عن: لوس انجلس تايمز، بقلم: ناثانيل فيك (نقيب سابق في البحرية الامريكية خدم في افغانستان والعراق وألف كتاب "على مسافة طلقة واحدة: صناعة ضابط في البحرية الامريكية")
ترجمة:علاء غزالة
ان مقارعة التمرد هو عمل بطيء وتسوده الفوضى. ومن الصعب بمكان تحويل الجنود العراقيين الى محاربيين اشداء. ولكن الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا لا يمكن تعتبر متماسكة ويعول عليها ما لم يتمكن العراقييون من توفير الامن لبلدهم. ان نافذة الفرص المتاحة لتدريبهم سرعان ما ستغلق. انا شخصيا تلقيت التدريب كعنصر في مشاة البحرية الامريكية قرابة عامين –سنة واحدة في الصفوف الدراسية والاخرى في العمل- قبل ان اشعر بانني جاهز للعمل. ولكن القوات العراقية لا تمتلك هذا القدر من الزمن، ولذلك فمن الضروري ان يتركز التدريب على ما هو اساسي جدا. وعلى العكس من الكثير مما نسمع، فان تدريب القوات العراقية ليس قائما بشكل اساسي على تعليم مهارات الرماية والتكتيكات الاولية. كما ان المقياس الامثل للتقدم لا يعتمد على عدد الألوية القادرة على القتال بمفردها. بالمقابل، فان التدريب الناجح للقوات العراقية يرتكز على ثلاثة دعامات: التعريف بالانظمة والقوانين التي تضمن الولاء للسلطة الشرعية، وتنمية القوات التي تقاتل الى جانب الوحدات الامريكية، وضمان ان الجيش العراقي هو قوة تتكامل مع المجتمع.
والتحدي الاكبر الذي نواجهه يكمن في كيفية ترسيخ نوع من الانضباط الذاتي والذي يمكن ان يدوم بعد نرحل. ولتحقيق ذلك، فقد أكدنا على الحماسة في التدريب على المهارات القتالية، واقناع العراقيين على تبني قيم قتالية متنامية باضطراد. اخيرا، فان الامريكيين والعراقيين قاموا بتطبيق هذه القيم بشكل متبادل لتحسين الانضباط. ان الضبط هو حجر الاساس للنجاح، فهو يبقي الجنود في حالة تقدم باتجاه اطلاق النار في الوقت الذي تحث الغريزة الانسانية على الهروب بالاتجاه الاخر. وبالنسبة للحكومة العراقية الحديثة العهد، فان هذا الضبط يضمن بقاء الجيش خاضعا للسطلة الشرعية.
سوف تبقى السلطة المدنية في العراق هدفا للتمرد لفترة من الزمن. وهذا هو السبب في ان القوات العراقية يجب ان تدرب على القتال صحبة القوات العكسرية الامريكية كخطوة مهمة في طريق الاستقلال الذاتي النهائي. ان الدفع من اجل عمليات تقوم بها القوات العراقية بشكل مستقل تماما في وقت قريب سيؤدي الى التضحية بتطوير المؤسسات لصالح النفعية السياسية. يضاف الى ذلك ان القوات الامريكية والعراقية يمكن لها ان تقدم الكثير بالعمل معا، اكثر مما لو عملت بشكل منفرد. فالجيش الامريكي يساهم في الدعم القتالي واللوجستي والارشاد العملياتي. اما العراقيون فانهم يضيفون الوعي الثقافي والاستخبارات البشرية والسلطة المعنوية. وما تمتلكه القوات العراقية يُعدّ لبّ النجاح في استرتيجية مقارعة التمرد. ان حربا كتلك التي تدور في العراق لا يمكن ان تكسب بالمعدات المتطورة فقط، يشهد على ذلك الفوضى التي تسببها القنابل المزروعة على جانب الطريق في صفوف الجيش الاكثر تدريبا وتجهيزا في العالم. وليس هناك اصلاح تقني، فالمدرعات الكثر سماكة انما تستجلب قنابل اكثر شدة. ان الحل الاكثر ديميومة هو ان يقوم الناس الاصدقاء بالكشف عن مكان زرع القنابل. وبعبارة اخرى فان المعلومات من المواطنين العراقيين مطلوبة لتحقيق النصر.
ان غياب مثل هذه المعلومات يسمح لعدد قليل نسبيا من المسلحين الناشطين بخلق حالة من الصخب والتشويش، بينما يعومون على بحر من المناصرين المستترين. للحصول على المعلومات يجب ان تحوز اولا على ثقة الشعب العراقي، كما يجب ان تظهر تقدما في ساحة المعركة. ومفتاح ذلك هو الرأي العام للمواطنين العراقيين. ولكن القوات الغربية لن تستطيع ان تجمع العراقيين حولها اذا كانوا يرون ان القوات العراقية طائفية او وحشية، والتي يجب ان تكون على خلاف التركيبة القديمة، والمكونة من قطاع الطرق المتنفذين والمجندين البائسين.
اعتمدت الجهود الاولية في تطوير القوات الامنية العراقية على المجندين المحليين. وهذا ما اعطى المتمردين، خصوصا في محافظة الانبار، الفائدة لمعرفة من يعمل لصالح الحكومة، ومن ثم تهديدهم او قتلهم، وفي بعض الاحيان مع عائلاتهم. وكان الحل هو التجنيد من اماكن اخرى في العراق وارسالهم للخدمة في الانبار. ولكن ذلك ادى الى ان يكون الجيش العراقي ذا اغلبية ساحقة من الجنوب، مما قوى التفرقة الطائفية، وعرقل التكامل الاجتماعي، واحدث ثلمة في شرعية الجيش لدى البعض.
ان التدريب الناجح للمجندين العراقيين يجب ان يضع في الحسبان ان عوائلهم تعيش عند او قرب ساحة المعركة. وتجب حماية هؤلاء الابرياء، اذا كان للجيش ان يضم خليطا من المواطنين العراقيين. ان الدعامات الثلاثة في تدريب العراقيين الناجح، وهي الانضباط والتعاون والشمولية، تتطلب قيادة مميزة. ومن المعلوم ان هناك ثلاثة واجبات للضابط: ان يكون جاهزا دائما، وان ينتصر في كل مرة، وان يعيد جنوده الى المجتمع بوضع افضل من الذي كانوا عليه. والمهمتان الاوليتان ليستا صعبتين، ولكن الثالثة تمتد فيما وراء الخدمة العسكرية، وهو الاختبار الحقيقي. ان تطوير القوات الامنية العراقية هو تصغير لمشكلة اكبر: تشجيع الاحساس المشترك بالمصلحة الوطنية العراقية. وهذه العملية هي بطئية وتسودها الفوضى، ولكن ليس هناك خيار اخر.