كتابة: ديفيد اغناتيوس
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
بينما تخوض الامة (الامريكية) في جدل حول كارثة العراق، جالت افكاري في الكارثة التي لم تقع في المملكة العربية السعودية. هناك بعض الدروس في القصة السعودية قد تساعد في توضيح خيارات ادارة بوش وهي تقترب من ساعة الحساب في المنطقة.
اولاً لنعطي بعض الخلفيات: قبل عشر سنوات اعلن اسامة بن لادن حربا على الولايات المتحدة لـ"طرد الكفار من جزيرة العرب". كانت احد الافكار في الفتوى التي اصدرها في 23 آب 1996، ان امريكا رغم كل قوتها العسكرية كانت ضعيفة. فهي هربت من الهجوم الارهابي في بيروت والصومال، وهي ستهرب كذلك من المملكة العربية السعودية. لقد قال ابن لادن عن اتباعه من الارهابيين: "ان هؤلاء الشباب يحبون الموت بقدر ما تحبون انتم الحياة".
وقد جاءت مصداقية هذه الكلمات واضحة في الحادي عشر من ايلول 2001، حينما قاد خمسة عشر ارهابيا سعودي المولد هجوما انتحاريا على رموز قوة امريكا. وبطريقة ما نجح مخطط لعبة القاعدة: احتلال امريكا الاخرق للعراق اشعل رد فعل عنيف هناك، والان ينفد صبر الشعب الامريكي على الحرب، تماما كما توقع ابن لادن.
ومع أخذ الانسحابات الامريكية تلك في الاعتبار، فان من السهولة نسيان ان ابن لادن قد فشل في اهدافه الستراتيجية من هجمات 11 ايلول، والتي تمثلت في الاطاحة بالنظام الملكي في بلده الام،المملكة العربية السعودية. هذه المملكة، وهي الجائزة الحقيقة في المنطقة، اصبحت اقوى واكثر امنا مما كانت عليه قبل خمس سنوات.
ومن المؤكد ان السعودية هي ليست بالضبط حجر الاستقرار، ولكن منجزاتها قد اظهرتها دراسة حديثة قام بها نواف عبيد، وهو محلل سعودي مستنير يعمل مستشارا لحكومته. وقد لاحظ انه منذ آيار 2003 احبطت القوات السعودية اكثر من 25 هجوما رئيسا، وقتلت او القت القبض على 264 عنصر في القاعدة، واعتقلت 845 اشخاص آخرين على صلة بالقاعدة. وقد تم قتل او اعتقال جميع الارهابيين الذين وردوا على قائمة الاكثر 26 مطلوبا، ما عدا واحدا.
وربما كان المنجز الاكثر اهمية ان السعوديين قد بدأوا باختراق شبكات المتطرفين دينيا الذين وفروا ارضية لعمل القاعدة. وتشرف وزارة الداخلية السعودية، التي كانت ذات مرة مصدرا خفيا لمساندة الجهاديين، على ما يدعوه عبيد "برنامج اعادة التعليم الايديولوجي"، الذي يشرف عليه رجال دين واساتذة جامعيون. ويقول عبيد ان اكثر من 400 شخص قد تم اطلاقهم من هذا البرنامج.
وتنتهج اسرة آل سعود، وهي عشيرة غامضة تحكم الممكلة النفطية، نهجا اكثر ثباتا تحت قيادة الملك عبد الله. وقد اعلن السعوديون في الشهر الماضي –بشكل غير ملحوظ تقريبا– عن تشكيل مجلس جديد للاشراف على انتقال السلطة الى الجيل التالي. وكما هو حال الكثير من مظاهر الحكومة السعودية فان التفاصيل ضبابية، ولكن الخطة تبدو انها توفر اطارا قانونيا لاختيار خلف الملك وولي العهد، مما يقلل من خطر ازمات سياسية مستقبلية.
ما هي الدروس المستفادة من تراجع المملكة العربية السعودية عن حافة الكارثة المتوقعة؟ اكثرها اهمية ان السعوديون قرروا اتخاذ مسؤولية امنهم على عاتقهم بدلا من الاعتماد على امريكا التي يرفضها الكثيرون في المملكة. بعد عام 2003 ادرك السعوديون انهم يواجهون تهديدا ارهابيا مميتا، وبدأوا في مقارعته بضراوة: فقد ركزوا على الحلول الوطنية، خفضوا من الوجود المرئي والمهين للقوات الامريكية، وواصلوا الاصلاحات السياسية، وزادوا من انتاج النفط.
كيف يمكن ان ينطبق ذلك على العراق؟ ينبغي على العراقيين، كما هو حال السعوديين، ان ينقذوا انفسهم، بالعمل من خلال اطر عمل سياسية اصيلة مبنية على ثقافتهم ودينهم ومنطقتهم. وكلما زدنا في احلال مشيئتنا محل مشيئتهم، بزيادة القوات او العِظات الامريكية، زدنا في اضعافهم. وكما هو الحال في السعودية، يجب ان نغادر ببطء، ولكن بتصميم، الى خارج منطقة الضوء ونتوارى في الظلال، مع الحفاظ على مهمة تدريب وارشاد القوات العراقية.
ان ما يحتوي الحرب الاهلية في العراق – خر المطاف– هو ان القوى الاقليمية لا يمكن ان تسمح بتمزيق العراق، لا ايران ولا سوريا ولا السعودية ولا الاردن ولا تركيا. كما لا يرغب معظم العراقيين في تفكيك دولتهم الموحدة. سوف يعيد العراقيون الاستقرار الى وطنهم حينما تتوحد "القوى الوطنية" – بضمنها تلك التي لا نحبها مثل جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر، والمسلحين السنة – في قضية مشتركة تحت تفويض اقليمي.
يمكن للولايات المتحدة وحدها ان تفاوض في مؤتمر اقليمي يسمح لانتقال سياسي في العراق. تلك هي قوتنا المؤثرة الان، النفوذ الدبلوماسي اكثر من القدرة العسكرية. واذا كانت السلطات المجاورة للعراق قادرة على وضع ضمادة لوقف نزيف الدم فيه، فمن الممكن لامريكا ان تبدأ بالانسحاب.
Wednesday, November 29, 2006
Monday, April 17, 2006
مع اية جهة نحن؟
كراهام إي فوللر
نائب رئيس مجلس المخابرات القومي في وكالة الاستخبارات المركزية.
وصدر له حديثا كتاب "مستقبل الاسلام السياسي"ـ
عن: الهيرالد تريبيون
ترجمة: علاء غزالة
ليس لدى واشنطن اصدقاء في العراق..
الولايات المتحدة وصلت الى نقطة تحول مع الشيعة في العراق. ان سكون هذه القوة المهيمنة، والتي تمثل طائفة متحدة نسيبا، كان هو العامل الاساس في قدرة الولايات المتحدة على ابقاء الغطاء فوق العراق لحد الان. ولكن الوضع بدأ يتغير.
لم يَكنّ الشيعة يوما اي ودّ للولايات المتحدة بالتحديد. وهم لا يزالون يشعرون بالمرارة لما رأوه خيانة من الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الاولى، عندما دعا جورج بوش الاب الى انتفاضة ضد صدام حسين، ولكنه تنحى جانبا فيما بعد عندما قامت قوات صدام بالقضاء على هذه الانتفاضة بوحشية، مما ادى الى خسائر هائلة بين الشيعة.
بالنسبة للولايات المتحدة بعد الثورة الايرانية عام 1979 وازمة الرهائن الدبلوماسيين في طهران، فقد طـُورت نغمة في واشنطن تقول: "الشيعة سيئون، السنة طيبون". لقد كان الشيعة هم اعداء امريكا الثوريين في المنطقة.
ولكن بعد ظهور القاعدة، واحداث 11 ايلول، واندلاع التمرد السني ضد الاحتلال الامريكي للعراق، وسكون شيعة العراق، فقد تحولت النغمة العاملة في واشنطن الى: "الشيعة طيبون، السنة سيئون". اليوم من الصعب ان نعرف من هم الطيبين.
لقد كان هناك شيء واحد واضح عشية الحرب على العراق: الشيعة يفضلون التخلص من صدام واحتلال وجيز، فقط اذا وعدت الولايات المتحدة بتسليم السلطة الى الاغلبية الشيعية عن طريق صناديق الاقتراع. لقد اصبح هذا الان من الماضي. فيما يخص معظم الشيعة فان الولايات المتحدة قد انهت بشكل اساس مهمتها وعليها ان ترحل.
ولكن الشيعة، على كل حال، انقسموا حول متى يجب ان ترحل الولايات المتحدة. فالبعض لا زال يرغب في بقاء امريكا لمدة اطول قليلا للمساعدة في القضاء على التمرد واستقرار البلاد، مما سيؤدي الى تأمين حكم الشيعة. ولكن اخرون –قد يكونون هم الاغلبية الان- يخشون ان يكون اعتمادهم على سيف الولايات المتحدة يلحق ضررا في شرعية حكومة الشيعة. تحت هذه الظروف، يمكن للاقلية السنية ان تدعي انها "القوة الوحيدة التي وقفت بوجه الاحتلال الامريكي".
لذلك، بالنسبة لاغلب الشيعة، فان اسرع طريقة للحصول على الشرعية الوطنية والاستحقاق الوطني ربما ستكون بالمشاركة في الدعوة لانهاء الاحتلال المريكي. لقد تمسك (جمرة الشيعة)، مقتدى الصدر، بهذه الدعوة منذ فترة طويلة وهو – في الحقيقة– يحاول ان يصوغ إئتلافا شيعيا – سنيا مبنيا على المصلحة المشتركة في انهاء الاحتلال فورا.
ومع قيام السفير الامركي في العراق، زلماي خليلزاد، بايصال رسالة الرئيس جورج دبليو بوش النافرة والتي تقول ان رئيس الوزراء الحالي ابراهيم الجعفري يُعد غير مقبول لدى واشنطن، ويجب ان لا يسعى للحصول على دورة ثانية، فان انفصال الشيعة عن واشنطن ربما اصبح وشيكا.
ليس كل الشيعة يرغبون بالجعفري رئيسا للوزراء. ولكن الولايات المتحدة بنظرهم قد اظهرت تسلطا مفضوحا باخبارها الشيعة من يجب ومن لا يجب ان يتولى حكومتهم المستقلة ظاهريا. الولايات المتحدة تضغط على الشيعة للتخلي عن السيطرة على وزارات حيوية وسيادية، كالاستخبارات والداخلية وهما ليسا استهلالا بالتأكيد. لم ينتظر الشيعة نصف قرن للحصول على السلطة ليتخلوا عن هذه المسؤوليات الامنية لمضطهديهم السابقين ومنافسيهم الحاليين. ربما يعمل اية اللة العظمى علي السيستاني لضمان عدم تخلي الشيعة عن هذه القضايا.
قد يبدل التحالف الشيعي مرشحه لرئيس الوزراء، فقط تحت شعار الحفاظ على الوحدة. ولكن اي مرشح جديد، يسمى – على الارجح– من قبل السيستاني، يجب ان يطمئن العديد من العناصر الشيعية، سواء الصديقة او غير الصديقة للولايات المتحدة، بضمنها الجعفري والصدر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق المحابي لايران.
ولعل من المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة ان تساعد في التغلب على مخاوف السنة وشكاواهم بالاصطفاف مع مطالبهم بالمزيد من السلطات للسنة. ولكن الهيمنة الشيعية السياسية الحالية هي قانونية تماما استنادا الى الدستور الذي ساعدت الولايات المتحدة في كتابته. فهو يعكس الاغلبية الديمغرافية المطلقة للشيعة. وفي هذه الفترة على الاقل، فان الولاءات الطائفية هي العملة السياسية والمصدر الاساس للامن بالنسبة لاي مواطن. ان ذلك يترك فصلا ضئيلة للمساومة.
وحتى اذا كانت توجهات واشنطن في هذه النقطة تميل نحو السنة، فانهم سوف يقدمون تطمينات ثمينة ولكن قليلة لمصيبة بوش.
السنة هم اكثر عداءا لامريكا، واكثر توجها للعرب من الشيعة. وهم عازمون على انهاء الاحتلال باسرع وقت ممكن. ورجال الدين السنة هم اعداء شديدوا المراس لامريكا، وثوارهم الجديون هم فقط البعثيون العلمانيون. ان استرضاء السنة الان – لذلك– سوف يزيد قليلا من استعجال انفصال جمهور الشيعة عن واشنطن، ولكنها لن تقلل نشاطات التمرد لاخراج الولايات المتحدة.
مهما اجتهد السفير خليلزاد في تطبيق سياسة (فرق تسد)، فان القليل من خياراته كان جيدا. الحقيقة الحزينة ان كلا من الشيعة والسنة اصبحوا يتنافسون بينهم في الدفع للتخلص من الامريكان. لم يعد تغيير نغمة "الطيب والسيء" موثوقا بعد الان.
نائب رئيس مجلس المخابرات القومي في وكالة الاستخبارات المركزية.
وصدر له حديثا كتاب "مستقبل الاسلام السياسي"ـ
عن: الهيرالد تريبيون
ترجمة: علاء غزالة
ليس لدى واشنطن اصدقاء في العراق..
الولايات المتحدة وصلت الى نقطة تحول مع الشيعة في العراق. ان سكون هذه القوة المهيمنة، والتي تمثل طائفة متحدة نسيبا، كان هو العامل الاساس في قدرة الولايات المتحدة على ابقاء الغطاء فوق العراق لحد الان. ولكن الوضع بدأ يتغير.
لم يَكنّ الشيعة يوما اي ودّ للولايات المتحدة بالتحديد. وهم لا يزالون يشعرون بالمرارة لما رأوه خيانة من الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الاولى، عندما دعا جورج بوش الاب الى انتفاضة ضد صدام حسين، ولكنه تنحى جانبا فيما بعد عندما قامت قوات صدام بالقضاء على هذه الانتفاضة بوحشية، مما ادى الى خسائر هائلة بين الشيعة.
بالنسبة للولايات المتحدة بعد الثورة الايرانية عام 1979 وازمة الرهائن الدبلوماسيين في طهران، فقد طـُورت نغمة في واشنطن تقول: "الشيعة سيئون، السنة طيبون". لقد كان الشيعة هم اعداء امريكا الثوريين في المنطقة.
ولكن بعد ظهور القاعدة، واحداث 11 ايلول، واندلاع التمرد السني ضد الاحتلال الامريكي للعراق، وسكون شيعة العراق، فقد تحولت النغمة العاملة في واشنطن الى: "الشيعة طيبون، السنة سيئون". اليوم من الصعب ان نعرف من هم الطيبين.
لقد كان هناك شيء واحد واضح عشية الحرب على العراق: الشيعة يفضلون التخلص من صدام واحتلال وجيز، فقط اذا وعدت الولايات المتحدة بتسليم السلطة الى الاغلبية الشيعية عن طريق صناديق الاقتراع. لقد اصبح هذا الان من الماضي. فيما يخص معظم الشيعة فان الولايات المتحدة قد انهت بشكل اساس مهمتها وعليها ان ترحل.
ولكن الشيعة، على كل حال، انقسموا حول متى يجب ان ترحل الولايات المتحدة. فالبعض لا زال يرغب في بقاء امريكا لمدة اطول قليلا للمساعدة في القضاء على التمرد واستقرار البلاد، مما سيؤدي الى تأمين حكم الشيعة. ولكن اخرون –قد يكونون هم الاغلبية الان- يخشون ان يكون اعتمادهم على سيف الولايات المتحدة يلحق ضررا في شرعية حكومة الشيعة. تحت هذه الظروف، يمكن للاقلية السنية ان تدعي انها "القوة الوحيدة التي وقفت بوجه الاحتلال الامريكي".
لذلك، بالنسبة لاغلب الشيعة، فان اسرع طريقة للحصول على الشرعية الوطنية والاستحقاق الوطني ربما ستكون بالمشاركة في الدعوة لانهاء الاحتلال المريكي. لقد تمسك (جمرة الشيعة)، مقتدى الصدر، بهذه الدعوة منذ فترة طويلة وهو – في الحقيقة– يحاول ان يصوغ إئتلافا شيعيا – سنيا مبنيا على المصلحة المشتركة في انهاء الاحتلال فورا.
ومع قيام السفير الامركي في العراق، زلماي خليلزاد، بايصال رسالة الرئيس جورج دبليو بوش النافرة والتي تقول ان رئيس الوزراء الحالي ابراهيم الجعفري يُعد غير مقبول لدى واشنطن، ويجب ان لا يسعى للحصول على دورة ثانية، فان انفصال الشيعة عن واشنطن ربما اصبح وشيكا.
ليس كل الشيعة يرغبون بالجعفري رئيسا للوزراء. ولكن الولايات المتحدة بنظرهم قد اظهرت تسلطا مفضوحا باخبارها الشيعة من يجب ومن لا يجب ان يتولى حكومتهم المستقلة ظاهريا. الولايات المتحدة تضغط على الشيعة للتخلي عن السيطرة على وزارات حيوية وسيادية، كالاستخبارات والداخلية وهما ليسا استهلالا بالتأكيد. لم ينتظر الشيعة نصف قرن للحصول على السلطة ليتخلوا عن هذه المسؤوليات الامنية لمضطهديهم السابقين ومنافسيهم الحاليين. ربما يعمل اية اللة العظمى علي السيستاني لضمان عدم تخلي الشيعة عن هذه القضايا.
قد يبدل التحالف الشيعي مرشحه لرئيس الوزراء، فقط تحت شعار الحفاظ على الوحدة. ولكن اي مرشح جديد، يسمى – على الارجح– من قبل السيستاني، يجب ان يطمئن العديد من العناصر الشيعية، سواء الصديقة او غير الصديقة للولايات المتحدة، بضمنها الجعفري والصدر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق المحابي لايران.
ولعل من المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة ان تساعد في التغلب على مخاوف السنة وشكاواهم بالاصطفاف مع مطالبهم بالمزيد من السلطات للسنة. ولكن الهيمنة الشيعية السياسية الحالية هي قانونية تماما استنادا الى الدستور الذي ساعدت الولايات المتحدة في كتابته. فهو يعكس الاغلبية الديمغرافية المطلقة للشيعة. وفي هذه الفترة على الاقل، فان الولاءات الطائفية هي العملة السياسية والمصدر الاساس للامن بالنسبة لاي مواطن. ان ذلك يترك فصلا ضئيلة للمساومة.
وحتى اذا كانت توجهات واشنطن في هذه النقطة تميل نحو السنة، فانهم سوف يقدمون تطمينات ثمينة ولكن قليلة لمصيبة بوش.
السنة هم اكثر عداءا لامريكا، واكثر توجها للعرب من الشيعة. وهم عازمون على انهاء الاحتلال باسرع وقت ممكن. ورجال الدين السنة هم اعداء شديدوا المراس لامريكا، وثوارهم الجديون هم فقط البعثيون العلمانيون. ان استرضاء السنة الان – لذلك– سوف يزيد قليلا من استعجال انفصال جمهور الشيعة عن واشنطن، ولكنها لن تقلل نشاطات التمرد لاخراج الولايات المتحدة.
مهما اجتهد السفير خليلزاد في تطبيق سياسة (فرق تسد)، فان القليل من خياراته كان جيدا. الحقيقة الحزينة ان كلا من الشيعة والسنة اصبحوا يتنافسون بينهم في الدفع للتخلص من الامريكان. لم يعد تغيير نغمة "الطيب والسيء" موثوقا بعد الان.
Thursday, March 30, 2006
نائب الملك.. رجل بوش في بغداد الذي ادار الاحتلال المرتجل ذا العواقب الوخيمة
قراءة في كتاب "سنتي في العراق: الكفاح لبناء مستقبل للامل"
تأليف: ل. بول بريمر ومالكولم ماكونيل
مراجعة: جورج باكر، عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء خالد غزالة
على مكتبه الغائر والمتجرد في القصر الجمهوري ببغداد والذي حكم منه العراق خلال عامي 2005 و2006 حفظ بول بريمر (الثالث) حكمة منقوشة على الخشب تقول: "للنجاح آلآف من الآباء". وهي تخبر الزوار ان مدير سلطة التحالف المؤقتة (CPA) هو قائد متحمس يتجنب اشارت المبالغة، بينما يطلب نتائج متصلبة من موظفيه الانجلو-امريكان والسياسيين العراقيين الذين كانوا شركائه المفاوضين الممتعضين بالاساس. ولم يكن بريمر رجلا ذا استبطان بارع او متفحص لذاته. ومذكراته الجديدة، والتي يظهر انها أخذت من رسائله الالكترونية التي كتبها آخر الليل الى زوجته فرانسيا في واشنطن، هي احداث يوم بيوم لفترة الـ14 شهر التي قضاها بريمر في بغداد. وكانت وظيفته ذات متطلبات مستحيلة خلال فترة من الازمات المستمرة، والتي نادرا ما نعم فيها بالرفاهية للنظر اكثر من بضعة ايام للامام، وليس الى الوراء. ولكن حتى الان مع اعادة استعراض الاحداث الماضية، و400 صفحة من ازاحته، لا يبدو بريمر مهتما، وقد لا يكون قادرا على التفكير بانها قد انتهت. "سنتي في العراق" (يبدو العنوان وكأنه استرجاع) لن يصمد امام المذكرات الدبلوماسية لجورج اف كينان ودين اتشيسون وريتشارد هولبروك لا من الناحية الادبية ولا من الناحية التاريخية. ان الاستعجال، والثقة بالنفس، والسطحية المتأصلة، جعلت الكتاب جزءا من الحرب التي انتجته.
لقد كان امام بريمر اسبوعين فقط لتهيئة نفسه لادارة العراق. فقد وصل الى بغداد في ايار 2003 ليجد البلد يكاد يكون مهدما من قبل صدام حسين واعمال السلب والنهب التي تلت سقوطه، ويجد كادر من الموظفين المحبطين. ولتحقيق مصداقيته قام بريمر فورا وبشكل غريزي بما عجزت عنه ادارة بوش والجيش الامريكي: تولى مسؤولية القصر. ان افضل ما يمكن ان يقال عن بريمر –وينطبق ذلك على الكثير من الشخصيات القيادية في هذه الحرب- انه قد أخذ العراق على محمل الجد. فهو يقول انه في اجتماعه الاول مع موظفيه طلب منهم "ان يكونوا اكثر حزما وان يركزوا على الحلول العملية وان لا يستسلموا للتخريف المتشائم... قد اكون فزت باحد النزاعات الشعبية، ولكن كما اقترح ابنائي، فان حذائي الصحراوي شجعني على البدء بركل بعض الاعقاب". ومع تهاوي كل شيء حوله، قام بريمر بكسر الجمود الاداري، كما لو كان القرار لوحده يمكن له ان يعبر به وبالعراق خلال المحنة. لقد اصاب حركة الارضية وحرّك زوبعة من السياسيات والخطط.
واذا لم يكن قد توقف للحظة خلال تلك الايام الاولى ليسأل نفسه ما الذي ينبغي لمسؤول امريكي متقاعد ذي خبرة محدودة فيما وراء البحار، وهي ليست في منطقة مماثلة، ان يتعلمه ويعرفه لكي يحقق النجاح، او على اية أسس عليه على الاقل ان يحاول، فان مذكراته لم تظهر اية علامات على ذلك. والغريب بشكل مروع انه لم يُبدِ تأثرا بما أنيط به على الاطلاق. والظاهر ان بريمر كان كمن ينتظر النداء للذهاب وادارة بلد مسلم محتل، وتمزقه الحرب، لمدة سنة او نحوها. واكثر نقاط القوة فيه، بالاضافة الى حزمه والذي كان اساسيا لفترة ما بعد الغزو، هو فشله المزمن. خلال ايام من وصوله اتخذ ثلاثة قرارات والتي سيكون لها عواقب بعيدة المدى على المشروع الامريكي في العراق. فقد منع كبار البعثيين من العمل الحكومي، وحلّ الجيش العراقي، وعلق تشكيل الحكومة الانتقالية الى اجل مسمى، واستولى على سلطات اكبر بكثير مما كان اكثر المسؤولين في ادارة بوش يتوقعون. وتخبرنا المذكرات ان القرارين الاوليين تم اعدادهما بالتعاون مع المسؤولين في واشنطن، ومعظمهم مدنيين في البنتاغون. اما القرار الثالث فهو قرار بريمر نفسه. لقد ادعى انه حصل على الدعم من البيت الابيض، لكن الادلة المقدمة على ذلك ضعيفة للغاية. نادرا ما يظهر نائب الرئيس الامريكي تشيني في كتاب بريمر، اما الرئيس بوش فيبدو وكأنه رئيس صوري يميل الى تأكيد القرارات اكثر من رجل غارق في اكثر مهامه اهمية على الاطلاق.
ان توضيح بريمر لهذه القرارات هو عموما مجرد تبرير للافعال الذاتية. فهو يسجل تقدير الزعماء الشيعة والاكراد لقراري اجتثاث البعث وحلّ الجيش، ولكنه لم يأخذ بنظر الاعتبار القضية القوية ضد هذه السياسيات، والتي قدمت ليس فقط من قبل منتقدي الحرب ولكن ايضا من بعض المسؤولين معه، وهي ان تلك القرارات قد غذت التمرد. لقد كان حكم بريمر مشحونا بخيارات هوبسون والمعضلات الثلاثية، وجميعها تدور حول نزاع اساسي بين السيطرة والشرعية. ان كاتبا متعمقا اكثر كان من الممكن ان يتخذ خطوة تاريخية طويلة الى الوراء، وان يسأل نفسه على الاقل فيما اذا كانت سلطة التحالف المؤقتة كانت كيانا ضروريا.. ما اذا كانت قد اضرّت اكثر مما نفعت. ان تكوين سلطة تتحمل جميع الاوزار وتستحوذ على جميع سلطة الاحتلال تقريبا، والتي اتخذت من المنطقة الخضراء مقرا معزولا لها، هو امر مفهوم كاستجابة لحالة الفوضى والفشل البائس في عموم المجتمع. ولكن سلطة بريمر ارتكبت الخطأ تلو الاخر فيما كانت تشرف على العراقيين المنزلقين نحو العنف غير المُتصور.
هل كان يجب تسليم السلطة للعراقيين، ومعظمهم من المغتربين، منذ البداية؟ هل كانوا يستطيعون ان يقدموا الافضل؟ لم يقدم وصف بريمر اي تقييم للنزاع المستديم في مجلس الحكم الذي تم تأسيسه في تموز 2003. ولكنه لم يكن سؤالا توقف بريمر برهة ليسأله، لا في حينه ولا الآن.
ولكن بريمر كان ابعد نظرا حول بعض الامور ومحقا اكثر من اي شخص اخر في واشنطن. لقد علم مبكرا ان القائد الديني المتشدد مقتدى الصدر واتباعه سوف يقيمون منطقة نفوذ في منطقة الجنوب الشيعية اذا لم يتم التعامل معهم بالقوة مبكرا، ولكن واشنطن، خصوصا البنتاغون، كانت تفقد اعصابها كلما حانت لحظة التصرف. لقد فهم بريمر اهمية الدستور المؤقت المعروف بقانون ادارة الدولة المؤقت (والذي كـُتب تحت الاحتلال من قبل مسؤولين امريكيين وعراقيين) في اعداد الاطار السياسي للعراق لما بعد سلطة التحالف المؤقتة. ومن سخرية الاقدار ان هذه الوثيقة كانت الانجاز الاكثر رسوخا والاصعب منالا. واستنادا الى كتاب (سنتي في العراق) فقد كان ايضا قلقلا منذ وقت مبكر من ان القوات الامريكية في العراق لم تكن كافية، وقد حاول عدة مرات ايصال هذه الفكرة الى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والى الرئيس، دون ان يحالفه النجاح. ويبقى من الصعب ان يُمنح بريمر مصداقية لتبصره، فبدلا من القول علانية ان مستوى القوات كان غير مناسبا، فانه كان على الدوام يردد خط الادارة الامريكية والتي كان يعلم خطأها. ومع وجود حيوات لامريكيين وعراقيين على المحك، وتعرض كل المشروع للخطر، كان مثل هذا الولاء مجرد فضيلة جوفاء.
ان اسلوب كتابة يوميات بريمر الرشيق يمر بصمت، او يضفي بريقا من خلال تعبير لطيف، على بعض المشاكل المزمنة في فترة حكمه. فهو يذكر في المذكرات انه كان يتفق مع الجنرال ريكاردو سانشيز، ثم مع قائد قوات التحالف حول القضايا الرئيسة. ولكنهما في الواقع كانا يعارض كل منهما الاخر، وبالكاد يتحادثان.. فكل منهما شعر ان الآخر استولى على سلطة هي حقيقة تعود اليه. لقد قاوم بريمر كل انتهاك تقريبا لسلطته في اتخاذ القرار، سواء من الامم المتحدة او من قادة الجيش او من مستشار الرئيس في العراق روبرت دي بلاكويل. بعض مسؤولي الادارة الامريكية شعروا ان سلطة بريمر اصبحت بلدا اجنبيا، غير خاضعة للمساءلة من قبل اي شخص في واشنطن، وانه كانت هناك جهود متقطعة من قبل المقر للجم القادة الميدانيين. لم يكن لأي من هذه الصراعات تحليل او اعتراف في كتاب (سنتي في العراق).
ولكن بريمر كان له بالفعل غريمان في هذا الكتاب. احدهما دونالد رامسفيلد الذي تزايد نفاذ صبره حول وجود القوات الامريكية في العراق حالما تم اسقاط تمثال صدام حسين في بغداد، ولم يرغب في الزام جيشه بمعالجة ما يحصل بعد ذلك. فسوف يحكم التاريخ عليه انه فعل كل ما يمكن لامريء ان يفعله لايقاف تلك الجهود. والمفاجأة الاخرى كانت آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الشيعي والسياسي الاكثر نفوذا. منذ البداية فشل بريمر في التعرف على شخصية هذا الرمز الكبير، حيث انه ليس هناك شيء حقيقي تقوم به سلطة التحالف المؤقتة دون موافقته. وبدلا من ذلك فقد قرر بريمر مبكرا ان ذلك الرجل المبجل وغير المنتخب لن يخبره كيف يحكم العراق. ان صلابة السيستاني وصعوبة مساومته ملأت بريمر بنفاذ الصبر وأثرت في تدني المستوى. في خلال السنة التي تنافس فيها الرجلان تجلت محدوديات بريمر واضحة للعيان. لقد كان مسؤولا رفيعا لم يحز ببساطة على المرونة والمهارة لفهم من يجابه وكيف يتعامل معه. ان هذا الصراع بين الرجلين المختلفين بشكل هائل كان يمكن ان يغني صفحات اكثر الهاما ونقدا للذات في المذكرات. في (سنتي في العراق) من المؤلم ان المؤلف لا يتطرق حقيقة الى الظروف.
بينما اكتب هذا من بغداد، هناك اضواء في الخارج عبر المدينة، وطائرات الهليكوبتر نوع بلاك هوك تدمدم فوقها. ان حس الامكانية في عنوان بريمر الجانبي قد خمد، الآن على الاقل. فبعد سنة ونصف على مغادرته، تفوح رائحة الخوف من المدينة. لقد رمى بريمر نفسه بكثير من الانضباط والتكريس في مشروع اخراج العراق من الهاوية. هناك مأساة في تاريخه تستدعي ان يكتب عنها غيره، ففشل بريمر كانسان وككاتب انما هو فشل لامريكا في العراق. وهي ستبقى يتيمة.
تأليف: ل. بول بريمر ومالكولم ماكونيل
مراجعة: جورج باكر، عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء خالد غزالة
على مكتبه الغائر والمتجرد في القصر الجمهوري ببغداد والذي حكم منه العراق خلال عامي 2005 و2006 حفظ بول بريمر (الثالث) حكمة منقوشة على الخشب تقول: "للنجاح آلآف من الآباء". وهي تخبر الزوار ان مدير سلطة التحالف المؤقتة (CPA) هو قائد متحمس يتجنب اشارت المبالغة، بينما يطلب نتائج متصلبة من موظفيه الانجلو-امريكان والسياسيين العراقيين الذين كانوا شركائه المفاوضين الممتعضين بالاساس. ولم يكن بريمر رجلا ذا استبطان بارع او متفحص لذاته. ومذكراته الجديدة، والتي يظهر انها أخذت من رسائله الالكترونية التي كتبها آخر الليل الى زوجته فرانسيا في واشنطن، هي احداث يوم بيوم لفترة الـ14 شهر التي قضاها بريمر في بغداد. وكانت وظيفته ذات متطلبات مستحيلة خلال فترة من الازمات المستمرة، والتي نادرا ما نعم فيها بالرفاهية للنظر اكثر من بضعة ايام للامام، وليس الى الوراء. ولكن حتى الان مع اعادة استعراض الاحداث الماضية، و400 صفحة من ازاحته، لا يبدو بريمر مهتما، وقد لا يكون قادرا على التفكير بانها قد انتهت. "سنتي في العراق" (يبدو العنوان وكأنه استرجاع) لن يصمد امام المذكرات الدبلوماسية لجورج اف كينان ودين اتشيسون وريتشارد هولبروك لا من الناحية الادبية ولا من الناحية التاريخية. ان الاستعجال، والثقة بالنفس، والسطحية المتأصلة، جعلت الكتاب جزءا من الحرب التي انتجته.
لقد كان امام بريمر اسبوعين فقط لتهيئة نفسه لادارة العراق. فقد وصل الى بغداد في ايار 2003 ليجد البلد يكاد يكون مهدما من قبل صدام حسين واعمال السلب والنهب التي تلت سقوطه، ويجد كادر من الموظفين المحبطين. ولتحقيق مصداقيته قام بريمر فورا وبشكل غريزي بما عجزت عنه ادارة بوش والجيش الامريكي: تولى مسؤولية القصر. ان افضل ما يمكن ان يقال عن بريمر –وينطبق ذلك على الكثير من الشخصيات القيادية في هذه الحرب- انه قد أخذ العراق على محمل الجد. فهو يقول انه في اجتماعه الاول مع موظفيه طلب منهم "ان يكونوا اكثر حزما وان يركزوا على الحلول العملية وان لا يستسلموا للتخريف المتشائم... قد اكون فزت باحد النزاعات الشعبية، ولكن كما اقترح ابنائي، فان حذائي الصحراوي شجعني على البدء بركل بعض الاعقاب". ومع تهاوي كل شيء حوله، قام بريمر بكسر الجمود الاداري، كما لو كان القرار لوحده يمكن له ان يعبر به وبالعراق خلال المحنة. لقد اصاب حركة الارضية وحرّك زوبعة من السياسيات والخطط.
واذا لم يكن قد توقف للحظة خلال تلك الايام الاولى ليسأل نفسه ما الذي ينبغي لمسؤول امريكي متقاعد ذي خبرة محدودة فيما وراء البحار، وهي ليست في منطقة مماثلة، ان يتعلمه ويعرفه لكي يحقق النجاح، او على اية أسس عليه على الاقل ان يحاول، فان مذكراته لم تظهر اية علامات على ذلك. والغريب بشكل مروع انه لم يُبدِ تأثرا بما أنيط به على الاطلاق. والظاهر ان بريمر كان كمن ينتظر النداء للذهاب وادارة بلد مسلم محتل، وتمزقه الحرب، لمدة سنة او نحوها. واكثر نقاط القوة فيه، بالاضافة الى حزمه والذي كان اساسيا لفترة ما بعد الغزو، هو فشله المزمن. خلال ايام من وصوله اتخذ ثلاثة قرارات والتي سيكون لها عواقب بعيدة المدى على المشروع الامريكي في العراق. فقد منع كبار البعثيين من العمل الحكومي، وحلّ الجيش العراقي، وعلق تشكيل الحكومة الانتقالية الى اجل مسمى، واستولى على سلطات اكبر بكثير مما كان اكثر المسؤولين في ادارة بوش يتوقعون. وتخبرنا المذكرات ان القرارين الاوليين تم اعدادهما بالتعاون مع المسؤولين في واشنطن، ومعظمهم مدنيين في البنتاغون. اما القرار الثالث فهو قرار بريمر نفسه. لقد ادعى انه حصل على الدعم من البيت الابيض، لكن الادلة المقدمة على ذلك ضعيفة للغاية. نادرا ما يظهر نائب الرئيس الامريكي تشيني في كتاب بريمر، اما الرئيس بوش فيبدو وكأنه رئيس صوري يميل الى تأكيد القرارات اكثر من رجل غارق في اكثر مهامه اهمية على الاطلاق.
ان توضيح بريمر لهذه القرارات هو عموما مجرد تبرير للافعال الذاتية. فهو يسجل تقدير الزعماء الشيعة والاكراد لقراري اجتثاث البعث وحلّ الجيش، ولكنه لم يأخذ بنظر الاعتبار القضية القوية ضد هذه السياسيات، والتي قدمت ليس فقط من قبل منتقدي الحرب ولكن ايضا من بعض المسؤولين معه، وهي ان تلك القرارات قد غذت التمرد. لقد كان حكم بريمر مشحونا بخيارات هوبسون والمعضلات الثلاثية، وجميعها تدور حول نزاع اساسي بين السيطرة والشرعية. ان كاتبا متعمقا اكثر كان من الممكن ان يتخذ خطوة تاريخية طويلة الى الوراء، وان يسأل نفسه على الاقل فيما اذا كانت سلطة التحالف المؤقتة كانت كيانا ضروريا.. ما اذا كانت قد اضرّت اكثر مما نفعت. ان تكوين سلطة تتحمل جميع الاوزار وتستحوذ على جميع سلطة الاحتلال تقريبا، والتي اتخذت من المنطقة الخضراء مقرا معزولا لها، هو امر مفهوم كاستجابة لحالة الفوضى والفشل البائس في عموم المجتمع. ولكن سلطة بريمر ارتكبت الخطأ تلو الاخر فيما كانت تشرف على العراقيين المنزلقين نحو العنف غير المُتصور.
هل كان يجب تسليم السلطة للعراقيين، ومعظمهم من المغتربين، منذ البداية؟ هل كانوا يستطيعون ان يقدموا الافضل؟ لم يقدم وصف بريمر اي تقييم للنزاع المستديم في مجلس الحكم الذي تم تأسيسه في تموز 2003. ولكنه لم يكن سؤالا توقف بريمر برهة ليسأله، لا في حينه ولا الآن.
ولكن بريمر كان ابعد نظرا حول بعض الامور ومحقا اكثر من اي شخص اخر في واشنطن. لقد علم مبكرا ان القائد الديني المتشدد مقتدى الصدر واتباعه سوف يقيمون منطقة نفوذ في منطقة الجنوب الشيعية اذا لم يتم التعامل معهم بالقوة مبكرا، ولكن واشنطن، خصوصا البنتاغون، كانت تفقد اعصابها كلما حانت لحظة التصرف. لقد فهم بريمر اهمية الدستور المؤقت المعروف بقانون ادارة الدولة المؤقت (والذي كـُتب تحت الاحتلال من قبل مسؤولين امريكيين وعراقيين) في اعداد الاطار السياسي للعراق لما بعد سلطة التحالف المؤقتة. ومن سخرية الاقدار ان هذه الوثيقة كانت الانجاز الاكثر رسوخا والاصعب منالا. واستنادا الى كتاب (سنتي في العراق) فقد كان ايضا قلقلا منذ وقت مبكر من ان القوات الامريكية في العراق لم تكن كافية، وقد حاول عدة مرات ايصال هذه الفكرة الى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والى الرئيس، دون ان يحالفه النجاح. ويبقى من الصعب ان يُمنح بريمر مصداقية لتبصره، فبدلا من القول علانية ان مستوى القوات كان غير مناسبا، فانه كان على الدوام يردد خط الادارة الامريكية والتي كان يعلم خطأها. ومع وجود حيوات لامريكيين وعراقيين على المحك، وتعرض كل المشروع للخطر، كان مثل هذا الولاء مجرد فضيلة جوفاء.
ان اسلوب كتابة يوميات بريمر الرشيق يمر بصمت، او يضفي بريقا من خلال تعبير لطيف، على بعض المشاكل المزمنة في فترة حكمه. فهو يذكر في المذكرات انه كان يتفق مع الجنرال ريكاردو سانشيز، ثم مع قائد قوات التحالف حول القضايا الرئيسة. ولكنهما في الواقع كانا يعارض كل منهما الاخر، وبالكاد يتحادثان.. فكل منهما شعر ان الآخر استولى على سلطة هي حقيقة تعود اليه. لقد قاوم بريمر كل انتهاك تقريبا لسلطته في اتخاذ القرار، سواء من الامم المتحدة او من قادة الجيش او من مستشار الرئيس في العراق روبرت دي بلاكويل. بعض مسؤولي الادارة الامريكية شعروا ان سلطة بريمر اصبحت بلدا اجنبيا، غير خاضعة للمساءلة من قبل اي شخص في واشنطن، وانه كانت هناك جهود متقطعة من قبل المقر للجم القادة الميدانيين. لم يكن لأي من هذه الصراعات تحليل او اعتراف في كتاب (سنتي في العراق).
ولكن بريمر كان له بالفعل غريمان في هذا الكتاب. احدهما دونالد رامسفيلد الذي تزايد نفاذ صبره حول وجود القوات الامريكية في العراق حالما تم اسقاط تمثال صدام حسين في بغداد، ولم يرغب في الزام جيشه بمعالجة ما يحصل بعد ذلك. فسوف يحكم التاريخ عليه انه فعل كل ما يمكن لامريء ان يفعله لايقاف تلك الجهود. والمفاجأة الاخرى كانت آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الشيعي والسياسي الاكثر نفوذا. منذ البداية فشل بريمر في التعرف على شخصية هذا الرمز الكبير، حيث انه ليس هناك شيء حقيقي تقوم به سلطة التحالف المؤقتة دون موافقته. وبدلا من ذلك فقد قرر بريمر مبكرا ان ذلك الرجل المبجل وغير المنتخب لن يخبره كيف يحكم العراق. ان صلابة السيستاني وصعوبة مساومته ملأت بريمر بنفاذ الصبر وأثرت في تدني المستوى. في خلال السنة التي تنافس فيها الرجلان تجلت محدوديات بريمر واضحة للعيان. لقد كان مسؤولا رفيعا لم يحز ببساطة على المرونة والمهارة لفهم من يجابه وكيف يتعامل معه. ان هذا الصراع بين الرجلين المختلفين بشكل هائل كان يمكن ان يغني صفحات اكثر الهاما ونقدا للذات في المذكرات. في (سنتي في العراق) من المؤلم ان المؤلف لا يتطرق حقيقة الى الظروف.
بينما اكتب هذا من بغداد، هناك اضواء في الخارج عبر المدينة، وطائرات الهليكوبتر نوع بلاك هوك تدمدم فوقها. ان حس الامكانية في عنوان بريمر الجانبي قد خمد، الآن على الاقل. فبعد سنة ونصف على مغادرته، تفوح رائحة الخوف من المدينة. لقد رمى بريمر نفسه بكثير من الانضباط والتكريس في مشروع اخراج العراق من الهاوية. هناك مأساة في تاريخه تستدعي ان يكتب عنها غيره، ففشل بريمر كانسان وككاتب انما هو فشل لامريكا في العراق. وهي ستبقى يتيمة.
Wednesday, March 15, 2006
الخيار الحقيقي في العراق
بقلم: زبيغنيو برزيزنسكي، مستشار الامن القومي الاسبق في عهد الرئيس جيمي كارتر
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
- "سنحضرهم".. الرئيس بوش متحدثا حول المتمردين، صيف 2003
- التمرد هو في "المخاض الاخير".. نائب الرئيس تشيني، صيف 2005
الانحطاط المنمق للإدارة الأمريكية يفصح عن نفسه. لحد الآن، مع بعض الحظ ومع عملية صنع قرار أكثر انفتاحا في البيت الأبيض، وبتنامي الجرأة السياسية من جانب الزعماء الديمقراطيين، وحتى بتشجيع من القادة العراقيين الموثوقين، فان الحرب الأمريكية في العراق يمكن (وينبغي لها) أن تنتهي في غضون عام واحد. "النصر او الهزيمة" هو في الواقع خيار استراتيجي خاطئ. فباستخدام مثل هذه الصياغة، يحمل الرئيس بوش الشعب الأمريكي على الاعتقاد بان هناك الخيارات هي إما "البقاء والنصر" أو "الانسحاب والخسارة". ولكن الخيار الحقيقي العملي هو: "الإصرار دون تحقيق النصر" أو "الكف دون الوقوع في الهزيمة".
يبدو أن النصر، كما يعرف من قبل الإدارة ومناصروها (تحقيق ديمقراطية مستقرة وعلمانية في دولة عراقية موحدة، وسحق التمرد من قبل الجيش الأمريكي بمعونة الجيش الوطني العراقي المنضبط والذي دربته القوات الأمريكية)، قد أصبح مشكوكا فيه. فلتحقيق ذلك، لابد من أن يكون الجيش الأمريكي اكبر من الحالي بشكل ملحوظ، وان تكون القوات العراقية الساندة لجهود مقارعة التمرد بقيادة الولايات المتحدة متحمسة أكثر. إن القوات الأمريكية الحالية، والتي سرعان ما سيخفض عددها، غير كافية لسحق التمرد المناوئ للولايات المتحدة أو لإيقاف النزاع الطائفي السني-الشيعي. وكلتا المشكلتين ترشحان باستمرار تحت وطأة الاحتلال الأجنبي غير الحاسم والذي يتعاظم بغضه.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن الشيعة أو الأكراد يركزون اهتمامهم على توحيد العراق بوجود جيش وطني أصيل واحد. وفي الوقت الذي ظهرت فيه المساومات لتشكيل الحكومة الجديدة، فان القوتان الرئيستان في العراق، التحالف الديني الشيعي والانفصاليون الأكراد، يتقاسمون هدفا مشتركا يتمثل في منع عودة هيمنة السنة، وقد عزم كلاهما على الاحتفاظ بقوة عسكرية منفصلة للدفاع عن مصالحها الخاصة، بشكل اكبر على حساب السنة. إن جيشا وطنيا حقيقا بهذه الكيفية هو مجرد وهم. إن الاستمرار في الإصرار على تحقيق "النصر" بهذا النمط يحكم على أمريكا بدفع الثمن مزيدا من الأنفس والأموال، ناهيك عن ازدياد المعارضة الإسلامية والتآكل الشديد في الشرعية الدولية لأمريكا ومصداقيتها وسمعتها الأخلاقية.
كما إن تعريف الإدارة لـ"الهزيمة" مضلل بشكل مشابه. فالمتحدثون الرسميون وغير الرسميين يتكلمون المرة تلو الأخرى مسترجعين التنبؤات الماضية والتي تخص العواقب المحتملة للفشل الأمريكي في تحقيق النصر بفيتنام: تساقط قطع الدومينو، انفجار المنطقة، وفقدان مصداقية القوة الأمريكية. وتم إضافة لمسة تتمثل بمبدأ أن المتمردين العراقيين سوف يعبرون الأطلسي لإثارة الإرهاب في عقر الوطن الأمريكي.
إن الخيار الحقيقي الذي تجب مواجهته هو القبول بالحقائق العراقية المعقدة في فترة ما بعد صدام حسين من خلال فك اشتباك نسبي للجيش، وهذا يتضمن فترة انتقالية وتمهيدية بالرغم من النزاع السياسي المكثف، لحين جلاء الغبار وإعداد الفئات العراقية لترتيباتها السياسية الخاصة. يمكن أن يستمر الاحتلال العسكري غير الحاسم لسنوات قبل أن يتم تحقيق الهدف غير المحدد. واقل ما يقال أن من المشكوك استمرار مساندة السياسيين الأمريكيين المحليين في جهود لا طائل منها لمدة طويلة تحت شعار كون العراق هو "الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب".
وعلى النقيض، فان فك اشتباك الجيش بحلول ناهية عام 2006، المتأتي عن تحديد أكثر واقعية للنتائج الملائمة، يمكن أن تؤكد أن الكف ليس مكافئا للهزيمة. في العراق الذي يهيمن عليه الشيعة والأكراد –الذين يشكلون معا ما يقارب 75% من السكان- فان كلا الشعبين سوف يتشاطران المصلحة الوطنية المشتركة المتمثلة بالعراق كدولة مستقلة. فالأكراد الذين حصلوا على الحكم الذاتي بما يشبه الاستقلال، سوف يكونون -بخلاف ذلك- مهددين من قبل الأتراك. كما إن الشيعة العراقيين هم عرب قبل كل شيء وليس لديهم أية رغبة في أن يكونوا تابعين لإيران. بعض السنة، حالما يدركون أن الاحتلال الأمريكي يقترب من نهايته وأنهم سوف يواجهون التحالف الشيعي-الكردي الغامر، سوف يكونون أكثر ميلا لتقبل الحقائق السياسية الجديدة، خصوصا عندما يحرمون من التباكي على المقاومة للمحتل الأجنبي.
بالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن تتحصن كل من مناطق الكويت وكردستان بتواجد أمريكي دائمي تحسبا لأي طارئ مفاجئ. وحالما تنهي الولايات المتحدة الاحتلال العسكري، يصبح من السهل إعداد خطة لمشاركة قوات إسلامية -بشكل ما- في قوات حفظ السلام في العراق، ويمكن أن تساعد هذه المشاركة في تهدئة مشاعر العداء لأمريكا في المنطقة.
على كل حال، بينما يشتد التنافس بين السياسيين العراقيين، فمن شبه المؤكد أن القادة السياسيين العراقيين الأصليين (غير المنتقين من قبل الولايات المتحدة) -تحقيقا لشرعية توليهم السلطة- سوف يطالبون بموعد حاسم لانسحاب القوات الأمريكية، وذلك كله يسير باتجاه حسن. في الواقع يجب أن يتم تشجيعهم بهدوء لفعل ذلك، لان ذلك سوف يزيد من مساندتهم الشعبية، بينما يسمح للولايات المتحدة أن تعيد تعريف مصطلح "أنجزت المهمة" بشكل مقتصد.
الخطوة الأساسية الأولى للوصول إلى هذه الغاية أن يخرج الرئيس من شرنقته الحالية. إن رسم سياسته وخطبه هي نتاج مجموعة الدعاة الصادقين المحيطين به، والذين يعتبرون مسؤولين بشكل كبير عن الفوضى في العراق. فهم لديهم حدا خاصا في تعريفهم للنصر، وهم يعززون قناعاته بدلا من تنقيح أحكامه. إن الرئيس هو بأمسّ الحاجة لتوسيع دائرة مستشاريه. لماذا لا يعمد إلى استشارة الديمقراطيين والجمهوريين الإجلاء والذين لا يجرون وراء المناصب، ولنقل وارن رودمان أو كولن باول أو لي هاميلتون أو جورج ميتشل، بشأن النتيجة المحتملة والتي يمكن إحرازها في العراق؟
وأخير، يجب على الديمقراطيين الكف عن المراوغة عند توجيه النقد. إن هؤلاء الذين يرومون تولي السلطة عام 2008 هم بالتحديد غير راغبين في التصريح بوضوح أن إنهاء الحرب فورا هو أمر مرغوب فيه وذو جدوى. فهم يخشون أن يوصموا بأنهم غير وطنيين. ومع ذلك فان إيجاد بديل عملي سوف يوفر بينة سياسية فعالة لأولئك الغافلين الذين ينشدون "نصرا" غير ممكن التحقيق. إن الأمريكيين بحاجة إلى إيجاد خيار حقيقي فيما يخص البلوى المأساوية في العراق.
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
- "سنحضرهم".. الرئيس بوش متحدثا حول المتمردين، صيف 2003
- التمرد هو في "المخاض الاخير".. نائب الرئيس تشيني، صيف 2005
الانحطاط المنمق للإدارة الأمريكية يفصح عن نفسه. لحد الآن، مع بعض الحظ ومع عملية صنع قرار أكثر انفتاحا في البيت الأبيض، وبتنامي الجرأة السياسية من جانب الزعماء الديمقراطيين، وحتى بتشجيع من القادة العراقيين الموثوقين، فان الحرب الأمريكية في العراق يمكن (وينبغي لها) أن تنتهي في غضون عام واحد. "النصر او الهزيمة" هو في الواقع خيار استراتيجي خاطئ. فباستخدام مثل هذه الصياغة، يحمل الرئيس بوش الشعب الأمريكي على الاعتقاد بان هناك الخيارات هي إما "البقاء والنصر" أو "الانسحاب والخسارة". ولكن الخيار الحقيقي العملي هو: "الإصرار دون تحقيق النصر" أو "الكف دون الوقوع في الهزيمة".
يبدو أن النصر، كما يعرف من قبل الإدارة ومناصروها (تحقيق ديمقراطية مستقرة وعلمانية في دولة عراقية موحدة، وسحق التمرد من قبل الجيش الأمريكي بمعونة الجيش الوطني العراقي المنضبط والذي دربته القوات الأمريكية)، قد أصبح مشكوكا فيه. فلتحقيق ذلك، لابد من أن يكون الجيش الأمريكي اكبر من الحالي بشكل ملحوظ، وان تكون القوات العراقية الساندة لجهود مقارعة التمرد بقيادة الولايات المتحدة متحمسة أكثر. إن القوات الأمريكية الحالية، والتي سرعان ما سيخفض عددها، غير كافية لسحق التمرد المناوئ للولايات المتحدة أو لإيقاف النزاع الطائفي السني-الشيعي. وكلتا المشكلتين ترشحان باستمرار تحت وطأة الاحتلال الأجنبي غير الحاسم والذي يتعاظم بغضه.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن الشيعة أو الأكراد يركزون اهتمامهم على توحيد العراق بوجود جيش وطني أصيل واحد. وفي الوقت الذي ظهرت فيه المساومات لتشكيل الحكومة الجديدة، فان القوتان الرئيستان في العراق، التحالف الديني الشيعي والانفصاليون الأكراد، يتقاسمون هدفا مشتركا يتمثل في منع عودة هيمنة السنة، وقد عزم كلاهما على الاحتفاظ بقوة عسكرية منفصلة للدفاع عن مصالحها الخاصة، بشكل اكبر على حساب السنة. إن جيشا وطنيا حقيقا بهذه الكيفية هو مجرد وهم. إن الاستمرار في الإصرار على تحقيق "النصر" بهذا النمط يحكم على أمريكا بدفع الثمن مزيدا من الأنفس والأموال، ناهيك عن ازدياد المعارضة الإسلامية والتآكل الشديد في الشرعية الدولية لأمريكا ومصداقيتها وسمعتها الأخلاقية.
كما إن تعريف الإدارة لـ"الهزيمة" مضلل بشكل مشابه. فالمتحدثون الرسميون وغير الرسميين يتكلمون المرة تلو الأخرى مسترجعين التنبؤات الماضية والتي تخص العواقب المحتملة للفشل الأمريكي في تحقيق النصر بفيتنام: تساقط قطع الدومينو، انفجار المنطقة، وفقدان مصداقية القوة الأمريكية. وتم إضافة لمسة تتمثل بمبدأ أن المتمردين العراقيين سوف يعبرون الأطلسي لإثارة الإرهاب في عقر الوطن الأمريكي.
إن الخيار الحقيقي الذي تجب مواجهته هو القبول بالحقائق العراقية المعقدة في فترة ما بعد صدام حسين من خلال فك اشتباك نسبي للجيش، وهذا يتضمن فترة انتقالية وتمهيدية بالرغم من النزاع السياسي المكثف، لحين جلاء الغبار وإعداد الفئات العراقية لترتيباتها السياسية الخاصة. يمكن أن يستمر الاحتلال العسكري غير الحاسم لسنوات قبل أن يتم تحقيق الهدف غير المحدد. واقل ما يقال أن من المشكوك استمرار مساندة السياسيين الأمريكيين المحليين في جهود لا طائل منها لمدة طويلة تحت شعار كون العراق هو "الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب".
وعلى النقيض، فان فك اشتباك الجيش بحلول ناهية عام 2006، المتأتي عن تحديد أكثر واقعية للنتائج الملائمة، يمكن أن تؤكد أن الكف ليس مكافئا للهزيمة. في العراق الذي يهيمن عليه الشيعة والأكراد –الذين يشكلون معا ما يقارب 75% من السكان- فان كلا الشعبين سوف يتشاطران المصلحة الوطنية المشتركة المتمثلة بالعراق كدولة مستقلة. فالأكراد الذين حصلوا على الحكم الذاتي بما يشبه الاستقلال، سوف يكونون -بخلاف ذلك- مهددين من قبل الأتراك. كما إن الشيعة العراقيين هم عرب قبل كل شيء وليس لديهم أية رغبة في أن يكونوا تابعين لإيران. بعض السنة، حالما يدركون أن الاحتلال الأمريكي يقترب من نهايته وأنهم سوف يواجهون التحالف الشيعي-الكردي الغامر، سوف يكونون أكثر ميلا لتقبل الحقائق السياسية الجديدة، خصوصا عندما يحرمون من التباكي على المقاومة للمحتل الأجنبي.
بالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن تتحصن كل من مناطق الكويت وكردستان بتواجد أمريكي دائمي تحسبا لأي طارئ مفاجئ. وحالما تنهي الولايات المتحدة الاحتلال العسكري، يصبح من السهل إعداد خطة لمشاركة قوات إسلامية -بشكل ما- في قوات حفظ السلام في العراق، ويمكن أن تساعد هذه المشاركة في تهدئة مشاعر العداء لأمريكا في المنطقة.
على كل حال، بينما يشتد التنافس بين السياسيين العراقيين، فمن شبه المؤكد أن القادة السياسيين العراقيين الأصليين (غير المنتقين من قبل الولايات المتحدة) -تحقيقا لشرعية توليهم السلطة- سوف يطالبون بموعد حاسم لانسحاب القوات الأمريكية، وذلك كله يسير باتجاه حسن. في الواقع يجب أن يتم تشجيعهم بهدوء لفعل ذلك، لان ذلك سوف يزيد من مساندتهم الشعبية، بينما يسمح للولايات المتحدة أن تعيد تعريف مصطلح "أنجزت المهمة" بشكل مقتصد.
الخطوة الأساسية الأولى للوصول إلى هذه الغاية أن يخرج الرئيس من شرنقته الحالية. إن رسم سياسته وخطبه هي نتاج مجموعة الدعاة الصادقين المحيطين به، والذين يعتبرون مسؤولين بشكل كبير عن الفوضى في العراق. فهم لديهم حدا خاصا في تعريفهم للنصر، وهم يعززون قناعاته بدلا من تنقيح أحكامه. إن الرئيس هو بأمسّ الحاجة لتوسيع دائرة مستشاريه. لماذا لا يعمد إلى استشارة الديمقراطيين والجمهوريين الإجلاء والذين لا يجرون وراء المناصب، ولنقل وارن رودمان أو كولن باول أو لي هاميلتون أو جورج ميتشل، بشأن النتيجة المحتملة والتي يمكن إحرازها في العراق؟
وأخير، يجب على الديمقراطيين الكف عن المراوغة عند توجيه النقد. إن هؤلاء الذين يرومون تولي السلطة عام 2008 هم بالتحديد غير راغبين في التصريح بوضوح أن إنهاء الحرب فورا هو أمر مرغوب فيه وذو جدوى. فهم يخشون أن يوصموا بأنهم غير وطنيين. ومع ذلك فان إيجاد بديل عملي سوف يوفر بينة سياسية فعالة لأولئك الغافلين الذين ينشدون "نصرا" غير ممكن التحقيق. إن الأمريكيين بحاجة إلى إيجاد خيار حقيقي فيما يخص البلوى المأساوية في العراق.
Wednesday, February 01, 2006
تدريب العراقيين ليس بالبنادق وتزييتها فحسب
عن: لوس انجلس تايمز، بقلم: ناثانيل فيك (نقيب سابق في البحرية الامريكية خدم في افغانستان والعراق وألف كتاب "على مسافة طلقة واحدة: صناعة ضابط في البحرية الامريكية")
ترجمة:علاء غزالة
ان مقارعة التمرد هو عمل بطيء وتسوده الفوضى. ومن الصعب بمكان تحويل الجنود العراقيين الى محاربيين اشداء. ولكن الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا لا يمكن تعتبر متماسكة ويعول عليها ما لم يتمكن العراقييون من توفير الامن لبلدهم. ان نافذة الفرص المتاحة لتدريبهم سرعان ما ستغلق. انا شخصيا تلقيت التدريب كعنصر في مشاة البحرية الامريكية قرابة عامين –سنة واحدة في الصفوف الدراسية والاخرى في العمل- قبل ان اشعر بانني جاهز للعمل. ولكن القوات العراقية لا تمتلك هذا القدر من الزمن، ولذلك فمن الضروري ان يتركز التدريب على ما هو اساسي جدا. وعلى العكس من الكثير مما نسمع، فان تدريب القوات العراقية ليس قائما بشكل اساسي على تعليم مهارات الرماية والتكتيكات الاولية. كما ان المقياس الامثل للتقدم لا يعتمد على عدد الألوية القادرة على القتال بمفردها. بالمقابل، فان التدريب الناجح للقوات العراقية يرتكز على ثلاثة دعامات: التعريف بالانظمة والقوانين التي تضمن الولاء للسلطة الشرعية، وتنمية القوات التي تقاتل الى جانب الوحدات الامريكية، وضمان ان الجيش العراقي هو قوة تتكامل مع المجتمع.
والتحدي الاكبر الذي نواجهه يكمن في كيفية ترسيخ نوع من الانضباط الذاتي والذي يمكن ان يدوم بعد نرحل. ولتحقيق ذلك، فقد أكدنا على الحماسة في التدريب على المهارات القتالية، واقناع العراقيين على تبني قيم قتالية متنامية باضطراد. اخيرا، فان الامريكيين والعراقيين قاموا بتطبيق هذه القيم بشكل متبادل لتحسين الانضباط. ان الضبط هو حجر الاساس للنجاح، فهو يبقي الجنود في حالة تقدم باتجاه اطلاق النار في الوقت الذي تحث الغريزة الانسانية على الهروب بالاتجاه الاخر. وبالنسبة للحكومة العراقية الحديثة العهد، فان هذا الضبط يضمن بقاء الجيش خاضعا للسطلة الشرعية.
سوف تبقى السلطة المدنية في العراق هدفا للتمرد لفترة من الزمن. وهذا هو السبب في ان القوات العراقية يجب ان تدرب على القتال صحبة القوات العكسرية الامريكية كخطوة مهمة في طريق الاستقلال الذاتي النهائي. ان الدفع من اجل عمليات تقوم بها القوات العراقية بشكل مستقل تماما في وقت قريب سيؤدي الى التضحية بتطوير المؤسسات لصالح النفعية السياسية. يضاف الى ذلك ان القوات الامريكية والعراقية يمكن لها ان تقدم الكثير بالعمل معا، اكثر مما لو عملت بشكل منفرد. فالجيش الامريكي يساهم في الدعم القتالي واللوجستي والارشاد العملياتي. اما العراقيون فانهم يضيفون الوعي الثقافي والاستخبارات البشرية والسلطة المعنوية. وما تمتلكه القوات العراقية يُعدّ لبّ النجاح في استرتيجية مقارعة التمرد. ان حربا كتلك التي تدور في العراق لا يمكن ان تكسب بالمعدات المتطورة فقط، يشهد على ذلك الفوضى التي تسببها القنابل المزروعة على جانب الطريق في صفوف الجيش الاكثر تدريبا وتجهيزا في العالم. وليس هناك اصلاح تقني، فالمدرعات الكثر سماكة انما تستجلب قنابل اكثر شدة. ان الحل الاكثر ديميومة هو ان يقوم الناس الاصدقاء بالكشف عن مكان زرع القنابل. وبعبارة اخرى فان المعلومات من المواطنين العراقيين مطلوبة لتحقيق النصر.
ان غياب مثل هذه المعلومات يسمح لعدد قليل نسبيا من المسلحين الناشطين بخلق حالة من الصخب والتشويش، بينما يعومون على بحر من المناصرين المستترين. للحصول على المعلومات يجب ان تحوز اولا على ثقة الشعب العراقي، كما يجب ان تظهر تقدما في ساحة المعركة. ومفتاح ذلك هو الرأي العام للمواطنين العراقيين. ولكن القوات الغربية لن تستطيع ان تجمع العراقيين حولها اذا كانوا يرون ان القوات العراقية طائفية او وحشية، والتي يجب ان تكون على خلاف التركيبة القديمة، والمكونة من قطاع الطرق المتنفذين والمجندين البائسين.
اعتمدت الجهود الاولية في تطوير القوات الامنية العراقية على المجندين المحليين. وهذا ما اعطى المتمردين، خصوصا في محافظة الانبار، الفائدة لمعرفة من يعمل لصالح الحكومة، ومن ثم تهديدهم او قتلهم، وفي بعض الاحيان مع عائلاتهم. وكان الحل هو التجنيد من اماكن اخرى في العراق وارسالهم للخدمة في الانبار. ولكن ذلك ادى الى ان يكون الجيش العراقي ذا اغلبية ساحقة من الجنوب، مما قوى التفرقة الطائفية، وعرقل التكامل الاجتماعي، واحدث ثلمة في شرعية الجيش لدى البعض.
ان التدريب الناجح للمجندين العراقيين يجب ان يضع في الحسبان ان عوائلهم تعيش عند او قرب ساحة المعركة. وتجب حماية هؤلاء الابرياء، اذا كان للجيش ان يضم خليطا من المواطنين العراقيين. ان الدعامات الثلاثة في تدريب العراقيين الناجح، وهي الانضباط والتعاون والشمولية، تتطلب قيادة مميزة. ومن المعلوم ان هناك ثلاثة واجبات للضابط: ان يكون جاهزا دائما، وان ينتصر في كل مرة، وان يعيد جنوده الى المجتمع بوضع افضل من الذي كانوا عليه. والمهمتان الاوليتان ليستا صعبتين، ولكن الثالثة تمتد فيما وراء الخدمة العسكرية، وهو الاختبار الحقيقي. ان تطوير القوات الامنية العراقية هو تصغير لمشكلة اكبر: تشجيع الاحساس المشترك بالمصلحة الوطنية العراقية. وهذه العملية هي بطئية وتسودها الفوضى، ولكن ليس هناك خيار اخر.
ترجمة:علاء غزالة
ان مقارعة التمرد هو عمل بطيء وتسوده الفوضى. ومن الصعب بمكان تحويل الجنود العراقيين الى محاربيين اشداء. ولكن الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا لا يمكن تعتبر متماسكة ويعول عليها ما لم يتمكن العراقييون من توفير الامن لبلدهم. ان نافذة الفرص المتاحة لتدريبهم سرعان ما ستغلق. انا شخصيا تلقيت التدريب كعنصر في مشاة البحرية الامريكية قرابة عامين –سنة واحدة في الصفوف الدراسية والاخرى في العمل- قبل ان اشعر بانني جاهز للعمل. ولكن القوات العراقية لا تمتلك هذا القدر من الزمن، ولذلك فمن الضروري ان يتركز التدريب على ما هو اساسي جدا. وعلى العكس من الكثير مما نسمع، فان تدريب القوات العراقية ليس قائما بشكل اساسي على تعليم مهارات الرماية والتكتيكات الاولية. كما ان المقياس الامثل للتقدم لا يعتمد على عدد الألوية القادرة على القتال بمفردها. بالمقابل، فان التدريب الناجح للقوات العراقية يرتكز على ثلاثة دعامات: التعريف بالانظمة والقوانين التي تضمن الولاء للسلطة الشرعية، وتنمية القوات التي تقاتل الى جانب الوحدات الامريكية، وضمان ان الجيش العراقي هو قوة تتكامل مع المجتمع.
والتحدي الاكبر الذي نواجهه يكمن في كيفية ترسيخ نوع من الانضباط الذاتي والذي يمكن ان يدوم بعد نرحل. ولتحقيق ذلك، فقد أكدنا على الحماسة في التدريب على المهارات القتالية، واقناع العراقيين على تبني قيم قتالية متنامية باضطراد. اخيرا، فان الامريكيين والعراقيين قاموا بتطبيق هذه القيم بشكل متبادل لتحسين الانضباط. ان الضبط هو حجر الاساس للنجاح، فهو يبقي الجنود في حالة تقدم باتجاه اطلاق النار في الوقت الذي تحث الغريزة الانسانية على الهروب بالاتجاه الاخر. وبالنسبة للحكومة العراقية الحديثة العهد، فان هذا الضبط يضمن بقاء الجيش خاضعا للسطلة الشرعية.
سوف تبقى السلطة المدنية في العراق هدفا للتمرد لفترة من الزمن. وهذا هو السبب في ان القوات العراقية يجب ان تدرب على القتال صحبة القوات العكسرية الامريكية كخطوة مهمة في طريق الاستقلال الذاتي النهائي. ان الدفع من اجل عمليات تقوم بها القوات العراقية بشكل مستقل تماما في وقت قريب سيؤدي الى التضحية بتطوير المؤسسات لصالح النفعية السياسية. يضاف الى ذلك ان القوات الامريكية والعراقية يمكن لها ان تقدم الكثير بالعمل معا، اكثر مما لو عملت بشكل منفرد. فالجيش الامريكي يساهم في الدعم القتالي واللوجستي والارشاد العملياتي. اما العراقيون فانهم يضيفون الوعي الثقافي والاستخبارات البشرية والسلطة المعنوية. وما تمتلكه القوات العراقية يُعدّ لبّ النجاح في استرتيجية مقارعة التمرد. ان حربا كتلك التي تدور في العراق لا يمكن ان تكسب بالمعدات المتطورة فقط، يشهد على ذلك الفوضى التي تسببها القنابل المزروعة على جانب الطريق في صفوف الجيش الاكثر تدريبا وتجهيزا في العالم. وليس هناك اصلاح تقني، فالمدرعات الكثر سماكة انما تستجلب قنابل اكثر شدة. ان الحل الاكثر ديميومة هو ان يقوم الناس الاصدقاء بالكشف عن مكان زرع القنابل. وبعبارة اخرى فان المعلومات من المواطنين العراقيين مطلوبة لتحقيق النصر.
ان غياب مثل هذه المعلومات يسمح لعدد قليل نسبيا من المسلحين الناشطين بخلق حالة من الصخب والتشويش، بينما يعومون على بحر من المناصرين المستترين. للحصول على المعلومات يجب ان تحوز اولا على ثقة الشعب العراقي، كما يجب ان تظهر تقدما في ساحة المعركة. ومفتاح ذلك هو الرأي العام للمواطنين العراقيين. ولكن القوات الغربية لن تستطيع ان تجمع العراقيين حولها اذا كانوا يرون ان القوات العراقية طائفية او وحشية، والتي يجب ان تكون على خلاف التركيبة القديمة، والمكونة من قطاع الطرق المتنفذين والمجندين البائسين.
اعتمدت الجهود الاولية في تطوير القوات الامنية العراقية على المجندين المحليين. وهذا ما اعطى المتمردين، خصوصا في محافظة الانبار، الفائدة لمعرفة من يعمل لصالح الحكومة، ومن ثم تهديدهم او قتلهم، وفي بعض الاحيان مع عائلاتهم. وكان الحل هو التجنيد من اماكن اخرى في العراق وارسالهم للخدمة في الانبار. ولكن ذلك ادى الى ان يكون الجيش العراقي ذا اغلبية ساحقة من الجنوب، مما قوى التفرقة الطائفية، وعرقل التكامل الاجتماعي، واحدث ثلمة في شرعية الجيش لدى البعض.
ان التدريب الناجح للمجندين العراقيين يجب ان يضع في الحسبان ان عوائلهم تعيش عند او قرب ساحة المعركة. وتجب حماية هؤلاء الابرياء، اذا كان للجيش ان يضم خليطا من المواطنين العراقيين. ان الدعامات الثلاثة في تدريب العراقيين الناجح، وهي الانضباط والتعاون والشمولية، تتطلب قيادة مميزة. ومن المعلوم ان هناك ثلاثة واجبات للضابط: ان يكون جاهزا دائما، وان ينتصر في كل مرة، وان يعيد جنوده الى المجتمع بوضع افضل من الذي كانوا عليه. والمهمتان الاوليتان ليستا صعبتين، ولكن الثالثة تمتد فيما وراء الخدمة العسكرية، وهو الاختبار الحقيقي. ان تطوير القوات الامنية العراقية هو تصغير لمشكلة اكبر: تشجيع الاحساس المشترك بالمصلحة الوطنية العراقية. وهذه العملية هي بطئية وتسودها الفوضى، ولكن ليس هناك خيار اخر.
Wednesday, January 25, 2006
هل ان العراق على اعتاب الحرب الأهلية؟
بقلم: جون دانيسزيوسكي
عن: لوس انجلس تايمز
ترجمة: علاء خالد غزالة
بغداد - تعرض أربعة عشر شخصا من افراد عائلة مسلمة شيعية الى الذبح في بيتهم. بعد ذلك بأيام، غزا رجال مسلحون منزل عائلة عربية سنية، وقتلوا خمسة افراد منها. ويستمر القتل السياسي المنظم كما لو لم تكن هناك انتخابات قبل فترة وجيزة.
في خطابه الموجه للعراقيين بينما كانوا يستعدون للذهاب إلى الإنتخابات، قال الرئيس بوش أنه لا يعتقد بان الحرب الأهلية يمكنم لها ان تندلع في البلاد. لكن بعض المراقبين يعتقدون أنها قد بدأت فعلا، من خلال كفاح صامت ولكنه مميت رسمت خطوطه النتائج الحادة للانتخابات ذات الاستقطاب العالي.
في أي يوم، يمكن ان تتعرض مجموعة شرطة شيعية الى هجوم إنتحاري أو كمين دبرهما سني. ويمكن ان يقوم عنصر من الميلشيا الشيعية المهيمنة على أجهزة الأمن العراقية باعتقال وتعذيب وقتل متمرد سني. أو قد يتعرض مسؤول كردي في الحكومة الجديدة الى القتل وهو في طريقه بين البيت والمكتب.
ومالم يكن هدف الإغتيال شخصية بارزة، أو ان عدد الضحايا يزيد على اصابع اليدين، فان مثل هذه الأحداث بالكاد يشار اليها في تقارير الأخبار الغربية. وعلى الرغم من ذلك تشير التخمينات الموثوقة بأن حوالي 1,000 عراقي يموتون كل شهر، معظمهم قـُتل على ايدي عراقيين.
ان مصطلح (الحرب الاهلية) يستحضر صور الجيوش وقد احتشد بعضها ضد بعض لينتهي الامر الى تقسيم البلاد، بعيدا عن المثال الديمقراطي الذي ارادت الحكومة الأمريكية انجازه في العراق بعد سقوط صدام حسين قبل سنتين ونصف.
لم ينفك الزعماء السياسيون العراقيون من التأكيد على وحدة البلاد ومقتهم للحرب الأهلية. ففي الأسبوع الماضي قال عباس البياتي، احد مسؤولي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وهو تنظيم شيعي، بأنها لن تحدث لأن زعماء البلاد الدينيين لن يسمحوا بحدوثها. ولكن الخبراء الآخرين داخل وخارج العراق كانوا أقل تأكيدا.
ويعتقد جيمس فيرون وهو استاذ السياسة بجامعة ستانفورد وخبير بالنزاعات الحديثة، ان حرب العراق الأهلية قد بدأت حالما اطيح بصدام حسين تقريبا، ولكنها مستترة ومحدودة بسبب وجود القوات الأجنبية. يقول فيرون "أعتقد ان هناك بالتأكيد حربا أهلية مستمرة منذ أن أنهينا العمليات القتالية الرئيسة"، رافضا موقف العديد من المراقبين الذين يرون ان الحرب أهلية ليست الا احتمال للعراق، ويضيف "حين يتحدث الناس عن (هل ستكون هناك حرب أهلية؟) فانهم يتحدثون في الحقيقة عن نوع مختلف من الحرب الأهلية". ويؤكد فيرون على إن نوع الحرب التي تظهر في العراق، والتي تتميز بالهجمات الفدائية، وحوادث الإختطاف، والإغتيالات و(التطهير العرقي)، هي نموذج مثالي من النزاعات المدنية الحديثة.
ويشير الى انه "منذ عام 1945، كانت معظم الحروب الأهلية، على تعدد انواعها، عبارة عن حروب عصابات قائمة على اساس التمرد مقابل مكافحة التمرد"، مؤكدا "ان أكثر الحروب الأهلية تبدو كثيرة الشبه بما نراه الآن في العراق ".
ويعتقد فيرون ان حضور القوات الأمريكية في النزاع لن يكون غير عادي، "ان عدد كبير من الحروب الأهلية تضمن تدخل خارجي. لكني ما زلت أدعوها حربا أهلية على اساس ان المتمردين يهاجمون ويقتلون عراقيين أكثر بكثير من القوات الأمريكية."
وبالرغم من أنه يرى ان الإنتخابات الأخيرة تمثل خطوة للأمام، الا انه يعتقد انه اذا فشلت المحادثات الحساسة لتشكيل الحكومة والجارية حاليا في التوصل الى تسوية، فان الحرب بين العراقيين يمكن لها أن تتوسع وتشتد لتتحول الى قتال مفتوح بمدى اوسع، خصوصا إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من البلاد بسرعة كبيرة.
وبشكل عام، تسلحت فئات سنية مستميتة لاستعادة السلطة في العراق بمطبات المقاومة ضد عناصر المليشيا الشيعية. ولكن الأخيرة مصممة على حماية الحكومة الجديدة، التي يسيطر عليها الشيعة، وللإنتقام من الاذى السابق والحالي على ايدي السنة. وفي هذه الاثناء يطمح الأكراد، وهم مستهدفون أيضا من قبل السنة، الى الإستقلال أو الحكم الذاتي القوي، وأمنيتهم اضافة كركوك الغنية بالنفط إلى منطقتهم، مما يضعهم في حالة صِدام محتملة مع بقية البلاد.
يقول مسؤول حكومي سابق شغل منصبا متوسطا وطلب عدم ذكر إسمه، بأنه أجبر على ترك مسكنه في بغداد بسبب اسمه الشيعي، وهو يخفي هويته الآن عندما يسافر بين العاصمة وقريته قرب بابل. مضيفا "لا تستطيع التجول في المنطقة الجنوبية تحت اسم سني. كما لا تستطيع الذهاب إلى محافظة الأنبار اذا كنت تحمل اسما شيعيا"، غير انه "ليست هناك حربا أهلية في عموم البلاد، لكن توجد حروب أهلية محدودة في 20 بلدة في الأقل."
منذ صيف 2003 قـُصفت مساجد وضُربت بالصواريخ، وإختطف اشخاص، وحتى الآن تعرضت مناطق مختلطة في بغداد مثل الغزالية والدورة، ببطئ وعناد، الى التطهير من الشيعة من خلال التخويف والعنف. ووضعت ضغوط مماثلة على السنة في القرى في الجنوب ذي الاكثرية الشيعية، وعلى العرب والتركمان في كركوك.
يجادل جيمس دوبنس، محلل في مجموعة منتدى راند في واشنطن، وهو يلمح إلى الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، التي صوت فيها كل العراقيين تقريبا على اسس طائفية أو عرقية بدلا من الاحزاب أساسها ذات التمثيل الأوسع، ، بأن الإنقسامات القوية من شأنها ان تمزق وحدة البلاد. ويقول ان القتال في العراق يبلغ حربا أهلية غير مألوفة، والتي يمتلك فيها جانب واحد فقط أسلحة ثقيلة، وهي الحكومة العراقية المدعومة من قبل حلفائها الأمريكيين والبريطانيين، بينما يعتمد الجانب الآخر على تكتيتك حرب العصابات. وهو يرى ان هناك خطرا في التصعيد. ويضيف "يمكن ان تشهد حربا أهلية كالتي حصلت في يوغسلافيا في التسعينيات، حيث كان كلا الجانبين يمتلك أسلحة ثقيلة، والإصابات كانت اكبر بكثير". ويعتقد دوبنس ان "الحجة الرئيسة لأمريكا لكي تواصل البقاء في العراق هي ان تمارس نفوذها لمنع الوضع من التحلل على هذه الطريقة. لكن ذلك سيصبح صعبا ومكلفا ومستنزفا للوقت".
المؤلفة روزماري هوليس تعتقد بالسيناريو المتفائل، حيث تقول "اعتقد ان ذلك مستبعد". فهي ما زالت غير متأكدة من ان البلاد في طريقها إلى التقسيم. وتضيف "ان السيناريو الآخر في هذه المسرحية، هو ان الدولة لا تتفكك لكن التوترات الداخلية الهائلة ستعمل على إلغاء بعضهم البعض الاخر". فالصراع ضمن الطائفة الشيعية، على سبيل المثال، يمكن أن يبقى محليا دون ان يوجه ضد الطوائف الأخرى.
معارضة الانتخابات
تظهر النتائج الاولية غير المصدقة للانتخابات التي جرت في كانون الاول الى ان البرلمان القادم سيكون مثقلا بالاحزاب ذات الطابع الديني من كلتا الفئتين الشيعية والسنية. لقد كان اداء الاحزاب ذات النزعة العلمانية ضعيفا، وكذلك تلك التي تريد تجاوز التقسيمات الطائفية والعرقية.
وفي الحال ادعت مجموعات علمانية وسنية حصول تزوير في الانتخابات اضافة الى ترهيب الناخبين. ويبدو ان بعض القادة السنة البارزين قد حزنوا لهذه النتائج وتساءلوا عن شرعية الانتخابات، وطالبوا باعادتها. ولكن التحالف الشيعي الفائز رفض هذا الطلب، وبدأ القادة الشيعة والاكراد مشواراتهم لبحث امكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية والتي يمكن ان تقنع او على الاقل تهديء من روع الخاسرين.
ترتعد فرائص اغلب العراقين خوفا عندما يشار الى ان البلاد يمكن ان تنزلق الى الحرب الاهلية الشاملة، ولكن هذا الخطر نادرا ما يكون بعيدا عن عقولهم.
يقول يونادم كنا، وهو سياسي مسيحي، ان "الشيعة يصرون على مطالبهم، بينما يشعر السنة والقوميون العرب انهم مهمشون او معزولون ومهملون، لذلك اعتقد انه ستكون هناك مشاكل كبيرة واستمرار للعنف خلال السنوات الثلاثة المقبلة". ويتساءل "هل ستحدث حربا اهلية؟ لا اعتقد انها ستصل الى هذه النقطة"، مضيفا انه لا احد يمكنه التأكيد. "ففي كل مرة يكون في العراق (أ) زائد (ب) يجب ان يساوي (ج)، ولكن شيء اخر يحدث".
ويقول وليد نظمي، محلل سياسي عراقي، انه مسرور لأن السيناريو المرعب لم ينبلج، "توجد الان مؤشرات على ان البلاد تنساق تدريجيا باتجاه نوع من النزاع الطائفي، بسبب وجود تقارير على حصول عمليات قتل بين الاشخاص الشيعة باحدى اليدين والسنة باليد الاخرى. ولكن يبدو لي ان ذلك لحد الان هو من افعال مجاميع صغيرة". ويضيف "ان هذه الافعال تشير الى مافيا منظمة اكثر من وجود تحشيدات طائفية تلقائية".
لقد كان اية الله العظمى على السيستاني، القائد الديني للشيعة في البلاد، صوتا مثابرا من اجل تخفيف التوترات الطائفية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي صادق على حكومة الوحدة الوطنية التي تتضمن السنة.
يقول البياتي من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بان مثل هذا التفكير المستنير سيبقي الغطاء مقفلا، "فالتوتر السياسي نفسه لايمكن ان يقود الى الحرب الاهلية. لكن الطائفية هي سبب محتمل، غير ان موقع القيادة سحب البساط من تحت هذا الاحتمال".
العامل الأجنبي
يحذر جوان كول، وهو استاذ في جامعة متشيغان ومتخصص في العراق، من الاستنتاج انه طالما كان العراق في خضمم حرب اهلية فانه لا يهم اذا ما بقت فيه القوات الاجنبية او انسحبت منه. ويقول وهو يسترجع الاحداث الدمويةالتي شهدها في الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990)، انه يتخيل ان الوضع سيكون اسوأ بكثير اذا ما انسحبت القوات الامريكية قبل الاوان، او خفضت قواتها بشكل ملحوظ. ويضيف ان تآكل الدعم الشعبي الامريكي قد تسبب في ضعف حضور الولايات المتحدة في الشارع العراقي، مما سيشجع رجال الميليشيا العاملين بشكل مغطى حاليا على الخروج الى العلن، ربما بتحضير هجمات منسقة على المدن المجاورة او الحكومة المركزية في بغداد. ويعتقد ان شرارة القدح الاخرى قد تكون كركوك. ففي كل الاحتمالات يرد الاكراد ان يجروا استفتاءا لضم مدينة كركوك المتنازع عليها الى اتحادهم الاقليمي. مضيفا "هل سيتقبل التركمان هذا الوضع؟ وهل سيتقبله العرب؟ تخميني انهم لن يفلعوا".
لقد تعود السنة لمدة طويلة على حكم العراق، اما الان فهم مهددون بالحرمان من ثروة البلاد النفطية، وهذا سبب اخر للثورة. فهم "يرون الكتابة على الجدران". ويحذر من ان أي حرب أهلية واسعة الإنتشار يحتمل لها ان تغرق جيران العراق، مما يؤدي الى زلزلة المنطقة وتهديد استقرارها. قد تسعى تركيا الى منع طمس الاقلية التركمانية في كركوك، فيما ترغب دول الخليج (الفارسي) [...] الى مساعدة السنة بينما تتدخل ايران لصالح الشيعة.
يعتقد فيرون، شأنه شأن كول، ان الانسحاب السريع للقوات الامريكية سيحفز الحرب الاهلية. ولكن من الناحية الاخرى، كما يقول، فان البقاء الى اجل غير مسمى لا يعطي الا حافزا ضئيلا للعراقيين لـ"تفعيل دورهم السياسي والعسكري معا". ويعتقد ان "الحضور الامريكي يجعل من المحتمل خوض المباحثات لتشكيل حكومة ذات مستوى معين من الفاعلية، ولكن من المحبط انني لا ارى تلك المباحثات التي تؤدي الى انقاذ الموقف بدون حضور امريكي قوي"، وكما تبدو عليه الامور الان فانه "ليس هناك في الحقيقة خروج لطيف للولايات المتحدة".
عن: لوس انجلس تايمز
ترجمة: علاء خالد غزالة
بغداد - تعرض أربعة عشر شخصا من افراد عائلة مسلمة شيعية الى الذبح في بيتهم. بعد ذلك بأيام، غزا رجال مسلحون منزل عائلة عربية سنية، وقتلوا خمسة افراد منها. ويستمر القتل السياسي المنظم كما لو لم تكن هناك انتخابات قبل فترة وجيزة.
في خطابه الموجه للعراقيين بينما كانوا يستعدون للذهاب إلى الإنتخابات، قال الرئيس بوش أنه لا يعتقد بان الحرب الأهلية يمكنم لها ان تندلع في البلاد. لكن بعض المراقبين يعتقدون أنها قد بدأت فعلا، من خلال كفاح صامت ولكنه مميت رسمت خطوطه النتائج الحادة للانتخابات ذات الاستقطاب العالي.
في أي يوم، يمكن ان تتعرض مجموعة شرطة شيعية الى هجوم إنتحاري أو كمين دبرهما سني. ويمكن ان يقوم عنصر من الميلشيا الشيعية المهيمنة على أجهزة الأمن العراقية باعتقال وتعذيب وقتل متمرد سني. أو قد يتعرض مسؤول كردي في الحكومة الجديدة الى القتل وهو في طريقه بين البيت والمكتب.
ومالم يكن هدف الإغتيال شخصية بارزة، أو ان عدد الضحايا يزيد على اصابع اليدين، فان مثل هذه الأحداث بالكاد يشار اليها في تقارير الأخبار الغربية. وعلى الرغم من ذلك تشير التخمينات الموثوقة بأن حوالي 1,000 عراقي يموتون كل شهر، معظمهم قـُتل على ايدي عراقيين.
ان مصطلح (الحرب الاهلية) يستحضر صور الجيوش وقد احتشد بعضها ضد بعض لينتهي الامر الى تقسيم البلاد، بعيدا عن المثال الديمقراطي الذي ارادت الحكومة الأمريكية انجازه في العراق بعد سقوط صدام حسين قبل سنتين ونصف.
لم ينفك الزعماء السياسيون العراقيون من التأكيد على وحدة البلاد ومقتهم للحرب الأهلية. ففي الأسبوع الماضي قال عباس البياتي، احد مسؤولي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وهو تنظيم شيعي، بأنها لن تحدث لأن زعماء البلاد الدينيين لن يسمحوا بحدوثها. ولكن الخبراء الآخرين داخل وخارج العراق كانوا أقل تأكيدا.
ويعتقد جيمس فيرون وهو استاذ السياسة بجامعة ستانفورد وخبير بالنزاعات الحديثة، ان حرب العراق الأهلية قد بدأت حالما اطيح بصدام حسين تقريبا، ولكنها مستترة ومحدودة بسبب وجود القوات الأجنبية. يقول فيرون "أعتقد ان هناك بالتأكيد حربا أهلية مستمرة منذ أن أنهينا العمليات القتالية الرئيسة"، رافضا موقف العديد من المراقبين الذين يرون ان الحرب أهلية ليست الا احتمال للعراق، ويضيف "حين يتحدث الناس عن (هل ستكون هناك حرب أهلية؟) فانهم يتحدثون في الحقيقة عن نوع مختلف من الحرب الأهلية". ويؤكد فيرون على إن نوع الحرب التي تظهر في العراق، والتي تتميز بالهجمات الفدائية، وحوادث الإختطاف، والإغتيالات و(التطهير العرقي)، هي نموذج مثالي من النزاعات المدنية الحديثة.
ويشير الى انه "منذ عام 1945، كانت معظم الحروب الأهلية، على تعدد انواعها، عبارة عن حروب عصابات قائمة على اساس التمرد مقابل مكافحة التمرد"، مؤكدا "ان أكثر الحروب الأهلية تبدو كثيرة الشبه بما نراه الآن في العراق ".
ويعتقد فيرون ان حضور القوات الأمريكية في النزاع لن يكون غير عادي، "ان عدد كبير من الحروب الأهلية تضمن تدخل خارجي. لكني ما زلت أدعوها حربا أهلية على اساس ان المتمردين يهاجمون ويقتلون عراقيين أكثر بكثير من القوات الأمريكية."
وبالرغم من أنه يرى ان الإنتخابات الأخيرة تمثل خطوة للأمام، الا انه يعتقد انه اذا فشلت المحادثات الحساسة لتشكيل الحكومة والجارية حاليا في التوصل الى تسوية، فان الحرب بين العراقيين يمكن لها أن تتوسع وتشتد لتتحول الى قتال مفتوح بمدى اوسع، خصوصا إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من البلاد بسرعة كبيرة.
وبشكل عام، تسلحت فئات سنية مستميتة لاستعادة السلطة في العراق بمطبات المقاومة ضد عناصر المليشيا الشيعية. ولكن الأخيرة مصممة على حماية الحكومة الجديدة، التي يسيطر عليها الشيعة، وللإنتقام من الاذى السابق والحالي على ايدي السنة. وفي هذه الاثناء يطمح الأكراد، وهم مستهدفون أيضا من قبل السنة، الى الإستقلال أو الحكم الذاتي القوي، وأمنيتهم اضافة كركوك الغنية بالنفط إلى منطقتهم، مما يضعهم في حالة صِدام محتملة مع بقية البلاد.
يقول مسؤول حكومي سابق شغل منصبا متوسطا وطلب عدم ذكر إسمه، بأنه أجبر على ترك مسكنه في بغداد بسبب اسمه الشيعي، وهو يخفي هويته الآن عندما يسافر بين العاصمة وقريته قرب بابل. مضيفا "لا تستطيع التجول في المنطقة الجنوبية تحت اسم سني. كما لا تستطيع الذهاب إلى محافظة الأنبار اذا كنت تحمل اسما شيعيا"، غير انه "ليست هناك حربا أهلية في عموم البلاد، لكن توجد حروب أهلية محدودة في 20 بلدة في الأقل."
منذ صيف 2003 قـُصفت مساجد وضُربت بالصواريخ، وإختطف اشخاص، وحتى الآن تعرضت مناطق مختلطة في بغداد مثل الغزالية والدورة، ببطئ وعناد، الى التطهير من الشيعة من خلال التخويف والعنف. ووضعت ضغوط مماثلة على السنة في القرى في الجنوب ذي الاكثرية الشيعية، وعلى العرب والتركمان في كركوك.
يجادل جيمس دوبنس، محلل في مجموعة منتدى راند في واشنطن، وهو يلمح إلى الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، التي صوت فيها كل العراقيين تقريبا على اسس طائفية أو عرقية بدلا من الاحزاب أساسها ذات التمثيل الأوسع، ، بأن الإنقسامات القوية من شأنها ان تمزق وحدة البلاد. ويقول ان القتال في العراق يبلغ حربا أهلية غير مألوفة، والتي يمتلك فيها جانب واحد فقط أسلحة ثقيلة، وهي الحكومة العراقية المدعومة من قبل حلفائها الأمريكيين والبريطانيين، بينما يعتمد الجانب الآخر على تكتيتك حرب العصابات. وهو يرى ان هناك خطرا في التصعيد. ويضيف "يمكن ان تشهد حربا أهلية كالتي حصلت في يوغسلافيا في التسعينيات، حيث كان كلا الجانبين يمتلك أسلحة ثقيلة، والإصابات كانت اكبر بكثير". ويعتقد دوبنس ان "الحجة الرئيسة لأمريكا لكي تواصل البقاء في العراق هي ان تمارس نفوذها لمنع الوضع من التحلل على هذه الطريقة. لكن ذلك سيصبح صعبا ومكلفا ومستنزفا للوقت".
المؤلفة روزماري هوليس تعتقد بالسيناريو المتفائل، حيث تقول "اعتقد ان ذلك مستبعد". فهي ما زالت غير متأكدة من ان البلاد في طريقها إلى التقسيم. وتضيف "ان السيناريو الآخر في هذه المسرحية، هو ان الدولة لا تتفكك لكن التوترات الداخلية الهائلة ستعمل على إلغاء بعضهم البعض الاخر". فالصراع ضمن الطائفة الشيعية، على سبيل المثال، يمكن أن يبقى محليا دون ان يوجه ضد الطوائف الأخرى.
معارضة الانتخابات
تظهر النتائج الاولية غير المصدقة للانتخابات التي جرت في كانون الاول الى ان البرلمان القادم سيكون مثقلا بالاحزاب ذات الطابع الديني من كلتا الفئتين الشيعية والسنية. لقد كان اداء الاحزاب ذات النزعة العلمانية ضعيفا، وكذلك تلك التي تريد تجاوز التقسيمات الطائفية والعرقية.
وفي الحال ادعت مجموعات علمانية وسنية حصول تزوير في الانتخابات اضافة الى ترهيب الناخبين. ويبدو ان بعض القادة السنة البارزين قد حزنوا لهذه النتائج وتساءلوا عن شرعية الانتخابات، وطالبوا باعادتها. ولكن التحالف الشيعي الفائز رفض هذا الطلب، وبدأ القادة الشيعة والاكراد مشواراتهم لبحث امكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية والتي يمكن ان تقنع او على الاقل تهديء من روع الخاسرين.
ترتعد فرائص اغلب العراقين خوفا عندما يشار الى ان البلاد يمكن ان تنزلق الى الحرب الاهلية الشاملة، ولكن هذا الخطر نادرا ما يكون بعيدا عن عقولهم.
يقول يونادم كنا، وهو سياسي مسيحي، ان "الشيعة يصرون على مطالبهم، بينما يشعر السنة والقوميون العرب انهم مهمشون او معزولون ومهملون، لذلك اعتقد انه ستكون هناك مشاكل كبيرة واستمرار للعنف خلال السنوات الثلاثة المقبلة". ويتساءل "هل ستحدث حربا اهلية؟ لا اعتقد انها ستصل الى هذه النقطة"، مضيفا انه لا احد يمكنه التأكيد. "ففي كل مرة يكون في العراق (أ) زائد (ب) يجب ان يساوي (ج)، ولكن شيء اخر يحدث".
ويقول وليد نظمي، محلل سياسي عراقي، انه مسرور لأن السيناريو المرعب لم ينبلج، "توجد الان مؤشرات على ان البلاد تنساق تدريجيا باتجاه نوع من النزاع الطائفي، بسبب وجود تقارير على حصول عمليات قتل بين الاشخاص الشيعة باحدى اليدين والسنة باليد الاخرى. ولكن يبدو لي ان ذلك لحد الان هو من افعال مجاميع صغيرة". ويضيف "ان هذه الافعال تشير الى مافيا منظمة اكثر من وجود تحشيدات طائفية تلقائية".
لقد كان اية الله العظمى على السيستاني، القائد الديني للشيعة في البلاد، صوتا مثابرا من اجل تخفيف التوترات الطائفية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي صادق على حكومة الوحدة الوطنية التي تتضمن السنة.
يقول البياتي من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بان مثل هذا التفكير المستنير سيبقي الغطاء مقفلا، "فالتوتر السياسي نفسه لايمكن ان يقود الى الحرب الاهلية. لكن الطائفية هي سبب محتمل، غير ان موقع القيادة سحب البساط من تحت هذا الاحتمال".
العامل الأجنبي
يحذر جوان كول، وهو استاذ في جامعة متشيغان ومتخصص في العراق، من الاستنتاج انه طالما كان العراق في خضمم حرب اهلية فانه لا يهم اذا ما بقت فيه القوات الاجنبية او انسحبت منه. ويقول وهو يسترجع الاحداث الدمويةالتي شهدها في الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990)، انه يتخيل ان الوضع سيكون اسوأ بكثير اذا ما انسحبت القوات الامريكية قبل الاوان، او خفضت قواتها بشكل ملحوظ. ويضيف ان تآكل الدعم الشعبي الامريكي قد تسبب في ضعف حضور الولايات المتحدة في الشارع العراقي، مما سيشجع رجال الميليشيا العاملين بشكل مغطى حاليا على الخروج الى العلن، ربما بتحضير هجمات منسقة على المدن المجاورة او الحكومة المركزية في بغداد. ويعتقد ان شرارة القدح الاخرى قد تكون كركوك. ففي كل الاحتمالات يرد الاكراد ان يجروا استفتاءا لضم مدينة كركوك المتنازع عليها الى اتحادهم الاقليمي. مضيفا "هل سيتقبل التركمان هذا الوضع؟ وهل سيتقبله العرب؟ تخميني انهم لن يفلعوا".
لقد تعود السنة لمدة طويلة على حكم العراق، اما الان فهم مهددون بالحرمان من ثروة البلاد النفطية، وهذا سبب اخر للثورة. فهم "يرون الكتابة على الجدران". ويحذر من ان أي حرب أهلية واسعة الإنتشار يحتمل لها ان تغرق جيران العراق، مما يؤدي الى زلزلة المنطقة وتهديد استقرارها. قد تسعى تركيا الى منع طمس الاقلية التركمانية في كركوك، فيما ترغب دول الخليج (الفارسي) [...] الى مساعدة السنة بينما تتدخل ايران لصالح الشيعة.
يعتقد فيرون، شأنه شأن كول، ان الانسحاب السريع للقوات الامريكية سيحفز الحرب الاهلية. ولكن من الناحية الاخرى، كما يقول، فان البقاء الى اجل غير مسمى لا يعطي الا حافزا ضئيلا للعراقيين لـ"تفعيل دورهم السياسي والعسكري معا". ويعتقد ان "الحضور الامريكي يجعل من المحتمل خوض المباحثات لتشكيل حكومة ذات مستوى معين من الفاعلية، ولكن من المحبط انني لا ارى تلك المباحثات التي تؤدي الى انقاذ الموقف بدون حضور امريكي قوي"، وكما تبدو عليه الامور الان فانه "ليس هناك في الحقيقة خروج لطيف للولايات المتحدة".
Wednesday, January 04, 2006
مسؤول امريكي سابق في العراق يحال الى القضاء
عن: النيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
في ما يبدو انه بداية لسلسلة من التهم الجنائية القضائية ستوجه ضد المسؤولين والمقاولين المشرفين على اعادة اعمار العراق، فقد وجهت التهم لاحد المسؤولين السابقين، ويدعى فيليب اتش بلوم، بدفع مئات الالاف من الدولارات كرشاوى وعطايا الى مسؤولي سلطة الاحتلال الامريكية وزوجاتهم للحصول على المقاولات الانشائية، استنادا الى لائحة الدعوى التي كشف عنها مؤخرا.
وكان بلوم، والذي ادار ثلاث شركات عملت في العراق في جهود الاعمار التي تقدر بعدة مليارات من الدولارات، قد وجهت له التهمة بالتآمر وتزوير التقارير وغسيل الاموال وتسهيل نقل وادخال مواد مسروقة الى الولايات المتحدة. وهذه كلها مرتبطة بالحصول على ما يصل الى 3.5 مليون دولار في مقاولات احتيالية موثقة.
وكانت لائحة الدعوى، التي اودعت في محكمة المقاطعة الفيدارلية في مقاطعة كولومبيا، قد طلبت حضور اثنين من المتآمرين للشهادة لم تذكر اسماءهم، من الذين عملوا في سلطة التحالف المؤقتة، وهي الادارة التي كانت تحكم العراق وقت احالة تلك المقاولات اوائل عام 2004. وقال جيمس ميتشل الناطق بلسان المفتش العام المختص بقضايا اعادة اعمار العراق: "هذه هي الحالة الاولى، ولكنها لن تكون الاخيرة". واضاف ان هناك ما يزيد على الاثني عشر قضية مشابهة لتلك قد احيلت الى وزارة العدل لدراسة امكانية اقامة الدعوى.
وقال محامي بلوم انه لا يعلم الا القليل عن هذه القضية ماعدا ما ورد لائحة الدعوى، ونحن بصدد مراجعة الادعاءات. وكان بلوم، والذي عاش في رومانيا لسنوات عديدة، قد تم اعتقاله مؤخرا في مطار ليبرتي الدولي بمدنية نيوارك.
وتقول لائحة الدعوى انه بغية الحصول على مقاولات اعادة الاعمار المربحة، فقد دفع بلوم مبلغ 200,000 دولار في الشهر الى عدد غير محدد من مسؤولي سلطة التحالف بضمنهم اثنين من المشاركين في المؤامرة. واشارتا الى ان احدهما يعمل بالتعاون من الادعاء العام. اما المتآمر الاخر، فهو مسؤول الحسابات والمالية لسلطة التحالف المؤقتة بمنطقة جنوب الوسط في العراق. وقد ادار هذا الشخص مبلغا قدره 82 مليون دولار تستخدم في دفع مستحقات العقود المنفذة في الحلة، والمتضمنة مقاولات احيلت بذمة بلوم نفسه. ويقول مسؤول حكومي ان اسم هذا الشخص هو روبرت جي ستاين.
وتقول الدعوى ان العقود التي حصل عليها بلوم قد خصصت لبناء العراق واستقراره في الحلة وكربلاء. وتضمن العمل تجديد بناية المكتبة العامة في كربلاء، وهدم الابنية القديمة ثم بناء اكاديمية الشرطة في الحلة محلها، ورفع المستوى الامني لاكاديمية الشرطة في الحلة، وانشاء مركز العشائر الاقليمي للديمقراطية". وتشير الوثيقة الى انه بمساعدة هؤلاء المشاركين في المؤامرة وغيرهم، فقد قام بلوم بتقديم اكثر من عطاء لنفس المقاولة مستعملا اسماء شركات مختلفة وهي اما مملوكة لبلوم نفسه او غير موجودة اصلا. وحينما تعلن المقاولات وتحال الى احدى تلك الشركات، فان هؤلاء المتآمرين بضمنهم ستاين، يصدقون على ان المقاولة احيلت اصوليا.
وتشير الدعوى "ان قيمة هذه العقود ترواحت بما دون الـ 498,900 دولار، حيث ان المتآمرين كانت لهم الصلاحية لاحالة العقود التي تقل عن 500,000 دولار". وكشفت ان الرشا الشهرية لمسؤولي التحالف قد تم توثيقها بالشهود العراقيين، واحد المتآمرين، وشخص آخر له معرفة شخصية بالمبالغ المدفوعة.
وتؤكد الدعوى انه في احدى الحالات فان السيد بلوم "الذي دفع الرشا المذكورة آنفا والاكراميات والعطايا، قد قام بتحويل اموال يبلغ مجموعها 267,000 دولار من حساب بمصرف اجنبي الى حساب مصرفي في الولايات المتحدة باسم المتآمر الاول وزوجته." وجاءت تحويلات اخرى من مصارف بالكويت وسويسرا وهولندا ورومانيا الى حسابات مصرفية للمتآمرين المدعى عليهم. وهناك بعض التحويلات الى صاغة، ووكلاء بيع السيارات والمؤسسات العقارية، لمنفعة العصبة المتآمرة على ما يبدو. وكتب العميل الخاص لمكتب المفتش العام، "اعتقد ان المعاملات المالية والنقدية الموصوفة اعلاه هي جزء من مؤامرة لمخالفة قانون الولايات المتحدة".
ولم تتوفر على الفور معلومات كاملة عن كل من بلوم وستاين. ولكن المفتش العام كان قد اشار من قبل انه في خضم العجلة للبدء بتنفيذ مشاريع اعادة الاعمار في منطقة حنوب الوسط فان العقود قد احيلت بشكل غامض، وباقل قدر من الاشراف.
ومن شأن هذه التهم ان تؤجج المزيد من النقد الى جهود اعادة البناء في العراق، والتي فشلت في الوصول الى مستوى آمال مسؤولي الولايات المتحدة. ان كمية كبيرة من الاموال المخصصة لاعادة البناء قد تم صرفها في مشاريع امنية، واصلاح آثار التخريب، وكلاهما نتج عن نشاطات المتمردين. وتعرضت هذه الجهود للنقد ايضا لفشلها في ان تأخذ بحسبانها المشكلات التي تواجه أي مشاريع بناء في العراق، بضمنها صعوبة زيارة مواقع تلك المشاريع.
ترجمة: علاء غزالة
في ما يبدو انه بداية لسلسلة من التهم الجنائية القضائية ستوجه ضد المسؤولين والمقاولين المشرفين على اعادة اعمار العراق، فقد وجهت التهم لاحد المسؤولين السابقين، ويدعى فيليب اتش بلوم، بدفع مئات الالاف من الدولارات كرشاوى وعطايا الى مسؤولي سلطة الاحتلال الامريكية وزوجاتهم للحصول على المقاولات الانشائية، استنادا الى لائحة الدعوى التي كشف عنها مؤخرا.
وكان بلوم، والذي ادار ثلاث شركات عملت في العراق في جهود الاعمار التي تقدر بعدة مليارات من الدولارات، قد وجهت له التهمة بالتآمر وتزوير التقارير وغسيل الاموال وتسهيل نقل وادخال مواد مسروقة الى الولايات المتحدة. وهذه كلها مرتبطة بالحصول على ما يصل الى 3.5 مليون دولار في مقاولات احتيالية موثقة.
وكانت لائحة الدعوى، التي اودعت في محكمة المقاطعة الفيدارلية في مقاطعة كولومبيا، قد طلبت حضور اثنين من المتآمرين للشهادة لم تذكر اسماءهم، من الذين عملوا في سلطة التحالف المؤقتة، وهي الادارة التي كانت تحكم العراق وقت احالة تلك المقاولات اوائل عام 2004. وقال جيمس ميتشل الناطق بلسان المفتش العام المختص بقضايا اعادة اعمار العراق: "هذه هي الحالة الاولى، ولكنها لن تكون الاخيرة". واضاف ان هناك ما يزيد على الاثني عشر قضية مشابهة لتلك قد احيلت الى وزارة العدل لدراسة امكانية اقامة الدعوى.
وقال محامي بلوم انه لا يعلم الا القليل عن هذه القضية ماعدا ما ورد لائحة الدعوى، ونحن بصدد مراجعة الادعاءات. وكان بلوم، والذي عاش في رومانيا لسنوات عديدة، قد تم اعتقاله مؤخرا في مطار ليبرتي الدولي بمدنية نيوارك.
وتقول لائحة الدعوى انه بغية الحصول على مقاولات اعادة الاعمار المربحة، فقد دفع بلوم مبلغ 200,000 دولار في الشهر الى عدد غير محدد من مسؤولي سلطة التحالف بضمنهم اثنين من المشاركين في المؤامرة. واشارتا الى ان احدهما يعمل بالتعاون من الادعاء العام. اما المتآمر الاخر، فهو مسؤول الحسابات والمالية لسلطة التحالف المؤقتة بمنطقة جنوب الوسط في العراق. وقد ادار هذا الشخص مبلغا قدره 82 مليون دولار تستخدم في دفع مستحقات العقود المنفذة في الحلة، والمتضمنة مقاولات احيلت بذمة بلوم نفسه. ويقول مسؤول حكومي ان اسم هذا الشخص هو روبرت جي ستاين.
وتقول الدعوى ان العقود التي حصل عليها بلوم قد خصصت لبناء العراق واستقراره في الحلة وكربلاء. وتضمن العمل تجديد بناية المكتبة العامة في كربلاء، وهدم الابنية القديمة ثم بناء اكاديمية الشرطة في الحلة محلها، ورفع المستوى الامني لاكاديمية الشرطة في الحلة، وانشاء مركز العشائر الاقليمي للديمقراطية". وتشير الوثيقة الى انه بمساعدة هؤلاء المشاركين في المؤامرة وغيرهم، فقد قام بلوم بتقديم اكثر من عطاء لنفس المقاولة مستعملا اسماء شركات مختلفة وهي اما مملوكة لبلوم نفسه او غير موجودة اصلا. وحينما تعلن المقاولات وتحال الى احدى تلك الشركات، فان هؤلاء المتآمرين بضمنهم ستاين، يصدقون على ان المقاولة احيلت اصوليا.
وتشير الدعوى "ان قيمة هذه العقود ترواحت بما دون الـ 498,900 دولار، حيث ان المتآمرين كانت لهم الصلاحية لاحالة العقود التي تقل عن 500,000 دولار". وكشفت ان الرشا الشهرية لمسؤولي التحالف قد تم توثيقها بالشهود العراقيين، واحد المتآمرين، وشخص آخر له معرفة شخصية بالمبالغ المدفوعة.
وتؤكد الدعوى انه في احدى الحالات فان السيد بلوم "الذي دفع الرشا المذكورة آنفا والاكراميات والعطايا، قد قام بتحويل اموال يبلغ مجموعها 267,000 دولار من حساب بمصرف اجنبي الى حساب مصرفي في الولايات المتحدة باسم المتآمر الاول وزوجته." وجاءت تحويلات اخرى من مصارف بالكويت وسويسرا وهولندا ورومانيا الى حسابات مصرفية للمتآمرين المدعى عليهم. وهناك بعض التحويلات الى صاغة، ووكلاء بيع السيارات والمؤسسات العقارية، لمنفعة العصبة المتآمرة على ما يبدو. وكتب العميل الخاص لمكتب المفتش العام، "اعتقد ان المعاملات المالية والنقدية الموصوفة اعلاه هي جزء من مؤامرة لمخالفة قانون الولايات المتحدة".
ولم تتوفر على الفور معلومات كاملة عن كل من بلوم وستاين. ولكن المفتش العام كان قد اشار من قبل انه في خضم العجلة للبدء بتنفيذ مشاريع اعادة الاعمار في منطقة حنوب الوسط فان العقود قد احيلت بشكل غامض، وباقل قدر من الاشراف.
ومن شأن هذه التهم ان تؤجج المزيد من النقد الى جهود اعادة البناء في العراق، والتي فشلت في الوصول الى مستوى آمال مسؤولي الولايات المتحدة. ان كمية كبيرة من الاموال المخصصة لاعادة البناء قد تم صرفها في مشاريع امنية، واصلاح آثار التخريب، وكلاهما نتج عن نشاطات المتمردين. وتعرضت هذه الجهود للنقد ايضا لفشلها في ان تأخذ بحسبانها المشكلات التي تواجه أي مشاريع بناء في العراق، بضمنها صعوبة زيارة مواقع تلك المشاريع.
Subscribe to:
Posts (Atom)