Monday, September 08, 2014

المزيج القاتل في بنغازي- الفصل الثاني: صعود قائد المليشيا

اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية

كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج، التداعيات.



ترجمة: علاء خالد غزالة


الفصل الثاني: صعود قائد المليشيا

انه رجل طويل ذو كرش، ابتسامته تظهر اسنانا ذات فجوة، ولحيته تميل الى الشيب ولكنها تصل الى صدره بشقين. نشأ السيد ابو ختالة في حي الليثي ببنغازي، والذي سُمي باسم نهر النسيان في الميثلوجيا الاغريقية، والمعروف بتركز المليشيات الاسلامية فيه. وامضى معظم شبابه في معتقل ابو سليم بطرابلس، حيث سُجن بتهمة التطرف الاسلامي.
يبلغ الان 42 عاما من العمر ولكنه لم ينهِ دراسته الثانوية، كما انه لم يتزوج. ويعتاش بصورة معتدلة من عمله مقاولا انشائيا مرتديا بذلة العمال الزرقاء، ويعيش مع امه في بيت تزينه مزهرية ذات اوراد بلاستيكية في غرفة المعيشة.
وكان السيد ابو ختالة قد قال، في مقابلات استمرت لساعات أُجريت معه قبل ان يصبح المشتبه به الرئيسي في الهجوم، انه لا علاقة له بالقاعدة. ولكنه لم يُخفِ اعجابه بنسختها ابدا.
قال: "العداء بين الحكومة الاميركية وشعوب العالم هو قضية قديمة. لماذا تستخدم الولايات المتحدة القوة لفرض اجندتها على الدوام؟"
ويجادل ان المسلمين والمسيحين يخوضون حربا محتومة، مضيفا: "المشلكة في طبيعة الاديان. هناك عداء دائم بين الاديان."
وعلى الضد من الليبيين، لا يعبّر السيد ابو ختالة عن أي امتنان لدور الاميركيين في حملة الناتو الجوية التي اطاحت بالعقيد القذافي. يقول انه لو لم يتدخل الناتو، "فان الله كان سيساعدنا"، ويصرّ على انه كان يعلم "ان الولايات المتحدة تعمل مع كلا الطرفين"، وتسعى "لتقسيم البلاد."
لقد كان السيد ابو ختالة وحيدا ومعاكسا، حتى مع زملائه من الاسلاميين. يقول عنه احد الاشخاص، الذي يصف نفسه بالقائد الجهادي، وقد امضى معه اعواما في السجن انه غير مستقر. يقول القائد، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام: "اذا قال الشعب الليبي: لا نريد الاميركيين، فان ابو ختالة سوف يقول: اجلبوا لنا الاميركيين!"
يقول الشيخ محمد ابو سدرة، عضو البرلمان من بنغازي، والمقرب من الكثير من الاسلاميين المتشددين، والذي امضى 22 عاما في معتقل ابو سليم: "حتى في السجن، كان دائما منعزلا."
ويضيف: "انه مخلص، لكنه جاهل جدا، ولا اظن انه سليم عقليا مائة بالمائة. انا اسأل نفسي دائما، كيف تسنى له ان يصبح قائدا؟"
ولكن حينما نشبت الثورة ضد العقيد القذافي في بنغازي، اصبحت سنوات السيد ابو ختالة في ابو سليم اعتمادا جذابا. وتسابق الشباب للعثور على الشيوخ ذوي الحديث المتشدد الذين يمكن يتبعوهم في المعارك.
يقول عبد الباسط الشهابي، 44 عاما، الذي قاتل في افغانستان في اوائل التسعينيات: "سعى المراهقون للالتفاف حوله كما سعوا للالتفاف حولي." متذكرا اسئلتهم: "شيخ، شيخ، هل تعلم عن القاعدة؟ هل تعرفت الى اسامة بن لادن؟ كيف يمكن لنا ان نقاتل؟"
ويستذكر احد المراهقين ان السيد ابو ختالة "بدا رجل قويا" و"منضبطا جدا."
شكّل السيد ابو ختالة المليشيا الخاصة به من حوالي 24 رجلا، وسماها ابو عبيدة بن الجراح، تيمنا بالقائد الاسلامي المعروف. وبرز في الايام الاولى للانتفاضة ضد القذافي في عام 2011 بلا خوف، ليساعد في الدفاع عن المدينة التي استولى عليها الثوار، اجدابيا، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلدان حلف الناتو الاخرى تزن الخطوات لدعم الثوار.
ولكن شهرة السيد ابو ختالة ذاعت في انحاء بنغازي بعد ان قرر مجموعة من قادة المليشيات الاسلامية "اعتقال" الجنرال عبد الفتاح يونس، القائد الرئيسي لحركة الثوار، التي اضحت مدعومة من الناتو في ذلك الحين.
وكان الجنرال يونس وزيرا للداخلية لدى العقيد القذافي قبل ان يبرأ منه ويلتحق بالانتفاضة، وكان يُنظر اليه في الغرب على انه قائد مهني حيوي للحركة المتعددة الاطياف، والمعروفة باشتمالها على المتطرفين. ولكنه كان قد قاد حملات لتعقب الاسلاميين سابقا، وقد شكّوا في انه قد يخدعهم.
بعد ان ارسل الاسلاميون فريقا لأخذ الجنرال الى تحقيق قضائي مرتجل في يوليو 2011، احتجزه آسروه لليلة واحدة في مقر كتيبة السيد ابو ختالة. وفي اليوم التالي، عُثر على جثة الجنرال يونس مع اثنين من مساعديه على قارعة الطريق وقد نخرتها الطلقات النارية.
ليس هناك من دليل على ان السيد ابو ختالة قد ضغط على الزناد بنفسه، ولكن طالما حدث القتل في كتيبته "فانه اصبح بعبعا" في بنغازي، على حد تعبير السيد غرابي، قائد كتيبة راف الله السهاتي، الذي يضيف: "بدأ الناس في الخوف منه."
وبدا ان السيد ابو ختالة يستمتع بشهرته، ولم يفعل شيئا يُذكر لدحض الشائعات حوله. وحينما تم تشكيل حلف مركزي من المليشيات الاسلامية، رفضها لانها تدعم الحكومة الانتقالية العلمانية التي يساندها الغرب بدلا من المطالبة بالحكومة الدينية. وانحسب من الواجهة.
يقول فوزي بوكتف، قائد تحالف الثوار الاوسع: "انه يعتقد انه يمتلك الله وكل شخص آخر هو كافر."
ولكن السيد ابو ختالة لم يكن وحيدا في آرائه المتشددة.
في ربيع 2012، بعد ثمانية شهور من موت القذافي، كان الدبلوماسيون الغربيون يركزون على اولى الانتخابات البرلمانية الليبية، وهي اختبار مهم لآمال البلاد في انتقالها نحو الديموقراطية.
ولكن البعض في بنغازي كانت لديه افكار أخرى، وقد وضعوها موضع الاستعراض.
وفي احد ايام يونيو، التحق السيد ابو ختالة بركب من العجلات يصل قوامه 200 شاحنة محملة بالمدفعية، سارت في وسط مدينة بنغازي تحت رايات المليشيات الاسلامية السوداء.
وجاءت بعض الشاحنات من خارج بنغازي. والاخرى حملت شارات المليشيات الكبرى في المدينة، واظهرت المجاميع ولاءً ظاهريا للحكومة، ولكنها كانت في الواقع تسيطر على المدينة. ومن بين تلك المجاميع، مجموعة 17 فبراير، ودرع ليبيا، واللجنة الامنية العليا.
وصف المشاركون الاستعراض على انه اظهار لمعارضتهم للديموقراطية، التي وصفوها بانها مخالفة لنسختهم من القانون الاسلامي. كما كان هذا الحدث الظهور العلني الاول لانصار الشريعة، وهي مجموعة من 200 عنصر مليشيا كانوا، على غرار السيد ابو ختالة، قد انفصلوا عن المليشيات الاخرى احتجاجا على دعم تلك الاخيرة للانتخابات.
وقال الدبلوماسيون الغربيون الذين راقبوا المشهد انهم صُعقوا لحجم الاسلحة التي تم استعراضها.

وقال دبلوماسي غربي شاهد الاستعراض: "لقد بدا المشهد وكأنهم ينزلون من الجبال، غير انهم لم يكونوا يفعلون ذلك. لقد كانوا هناك بالفعل."