عن الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن: تدفع ادارة بوش من اجل صفقات اسلحة واسعة المدى في سعيها لاعادة تسليح العراق وافغانستان، واحتواء كوريا الشمالية وايران، والتضامن مع حلفاء روسيا السابقين. وقد وافقت وزارة الدفاع على بيع او تحويل ما قيمته 32 مليار دولار من الدبابات والطائرات العمودية والطائرات المقاتلة والصواريخ والطائرات المسيرة بدون طيار وحتى السفن الحربية وغير ذلك من التجهيزات العسكرية الى الحكومات الاجنبية، وذلك مقارنة مع 12 مليار دولار هي قيمة مبيعات الاسلحة عام 2005.
وقد ظهرهذا الاتجاه، الذي ابتدأ عام 2005، بشكل جلي في منطقة الشرق الاوسط، الا انه شمل مناطق شمال افريقيا واسيا واميركا اللاتينية واوربا وحتى كندا، من خلال العشرات من الصفقات التي يقول كبار موظفي بوش انهم واثقون انها ستقوي التحالفات العسكرية وتدعم مواجهة الارهاب.
يقول بروس ليمكن، نائب مساعد وزير القوة الجوية والذي يعمل على تنسيق العديد من الصفقات الضخمة: "لسنا بائعي اسلحة مهربة. يدور الامر كله حول بناء عالم اكثر امنا".
يعكس التزايد في مبيعات الاسلحة الاميركية موجات المد للسياسة الخارجية، بضمنها الحرب في العراق وافغانستان والحملة الاوسع ضد الارهاب العالمي التي طغت على ادارة بوش. ربما يكون اخر تراث للرئيس جورج دبليو بوش ان قائمة الطلبات على الاسلحة سوف تستمر لعدة سنوات.
غير ان الولايات المتحدة هي ابعد ما تكون الدولة الوحيدة التي تقوم بتزويد نظم اسلحة متطورة، فهي تواجه منافسة شديدة من قبل روسيا ودول اوربية اخرى، تشمل المنافسة المستمرة لتزويد الهند والبرازيل بالطائرات المقاتلة في صفقات تبلغ قيمتها المليارات من الدولارات.
في هذا السوق المتفجر، يعمل المقاولون العسكريون الاميركيون بشكل وثيق مع البنتاغون الذي يقوم بدور الوسيط في شراء الاسلحة الى الزبائن الاجانب من خلال برنامج مبيعات الاسلحة الخارجية.
اما صفقات بيع الاسلحة الاقل تطورا، وخدمات صيانة نظم التسلح هذه، فيتم عقدها مع الحكومات الاجنبية مباشرة. وبالمثل، فقد شهد هذا الصنف من مبيعات الاسلحة التجارية المباشرة ازديادا هائلا، حسب مقاييس اجازات التصدير التي صدرت خلال السنة المالية الحالية، وذلك بما يقدر بـ 96 مليار دولار، ارتفاعا من 58 مليار دولار عام 2005، استنادا الى وزارة الخارجية التي لابد من ان توافق على اجازات التصدير تلك.
تتلقى نحو 60 دولة مساعدات عسكرية سنوية من الولايات المتحدة، تبلغ قيمتها 4.5 مليار دولار، لمساعدتها في شراء اسلحة اميركية. وتبلغ حصة اسرائيل ومصر اكثر من 80% من هذه المساعدات. كما قدمت الولايات المتحدة كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات الاخرى الى كل من العراق وافغانستان، وبدأت في تدريب الوحدات العسكرية الناشئة بدون مقابل، وقد تم احتساب قيمة هذه المساعدات ضمن مبيعات الاسلحة الاجنبية. غير ان قيمة معظم مبيعات الاسلحة المصدرة يتم دفعها بدون تمويل اميركي.
ان نمو مجموع اقيام صفقات الاسلحة الدولية، الذي بدأ في التصاعد عام 2006، اصبح يثير جدلا بين دعاة السيطرة على التسلح وبعض اعضاء الكونغرس.
يقول وليم هارتونغ، المختص في السيطرة على التسلح في مؤسسة اميركا الجديدة، وهي معهد للسياسة العامة: "هذه بالتأكيد طريقة سريعة وسهلة لتقوية التحالفات. لكن ما يحدث اخذت الامور بالخروج عن السيطرة".
يتم ابلاغ الكونغرس قبل عقد صفقات مبيعات الاسلحة الضخمة بين الحكومات الاجنبية والبنتاغون. وعلى الرغم من ان المشرعين يملكون الصلاحية الرسمية للاعتراض ومنع مبيعات بعينها، الا انهم نادرا ما استخدموا هذه الصلاحيات.
يقول النائب هاوارد بيرمان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي، انه قد ساند العديد من مبيعات الاسلحة المنفردة، مثل مساعدة العراق على بناء قدراته الدفاعية الذاتية، لكنه قلق من ان الازدياد الكبير في مبيعات الاسلحة قد يحدث تأثيرات سلبية، مضيفا: "قد يؤدي هذا الى تصاعد وتيرة سباق التسلح ما يؤدي في النهاية الى زعزعة الاستقرار".
بقيت الولايات المتحدة لفترة طويلة المزود الرئيس للاسلحة الى العالم. على انه في السنوات القليلة الماضية توسعت قائمة الدول التي تعتمد على الولايات المتحدة كمصدر اول للاسلحة بشكل كبير. ومن بين الدول التي اضيفت الى القائمة حديثا الارجنتين واذربيحان والبرازيل وجورجيا والهند والعراق والمغرب والباكستان، حسب ما تشير معطيات مبيعات الاسلحة حتى نهاية الشهر الماضي والتي اصدرتها وزارة الدفاع الاميركية. وقد وقعت هذه البلدان مجتمعة ما قيمته 870 مليون دولار من الاسلحة بين عامي 2001 و2004. لكن خلال السنوات المالية الاربع الماضية بلغ مجموع مبيعات الاسلحة لهذه الدول 13.8 مليار دولار.
تعكس هذه المبيعات في الكثير من الحالات تحولا ثقافيا، فدول مثل رومانيا وبولندا والمغرب، والتي اعتمدت لمدة طويلة على الطائرات المقاتلة ميغ-17 روسية الصنع، اصبحت تشتري الان طائرات اف-16 اس التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن.
وقد ارتفعت المبيعات الخارجية لشركة لوكهيد مارتن، وهي احدى اكبر الشركات المتعاقدة مع الجيش الاميركي، الى 6,3 مليار دولار، او ما يعادل 15% من مجموع مبيعات الشركة الكلية، مقارنة بـ 4,8 مليار دولار عام 2001. وقد ساعدت المبيعات الخارجية شركة لوكهيد ومتعاقدين عسكريين اميركيين اخرين في الحفاظ على بعض خطوط الانتاج عاملة، مثل تلك التي تنتج الطائرة المقاتلة اف-16 وطائرة الشحن سي-17.
يقول ليمكين، المسؤول في القوة الجوية، ان المقاتلات النفاثة المصنوعة في اميركا سوف تحلق في بلدان اخرى لسنوات كثيرة قادمة، مما يعني ان المتعاقدين الاميركيين سيستمرون في جني العوائد من صيانتها، ومن التفاعل الاعتيادي بين جيش الولايات المتحدة والقوات الجوية الاجنبية في الكثير من الحالات.
كما تأثرت المبيعات بالضغط الذي تسلطه الدول الاجنبية للالتحاق بالنادي الحصري للبلدان التي تمتلك خزينا من الصواريخ الدقيقة الموجهة بالليزر، وهي التقنية الاميركية باهظة الثمن التي استعرضتها الولايات المتحدة خلال غزوها كل من العراق افغانستان.
يعود السبب في اعادة التسلح في منطقة الخليج الى الخوف من ايران.
على سبيل المثال، تفكر الامارت العربية المتحدة في انفاق مبلغ قدره 16 مليار دولار في بناء نظام دفاع صاروخي اميركي الصنع، استنادا الى اشعار ارسل حديثا الى الكونغرس من قبل وزارة الدفاع.
كما اعلنت الامارات عن عزمها شراء اسلحة هجومية، بضمنها 26 طائرة عمودية نوع بلاك هوك و900 صاروخ لونغبو هيلفاير-2، القادرة على تدمير دبابات العدو.
وقد وقعت المملكة العربية السعودية لوحدها خلال السنة المالية الحالية اتفاقيات بما لايقل عن ستة مليارات دولار لشراء اسلحة من الولايات المتحدة، وهو اعلى رقم بالنسبة لهذا البلد منذ عام 1993، العام الذي شهد قمة اخرى في مبيعات الاسلحة الاميركية بعد حرب الخليج الاولى.
كما زادت اسرائيل،التي اضحت منذ زمن بعيد احد المشترين الرئيسيين للمعدات العسكرية الاميركية، من حجم طلبها، بضمنها مشتريات محتملة لاربع سفن حربية ساحلية بقيمة تبلغ 1,9 مليار دولار.
وفي آسيا يعكف حلفاء الولايات المتحدة على شراء المزيد من المعدات الاميركية بعد ان اجرت كوريا الشمالية تجارب على الصواريخ بعيدة المدى. فقد وقعت كوريا الجنوبية، وهي احدى الدول الحليفة، اتفاقية مع البنتاغون هذا العام بقيمة تبلغ 1,1 مليار دولار.
وكانت طلبات الاسلحة من قبل الدول الاجنبية والتي انجزتها الولايات المتحدة حتى الان قد تزايدت بشكل معقول لتبلغ 13 مليار دولار العام الماضي مقارنة بـ 12 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث السابقة. غير ان من المتوقع ان تتزايد قيمة صفقات الاسلحة اكبر بكثير خلال السنوات القادمة، حيث ان انتاج انظمة الاسلحة المعقدة يستغرق وقتا اطول. (جميع قيم الدولار للسنوات الماضية الواردة في هذا المقال تم تعديلها لتعكس تأثير التضخم).
وقد اثار تدفق الاسلحة الاميركية المتطورة الى منطقة الشرق الاوسط مخاوف وسط بعض اعضاء الكونغرس، والذين يخشون ان ادارة بوش ربما تعرض اسرائيل الى الخطر، وهي الواجهة العسكرية التي تم الحفاظ عليها في المنطقة لفترة طويلة.
ولا مفاجأة في ان يكون اكبر زبائن الاسلحة الاميركية هما العراق وافغانستان.
فعلى مدى السنتين الماضيتين، وقع العراق اتفاقيات شراء اسلحة بقيمة تزيد على 3 مليارات دولار، كما اعلن عن الخطط لشراء تجهيزات اميركية بقيمة قد تصل الى 7 مليارات دولار، يتم تمويلها من عائدات النفط المتزايدة.
تقول المتحدثة باسم البنتاغون، المقدم الميرا بيلك، ان عقد صفقة السلاح هذه يخدم المصلحة العليا لكل من العراق والولايات المتحدة بسبب انها "تقلل من الفساد وتساعد العراقيين على الخروج من عنق الزجاجة في طريقهم لتحقيق النجاح".
على مدى السنوات الثلاث الماضية وافقت الولايات المتحدة، بشكل منفصل، على شراء معدات واسلحة حربية بقيمة 10 مليارات دولار بالنيابة عن افغانستان، استنادا الى السجلات الرسمية لوزراة الدفاع، تتضمن البنادق الالية ام-16 وطائرات الشحن سي-27.
حتى الدول الصغيرة مثل استونيا ولاتافيا بدأت تدخل في هذه الخلطة، حيث تؤدي دوراً في جهد مشترك لـ 15 دولة، معظمها في اوربا، من اجل شراء طائرتي شحن بوينغ سي-17 والتي تستعمل في نقل المعدات العسكرية، كما تستعمل في مهمات الاغاثة الانسانية ايضا.
يقول تومي دانيهو، المدير الدولي لمبيعات بوينغ سي-17، ان شركة بوينغ قد انتجت 176 من هذه الطائرات، التي تبلغ قيمة الواحدة منها 200 مليون دولار، لصالح الولايات المتحدة الاميركية. لكن حتى عام 2006، كانت بريطانيا الدولة الوحيدة التي حلقت بها. اما الان، فإضافة الى الاتحاد الاوروبي، فان كلا من كندا واستراليا وقطر قد قدمت طلبات للحصول على هذه الطائرات، كما تنافس بوينغ لبيع طائراتها الى ست دول اخرى.
وقد حققت المبيعات الاجنبية في العام الماضي ما يقارب نصف الانتاج في معامل كاليفورنيا حيث تنتج طائرة سي-17. يقول دانيهو: "لقد كانت تملأ المعمل بالكامل خلال السنتين الماضيتين".
وحتى بدون هذه الجولة الاخيرة من المبيعات، فان حصة الولايات المتحدة من تجارة الاسلحة العالمية بدأت بالتزايد من 40% عام 2000 الى 52% عام 2006، وهي السنة الاخيرة في تحليل البيانات التي قام بها مركز ابحاث الكونغرس. وكان ثاني اكبر بائع هي روسيا، فهي مسؤولة عن 21% من المبيعات العالمية عام 2006.
يقول احد مسؤولي التسويق في الجيش الامريكي عن النائب بيرمان، الذي تولى تقديم مقترح تمت الموافقة عليه في ايار لغرض اصلاح عملية تصدير السلاح، انه بينما كان النائب عادة حسن النية، الا انه يتعرض للتضليل في بعض الاحيان. لقد استشهد بالمبيعات العسكرية الى الباكستان، وقال انه يخشى اننا بفعلنا ذلك فاننا نقوم بتأجيج التوتر مع الهند اكثر من مجابهة الارهاب في المنطقة.
يقول ترافيس شارب، وهو محلل سياسات عسكرية في مركز السيطرة على التسلح والحد من الانتشار النووي، وهي مجموعة بحثية في واشنطن، ان اكثر ما يقلقه انه اذا انحاز الحلفاء الحاليون الى الجهة الاخرى، فان الولايات المتحدة قد تواجه في النهاية عدوا مسلحا باسلحة اميركية الصنع. فقد حملت تجارة الاسلحة عواقب غير محسوبة من قبل. على سبيل المثال حينما قامت الولايات المتحدة بتسليح المليشيات المناوئة للاتحاد السوفياتي في افغانستان، ثم اضطرت في نهاية الامر الى مواجهة مقاتلي حركة طالبان المتمردين المسلحين بنفس الاسلحة هناك.
يقول شارب: "ما ان تبيع الاسلحة الى بلد اخر حتى تفقد السيطرة على كيفية استعماله. ولسوء الحظ فان الاسلحة ليس لها فترة انتهاء صلاحية".
لكن ليمكين من البنتاغون يرد بالقول انه مع وجود الكثير من الدول الراغبة في بيع انظمة اسلحة متطورة فلا يمكن للولايات المتحدة ان تعمل على تقييد مبيعات اسلتحها.
ويضيف: "هل تفضل ان يقوموا بشراء الاسلحة والطائرات من بلدان اخرى؟ لابد انهم سوف يقومون بذلك".