Saturday, September 20, 2008

الخطر المتزايد من ارتفاع أسعار النفط

عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

يمثل تضاعف اسعار النفط، من 30 دولاراً للبرميل عام 2001 الى اكثر من 100 دولار للبرميل اليوم، اكبر تحويل للثروة في تاريخ البشرية. يتوقع ان يجني اعضاء منظمة الاوبك الثلاثة عشر لوحدهم ما يزيد على ترليون دولار.
ومن المحتم ان يجلب هذا الامر عواقب سياسية كبرى. وليست اقل المظاهر اهمية لهذا الزلزال السياسي والاقتصادي ان هذا المال سوف يتحصل من الدول الاكثر قوة من قبل الدول الاضعف ، ومع ذلك يقف الضحايا عاجزين كما لو كانت اسعار النفط مجرد حدث طبيعي قررته اقتصاديات السوق التنافسي والذي يكون غير متأثر وغير قادر على التأثر بالقوى السياسية.
لكن اسعار النفط لم تقررها قواعد السوق التنافسية المتعارف عليها. بامكان المنتجين الرئيسيين ان يرفعوا او يخفضوا اسعار النفط عن طريق تخفيض او زيادة انتاجهم. وطالما ان اسعار النفط اليوم تعكس العرض والطلب المستقبلي المتوقع، فان هؤلاء المجهزين المحتكرين قادرون على التلاعب بالسوق وزعزعة استقراره من خلال الادلاء بتصريحات عن نواياهم المستقبلية. سوف يستمر المجهزون المحتكرون في الاستحواذ على سيطرة قوية على السوق حتى تقلل الامم المستهلكة من اعتمادها على النفط بشكل كبير وتطور استراتيجية سياسية لمقارعة التلاعب السياسي باسواق النفط، او استخدام معظم الفائض المتحقق لدى الاوبك لابتزاز القطاع الاقتصادي او الصناعي لكل من الأمم المنتجة على حدة. اذا فشلت مثل هذه الجهود فستؤدي اسعار النفط المرتفعة والمتصاعدة الى عواقب سياسية واقتصادية دائمة:
في الدول الصناعية المتطورة، سوف يؤدي ارتفاع اسعار الطاقة الى خفض مستوى المعيشة، واختلال مستمر في ميزان المدفوعات، كما يقود الى ضغوط تضخمية متزايدة.
غير ان ارتفاع اسعار النفط يؤثر على المستوى المعيشي بشكل اكبر في الدول النامية. حيث ان المحروقات وتكاليف الطعام تمثل الجزء الاكبر من مصاريف البيت الاعتيادي، كما ان تصنيع الطعام لا يتم الا بوجود النفط من خلال التكرير البتروكيمياوي، والذي يستخدم ايضا لانتاج الوقود اللازم لوسائل المواصلات. وهكذا فان اسعار النفط العالية تقود الى عدم الاستقرار السياسي. حتى مع انخفاض اسعار النفط الى نحو 100 دولار للبرميل، فان الدول المصدرة في الشرق الاوسط سوف تحصل على 800 مليار دولار عام 2008.
ان معظم هذه العائدات تذهب الى ايدي بلدان ذات تعداد سكاني قليل. على سبيل المثال، يبلغ تعداد سكان امارة ابو ظبي 850 ألف نسمة، ليس منهم الا 400 ألف من المواطنين، ولديها احتياطيات مؤكدة من النفط تبلغ 92 مليار برميل، كما انها تستحوذ على ثروة مالية حصلت عليها من خلال مبيعاتها السابقة للطاقة تقدر بما يزيد على تريلون دولار. ان تركيز عائدات النفط والثروة بيد هذه البلدان الغنية، لكن الضعيفة من الناحية الاستراتيجية، يجعلها هدفا لجيرانهم المتطرفين.
كما انه يعطيهم تأثيرا في الشؤون السياسية العالمية لا يتناسب وحجمهم، من ناحيتين:
الاولى: يذهب جزء من هذه العائدات النفطية الكبيرة الى المجاميع المتطرفة في مختلف ارجاء العالم الاسلامي، مثل حزب الله، ومن خلال ما يسمى بـ(المؤسسات) العامة والخاصة. فالمدارس التي تحض على الجهاد تتلقى تمويلا قانونيا من اموال النفط.
والثانية: يتم تدوير العائدات الناجمة عن اسعار النفط العالية الى موازانات دول الاوبك المتنامية بشكل سريع والمستقلة، والتي تقوم بدورها في استثمارها في الدول النامية. لدى ابو ظبي ما يزيد على ترليون دولار من الاموال القابلة للاستثمار. وقد اغرى التصاعد المتفجر لاسعار النفط على اتخاذ سياسات اكثر اعتمادا على النفس. فرؤوس الاموال بدأت بالنزوح من الاستثمار السلبي في الاسهم الحكومية في الولايات المتحدة واوربا، الى شراء حصص في مؤسسات تمويل، والى شراء مستقل تماما للاعمال في اميركا واوروبا. ان تضاعف قيمة هذه الاستثمارات الجديدة سوف يغري المستثمرين على ممارسة تأثير متزايد في الاقتصاديات الغربية.لا يمكن السماح بمثل هذه الحالة في الشؤون الدولية على المدى الطويل. يجب ان لا تصبح السياسة الخارجية للدول الصناعية رهينة بيد منتجي النفط. يجب على الدول الصناعية ان تجد طرقا لتثبيط قدرة المستثمرين على التهديد ببيع الاسهم الاميركية، او حتى بيعها حقيقة، ما يؤدي الى تدني نسبة الفائدة الاميركية بشكل مزمن الى مستويات تدفع الاقتصاد نحو الكساد، او استهداف مؤسسات او صناعات بعينها من خلال بيع اسهمها التي تم الحصول عليها برؤوس اموال ذاتية.
وهكذا فما دامت الدول المستهلكة تتخذ موقفا سلبيا في مواجهة التحدي على اسس اوسع قوميا، بينما تأمل في الاستنفاع من جهود الاخرين، فان الخطر الحالي سوف يستمر، ان لم يتزايد. وفي نهاية الامر فان جميع الدول المستهلكة تركب نفس القارب. والكساد العالمي لن يكترث للحدود الدولية. لن تستطيع امة واحدة ان تجد لها موقعا تفضيليا دائما وسط المنتجين. لن تستطيع امة منفردة ان تغير في وضع الانتاج بجهودها الذاتية فقط. لكن الدول المستهلكة للنفط، على كل حال، هي في وضع يجعلها قادرة على ايجاد التوازن على الصعيدين السياسي والاقتصادي، اذا قامت بتنسيق وتوحيد جهودها الى حد ما.
ويتوجب على اميركا ان تؤدي دورا رئيسا في هذه الجهود. وبدلا من الانتظار بشكل سلبي للنفخة التالية التي ستحدث السقوط، فان على الدول المستهلكة الرئيسة، مجموعة السبع بالتعاون مع الهند والصين والبرازيل، ان تؤسس مجموعة تنسيقية تعمل على تغيير الاتجاه طويل الامد في العرض والطلب لصالحها، وانهاء ابتزاز القوي من قبل الضعيف. يجب دعوة روسيا الى المساهمة في هذه الجهود. يمكن للافعال المنسقة ان تخفض من اسعار النفط، من خلال تقليل وانهاء الضغوط المضمرة التي ادت الى الارتفاع الاخير في الاسعار على المدى البعيد، ومن خلال ايجاد سياسة تجهيز محكمة. ان العديد من التوصيات لغرض الوصول الى ذلك، ومنها تقليل استخدام النفط وتطوير تجهيز النفط المحلي والوسائل البديلة للطاقة المتجددة، سوف يتطلب سنوات عديدة لكي تصبح مؤثرة. في اية حال، حتى قبل ان يحدث تحولا في ميزان قوة السوق، فان توقعات التغيير سوف تؤدي الى تقليل اسعار النفط. ويجب ان تتضمن السياسة التعاونية ايضا تحضيرات مشتركة للحالات الطارئة لمقارعة المقاطعة الانتقائية او قطع امدادات التجهيز. لقد ادى التغيير في توقعات الطلب على النفط في المدى البعيد الى ازدياد الاسعار عام 2008 بينما بقي التجهيز على حاله عموما. وبنفس المنطوق، فان الافعال التي تؤدي الى تباطؤ النمو في الطلب المستقبلي وازياد سريع في العرض سوف تترجم سريعا الى اسعار نفط حالية قليلة نسبيا.ان تغيير سياسة الولايات المتحدة الوطنية بشأن الطاقة اصبح ملحا. لكن ذلك سوف يكون اكثر تأثيرا اذا حدث كجزء من جهود اممية منسقة.يستعمل النفط في الولايات المتحدة بشكل رئيس كوقود للسيارات. وفي خارج الولايات المتحدة يستخدم النفط اساسا في التدفئة ولتوليد الكهرباء.
وهكذا فان الجهود المنسقة سوف تركز على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على استخدام وقود السيارات، بينما تقوم الدول الاجنبية بالمساهمة في التحول من النفط الى الهايدرو، وتقنية الفحم النظيف، والطاقة النووية لانتاج الكهرباء.
يستحق ازدياد توفير النفط ان يولى عناية فائقة. يجب ان تتوافق السياسات الاميركية، المتمثلة في زيادة التجهيز من خلال توسيع اعمال التنقيب وحفر الابار وتطوير استخدام النفط المستخرج من الصخور السطحية، مع سياسات لزيادة لرفع المعروض عالميا. ان هذا يتطلب استثمارات اكثر من قبل مؤسسات نفطية مملوكة للدولة، وهي المصدر الرئيس للنفط اليوم. ان الدول المستهلكة للنفط هي في وضع يمكنها من استخدام الوسائل الدبلوماسية لايجاد ميزان جديد بين المنتجين والمصدرين. ان بعض السياسات المتبعة لتخفيض اسعار النفط يمكن لها ان تخفض اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد، بدون قطعه تماما. سوف تبقى الولايات المتحدة دولة مستوردة للنفط الى ان يتم استبدال البنزين بالبطاريات او الهيدروجين. وفي نفس الوقت، فان الجهود التي تبذل لزيادة تجهيز النفط وبقية انواع الوقود الكاربوني الاخرى في المرحلة الراهنة يجعل من الصعوبة تقليل نسب انبعاث الكاربون في الجو.
ولكن بسبب العواقب السياسية الوخيمة لاسعار النفط المرتفعة فان تخفيض اسعار النفط يجب ان يكون هدفا فوريا ويحظى باقصى اولوية.