا عن ثقتهم بان لديهم الإسناد الكافي لضمان الحصول على المصادقة.
وقد صوت سبعة وعشرون من بين الوزراء الثماني والعشرين الذين حضروا جلسة التصويت التي استمرت ساعتين ونصف، صوتوا لمصلحة الاتفاقية بما يعد شبه بإجماع حيث كان من الممكن ان تؤدي المعارضة الواسعة النطاق إلى إفشال الاتفاقية الأمنية حتى لو توفرت لها الاصوات الكافية، وكان من شأنها ان تطرح تساؤلات فيما اذا كان هناك اجماع وطني حقيقي، والذي يتعبره القادة أمرا اساسيا.
لم تحدد الاتفاقية الامنية، التي استغرقت قرابة السنة من المفاوضات مع الولايات المتحدة، موعدا لانسحاب القوات الاميركية فحسب، بل انها وضعت قيودا جديدة على عمليات القوات القتالية الاميركية اعتبارا من الاول من كانون الثاني، وتلزم الجيش الاميركي بالانسحاب من المناطق الحضرية بحلول 30 حزيران. ان هذه التواريخ المؤكدة تعكس التنازلات الكبيرة التي قدمتها ادارة بوش المنصرفة، والتي كانت تجاهر بمعارضتها لاي جدول زمني.
كما حصل العراق على صلاحيات قضائية ملحوظة في بعض القضايا التي تخص الجرائم الخطرة التي يرتكبها الاميركيون حينما لا يكونون في الواجب ولا في قواعدهم.
وفي واشنطن، رحب البيت الابيض بالمصادقة على انه «خطوة مهمة وايجابية» واعطى الفضل في التوصل الى هذه الاتفاقية الى التحسن الامني خلال السنة الماضية.
وقد حاولت الاحزاب ، ورئيس الوزراء نوري المالكي، خلال المفاوضات، وتحت ضغوط داخلية ومن خارج البلاد، ان يحدثوا توزانا في صياغة الاتفاقية الحيوية مع الاميركيين بحيث تضمن امن العراق ولكنها تبقى حاسمة بوجه ما يعتبره الكثيرون، ومن ضمنهم الجارة ايران، القوة الغاشمة التي احتلت العراق حين غزته في ربيع عام 2003 واطاحت بنظام صدام حسين.
يقول مايكل اوهانلون، المتخصص في شؤون العراق بمعهد بوركنز: «يظهر هذا التصويت ان العراقيين قد توصلوا الى طريقة للتعبير عن موقفهم، لايران وللولايات المتحدة على السواء. لقد تفحصوا مختلف الخيارات وتوصلوا الى انه ليس هناك من خيار مثالي، ولكن الخيار الافضل لأمنهم يكمن في ان يستمر التعاون مع الاميركيين ولكن لفترة زمنية محددة. وهم، في الوقت ذاته، يعبرون عن رغبتهم القوية في ان يديروا امور بلدهم بانفسهم باسرع وقت ممكن».
يقول المسؤولون الاميركيون ان هذا التوافق جاء نتيجة مساومات صعبة بين العراقيين. وكان السفير الاميركي، رايان كوركر، قد تحدث عن المفاوضات قبل ايام من تصويت مجلس الوزراء قائلا حول المئة مطلب لتغيير الاتفاقية التي سعى اليها العراقيون خلال الاسابيع الاخيرة: «بعضها كان ماديا، وبعضها كان لغويا، وبعضها كان نمطيا. لقد نظرنا في جميع المطالب، وقد كنا سباقين الى الاستجابة قدر الامكان». يقول بعض السياسيين العراقيين إن العامل المهم في قرار الحكومة هو مصادقة آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الأكثر نفوذا في العراق، والذي فرض ثلاثة شروط من موقعه خارج المفاوضات: سيادة عراقية كاملة، الشفافية، ومساندة الاغلبية للاتفاقية.
ويقول ضياء الدين الفياض، عضو المجلس الاسلامي الاعلى، احد اكبر الاحزاب ، إن آية الله (السيستاني) لم يعط موافقته حتى زاره وفد من القادة يوم السبت ليؤكدوا له ان الاتفاقية تلبي هذه الشروط. ويمضي في القول: «لقد قلنا له اننا اقتربنا اكثر ما يمكن لنا ان نقترب. لم نحصل على كل شيء، ولكننا حصلنا على معظم الاشياء التي اردناها».
اما المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، فقد قال ان الاتفاقية تسمح بامكانات انسحاب القوات الاميركية، حتى قبل الموعد المقرر، اذا تمكنت القوات الامنية العراقية من ان تتولى المسؤولية الامنية قبل الموعد. وقال ايضا انه يحق لكلا الجانبين الغاء الاتفاقية بعد ارسال اشعار الى الطرف الاخر قبل سنة واحدة.
يقول بعض المحللين السياسيين ان مواقف الامريكيين قد لانت بعد انتصار السيناتور باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية. حيث وضع جدولا زمنيا للانسحاب من العراق اسرع حتى من الوقت الذي اقرته الاتفاقية الامنية، برغم انه عدل موقفه مؤخرا.
يقول كريم سجادبور، المحلل المتخصص بالشرق الاوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي: «لو كان لرئاسة بوش ان تستمر حتى عام 2012، فاني اعتقد ان الناس سوف يكونون قلقين اكثر من ذلك بكثير كما أن المادة التي يقول المسؤولون العراقيون انها تمنع الولايات المتحدة من استخدام الاراضي العراقية في شن هجمات على الدول المجاورة، ربما تكون قد قللت المعارضة .
يقول الفياض: «لقد ارسلنا رسائل الى دول الجوار لنوضح ان الاتفاقية تصب في مصلحة العراق.
ويمكن النظر للمصادقة، من نواح عدة، على انها نتيجة حسابات القادة العراقيين فيمن سيكون، في الوقت الراهن، في افضل موقف لضمان نجاتهم سياسيا. فبعد كل شيء فان الولايات المتحدة هي التي اوصلت العديد من القادة العراقيين الى سدة الحكم. ومع تحسن الوضع الأمني، وان كان هشا، بنظر الاعتبار، فان الكثيرين يرون انه لازالت هناك حاجة للوجود الاميركي.
وتحكم قرارات الامم المتحدة وجود القوات الاميركية في العراق، والتي ستنتهي في 31 كانون الاول. لو لم تتم المصادقة على الاتفاقية، وامتنع مجلس الامن عن تمديد القرارات السابقة، فان الاميركيين يقولون انه كان سيتوجب على قواتهم ايقاف عملياتها. ان اعمال العنف التي نشبت خلال الاسبوعين السابقين لمصادقة الحكومة على الاتفاقية توضح خطورة عدم التوصل اليها. وفي يوم الاحد قتل عشرة اشخاص في محافظة ديالى في هجمات مكثفة تضمنت سيارة مفخخة.
ويبقى من غير الواضح مدى شدة استجابة معارضو الاتفاقية، حيث ادّعى سياسيون صدريون، في تأكيد لمعارضتهم لهذا التوافق، انه من الناحية الاجرائية، فانه يتوجب الحصول على ثلثي الاصوات لتمرير الاتفاقية في البرلمان. لكن المساندين يقولون ان الاغلبية البسيطة سوف تكون كافية.
إلا انه يبدو ان جبهة التوافق تبدو منقسمة على نفسها. فقد قال اكثر من ربع اعضائها انهم سوف يصوتون لمصلحة الاتفاقية، غير ان قادة الحزب الاسلامي، اكبر احزاب جبهة التوافق، يقول انه لن يصادق على اية اتفاقية من دون استفتاء وطني، وهو تطور غير مرجح.
وكان بعض السياسيين قد أعربوا عن اعتقادهم بان العقبة امام تصويت البرلمان ستكون الفشل في الحصول على النصاب اللازم للتصويت، وهو فشل له تاريخ سابق، خصوصا اذا غادر البرلمانيون فورا الى المملكة العربية السعودية لاداء فريضة الحج. وقد تحرك البرلمان بسرعة لانهاء هذه الاحتمالية من خلال منع الاعضاء من السفر الى الخارج.
ولم يكد البرلمانيون يخفون فرحتهم يوم الاحد في اروقة البرلمان التي لاتزال تحمل آثار حكومة صدام حسين البعثية في هيأة لوحات من الفسيفساء تصور الطائرات الاميركية تحلق فوق الجنود العراقيين المندحرين. وهم يشيرون إلى الاتفاقية على انها «اتفاقية الجلاء»، في اشارة الى قوتهم الناشئة مع الاميركيين.
وقد صرح هادي العامري، الذي يقود منظمة بدر، التي كانت في الماضي الجناح العسكري للمجلس الاعلى، بأنهم سوف يسعون إلى إجماع واسع في البرلمان.
كما انه حذر من احتمالية حدوث رد فعل على شكل اعمال عنف من قبل المعارضين، «والتي يمكن ان تحدث سواء وقعنا الاتفاقية أو لم نوقعها».
Tuesday, November 18, 2008
التفجيرات الأخيرة تظهر هشاشة المكاسب الامنية في العراق
عن واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
اغلق حاجز كونكريتي بارتفاع ثلاثة اقدام (اقل من متر)، على مدى عدة سنوات،الشارع القريب من مطعم عماد كريم الكائن في المقاطعة الشمالية، وذلك للحماية من السيارات المفخخة التي ضربت مدينة بغداد. وتقوم الجدران بالتعريف بالكثير من تاريخ المدينة، فهي عبارة عن صفائح من الكونكريت بنيت من قبل الاميركيين او السكان المحليين، حولت المناطق السكنية الى متاهات كان الهدف منها ايقاف المهاجمين الغاضبين. وفي الفترة الاخيرة، حينما تحسن الوضع الامني، قام احدهم بازاحة بعض الجدران قرب مطعم كريم ابو وائل. ولم ينتبه اي شخص حينما قاد احدهم سيارته نوع فولكسفاغن باسات (برازيلي) من خلال هذه الفتحة ثم اوقفها بجانب الرصيف.
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، انفجرت العبوة المحلية الصنع الموضوعة في صندوق السيارة لحظة مرور حافلة صغيرة تحمل 20 شخصا بالقرب منها، وحيث يزدحم الشارع في الجهة الاخرى من الحاجز، حسبما يقول شهود العيان والضباط الاميركيون. وما لبثت النيران ان التهمت جميع الحافلة. وبعد دقائق، انفجرت قنبلتان مزروعتان على جانب الطريق بالقرب من السيارة المفخخة، مرسلة قطعاً هائلة من الزجاج نحو رواد مطعم ابو وائل ومطعم اخر بالقرب منه، ومحطمة سقوفها المصنوعة من الصفيح المضلع، كما يؤكد شهود العيان.
وقال اللواء محمد العسكري، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع، ان 28 شخصا استشهدوا في هذا التفجير بينما اصيب 50 آخرون بجراح، وذلك في حديثه لقناة العربية الفضائية. لكن الجيش الاميركي يقول ان العدد الكلي للقتلى يقل كثيرا عن هذا الرقم، حيث يبلغ خمسة قتلى فقط.
يقول كريم بتعاسة، وهو يقف امام واجهة مطعمه وسط النوفذ المعدنية المهشمة والحطام المتناثر: «ليس هناك من أمن. نحن نسمع عن الأمن من خلال التلفزيون فحسب».
يقول الجيش الاميركي ان التفجيرات الاخيرة في بغداد لم تقدح موجة اكبر: فالعنف قد انفخض بشكل ملحمي خلال السنة الماضية. هناك نحو اربع هجمات في اليوم على العاصمة، مقارنة بـ 24 هجمة يوميا في شهر كانون الاول الماضي، كما تشير المصادر العسكرية.
يقول البريغادير جنرال وليم كريمسلي، من الفرقة الرابعة مشاة، وهو ايضا نائب القائد العام للقوات الاميركية في منطقة بغداد: «تميل هذه الاعمال الى الانحسار مع الزمن».
غير ان تفجيرات الاثنين تظهر ان المكاسب الأمنية لاتزال هشة. وهي دلالة على انه قد يمضي وقت طويل قبل ان تهدم الحواجز الأمنية في بغداد نهائيا.
وكان بناء هذه الحواجز قد بدأ مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. فقد انشأ الجيش الاميركي جدرانا مقاومة للتفجير بارتفاع 12 قدما (3,6 متر)، ويبلغ وزن الواحدة منها ستة اطنان، لحماية قواعدهم ومواقعهم الحساسة. ورويدا بدأت هذه الحواجز باغلاق الطرق قرب البنايات الحكومية، والمساجد، ومراكز الشرطة، والجامعات.
كما قام السكان المحليون في الاحياء السكنية باغلاق الطرق بانفسهم، باستخدام براميل النفط، واطارات السيارات، وقطع الكونكريت، وحتى جذوع النخيل، لتحديد الدخول الى هذه المناطق. وفي عام 2007، قام الجيش الاميركي باحاطة مجمل الاحياء السكنية كجزء من حملتهم ضد التمرد، ما اعطاهم سيطرة حازمة على حركة الدخول والخروج.
ويقر الجيش الاميركي بالدور الكبير الذي لعبته هذه الجدران في تقليل العنف.
يقول الكابتن بريت ووكر، من الكتيبة الثانية، التابعة للفرقة الرابعة/ اللواء الرابع مشاة، وذلك اثناء حديثه لوسائل الاعلام عن جهود نصب الجدران الكونكريتية: «لا يمكنك اساءة التصرف في احد الاحياء السكنية ثم الفرار ببساطة الى حي سكني آخر». ولا يستطيع المفجرون ان يقتربوا من الكثير من المناطق المزدحمة، مثل الاسواق والمساجد، حيث احدثوا دمارا في الماضي.
وقد بدأ الجيش في الفترة الاخيرة بازالة الحواجز في المناطق التي كانت ذات مرة خطرة في بغداد، كجزء من جهود المصالحة الوطنية التي تعمل على تشجيعها بين مختلف المناطق السكنية.
يقول ووكر ان الرسالة الى الاهالي كانت واضحة: «فالرجوع الى الوضع الطبيعي هو في متناول اليد، بارادتهم وتعاونهم.»
ولكن لم تكن هناك اشارة الى ان الوضع كان طبيعيا يوم الاثنين في منطقة الكسرة شمالي بغداد، وبعد مضي عدة ساعات من التفجير كان كريم، صاحب المطعم ذو الثمانية والثلاثين عاما، متوترا وغاضبا بينما كان يلتقط قطعا من الحطام.
وهو يقول ان اغلب الضحايا كانوا من بين ركاب الحافلة الصغيرة، ومن بينهم ثلاثة اطفال. مضيفا ان عصف الانفجار ادى الى تحطيم النوافذ وتساقط قطع من سقف المطعم على رواده بينما كانوا يتناولون طعام الافطار، مسببا مقتل اثنين من الزبائن واحد العمال.
وصل الكولونيل جون هورت، قائد الكتيبة المقاتلة الثالثة، من وحدات اللواء الرابع، الى موقع الانفجار بعد حدوثه، وتوعد باعتقال المسؤولين عنه. وكان لديه اقتراح آخر كذلك: اضافة المزيد من الجدران الحاجزة في هذه المنطقة.
وقد وصف هورت، في بيان لاحق، التفجير بانه «عمل ارهابي شرير وجبان». واوضح الجيش الاميركي في بيان صحفي ان تنظيم القاعدة في العراق مسؤولة على الارجح عن هذا الفعل الشنيع.
وكانت القوات الاميركية قد استهدفت شبكات التفجير بضراوة. وحسب بيان صادر عن الجيش الاميركي، فقد تم في يوم الاثنين اعتقال الرجل الذي يزعم انه اشترك في تفجير السوق بجنوبي بغداد الذي حدث في 12 تشرين الاول الذي ادى الى مقتل خمسة اشخاص في الاقل.
وجاء في البيان ان هذا الرجل هو احد اعضاء تنظيم القاعدة في العراق وتم اعتقاله في منزل بغربي بغداد، حيث عثر الجنود على كمية كبيرة من صواعق التفجير واغطية العبوات الناسفة.
وفي مدينة بعقوبة، قامت امرأة انتحارية، في اليوم نفسه ايضا، بتفجير نفسها بالقرب من نقطة تفتيش في سوق المدينة تسيطير عليها قوات حراسة الاحياء التي تدعمها القوات الاميركية، وتسمى ايضا (ابناء العراق)، حسبما افادت مصادر الشرطة.
وصرح العقيد راغب العميري، المتحدث الرسمي باسم شرطة المحافظة، بان اربعة اشخاص قتلوا في هذا الهجوم، من بينهم قائد محلي لقوة ابناء العراق. وكان من بين الجرحى الخمسة عشر، صبي في الثالثة عشرة من عمره.
يقول فيصل الشمري، احد الحراس ضمن قوة ابناء العراق، ويبلغ 33 عاما من العمر ان امرأة سارت باتجاه القائد احمد العزاوي. ويضيف: «كانت تتظاهر بانها تطلب المساعدة، وفي لحظات فجرت نفسها وقتلت قائدنا».
ترجمة: علاء غزالة
اغلق حاجز كونكريتي بارتفاع ثلاثة اقدام (اقل من متر)، على مدى عدة سنوات،الشارع القريب من مطعم عماد كريم الكائن في المقاطعة الشمالية، وذلك للحماية من السيارات المفخخة التي ضربت مدينة بغداد. وتقوم الجدران بالتعريف بالكثير من تاريخ المدينة، فهي عبارة عن صفائح من الكونكريت بنيت من قبل الاميركيين او السكان المحليين، حولت المناطق السكنية الى متاهات كان الهدف منها ايقاف المهاجمين الغاضبين. وفي الفترة الاخيرة، حينما تحسن الوضع الامني، قام احدهم بازاحة بعض الجدران قرب مطعم كريم ابو وائل. ولم ينتبه اي شخص حينما قاد احدهم سيارته نوع فولكسفاغن باسات (برازيلي) من خلال هذه الفتحة ثم اوقفها بجانب الرصيف.
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، انفجرت العبوة المحلية الصنع الموضوعة في صندوق السيارة لحظة مرور حافلة صغيرة تحمل 20 شخصا بالقرب منها، وحيث يزدحم الشارع في الجهة الاخرى من الحاجز، حسبما يقول شهود العيان والضباط الاميركيون. وما لبثت النيران ان التهمت جميع الحافلة. وبعد دقائق، انفجرت قنبلتان مزروعتان على جانب الطريق بالقرب من السيارة المفخخة، مرسلة قطعاً هائلة من الزجاج نحو رواد مطعم ابو وائل ومطعم اخر بالقرب منه، ومحطمة سقوفها المصنوعة من الصفيح المضلع، كما يؤكد شهود العيان.
وقال اللواء محمد العسكري، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع، ان 28 شخصا استشهدوا في هذا التفجير بينما اصيب 50 آخرون بجراح، وذلك في حديثه لقناة العربية الفضائية. لكن الجيش الاميركي يقول ان العدد الكلي للقتلى يقل كثيرا عن هذا الرقم، حيث يبلغ خمسة قتلى فقط.
يقول كريم بتعاسة، وهو يقف امام واجهة مطعمه وسط النوفذ المعدنية المهشمة والحطام المتناثر: «ليس هناك من أمن. نحن نسمع عن الأمن من خلال التلفزيون فحسب».
يقول الجيش الاميركي ان التفجيرات الاخيرة في بغداد لم تقدح موجة اكبر: فالعنف قد انفخض بشكل ملحمي خلال السنة الماضية. هناك نحو اربع هجمات في اليوم على العاصمة، مقارنة بـ 24 هجمة يوميا في شهر كانون الاول الماضي، كما تشير المصادر العسكرية.
يقول البريغادير جنرال وليم كريمسلي، من الفرقة الرابعة مشاة، وهو ايضا نائب القائد العام للقوات الاميركية في منطقة بغداد: «تميل هذه الاعمال الى الانحسار مع الزمن».
غير ان تفجيرات الاثنين تظهر ان المكاسب الأمنية لاتزال هشة. وهي دلالة على انه قد يمضي وقت طويل قبل ان تهدم الحواجز الأمنية في بغداد نهائيا.
وكان بناء هذه الحواجز قد بدأ مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. فقد انشأ الجيش الاميركي جدرانا مقاومة للتفجير بارتفاع 12 قدما (3,6 متر)، ويبلغ وزن الواحدة منها ستة اطنان، لحماية قواعدهم ومواقعهم الحساسة. ورويدا بدأت هذه الحواجز باغلاق الطرق قرب البنايات الحكومية، والمساجد، ومراكز الشرطة، والجامعات.
كما قام السكان المحليون في الاحياء السكنية باغلاق الطرق بانفسهم، باستخدام براميل النفط، واطارات السيارات، وقطع الكونكريت، وحتى جذوع النخيل، لتحديد الدخول الى هذه المناطق. وفي عام 2007، قام الجيش الاميركي باحاطة مجمل الاحياء السكنية كجزء من حملتهم ضد التمرد، ما اعطاهم سيطرة حازمة على حركة الدخول والخروج.
ويقر الجيش الاميركي بالدور الكبير الذي لعبته هذه الجدران في تقليل العنف.
يقول الكابتن بريت ووكر، من الكتيبة الثانية، التابعة للفرقة الرابعة/ اللواء الرابع مشاة، وذلك اثناء حديثه لوسائل الاعلام عن جهود نصب الجدران الكونكريتية: «لا يمكنك اساءة التصرف في احد الاحياء السكنية ثم الفرار ببساطة الى حي سكني آخر». ولا يستطيع المفجرون ان يقتربوا من الكثير من المناطق المزدحمة، مثل الاسواق والمساجد، حيث احدثوا دمارا في الماضي.
وقد بدأ الجيش في الفترة الاخيرة بازالة الحواجز في المناطق التي كانت ذات مرة خطرة في بغداد، كجزء من جهود المصالحة الوطنية التي تعمل على تشجيعها بين مختلف المناطق السكنية.
يقول ووكر ان الرسالة الى الاهالي كانت واضحة: «فالرجوع الى الوضع الطبيعي هو في متناول اليد، بارادتهم وتعاونهم.»
ولكن لم تكن هناك اشارة الى ان الوضع كان طبيعيا يوم الاثنين في منطقة الكسرة شمالي بغداد، وبعد مضي عدة ساعات من التفجير كان كريم، صاحب المطعم ذو الثمانية والثلاثين عاما، متوترا وغاضبا بينما كان يلتقط قطعا من الحطام.
وهو يقول ان اغلب الضحايا كانوا من بين ركاب الحافلة الصغيرة، ومن بينهم ثلاثة اطفال. مضيفا ان عصف الانفجار ادى الى تحطيم النوافذ وتساقط قطع من سقف المطعم على رواده بينما كانوا يتناولون طعام الافطار، مسببا مقتل اثنين من الزبائن واحد العمال.
وصل الكولونيل جون هورت، قائد الكتيبة المقاتلة الثالثة، من وحدات اللواء الرابع، الى موقع الانفجار بعد حدوثه، وتوعد باعتقال المسؤولين عنه. وكان لديه اقتراح آخر كذلك: اضافة المزيد من الجدران الحاجزة في هذه المنطقة.
وقد وصف هورت، في بيان لاحق، التفجير بانه «عمل ارهابي شرير وجبان». واوضح الجيش الاميركي في بيان صحفي ان تنظيم القاعدة في العراق مسؤولة على الارجح عن هذا الفعل الشنيع.
وكانت القوات الاميركية قد استهدفت شبكات التفجير بضراوة. وحسب بيان صادر عن الجيش الاميركي، فقد تم في يوم الاثنين اعتقال الرجل الذي يزعم انه اشترك في تفجير السوق بجنوبي بغداد الذي حدث في 12 تشرين الاول الذي ادى الى مقتل خمسة اشخاص في الاقل.
وجاء في البيان ان هذا الرجل هو احد اعضاء تنظيم القاعدة في العراق وتم اعتقاله في منزل بغربي بغداد، حيث عثر الجنود على كمية كبيرة من صواعق التفجير واغطية العبوات الناسفة.
وفي مدينة بعقوبة، قامت امرأة انتحارية، في اليوم نفسه ايضا، بتفجير نفسها بالقرب من نقطة تفتيش في سوق المدينة تسيطير عليها قوات حراسة الاحياء التي تدعمها القوات الاميركية، وتسمى ايضا (ابناء العراق)، حسبما افادت مصادر الشرطة.
وصرح العقيد راغب العميري، المتحدث الرسمي باسم شرطة المحافظة، بان اربعة اشخاص قتلوا في هذا الهجوم، من بينهم قائد محلي لقوة ابناء العراق. وكان من بين الجرحى الخمسة عشر، صبي في الثالثة عشرة من عمره.
يقول فيصل الشمري، احد الحراس ضمن قوة ابناء العراق، ويبلغ 33 عاما من العمر ان امرأة سارت باتجاه القائد احمد العزاوي. ويضيف: «كانت تتظاهر بانها تطلب المساعدة، وفي لحظات فجرت نفسها وقتلت قائدنا».
Saturday, November 15, 2008
العراق مازال بحاجة للماء الصالح للشرب
عن: جريدة ماكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
يأتي كل يوم سائق سيارة حوضية مملوءة بالماء الى قرية (نشأت الكماملة) في جنوب العراق، وفي كل يوم يصطف الناس لملء اوانيهم واوعيتهم بالماء.
يقول الكمامله: «الماء الذي نشتريه من السيارة الحوضية ليس نظيفا. يمكن رؤية العوالق الترابية فيه. لكننا نشربه على اي حال». لقد انخفض العنف في العراق بشكل كبير في الاشهر الاخيرة، لكن القتال من اجل حياة افضل قد بدأ للتو. فالعراق بحاجة الى اصلاح الكثير الخدمات، من الكهرباء الى العناية الصحية، ومن التربية الى الاقتصاد، لكن من بين اكثر الخدمات اهمية تبرز قضية توفير الماء الصالح للشرب. تقول بشرى جبار الكناني، وهي عضوة في البرلمان العراقي، وعضو في لجنة الخدمات والاشغال العامة: «يمكن وصف حال الماء في العراق بانه في ازمة. نحن نرى العواقب في صحة اناسنا، وهم في حال سيئة جدا».
هناك العديد من الامراض التي تنتقل عن طريق الماء مثل الكوليرا والتيفوئيد. فالكوليرا التي انتشرت الصيف المنصرم قد اصابت المئات في محافظتي بغداد وبابل. ويعد الاسهال من بين الاسباب الرئيسة لمرض الاطفال الشديد وحتى وفاتهم في العراق، حسب تقارير منظمة الهلال الاحمر، وهي وكالة اغاثة غير نفعية.
يقول جليل الشمري، احد الاطباء في دائرة صحة بغداد: «اينما يغيب الماء النظيف، تتواجد الامراض. نحن نرى اعدادا ثابتة من الناس لايزالون يعانون من الامراض بسبب مشاكل الماء».
لا يوجد لدى أي فرد من سكان قرية نشأت الكمامله، تلك القرية التي تبعد 200 ميل (320 كم) جنوب بغداد، حنفية للماء الصالح للشرب. بل ان الجميع كانوا يشربون من نهر الفرات حتى جاء رجل مستثمر بسيارته الحوضية قبل عامين. ومازال معظم الناس في القرية يستعملون ماء النهر في الاغتسال وغسل ملابسهم، كما ان بعضهم مازال يشرب منه.
يقول الكمامله، وهو ايضا عاطل عن العمل: «سمعت ان ذلك خطر، لكني لم اصب باي مرض نتيجة الماء حتى الان، لذلك اعتقد انه لا بأس به».
وبرغم ان التقديرات متغايرة، الا ان معظمها تتفق على ان قرابة نصف الشعب العراقي ليس لديه وسيلة للحصول على الماء الصالح للشرب. وقد توصلت دراسة اجريت في شهر آب الماضي على مستوى البلاد، واستطلعت آراء 8700 شخص، الى ان 58 بالمئة منهم لا يستطيعون الحصول على الماء النظيف، لبعض الوقت على الاقل، حسب تقرير وزارة الدفاع الاميركية.
وبالنسبة للباقين، فان كل رشفة من الماء هي بمثابة مقامرة.
وحسب احصائية اللجنة الدولية للصليب الاحمر فان حوالي 40 بالمائة من البيوت في العراق لا تتوافر على ماء يجري في الحنفيات.
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، فان نسبة كبيرة من الشعب العراقي كانت تفتقر الى الماء الصالح للشرب. فقد القت حرب الخليج عام 1991 والعقوبات التي تلتها بظلالها على قدرة البلد على توفير الماء الصالح للشرب والتعامل مع المجاري بشكل مناسب. ثم جاءت اعمال العنف والسلب والنهب واسعة النطاق التي رافقت سقوط نظام الطاغية صدام حسين لتزيد المشكلة سوءا.تضطر بعض العائلات التي لا يتوافر لديها ماء من الحنفية الى شرائه من المخازن او السيارات الحوضية، لكن هناك آخرين فقراء للحد الذي لا يجدون مفرا من استعمال ماء النهر او القنوات والابار، والتي تكون في العادة ملوثة الى حد كبير.
وحتى الذين يوجد لديهم ماء حنفية، فلا يجري فيها الماء كل الوقت بالضرورة، كما ان نقاءه محل تساؤل.
تقول الكناني: «بامكان الناس ببساطة شم رائحة الماء ومعرفة ما اذا كان سيئا. اسمع ذلك في كل الاوقات. وفي كثير من الاحيان يفتحون حنفياتهم، ولكن ليس هناك من ماء فيها».
يقول حيدر حسين، وهو يبلغ 35 عاما من العمر وله ولدان، انه نادرا ما يتوافر على الماء في بيته الكائن في مدينة الصدر. ويضيف قائلا: «خصوصا في الصباح، حيث تفتح حنفية المغسلة ولكن لا يخرج منها شيء. واذا خرج منها شيء فان رائحته تشبه رائحة المجاري... اخشى ان اعطي هذا الماء الى اولادي، لكننا لا نستطيع تحمل تكلفة الماء المعلب كل يوم».
تقول دوروثيا كريميتساس، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر، والتي تعمل على تحسين خدمات الماء النظيف في العراق، ان محطات تنقية المياه في بغداد والمحافظات الاخرى تستخدم وسائل غير متوافقة وعادة غير فعالة.
تقول كريميتساس: «يعود ذلك في بعض الاحيان الى الافتقار الى الخبرة لدى العاملين في هذه المحطات، وفي احيان اخرى يكون النقص في المواد الكيمياوية والتجهيرات هو المسبب. ولكن مهما يكن السبب فنحن نعلم ان هناك خطوات ضمن عملية التنقية قد تم تخطيها».
غير انها تقول ان هناك مشكلة اكبر تتمثل في تلوث الماء بعد ان يغادر محطات التنقية. فقد تضررت بعض الانابيب في مختلف ارجاء العراق بفعل الحرب. بينما ترك البعض الاخر لسنوات طويلة من دون صيانة. ان هذا الامر يشكل خطورة بشكل خاص في تلك المناطق من العراق الفقيرة ، علاوة على ذلك، الى خطوط المجاري العاملة.
وتمضي كريميتساس الى القول: «حينما تجري المجاري حرفيا على حافة الطريق، وتكون انابيب ماء الشرب مخربة، فمن السهولة تصور كيف ينتهي الامر بامتزاج كل منهما مع الاخر».
لا يسمح مسلم خلف، معلم اللغة الانكليزية البالغ من العمر 38 عاما لاولاده الاربعة ان يشربوا من ماء الصنبور. يقوم بدلا من ذلك بالذهاب بسيارته مرتين او ثلاث مرات يوميا الى متجر قريب لملء قناني الماء الفارغة.
يقول خلف: «نحن نعلم ان الانابيب كلها مكسورة، نحن محظوظون لاننا نستطيع شراء شيء اكثر امانا».
تعمل منظمات الاغاثة الدولية، والولايات المتحدة والحكومة العراقية على تحسين خدمات الماء الصالح للشرب. فقد انفقت الولايات المتحدة مبلغ 2,4 مليار دولار على مشاريع الماء منذ عام 2003، حسبما يشير تقرير مكتب المفتش العام المختص في شؤون اعادة اعمار العراق.
يقول بوردو، احد ضباط الفيالق الاميركية، ان معظم هذه الاموال قد تم انفاقها على بناء واصلاح شبكات الانابيب، ومحطات التصفية، ومحطات ضخ ومعالجة المجاري. كما اطلقت الولايات المتحدة برامج لتدريب مشغلي المحطات وتطوير قدرة الحكومة العراقية على ادارة مشاريع الماء.
ويضيف: «قد قطعنا شوطا بعيدا بالتأكيد. فالملايين من الناس هنا اصبحوا يتوافرون على الماء الصالح للشرب، بعد ان كانوا محرومين منه».
لكن لايزال الطريق طويلا ايضا.
تشير معظم التقديرات الى ان الكلفة الاجمالية لتوفير الماء النظيف في عموم العراق تزيد على 10 مليارات دولار، وان هذا الرقم يتزايد كلما استهدف المتمردون انابيب الماء ومحطات التصفية والمنشآت الاخرى. فقد تسببت قنبلة منزلية الصنع زرعت في منطقة الاعظمية هذا الاسبوع في قطع خدمات الماء عن مئات الالاف من الناس، حسبما افاد الجيش الاميركي.
تقول المشرعة العراقية، الكناني، ان الفساد وقلة الخبرة في الوزارات العراقية يعيقان احراز تقدم في هذا المجال.
وتمضي الى القول: «انهم لا يتفهمون خطورة المشكلة لانهم لا يخرجون للقاء الناس واستطلاع معاناتهم. ذلك من سوء الحظ، لان المعاناة في كل مكان».
ترجمة: علاء غزالة
يأتي كل يوم سائق سيارة حوضية مملوءة بالماء الى قرية (نشأت الكماملة) في جنوب العراق، وفي كل يوم يصطف الناس لملء اوانيهم واوعيتهم بالماء.
يقول الكمامله: «الماء الذي نشتريه من السيارة الحوضية ليس نظيفا. يمكن رؤية العوالق الترابية فيه. لكننا نشربه على اي حال». لقد انخفض العنف في العراق بشكل كبير في الاشهر الاخيرة، لكن القتال من اجل حياة افضل قد بدأ للتو. فالعراق بحاجة الى اصلاح الكثير الخدمات، من الكهرباء الى العناية الصحية، ومن التربية الى الاقتصاد، لكن من بين اكثر الخدمات اهمية تبرز قضية توفير الماء الصالح للشرب. تقول بشرى جبار الكناني، وهي عضوة في البرلمان العراقي، وعضو في لجنة الخدمات والاشغال العامة: «يمكن وصف حال الماء في العراق بانه في ازمة. نحن نرى العواقب في صحة اناسنا، وهم في حال سيئة جدا».
هناك العديد من الامراض التي تنتقل عن طريق الماء مثل الكوليرا والتيفوئيد. فالكوليرا التي انتشرت الصيف المنصرم قد اصابت المئات في محافظتي بغداد وبابل. ويعد الاسهال من بين الاسباب الرئيسة لمرض الاطفال الشديد وحتى وفاتهم في العراق، حسب تقارير منظمة الهلال الاحمر، وهي وكالة اغاثة غير نفعية.
يقول جليل الشمري، احد الاطباء في دائرة صحة بغداد: «اينما يغيب الماء النظيف، تتواجد الامراض. نحن نرى اعدادا ثابتة من الناس لايزالون يعانون من الامراض بسبب مشاكل الماء».
لا يوجد لدى أي فرد من سكان قرية نشأت الكمامله، تلك القرية التي تبعد 200 ميل (320 كم) جنوب بغداد، حنفية للماء الصالح للشرب. بل ان الجميع كانوا يشربون من نهر الفرات حتى جاء رجل مستثمر بسيارته الحوضية قبل عامين. ومازال معظم الناس في القرية يستعملون ماء النهر في الاغتسال وغسل ملابسهم، كما ان بعضهم مازال يشرب منه.
يقول الكمامله، وهو ايضا عاطل عن العمل: «سمعت ان ذلك خطر، لكني لم اصب باي مرض نتيجة الماء حتى الان، لذلك اعتقد انه لا بأس به».
وبرغم ان التقديرات متغايرة، الا ان معظمها تتفق على ان قرابة نصف الشعب العراقي ليس لديه وسيلة للحصول على الماء الصالح للشرب. وقد توصلت دراسة اجريت في شهر آب الماضي على مستوى البلاد، واستطلعت آراء 8700 شخص، الى ان 58 بالمئة منهم لا يستطيعون الحصول على الماء النظيف، لبعض الوقت على الاقل، حسب تقرير وزارة الدفاع الاميركية.
وبالنسبة للباقين، فان كل رشفة من الماء هي بمثابة مقامرة.
وحسب احصائية اللجنة الدولية للصليب الاحمر فان حوالي 40 بالمائة من البيوت في العراق لا تتوافر على ماء يجري في الحنفيات.
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، فان نسبة كبيرة من الشعب العراقي كانت تفتقر الى الماء الصالح للشرب. فقد القت حرب الخليج عام 1991 والعقوبات التي تلتها بظلالها على قدرة البلد على توفير الماء الصالح للشرب والتعامل مع المجاري بشكل مناسب. ثم جاءت اعمال العنف والسلب والنهب واسعة النطاق التي رافقت سقوط نظام الطاغية صدام حسين لتزيد المشكلة سوءا.تضطر بعض العائلات التي لا يتوافر لديها ماء من الحنفية الى شرائه من المخازن او السيارات الحوضية، لكن هناك آخرين فقراء للحد الذي لا يجدون مفرا من استعمال ماء النهر او القنوات والابار، والتي تكون في العادة ملوثة الى حد كبير.
وحتى الذين يوجد لديهم ماء حنفية، فلا يجري فيها الماء كل الوقت بالضرورة، كما ان نقاءه محل تساؤل.
تقول الكناني: «بامكان الناس ببساطة شم رائحة الماء ومعرفة ما اذا كان سيئا. اسمع ذلك في كل الاوقات. وفي كثير من الاحيان يفتحون حنفياتهم، ولكن ليس هناك من ماء فيها».
يقول حيدر حسين، وهو يبلغ 35 عاما من العمر وله ولدان، انه نادرا ما يتوافر على الماء في بيته الكائن في مدينة الصدر. ويضيف قائلا: «خصوصا في الصباح، حيث تفتح حنفية المغسلة ولكن لا يخرج منها شيء. واذا خرج منها شيء فان رائحته تشبه رائحة المجاري... اخشى ان اعطي هذا الماء الى اولادي، لكننا لا نستطيع تحمل تكلفة الماء المعلب كل يوم».
تقول دوروثيا كريميتساس، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر، والتي تعمل على تحسين خدمات الماء النظيف في العراق، ان محطات تنقية المياه في بغداد والمحافظات الاخرى تستخدم وسائل غير متوافقة وعادة غير فعالة.
تقول كريميتساس: «يعود ذلك في بعض الاحيان الى الافتقار الى الخبرة لدى العاملين في هذه المحطات، وفي احيان اخرى يكون النقص في المواد الكيمياوية والتجهيرات هو المسبب. ولكن مهما يكن السبب فنحن نعلم ان هناك خطوات ضمن عملية التنقية قد تم تخطيها».
غير انها تقول ان هناك مشكلة اكبر تتمثل في تلوث الماء بعد ان يغادر محطات التنقية. فقد تضررت بعض الانابيب في مختلف ارجاء العراق بفعل الحرب. بينما ترك البعض الاخر لسنوات طويلة من دون صيانة. ان هذا الامر يشكل خطورة بشكل خاص في تلك المناطق من العراق الفقيرة ، علاوة على ذلك، الى خطوط المجاري العاملة.
وتمضي كريميتساس الى القول: «حينما تجري المجاري حرفيا على حافة الطريق، وتكون انابيب ماء الشرب مخربة، فمن السهولة تصور كيف ينتهي الامر بامتزاج كل منهما مع الاخر».
لا يسمح مسلم خلف، معلم اللغة الانكليزية البالغ من العمر 38 عاما لاولاده الاربعة ان يشربوا من ماء الصنبور. يقوم بدلا من ذلك بالذهاب بسيارته مرتين او ثلاث مرات يوميا الى متجر قريب لملء قناني الماء الفارغة.
يقول خلف: «نحن نعلم ان الانابيب كلها مكسورة، نحن محظوظون لاننا نستطيع شراء شيء اكثر امانا».
تعمل منظمات الاغاثة الدولية، والولايات المتحدة والحكومة العراقية على تحسين خدمات الماء الصالح للشرب. فقد انفقت الولايات المتحدة مبلغ 2,4 مليار دولار على مشاريع الماء منذ عام 2003، حسبما يشير تقرير مكتب المفتش العام المختص في شؤون اعادة اعمار العراق.
يقول بوردو، احد ضباط الفيالق الاميركية، ان معظم هذه الاموال قد تم انفاقها على بناء واصلاح شبكات الانابيب، ومحطات التصفية، ومحطات ضخ ومعالجة المجاري. كما اطلقت الولايات المتحدة برامج لتدريب مشغلي المحطات وتطوير قدرة الحكومة العراقية على ادارة مشاريع الماء.
ويضيف: «قد قطعنا شوطا بعيدا بالتأكيد. فالملايين من الناس هنا اصبحوا يتوافرون على الماء الصالح للشرب، بعد ان كانوا محرومين منه».
لكن لايزال الطريق طويلا ايضا.
تشير معظم التقديرات الى ان الكلفة الاجمالية لتوفير الماء النظيف في عموم العراق تزيد على 10 مليارات دولار، وان هذا الرقم يتزايد كلما استهدف المتمردون انابيب الماء ومحطات التصفية والمنشآت الاخرى. فقد تسببت قنبلة منزلية الصنع زرعت في منطقة الاعظمية هذا الاسبوع في قطع خدمات الماء عن مئات الالاف من الناس، حسبما افاد الجيش الاميركي.
تقول المشرعة العراقية، الكناني، ان الفساد وقلة الخبرة في الوزارات العراقية يعيقان احراز تقدم في هذا المجال.
وتمضي الى القول: «انهم لا يتفهمون خطورة المشكلة لانهم لا يخرجون للقاء الناس واستطلاع معاناتهم. ذلك من سوء الحظ، لان المعاناة في كل مكان».
Tuesday, November 11, 2008
العراق يؤكد تحديد موعد ثابت لانسحاب القوات الاميركية
عن الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
بعد يومين من انتخاب باراك أوباما رئيساً، قال الناطق باسم الحكومة العراقية، بتشديد غير معتاد، ان حكومته سوف تستمر في المطالبة بتحديد موعد حازم لانسحاب القوات الاميركية، برغم المطالب الاميركية بان يكون الانسحاب مرهون بالوضع الامني.
وقال علي الدباغ، المتحدث الرسمي: «يرغب العراقيون في ان يعرفوا ويشاهدوا موعدا ثابتا.» جاء ذلك في مقابلة صحفية كرر فيها الموقف العراقي القاضي بان تخضع القوات الاميركية الى القضاء العراقي في بعض الحالات.
يظهر المسؤولون العراقيون، الذين يرون ان وجهات نظر الرئيس المنتخب اوباما تتطابق مع وجهات نظرهم، وكأنهم يحاولون الافادة من انتخابه لغرض الضغط على ادارة بوش من اجل الحصول على تنازلات اللحظة الاخيرة. وقال الدباغ ان المفاوضات من اجل الوصول الى اتفاقية مستوى القوات (صوفا)، والتي من شأنها السماح بوجود عسكري اميركي في العراق، قد تنهار اذا لم يتم التوصل الى اتفاق في نهاية هذا الشهر.
تحدث القادة العراقيون، باللغة العربية، في مناسبات عدة عن تحديد موعد ثابت للانسحاب، متوجهين الى الجمهور المحلي والاقليمي. وقد علل المسؤولون الاميركيون، المرة تلو الاخرى، بان نظرائهم العراقيين كانوا اكثر ميلا الى التوافق في الجلسات الخاصة. لكن الدباغ كان يتحدث مباشرة الى واشنطن بوست، وباللغة الانكليزية.
وقال الدباغ ان على المسؤولين العودة الى طاولة المفاوضات. لكن المتحدثة باسم السفارة الاميركية في بغداد قالت ان المسؤولين الاميركين قدموا ما اطلقت عليه «النص النهائي» للاتفاقية الى العراق يوم الخميس.
وقال المسؤولون الاميركيون في واشنطن انهم حاولوا ان يستجيبوا للطلبات العراقية في الوثيقة الجديدة، برغم انهم اوضحوا انه قد تم اجراء بضعة تغييرات فقط ، ان كانت هناك اية تغييرات جوهرية. وقد اقترحت الادارة بيانا اقوى ينص على الزامها بعدم مهاجمة دول الجوار انطلاقا من الاراضي العراقية، وهو التغيير الذي طرأ نتيجة انتقاد العراقيين العملية الجوية التي قامت بها القوات الاميركية على احد عناصر تنظيم القاعدة في العراق المزعومين داخل الاراضي السورية.
وقد تم اجراء تعديلات على الموعد النهائي للانسحاب في عام 2011 للتأكيد ان اية قوات تبقى في العراق بعد هذا التاريخ انما تبقى هناك بطلب من العراق. وفي قضية ولاية القضاء العراقي قاوم البنتاغون اجراء اي تغييرات نوعية، الان هناك تغييرا طفيفا في صياغة الكلمات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود: «لقد تم انجاز العملية من جانبنا، ونحن نتطلع قدما الى الاستماع الى ما يقوله العراقيون. لقد تعاملنا مع القضايا بطريقة تحترم استقلال كلا الجانبين».
ولم يستجب مساعدو اوباما الى طلب التعليق على هذا الامر.
وقال الدباغ في هذه المقابلة انه يجب تقديم الجنود الاميركيين الى المحاكم العراقية اذا ارتكبوا جناية كبرى خارج قواعدهم العسكرية، الا اذا كانوا في مهمة مشتركة مع القوات العراقية. واضاف الدباغ ان على القوات القتالية الاميركية ان توقف عملياتها من طرف واحد بحلول حزيران، وان يتوجب ان يذكر في اتفاقية مستوى القوات (صوفا) ان على القسم الاكبر من القوات الاميركية ان تغادر العراق بحلول نهاية عام 2011.
واوضح الدباغ: «يجب ايواء القوات الاميركية في معسكرات معلومة. سوف يتم استدعاء الاميركيين عندما تدعو الحاجة الى ذلك. سوف تكون تحركاتهم محدودة.»
من جانب آخر قال وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري ان المسؤوليين العراقيين في اعلى المستويات يقومون بدراسة الوثيقة التي تسلموها من الاميركيين، مضيفا: «الوقت من ذهب».
فيما قال حيدر العبادي، عضو البرلمان واحد كبار مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي، ان هدف اوباما المعلن المتمثل باعادة القوات الاميركية الى بلادها بسرعة كبيرة نسبيا، يتوافق مع رؤية الحكومة العراقية.
وقال العبادي في مقابلة هاتفية: «لقد واصل اوباما الاعراب باستمرار عن رغبته بسحب القوات الاميركية خلال 15 شهرا. هذا يناسب تماما المطلب العراقي».
وكان اوباما قد قال، قبل عدة أشهر، انه يرغب في سحب القوات الاميركية خلال فترة 16 شهرا من تسلمه المنصب، لكن مع تحسن الوضع الامني، توقف اوباما عن ذكر هذا الاطار الزمني.
ويقول العبادي انه من غير الواضح كيف سيؤثر انتخاب اوباما في المفاوضات آخر المطاف. مضيفا: «قد تذهب في اي من الاتجاهين المتعارضين.» واوضح المشرع العراقي ان ادارة بوش ربما تجنبت اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في اثناء فترة الانتخابات الاميركية. لكنه يستدرك قائلا: «من الناحية الاخرى، ربما ستكون الارادة السياسية في واشنطن اضعف» مع انتهاء الانتخابات.
ويقول السياسيون العراقيون ايضا ان من غير الواضح حجم الاسناد المتوافر للاتفاقية بين اعضاء البرلمان الـ275، حيث ان الكثير من المشرعين يخشون اظهار مواقفهم علانية.
وكان مسؤولون عراقيون وأميركيون قد قالوا ان الحكومة الايرانية تحاول ان تقنع المشرعين العراقيين برفض الاتفاقية. كما ان المشرعين مترددين في دعم تمديد بقاء الجيش الاميركي لعدة اعوام لانهم يخشون ان يؤثر فيهم ذلك من الناحية السياسية في الانتخابات المحلية والوطنية المقررة العام القادم.
وفي الوقت الذي حدث فيه تحسن ملحمي في الوضع الامني في العراق، وصف العديد من المسؤولين العراقيين والاميركيين المنجزات بانها هشة واعربوا عن خوفهم ان تؤدي التوترات السياسية قبل وبعد الانتخابات في العام القادم الى اطلاق العنان للمزيد من اعمال العنف.
وقال الدباغ ان العراق يتجنب تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التي تسمح بوجود القطعات الاميركية في العراق باي ثمن. واضاف: «يمنحهم تفويض الامم المتحدة يدا مطلقة في كل شيء».وقال الدباغ ان المالكي بعث برقية تهنئة الى اوباما يوم الاربعاء. وقال ان العديد من السياسيين العراقيين الذي كانوا يفضلون السيناتور جون ماكين (عن ولاية اريزونا) قد تحولوا الى دعم اوباما بعد ان زار الديمقراطيون العراق خلال الصيف الماضي، وحيث انهم ادركوا ان رؤيتهم بخصوص الوجود الاميركي في العراق تتطابق مع اوباما اكثر منها مع ماكين.
واضاف الدباغ، واصفا شعور القادة العراقيين حيال اوباما: «انهم يحترمونه ويشعرون انه من الممكن ان يكون صديقا جيدا».
وبرغم ان الساسة العراقيين يقرون بان العراق لازال يعتمد على القوات العسكرية الاميركية بشدة في مجالات مثل الدعم الجوي وجمع المعلومات الاستخبارية، الا انهم يرغبون في ان يتوقف الاميركيين عن التصرف من جانب واحد في العراق. فعلى سبيل المثال، يقول الدباغ ان الاعلانات التلفزيونية واللوحات الاعلانية الكبيرة في الساحات العامة وغير ذلك من الوسائل الاعلامية، يجب ان تكون جهدا مشتركا.
ويستطرد: «ليس لدينا يد في الدعاية الموجهة التي يتم عملها الان. من الممكن ان تنجز بشكل افضل بكثير اذا كان للعراقيين قول فيها، وبامكان العراقيين ان يقدموا المشورة».
يستند تفاؤل الادارة الاميركية المعلن بان يتم توقيع الاتفاقية قبل انتهاء فترة تفويض الامم المتحدة في 31 كانون الاول الى عاملين: ان حكومة المالكي تعتبر ان تمديد ولاية الامم المتحدة اكثر اثارة للمشاكل السياسية من اتفاق ثنائي، حتى وان لم يصل الى 100% من مطالبه، كما أن القادة العراقيين غير راغبين في اعادة عملية التفاوض من جديد حينما يتولى اوباما مقاليد السلطة.
لكن اذا ثبت ان كلا من هذين الفرضين باطل، فان عملية تقديم قرار الى الامم المتحدة والتصويت عليه سوف تستغرق اسبوعين. ورغم ان المسؤوليين العراقيين كانوا قد بادروا الى ايجاد صيغة بديلة عن تفويض الامم المتحدة تصون استقلالهم، فانهم اقروا مؤخرا بان العوامل التي تمنح بموجبها الامم المتحدة تفويضا لقوات غير قوات حفظ السلام هي ضيقة الى حد ما. وبدلا من ذلك، فان المسؤولين يقولون ان المالكي يؤكد على ان يكون اي تمديد من الامم المتحدة مقتصرا على فترة محدودة.
وكان أوباما حذراً اثناء حمله الانتخابية في ابداء اي تعليقات بشأن محتوى المفاوضات مع العراق او اية قضية معينة، سوى القول بانه سوف يعطي الجيش مهمة اخرى تتمثل في الانسحاب من العراق خلال فترة 16 شهرا، بمعدل لواء او اثنين من الالوية القتالية كل شهر. كما ان اوباما كان قد قال بانه سيحافظ على «قوات مقيمة» بحجم غير محدد في العراق، بحيث تكون مهيأة «لعمليات مقارعة الارهاب» باستهداف تنظيم القاعدة في العراق ولحماية البعثة الدبلوماسية الاميركية وموظفيها المدنيين.
كما قال اوباما ان القوات الاميركية سوف تستمر في تدريب القوات الامنية العراقية، طالما حققت حكومة المالكي تقدما في عملية المصالحة الوطنية بين الطوائف والمجاميع العرقية.
يذكر ان كلا من اوباما ونائب الرئيس المنتخب جوزيف بادين قد لاحظا بان المالكي التزم بتقديم اي اتفاقية الى البرلمان العراقي، وقالا انه «من غير المقبول» ان لا يقوم البيت الابيض بمراجعة مماثلة مع الكونغرس الاميركي. كما انهما صرحا بان اية اتفاقية يجب ان «تنص صراحة على أن لا تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد دائمة في العراق».
ترجمة: علاء غزالة
بعد يومين من انتخاب باراك أوباما رئيساً، قال الناطق باسم الحكومة العراقية، بتشديد غير معتاد، ان حكومته سوف تستمر في المطالبة بتحديد موعد حازم لانسحاب القوات الاميركية، برغم المطالب الاميركية بان يكون الانسحاب مرهون بالوضع الامني.
وقال علي الدباغ، المتحدث الرسمي: «يرغب العراقيون في ان يعرفوا ويشاهدوا موعدا ثابتا.» جاء ذلك في مقابلة صحفية كرر فيها الموقف العراقي القاضي بان تخضع القوات الاميركية الى القضاء العراقي في بعض الحالات.
يظهر المسؤولون العراقيون، الذين يرون ان وجهات نظر الرئيس المنتخب اوباما تتطابق مع وجهات نظرهم، وكأنهم يحاولون الافادة من انتخابه لغرض الضغط على ادارة بوش من اجل الحصول على تنازلات اللحظة الاخيرة. وقال الدباغ ان المفاوضات من اجل الوصول الى اتفاقية مستوى القوات (صوفا)، والتي من شأنها السماح بوجود عسكري اميركي في العراق، قد تنهار اذا لم يتم التوصل الى اتفاق في نهاية هذا الشهر.
تحدث القادة العراقيون، باللغة العربية، في مناسبات عدة عن تحديد موعد ثابت للانسحاب، متوجهين الى الجمهور المحلي والاقليمي. وقد علل المسؤولون الاميركيون، المرة تلو الاخرى، بان نظرائهم العراقيين كانوا اكثر ميلا الى التوافق في الجلسات الخاصة. لكن الدباغ كان يتحدث مباشرة الى واشنطن بوست، وباللغة الانكليزية.
وقال الدباغ ان على المسؤولين العودة الى طاولة المفاوضات. لكن المتحدثة باسم السفارة الاميركية في بغداد قالت ان المسؤولين الاميركين قدموا ما اطلقت عليه «النص النهائي» للاتفاقية الى العراق يوم الخميس.
وقال المسؤولون الاميركيون في واشنطن انهم حاولوا ان يستجيبوا للطلبات العراقية في الوثيقة الجديدة، برغم انهم اوضحوا انه قد تم اجراء بضعة تغييرات فقط ، ان كانت هناك اية تغييرات جوهرية. وقد اقترحت الادارة بيانا اقوى ينص على الزامها بعدم مهاجمة دول الجوار انطلاقا من الاراضي العراقية، وهو التغيير الذي طرأ نتيجة انتقاد العراقيين العملية الجوية التي قامت بها القوات الاميركية على احد عناصر تنظيم القاعدة في العراق المزعومين داخل الاراضي السورية.
وقد تم اجراء تعديلات على الموعد النهائي للانسحاب في عام 2011 للتأكيد ان اية قوات تبقى في العراق بعد هذا التاريخ انما تبقى هناك بطلب من العراق. وفي قضية ولاية القضاء العراقي قاوم البنتاغون اجراء اي تغييرات نوعية، الان هناك تغييرا طفيفا في صياغة الكلمات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود: «لقد تم انجاز العملية من جانبنا، ونحن نتطلع قدما الى الاستماع الى ما يقوله العراقيون. لقد تعاملنا مع القضايا بطريقة تحترم استقلال كلا الجانبين».
ولم يستجب مساعدو اوباما الى طلب التعليق على هذا الامر.
وقال الدباغ في هذه المقابلة انه يجب تقديم الجنود الاميركيين الى المحاكم العراقية اذا ارتكبوا جناية كبرى خارج قواعدهم العسكرية، الا اذا كانوا في مهمة مشتركة مع القوات العراقية. واضاف الدباغ ان على القوات القتالية الاميركية ان توقف عملياتها من طرف واحد بحلول حزيران، وان يتوجب ان يذكر في اتفاقية مستوى القوات (صوفا) ان على القسم الاكبر من القوات الاميركية ان تغادر العراق بحلول نهاية عام 2011.
واوضح الدباغ: «يجب ايواء القوات الاميركية في معسكرات معلومة. سوف يتم استدعاء الاميركيين عندما تدعو الحاجة الى ذلك. سوف تكون تحركاتهم محدودة.»
من جانب آخر قال وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري ان المسؤوليين العراقيين في اعلى المستويات يقومون بدراسة الوثيقة التي تسلموها من الاميركيين، مضيفا: «الوقت من ذهب».
فيما قال حيدر العبادي، عضو البرلمان واحد كبار مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي، ان هدف اوباما المعلن المتمثل باعادة القوات الاميركية الى بلادها بسرعة كبيرة نسبيا، يتوافق مع رؤية الحكومة العراقية.
وقال العبادي في مقابلة هاتفية: «لقد واصل اوباما الاعراب باستمرار عن رغبته بسحب القوات الاميركية خلال 15 شهرا. هذا يناسب تماما المطلب العراقي».
وكان اوباما قد قال، قبل عدة أشهر، انه يرغب في سحب القوات الاميركية خلال فترة 16 شهرا من تسلمه المنصب، لكن مع تحسن الوضع الامني، توقف اوباما عن ذكر هذا الاطار الزمني.
ويقول العبادي انه من غير الواضح كيف سيؤثر انتخاب اوباما في المفاوضات آخر المطاف. مضيفا: «قد تذهب في اي من الاتجاهين المتعارضين.» واوضح المشرع العراقي ان ادارة بوش ربما تجنبت اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في اثناء فترة الانتخابات الاميركية. لكنه يستدرك قائلا: «من الناحية الاخرى، ربما ستكون الارادة السياسية في واشنطن اضعف» مع انتهاء الانتخابات.
ويقول السياسيون العراقيون ايضا ان من غير الواضح حجم الاسناد المتوافر للاتفاقية بين اعضاء البرلمان الـ275، حيث ان الكثير من المشرعين يخشون اظهار مواقفهم علانية.
وكان مسؤولون عراقيون وأميركيون قد قالوا ان الحكومة الايرانية تحاول ان تقنع المشرعين العراقيين برفض الاتفاقية. كما ان المشرعين مترددين في دعم تمديد بقاء الجيش الاميركي لعدة اعوام لانهم يخشون ان يؤثر فيهم ذلك من الناحية السياسية في الانتخابات المحلية والوطنية المقررة العام القادم.
وفي الوقت الذي حدث فيه تحسن ملحمي في الوضع الامني في العراق، وصف العديد من المسؤولين العراقيين والاميركيين المنجزات بانها هشة واعربوا عن خوفهم ان تؤدي التوترات السياسية قبل وبعد الانتخابات في العام القادم الى اطلاق العنان للمزيد من اعمال العنف.
وقال الدباغ ان العراق يتجنب تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التي تسمح بوجود القطعات الاميركية في العراق باي ثمن. واضاف: «يمنحهم تفويض الامم المتحدة يدا مطلقة في كل شيء».وقال الدباغ ان المالكي بعث برقية تهنئة الى اوباما يوم الاربعاء. وقال ان العديد من السياسيين العراقيين الذي كانوا يفضلون السيناتور جون ماكين (عن ولاية اريزونا) قد تحولوا الى دعم اوباما بعد ان زار الديمقراطيون العراق خلال الصيف الماضي، وحيث انهم ادركوا ان رؤيتهم بخصوص الوجود الاميركي في العراق تتطابق مع اوباما اكثر منها مع ماكين.
واضاف الدباغ، واصفا شعور القادة العراقيين حيال اوباما: «انهم يحترمونه ويشعرون انه من الممكن ان يكون صديقا جيدا».
وبرغم ان الساسة العراقيين يقرون بان العراق لازال يعتمد على القوات العسكرية الاميركية بشدة في مجالات مثل الدعم الجوي وجمع المعلومات الاستخبارية، الا انهم يرغبون في ان يتوقف الاميركيين عن التصرف من جانب واحد في العراق. فعلى سبيل المثال، يقول الدباغ ان الاعلانات التلفزيونية واللوحات الاعلانية الكبيرة في الساحات العامة وغير ذلك من الوسائل الاعلامية، يجب ان تكون جهدا مشتركا.
ويستطرد: «ليس لدينا يد في الدعاية الموجهة التي يتم عملها الان. من الممكن ان تنجز بشكل افضل بكثير اذا كان للعراقيين قول فيها، وبامكان العراقيين ان يقدموا المشورة».
يستند تفاؤل الادارة الاميركية المعلن بان يتم توقيع الاتفاقية قبل انتهاء فترة تفويض الامم المتحدة في 31 كانون الاول الى عاملين: ان حكومة المالكي تعتبر ان تمديد ولاية الامم المتحدة اكثر اثارة للمشاكل السياسية من اتفاق ثنائي، حتى وان لم يصل الى 100% من مطالبه، كما أن القادة العراقيين غير راغبين في اعادة عملية التفاوض من جديد حينما يتولى اوباما مقاليد السلطة.
لكن اذا ثبت ان كلا من هذين الفرضين باطل، فان عملية تقديم قرار الى الامم المتحدة والتصويت عليه سوف تستغرق اسبوعين. ورغم ان المسؤوليين العراقيين كانوا قد بادروا الى ايجاد صيغة بديلة عن تفويض الامم المتحدة تصون استقلالهم، فانهم اقروا مؤخرا بان العوامل التي تمنح بموجبها الامم المتحدة تفويضا لقوات غير قوات حفظ السلام هي ضيقة الى حد ما. وبدلا من ذلك، فان المسؤولين يقولون ان المالكي يؤكد على ان يكون اي تمديد من الامم المتحدة مقتصرا على فترة محدودة.
وكان أوباما حذراً اثناء حمله الانتخابية في ابداء اي تعليقات بشأن محتوى المفاوضات مع العراق او اية قضية معينة، سوى القول بانه سوف يعطي الجيش مهمة اخرى تتمثل في الانسحاب من العراق خلال فترة 16 شهرا، بمعدل لواء او اثنين من الالوية القتالية كل شهر. كما ان اوباما كان قد قال بانه سيحافظ على «قوات مقيمة» بحجم غير محدد في العراق، بحيث تكون مهيأة «لعمليات مقارعة الارهاب» باستهداف تنظيم القاعدة في العراق ولحماية البعثة الدبلوماسية الاميركية وموظفيها المدنيين.
كما قال اوباما ان القوات الاميركية سوف تستمر في تدريب القوات الامنية العراقية، طالما حققت حكومة المالكي تقدما في عملية المصالحة الوطنية بين الطوائف والمجاميع العرقية.
يذكر ان كلا من اوباما ونائب الرئيس المنتخب جوزيف بادين قد لاحظا بان المالكي التزم بتقديم اي اتفاقية الى البرلمان العراقي، وقالا انه «من غير المقبول» ان لا يقوم البيت الابيض بمراجعة مماثلة مع الكونغرس الاميركي. كما انهما صرحا بان اية اتفاقية يجب ان «تنص صراحة على أن لا تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد دائمة في العراق».
Wednesday, November 05, 2008
جيــــل جديـــد يتولــى القيـــادة فــي الانــــبار
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
الرمادي – بينما أفل النهار الى الغسق، جلس جاسم محمد السويداوي على بساط بني مفروش على الارض، يدخن السيجارة تلو الاخرى، ويراقب بهدوء التجادل بين رجال العشائر بشأن قضية فصل عشائري.
فقد قتل رجل من عشيرة الدليم رجلا من عشيرة الجنابيين. وكان بامكان كبار رجال العشيرتين ان يلجأوا الى محكمة المحافظة. كما كان بامكانهم ان يحيلوا الامر الى شيوخ العشائر التقليديين الذين طالما فصلوا في حل النزاعات على مدى قرون مضت. لكنهم لم يفعلوا ايا من ذلك. بل جاءوا الى السويداوي، وهو رجل حضري، وقائد عشيرة بدعم من الاميركيين، تمكن في غضون سنتين ان يصبح الرجل الاكثر سلطة في منطقة شرق الرمادي.
سأل الرجال اذا ما كانوا يثقون بحكمه، فاشاروا بالموافقة. تمكن من التوصل الى تسوية خلال دقائق. لم يكن الرجال سعداء، لكنهم يخشون السويداوي وبحاجة الى حمايته ايضا. قال الشيخ الذي يبلغ 52 عاما من العمر بعد ان قبل كلا من الرجلين خديه: «تقديركم لي لن يذهب طي النسيان».
«شيخ جاسم» كما يدعو رجال العشائر السويداوي، هو من بين الجيل الجديد من القادة الذين يمتلكون سطوة في عموم المناطق الغربية. وقد حصلوا على مكانتهم بعد ان قاتلوا المتمردين المرتبطين بالقاعدة في العراق. وقد تمكنوا، من خلال الاموال والدعم الاميركي، من احلال نظام هش في محافظة الانبار، والتي كانت ذات مرة مسرحا لاكثر اعمال العنف دموية في العراق، منجزين في اشهر ما لم يكن باستطاعة الجيش الاميركي انجازه في سنوات.
لكن ارتقاء هؤلاء الشيوخ، الذي يطلق عليهم مجتمعين اسم الصحوة، قد بدأ يثير نزاعات جديدة قد تتعمق اذا لم يواصل الجيش الاميركي تقديم الدعم الى هذه الحركة. فقد جردوا شيوخ العشائر التقليديين من سلطتهم. كما انهم اقتطعوا المناطق لتصبح إقطاعيات لهم، يفرضون فيها وجهات نظرهم بخصوص القانون والامن، ومضعفين سلطة الحكومة، حتى أنهم يتحدون سلطة الاحزاب الدينية المعترف بها للحصول على هيمنة سياسية.
ان صعود هؤلاء الرجال انما يظهر كيف ان الصراع على السلطة قد أخذ يشكل مستقبل العراق بشكل متزايد. كما ان تنامي سلطتهم يؤكد ان اجزاءا كبيرة من العراق سوف تبقى تحت تأثير القانون القبلي، بدلا من سلطة القوانين الحديثة، مما يضع عراقيل في اسس البناء الديمقراطي الذي يتمنى الكثيرون ان يروه هنا.
يقول السويداوي: «لن يستطيع احد ان يزيحنا». وهو يتملك السلطة على معظم عشيرة البو صيدا، التي يبلغ عدد افرادها 30،000 نسمة.
الدعم من الولايات المتحدة
انتشرت مجالس الصحوة، منذ ان تأسست في اواخر عام 2006، في المناطق والمحافظات الأخرى، كوسيلة للدفاع عن النفس. وقد منح الجيش الاميركي مبلغ 300 دولار كراتب شهري لكل من المقاتلين، الذين كان الكثير منهم من المتمردين السابقين، لكي يقوموا بدوريات الحراسة في المناطق ويوقفوا الهجمات ضد القوات الاميركية.
كما منح ضباط الجيش الاميركي شيوخ عشائر الصحوة مقاولات لاعادة الاعمار في مناطقهم، مما ساعد في بناء سطوتهم. وقد ساعدوهم في العمليات ضد القاعدة في العراق من خلال الدعم الجوي وغيره من اشكال الدعم العسكري والتعبوي. كما تذكر السويداوي في احد الايام كيف وعده الضباط الاميركيون بتبليط الشارع المؤدي الى منزله.
وقد اقرّ القادة الاميركيون بدور حركة الصحوة كعامل اساس في التقليل من العنف، حتى ان بعضهم اعتبر انهم أدوا دورا اهم من دور «زيادة القوات» التي اضافت 30،000 من الجنود الاميركيين خلال العام الماضي.
وفي هذه الشهر، سلم الجيش الاميركي الى السلطة الحكومية ما يزيد على نصف مجاميع الصحوة، التي يناهز عددها الان 100،000 فرد، معظمهم من المقاتلين. لكن الحكومة، التي تزداد ثقتها في قدرتها على توفير الامن بنفسها، قد رفضت ضم معظم اعضاء الصحوة الى قوات الجيش والشرطة. وفي الاسابيع الماضية قامت القوات الامنية العراقية باعتقال بعض قادة الصحوة الذين كانوا متمردين سابقين، مدفوعة بالخشية من انهم قد يرفعون السلاح في وجه الحكومة.
يقول حيدر العبادي، عضو البرلمان من حزب الدعوة الذي يرأسه رئيس الوزاء نوري المالكي: «هناك اعضاء جيدون في حركات الصحوة. لكن غيرهم قد قاموا ببساطة بتغيير قميصهم، وهم لا يريدون التقدم، ولا يؤمنون بالعراق الجديد. نحن لا نريد ان نرى هذه العناصر تخترق قواتنا الامنية».
بيد ان القادة العسكريين الاميركيين قلقون من ان تتبخر نجاحاتهم اذا اوقف القادة العراقيون دفع رواتب مقاتلي الصحوة. يقول الميجر جنرال جيفري هاموند، القائد العسكري الاميركي المسؤول عن بغداد: «قد يسبب ذلك كسرا في هذا البرنامج المهم، مما قد يؤدي الى ان يعود هؤلاء الرجال الى العنف. حيث ان هناك على الدوام احد ما، مثل القاعدة او بعض مجاميع الإرهاب، راغب في تقديم صفقة افضل لهم».
يصر السويداوي وقادة الصحوة المؤسسين الآخرين على أنهم لن يعودوا الى العنف ابدا. وقد انضم 20،000 من المقاتلين الى قوات الشرطة في الانبار. لكن اغلبهم بقي اكثر ولاءا الى عشيرته منه الى الحكومة، مما يعزز من سلطة حركة الصحوة.
ويضيف السويداوي قائلا: «ليس لدي أي ثقة بالحكومة العراقية. هناك مخطط لتنحيتنا عن العملية الامنية باي طريقة ممكنة».
الالتفاف ضد المتمردين
شارك السويداوي، وهو اب لاحد عشر ولدا وبنتا، ويبدو نحيل البنية بشاربين سميكين وهيئة مؤدبة، في القوة الجوية العراقية لعقود من الزمن، عمل في اثنائها بصيانة الطائرات المقاتلة. بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 قام بتولي عمل مربح من خلال حماية القوافل التجارية في الانبار، حيث بدأ التمرد. وهوايته المفضلة صيد الطيور في مزرعة العائلة.
يقول منتقدوه انه كان احد قادة العصابات الذين يعملون في سرقة السيارات على الطريق السريع. لكن السويداوي ينفي هذه التهمة. يصف النقاد كيف انه التقى بعبد الستار ابو ريشة، مؤسس حركات الصحوة، الذي يشاع انه، هو الآخر، قام باعمال تسليب في الطريق السريع.
يقول حمادي محمد السويداوي، البالغ من العمر 45 عاما، والذي ينتمي الى عشيرة الشيخ نفسها ويعمل في تدريس القانون بجامعة الانبار: «الشيخ جاسم غير متعلم. انه ليس شيخا اصيلا لعشيرة البو صيدا. ولم يكن له دوراً يذكر قبل مجيء القاعدة».
يقول السويداوي انه كره الاحتلال الاميركية في بدايته. ويضيف ان الجيش الاميركي ألـّب العشائر ضده نتيجة اجراءاته شديدة الوطأة، وقيامه باعتقالات جماعية ضد الرجال المشتبه بعلاقتهم بالمتمردين.
وقد شارك الكثير من رجال عشريته في اعمال التمرد. يقول ناصر الجنابي، وهو من كبار قادة القاعدة في العراق، في مقابلة هاتفية، ان السويداوي سمح للمتمردين بان يتخذوا لهم قاعدة للعمليات في منطقته. ويضيف الجنابي: «جاسم هو ذلك النوع من الرجال الذين يقفون دائما مع الاقوى. حينما كنا نسيطر على الرمادي، كان يتظاهر انه رجل لطيف، وانه اراد ان يخدمنا ويرضينا».
يوافق السويداوي على انه كان «يغطي على المسلحين ولا يبلغ عنهم القوات الاميركية او السلطات المحلية.» ولكنه يقول انه بحلول العام 2006 بدأ يرى القوات الاميركية اقل عداءا. فقد تمادت القاعدة في العراق؛ يقطعون الروؤس ويحرمون التدخين وحلاقة الذقن والسلوكيات الاخرى التي اعتبروها غير اسلامية.
وفي اواخر عام 2006، وفي اثناء شهر رمضان المبارك، والذي يقوم المسلمون بصيامه من شروق الشمس (...) الى غروبها، قام متمردو القاعدة باختطاف سبعة من اخوة السويداوي واولاد عمومته من بيت العائلة. وقد تم قتلهم في اليوم نفسه، ومن ثم القيت الجثث في نهر الفرات، والذي يمر عبر مدينة الرمادي.
يقول السويداوي: « بعد ذلك، بدأت بملاحقتهم في الشوارع والامساك بهم».
خطوط السلسلة المقطوعة
قام رؤساء العشائر، بضمنهم الكثير من اعضاء حزب البعث الذي قاده صدام حسين، بدعم من القوات الاميركية، بطرد تنظيم القاعدة في العراق من اراضيهم. كما انهم حطموا سلسلة التمويل القديمة. وقد تم اغتيال ابو راشد، الذي قاد عشيرته خلفا لاحد اعمامه الابعدين، العام الماضي في عملية تفجير. ثم اصبح رعد صباح العلواني، وهو رجل ضخم الجثة، ورجل اعمال يشرب الويسكي، شيخا للعشيرة. يقول العلواني، الذي يسكن منزلا شديد الحراسة في الرمادي، وقد علقت على الجدران صورا له مع القادة الاميركيين: «لقد اصبحنا شيوخا لاننا نستخدم القوة. العراق بحاجة الى رجال يستخدمون القوة».
ونهج الكثير من رجال العشائر نهج السويداوي، محولين ولاءهم من شيخ العشيرة التقليدي، الشيخ محمد الجربوع، والذي حكمت عائلته عشيرة السويداوي على مدى ثلاثة قرون. يوضح اللواء حامد حماد الشوكي، قائد شرطة الرمادي السابق، ذلك بالقول: «لم يؤدي الشيخ محمد أي دور في ساحة المعركة. لقد تمكن الشيخ جاسم من فرض الامن، والامن هو الاساس لكل شيء هنا».
سيطر السويداوي على عشيرته خلال اسابيع من اطلاق حملته ضد تنظيم القاعدة في العراق، وهي ثاني اكبر عشيرة في الرمادي، فيما تنحى الجربوع جانبا بهدوء. يقول السويداوي: «الشيخ محمد هو رجل ضعيف».
يؤكد الجربوع، الذي غادر الى سوريا، ان معظم عشيرته لازالت على ولائها له، لكنه اقر ان خصمه اجبره على الرحيل. ويقول: «لقد اراد تولي منصب شخص آخر. ليس من حق جاسم ان يقوّمني، بل ان ذلك من حق عشيرتي. انه شخص يحب الدكتاتورية».
يصف الرائد البحري ادم ستريكلاند، الذي عمل عن قرب مع قادة الصحوة، يصف السويداوي بالقول: «انه شخص عظيم التأثير»، وينظر اليه باعتباره احد اهم حلفاءنا المحليين. ويقول ان الجيش الاميركي «كان يساند قيادته». حتى ان بعض القادة الاميركيين اطلقوا على السويداوي اسم «اسد شرق الرمادي».
اعطاء الحكم العشائري
في الاونة الاخيرة، وفي احد الايام، اختار السويداوي بنفسه مجموعة من الرجال المسلحين، من ضمنهن ثلاثة من اولاده ليركبوا في شاحنة شرطة عراقية بلون ابيض وازرق. بعض هؤلاء الرجال اعتمر قبعة تحمل العلم العراقي الذي يعود الى فترة حكم حزب البعث، حيث انهم يرفضون العلم الجديد. ويتذكر السويداوي كيف انه تعرض الى 12 محاولة اغتيال، منها واحدة كانت عبارة عن طرد ملغوم مغلف على انه هدية أرسل الى منزله.
وفي اثناء جولتهم مرّوا بساحة فارغة سبق وان خاضوا فيها معركة ضد تنظيم القاعدة في العراق. يقول السويداوي، وقد ظهر الوجوم على وجهه، ان سبعين من رجاله قتلوا في ذلك اليوم. وحينما وصلوا الى محطة الكهرباء المحلية استقبل الموظفون الشيخ بالترحاب، كما لو كانت البناية خاصة به. يقوم رجال عشيرته بادارتها وحمايتها. كما يدير السويداوي تسعة من مراكز الشرطة في منطقته.
ثم قام بعد ذلك بزيارة جمعة حسين، وهو شاب عاطل عن العمل يبلغ 25 عاما، وقد فقد يديه ورجليه في قنبلة كانت مزروعة على جانب الطريق. وحينما همّ الشيخ بالمغادرة قام بمنح الشاب مبلغ مائة دولار، قائلا: «اخبرني اذا احتجت أي شيء».
تولى السويداوي التحكيم في النزاعات بخصوص الاراضي، والميراث، ودعاوى الشرطة، وحتى العراك بين المراهقين. وهو يقوم بتقليد الشيوخ التقليديين، مستخدما العادات البدوية التي تبلغ قرونا من العمر، والمستندة إلى الشرف والمساواة في احلال العدالة. يقول السويداوي: «لا يستطيع احد ان يترك او يتخلص من القانون العشائري. فالقانون والدستور ليسا دائمين. انهما يتغيران مع تغير الحكومات».
لكن سلطته، في آخر المطاف، سوف تستند إلى مقدرته على فرض العقوبات. يقول انه طالما قام بالتحقيق مع مشتبهي تنظيم القاعدة في العراق في مضيفه الواسع. اما الان فانه يستخدم احد مراكز الشرطة التابعة له. كيف يتسنى له استخلاص المعلومات؟ يجيب، وقد علت وجهه ابتسامة خجولة، قائلا: «لدينا وسائلنا الخاصة». ثم خلع عقاله الاسود المصنوع من وبر الابل، الذي يتمم لباسه العشائري، مضيفا: «كنت استخدم هذا، اضربهم به مرتين او ثلاث».
وحينما اتم عبارته هذه، سحب هاتفه الخليوي وقام بتشغيل فيلم يحتوي على موسيقى عربية لا يمكن نسيانها، ويمثل عملية اعدام مجموعة من رجال الشرطة العراقية على ايدي المتمردين. يقول السويداوي: «اذا شعرت يوما بالرحمة حيالهم فان هذا الفيلم سوف يمنعني. سوف يذكرني على الدوام بجرائمهم».
الحركة من اجل السلطة السياسية
يسعى السويداوي وقادة الصحوة الاخرين الى تحويل انجازاتهم، التي تحققت في قتالهم ضد التمرد، الى مطامح سياسية. انهم يخططون لتحدى الحزب الاسلامي العراقي، وهو اكبر الاحزاب السياسية المؤتلف مع حكومة المالكي، في الانتخابات المحلية المخطط لها العام القادم. وعلى المحك، لا يزال قادة الاقلية غير المنضبطين يخوضون في جدال طويل بغية الحصول على موطيء قدم في العراق الجديد.
يقول السويداوي: «نحن نعرف اناسنا خيرا منهم». اذا تمكن قادة الصحوة من الفوز فسوف يتسنى لهم فرض قيم عشائرية وعلمانية على النظام السياسي المقسم طائفيا. وقد تعرضت مقرات الحزب الاسلامي الى الهجمات في الاسابيع الاخيرة، كما تمت مهاجمة قادة الصحوة، مما يثير المخاوف من صراعات اوسع عبر المناطق السنية.
غير ان حركات الصحوة نفسها مشحونة بالصراعات. وقد قال بعض مؤسسي الصحوة، في مقابلات صحفية، ان احمد ابو ريشة، الذي تولى زعامة مجالس الصحوة بعد موت اخيه، ليس مؤهلا للقيادة، لانه لم يقاتل تنظيم القاعدة في العراق. وقد انسحب اثنان من المؤسسين المهمين ليشكلوا احزابهم السياسية الخاصة بهم. كما ان السويداوي دخل في خصام مع ابو ريشة. يقول عن ذلك: «لسوء الحظ، فان الاقوى والاشجع يقوم بكل العمل بينما يقطف ثمار عملنا الجبناء».
وهو مشغول البال في السؤال الملح: ماذا سيحدث اذا غادر مساندوه من الاميركيين؟ انه يتوقع بحزن حلول الفوضى في الانتخابات المحلية. وقد اخبر السويداوي الميجر جنرال جون كيلي، قائد القوات الاميركية في الانبار قبل فترة وجيزة ان «هناك خلايا نائمة للقاعدة في المحافظة. لازالت حدودنا مخترقة».
يحبذ السويداوي ان يرى القوات الامريكية في قواعدها لاعوام، او حتى عقود، كما فعلوا في اليابان والمانيا. فهو يخشى، على غرار الكثير، أن تقع البلاد تحت تأثير الصراعات.
يستخدم السويداوي في الفترة الاخيرة قاربا ذا محرك ينساب ببطء عبر نهر الفرات لغرض حراسة عشيرته واراضيه. يقول، وهو يحدق في احراش البردي العالية تحت الشمس الحارقة: «الشر موجود في كل مكان».
ترجمة: علاء غزالة
الرمادي – بينما أفل النهار الى الغسق، جلس جاسم محمد السويداوي على بساط بني مفروش على الارض، يدخن السيجارة تلو الاخرى، ويراقب بهدوء التجادل بين رجال العشائر بشأن قضية فصل عشائري.
فقد قتل رجل من عشيرة الدليم رجلا من عشيرة الجنابيين. وكان بامكان كبار رجال العشيرتين ان يلجأوا الى محكمة المحافظة. كما كان بامكانهم ان يحيلوا الامر الى شيوخ العشائر التقليديين الذين طالما فصلوا في حل النزاعات على مدى قرون مضت. لكنهم لم يفعلوا ايا من ذلك. بل جاءوا الى السويداوي، وهو رجل حضري، وقائد عشيرة بدعم من الاميركيين، تمكن في غضون سنتين ان يصبح الرجل الاكثر سلطة في منطقة شرق الرمادي.
سأل الرجال اذا ما كانوا يثقون بحكمه، فاشاروا بالموافقة. تمكن من التوصل الى تسوية خلال دقائق. لم يكن الرجال سعداء، لكنهم يخشون السويداوي وبحاجة الى حمايته ايضا. قال الشيخ الذي يبلغ 52 عاما من العمر بعد ان قبل كلا من الرجلين خديه: «تقديركم لي لن يذهب طي النسيان».
«شيخ جاسم» كما يدعو رجال العشائر السويداوي، هو من بين الجيل الجديد من القادة الذين يمتلكون سطوة في عموم المناطق الغربية. وقد حصلوا على مكانتهم بعد ان قاتلوا المتمردين المرتبطين بالقاعدة في العراق. وقد تمكنوا، من خلال الاموال والدعم الاميركي، من احلال نظام هش في محافظة الانبار، والتي كانت ذات مرة مسرحا لاكثر اعمال العنف دموية في العراق، منجزين في اشهر ما لم يكن باستطاعة الجيش الاميركي انجازه في سنوات.
لكن ارتقاء هؤلاء الشيوخ، الذي يطلق عليهم مجتمعين اسم الصحوة، قد بدأ يثير نزاعات جديدة قد تتعمق اذا لم يواصل الجيش الاميركي تقديم الدعم الى هذه الحركة. فقد جردوا شيوخ العشائر التقليديين من سلطتهم. كما انهم اقتطعوا المناطق لتصبح إقطاعيات لهم، يفرضون فيها وجهات نظرهم بخصوص القانون والامن، ومضعفين سلطة الحكومة، حتى أنهم يتحدون سلطة الاحزاب الدينية المعترف بها للحصول على هيمنة سياسية.
ان صعود هؤلاء الرجال انما يظهر كيف ان الصراع على السلطة قد أخذ يشكل مستقبل العراق بشكل متزايد. كما ان تنامي سلطتهم يؤكد ان اجزاءا كبيرة من العراق سوف تبقى تحت تأثير القانون القبلي، بدلا من سلطة القوانين الحديثة، مما يضع عراقيل في اسس البناء الديمقراطي الذي يتمنى الكثيرون ان يروه هنا.
يقول السويداوي: «لن يستطيع احد ان يزيحنا». وهو يتملك السلطة على معظم عشيرة البو صيدا، التي يبلغ عدد افرادها 30،000 نسمة.
الدعم من الولايات المتحدة
انتشرت مجالس الصحوة، منذ ان تأسست في اواخر عام 2006، في المناطق والمحافظات الأخرى، كوسيلة للدفاع عن النفس. وقد منح الجيش الاميركي مبلغ 300 دولار كراتب شهري لكل من المقاتلين، الذين كان الكثير منهم من المتمردين السابقين، لكي يقوموا بدوريات الحراسة في المناطق ويوقفوا الهجمات ضد القوات الاميركية.
كما منح ضباط الجيش الاميركي شيوخ عشائر الصحوة مقاولات لاعادة الاعمار في مناطقهم، مما ساعد في بناء سطوتهم. وقد ساعدوهم في العمليات ضد القاعدة في العراق من خلال الدعم الجوي وغيره من اشكال الدعم العسكري والتعبوي. كما تذكر السويداوي في احد الايام كيف وعده الضباط الاميركيون بتبليط الشارع المؤدي الى منزله.
وقد اقرّ القادة الاميركيون بدور حركة الصحوة كعامل اساس في التقليل من العنف، حتى ان بعضهم اعتبر انهم أدوا دورا اهم من دور «زيادة القوات» التي اضافت 30،000 من الجنود الاميركيين خلال العام الماضي.
وفي هذه الشهر، سلم الجيش الاميركي الى السلطة الحكومية ما يزيد على نصف مجاميع الصحوة، التي يناهز عددها الان 100،000 فرد، معظمهم من المقاتلين. لكن الحكومة، التي تزداد ثقتها في قدرتها على توفير الامن بنفسها، قد رفضت ضم معظم اعضاء الصحوة الى قوات الجيش والشرطة. وفي الاسابيع الماضية قامت القوات الامنية العراقية باعتقال بعض قادة الصحوة الذين كانوا متمردين سابقين، مدفوعة بالخشية من انهم قد يرفعون السلاح في وجه الحكومة.
يقول حيدر العبادي، عضو البرلمان من حزب الدعوة الذي يرأسه رئيس الوزاء نوري المالكي: «هناك اعضاء جيدون في حركات الصحوة. لكن غيرهم قد قاموا ببساطة بتغيير قميصهم، وهم لا يريدون التقدم، ولا يؤمنون بالعراق الجديد. نحن لا نريد ان نرى هذه العناصر تخترق قواتنا الامنية».
بيد ان القادة العسكريين الاميركيين قلقون من ان تتبخر نجاحاتهم اذا اوقف القادة العراقيون دفع رواتب مقاتلي الصحوة. يقول الميجر جنرال جيفري هاموند، القائد العسكري الاميركي المسؤول عن بغداد: «قد يسبب ذلك كسرا في هذا البرنامج المهم، مما قد يؤدي الى ان يعود هؤلاء الرجال الى العنف. حيث ان هناك على الدوام احد ما، مثل القاعدة او بعض مجاميع الإرهاب، راغب في تقديم صفقة افضل لهم».
يصر السويداوي وقادة الصحوة المؤسسين الآخرين على أنهم لن يعودوا الى العنف ابدا. وقد انضم 20،000 من المقاتلين الى قوات الشرطة في الانبار. لكن اغلبهم بقي اكثر ولاءا الى عشيرته منه الى الحكومة، مما يعزز من سلطة حركة الصحوة.
ويضيف السويداوي قائلا: «ليس لدي أي ثقة بالحكومة العراقية. هناك مخطط لتنحيتنا عن العملية الامنية باي طريقة ممكنة».
الالتفاف ضد المتمردين
شارك السويداوي، وهو اب لاحد عشر ولدا وبنتا، ويبدو نحيل البنية بشاربين سميكين وهيئة مؤدبة، في القوة الجوية العراقية لعقود من الزمن، عمل في اثنائها بصيانة الطائرات المقاتلة. بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 قام بتولي عمل مربح من خلال حماية القوافل التجارية في الانبار، حيث بدأ التمرد. وهوايته المفضلة صيد الطيور في مزرعة العائلة.
يقول منتقدوه انه كان احد قادة العصابات الذين يعملون في سرقة السيارات على الطريق السريع. لكن السويداوي ينفي هذه التهمة. يصف النقاد كيف انه التقى بعبد الستار ابو ريشة، مؤسس حركات الصحوة، الذي يشاع انه، هو الآخر، قام باعمال تسليب في الطريق السريع.
يقول حمادي محمد السويداوي، البالغ من العمر 45 عاما، والذي ينتمي الى عشيرة الشيخ نفسها ويعمل في تدريس القانون بجامعة الانبار: «الشيخ جاسم غير متعلم. انه ليس شيخا اصيلا لعشيرة البو صيدا. ولم يكن له دوراً يذكر قبل مجيء القاعدة».
يقول السويداوي انه كره الاحتلال الاميركية في بدايته. ويضيف ان الجيش الاميركي ألـّب العشائر ضده نتيجة اجراءاته شديدة الوطأة، وقيامه باعتقالات جماعية ضد الرجال المشتبه بعلاقتهم بالمتمردين.
وقد شارك الكثير من رجال عشريته في اعمال التمرد. يقول ناصر الجنابي، وهو من كبار قادة القاعدة في العراق، في مقابلة هاتفية، ان السويداوي سمح للمتمردين بان يتخذوا لهم قاعدة للعمليات في منطقته. ويضيف الجنابي: «جاسم هو ذلك النوع من الرجال الذين يقفون دائما مع الاقوى. حينما كنا نسيطر على الرمادي، كان يتظاهر انه رجل لطيف، وانه اراد ان يخدمنا ويرضينا».
يوافق السويداوي على انه كان «يغطي على المسلحين ولا يبلغ عنهم القوات الاميركية او السلطات المحلية.» ولكنه يقول انه بحلول العام 2006 بدأ يرى القوات الاميركية اقل عداءا. فقد تمادت القاعدة في العراق؛ يقطعون الروؤس ويحرمون التدخين وحلاقة الذقن والسلوكيات الاخرى التي اعتبروها غير اسلامية.
وفي اواخر عام 2006، وفي اثناء شهر رمضان المبارك، والذي يقوم المسلمون بصيامه من شروق الشمس (...) الى غروبها، قام متمردو القاعدة باختطاف سبعة من اخوة السويداوي واولاد عمومته من بيت العائلة. وقد تم قتلهم في اليوم نفسه، ومن ثم القيت الجثث في نهر الفرات، والذي يمر عبر مدينة الرمادي.
يقول السويداوي: « بعد ذلك، بدأت بملاحقتهم في الشوارع والامساك بهم».
خطوط السلسلة المقطوعة
قام رؤساء العشائر، بضمنهم الكثير من اعضاء حزب البعث الذي قاده صدام حسين، بدعم من القوات الاميركية، بطرد تنظيم القاعدة في العراق من اراضيهم. كما انهم حطموا سلسلة التمويل القديمة. وقد تم اغتيال ابو راشد، الذي قاد عشيرته خلفا لاحد اعمامه الابعدين، العام الماضي في عملية تفجير. ثم اصبح رعد صباح العلواني، وهو رجل ضخم الجثة، ورجل اعمال يشرب الويسكي، شيخا للعشيرة. يقول العلواني، الذي يسكن منزلا شديد الحراسة في الرمادي، وقد علقت على الجدران صورا له مع القادة الاميركيين: «لقد اصبحنا شيوخا لاننا نستخدم القوة. العراق بحاجة الى رجال يستخدمون القوة».
ونهج الكثير من رجال العشائر نهج السويداوي، محولين ولاءهم من شيخ العشيرة التقليدي، الشيخ محمد الجربوع، والذي حكمت عائلته عشيرة السويداوي على مدى ثلاثة قرون. يوضح اللواء حامد حماد الشوكي، قائد شرطة الرمادي السابق، ذلك بالقول: «لم يؤدي الشيخ محمد أي دور في ساحة المعركة. لقد تمكن الشيخ جاسم من فرض الامن، والامن هو الاساس لكل شيء هنا».
سيطر السويداوي على عشيرته خلال اسابيع من اطلاق حملته ضد تنظيم القاعدة في العراق، وهي ثاني اكبر عشيرة في الرمادي، فيما تنحى الجربوع جانبا بهدوء. يقول السويداوي: «الشيخ محمد هو رجل ضعيف».
يؤكد الجربوع، الذي غادر الى سوريا، ان معظم عشيرته لازالت على ولائها له، لكنه اقر ان خصمه اجبره على الرحيل. ويقول: «لقد اراد تولي منصب شخص آخر. ليس من حق جاسم ان يقوّمني، بل ان ذلك من حق عشيرتي. انه شخص يحب الدكتاتورية».
يصف الرائد البحري ادم ستريكلاند، الذي عمل عن قرب مع قادة الصحوة، يصف السويداوي بالقول: «انه شخص عظيم التأثير»، وينظر اليه باعتباره احد اهم حلفاءنا المحليين. ويقول ان الجيش الاميركي «كان يساند قيادته». حتى ان بعض القادة الاميركيين اطلقوا على السويداوي اسم «اسد شرق الرمادي».
اعطاء الحكم العشائري
في الاونة الاخيرة، وفي احد الايام، اختار السويداوي بنفسه مجموعة من الرجال المسلحين، من ضمنهن ثلاثة من اولاده ليركبوا في شاحنة شرطة عراقية بلون ابيض وازرق. بعض هؤلاء الرجال اعتمر قبعة تحمل العلم العراقي الذي يعود الى فترة حكم حزب البعث، حيث انهم يرفضون العلم الجديد. ويتذكر السويداوي كيف انه تعرض الى 12 محاولة اغتيال، منها واحدة كانت عبارة عن طرد ملغوم مغلف على انه هدية أرسل الى منزله.
وفي اثناء جولتهم مرّوا بساحة فارغة سبق وان خاضوا فيها معركة ضد تنظيم القاعدة في العراق. يقول السويداوي، وقد ظهر الوجوم على وجهه، ان سبعين من رجاله قتلوا في ذلك اليوم. وحينما وصلوا الى محطة الكهرباء المحلية استقبل الموظفون الشيخ بالترحاب، كما لو كانت البناية خاصة به. يقوم رجال عشيرته بادارتها وحمايتها. كما يدير السويداوي تسعة من مراكز الشرطة في منطقته.
ثم قام بعد ذلك بزيارة جمعة حسين، وهو شاب عاطل عن العمل يبلغ 25 عاما، وقد فقد يديه ورجليه في قنبلة كانت مزروعة على جانب الطريق. وحينما همّ الشيخ بالمغادرة قام بمنح الشاب مبلغ مائة دولار، قائلا: «اخبرني اذا احتجت أي شيء».
تولى السويداوي التحكيم في النزاعات بخصوص الاراضي، والميراث، ودعاوى الشرطة، وحتى العراك بين المراهقين. وهو يقوم بتقليد الشيوخ التقليديين، مستخدما العادات البدوية التي تبلغ قرونا من العمر، والمستندة إلى الشرف والمساواة في احلال العدالة. يقول السويداوي: «لا يستطيع احد ان يترك او يتخلص من القانون العشائري. فالقانون والدستور ليسا دائمين. انهما يتغيران مع تغير الحكومات».
لكن سلطته، في آخر المطاف، سوف تستند إلى مقدرته على فرض العقوبات. يقول انه طالما قام بالتحقيق مع مشتبهي تنظيم القاعدة في العراق في مضيفه الواسع. اما الان فانه يستخدم احد مراكز الشرطة التابعة له. كيف يتسنى له استخلاص المعلومات؟ يجيب، وقد علت وجهه ابتسامة خجولة، قائلا: «لدينا وسائلنا الخاصة». ثم خلع عقاله الاسود المصنوع من وبر الابل، الذي يتمم لباسه العشائري، مضيفا: «كنت استخدم هذا، اضربهم به مرتين او ثلاث».
وحينما اتم عبارته هذه، سحب هاتفه الخليوي وقام بتشغيل فيلم يحتوي على موسيقى عربية لا يمكن نسيانها، ويمثل عملية اعدام مجموعة من رجال الشرطة العراقية على ايدي المتمردين. يقول السويداوي: «اذا شعرت يوما بالرحمة حيالهم فان هذا الفيلم سوف يمنعني. سوف يذكرني على الدوام بجرائمهم».
الحركة من اجل السلطة السياسية
يسعى السويداوي وقادة الصحوة الاخرين الى تحويل انجازاتهم، التي تحققت في قتالهم ضد التمرد، الى مطامح سياسية. انهم يخططون لتحدى الحزب الاسلامي العراقي، وهو اكبر الاحزاب السياسية المؤتلف مع حكومة المالكي، في الانتخابات المحلية المخطط لها العام القادم. وعلى المحك، لا يزال قادة الاقلية غير المنضبطين يخوضون في جدال طويل بغية الحصول على موطيء قدم في العراق الجديد.
يقول السويداوي: «نحن نعرف اناسنا خيرا منهم». اذا تمكن قادة الصحوة من الفوز فسوف يتسنى لهم فرض قيم عشائرية وعلمانية على النظام السياسي المقسم طائفيا. وقد تعرضت مقرات الحزب الاسلامي الى الهجمات في الاسابيع الاخيرة، كما تمت مهاجمة قادة الصحوة، مما يثير المخاوف من صراعات اوسع عبر المناطق السنية.
غير ان حركات الصحوة نفسها مشحونة بالصراعات. وقد قال بعض مؤسسي الصحوة، في مقابلات صحفية، ان احمد ابو ريشة، الذي تولى زعامة مجالس الصحوة بعد موت اخيه، ليس مؤهلا للقيادة، لانه لم يقاتل تنظيم القاعدة في العراق. وقد انسحب اثنان من المؤسسين المهمين ليشكلوا احزابهم السياسية الخاصة بهم. كما ان السويداوي دخل في خصام مع ابو ريشة. يقول عن ذلك: «لسوء الحظ، فان الاقوى والاشجع يقوم بكل العمل بينما يقطف ثمار عملنا الجبناء».
وهو مشغول البال في السؤال الملح: ماذا سيحدث اذا غادر مساندوه من الاميركيين؟ انه يتوقع بحزن حلول الفوضى في الانتخابات المحلية. وقد اخبر السويداوي الميجر جنرال جون كيلي، قائد القوات الاميركية في الانبار قبل فترة وجيزة ان «هناك خلايا نائمة للقاعدة في المحافظة. لازالت حدودنا مخترقة».
يحبذ السويداوي ان يرى القوات الامريكية في قواعدها لاعوام، او حتى عقود، كما فعلوا في اليابان والمانيا. فهو يخشى، على غرار الكثير، أن تقع البلاد تحت تأثير الصراعات.
يستخدم السويداوي في الفترة الاخيرة قاربا ذا محرك ينساب ببطء عبر نهر الفرات لغرض حراسة عشيرته واراضيه. يقول، وهو يحدق في احراش البردي العالية تحت الشمس الحارقة: «الشر موجود في كل مكان».
أطفال العراق المتسـربين من المدارس دليل على عمق مشكلات النظام التعليمي
عن: جريدة ماكلاتشي
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – عمل احمد رزاق، الذي يبلغ 14 سنة من العمر، في اعمال اكثر ما يستطيع ان يعد. فقد عمل في طلاء المنازل، وتنظيف المباني التي تحتوي على مكاتب، واشرف على فريق من عمال التنظيف. وفي الفترة الاخيرة يمضي ايامه في غسل السيارات قرب فندق متواضع في بغداد مقابل بضعة دولارات كل اسبوع. لم تطأ قدماه صفا دراسيا قط. وقد سمع عن المدارس من اصدقائه فحسب. وهو لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، ويعتقد انه لن يستطيع ذلك ابدا.
يقول احمد، وهو يقف خارج منزل العائلة في اطراف منطقة الكرادة ببغداد: «ارغب في الذهاب الى المدرسة، ولكني اعتقد انه قد فات الاوان لذلك. ثم انك بحاجة الى المال لتذهب الى المدرسة».
هذه هي الطريقة التي يعيش بها الكثير من اطفال العراق، يعملون بادنى الاجور، او يبقون في منازلهم بدلا من الذهاب الى المدرسة. تشير تقديرات الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الى ان نحو خمس الاطفال بعمر المدرسة لا يذهبون اليها، لكن وزارة التربية العراقية تعارض هذه الاحصاءات. وتشير التقارير الى ان البنات والاطفال الذين يقطنون المناطق القروية هم بالتحديد الاكثر تأثرا.
انخفضت اعمال العنف بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، لكن نتائج اعمال العنف، من قتل الانفس، وتقطيع اوصال العائلات، الى تخريب المنشأت، سوف تستمر لفترة اطول من الزمن. اينما تذهب في بغداد تجد اطفالا يتسولون او يبيعون قناني المشروبات الغازية على جانب الطريق، حتى في اوقات دوام المدراس. وبقدر أي شيء آخر، فانهم ليسوا الا مثالا لما يتوجب اعادة بنائه في العراق.
يقول محمود عثمان، النائب الكردي في البرلمان العراقي: «هناك الكثير من العواقب الوخيمة على مستقبل بلدنا اذا لم يلتحق اطفالنا بالمدارس. ذلك يؤثر على اقتصادنا، وعلى نظام معيشتنا، وعلى نمو البلاد ككل».
ويعتبر المال اكبر سبب يجعل الاطفال يبقون منازلهم بعيدا عن المدارس. فبرغم ان التعليم العام مجانيا في العراق، ولكن الكثير من العائلات فقيرة الى الحد الذي لا يتمكنون فيه من دفع ثمن حقيبة المدرسة، والدفاتر، والملابس المدرسية المناسبة. وقد ارتفعت كلفة المعيشة بشكل مأساوي في عموم البلاد في السنوات الاخيرة، بينما تبلغ نسبة البطالة نحو 50%.
تتسائل عبير عبد الرحمن، الارملة ذات الـ 36 عاما، وهي ام لخمسة اطفال، وليس لديها وظيفة، قائلة: «لا استطيع ان اشتري لهم حليبا، فكيف لي ان اشتري لهم كتبا مدرسية؟ انا اريد ان اعطيهم المزيد، لكن اخبرني، كيف؟»
يبلغ عمر اثنين من اولاد عبير عبد الرحمن سن المدرسة، اذ تبلغ نورا سبع سنوات من العمر، بينما يبلغ عُمَر تسع سنوات، ولكن ايا منهما لم يذهب الى المدرسة. انما يمضيان يومهما في التسول مع والدتهما.
تقول عبير: «الامر الاكثر اهمية هو ان يقوم اولادي بالتسول حتى نستطيع ان نأكل. ماذا عساهم يجنون من التعليم؟»
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان نسبة التسجيل في المدرسة متدنية بحيث عُدّت مشكلة. ولكنها اصبحت اسوأ مع اعمال العنف التي تلت بداية الحرب.
وفي اواخر عام 2006، قرر الكثير من الاهالي ان ارسال اولادهم الى المدارس يشكل مخاطرة كبيرة. بينما توقف اطفال آخرون عن الذهاب الى المدرسة حينما اجبرت عائلاتهم على الرحيل عن مناطقهم إثر فورة العنف الطائفي. وقد قام بعضهم بالتسجيل في المدارس من جديد، لكن البعض الآخر لم يفعل ذلك.
تبقى كل من شهد تحسين، ذات السبعة اعوام، مع اخيها نبراس الذي يصغرها بعام واحد في بيت جدتهما المكون من غرفة واحدة قذرة في بغداد، بدلا من الذهاب الى المدرسة. وقد أتيا الى هذا المكان في عام 2006 بعد ان قتل كل من والديهما.
تقول الجدة، البالغة 63 عاما من العمر، واسمها حليمة محمد فرج: «لقد بعنا كل شيء نملك فقط لندفع ايجار البيت. ليس لدينا كهرباء، ولا ماء، ولا ملابس. نحن لا نفكر في تعلم القراءة والكتابة».
غير ان مشلكة نقص المدارس زادت الطين بلة، خصوصا في المناطق الريفية، حيث قد تكون اقرب مدرسة بعيدة جدا بالنسبة للاطفال لكي يذهبوا اليها يوميا.
يقدر علاء مكي، وهو نائب برلماني، ويرأس لجنة التربية في البرلمان، ان العراق بحاجة الى بناء 4،500 مدرسة ابتدائية ومتوسطة واعدادية لكي يسد الطلب بشكل مناسب.
كما ان اعداد المعلمين تعتبر دون المطلوب هي الاخرى. فحسب تقارير الامم المتحدة، تم قتل اكثر من 250 معلما منذ عام 2003، بينما هرب المئات منهم الى خارج البلاد.
يقول علاء مكي: «نحن نعلم، بكل تأكيد، ان مشكلة تسرب الاطفال من المدراس هي اكبر تحدٍ تواجهه لجنتنا. لكن هناك آخرين في الحكومة، لسوء الحظ، يحاولون ان يقللوا من خطورة المسألة».
ويضيف مكي ان وزارة التربية العراقية تقلل من تقديرات اعداد الاطفال المتسربين بشكل كبير. فالناطق الرسمي باسم وزارة التربية، وليد حسين، يقول ان 6 بالمئة فقط من عدد الاطفال الذين يتوجب ان يكونوا في المدارس، هم الان متسربين عنها.
ويمضي مكي الى القول: «هذه المشكلة، في جزء منها، قضية فساد، وفي جزء آخر، قضية اناس غير مؤهلين يعملون في الوزارات. حتى لو رصدنا مبالغ طائلة لحل المشكلة، لايبدو ان الامور سوف تتحسن».
ويضيف ان الجهود المبذولة في البرلمان لاقرار قانون من شأنه ان يزيد من عدد الاطفال المسجلين في المدارس قد باءت بالفشل. فقد رفض المشرعون حديثا مشروع قانون يعطي رواتب لطلبة الكليات، الامر الذي يعتقد مكي انه سيشجع الطلبة في المراحل كافة على البقاء في المدارس.
يقول: «انهم يقولون انها مكلفة جدا. لا يرون الامر على انه اولوية... بالنسبة لي، اعتقد ان هؤلاء الاطفال سوف يكبرون بدون ان يحصلوا على أي شيء، ومن ثم فانهم سوف يتحولون الى العنف والجريمة والمسالك الخطرة الاخرى. وحينها سوف يكون علينا ان نتجرع عواقب وخيمة».
لا يعرف حسام حسن عمره بالضبط، لكنه يبدو انه يبلغ عشرة اعوام. وهو يمضي يومه في بيع العاب الاطفال في تقاطع مزدحم في بغداد.
وهو يقول انه كان يذهب الى المدرسة، لكنه توقف عن ذلك قبل بضعة اعوام، حينما غادرت عائلته مدينة الصدر بسبب اعمال العنف.
سألته عن مستقبله، فمسح انفه وقد بدت عليه إمارات الحيرة، وأجاب قائلا: «مستقبلي؟»، ثم توقف لحظة. ثم استطرد قائلا: «سوف اعمل، تماما كما اعمل هذا اليوم».
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – عمل احمد رزاق، الذي يبلغ 14 سنة من العمر، في اعمال اكثر ما يستطيع ان يعد. فقد عمل في طلاء المنازل، وتنظيف المباني التي تحتوي على مكاتب، واشرف على فريق من عمال التنظيف. وفي الفترة الاخيرة يمضي ايامه في غسل السيارات قرب فندق متواضع في بغداد مقابل بضعة دولارات كل اسبوع. لم تطأ قدماه صفا دراسيا قط. وقد سمع عن المدارس من اصدقائه فحسب. وهو لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، ويعتقد انه لن يستطيع ذلك ابدا.
يقول احمد، وهو يقف خارج منزل العائلة في اطراف منطقة الكرادة ببغداد: «ارغب في الذهاب الى المدرسة، ولكني اعتقد انه قد فات الاوان لذلك. ثم انك بحاجة الى المال لتذهب الى المدرسة».
هذه هي الطريقة التي يعيش بها الكثير من اطفال العراق، يعملون بادنى الاجور، او يبقون في منازلهم بدلا من الذهاب الى المدرسة. تشير تقديرات الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الى ان نحو خمس الاطفال بعمر المدرسة لا يذهبون اليها، لكن وزارة التربية العراقية تعارض هذه الاحصاءات. وتشير التقارير الى ان البنات والاطفال الذين يقطنون المناطق القروية هم بالتحديد الاكثر تأثرا.
انخفضت اعمال العنف بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، لكن نتائج اعمال العنف، من قتل الانفس، وتقطيع اوصال العائلات، الى تخريب المنشأت، سوف تستمر لفترة اطول من الزمن. اينما تذهب في بغداد تجد اطفالا يتسولون او يبيعون قناني المشروبات الغازية على جانب الطريق، حتى في اوقات دوام المدراس. وبقدر أي شيء آخر، فانهم ليسوا الا مثالا لما يتوجب اعادة بنائه في العراق.
يقول محمود عثمان، النائب الكردي في البرلمان العراقي: «هناك الكثير من العواقب الوخيمة على مستقبل بلدنا اذا لم يلتحق اطفالنا بالمدارس. ذلك يؤثر على اقتصادنا، وعلى نظام معيشتنا، وعلى نمو البلاد ككل».
ويعتبر المال اكبر سبب يجعل الاطفال يبقون منازلهم بعيدا عن المدارس. فبرغم ان التعليم العام مجانيا في العراق، ولكن الكثير من العائلات فقيرة الى الحد الذي لا يتمكنون فيه من دفع ثمن حقيبة المدرسة، والدفاتر، والملابس المدرسية المناسبة. وقد ارتفعت كلفة المعيشة بشكل مأساوي في عموم البلاد في السنوات الاخيرة، بينما تبلغ نسبة البطالة نحو 50%.
تتسائل عبير عبد الرحمن، الارملة ذات الـ 36 عاما، وهي ام لخمسة اطفال، وليس لديها وظيفة، قائلة: «لا استطيع ان اشتري لهم حليبا، فكيف لي ان اشتري لهم كتبا مدرسية؟ انا اريد ان اعطيهم المزيد، لكن اخبرني، كيف؟»
يبلغ عمر اثنين من اولاد عبير عبد الرحمن سن المدرسة، اذ تبلغ نورا سبع سنوات من العمر، بينما يبلغ عُمَر تسع سنوات، ولكن ايا منهما لم يذهب الى المدرسة. انما يمضيان يومهما في التسول مع والدتهما.
تقول عبير: «الامر الاكثر اهمية هو ان يقوم اولادي بالتسول حتى نستطيع ان نأكل. ماذا عساهم يجنون من التعليم؟»
وحتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان نسبة التسجيل في المدرسة متدنية بحيث عُدّت مشكلة. ولكنها اصبحت اسوأ مع اعمال العنف التي تلت بداية الحرب.
وفي اواخر عام 2006، قرر الكثير من الاهالي ان ارسال اولادهم الى المدارس يشكل مخاطرة كبيرة. بينما توقف اطفال آخرون عن الذهاب الى المدرسة حينما اجبرت عائلاتهم على الرحيل عن مناطقهم إثر فورة العنف الطائفي. وقد قام بعضهم بالتسجيل في المدارس من جديد، لكن البعض الآخر لم يفعل ذلك.
تبقى كل من شهد تحسين، ذات السبعة اعوام، مع اخيها نبراس الذي يصغرها بعام واحد في بيت جدتهما المكون من غرفة واحدة قذرة في بغداد، بدلا من الذهاب الى المدرسة. وقد أتيا الى هذا المكان في عام 2006 بعد ان قتل كل من والديهما.
تقول الجدة، البالغة 63 عاما من العمر، واسمها حليمة محمد فرج: «لقد بعنا كل شيء نملك فقط لندفع ايجار البيت. ليس لدينا كهرباء، ولا ماء، ولا ملابس. نحن لا نفكر في تعلم القراءة والكتابة».
غير ان مشلكة نقص المدارس زادت الطين بلة، خصوصا في المناطق الريفية، حيث قد تكون اقرب مدرسة بعيدة جدا بالنسبة للاطفال لكي يذهبوا اليها يوميا.
يقدر علاء مكي، وهو نائب برلماني، ويرأس لجنة التربية في البرلمان، ان العراق بحاجة الى بناء 4،500 مدرسة ابتدائية ومتوسطة واعدادية لكي يسد الطلب بشكل مناسب.
كما ان اعداد المعلمين تعتبر دون المطلوب هي الاخرى. فحسب تقارير الامم المتحدة، تم قتل اكثر من 250 معلما منذ عام 2003، بينما هرب المئات منهم الى خارج البلاد.
يقول علاء مكي: «نحن نعلم، بكل تأكيد، ان مشكلة تسرب الاطفال من المدراس هي اكبر تحدٍ تواجهه لجنتنا. لكن هناك آخرين في الحكومة، لسوء الحظ، يحاولون ان يقللوا من خطورة المسألة».
ويضيف مكي ان وزارة التربية العراقية تقلل من تقديرات اعداد الاطفال المتسربين بشكل كبير. فالناطق الرسمي باسم وزارة التربية، وليد حسين، يقول ان 6 بالمئة فقط من عدد الاطفال الذين يتوجب ان يكونوا في المدارس، هم الان متسربين عنها.
ويمضي مكي الى القول: «هذه المشكلة، في جزء منها، قضية فساد، وفي جزء آخر، قضية اناس غير مؤهلين يعملون في الوزارات. حتى لو رصدنا مبالغ طائلة لحل المشكلة، لايبدو ان الامور سوف تتحسن».
ويضيف ان الجهود المبذولة في البرلمان لاقرار قانون من شأنه ان يزيد من عدد الاطفال المسجلين في المدارس قد باءت بالفشل. فقد رفض المشرعون حديثا مشروع قانون يعطي رواتب لطلبة الكليات، الامر الذي يعتقد مكي انه سيشجع الطلبة في المراحل كافة على البقاء في المدارس.
يقول: «انهم يقولون انها مكلفة جدا. لا يرون الامر على انه اولوية... بالنسبة لي، اعتقد ان هؤلاء الاطفال سوف يكبرون بدون ان يحصلوا على أي شيء، ومن ثم فانهم سوف يتحولون الى العنف والجريمة والمسالك الخطرة الاخرى. وحينها سوف يكون علينا ان نتجرع عواقب وخيمة».
لا يعرف حسام حسن عمره بالضبط، لكنه يبدو انه يبلغ عشرة اعوام. وهو يمضي يومه في بيع العاب الاطفال في تقاطع مزدحم في بغداد.
وهو يقول انه كان يذهب الى المدرسة، لكنه توقف عن ذلك قبل بضعة اعوام، حينما غادرت عائلته مدينة الصدر بسبب اعمال العنف.
سألته عن مستقبله، فمسح انفه وقد بدت عليه إمارات الحيرة، وأجاب قائلا: «مستقبلي؟»، ثم توقف لحظة. ثم استطرد قائلا: «سوف اعمل، تماما كما اعمل هذا اليوم».
Saturday, November 01, 2008
مع قرب تولي الحكومة شؤونهم.. غمــوض يــلف مصيـــر الســــجناء
عن: نيويورك تايمز
ترجمة : علاء غزالة
كامب بوكا/ العراق – يقع اكبر معتقل امريكي هنا في الصحراء الجنوبية للعراق. كما انه يقع في محور اكثر النقاشات تعقيدا بشأن نقل السلطة من الجيش الاميركي الى سيادة عراقية كاملة: ما الذي يتوجب فعله ازاء 5,000 سجين اعتبرتهم الولايات المتحدة يشكلون تهديدا للسلم في العراق، والذي تم الوصول اليه بعد قتال ضار ولايزال هشا. اذا تم تمرير النسخة الاخيرة من الاتفاقية الامنية بين البلدين سوف يكون هناك تغيير واضح: نتيجة التقليل الكبير لعديد القوات الاميركية، فان الجنود الاميركيين لن يتمكنوا بمفردهم من اعتقال المشتبه بهم من المتمردين بعد 31 كانون الاول. فحسب القواعد الجديدة يتوجب على الولايات المتحدة ان تطلب الأذن في الاعتقالات، كما ان عليها ان تسلم المعتقلين خلال 24 ساعة.
لكن مصير السجناء الذين هم الان رهن الاعتقال، والذين يبلغ عددهم 17,000 شخص، لا يزال غير واضح.
نظريا، سوف لن يكون بامكان الولايات المتحدة الاستمرار الاحتفاظ بهم. وبينما تسعى الولايات المتحدة الى تقليل مهمتها في العراق ببطء، يقول القادة الاميركيون انهم متحمسون لاغلاق نظام الاعتقال الذي اثبت انه عبء مالي، كما انه اصاب مصداقية الولايات المتحدة الاميركية، بعد فضيحة قضية التعذيب في ابي غريب.
يقول البريغادير جنرال ديفيد بيركنز، المتحدث الرسمي للقوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق: «سوف ننفض ايدينا من اعمال الاعتقال».
ولكن، في مثال بسيط على التعقيدات الاوسع في تسليم المسؤوليات الى العراقيين، حتى هذا الامر ليس بسيطاً: تعترف السلطات العراقية بعدم جاهزيتها لتولي مسؤولية جميع المعتقلين. لم يتم بناء السجون. ولم يتم تدريب الحراس. وتمتلئ المحاكم بالدعاوى القانونية.
ولكن مفاوضات هادئة، على هامش اطار العمل الاشمل للاتفاقية الامنية، تمخضت فيما يبدو عن السماح للولايات المتحدة بالاحتفاظ ببعض المعتقلين الخطرين بينما تطلق سراح الباقين، وهي تسوية قد تؤدي الى التقليل من الاستقرار الامني الذي تم التوصل اليه مؤخرا في العراق.
يقول البريغادير جنرال ديفيد كوانتوك، القائد العام للقوة القتالية 134 التي تشرف على المعتقلات في العراق، ان عدد السجناء الذين لازالوا في المعتقلات الاميركية، والذين يعتبرون «متطرفين خطرين» يبلغ 5,000 سجين. ويضيف انه سوف يتوجب على الولايات الاميركية على الارجح ان تطلق سراح 4,000 من هؤلاء المعتقلين حينما ينتهي تفويض الجيش في اعتقال الاشخاص بنهاية العام.
اما غالبية الـ12,000 معتقل المتبقين، فان الاميركيين يعتقدون انهم اما ان يكون قد تم اعتقالهم بالخطأ اثناء عمليات التمشيط، او انهم أدوا دورا بسيطا في التمرد، وان من غير المرجح ان يعودوا اليه طالما كان بامكانهم الحصول على عمل.
وفي ظل القواعد الجديدة، سوف يسمح للولايات المتحدة ان تحتفظ بالمعتقلين عند توافر احد الشرطين: اذا كان هناك دليل كاف يقدم لقاض عراقي لاصدار مذكرة توقيف، او اذا كان تم بالفعل توجيه التهمة للمعتقل وهو في انتظار المحاكمة. كما يجب ان يطلب العراقيون ان تستمر الولايات المتحدة في الاحتفاظ بالشخص السجين.
في الوقت الراهن، يقول المسؤولون الاميركيون انهم يعتقدون انهم سوف يكونون قادرين على تلبية هذه الشروط في خـُمس الحالات فقط من تلك التي يعتبرونها خطرة.
يقول الجنرال كوانتوك: «سوف نستطيع تقديم الادلة الكافية لادانة 1,000 متهم وفقا للنظام القانوني العراقي. بالنسبة للـ 4,000 الباقين يجب ان نعمل لايجاد برنامج كفالة متين».
يقوم برنامج الكفالة على اساس ان احد الاشخاص المرموقين في المجتمع، كأن يكون شيخ عشيرة مثلا، يوافق على تولي امر المعتقل، ويتعهد بانه اذا ارتكب جنحة فان شيخ العشيرة او شخص آخر سوف يذهب الى السجن بدلا عنه. يقول الضباط الاميركيون انه من غير الواضح اذا كان بالامكان ايجاد كفيل للافراد السيئين جدا.
تقوم الولايات المتحدة، مع اقتراب موعد نهاية السنة بشكل مخيف، بالعمل بجد لتقليل عدد السجناء في مراكز الاعتقال، في الوقت الذي تؤكد العواقب غير المنظورة حقيقة ان العنف لايزال مستشريا هنا، وتضع علامات الاستفهام بخصوص تسليم كامل للسلطة الى العراقيين. وقد تم قتل بعضا من الذين اطلق سراحهم، ويشتبه الجيش الاميركي في ان القادة المحليين، الذين كانوا قلقين بشأن استقرارية مناطقهم، هم الذين نفذوا عمليات القتل هذه.
وقد كان اكثر عدد للمعتقلين في عموم البلاد قد بلغ 26,000 سجين في خريف عام 2007. ومن ثم انخفض العدد الى 17,000 سجين، وهم الموجودون في كل من معتقل بوكا ومعتقل كروبر، وهو المعتقل الاميركي الاخر، والذي يقع في قاعدة عسكرية كبيرة قرب مطار بغداد الدولي.
كما سيتم اطلاق سراح 2,000 معتقل في الشهر القادم.
وقد أدى اطلاق سراح المعتقلين الى أصدار تحذيرات في المناطق التي عاد اليها المعتقلين، خصوصا في محافظة الانبار، الواقعة غربي بغداد. يقول الجنرال جون كيلي من المارينز ان الشيوخ المحليين جاءوا اليه بعد ان تم اطلاق سراح اول وجبة من المعتقلين واعربوا عن قلقهم العميق.
ويقول: «لقد ذهبا الى الشيوخ وقلنا لهم: علينا ان نطلق سراحهم. ولكنهم كانوا باجمعهم ضد ذلك. قالوا ليس هناك من وسيلة لاحتوائهم. تبلغ نسبة البطالة في المحافظة نسبة 40%، اما نسبة الاشخاص الذين يعملون من دون تحصليهم الدراسي فهي اكثر من ذلك «.
ويستطرد قائلا: «وهكذا رتبنا اطلاق سراح عدد معقول، والذي بلغ 450 معتقلا في الشهر، وبعد قليل جاءوا الينا وقالوا: يا الهي، انتم لا تعلمون من تطلقون سراحهم، انتم تعتقدون انكم تطلقون سراح جون كيلي، ولكنكم في الواقع تطلقون سراح عبد الكريم. انه سفاح في تنظيم القاعدة في العراق، لكن لا تقلقوا، لقد تولينا امره».
وكان الجنرال يشير في حديثه الى تنظيم القاعدة في بلاد النهرين، وهي المجموعة الإرهابية التي يقودها متطرفون اجانب.
ويمضي الجنرال كيلي في القول: «اما انهم طلبوا منه المغادرة او، حسنا... لقد علمنا بشأن 10 او 12 من اعمال القتل خارج الاطار القانوني».
حينما واجه السياسيون العراقيون، في الآونة الاخيرة، احد اكثر المظاهر الاتفاقية الامنية الحاحا، والمتمثل بتولي المسؤولية عن المعتقلات الاميركية، تعالت اصواتهم للاعراب عن خشيتهم من بعض المعتقلين الخطرين، ومطالبين باجراء تغييرات على الاتفاقية الستراتيجية.
فقد صرح حيدر العبادي، وهو برلماني وعضو بارز في حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، قائلا: «تنص مسودة الاتفاقية على ان يقوم الاميركيين باطلاق سراح جميع المعتقلين من قواعدهم حال توقيع الاتفاقية، مما يعني انهم سيطلقون المجرمين من القاعدة واعضاء المليشيات».
ويقول العبادي ومسؤولون آخرون ان العراقيين يرغبون في تمكينهم من المعلومات الاستخبارية الاميركية في القضايا المتعلقة بمعتقلين يعتبرون خطرين حتى يتسنى لهم اصدار مذكرات توقيف بحقهم، ومن ثم فأما ان يتولوا احجتازهم، او يطلبوا من الاميركيين الاستمرار في احتجازهم.
لكن المسؤوليين الاميركيين يقولون ان من غير الراجح انهم سوف يوافقون على تقديم المعلومات الاستخبارية التي بحوزتهم، خاصة تلك التي قد تكشف عن المصدر.
منذ ان بدأت الحرب عام 2003، دأب الجيش الاميركي على اخماد العنف من خلال ما اطلقوا عليه «الاعتقال الامني»، وهو حجز الاشخاص الذين يعتقد انهم يشكلون تهديدا محتملا للامن، من دون توجيه التهمة. وفي ظل القانون العراقي، شأنه شأن القانون الاميركي، ليس هناك من شيء اسمه الاعتقال الامني. في معظم الاحوال، لا يمكن اعتقال الناس من دون اصدار مذكرة القاء قبض بحقهم. وبينما يتم تحويل المسؤوليات الى العراقيين، فان المشتبه بهم لا يمكن ان يبقوا رهن الاعتقال الا اذا كان الاميركيون قد جمعوا الادلة الكافية لتقديمهم امام محكمة عراقية. اما الآخرون فسوف يتم اطلاق سراحهم، ليس فورا ولكن بالتدريج، حتى لا يتم اطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين مرة واحدة في المناطق التي لاتزال غير مستقرة، على ان يتم توفير ضمانات، نظرية، من زعماء العشائر المحليين.
وقد تقرر اغلاق معتقل بوكا في منتصف العام القادم. يقول الجنرال كوانتوك انه يأمل، بحلول كانون الثاني، ان يبدأ نقل المعتقلين الى ابنية جديدة يتم بناؤها في التاجي، الواقعة على بعد اميال قليلة شمال بغداد. حينما يتم اكمال بنايات المعتقل في التاجي، فسوف تتسع لـ 5,600 معتقل وسوف تسلم الى العراقيين.
وليس من الواضح ما الذي سيحدث بشأن معتقل كروبر.في هذه الاثناء، يسعى الاميركييون لجمع الادلة الكافية لضمان ان يبقى اكبر عدداً ممكناً من المعتقلين، الذين يعتبرون خطرا كامنا، قيد الاحتجاز اما بناءً على مذكرة قضائية، او ان يتم توجيه التهمة بحقهم امام القضاء العراقي.
بيد ان المحامين العسكريين يقولون ان هذه المهمة سوف تكون صعبة. فقد تم اعتقال الكثير من السجناء في ذروة اعمال التمرد، قبل عامين او ثلاثة اعوام، وبرغم ان الجيش قد استطاع جمع بعض الادلة من مكان الاعتقال فور وقوعه، الا ان العديد من الشهود قد هرب او قتل، كما ان الوحدة العسكرية التي قامت بعملية القاء القبض عليهم، كانت قد غادرت منذ زمن طويل.
عادة ما يتطلب اصدر حكم بادانة المتهم، في المحاكم العراقية، توفر شاهدين اثنين يشهدان بانهما اما شهدا الجريمة او اعتراف المتهم. يقول احد المحامين العسكرين العاملين في وحدة مهمات القانون والنظام، والتي تعمل مع المحاكم، ان اقل من 10% من القضايا التي نظرت فيها المحكمة الجنائية المركزية قد صدر فيها حكم بالادانة. وبينما توجد طرائق اخرى لتوفير الادلة الكافية للادانة، فان شهادة الشهود والاعتراف يبقيان هما الاكثر شيوعا.
تعد ادلة التحقيقات الجنائية احد اقوى اشكال الاثبات في المحاكمات في الولايات المتحدة، لكنها تبقى غامضة وغير مفهومة بالنسبة للكثير من القضاة العراقيين، الذين يرونها اقل جدارة من الاعتراف. ان هذا التقدير قد بدأ يتغير، لكن القبول يتطلب وقتا.
يقول الجنرال كوانتوك: « قد تظهر ادلة التحقيقات الجنائية ان الشخص كان مغطى بمادة الـ (تي. ان. تي)، ومع ذلك قد لا يعتبر ذلك كافيا كأدلة للتحقيقات الجنائية لذلك سوف نعود الى دراسة القضايا التي بحوزتنا، ونعود لاحضار شهود العيان».
ولغرض منع المزيد من اعمال القتل خارج الاطار القانوني، يقوم الجيش الاميركي بتزويد الشرطة، والشيوخ المحليين وأئمة المساجد بصور المعتقلين قبل اطلاق سراحهم. واذا كانت السلطات العراقية تعتقد انها قادرة على توجيه التهم بحقهم، فبامكان الشرطة ان تطلب من المحاكم اصدار مذكرة القاء قبض حتى يتم اعادة اعتقال المشتبه به فورا.
يقول الجنرال كيلي: «الان، وبينما نطلق سراح عدداً متزايداً من الاشخاص السيئين، فانهم يذهبون الى المحكمة ويستصدرون مذكرة القاء قبض، وعندها يتم اعتقاله في الوقت الذي يطلق فيه سراحه».
هذا هو النموذج الذي يتوقع الجنرال كيلي رؤيته في تزايد. لايزال هناك 3,000 رجل في بوكا جاءوا من الانبار، ويرجح ان الكثير منهم سوف يطلق سراحهم في الشهور القادمة. يقول الجنرال كيلي انه بعد ان اطلق سراح الدفعة الاولى البالغ عددهم 800 معتقل فقد «انحططنا إلى الحضيض، الى اشخاص ما كان يجب ان نطلق سراحهم».
ترجمة : علاء غزالة
كامب بوكا/ العراق – يقع اكبر معتقل امريكي هنا في الصحراء الجنوبية للعراق. كما انه يقع في محور اكثر النقاشات تعقيدا بشأن نقل السلطة من الجيش الاميركي الى سيادة عراقية كاملة: ما الذي يتوجب فعله ازاء 5,000 سجين اعتبرتهم الولايات المتحدة يشكلون تهديدا للسلم في العراق، والذي تم الوصول اليه بعد قتال ضار ولايزال هشا. اذا تم تمرير النسخة الاخيرة من الاتفاقية الامنية بين البلدين سوف يكون هناك تغيير واضح: نتيجة التقليل الكبير لعديد القوات الاميركية، فان الجنود الاميركيين لن يتمكنوا بمفردهم من اعتقال المشتبه بهم من المتمردين بعد 31 كانون الاول. فحسب القواعد الجديدة يتوجب على الولايات المتحدة ان تطلب الأذن في الاعتقالات، كما ان عليها ان تسلم المعتقلين خلال 24 ساعة.
لكن مصير السجناء الذين هم الان رهن الاعتقال، والذين يبلغ عددهم 17,000 شخص، لا يزال غير واضح.
نظريا، سوف لن يكون بامكان الولايات المتحدة الاستمرار الاحتفاظ بهم. وبينما تسعى الولايات المتحدة الى تقليل مهمتها في العراق ببطء، يقول القادة الاميركيون انهم متحمسون لاغلاق نظام الاعتقال الذي اثبت انه عبء مالي، كما انه اصاب مصداقية الولايات المتحدة الاميركية، بعد فضيحة قضية التعذيب في ابي غريب.
يقول البريغادير جنرال ديفيد بيركنز، المتحدث الرسمي للقوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق: «سوف ننفض ايدينا من اعمال الاعتقال».
ولكن، في مثال بسيط على التعقيدات الاوسع في تسليم المسؤوليات الى العراقيين، حتى هذا الامر ليس بسيطاً: تعترف السلطات العراقية بعدم جاهزيتها لتولي مسؤولية جميع المعتقلين. لم يتم بناء السجون. ولم يتم تدريب الحراس. وتمتلئ المحاكم بالدعاوى القانونية.
ولكن مفاوضات هادئة، على هامش اطار العمل الاشمل للاتفاقية الامنية، تمخضت فيما يبدو عن السماح للولايات المتحدة بالاحتفاظ ببعض المعتقلين الخطرين بينما تطلق سراح الباقين، وهي تسوية قد تؤدي الى التقليل من الاستقرار الامني الذي تم التوصل اليه مؤخرا في العراق.
يقول البريغادير جنرال ديفيد كوانتوك، القائد العام للقوة القتالية 134 التي تشرف على المعتقلات في العراق، ان عدد السجناء الذين لازالوا في المعتقلات الاميركية، والذين يعتبرون «متطرفين خطرين» يبلغ 5,000 سجين. ويضيف انه سوف يتوجب على الولايات الاميركية على الارجح ان تطلق سراح 4,000 من هؤلاء المعتقلين حينما ينتهي تفويض الجيش في اعتقال الاشخاص بنهاية العام.
اما غالبية الـ12,000 معتقل المتبقين، فان الاميركيين يعتقدون انهم اما ان يكون قد تم اعتقالهم بالخطأ اثناء عمليات التمشيط، او انهم أدوا دورا بسيطا في التمرد، وان من غير المرجح ان يعودوا اليه طالما كان بامكانهم الحصول على عمل.
وفي ظل القواعد الجديدة، سوف يسمح للولايات المتحدة ان تحتفظ بالمعتقلين عند توافر احد الشرطين: اذا كان هناك دليل كاف يقدم لقاض عراقي لاصدار مذكرة توقيف، او اذا كان تم بالفعل توجيه التهمة للمعتقل وهو في انتظار المحاكمة. كما يجب ان يطلب العراقيون ان تستمر الولايات المتحدة في الاحتفاظ بالشخص السجين.
في الوقت الراهن، يقول المسؤولون الاميركيون انهم يعتقدون انهم سوف يكونون قادرين على تلبية هذه الشروط في خـُمس الحالات فقط من تلك التي يعتبرونها خطرة.
يقول الجنرال كوانتوك: «سوف نستطيع تقديم الادلة الكافية لادانة 1,000 متهم وفقا للنظام القانوني العراقي. بالنسبة للـ 4,000 الباقين يجب ان نعمل لايجاد برنامج كفالة متين».
يقوم برنامج الكفالة على اساس ان احد الاشخاص المرموقين في المجتمع، كأن يكون شيخ عشيرة مثلا، يوافق على تولي امر المعتقل، ويتعهد بانه اذا ارتكب جنحة فان شيخ العشيرة او شخص آخر سوف يذهب الى السجن بدلا عنه. يقول الضباط الاميركيون انه من غير الواضح اذا كان بالامكان ايجاد كفيل للافراد السيئين جدا.
تقوم الولايات المتحدة، مع اقتراب موعد نهاية السنة بشكل مخيف، بالعمل بجد لتقليل عدد السجناء في مراكز الاعتقال، في الوقت الذي تؤكد العواقب غير المنظورة حقيقة ان العنف لايزال مستشريا هنا، وتضع علامات الاستفهام بخصوص تسليم كامل للسلطة الى العراقيين. وقد تم قتل بعضا من الذين اطلق سراحهم، ويشتبه الجيش الاميركي في ان القادة المحليين، الذين كانوا قلقين بشأن استقرارية مناطقهم، هم الذين نفذوا عمليات القتل هذه.
وقد كان اكثر عدد للمعتقلين في عموم البلاد قد بلغ 26,000 سجين في خريف عام 2007. ومن ثم انخفض العدد الى 17,000 سجين، وهم الموجودون في كل من معتقل بوكا ومعتقل كروبر، وهو المعتقل الاميركي الاخر، والذي يقع في قاعدة عسكرية كبيرة قرب مطار بغداد الدولي.
كما سيتم اطلاق سراح 2,000 معتقل في الشهر القادم.
وقد أدى اطلاق سراح المعتقلين الى أصدار تحذيرات في المناطق التي عاد اليها المعتقلين، خصوصا في محافظة الانبار، الواقعة غربي بغداد. يقول الجنرال جون كيلي من المارينز ان الشيوخ المحليين جاءوا اليه بعد ان تم اطلاق سراح اول وجبة من المعتقلين واعربوا عن قلقهم العميق.
ويقول: «لقد ذهبا الى الشيوخ وقلنا لهم: علينا ان نطلق سراحهم. ولكنهم كانوا باجمعهم ضد ذلك. قالوا ليس هناك من وسيلة لاحتوائهم. تبلغ نسبة البطالة في المحافظة نسبة 40%، اما نسبة الاشخاص الذين يعملون من دون تحصليهم الدراسي فهي اكثر من ذلك «.
ويستطرد قائلا: «وهكذا رتبنا اطلاق سراح عدد معقول، والذي بلغ 450 معتقلا في الشهر، وبعد قليل جاءوا الينا وقالوا: يا الهي، انتم لا تعلمون من تطلقون سراحهم، انتم تعتقدون انكم تطلقون سراح جون كيلي، ولكنكم في الواقع تطلقون سراح عبد الكريم. انه سفاح في تنظيم القاعدة في العراق، لكن لا تقلقوا، لقد تولينا امره».
وكان الجنرال يشير في حديثه الى تنظيم القاعدة في بلاد النهرين، وهي المجموعة الإرهابية التي يقودها متطرفون اجانب.
ويمضي الجنرال كيلي في القول: «اما انهم طلبوا منه المغادرة او، حسنا... لقد علمنا بشأن 10 او 12 من اعمال القتل خارج الاطار القانوني».
حينما واجه السياسيون العراقيون، في الآونة الاخيرة، احد اكثر المظاهر الاتفاقية الامنية الحاحا، والمتمثل بتولي المسؤولية عن المعتقلات الاميركية، تعالت اصواتهم للاعراب عن خشيتهم من بعض المعتقلين الخطرين، ومطالبين باجراء تغييرات على الاتفاقية الستراتيجية.
فقد صرح حيدر العبادي، وهو برلماني وعضو بارز في حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، قائلا: «تنص مسودة الاتفاقية على ان يقوم الاميركيين باطلاق سراح جميع المعتقلين من قواعدهم حال توقيع الاتفاقية، مما يعني انهم سيطلقون المجرمين من القاعدة واعضاء المليشيات».
ويقول العبادي ومسؤولون آخرون ان العراقيين يرغبون في تمكينهم من المعلومات الاستخبارية الاميركية في القضايا المتعلقة بمعتقلين يعتبرون خطرين حتى يتسنى لهم اصدار مذكرات توقيف بحقهم، ومن ثم فأما ان يتولوا احجتازهم، او يطلبوا من الاميركيين الاستمرار في احتجازهم.
لكن المسؤوليين الاميركيين يقولون ان من غير الراجح انهم سوف يوافقون على تقديم المعلومات الاستخبارية التي بحوزتهم، خاصة تلك التي قد تكشف عن المصدر.
منذ ان بدأت الحرب عام 2003، دأب الجيش الاميركي على اخماد العنف من خلال ما اطلقوا عليه «الاعتقال الامني»، وهو حجز الاشخاص الذين يعتقد انهم يشكلون تهديدا محتملا للامن، من دون توجيه التهمة. وفي ظل القانون العراقي، شأنه شأن القانون الاميركي، ليس هناك من شيء اسمه الاعتقال الامني. في معظم الاحوال، لا يمكن اعتقال الناس من دون اصدار مذكرة القاء قبض بحقهم. وبينما يتم تحويل المسؤوليات الى العراقيين، فان المشتبه بهم لا يمكن ان يبقوا رهن الاعتقال الا اذا كان الاميركيون قد جمعوا الادلة الكافية لتقديمهم امام محكمة عراقية. اما الآخرون فسوف يتم اطلاق سراحهم، ليس فورا ولكن بالتدريج، حتى لا يتم اطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين مرة واحدة في المناطق التي لاتزال غير مستقرة، على ان يتم توفير ضمانات، نظرية، من زعماء العشائر المحليين.
وقد تقرر اغلاق معتقل بوكا في منتصف العام القادم. يقول الجنرال كوانتوك انه يأمل، بحلول كانون الثاني، ان يبدأ نقل المعتقلين الى ابنية جديدة يتم بناؤها في التاجي، الواقعة على بعد اميال قليلة شمال بغداد. حينما يتم اكمال بنايات المعتقل في التاجي، فسوف تتسع لـ 5,600 معتقل وسوف تسلم الى العراقيين.
وليس من الواضح ما الذي سيحدث بشأن معتقل كروبر.في هذه الاثناء، يسعى الاميركييون لجمع الادلة الكافية لضمان ان يبقى اكبر عدداً ممكناً من المعتقلين، الذين يعتبرون خطرا كامنا، قيد الاحتجاز اما بناءً على مذكرة قضائية، او ان يتم توجيه التهمة بحقهم امام القضاء العراقي.
بيد ان المحامين العسكريين يقولون ان هذه المهمة سوف تكون صعبة. فقد تم اعتقال الكثير من السجناء في ذروة اعمال التمرد، قبل عامين او ثلاثة اعوام، وبرغم ان الجيش قد استطاع جمع بعض الادلة من مكان الاعتقال فور وقوعه، الا ان العديد من الشهود قد هرب او قتل، كما ان الوحدة العسكرية التي قامت بعملية القاء القبض عليهم، كانت قد غادرت منذ زمن طويل.
عادة ما يتطلب اصدر حكم بادانة المتهم، في المحاكم العراقية، توفر شاهدين اثنين يشهدان بانهما اما شهدا الجريمة او اعتراف المتهم. يقول احد المحامين العسكرين العاملين في وحدة مهمات القانون والنظام، والتي تعمل مع المحاكم، ان اقل من 10% من القضايا التي نظرت فيها المحكمة الجنائية المركزية قد صدر فيها حكم بالادانة. وبينما توجد طرائق اخرى لتوفير الادلة الكافية للادانة، فان شهادة الشهود والاعتراف يبقيان هما الاكثر شيوعا.
تعد ادلة التحقيقات الجنائية احد اقوى اشكال الاثبات في المحاكمات في الولايات المتحدة، لكنها تبقى غامضة وغير مفهومة بالنسبة للكثير من القضاة العراقيين، الذين يرونها اقل جدارة من الاعتراف. ان هذا التقدير قد بدأ يتغير، لكن القبول يتطلب وقتا.
يقول الجنرال كوانتوك: « قد تظهر ادلة التحقيقات الجنائية ان الشخص كان مغطى بمادة الـ (تي. ان. تي)، ومع ذلك قد لا يعتبر ذلك كافيا كأدلة للتحقيقات الجنائية لذلك سوف نعود الى دراسة القضايا التي بحوزتنا، ونعود لاحضار شهود العيان».
ولغرض منع المزيد من اعمال القتل خارج الاطار القانوني، يقوم الجيش الاميركي بتزويد الشرطة، والشيوخ المحليين وأئمة المساجد بصور المعتقلين قبل اطلاق سراحهم. واذا كانت السلطات العراقية تعتقد انها قادرة على توجيه التهم بحقهم، فبامكان الشرطة ان تطلب من المحاكم اصدار مذكرة القاء قبض حتى يتم اعادة اعتقال المشتبه به فورا.
يقول الجنرال كيلي: «الان، وبينما نطلق سراح عدداً متزايداً من الاشخاص السيئين، فانهم يذهبون الى المحكمة ويستصدرون مذكرة القاء قبض، وعندها يتم اعتقاله في الوقت الذي يطلق فيه سراحه».
هذا هو النموذج الذي يتوقع الجنرال كيلي رؤيته في تزايد. لايزال هناك 3,000 رجل في بوكا جاءوا من الانبار، ويرجح ان الكثير منهم سوف يطلق سراحهم في الشهور القادمة. يقول الجنرال كيلي انه بعد ان اطلق سراح الدفعة الاولى البالغ عددهم 800 معتقل فقد «انحططنا إلى الحضيض، الى اشخاص ما كان يجب ان نطلق سراحهم».
Subscribe to:
Posts (Atom)