عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
كركوك، العراق – لم ينقطع أمل العقيد الطيار عبد الكريم عزيز في التحليق مجددا، وهو الذي خاض غمار الحرب في ثمانينيات القرن العشرين، حينما قالت له والدته عام 2005 ان عليه العودة الى الطيران.
يقول عزيز، البالغ من العمر 49 عاما، متحدثا عن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق: «حينما بدأت الحرب، لم يدر بخلدي اني ساعاود التحليق مجددا. لم احب الجانب الصديق»، في اشارة الى الجيش الاميركي.
وقد شلّ الجيش الاميركي القوة الجوية العراقية بعد حرب الخليج عام 1991، محيلا وظائف قدامى الطيارين مثل عزيز الى اعمال مكتبية على الارض. وكان القليل المتبقي من القوة الجوية، التي كانت ذات مرة قوة ضاربة، قد تم تدميره في الاسابيع الاولى من الحرب على العراق. ومن ثم تمت ادارة العمليات في الاجواء العراقية، التي سيطر عليها الجيش الاميركي بشكل مطلق، من خلال مركز عمليات في قطر.
لكن سلاح الجو الاميركي، الذي بدأ في تغيير موقفه، شرع في صرف مئات الملايين من الدولارات على تدريب الطيارين مثل عزيز على الطيران مجددا، وتدريب جيل جديد من الطيارين، وبناء قوة جوية عراقية مع بنيتها التحتية ابتداء من الصفر. ان مشروع القوة الجوية هو جزء من جهد اكبر يستهدف تدريب وتجهيز الوحدات المتخصصة في القوات الامنية العراقية، والتي يرى القادة الاميركيون انها خطوة حيوية من اجل خلق الظروف المواتية لانسحاب القوات الاميركية من العراق.
ومع انخفاض العنف في العراق في الاشهر الاخيرة، اصبحت مثل هذه المبادرات واحدة من اهم اولويات الجيش الاميركي. غير انهم بدأوا في التحليق حينما بدأ العراقيون في المطالبة بانسحاب القوات الاميركية، وبينما تزايدت دعوات المشرعين الاميركيين، الذين رصدوا المليارات من الدولارات في السنوات الاخيرة لتدريب وتجهيز القوات الامنية العراقية، لكي يتولى العراقيون جزءا اكبر من المسؤولية الامنية. وكان المشرعون الاميركيون قد وفروا مبلغا قدره 8,5 مليار دولار اميركي بين عامي 2007 و2008 لتدريب وتجهيز القوات الامنية العراقية، ذهبت منها قرابة 457 مليون دولار للقوة الجوية العراقية.
يتطلب بناء القوة الجوية سنوات ان لم يكن عقودا. وقد كان بناء القوة الجوية العراقية بالذات تحديا، كما يقول المسؤولون الاميركيون. وقد عرقلت هذه العملية عوامل عدة منها المشاحنات المستمرة، وما يصفه المسؤولون الاميركيون بعجز الحكومة العراقية المزمن في توفير التمويل الفوري لاحتياجات العمليات، والانقسام بين جيل الطيارين المخضرم –الذي بدأ يعلوه الصدأ– والمجموعة الصغيرة من الضباط الجدد الذين هم على وشك اكمال تدريبهم.
على الرغم من ان القوة الجوية العراقية ما زالت صغيرة وتفتقر تماما الى القدرة القتالية، الا انها تمتلك قاعدة تؤهل العراقيين للافتخار بها، كما يؤكد المسؤولون الاميركيون. يقوم العراقيون، الذين تعودوا على مشاهدة الطائرات العمودية الاميركية تجول في اجوائهم على مدار الساعة، بتحية الطائرات التي تحمل العلم العراقي بحماسة حينما يروا احداها.
يقول المقدم مارك بينيت، احد المدربين الاميركيين: «انها رمز للحماية التي تقدمها حكومتهم لهم».
وكانت القوة الجوية العراقية من افضل القوات الجوية في المنطقة تدريبا وتجهيزا حينما دخلت البلاد في الحرب مع ايران عام 1980. وادى النزاع الى خسائر جمّة في القوة الجوية، لكن حينما نشبت حرب الخليج عام 1991، كان لا يزال هناك المئات من الطائرات المقاتلة والطيارين ذوي الخبرة، الذين يمارسون نشاطهم في عشرات القواعد الجوية.
لكن القوة الجوية العراقية لم تكن تضاهي باي حال قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، حيث ان هذه الاخيرة سرعان ما دمرتها عن آخرها. ومن ثم جاءت العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على العراق بعد الحرب والتي منعته من الحصول على قطع الغيار للطائرات الحربية ومن التحليق فوق مناطق واسعة من البلاد.
وحينما قامت القوات الاميركية بغزو العراق عام 2003، كانت القوة الجوية من الضعف بحيث ان صدام قرر ان لا يرسل الطيارين القليلين المتبقين للتحليق بالطائرات. وتم دفن بعض الطائرات المقاتلة. وفيما بعد اختفى منتسبو القوة الجوية، شأنهم شأن منتسبو الصنوف الاخرى في الجيش العراقي، بعد فترة وجيزة من الغزو.
وقد منح الجيش الاميركي الحكومة العراقية، في عام 2004، ثلاثة من طائراته القديمة نوع هرقل سي-130 التي تستعمل لاغراض الشحن الجوي. وفي ذلك الوقت بدأت الحكومة العراقية في البحث عن طياري القوة الجوية السابقين والاستثمار في شراء طائرات جديدة. وقد افتتحت الحكومة العراقية في العام الماضي مدرسة للقوة الجوية في اطراف العاصمة بغداد، بمساعدة القوات الاميركية.
ويوجد لدى القوة الجوية العراقية الان 76 طائرة، جاءت معظمها على شكل منح من الولايات المتحدة ودول اخرى. اغلب هذه الطائرات مصممة لأغراض مهمات التدريب والنقل والمراقبة. وعلى الرغم ان هذه القوة الجوية لا تمتلك طائرات مقاتلة، فان ضباط الجيش الاميركي يقولون ان الطيارين العراقيين سوف يسمح لهم قريبا في تنفيذ مهمات هجومية.
يقول عزيز، والذي يمتلك صوتا جهوريا عميقا، وعادة ما يغص في الضحك وهو يمزح مع نظرائه من الاميركيين: «انا طيار يقود طائرة مقاتلة. انا مستعد للموت من اجل ان افعل هذا من جديد».
يقول المسؤولون الاميركيون انهم يشاركون العراقيين في نظرتهم بعيدة الامد، المتمثلة توفير قوة جوية مجهزة بشكل جيد لحماية البلاد من الاعداء الخارجيين. لكنهم يعتقدون ان على العراقيين التركيز على الاساسيات قبل ان يستثمروا في شراء الطائرات المقاتلة عالية القدرة.
يقول العميد بروكس باش، الضابط المشرف على بعث القوة الجوية العراقية، معقبا على هذه النقطة: «ليس لديهم البنية التحتية التي تساندها».
وقد تم في شهر ايلول افتتاح مدرسة القوة الجوية في قاعدة التاجي الجوية، الواقعة خارج بغداد. ويقوم على ادارتها مشرفين عراقيين واميركيين، بينما يقوم بمعظم اعمال الصيانة موظفين يعملون لدى مقاول غربي. واكمل نحو 1,000 منتسب في القوة الجوية دورة التدريب الاساس، وتتوقع القوة الجوية العراقية ان يتخرج 600 اخرين في نهاية العام. يتلقى طيارو الطائرات العمودية تدريبهم في التاجي، بينما يتم تدريب طيارو الطائرات المقاتلة في قاعدة بكركوك في شمالي العراق.
وقد تم ارسال الطائرات العراقية الى البصرة والموصل لتنفيذ مهمات النقل، والاخلاء الطبي، والمراقبة، كإسناد للعمليات العسكرية. كما انها تقوم بمراقبة خطوط النفط الرئيسة المنتشرة في البلاد بشكل مستمر. وكان جميع الطيارين الذين نفذوا هذه المهمات من منتسبي القوة الجوية السابقة. ويتوقع ان يشارك اول ثلاثة طيارين من المجندين حديثا في الطلعات الجوية في وقت لاحق من هذه السنة. لقد كان تجنيد الطيارين تحديا بسبب انهم يجب ان يجيدوا اللغة الانكليزية، وهي اللغة العالمية في الطيران. كما كانت الرواتب التي تمنح للطيارين، وهي تبدأ بـ 700 دولار في الشهر، من المعوقات الاخرى.
وقد رصدت الحكومة العراقية مبلغ مليار دولار لقوتها الجوية منذ السنة الماضية. لكن المستشارين الاميركيين يقولون ان الحصول على الموافقات على الصرف، التي يجب ان تقدم كتابة الى بغداد، قد يكون عملا خارقا بحد ذاته.
يقول المقدم مارك دالي، ذو الـ39 عاما وهو من مدينة الاسكندرية في ولاية فرجينيا، واحد مستشاري القوة الجوية الاميركية في التاجي: «يواجه العراق صعوبة في صرف الاموال. ان ذلك يشمل كل شيء من بدلات الطيارين الى القفزات والاحذية. لا يستطيعون ان يجمعوا كل ما يحتاجون في قائمة تجهيزات واحدة».
غير ان المصادقة على مصاريف كبيرة قد يكون صعبا بشكل خاص، كما يقول باش، لان الكثير من المسؤولين العراقيين يخشون عادة التوقيع على القوائم الخاصة بها.
ويضيف باش قائلا: «انهم يخشون ان يضعوا تواقعيهم عليها خوفا من تهم الفساد التي قد تأتي لاحقا».
ويؤكد: «لديك قوة جوية ذات ملاك بمعدل عمر يقع ضمن الاربعينيات. هذه مشكلة... فبعد عشرة سنوات سوف يتقاعدون».
وهكذا فان مستقبل القوة الجوية يكمن بايدي رجال مثل الملازم ثاني علي صباح الذي يبلغ 21 سنة من العمر. وقد فرّ هذا الشاب، وهو من مواليد مدينة الموصل مع عائلته الى هولندا عام 1996، ضمن موجة من المهاجرين الاكراد الذي فرّوا من اضطهاد صدام.
وبعد الغزو عام 2003، عاد والد صباح الى العراق ليعمل كمهندس في مدرج طيران بكركوك. وفي احد الايام اتصل بولده وسأله فيما اذا كان يرغب في ان يصبح طيارا في القوة الجوية العراقية. لقد كان قرارا صعبا. فقد كان علي صباح مواطنا هولنديا يدرس علوم الحاسبات وقد بلغ المرحلة الاخيرة.
يقول علي واصفا تفكيره في ذلك الوقت: «لو كنت اكلمت دراستي الجامعية في علوم الحاسبات، لكنت حصلت على وظيفة مع مايكروسوفت، ولقضيت عمري كله في عمل ممل على الحاسبة. ينطوي عمل الطيار على مغامرة اكثر قليلا».
وقد كانت رحلة عودته الى العراق مضنية لكن يملؤها الفخر، فهو يقول: :انه لشعور عظيم ما يمكنك فعله لبلدك. ففي هذا الوقت لا يعتقد الكثيرون ان القوة الجوية العراقية موجودة في الواقع».