عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة
أدت ثلاثون عاما من الحروب الى ازهاق ارواح عدد كبير جدا من الناس، بحيث اضحى نصف تعداد السكان من هذه المدينة من الأطفال حيث يتحدث مارتن جولف عن العنف المرعب الذي عاشوا فيه، وكيف يحلمون اليوم، مع تحسن الوضع الامني، في الهروب من الفقر والعيش في حياة طبيعية من العمل واللعب بسلام. من المعروف عن الاطفال في العراق انهم يكبرون قبل عمرهم، لكن الطفولة في البصرة، على مدى ثلاثة اجيال، ليست الا لمحة قصيرة من الزمن. ومع انتهاء الاحتلال، الذي كان يفترض ان يغير ولو جزئيا من هذا الواقع، فان حماة مستقبل البصرة اليافعين يتكلمون بايجابية عن السنوات القادمة. غالبا ما تترك المليشيات، التي تفشت في البصرة في معظم فترة السنوات السابقة، الاطفال لشأنهم، غير ان حياتهم العائلية وتعليمهم قد تأثرا بشكل كبير.
واليوم، بعد ان القى الاستقرار النسبي بظلاله عليهم فان اطفال المدينة يشعرون بحرية اكثر من اية فئة اخرى في مجتمع المدينة، وبالخصوص النساء، في الحديث عن حيواتهم واحلامهم.
وقد رحب الاولاد –تحديدا– بالملاعب الجديدة التي اتيحت لهم بعد العمليات العسكرية التي طهرت المدينة قبل 13 شهرا، وهم الذين طالما امضوا وقتهم في لعب كرة القدم في الشوارع. اما البنات، فهن يتحدثن عن امضاء المزيد من الوقت في المدرسة.
من الصعب الحصول على مؤشرات اجتماعية ذات دلالة في هذه المدينة التي بالكاد اقامت عماد نفسها على مدى عقود من الزمن. غير ان شذرات من احصاءات حول القطاعين الصحي والتعليمي، وهما الاكثر تأثيرا على الاطفال، تبين انهما كانا القطاعين الاكثر اهمالا من غيرهما من الخدمات في خضم سنوات العنف.
وقد ادعى المسؤولون الصحيون في عام 2006 ان نسبة الامراض التي تنتقل عن طريق الماء قد ازدادت بين الاطفال بنسبة 30% منذ بداية الحرب. كما ارتفعت نسبة الوفيات بين الاطفال الرضع بحدة.
اما ارقام الايتام في المدينة وحولها فقد كانت اكبر بكثير من المعتاد، وذلك يعود بالدرجة الاساس الى الحرب العراقية-الايرانية، التي حصدت ارواح رجال المدينة لمدة تقرب من عقد من الزمان، والتي انتهت عام 1988. وقد كانت جبهات القتال الامامية على مسافة ليس ببعيدة عن شمال شرق المدينة في معظم سنين الحرب.
وقد ازهقت ارواح اكثر من 600,000 من العراقيين في تلك الحرب، والكثير منهم من البصرة. غير ان حرب الخليج عام 1991 ادت الى ازهاق ارواح عدد كبير آخر، يضاف الى ذلك اعمال الانتقام الوحشية التي مارسها نظام صدام فيما بعد ذلك. واليوم، تجد الاطفال في كل مكان في البصرة، يقفون على ابواب خربة وهم يرتدون ملابس رثة، قد اضحوا سكان المدينة الاكثر هجرا، نموذجا للجوع والحرمان، لم يبق لهم الا امل ضئيل في الترفع عن ظروفهم.
تبقى ملاجيء الأيتام في احتياج مستمر، غير ان الطعام فيها جيد. فالطفلة صبيحة احمد ذات الاثني عشر ربيعا عاشت في الملجأ لمدة ثلاثة اعوام وتشعر بايجابية حول الحياة في البصرة. تقول: "استطيع ان اغني والعب وادرس. حياتي في تحسن مستمر وكذلك مدينة البصرة. اينما اذهب في المدينة اشاهد بنايات جديدة، والوان مختلفة، ومتنزهات جديدة، وعشب اخضر، ومطاعم. اريد ان يكون هذا هو مستقبل العراق."
لكن مازال امام مشاريع الاعانة الجديدة وخطط الاعمار، على قلتها، ان تصل الى الاحياء الاكثر فقرا في المدينة. ففي هذه الاحياء تعيش العوائل التي تحتوي على اكبر عدد من الاطفال. لكن الاطفال هم وثيقة تأمين مع الزمن، حيث ما ان يصلوا الى عمر معين حتى يتم تشغليهم.
فما ان بلغ طه ياسين عمر الاثني عشر عاما حتى اخرج من المدرسة وتم تشغليه في جمع العلب المعدنية لاعادة تصنيعها. يقول: "لا يستطيع والدي ان يعمل، فقد أصيب بالشلل نتيجة الحرب. يتوجب علي العمل لكي اوفر الاموال الى العائلة. نحن فقراء جدا. انا اقوم بجمع علب البيبسي الفارغة وبيعها بسعر 250 دينارا عن كل كيلوغرام واحد."
ويضيف: "ابدأ بالعمل في الساعة السادسة صباحا وانتهي في الساعة السابعة او الثامنة مساء. حينما لا استطيع العمل يهلكنا الجوع."
ويستطرد: "لقد التقيت بالبريطانيين مرات عديدة. وقد كانوا لطفاء وقدموا لي الشكولاتة في بعض الاحيان، وفي احيان اخرى اعطوني مالا."
لكن التحسن الامني المضطرد في الاونة الاخيرة جلب معه سيئات بالنسبة الى الاولاد المهووسين في كرة القدم، والذين ينصبون الملاعب اينما وجدوا مساحة مناسبة لذلك. ويتم اقامة المسابقات بين الاحياء على نحو منتظم، بين مستنقعات مياه المجاري والنفايات السامة المتروكة.
ويصدر المجلس المحلي بين آونة واخرى تحذيرا الى عامة الشعب لتجنب التعرض الى هذه المواقع، لكنهم ضحايا المستقبل، مثل ما هو الحال في كل ما يخص الاطفال في البصرة، هم تاريخ يَنتظر ان يُكتب.
فيما يلي قصص لاطفال تبدأ دائما مع الفقر والخوف في بداية الاحتلال. لكن نظرتهم الان اكثر ايجابية بالمقارنة مع ابائهم.
فاضل حسن، 15 عاما، عامل
في المجلس
"حصلت على عمل في المجلس قبل خمسة واربعين يوما، وانا في غاية السعادة. الحمد لله، سوف تتغير حياتي الان. احصل على 200 دولار كل شهر، وهذا اساس جيد لبناء حياتي. كل شيء يسير نحو الاحسن هنا.
"حينما يتقوى المجتمع تأتي التجارة وكذلك الاستثمارات والزراعة.
"لقد ساعدنا البريطانيون. فقد كنا غارقين في مياه المجاري ويغشانا الظلام والامراض قبل ان يأتوا. انا اشعر ان الوضع اصبح اكثر امنا واكثر حرية بمقدار سبعين مرة. وانا احلم بتكوين اسرة وبناء منزل."
كوثر صادق، 13 عاما، يتيمة تعيش في ملجأ الزهراء
"عشت هنا منذ وفاة والدي قبل سبع سنوات. لدي سبع اخوات وحينما جاءت الحرب اصبحت الامور مرعبة بالنسبة لنا. لكني ادرس الحاسوب في المدرسة الان واشعر بالامان حينما استمع الى الموسيقى والاناشيد الدينية المفضلة لدي. كما انني اتمتع بالمهرجانات والاحتفالات الاخرى. اريد ان اصبح خبيرة بالحاسوب. "آمل اننا قد تجاوزنا احلك الاوقات.
علي نجم، 15 عاما، طالب في اعدادية الكفاح
الامور احسن الان 100%. هناك المزيد من الاستقرار، لكن الاشياء السيئة مازالت تحدث. بات بامكاننا الاحتفال والشعور بحرية اكبر من قبل. لكني مازلت خائفا. اريد ان اساعد في جعل هذه المدينة هي الافضل في الخليج.
"حينما فاز العراق بكأس اسيا لكرة القدم، اقمنا احتفالاتنا بالدفوف والاغاني. لكن اعضاء المليشيا اعتقلوني وحلقوا رأسي. لقد منعوا أي شخص من التمتع بتلك اللحظات.
لقد مضى عقد من الزمان او يزيد من الاهمال وهناك الكثير من العمل لينجز هنا. نريد مكتبات ونحتاج الى نواد رياضية ومدارس موسيقى.
غير ان حياة عائلتي قد تحسنت. فبعد العام 2003 عمل والدي في سوق السيارات وقد ابلى بلاء حسنا. لم تكن هناك قيود مثل التي كانت في زمن صدام. لقد تم بناء مدرج لملعب، ولكنه بعيد جدا عن المدينة ونحتاج الى المزيد.
"طموحي ان اصبح ضابطا في الجيش. احب بلدي واريد ان اكون مخلصا له. واريد ان ادحر الاعداء في المستقبل."
مهدي عبد الله، 15 عاما،
عامل بناء
وجدت عملا في البناء منذ ستة اشهر. احصل على 130 دولارا في الشهر. تركت مقاعد الدراسة مبكرا، لاني اضطررت الى ذلك. ليس لدى عائلتي أي مورد.
"احلم بان يستمر الاستقرار هنا وان يجد الناس عملا وان يعيشوا حياتهم بكرامة. انا لا اطلب ثروة او كنزا. كل ما اصبو اليه هو الكرامة المجردة. اشعر بالارتياح الان لان لدي عملا. اريد ان اتزوج وان اعيل نفسي وعائلتي.
"تعوم البصرة على بحر من النفط. وقد كان لها على الدوام وسائل للحفاظ على الناس فوق الماء (تمنعهم من الغرق). بامكاننا ان نرفعها اكثر فاكثر، ونتحول الى مرحلة جديدة من حياتنا هنا."
نور مناي، 15 عاما، طالبة
في اعدادية الفراهيدي
"فررنا من منزلنا في حي الشعب ببغداد قبل ثلاثة اعوام بسبب العنف. وقد ظن والدي ان البصرة ستكون اكثر امنا. وقد كانت كذلك باديء الامر، لكن المليشيات خربت الوضع الامني. اما الان فقد بدأ الامر ينعكس نحو الاحسن من جديد.
"بعد شن العملية العسكرية التي أجلت المليشيات (في آذار 2008)، تركني والدي اذهب الى المدرسة بدون ان يصحبني احد. وكان هذا هو الوضع في السابق.
"لكني لم استطع الذهاب الى المدرسة طوال العام 2006. وصعب علي التفكير حينذاك بانني قد لا اكمل دراستي. لكن والدي وعدني بان الظروف سوف تتغير. وقد تغيرت بالفعل. انا سعيدة للغاية.
"بامكاني الان الذهاب الى السوق وزيارة الاصدقاء، لكن مازلنا نفتقد النوادي الرياضية ودور السينما والمسارح. ارغب في ان اصبح عالمة حاسوب وان اساعد والدي، فهو مهندس وقد اصبح موسور الحال الان."
عمار موسى، 12 عاما، بائع رصيف يبيع العلكة والمناديل
"عملت في هذا التقاطع منذ عام 2003 وقد اصبحت الامور افضل بكثير. زاد دخلي واستطيع العمل بامن بدون انفجارات. استطيع ان ابقى هنا من الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، في الصيف والشتاء. يمكنني شراء الملابس والطعام.
"اعيش مع امي وابي واخواتي الاربع، كما حصل والدي على عمل يومي. لقد كان من النادر ان يعمل في عام 2007.
"اذا بقي الوضع الامني على ما هو عليه الان، فسوف يأتي السلام الينا جميعا. وعندها ربما احصل على عمل افضل.
محمد منهل، 9 اعوام، تلميذ مدرسة ابتدائية
"لقد تحسنت حياتي كثيرا مؤخرا. تدعني والدتي العب كرة القدم والتنس ورياضات اخرى مع اصدقائي، حتى وان كانت صالة اللعب بعيدة عن المنزل. ونحن نلعب في الطرقات لساعتين بعد الظهر واستطيع ان افعل أي شيء معظم الاوقات.
غير ان المشكلة الكبرى في حياتنا هي الكهرباء، خصوصا في الليل. نحن نحتاج اليها في الدراسة ومشاهدة قنوات الرياضة على التلفاز. لقد كان هناك تحسن ضئيل، لكننا نحتاج اليها على مدى 24 ساعة، وليس لست الى عشر ساعات التي نحصل عليها الان. اريد ان اصبح مهندسا في يوم من الايام لكي اصلح الكهرباء.
"قبل عام 2007 حبستني امي في المنزل بسبب الوضع الامني في البصرة. كما انها لم تدعني حتى ان اذهب الى المدرسة، ولم استطع اللعب خارجا ابدا. وهي تقول ان الكثير من الاطفال اختطفوا في البصرة. لكن كلانا يشعر بالارتياح اكثر الان.
"وقد ذهبت في الصيف الماضي الى سوريا لقضاء العطلة. وفي ايام الجمع نذهب الى المتنزه او الى النهر. غير ان مدرستي ليست جيدة. فهي قديمة ومتهالكة ونحن بحاجة الى تجهيزات وطرق تدريس جديدة."
صبيحة احمد، 12 عاما، منظمة الزهراء للايتام
"اتيت الى هنا قبل ثلاثة اعوام، بعد ان توفي والدي. وقد عشت حياة طبيعية. احب مدرساتي، وهن في غاية اللطف معي وجيدات في تدريسهن. انا ادرس في مدرسة الزهراء الابتدائية وهم ينظمون الكثير من الاحتفالات، مع اداء مسرحي ومعارض فنية. اريد ان اصبح محترفة موسيقى في يوم من الايام.
اوس فؤاد، 15 عاما، طالب
في اعدادية الكفاح
"كانت الامور مأساوية هنا قبل عام 2003. فقد عشنا في الجبهة الامامية لثلاثة حروب وعانينا اكثر من أي المحافظات العراقية الاخرى. لقد عشنا في فقر مدقع. وكانت هناك مشاكل في القطاع الصحي والقطاع التعليمي ولم يكن بامكاننا تحمل نفقات الذهاب الى المدرسة. وقد حصل والدي على عمل في جامعة البصرة حيث كان راتبه عشرة دولارات في الشهر فقط.
"لدي ثلاثة اخوة واختين. وقد تركتنا امنا بسبب ظروفها. لكن بعد عام 2003 حدث تحول في حياة عائلتي. اصبح والدي معاون عميد احدى الكليات في جامعة البصرة، ويصل راتبه الان الى الفي دولار في الشهر. وقد عدت الى المدرسة وكذلك عاد اليها اخواني واخواتي.
بإمكاني الآن أن العب كرة السلة، التي احبها كثيرا، وبامكاننا الولوج الى شبكة الملعومات الدولية (الانترنت). كما نستطيع التفكير بالسفر.
"وقد تحسنت الامور مرة اخرى عام 2008. يمكنني الان ان ارتحل في سفرة مدرسية والبقاء خارج المنزل حتى الساعة العاشرة او الحادية عشرة مساء. اريد ان اصبح طبيبا حتى اعتني بالاجيال القادمة من اطفال البصرة، فهم يستحقون الافضل."
حامد جاسم، 11 عاما، عامل خردة
"اعمل مع اطفال اخرين لكي نكسب بعض المال من اجل عوائلنا. توفي والدي نتيجة المرض عام 2005. ويعمل معي ايضا اخي الاصغر واسمه علي ويبلغ تسعة اعوام من العمر.نبدأ العمل في الساعة الخامسة من صباح كل يوم، لاننا اذا نهضنا للعمل باكرا فسوف نجد المزيد من الخردة لنجمعها. نحن بالكاد نستطيع ان نوفر طعامنا.
"نحن نعيش في مبنى مدمر تابع للامم المتحدة. ليس هناك من جدران في هذه البناية، لكننا مع ذلك في حال افضل من حالنا عام 2007. واحصل على دولار واحد او دولارين كل يوم، لكن الحياة بدأت تسير نحو الافضل. فقد تحسن دخل عائلتي، وإذا عملت بجد اكبر احصل على ايراد اكثر. اريد ان اعمل في المجلس في المستقبل، او ان اصبح جنديا.
"السلام هو الكنز الاثمن في حياتي. انه يعني اننا يمكننا ان نعيد بناء الاشياء، وان نلعب في بعض الاحيان مع الاصدقاء."