Sunday, September 07, 2014

المزيج القاتل في بنغازي- الفصل الثالث: السفير

اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية

كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج، التداعيات.



ترجمة: علاء خالد غزالة


الفصل الثالث: السفير


كان السفير ستيفنز يرى الافضل لليبيا على الدوام. وقد قَبِل بسرور دور عنصر الارتباط الاميركي مع الثوار عند بداية الانتفاضة. وفي ابريل 2011 اختار ان يبحر الى بنغازي على متن سفينة شحن يونانية بدلا من أخذ الطريق الاسهل برا من مصر، فقط ليستمتع برومانسية وصوله الى ليبيا الحرة.

وباعتباره خبيرا في الشؤون العربية، حيث عملا في ليبيا ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية، فان السيد ستيفنز، الذي كان يبلغ 52 عاما في ذلك الوقت، كان من بين الاصوات المؤثرة على السياسة الاميركية اتجاه ليبيا. وقد ساعد في تشكيل اقتناع ادارة اوباما بانها يمكن ان تعمل مع الثوار، حتى مع اولئك الذين كانوا معادين للغرب في السابق، من اجل بناء حكومة ديموقراطية صديقة.

كان الثوار، بضمنهم الاسلاميين، متحمسين لصداقة المبعوث الاميركي. يقول اشرف بن اسماعيل، وهو رجل اعمال ثري، ان العقيد القذافي "كان يقول ان الغرب يساند ارهابيي القاعدة"، ومن ثم فانه دعا السيد ستيفنز وبعضا من قادة الكتائب الاسلامية الى اجتماع في مضيفه الواسع لإزالة تلك المخاوف. وتعاهد الجميع على دعم بناء ديموقراطية حديثة في ليبيا. (رفض قادة المليشيات الاكثر تشددا حضور ذلك الاجتماع.)

ومع ذلك، عَلِم السيد ستيفنز والاميركيون الآخرون ان بنغازي لديها تاريخ من العنف ضد الدبلوماسيين الغربيين. ففي عام 1967، تعرضت القنصلية الاميركية في بنغازي الى التخريب والحرق على يد الجماهير الغاضبة من دعم اميركا لاسرائيل في الحرب العربية الاسرائيلية. وفي عام 2006، أحرقت جموع غاضبة القنصلية الايطالية بسبب قيام احد الوزراء في الحكومة الايطالية بارتداء قميص يسخر من النبي محمد.

وبحلول صيف عام 2002، بدأ نمط جديد من عمليات الكر والفر ضد المصالح الغربية في الظهور. وكانت هناك ثلاثة هجمات منفصلة في بنغازي اشتملت على متفجرات كان يستخدمها المحليون في صيد السمك، اثنتين على المجمع الاميركي وثالثة قرب قافلة للأمم المتحدة.

وأخبر محمد علي الزهاوي، قائد انصار الشريعة، صحيفة واشنطن بوست انه لا يوافق على الهجوم على الدبلوماسيين الغربيين، لكنه اضاف: "لو كنا نحن من يهاجم القنصلية الاميركية، لكنا سويناها بالأرض."

وبعد ان تسببت قذيفة صاروخية في اصابة احد حراس قافلة تابعة للسفير البريطاني بجروح خطيرة، بدأ البريطانيون في تحديد ظهورهم في بنغازي الى زيارات نهارية، وقاموا بايداع مركباتهم واسلحتهم داخل المجمع الاميركي في الليل قبل سفرهم الى طرابلس العاصمة.

لكن الاميركيين بقوا متفائلين. وشرح تقرير أُرسل بتاريخ 8 اغسطس 2012 وقّعه السيد ستيفنز الموقف الامني المتدهور، مُظهرا نبرة تفهم لغياب نظام الشرطة الفعال.
ولاحظ التقرير ترقب الليبيين لجهاز الامن القوي مباشرة بعد قضائهم على العقيد القذافي. وذكر التقرير ان "مجاميع متنوعة من اللاعبين المستقلين، ومن بينهم مجرمين وعناصر من النظام السابق بالاضافة الى المتطرفين الاسلاميين، كانوا يستغلون الفراغ [الامني]". ولكن التقرير لم يجد اشارات لحملة منظمة ضد الغرب.
واستنتج التقرير ان "ما نمر خلاله، وما عزم الناس هنا على خوض غماره، هو تحشيد وليس مؤامرة."
وكان لدى الاميركيين سبب آخر للشعور بالأمن: الفريق المكون من 20 شخصا من وكالة الاستخبارات المركزية العامل في مجمع غير مُعلَّم ببنغازي ويُعرف بـ"الملحقية"، والذي كان يبعد نصف ميل جنوب شرقي مقر البعثة.
كان بعضهم رجال قوات خاصة بمهارات عالية. يقول مسؤول في ادارة اوباما زار الموقع قبل بضعة شهور من الهجوم: "تعرفت الى الرجال الاحتياطيين في الملحقية، والذين كانوا مدربين ومجهزين بشكل مكثف."
بالاضافة الى قيام الفريق بشراء الاسلحة التي انتشرت اثناء الثورة، أُسندت الى الفريق مهمة جمع المعلومات الاستخبارية عن الارهابيين المناوئين للغرب وقادة المليشيات الكبيرة. لكن كانت هناك المئات من الكتائب الصغيرة، التي كانت ارتباطاتها مائعة ومتداخلة، وعادة ما وجد العملاء انفسهم يلجؤون الى السيد ستيفنز طلبا للنصيحة لانه بدا عارفا بقادة المليشيات اكثر من اي خبير اميركي آخر.
وقد توصل تحقيق وزارة الخارجية في الهجوم على البعثة انه على الرغم من خبرة السفير، وتواجد السي آي أيه هناك، "فقد كان هناك فهم قليل للمليشيات في بنغازي والتهديد الذي كانوا يمثلوه للمصالح الاميركية."
وأبقت السي آي أيه عينها مفتوحة على الاشخاص المعروفين بصلاتهم مع الشبكات الارهابية في الخارج، خصوصا اولئك المرتبطين بالقاعدة. وعادة ما ذكرت الايجازات الامنية المقدمة للدبلوماسيين سفيان بن قومو، وهو سائق سابق في شركة كان يديرها اسامة بن لادن.
وكان السيد قومو قد أُعتقل في الباكستان عام 2001 وأُحتجز لست سنوات في معتقل غوانتانامو بَاي قبل ان يعود الى وطنه في درنه، وهي مدينة ساحلية بالقرب من بنغازي والتي يُعرف عنها تركزها بالمتطرفين الاسلاميين.
بيد انه لا يبدو ان السيد قومو، او اي شخص آخر في درنه، قد لعب اي دور مهم في الهجوم على البعثة الاميركية، حسبما قال مسؤولون مطلعون على التحقيق والاستخبارات.
يقول احد الدبلوماسيين بليبيا في ذلك الحين: "لقد سمعنا الكثير عن سفيان بن قومو. لا اظن اننا سمعنا اي شيء عن انصار الشريعة."
وعمل قادة كبرى المليشيا المعتدلين على تطوير علاقات وثيقة مع الغربيين.
فقد اولع واحد على الاقل من قادة المليشيات الاسلامية في لعب كرة السلة بالمجمع البريطاني. وكان السيد بوكتف، من كتيبة 17 فبراير، فصيحا في اللغة الانكليزية وزار المجمع الاميركي في بنغازي مرات عديدة حتى "بدا الامر وكأنه افضل اصدقائي"، حسبما قال احد الدبلوماسيين متندرا.
يقول دبلوماسي غربي كان في بنغازي قبل فترة طويلة من الهجوم: "كنا نعتقد اننا قريبين منهم بشكل كافٍ"، مضيفا: "لقد اعتقدنا جميعا انه اذا حصل اي تهديد، فانهم سوف يخبروننا عنه."
ووجدت لجنة المراجعة التابعة لوزارة الخارجية "نزعة من جهة المسؤولين السياسيين والامنين والمسؤولين الآخرين في الحكومة للاعتماد على احتمالية تحذير الاستخبارات." ووصفت هجوم بنغازي بانه "تذكار صارخ" على المخاطر التي تحملها تلك النزعة.