كتابة: ديفيد اغناتيوس
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
بينما تخوض الامة (الامريكية) في جدل حول كارثة العراق، جالت افكاري في الكارثة التي لم تقع في المملكة العربية السعودية. هناك بعض الدروس في القصة السعودية قد تساعد في توضيح خيارات ادارة بوش وهي تقترب من ساعة الحساب في المنطقة.
اولاً لنعطي بعض الخلفيات: قبل عشر سنوات اعلن اسامة بن لادن حربا على الولايات المتحدة لـ"طرد الكفار من جزيرة العرب". كانت احد الافكار في الفتوى التي اصدرها في 23 آب 1996، ان امريكا رغم كل قوتها العسكرية كانت ضعيفة. فهي هربت من الهجوم الارهابي في بيروت والصومال، وهي ستهرب كذلك من المملكة العربية السعودية. لقد قال ابن لادن عن اتباعه من الارهابيين: "ان هؤلاء الشباب يحبون الموت بقدر ما تحبون انتم الحياة".
وقد جاءت مصداقية هذه الكلمات واضحة في الحادي عشر من ايلول 2001، حينما قاد خمسة عشر ارهابيا سعودي المولد هجوما انتحاريا على رموز قوة امريكا. وبطريقة ما نجح مخطط لعبة القاعدة: احتلال امريكا الاخرق للعراق اشعل رد فعل عنيف هناك، والان ينفد صبر الشعب الامريكي على الحرب، تماما كما توقع ابن لادن.
ومع أخذ الانسحابات الامريكية تلك في الاعتبار، فان من السهولة نسيان ان ابن لادن قد فشل في اهدافه الستراتيجية من هجمات 11 ايلول، والتي تمثلت في الاطاحة بالنظام الملكي في بلده الام،المملكة العربية السعودية. هذه المملكة، وهي الجائزة الحقيقة في المنطقة، اصبحت اقوى واكثر امنا مما كانت عليه قبل خمس سنوات.
ومن المؤكد ان السعودية هي ليست بالضبط حجر الاستقرار، ولكن منجزاتها قد اظهرتها دراسة حديثة قام بها نواف عبيد، وهو محلل سعودي مستنير يعمل مستشارا لحكومته. وقد لاحظ انه منذ آيار 2003 احبطت القوات السعودية اكثر من 25 هجوما رئيسا، وقتلت او القت القبض على 264 عنصر في القاعدة، واعتقلت 845 اشخاص آخرين على صلة بالقاعدة. وقد تم قتل او اعتقال جميع الارهابيين الذين وردوا على قائمة الاكثر 26 مطلوبا، ما عدا واحدا.
وربما كان المنجز الاكثر اهمية ان السعوديين قد بدأوا باختراق شبكات المتطرفين دينيا الذين وفروا ارضية لعمل القاعدة. وتشرف وزارة الداخلية السعودية، التي كانت ذات مرة مصدرا خفيا لمساندة الجهاديين، على ما يدعوه عبيد "برنامج اعادة التعليم الايديولوجي"، الذي يشرف عليه رجال دين واساتذة جامعيون. ويقول عبيد ان اكثر من 400 شخص قد تم اطلاقهم من هذا البرنامج.
وتنتهج اسرة آل سعود، وهي عشيرة غامضة تحكم الممكلة النفطية، نهجا اكثر ثباتا تحت قيادة الملك عبد الله. وقد اعلن السعوديون في الشهر الماضي –بشكل غير ملحوظ تقريبا– عن تشكيل مجلس جديد للاشراف على انتقال السلطة الى الجيل التالي. وكما هو حال الكثير من مظاهر الحكومة السعودية فان التفاصيل ضبابية، ولكن الخطة تبدو انها توفر اطارا قانونيا لاختيار خلف الملك وولي العهد، مما يقلل من خطر ازمات سياسية مستقبلية.
ما هي الدروس المستفادة من تراجع المملكة العربية السعودية عن حافة الكارثة المتوقعة؟ اكثرها اهمية ان السعوديون قرروا اتخاذ مسؤولية امنهم على عاتقهم بدلا من الاعتماد على امريكا التي يرفضها الكثيرون في المملكة. بعد عام 2003 ادرك السعوديون انهم يواجهون تهديدا ارهابيا مميتا، وبدأوا في مقارعته بضراوة: فقد ركزوا على الحلول الوطنية، خفضوا من الوجود المرئي والمهين للقوات الامريكية، وواصلوا الاصلاحات السياسية، وزادوا من انتاج النفط.
كيف يمكن ان ينطبق ذلك على العراق؟ ينبغي على العراقيين، كما هو حال السعوديين، ان ينقذوا انفسهم، بالعمل من خلال اطر عمل سياسية اصيلة مبنية على ثقافتهم ودينهم ومنطقتهم. وكلما زدنا في احلال مشيئتنا محل مشيئتهم، بزيادة القوات او العِظات الامريكية، زدنا في اضعافهم. وكما هو الحال في السعودية، يجب ان نغادر ببطء، ولكن بتصميم، الى خارج منطقة الضوء ونتوارى في الظلال، مع الحفاظ على مهمة تدريب وارشاد القوات العراقية.
ان ما يحتوي الحرب الاهلية في العراق – خر المطاف– هو ان القوى الاقليمية لا يمكن ان تسمح بتمزيق العراق، لا ايران ولا سوريا ولا السعودية ولا الاردن ولا تركيا. كما لا يرغب معظم العراقيين في تفكيك دولتهم الموحدة. سوف يعيد العراقيون الاستقرار الى وطنهم حينما تتوحد "القوى الوطنية" – بضمنها تلك التي لا نحبها مثل جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر، والمسلحين السنة – في قضية مشتركة تحت تفويض اقليمي.
يمكن للولايات المتحدة وحدها ان تفاوض في مؤتمر اقليمي يسمح لانتقال سياسي في العراق. تلك هي قوتنا المؤثرة الان، النفوذ الدبلوماسي اكثر من القدرة العسكرية. واذا كانت السلطات المجاورة للعراق قادرة على وضع ضمادة لوقف نزيف الدم فيه، فمن الممكن لامريكا ان تبدأ بالانسحاب.