كراهام إي فوللر
نائب رئيس مجلس المخابرات القومي في وكالة الاستخبارات المركزية.
وصدر له حديثا كتاب "مستقبل الاسلام السياسي"ـ
عن: الهيرالد تريبيون
ترجمة: علاء غزالة
ليس لدى واشنطن اصدقاء في العراق..
الولايات المتحدة وصلت الى نقطة تحول مع الشيعة في العراق. ان سكون هذه القوة المهيمنة، والتي تمثل طائفة متحدة نسيبا، كان هو العامل الاساس في قدرة الولايات المتحدة على ابقاء الغطاء فوق العراق لحد الان. ولكن الوضع بدأ يتغير.
لم يَكنّ الشيعة يوما اي ودّ للولايات المتحدة بالتحديد. وهم لا يزالون يشعرون بالمرارة لما رأوه خيانة من الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الاولى، عندما دعا جورج بوش الاب الى انتفاضة ضد صدام حسين، ولكنه تنحى جانبا فيما بعد عندما قامت قوات صدام بالقضاء على هذه الانتفاضة بوحشية، مما ادى الى خسائر هائلة بين الشيعة.
بالنسبة للولايات المتحدة بعد الثورة الايرانية عام 1979 وازمة الرهائن الدبلوماسيين في طهران، فقد طـُورت نغمة في واشنطن تقول: "الشيعة سيئون، السنة طيبون". لقد كان الشيعة هم اعداء امريكا الثوريين في المنطقة.
ولكن بعد ظهور القاعدة، واحداث 11 ايلول، واندلاع التمرد السني ضد الاحتلال الامريكي للعراق، وسكون شيعة العراق، فقد تحولت النغمة العاملة في واشنطن الى: "الشيعة طيبون، السنة سيئون". اليوم من الصعب ان نعرف من هم الطيبين.
لقد كان هناك شيء واحد واضح عشية الحرب على العراق: الشيعة يفضلون التخلص من صدام واحتلال وجيز، فقط اذا وعدت الولايات المتحدة بتسليم السلطة الى الاغلبية الشيعية عن طريق صناديق الاقتراع. لقد اصبح هذا الان من الماضي. فيما يخص معظم الشيعة فان الولايات المتحدة قد انهت بشكل اساس مهمتها وعليها ان ترحل.
ولكن الشيعة، على كل حال، انقسموا حول متى يجب ان ترحل الولايات المتحدة. فالبعض لا زال يرغب في بقاء امريكا لمدة اطول قليلا للمساعدة في القضاء على التمرد واستقرار البلاد، مما سيؤدي الى تأمين حكم الشيعة. ولكن اخرون –قد يكونون هم الاغلبية الان- يخشون ان يكون اعتمادهم على سيف الولايات المتحدة يلحق ضررا في شرعية حكومة الشيعة. تحت هذه الظروف، يمكن للاقلية السنية ان تدعي انها "القوة الوحيدة التي وقفت بوجه الاحتلال الامريكي".
لذلك، بالنسبة لاغلب الشيعة، فان اسرع طريقة للحصول على الشرعية الوطنية والاستحقاق الوطني ربما ستكون بالمشاركة في الدعوة لانهاء الاحتلال المريكي. لقد تمسك (جمرة الشيعة)، مقتدى الصدر، بهذه الدعوة منذ فترة طويلة وهو – في الحقيقة– يحاول ان يصوغ إئتلافا شيعيا – سنيا مبنيا على المصلحة المشتركة في انهاء الاحتلال فورا.
ومع قيام السفير الامركي في العراق، زلماي خليلزاد، بايصال رسالة الرئيس جورج دبليو بوش النافرة والتي تقول ان رئيس الوزراء الحالي ابراهيم الجعفري يُعد غير مقبول لدى واشنطن، ويجب ان لا يسعى للحصول على دورة ثانية، فان انفصال الشيعة عن واشنطن ربما اصبح وشيكا.
ليس كل الشيعة يرغبون بالجعفري رئيسا للوزراء. ولكن الولايات المتحدة بنظرهم قد اظهرت تسلطا مفضوحا باخبارها الشيعة من يجب ومن لا يجب ان يتولى حكومتهم المستقلة ظاهريا. الولايات المتحدة تضغط على الشيعة للتخلي عن السيطرة على وزارات حيوية وسيادية، كالاستخبارات والداخلية وهما ليسا استهلالا بالتأكيد. لم ينتظر الشيعة نصف قرن للحصول على السلطة ليتخلوا عن هذه المسؤوليات الامنية لمضطهديهم السابقين ومنافسيهم الحاليين. ربما يعمل اية اللة العظمى علي السيستاني لضمان عدم تخلي الشيعة عن هذه القضايا.
قد يبدل التحالف الشيعي مرشحه لرئيس الوزراء، فقط تحت شعار الحفاظ على الوحدة. ولكن اي مرشح جديد، يسمى – على الارجح– من قبل السيستاني، يجب ان يطمئن العديد من العناصر الشيعية، سواء الصديقة او غير الصديقة للولايات المتحدة، بضمنها الجعفري والصدر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق المحابي لايران.
ولعل من المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة ان تساعد في التغلب على مخاوف السنة وشكاواهم بالاصطفاف مع مطالبهم بالمزيد من السلطات للسنة. ولكن الهيمنة الشيعية السياسية الحالية هي قانونية تماما استنادا الى الدستور الذي ساعدت الولايات المتحدة في كتابته. فهو يعكس الاغلبية الديمغرافية المطلقة للشيعة. وفي هذه الفترة على الاقل، فان الولاءات الطائفية هي العملة السياسية والمصدر الاساس للامن بالنسبة لاي مواطن. ان ذلك يترك فصلا ضئيلة للمساومة.
وحتى اذا كانت توجهات واشنطن في هذه النقطة تميل نحو السنة، فانهم سوف يقدمون تطمينات ثمينة ولكن قليلة لمصيبة بوش.
السنة هم اكثر عداءا لامريكا، واكثر توجها للعرب من الشيعة. وهم عازمون على انهاء الاحتلال باسرع وقت ممكن. ورجال الدين السنة هم اعداء شديدوا المراس لامريكا، وثوارهم الجديون هم فقط البعثيون العلمانيون. ان استرضاء السنة الان – لذلك– سوف يزيد قليلا من استعجال انفصال جمهور الشيعة عن واشنطن، ولكنها لن تقلل نشاطات التمرد لاخراج الولايات المتحدة.
مهما اجتهد السفير خليلزاد في تطبيق سياسة (فرق تسد)، فان القليل من خياراته كان جيدا. الحقيقة الحزينة ان كلا من الشيعة والسنة اصبحوا يتنافسون بينهم في الدفع للتخلص من الامريكان. لم يعد تغيير نغمة "الطيب والسيء" موثوقا بعد الان.