Saturday, September 27, 2008

كواليس نقاشات إرسال قوات إضافية الى العراق

عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

واشنطن – بينما تقترب فترة الرئيس جورج دبليو بوش من نهايتها، وبينما يركز الحزب الجمهوري على خليفته وتأثير ميراث بوش على مستقبل الحزب، يستعد الرئيس وحلفاؤه لتسويق زيادة القوات الاميركية في العراق على انها من بين اكثر منجزاته فخرا. لكن هذا القرار، الذي كان من بين اكثر القرارات التي اتخذها كقائد عام عاقبة، لم يتم اتخاذه الا بعد اشهر من المداولات الحادة ضمن الادارة، استنادا الى مذكرات لازالت سرية، ومقابلات مع طيف واسع من المسؤولين الحاليين والسابقين. حينما كان الوضع في العراق يبدو باسوأ حالاته في كانون الثاني 2007، اتخذ بوش خيارا صعبا، توافق مع ما نصح به بدأ الكثير من مستشاريه المدنيين والعسكريين، بضمنهم القادة الميدانيون. وقد ساعد قرار بوش ارسال 20,000 عسكري اضافي الى العراق لتنفيذ استراتيجية جديدة، ساعد في ايقاف موجة القتل الطائفي. لكن رغبة بوش في ان يرجع الى قادته الميدانيين ووزير دفاعه القوي قد تأخرت عن تحقيق اي تقدم في هذا المسار حتى اصبحت الظروف في العراق في حالة من الفوضى وتمثل «حرب اهلية»، على حد تعبير احد محللي وكالة الاستخبارات الامريكية الذي بالخدمة في تشرين الثاني 2006.
حينما بدأ البيت الابيض يراجع استراتيجته في العراق ذلك الشهر، كان البنتاغون يفضل بذل جهدا حثيثا لنقل المسؤولية الى القوات العراقية مما سيساعد في تقليل عدد القوات. اما وزارة الخارجية فقد دعت الى خطة بديلة تقوم بالتركيز على قتال المسلحين الارهابيين المنتمين الى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ، واحتواء العنف في بغداد، وعدم التدخل في العنف الطائفي الا اذا وصل الى مستوى «القتل الجماعي». وقد جادل السفير الامريكي في بغداد بانه يجب ان يحصل على المزيد من الصلاحيات لمناقشة المواجهات السياسية بين العراقيين.
وقد كتب السفير زلماي خليلزاد في تقرير سري قائلا: «لن ينتج عن مقترح ارسال المزيد من القوات الاميريكية الى العراق حلا طويل الامد، وسوف يجعل سياستنا ليست اكثر استقرارا، بل اقل». وفي تشرين الاول 2006 بذل اعضاء في مجلس الامن القومي جهدا لاستطلاع احتمالية زيادة القوات، وكتبوا تقريرا طرح المبدأ الذي يقول بان الولايات المتحدة قد «تضاعف الرهان» في العراق بان ترسل المزيد من القوات الى هناك. وقال رئيس هيئة الاركان المشتركة وبعض اعضاء قيادته ان الجيش كان منتشرا بشكل واسع بحيث لا يمكن ارسال المزيد من القوات. وقد طلب من احد اعضاء القيادة، وهو العقيد البحري المتقاعد وليم لوتي، تقويم فيما اذا كانت هناك قوات متوفرة. فأجاب لوتي بانه يمكن ارسال ما يعادل خمسة الوية من القوات القتالية الاضافية، كما انه اوصى بفعل ذلك.
واكتسبت الفكرة المزيد من التأييد بين بعض المسؤولين كنتيجة للدراسة المفصلة التي نشرتها مؤسسة انتربرايز الاميركية لمعدّيها جاك كين، النائب السابق لرئيس اركان الجيش، وفريدريك كاغان، المختص العسكري في نفس المؤسسة البحثية المحافظة.
انقسم العسكريون بشأن الخطة آخر الامر. حتى بعد ان اتخذ الرئيس قراره في ارسال المزيد من القوات الى العراق، لم يطمح الجنرال جورج كيسي وهو القائد العسكري الاعلى في العراق في الحصول على اكثر من لواءين، أي نحو 8,000 عسكري. لكن تم تغيير خطة كيسي بشكل كبير من قبل الجنرال رايموند اويدمو، وهو القائد الثاني في سلسلة القيادة بالعراق، ومن الجنرال ديفيد بترايوس، والذي يقول احد مسؤولي الادارة ان البيت الابيض كان قد عرف وجهات نظره قبل ان يتم اختياره لخلافة كيسي. وقد وافق مسؤولون حاليون وسابقون في الادراة والجيش على كشف تفاصيل جديدة بشأن زيادة القوات استجابة للطلبات المتكررة. وقد طلب اغلبهم عدم كشف اسمائهم لان الوثائق لاتزال سرية، لكنهم قالوا انهم يعتقدون ان سجل التاريخ يجب ان يظهر الامور مثار الاهتمام في حينها. في آب 2006، عقد الرئيس بوش اجتماعا عبر دائرة مغلقة مع اعلى قادته العسكريين شأنا، واقدم مستشاريه.
كانت استراتيجية كيسي تقوم على نقل المسؤولية الامنية الى القوات العراقية تدريجيا وخفض عديد القوات الامريكية مع كل تقدم حاصل. وقد اخبر مسؤولي واشنطن في حزيران 2006 انه يأمل في خفض القوات القتالية الاميركية الى خمسة او ستة الوية بنهاية عام 2007 انخفاضا من 14 لواءا كانت منتشرة في ذلك الوقت.
وبحلول آب، دفع العنف الطائفي كيسي الى زيادة قواته بشكل طفيف. في اجتماع دائرة مغلقة قال كيسي ان لديه قوات كافية، لكنه لم يكن متأكدا من قدرة العراقيين على مواجهة الميلشيات المسلحة المتحصنة في المناطق السكنية. وقد اوضح بوش ان بالامكان ارسال المزيد من القوات اذا دعت الحاجة. وقال بوش مخاطبا كيسي، استنادا الى ملاحظة كتبها احد المشاركين في الاجتماع: «يجب ان ننجح. سوف نلتزم بتوفير الموارد، اذا لم يكن باستطاعتهم، سوف نفعل ذلك نحن. اذا انحرفت الدراجة الهوائية عن مسارها، فسوف نضع ايدينا عليها مجددا». في آذار 2006 دعى فيليب زليكو، المساعد الاقدم لوزيرة الخارجية كونداليزا رايس، لبذل «جهود جبارة من اجل تحسين الوضع الامني في بغداد والمناطق المحيطة بها، ومحاسبة المليشيات الاكثر عنفا». ووضع في حزيران مسودة خطة مع جيمس جيفري، الذي يشغل حاليا منصب نائب مستشار الامن القومي في ادراة بوش، التي اوصت بـ»مواجهة التمرد اختياريا»، وايضا ارسال المزيد من القوات الاميركية. وبغياب سياسة مراجعة رئيسة، بدأ اعضاء المجلس الامني بوضع تحليلاتهم ونقدهم كلاً على حدة للستراتيجية القائمة. وبحلول تشرين الاول، تعاون المساعدون، وهم ميغان اوساليفان وبيرت ماكغورك وبيرت فيفر، في اصدار التقرير الذي اقترح مبدأ زيادة القوات. وقام نائب مستشار الامن القومي جي دي كروتش باستدعاء لوتي.
بعد ان اتصل لوتي بقيادات الجيش، قدم تقريرا سريا في تشرين الثاني يطالب بزيادة ملموسة في القوات، وقد عرّف ذلك فيما بعد بارسال 20,000 مقاتل اضافي (وهو ما يعادل خمسة الوية) الى بغداد والمناطق الساخنة الاخرى. ثم قام ستيفن هادلي، مستشار الامن القومي في ادارة بوش، باعطاء نسخة الى الجنرال بيتر بيس، وهو رئيس رئيس اركان قيادة القوات المشتركة، وطلب منه تقويم التقرير.
وفي نفس الشهر، وبعد مرور ثلاثة ايام على الانتخابات النصفية للكونغرس، اتم البيت الابيض اخيرا المراجعة الحكومية الرسمية الموسعة. وقد تعرض الجمهوريون الى الهزيمة في الاقتراع، بينما كان فريق دراسة العراق، المؤلف من لي هاملتون، وهو نائب ديمقراطي سابق، وجيمس بيكر، وزير الخارجية في عهد جورج بوش الاب، يستعدان لتقديم توصياتهما بزيادة القوات لتدريب العراقيين، وسحب جميع القوات الاميركية المقاتلة –نظريا– بحلول ربيع 2008. في اجتماع عـُقد في البيت الابيض في 22 تشرين الثاني، اوضح كبار المساعدين «الاجماع المتزايد» بان النتائج الناجحة في الحرب في العراق تعد امرا حيويا بالنسبة الى «الحرب على الارهاب» التي تشنها ادارة بوش، وقدموا تقويما صريحا للصعوبات.
وقدمت كل وكالة موقفها في تقارير سرية. واطرى المسؤولون المدنيون في البنتاغون على استراتيجية كيسي التي تقوم على نقل المسؤوليات كاولوية اولى. وحث قادة القوات المشتركة على «تسريع وضع العراقيين في خضم قيادة العمليات العسكرية»، حتى انهم اقترحوا وضع لواء اميركي مع كل فرقة عراقية كأحد الاجراءات.
واوصت رايس مساعديها الاقدمين بالتركيز على المسائل «الجوهرية» مثل مقاتلة الارهاب ومواجهة الاعتداءات الايرانية. اما في اطراف العاصمة، فلن يكون على القوات ان تتدخل في القتال الطائفي في بغداد الا اذا حدثت «مجازر جماعية او تهجير جماعي».
وعلى الجبهة السياسية، لن تؤكد الولايات المتحدة على المصالحة بين القادة العراقيين في المنطقة الخضراء، ولكن تركز على المستوى المحلي، وتضاعف عدد الفرق المدنية التي تساعد العراقيين في بناء وتحسين حكومتهم.
وقد حث جون حنا، مساعد اقدم لدى نائب الرئيس ديك تشيني، على تقوية العلاقات مع الاغلبية العراقية، الذين شعر الكثير منهم بالالم من الهجمات الاميركية ضد المليشيات ، بينما كان المعتدون الاصليون في القتال الطائفي هم من المسلحين. وفي الثلاثين من تشرين الثاني، التقى بوش مع رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي، الذي قدم مشروعه الخاص، والذي لم يعتبره الاميركيين مجديا الا قليلا. هذا المشروع يقضي بان تنسحب قوات الولايات المتحدة الى اطراف بغداد لمقاتلة المسلحين ، بينما تتولى القوات العراقية السيطرة على العاصمة. وفي أي من الاجتماعات التي عقدت في كانون الاول بحضور كبار المسؤولين، حث تشيني على ارسال المزيد من القوات لمواجهة العنف الطائفي في بغداد، بينما تعيد رايس طرح حجتها بان ليس لدى الجيش سوى القليل ليفعله، استنادا الى ملاحظات دونها احد المشاركين.
وقد وقع بوش قراره في المضي قدما بنوع من زيادة القوات حينما اجتمع مجلس الامن القومي يومي الثامن والتاسع من كانون الاول. لكن لم يتم الاتفاق بشأن حجم القوات التي سيتم نشرها ولا كيفية توظيفها واستخدامها.
وحتى هذا التاريخ، كان هناك اختلاف بين العسكريين انفسهم. فقد رقي اوديمو في بداية كانون الاول ليصبح الشخصية العسكرية الثانية في سلسلة القيادة في العراق. وقد اعد مراجعة طالب فيها بخمسة الوية اضافية في بغداد وما حولها وكتيبتين اخريين في محافظة الانبار لتقوية العمل مع القبائل في المحافظة.
ولكن اوديمو، بحكم كونه تحت امرة كيسي، لم يكن يملك دورا في مراجعات مجلس الامن القومي. بيد ان وجهات نظره كانت معروفة لـ(كيني)، الجنرال المتقاعد باربعة نجوم الذي ساعد في الاشراف على الدراسة لمصلحة مؤسسة انتربرايز الاميركية، التي دعت الى اضافة خمسة الوية عسكرية وكتيبتين من المارينز. وطرح كيني اقتراحات اوديمو في اجتماع مع بوش وتشيني في الحادي عشر من كانون الاول، كما ارسلت الى (بيس) ايضا.
وقد وصف كيني، بالتوافق مع كاغان، بالتفصيل الى تشيني وموظفيه خطته لنشر قوات اميركية في الاحياء المختلطة من السنة والشيعة من اجل حماية المدنيين العراقيين من دون انحياز.
وقد ادت استقالة رامسفيلد من منصبه في السادس من تشرين الثاني، وتعيين بديله روبرت غيتس في منتصف كانون الاول، الى ازالة المقاومة المؤسساتية لـ»زيادة القوات». بينما اصبحت رايس هي الاخرى اكثر تأييدا.
واستقل غيتس طائرة الى بغداد في اواخر كانون الاول للتشاور مع كيسي والمالكي. وعلى متن الطائرة، اعطى ايرك ايدلمان، المساعد السياسي لوزير الدفاع، غيتس دراسة مؤسسة انتربرايز.
وفي اثناء الاجتماع الذي عقد ببغداد، اصر كيسي على فكرة انه كان بحاجة الى لواءين اضافيين لبضعة شهور فقط. وفي طريق العودة الى الوطن تساءل حنا، مساعد تشيني، فيما اذا كان ارسال لوائين لن يؤدي الا للفشل، وفيما اذا كان على البنتاغون ان يقترح المزيد. وقال غيتس انه كان من الصعب اقناع المالكي بقبول المزيد.
ثم قام وزير الدفاع بتقديم تقريره الى بوش متضمنا رغبة القائد في ارسال قوات اضافية لاتزيد على 8,000 عسكري.
تم ترتيب اجتماع مجلس الامن القومي في مزرعة بوش في تكساس. وقد خشي كيني ان يقوم بيس بطلب لواءين فقط، فقام بالاتصال بحنا وقال له ان على احد ما ان يؤكد التساؤل فيما اذا كان نشر قوات صغيرة سيكون مؤثرا. وتم في ذلك الاجتماع التأكيد ان هناك حاجة الى ارسال المزيد من القوات الى محافظة الانبار وغيرها، ولكنه شدد على خطة ارسال خمس الوية الى بغداد. كانت وجهة نظر بترايوس مؤثرة ايضا. فقد تم اختياره لخلافة كيسي واراد ان يحصل على اكبر عدد ممكن من القوات ليتسنى له ان يعطي اولوية لحماية المدنيين العراقيين. وبينما كان البيت الابيض يعمل على خطاب بوش في العاشر من كانون الاول الذي يعلن زيادة القوات، تحدثت احدى المسودات عن ارسال «ما لا يزيد عن خمسة» الوية قتالية. وطرح المساعدون في مجلس الامن القومي القضية على بوش، ما حدا به الى ان يعلن التزاما جليا. قال بوش في خطابه المتلفز: «لقد التزمت بارسال اكثر من 20,000 من القوات الاضافية الى العراق. سيتم نشر الاغلبية الساحقة منها، وهي خمسة الوية، في بغداد».