ترجمة: علاء غزالة
عن: النيويورك تايمز
موسكو – بينما تحاول روسيا ان تستجلب الدعم الدولي لعمليتها العسكرية في جورجيا، فقد وجه فلاديمير بوتين، القائد السياسي المهيمن في البلاد، انتقادات شديدة الى الولايات المتحدة مدعيا ان البيت الابيض ربما خطط ونظم الصراع لمصلحة احد المرشحين الرئاسيين في الانتخابات الامريكية. وجاءت تعليقات بوتين، في لقاء تلفزيوني هو الاكثر تفصيلا حتى هذا اليوم حول قرار روسيا ارسال القوات الى جورجيا في بداية آب، لتظهر ان العملية العسكرية لم تكن الا استجابة الى استفزاز مفضوح من طراز الحرب الباردة من قبل الولايات المتحدة. وقال بنبرة بدت غاضبة تارة ومزعجة طورا، ان ادارة بوش ربما حاولت ان تخلق ازمة من شأنها ان تؤثر على الناخبين الاميركيين في اختيار خليفة بوش.
وقال بوتين في لقاء مع محطة سي ان ان: "ربما تدور الشبهات بان احدا ما في الولايات المتحدة قد خلق هذا الصراع عن عمد من اجل خلط الاوضاع واعطاء فائدة الى احد المرشحين المتنافسين في السباق نحو رئاسة الولايات المتحدة".
وقد اضاف: "كانوا بحاجة الى حرب صغيرة ينتصرون فيها".
لم يحدد بوتين أياً من المرشحين كان يقصد، الا انه لاشك في انه كان يشير الى السيناتور الجمهوري جون مكين. ويعد مكين من المكروهين في الكرملين بسبب علاقته الوثيقة بالرئيس الجورجي، ميكائيل ساكاشفيلي، كما انه دعا الى فرض عقوبات قاسية على روسيا، تتضمن طردها من عضوية مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى.
ولم يقدم السيد بوتين الا دليلا ضئيلا لدعم ادعائه، بينما وصف البيت الابيض تعليقاته بالسخيفة. لكنهم شددوا على عمق الخلاف بين موسكو وواشنطن بشأن ازمة جورجيا، والتي اشتعلت عندما حاول الجيش الجورجي استعادة المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون المتحالفون مع روسيا. كما انهم اقترحوا ايضا ان لدى القائد الروسي مخاوف عميقة من احتمالية ان يصبح مكين رئيسا، مع ما عرف عنه بشكل واسع بانه منحاز بقوة ضد روسيا.
في الربيع الماضي، عقد بوتين، وقد كان رئيسا في ذلك الوقت، لقاء قمة مع بوش، عبر فيه الاثنان عن مشاعر شخصية لكل منهما الاخر، وسعيا من اجل تخفيف التوتر في علاقاتهما الثنائية.
وقد كانت روسيا تجهد في اقناع دول العالم ان تدعم العمليات في جورجيا. وقد رفضت الصين، واربع دول اخرى كانت مجتمعة مع روسيا ضمن مؤتمر القمة السنوي لمنظمة شنغهاي للتعاون، وهو حلف امني، رفضت دعم العمليات العسكرية في جورجيا، في بيان مشترك صادر عنها.
وجاءت تعليقات بوتين في المقابلة بعد ان تحدث صنيعته الرئيس ديتمري ميدفيديف، الى عدة وكالات انباء اجنبية هذا الاسبوع كجزء من حملة منسقة يقوم بها الكرملين لمعارضة حملة العلاقات العامة التي تقوم بها جورجيا في الصحافة الدولية. لكن نبرة ميدفيديف كانت اقل حدة برغم انه انتقد الغرب.
كما قال بوتين، وهو الان رئيس الوزراء، ان مسؤولي وزارة الدفاع الروسية يعتقدون ان مواطني الولايات المتحدة كانوا يساندون الجيش الجورجي في هذا الصراع، حينما هاجمت المناطق الانفصالية في جورجيا.
واضاف: "حتى في اثناء الحرب الباردة، تلك الاوقات التي شهدت مواجهات قاسية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فقد كنا دائما نتجنب الصدامات المباشرة بين مواطنينا، تاركين المسؤولين يتولون الامر على عاتقهم. لدينا اسباب جدية للاعتقاد ان المواطنين الاميركيين كانوا حاضرين في منطقة القتال مباشرة".
واستطرد بوتين قائلا: "اذا تأكدت هذه الحقائق، من ان المواطنين الاميركيين كانوا موجودين في ساحة القتال، فان لذلك معنى واحد: انهم كانوا هناك فقط بناء على تعليمات مباشرة من قادتهم. واذا كان الامر كذلك، فان ذلك يعني ان المواطنين الاميركيين، كانوا في ساحة المعركة، وانهم كانوا يؤدون واجباتهم، وانهم انما كانوا يقومون بذلك بناء على اوامر مباشرة من زعمائهم، وليس بمبادرة من عندهم".
اما في واشنطن، فقد رفضت المتحدثة باسم البيت الابيض، دانا برينو، تعليقات بوتين، قائلة: "ان القول بان الولايات المتحدة نسقت هذا الامر لصالح احد المرشحين انما يبدو غير عقلاني".
واضافت: "كما يبدو ان مسؤولي الدفاع لديه، والذين اخبروه انهم يعتقدون ان ذلك صحيح، انما كانوا يقدمون له مشورة سيئة جدا".
وكان احد كبار ضباط وزارة الدفاع الروسي، الفريق اناتولي نوغوفيتسين، قد قال في مؤتمر صحفي عقد في موسكو ان القوات الروسية عثرت على جواز سفر امريكي في انقاض بناية قرب تسكينفالي، عاصمة اوسيتيا الجنوبية. واضاف ان الموقع سبق وان احتلته قوات وزارة الداخلية الجورجية.
واستطرد الفريق ناغوفيتسن قائلا، وهو يلوح بما يقول انه نسخة ملونة لجواز السفر: "ما كانت غاية هذا الشخص من وجوده بين القوات الخاصة، وما الذي يفعله اليوم، لا اجد اجابة حتى الان". كما قال ان بعض اعضاء الوحدات الجورجية قد قتلوا وان البناية قد دمرت.
حينما نشبت الحرب، كان هناك قرابة 130 مدرباً عسكرياً من الولايات المتحدة يتهيئون للخدمة في العراق. وقالت السفارة الامريكية في تبليسي ان هؤلاء المدربين ليسوا متورطين في القتال، وبقي منهم 100 عنصر للمساعدة في تقديم المعونات الى جورجيا والتي بدأت تتوافد عبر الطائرات والسفن.
وقال الفريق نوغوفيتسين ان جواز السفر كان باسم مايكل لي وايت من تكساس، ولكن لم يعطِ اية معلومات فيما اذا كان الروس يعتقدون انه كان عنصرا في الجيش الامريكي. واخبرت سفارة الولايات الامريكية في جورجيا وكالة الانباء استوشيتدبرس انها لاتملك اية معلومات عن هذا الامر.
وقال بوتين في مقابلته مع الـ(سي ان ن) ان الروس اعتقدوا ان تقوم الولايات المتحدة بمنع جورجيا من مهاجمة جنوب اوسيتا، لكنه يرى الان ان ادارة بوش شجعت ساكاشفيلي على ارسال قواته العسكرية هناك.
واضاف بوتين: "قام الجانب الامريكي في الواقع بتجهيز وتدريب الجيش الجورجي. لماذا يتوجب الخوض في سنوات من المحادثات الصعبة والبحث عن حلول عبر مساومات معقدة لصراع عرقي؟ من الاسهل ان يتم تسليح احد الفريقين ودفعه لقتل الطرف الاخر، ثم ينتهي الامر. يبدو ذلك حلا سهلا. على انه اتضح ان الامور لاتجري دائما هكذا ".
وقد تحول الصراع في جورجيا الى علامة دالة في الانتخابات الرئاسية الاميركية، حيث يقوم السناتور مكين بمهاجمة الذين يسميهم بـ"الانتقاميين الروس"، ومؤكدا انه مؤهل لخوض مثل هذه الازمات بما يفوق كثيرا المرشح الديمقراطي، السيناتور باراك اوباما.
وتربط مكين علاقة صداقة طويلة مع ساكاشفيلي، الذي كان قال انه يتحدث الى مكين باستمرار. وقد عمل كبير مستشاري مكين للسياسة الخارجية، راندي شيونمان، كأحد الدعاة لصالح الحكومة الجورجية، كما سافرت سيندي، زوجة مكين، الى العاصمة الجورجية تبليسي في الاسبوع الماضي في مهمة لتقديم مساعدات انسانية.
ان جميع هذه الروابط، اذا ضمت الى انتقادات مكين لروسيا، قد ادت الى ان يكسب نوعا من الكراهية في موسكو. وحينما مرر البرلمان قرارا في الاسبوع الماضي يحث الحكومة الروسية على الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين، لم يكتف المشرعون بالاشادة بشجاعة جنوب اوسيتيا، ولكن ايضا بتوجيه بعض الشتائم الى مكين.