عن الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
سرعان ما تراجعت الامال في امكانية عقد الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة، حينما بدا ان بعض الاحزاب، التي كان بعض مفاوضي الاتفاقية من اعضائها، قد نأت بنفسها عن تمريرها سريعا.
وجاء في بيان نشر على الموقع الالكتروني شبه الحكومي لقائمة الائتلاف العراقي الذي يضم اقوى الاحزاب الشيعية التي تساند الحكومة، ان الحكومة لا تستطيع ان تقبل بالاتفاقية كما هي عليه الان، وانها تريد اجراء تعديلات. وقد قاموا بتشكيل لجنة لاستطلاع رأي اعضاء قائمة الائتلاف.
وقد صرح سامي العسكري، احد قادة حزب الدعوة الذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي قائلا: «طلب الائتلاف من رئيس الوزراء اعادة فتح المفاوضات مع الاميركيين ومحاولة تعديل الاتفاقية حتى تصبح مقبولة لنا». واضاف ان امكانية توقيع الاتفاقية «يعتمد على الجانب الاميركي».
وقد دفع الاميركيون بقوة من اجل اقناع العراقيين لاتمام الاتفاقية في منتصف الصيف، لانهم كانوا قلقين من ان الحكومة قد تتردد في اسناد الصفقة عندما كانت الانتخابات المحلية، التي كانت مقررة اصلا في الاول من تشرين الاول، على الابواب. لكن العراقيين قاوموا حينها، وهم الان ينأون عنها برغم التنازلات التي قدمها الاميركيون.
يوافق المحللون السياسيون، الذين راقبوا العراق لسنوات عديدة، على ان عامل الانتخابات، التي من المرجح اقامتها اوائل العام القادم، والتي يتحسب المالكي منها للحفاظ على سلطته، تجعل من الصعب عليه ان يقف الى جانب الاميركيين، خصوصا في اتفاقية تسمح للقوات الاجنبية في البقاء على التراب العراقي.
يقول جوزيت هيلترمان، المحلل الاقدم للشأن العراقي في مجموعة الازمات الدولية التي يقع مقرها في اسطنبول: «اعتقد بأن الشيء الاساس هو ان المالكي قلق بشأن الانتخابات المحلية، وانه لا يريد ان يظهر على انه يقدم تنازلات الى الاميركيين. ان مقاومة العراقيين للاتفاقية هو اتخاذ موقف (في لعبة او مباراة). لكن ما نهاية اللعبة؟»
ومن وجهة النظر الاميركية، تكمن المشكلة في عدم وجود خيارات بديلة كافية، وانه من دون الغطاء القانوني الذي يغطي الوجود الاميركي في العراق، فان القوات الاميركية لا تستطيع القيام بفعالياتها. واذا قرر العراقيون ان توقيع الاتفاقية يشكل مخاطرة سياسية كبيرة لهم، فان الخيار الآخر سيكون تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة الموجودة حاليا، والتي تسمح للقوات الاميركية بالقيام بعملياتها في العراق. ولكن العراقيين لا يريدون ذلك، كما ان هناك اعضاء آخرين في مجلس الامن، من بينهم روسيا، يرجح انهم لن يساندوا التمديد.
وقد اقترح بعض الساسة العراقيين توقيع مذكرة تفاهم بين وزير الخارجية العراقي ووزيرة الخارجية الاميركية، لكن هذه المذكرة لن توفر ضمانات معترفاً بها في القانون الدولي لحماية القوات الاميركية من مواجهة محاكمات امام القضاء العراقي في حالة ارتكابهم اعمالاً خاطئة. ويتم محاكمة الجنود الاميركيين حاليا عن الجرائم المتهمين بارتكابها في العراق تحت مظلة القانون العسكري الاميركي.
تتضمن الاتفاقية ان يتم انسحاب القوات الاميركية من العراق بنهاية عام 2011، وذلك استنادا الى اداء القوات الامنية العراقية والزيادة المطردة في قدراتها. كما انها تضع تواريخ محددة لانسحاب القوات الاميركية من المدن العراقية. لكن مسودة الاتفاقية تنص ايضا على ان هذه «التواريخ المستهدفة» قد تخضع الى التغييرات في اتفاقية يوافق عليها الطرفان.
كما ان الاتفاقية تسمح للقضاء العراقي بمحاكمة الشركات الامنية الخاصة في القضايا الجناية، وهو احد المطالب الرئيسة التي نادى بها المسؤولون العراقيون. لكن لم تتم الموافقة على النقطة المركزية العراقية الاخرى باخضاع الجنود الاميركيين الى القانون العراقي.
يقول مسؤولون حكوميون اميركيون مطلعون على سير المفاوضات ان غياب اية صفقة بحلول 31 كانون الاول، حينما تنتهي فترة تفويض الامم المتحدة للقوات الاميركية والذي يسمح لها بالقيام بالعمليات في العراق، يعني ان على الجيش الاميركي ان يوقف جميع العمليات، وان يلتزم في قواعده العسكرية فلا يخرج منها، وان يوقف مهمات الاسناد الجوية، وان يحضّر لمغادرة العراق.
وقد صرح احد كبار المشرعين، وهو ينتمي الى المجلس الاسلامي الاعلى، احد اكثر الفصائل قوة، متحدثا إلى الموقع الالكتروني شبه الحكومي، انه يجب اجراء سبعة تغييرات على الاتفاقية، من بينها اضافة حق العراق في تفتيش التجهيزات الاميركية التي تدخل البلاد.
ويقول العسكري، من حزب الدعوة، ان هناك مادتين تثيران قلق العراق على وجه الخصوص. الاولى حول خيار الحكومة العراقية في تمديد الوجود الاميركي الى ما بعد 2011 اذا قررت الحكومة انها تريد بقاء هذه القوات. والمادة الثانية تتعلق بتشكيل لجنة تقوم بمراجعة جرائم الجنود المزعومة واعطاء قرار فيما اذا كان يجب احالتها الى القضاء العراقي.
ويضيف قائلاً: «قلنا لرئيس الوزارء ان هذه النصوص يمكن ان تحذف من دون التأثير في بقية بنود الاتفاقية. ان هذا سوف يضمن لنا انه لن تكون هناك مشاكل في المسودة».
اما اكبر التكتلات السنية في البرلمان، وهي جبهة التوافق العراقية، فقد ترددت هي الاخرى في مساندة الاتفاقية. وقد شكل هذا التردد مفاجأة نوعا ما، حيث ان أولئك أصبحوا في وقت قريب مساندين لبقاء القوات الاميركية خوفا من تكرار حوادث التطهير الطائفي التي اجبرت الكثيرين على ترك منازلهم في بغداد والمناطق المحيطة بها.
وربما يكون سبب التحفظ انهم، كما هو الحال مع المالكي، لا يرغبون في الوقوف ضد الوطنيين، الذي لم يتخذوا قرارهم بعد في التصويت لأي من المرشحين للانتخابات المحلية. وكانت اكثر الاحزاب الوطنية صراحة، مثل تلك التي يتزعمها مقتدى الصدر كانت قد عارضت منذ زمن بعيد اية اتفاقية مع الاميركان.
يقول سليم الجبوري، الناطق باسم جبهة التوافق: «ما زلنا نراجع مسودة الاتفاقية الامنية ولم نتخذ موقفا نهائيا بعد. ان بعض البنود ليس واضحة بما فيه الكفاية ونحتاج الى معرفة المزيد عنها من الجانب الاميركي. على العموم، نعتقد بأن الاتفاقية تخدم مصالح الشعب العراقي بشكل كبير».