Wednesday, March 15, 2006

الخيار الحقيقي في العراق

بقلم: زبيغنيو برزيزنسكي، مستشار الامن القومي الاسبق في عهد الرئيس جيمي كارتر
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

- "سنحضرهم".. الرئيس بوش متحدثا حول المتمردين، صيف 2003
- التمرد هو في "المخاض الاخير".. نائب الرئيس تشيني، صيف 2005

الانحطاط المنمق للإدارة الأمريكية يفصح عن نفسه. لحد الآن، مع بعض الحظ ومع عملية صنع قرار أكثر انفتاحا في البيت الأبيض، وبتنامي الجرأة السياسية من جانب الزعماء الديمقراطيين، وحتى بتشجيع من القادة العراقيين الموثوقين، فان الحرب الأمريكية في العراق يمكن (وينبغي لها) أن تنتهي في غضون عام واحد. "النصر او الهزيمة" هو في الواقع خيار استراتيجي خاطئ. فباستخدام مثل هذه الصياغة، يحمل الرئيس بوش الشعب الأمريكي على الاعتقاد بان هناك الخيارات هي إما "البقاء والنصر" أو "الانسحاب والخسارة". ولكن الخيار الحقيقي العملي هو: "الإصرار دون تحقيق النصر" أو "الكف دون الوقوع في الهزيمة".
يبدو أن النصر، كما يعرف من قبل الإدارة ومناصروها (تحقيق ديمقراطية مستقرة وعلمانية في دولة عراقية موحدة، وسحق التمرد من قبل الجيش الأمريكي بمعونة الجيش الوطني العراقي المنضبط والذي دربته القوات الأمريكية)، قد أصبح مشكوكا فيه. فلتحقيق ذلك، لابد من أن يكون الجيش الأمريكي اكبر من الحالي بشكل ملحوظ، وان تكون القوات العراقية الساندة لجهود مقارعة التمرد بقيادة الولايات المتحدة متحمسة أكثر. إن القوات الأمريكية الحالية، والتي سرعان ما سيخفض عددها، غير كافية لسحق التمرد المناوئ للولايات المتحدة أو لإيقاف النزاع الطائفي السني-الشيعي. وكلتا المشكلتين ترشحان باستمرار تحت وطأة الاحتلال الأجنبي غير الحاسم والذي يتعاظم بغضه.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن الشيعة أو الأكراد يركزون اهتمامهم على توحيد العراق بوجود جيش وطني أصيل واحد. وفي الوقت الذي ظهرت فيه المساومات لتشكيل الحكومة الجديدة، فان القوتان الرئيستان في العراق، التحالف الديني الشيعي والانفصاليون الأكراد، يتقاسمون هدفا مشتركا يتمثل في منع عودة هيمنة السنة، وقد عزم كلاهما على الاحتفاظ بقوة عسكرية منفصلة للدفاع عن مصالحها الخاصة، بشكل اكبر على حساب السنة. إن جيشا وطنيا حقيقا بهذه الكيفية هو مجرد وهم. إن الاستمرار في الإصرار على تحقيق "النصر" بهذا النمط يحكم على أمريكا بدفع الثمن مزيدا من الأنفس والأموال، ناهيك عن ازدياد المعارضة الإسلامية والتآكل الشديد في الشرعية الدولية لأمريكا ومصداقيتها وسمعتها الأخلاقية.
كما إن تعريف الإدارة لـ"الهزيمة" مضلل بشكل مشابه. فالمتحدثون الرسميون وغير الرسميين يتكلمون المرة تلو الأخرى مسترجعين التنبؤات الماضية والتي تخص العواقب المحتملة للفشل الأمريكي في تحقيق النصر بفيتنام: تساقط قطع الدومينو، انفجار المنطقة، وفقدان مصداقية القوة الأمريكية. وتم إضافة لمسة تتمثل بمبدأ أن المتمردين العراقيين سوف يعبرون الأطلسي لإثارة الإرهاب في عقر الوطن الأمريكي.
إن الخيار الحقيقي الذي تجب مواجهته هو القبول بالحقائق العراقية المعقدة في فترة ما بعد صدام حسين من خلال فك اشتباك نسبي للجيش، وهذا يتضمن فترة انتقالية وتمهيدية بالرغم من النزاع السياسي المكثف، لحين جلاء الغبار وإعداد الفئات العراقية لترتيباتها السياسية الخاصة. يمكن أن يستمر الاحتلال العسكري غير الحاسم لسنوات قبل أن يتم تحقيق الهدف غير المحدد. واقل ما يقال أن من المشكوك استمرار مساندة السياسيين الأمريكيين المحليين في جهود لا طائل منها لمدة طويلة تحت شعار كون العراق هو "الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب".
وعلى النقيض، فان فك اشتباك الجيش بحلول ناهية عام 2006، المتأتي عن تحديد أكثر واقعية للنتائج الملائمة، يمكن أن تؤكد أن الكف ليس مكافئا للهزيمة. في العراق الذي يهيمن عليه الشيعة والأكراد –الذين يشكلون معا ما يقارب 75% من السكان- فان كلا الشعبين سوف يتشاطران المصلحة الوطنية المشتركة المتمثلة بالعراق كدولة مستقلة. فالأكراد الذين حصلوا على الحكم الذاتي بما يشبه الاستقلال، سوف يكونون -بخلاف ذلك- مهددين من قبل الأتراك. كما إن الشيعة العراقيين هم عرب قبل كل شيء وليس لديهم أية رغبة في أن يكونوا تابعين لإيران. بعض السنة، حالما يدركون أن الاحتلال الأمريكي يقترب من نهايته وأنهم سوف يواجهون التحالف الشيعي-الكردي الغامر، سوف يكونون أكثر ميلا لتقبل الحقائق السياسية الجديدة، خصوصا عندما يحرمون من التباكي على المقاومة للمحتل الأجنبي.
بالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن تتحصن كل من مناطق الكويت وكردستان بتواجد أمريكي دائمي تحسبا لأي طارئ مفاجئ. وحالما تنهي الولايات المتحدة الاحتلال العسكري، يصبح من السهل إعداد خطة لمشاركة قوات إسلامية -بشكل ما- في قوات حفظ السلام في العراق، ويمكن أن تساعد هذه المشاركة في تهدئة مشاعر العداء لأمريكا في المنطقة.
على كل حال، بينما يشتد التنافس بين السياسيين العراقيين، فمن شبه المؤكد أن القادة السياسيين العراقيين الأصليين (غير المنتقين من قبل الولايات المتحدة) -تحقيقا لشرعية توليهم السلطة- سوف يطالبون بموعد حاسم لانسحاب القوات الأمريكية، وذلك كله يسير باتجاه حسن. في الواقع يجب أن يتم تشجيعهم بهدوء لفعل ذلك، لان ذلك سوف يزيد من مساندتهم الشعبية، بينما يسمح للولايات المتحدة أن تعيد تعريف مصطلح "أنجزت المهمة" بشكل مقتصد.
الخطوة الأساسية الأولى للوصول إلى هذه الغاية أن يخرج الرئيس من شرنقته الحالية. إن رسم سياسته وخطبه هي نتاج مجموعة الدعاة الصادقين المحيطين به، والذين يعتبرون مسؤولين بشكل كبير عن الفوضى في العراق. فهم لديهم حدا خاصا في تعريفهم للنصر، وهم يعززون قناعاته بدلا من تنقيح أحكامه. إن الرئيس هو بأمسّ الحاجة لتوسيع دائرة مستشاريه. لماذا لا يعمد إلى استشارة الديمقراطيين والجمهوريين الإجلاء والذين لا يجرون وراء المناصب، ولنقل وارن رودمان أو كولن باول أو لي هاميلتون أو جورج ميتشل، بشأن النتيجة المحتملة والتي يمكن إحرازها في العراق؟
وأخير، يجب على الديمقراطيين الكف عن المراوغة عند توجيه النقد. إن هؤلاء الذين يرومون تولي السلطة عام 2008 هم بالتحديد غير راغبين في التصريح بوضوح أن إنهاء الحرب فورا هو أمر مرغوب فيه وذو جدوى. فهم يخشون أن يوصموا بأنهم غير وطنيين. ومع ذلك فان إيجاد بديل عملي سوف يوفر بينة سياسية فعالة لأولئك الغافلين الذين ينشدون "نصرا" غير ممكن التحقيق. إن الأمريكيين بحاجة إلى إيجاد خيار حقيقي فيما يخص البلوى المأساوية في العراق.