Thursday, October 23, 2008

النفط العراقي يتدفق سلساً بينما تعلق عوائده بسبب البيروقراطية

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

لدى قاسم فريز، وهو احد المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة العراقية مشكلة يحسده عليها المسؤولين في واشنطن. فقد تجمعت لدى العراق العشرات من المليارات من الدولارات من مبيعات النفط، لكن القائمين عليها يكافحون من اجل صرف هذه الاموال.
فريز هو مدير عام في وزارة التخطيط، ويشغل غرفة مكتب متهالكة، ذات جدران بيض لكن متسخة، ومضاءة بالكاد بشموع فلورسنت، تومض وتنطفيء بين آن وآخر. وهو يقول: «انها صعبة جدا بالنسبة للوزارات».
بينما تصل جهود اعادة الاعمار الاميركية هنا الى نهايتها ، اصبح المسؤولون الاميركيون اكثر اهتماما بمقدرة العراقيين على تولي مسؤولية اعادة البناء. يقدر مكتب المساءلة الحكومي ان فائض الميزانية العراقية يبلغ من 67 الى 79 مليار دولار هذه السنة، برغم ان بعض المسؤولين الاميركيين يرى ان الفائض سيكون اقل من ذلك بسبب انخفاض اسعار النفط.
تقوم الحكومة الاميركية بانفاق الملايين من الدولارات لتدريب العراقيين على انفاق الاموال العائدة من ثروتهم النفطية. لكن البيروقراطية العراقية تبقى مجوفة، عالقة في اكوام من الورق والاختام المطاطية الموروثة من السنوات السابقة، يضاف الى ذلك ان الكثير من الخبراء التكنوقراط قد فرّوا من البلاد.
وقد قدح فائض الميزانية العراقية غضب كلا الحزبين في الكونغرس، حيث يشتكي بعض المشرعين من ان الولايات المتحدة تنفق اموالا طائلة في العراق في الوقت الذي تجمع حكومته النقد في خزائنها. وفي العراق، يخشى ضباط الجيش الاميركي ان عرقلة الانفاق قد تساهم في اضطراب النظام.
تحدث الجنرال راي ادويرنو، القائد الاميركي في العراق، الى صحيفة واشنطن بوست قائلاً ان احد اكبر التهديدات هنا هي «عدم قدرة الحكومة العراقية على توفير الخدمات الاساسية، خصوصا الكهرباء والماء والمجاري الى المواطنين».
كان اقتصاد العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 يعد من بين الاكثر مركزية بين نظم الاقتصاد العالمية، حيث كان يهدف معظم الانفاق الى تعزيز سلطة صدام. يقول المسؤولون الاميركيون ان المسؤولين الادرايين العراقيين لازالوا مترددين باتخاذ المبادرة في بلاد يتعرض فيها الموظفين المستقلين برأيهم الى الاغتيال.
وقد ادت اعمال العنف، منذ ان سقط نظام صدام، الى مقتل مئات الالوف من المواطنين، وما يزيد على 4,100 اميركي، كما اجبرت الملايين على النزوح من ديارهم. كما انها ، اعاقت عملية اعادة الاعمار.
يقول جوست هيلتيرمان، نائب مدير برنامج الشرق الاوسط في مجموعة الازمات العالمية، وهي منظمة غير حكومية: «لقد هرب الاشخاص الذين كانوا يشكلون طبقة العراقيين العلمانيين الوسطى في نهاية المطاف الى الدول المجاورة». ويقول ان هذه الهجرة الجماعية تضمنت العديد من العاملين في قطاع الخدمات المدنية، مضيفا: «لقد أثر ذلك بشكل كبير على قدرة الحكومة العراقية على القيام بمهامها».
يمكن ان تجد صورة عن البيروقراطية الهشة في وزارة التخطيط، والتي تقود عملية التطوير واعادة الاعمار. يقول الوزير علي بابان ان بضعة مئات من بين موظفيها البالغ عددهم 2,500 موظف، قد غادروا البلاد، معظمهم من اكثر الخبرات التقنية كفاءة.
ويضيف الوزير: «لقد حاولنا حل هذه المشكلة من خلال الاعتماد على اشخاص اقل تأهيلا من اولئك».
اما فريز، المدير العام لمديرية الاستثمار الحكومي، والبالغ من العمر 54 عاما، فقد كان من بين القلة القليلة من التنكوقراط المخضرمين الذي فضلوا البقاء. فهذا المحاسب الذي غزا الشيب رأسه، والذي يضع نظارات ذات اطار معدني دقيق ويرتدي قميصا بلون بيجي مكويا بعناية وبنطالا بني اللون، يلقي اللوم على الوضع الامني السيئ وعدم قدرة الحكومة العراقية على اعادة البناء. وعلى الرغم من ان الهجمات قد انخفضت هذا العام، الا ان البلاد لا تزال مبتلاة باعمال القتل والتفجير.
وهو يقول: «الشركات الاجنبية ترفض القدوم الى العراق» لتنفيذ مشاريع ضخمة.
لكن فريز يعترف ان العنف لا يشكل الا جزءا من المشكلة. فهناك مشكلة الاراضي المملوكة للدولة والمخصصة للمشاريع، والتي احتلها المهجرون نتيجة اعمال التطهير الطائفي. ويضيف المسؤولون ان هناك كما هائلا وغير متسق من التعليمات والاجراءات، بعضها يعود الى زمن حكم صدام، وبعضها جاء بتأثير قرارات الامم المتحدة، لكن بينها ايضا تشريعات حديثة لمكافحة الفساد. هذه التعليمات والاجراءات اصبحت تخنق عملية الانفاق.
يقول فريز انه بسب هذه التعليمات فان عملية صرف الاموال للمشاريع التي تمت المصادقة عليها في الموازنة الوطنية قد تستغرق من ستة الى تسعة اشهر.
وقد شرح لنا وهو يرسم سلسة من الدوائر على قطعة ورق لتوضيح كيف تقوم الوزارات باستحصال خطاب الضمان لتغطية مشتريات من خارج البلاد بقيمة كبيرة، قائلا:»هذه هي الصورة الكبيرة في عملية التأخير».
ثم أخذ يرسم خطوطا تربط بين الدوائر، وقال: «يتوجب على كل وزارة، اذا ارادت ان تفتح اعتمادا، ان تخاطب وزارة التخطيط، ثم تقوم وزارة التخطيط بمفاتحة وزارة المالية، بعدها تفاتح وزارة المالية البنك المركزي. واخيرا يحيل البنك المركزي هذا الامر الى المصرف التجاري العراقي».
سالناه: هل يتم ذلك عبر البريد الالكتروني؟
فاجاب: «كلا. بل عن طريق كتاب رسمي مثل هذا»، ويرينا وثيقة رسمية ذات ختمين دائريين.
هذا وقد شهدنا مساعدي فريز وهم يدخلون ويخرجون مرارا حاملين رزما من الورق ليقوم بتوقيعها. ولكن لم نشاهد أثرا لحاسوب، برغم ان معاونيه يمتلكون حاسبات مكتبية. وهو يعمل بشكل روتيني حتى الساعة الثانية صباحا، منجزا اعمال مكتبية في عملية بيروقراطية بطيئة الحركة.
حينما التحق فريز بوزارته عام 1983، كانت مكتبا حكوميا راقي المستوى آنذاك في بلد غني بالنفط. وقد كان مقر الوزراة من بين البنايات الحديثة في بغداد، يشمخ وهو يطل على مشارف نهر دجلة.
لكن عقودا من الحروب والعقوبات الدولية مزقت البلاد. وقد اغلقت الوزراة في اثناء غزو البلاد من القوات التي تقودها الولايات المتحدة. ثم احرقت البناية في فترة اعمال السلب والنهب التي تلت ذلك، فاضطرت الوزراة الى الانتقال الى بناية مظلمة وقذرة في منطقة تجارية.
يقول فريز: «بدأت اعمال الاغتيال بعد عام 2003». وقد تم قتل الكوادر الادارية في هجمات لم يتم التوصل الى منفذيها، والتي ربما عكست توترات طائفية او سياسية.
وقد وصلت الحكومة العراقية الى النقطة التي تقوم فيها بانفاق معظم ميزانيتها التشغيلية على امور مثل الايجارات ورواتب الموظفين الحكوميين وتقاعدهم. ان اكبر مشاكلها هي البنية التحتية التي تتطلب عدة مستويات من الموافقات الحكومية.
ولم يتمكن العراق من انفاق اكثر من ثلث ميزانيته للاستثمار، البالغة 12 مليار دولار عام 2007، استنادا الى مكتب المساءلة الحكومي.
وعلى مستوى المحافظات، تسعى الحكومات المحلية جاهدة لانفاق المليارات من الدولارات التي رصدتها لها الحكومة الاتحادية في ظل النظام الاتحادي الجديد في العراق. وبالكاد تستطيع بعض هذه الحكومات المحلية تمشية امورها النقدية، مع وجود نقص في عدد الموظفين المدربين على الموازنة، بل وحتى في اجهزة الحاسوب.
اعلنت وزارة الخزانة الاميركية في الربع الاول من هذا العام ان العراق لم يتمكن سوى من صرف 31% من ميزانيته لعام 2007. يقول الوزير بابان انه بسبب اعمال العنف التي ابتليت بها محافظة نينوى في شمال العراق، والتي يسكنها 2,5 مليون نسمة، فان المحافظة لم تنفق سوى 2% من الميزانية الاستثمارية التي رصدتها لها الحكومة الاتحادية هذا العام.
ويضيف الوزير: «هناك بعض التحسن، الا انه محدود».
وبينما يعبر المسؤولون في الجيش الاميركي، والمراقبون في الكونغرس، عن قلقهم بشأن قدرة العراق على تقديم الخدمات الاساسية، فان الحكومة العراقية احرزت بعض التقدم.
ففي كانون الثاني، رفعت الحكومة العراقية من سقف المقاولات التي تحتاج الى مصادقة رئيس الوزراء من 10 ملايين الى 50 مليون دولار. كما اتخذ العراق الخطوات الاولى باتجاه صرف الرواتب ضمن نظام حاسوبي، واستخدام التحويل الالكتروني للاموال، بدلا من ارسال الشاحنات المليئة بالنقد.
بعض المسؤولين العراقيين يقولون ان الحكومة سوف تنفق جميع ميزانيتها لهذا العام. لكن مكتب المساءلة الحكومي ابدى بعض الشكوك. فتقريرهم يقول ان وزارة المالية عادة ما تقدم بيانات غير موثوقة، تتضمن «اعمدة واسطر تحتوي على اخطاء حسابية».
يقول فريز انه بنهاية آب، انفقت الحكومة العراقية 43 % من الميزانية الاستثمارية البالغة 16 مليار دولار والتي كانت متاحة مبدئيا لعام 2008، بضمنها اموال رصدت لخطابات الضمان. لكن هناك مبلغ آخر قدره 8 مليارات دولار تم اضافته كملحق بالميزانية، وقد جاء نتيجة لارتفاع اسعار النفط بشكل حاد خلال العام.
لقد بدأت تخصيصات اعادة الاعمار التي قدمتها الولايات المتحدة بالنضوب، مما يجعل من الضرورة بمكان ان يتولى العراقيون هذه المهمة. وقد بلغ مجمل الاموال التي التزمت بها الولايات المتحدة، حتى شهر حزيران الماضي، مبلغا قدره 42 مليار دولار من اصل 48 مليار دولار رصدت منذ بدء الغزو من اجل احلال الاستقرار واعادة الاعمار في العراق، استنادا الى مكتب المساءلة الحكومي.
يقول احد كبار المسؤولين الاميركيين في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه: «لقد بدأنا في التراجع عن اعمال الطابوق والمونة. ان ما نفعله الان هو ان نساعدهم في انفاق اموالهم».