عن الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
سرعان ما تراجعت الامال في امكانية عقد الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة، حينما بدا ان بعض الاحزاب، التي كان بعض مفاوضي الاتفاقية من اعضائها، قد نأت بنفسها عن تمريرها سريعا.
وجاء في بيان نشر على الموقع الالكتروني شبه الحكومي لقائمة الائتلاف العراقي الذي يضم اقوى الاحزاب الشيعية التي تساند الحكومة، ان الحكومة لا تستطيع ان تقبل بالاتفاقية كما هي عليه الان، وانها تريد اجراء تعديلات. وقد قاموا بتشكيل لجنة لاستطلاع رأي اعضاء قائمة الائتلاف.
وقد صرح سامي العسكري، احد قادة حزب الدعوة الذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي قائلا: «طلب الائتلاف من رئيس الوزراء اعادة فتح المفاوضات مع الاميركيين ومحاولة تعديل الاتفاقية حتى تصبح مقبولة لنا». واضاف ان امكانية توقيع الاتفاقية «يعتمد على الجانب الاميركي».
وقد دفع الاميركيون بقوة من اجل اقناع العراقيين لاتمام الاتفاقية في منتصف الصيف، لانهم كانوا قلقين من ان الحكومة قد تتردد في اسناد الصفقة عندما كانت الانتخابات المحلية، التي كانت مقررة اصلا في الاول من تشرين الاول، على الابواب. لكن العراقيين قاوموا حينها، وهم الان ينأون عنها برغم التنازلات التي قدمها الاميركيون.
يوافق المحللون السياسيون، الذين راقبوا العراق لسنوات عديدة، على ان عامل الانتخابات، التي من المرجح اقامتها اوائل العام القادم، والتي يتحسب المالكي منها للحفاظ على سلطته، تجعل من الصعب عليه ان يقف الى جانب الاميركيين، خصوصا في اتفاقية تسمح للقوات الاجنبية في البقاء على التراب العراقي.
يقول جوزيت هيلترمان، المحلل الاقدم للشأن العراقي في مجموعة الازمات الدولية التي يقع مقرها في اسطنبول: «اعتقد بأن الشيء الاساس هو ان المالكي قلق بشأن الانتخابات المحلية، وانه لا يريد ان يظهر على انه يقدم تنازلات الى الاميركيين. ان مقاومة العراقيين للاتفاقية هو اتخاذ موقف (في لعبة او مباراة). لكن ما نهاية اللعبة؟»
ومن وجهة النظر الاميركية، تكمن المشكلة في عدم وجود خيارات بديلة كافية، وانه من دون الغطاء القانوني الذي يغطي الوجود الاميركي في العراق، فان القوات الاميركية لا تستطيع القيام بفعالياتها. واذا قرر العراقيون ان توقيع الاتفاقية يشكل مخاطرة سياسية كبيرة لهم، فان الخيار الآخر سيكون تمديد فترة ولاية قرارات مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة الموجودة حاليا، والتي تسمح للقوات الاميركية بالقيام بعملياتها في العراق. ولكن العراقيين لا يريدون ذلك، كما ان هناك اعضاء آخرين في مجلس الامن، من بينهم روسيا، يرجح انهم لن يساندوا التمديد.
وقد اقترح بعض الساسة العراقيين توقيع مذكرة تفاهم بين وزير الخارجية العراقي ووزيرة الخارجية الاميركية، لكن هذه المذكرة لن توفر ضمانات معترفاً بها في القانون الدولي لحماية القوات الاميركية من مواجهة محاكمات امام القضاء العراقي في حالة ارتكابهم اعمالاً خاطئة. ويتم محاكمة الجنود الاميركيين حاليا عن الجرائم المتهمين بارتكابها في العراق تحت مظلة القانون العسكري الاميركي.
تتضمن الاتفاقية ان يتم انسحاب القوات الاميركية من العراق بنهاية عام 2011، وذلك استنادا الى اداء القوات الامنية العراقية والزيادة المطردة في قدراتها. كما انها تضع تواريخ محددة لانسحاب القوات الاميركية من المدن العراقية. لكن مسودة الاتفاقية تنص ايضا على ان هذه «التواريخ المستهدفة» قد تخضع الى التغييرات في اتفاقية يوافق عليها الطرفان.
كما ان الاتفاقية تسمح للقضاء العراقي بمحاكمة الشركات الامنية الخاصة في القضايا الجناية، وهو احد المطالب الرئيسة التي نادى بها المسؤولون العراقيون. لكن لم تتم الموافقة على النقطة المركزية العراقية الاخرى باخضاع الجنود الاميركيين الى القانون العراقي.
يقول مسؤولون حكوميون اميركيون مطلعون على سير المفاوضات ان غياب اية صفقة بحلول 31 كانون الاول، حينما تنتهي فترة تفويض الامم المتحدة للقوات الاميركية والذي يسمح لها بالقيام بالعمليات في العراق، يعني ان على الجيش الاميركي ان يوقف جميع العمليات، وان يلتزم في قواعده العسكرية فلا يخرج منها، وان يوقف مهمات الاسناد الجوية، وان يحضّر لمغادرة العراق.
وقد صرح احد كبار المشرعين، وهو ينتمي الى المجلس الاسلامي الاعلى، احد اكثر الفصائل قوة، متحدثا إلى الموقع الالكتروني شبه الحكومي، انه يجب اجراء سبعة تغييرات على الاتفاقية، من بينها اضافة حق العراق في تفتيش التجهيزات الاميركية التي تدخل البلاد.
ويقول العسكري، من حزب الدعوة، ان هناك مادتين تثيران قلق العراق على وجه الخصوص. الاولى حول خيار الحكومة العراقية في تمديد الوجود الاميركي الى ما بعد 2011 اذا قررت الحكومة انها تريد بقاء هذه القوات. والمادة الثانية تتعلق بتشكيل لجنة تقوم بمراجعة جرائم الجنود المزعومة واعطاء قرار فيما اذا كان يجب احالتها الى القضاء العراقي.
ويضيف قائلاً: «قلنا لرئيس الوزارء ان هذه النصوص يمكن ان تحذف من دون التأثير في بقية بنود الاتفاقية. ان هذا سوف يضمن لنا انه لن تكون هناك مشاكل في المسودة».
اما اكبر التكتلات السنية في البرلمان، وهي جبهة التوافق العراقية، فقد ترددت هي الاخرى في مساندة الاتفاقية. وقد شكل هذا التردد مفاجأة نوعا ما، حيث ان أولئك أصبحوا في وقت قريب مساندين لبقاء القوات الاميركية خوفا من تكرار حوادث التطهير الطائفي التي اجبرت الكثيرين على ترك منازلهم في بغداد والمناطق المحيطة بها.
وربما يكون سبب التحفظ انهم، كما هو الحال مع المالكي، لا يرغبون في الوقوف ضد الوطنيين، الذي لم يتخذوا قرارهم بعد في التصويت لأي من المرشحين للانتخابات المحلية. وكانت اكثر الاحزاب الوطنية صراحة، مثل تلك التي يتزعمها مقتدى الصدر كانت قد عارضت منذ زمن بعيد اية اتفاقية مع الاميركان.
يقول سليم الجبوري، الناطق باسم جبهة التوافق: «ما زلنا نراجع مسودة الاتفاقية الامنية ولم نتخذ موقفا نهائيا بعد. ان بعض البنود ليس واضحة بما فيه الكفاية ونحتاج الى معرفة المزيد عنها من الجانب الاميركي. على العموم، نعتقد بأن الاتفاقية تخدم مصالح الشعب العراقي بشكل كبير».
Tuesday, October 28, 2008
Thursday, October 23, 2008
النفط العراقي يتدفق سلساً بينما تعلق عوائده بسبب البيروقراطية
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
لدى قاسم فريز، وهو احد المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة العراقية مشكلة يحسده عليها المسؤولين في واشنطن. فقد تجمعت لدى العراق العشرات من المليارات من الدولارات من مبيعات النفط، لكن القائمين عليها يكافحون من اجل صرف هذه الاموال.
فريز هو مدير عام في وزارة التخطيط، ويشغل غرفة مكتب متهالكة، ذات جدران بيض لكن متسخة، ومضاءة بالكاد بشموع فلورسنت، تومض وتنطفيء بين آن وآخر. وهو يقول: «انها صعبة جدا بالنسبة للوزارات».
بينما تصل جهود اعادة الاعمار الاميركية هنا الى نهايتها ، اصبح المسؤولون الاميركيون اكثر اهتماما بمقدرة العراقيين على تولي مسؤولية اعادة البناء. يقدر مكتب المساءلة الحكومي ان فائض الميزانية العراقية يبلغ من 67 الى 79 مليار دولار هذه السنة، برغم ان بعض المسؤولين الاميركيين يرى ان الفائض سيكون اقل من ذلك بسبب انخفاض اسعار النفط.
تقوم الحكومة الاميركية بانفاق الملايين من الدولارات لتدريب العراقيين على انفاق الاموال العائدة من ثروتهم النفطية. لكن البيروقراطية العراقية تبقى مجوفة، عالقة في اكوام من الورق والاختام المطاطية الموروثة من السنوات السابقة، يضاف الى ذلك ان الكثير من الخبراء التكنوقراط قد فرّوا من البلاد.
وقد قدح فائض الميزانية العراقية غضب كلا الحزبين في الكونغرس، حيث يشتكي بعض المشرعين من ان الولايات المتحدة تنفق اموالا طائلة في العراق في الوقت الذي تجمع حكومته النقد في خزائنها. وفي العراق، يخشى ضباط الجيش الاميركي ان عرقلة الانفاق قد تساهم في اضطراب النظام.
تحدث الجنرال راي ادويرنو، القائد الاميركي في العراق، الى صحيفة واشنطن بوست قائلاً ان احد اكبر التهديدات هنا هي «عدم قدرة الحكومة العراقية على توفير الخدمات الاساسية، خصوصا الكهرباء والماء والمجاري الى المواطنين».
كان اقتصاد العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 يعد من بين الاكثر مركزية بين نظم الاقتصاد العالمية، حيث كان يهدف معظم الانفاق الى تعزيز سلطة صدام. يقول المسؤولون الاميركيون ان المسؤولين الادرايين العراقيين لازالوا مترددين باتخاذ المبادرة في بلاد يتعرض فيها الموظفين المستقلين برأيهم الى الاغتيال.
وقد ادت اعمال العنف، منذ ان سقط نظام صدام، الى مقتل مئات الالوف من المواطنين، وما يزيد على 4,100 اميركي، كما اجبرت الملايين على النزوح من ديارهم. كما انها ، اعاقت عملية اعادة الاعمار.
يقول جوست هيلتيرمان، نائب مدير برنامج الشرق الاوسط في مجموعة الازمات العالمية، وهي منظمة غير حكومية: «لقد هرب الاشخاص الذين كانوا يشكلون طبقة العراقيين العلمانيين الوسطى في نهاية المطاف الى الدول المجاورة». ويقول ان هذه الهجرة الجماعية تضمنت العديد من العاملين في قطاع الخدمات المدنية، مضيفا: «لقد أثر ذلك بشكل كبير على قدرة الحكومة العراقية على القيام بمهامها».
يمكن ان تجد صورة عن البيروقراطية الهشة في وزارة التخطيط، والتي تقود عملية التطوير واعادة الاعمار. يقول الوزير علي بابان ان بضعة مئات من بين موظفيها البالغ عددهم 2,500 موظف، قد غادروا البلاد، معظمهم من اكثر الخبرات التقنية كفاءة.
ويضيف الوزير: «لقد حاولنا حل هذه المشكلة من خلال الاعتماد على اشخاص اقل تأهيلا من اولئك».
اما فريز، المدير العام لمديرية الاستثمار الحكومي، والبالغ من العمر 54 عاما، فقد كان من بين القلة القليلة من التنكوقراط المخضرمين الذي فضلوا البقاء. فهذا المحاسب الذي غزا الشيب رأسه، والذي يضع نظارات ذات اطار معدني دقيق ويرتدي قميصا بلون بيجي مكويا بعناية وبنطالا بني اللون، يلقي اللوم على الوضع الامني السيئ وعدم قدرة الحكومة العراقية على اعادة البناء. وعلى الرغم من ان الهجمات قد انخفضت هذا العام، الا ان البلاد لا تزال مبتلاة باعمال القتل والتفجير.
وهو يقول: «الشركات الاجنبية ترفض القدوم الى العراق» لتنفيذ مشاريع ضخمة.
لكن فريز يعترف ان العنف لا يشكل الا جزءا من المشكلة. فهناك مشكلة الاراضي المملوكة للدولة والمخصصة للمشاريع، والتي احتلها المهجرون نتيجة اعمال التطهير الطائفي. ويضيف المسؤولون ان هناك كما هائلا وغير متسق من التعليمات والاجراءات، بعضها يعود الى زمن حكم صدام، وبعضها جاء بتأثير قرارات الامم المتحدة، لكن بينها ايضا تشريعات حديثة لمكافحة الفساد. هذه التعليمات والاجراءات اصبحت تخنق عملية الانفاق.
يقول فريز انه بسب هذه التعليمات فان عملية صرف الاموال للمشاريع التي تمت المصادقة عليها في الموازنة الوطنية قد تستغرق من ستة الى تسعة اشهر.
وقد شرح لنا وهو يرسم سلسة من الدوائر على قطعة ورق لتوضيح كيف تقوم الوزارات باستحصال خطاب الضمان لتغطية مشتريات من خارج البلاد بقيمة كبيرة، قائلا:»هذه هي الصورة الكبيرة في عملية التأخير».
ثم أخذ يرسم خطوطا تربط بين الدوائر، وقال: «يتوجب على كل وزارة، اذا ارادت ان تفتح اعتمادا، ان تخاطب وزارة التخطيط، ثم تقوم وزارة التخطيط بمفاتحة وزارة المالية، بعدها تفاتح وزارة المالية البنك المركزي. واخيرا يحيل البنك المركزي هذا الامر الى المصرف التجاري العراقي».
سالناه: هل يتم ذلك عبر البريد الالكتروني؟
فاجاب: «كلا. بل عن طريق كتاب رسمي مثل هذا»، ويرينا وثيقة رسمية ذات ختمين دائريين.
هذا وقد شهدنا مساعدي فريز وهم يدخلون ويخرجون مرارا حاملين رزما من الورق ليقوم بتوقيعها. ولكن لم نشاهد أثرا لحاسوب، برغم ان معاونيه يمتلكون حاسبات مكتبية. وهو يعمل بشكل روتيني حتى الساعة الثانية صباحا، منجزا اعمال مكتبية في عملية بيروقراطية بطيئة الحركة.
حينما التحق فريز بوزارته عام 1983، كانت مكتبا حكوميا راقي المستوى آنذاك في بلد غني بالنفط. وقد كان مقر الوزراة من بين البنايات الحديثة في بغداد، يشمخ وهو يطل على مشارف نهر دجلة.
لكن عقودا من الحروب والعقوبات الدولية مزقت البلاد. وقد اغلقت الوزراة في اثناء غزو البلاد من القوات التي تقودها الولايات المتحدة. ثم احرقت البناية في فترة اعمال السلب والنهب التي تلت ذلك، فاضطرت الوزراة الى الانتقال الى بناية مظلمة وقذرة في منطقة تجارية.
يقول فريز: «بدأت اعمال الاغتيال بعد عام 2003». وقد تم قتل الكوادر الادارية في هجمات لم يتم التوصل الى منفذيها، والتي ربما عكست توترات طائفية او سياسية.
وقد وصلت الحكومة العراقية الى النقطة التي تقوم فيها بانفاق معظم ميزانيتها التشغيلية على امور مثل الايجارات ورواتب الموظفين الحكوميين وتقاعدهم. ان اكبر مشاكلها هي البنية التحتية التي تتطلب عدة مستويات من الموافقات الحكومية.
ولم يتمكن العراق من انفاق اكثر من ثلث ميزانيته للاستثمار، البالغة 12 مليار دولار عام 2007، استنادا الى مكتب المساءلة الحكومي.
وعلى مستوى المحافظات، تسعى الحكومات المحلية جاهدة لانفاق المليارات من الدولارات التي رصدتها لها الحكومة الاتحادية في ظل النظام الاتحادي الجديد في العراق. وبالكاد تستطيع بعض هذه الحكومات المحلية تمشية امورها النقدية، مع وجود نقص في عدد الموظفين المدربين على الموازنة، بل وحتى في اجهزة الحاسوب.
اعلنت وزارة الخزانة الاميركية في الربع الاول من هذا العام ان العراق لم يتمكن سوى من صرف 31% من ميزانيته لعام 2007. يقول الوزير بابان انه بسبب اعمال العنف التي ابتليت بها محافظة نينوى في شمال العراق، والتي يسكنها 2,5 مليون نسمة، فان المحافظة لم تنفق سوى 2% من الميزانية الاستثمارية التي رصدتها لها الحكومة الاتحادية هذا العام.
ويضيف الوزير: «هناك بعض التحسن، الا انه محدود».
وبينما يعبر المسؤولون في الجيش الاميركي، والمراقبون في الكونغرس، عن قلقهم بشأن قدرة العراق على تقديم الخدمات الاساسية، فان الحكومة العراقية احرزت بعض التقدم.
ففي كانون الثاني، رفعت الحكومة العراقية من سقف المقاولات التي تحتاج الى مصادقة رئيس الوزراء من 10 ملايين الى 50 مليون دولار. كما اتخذ العراق الخطوات الاولى باتجاه صرف الرواتب ضمن نظام حاسوبي، واستخدام التحويل الالكتروني للاموال، بدلا من ارسال الشاحنات المليئة بالنقد.
بعض المسؤولين العراقيين يقولون ان الحكومة سوف تنفق جميع ميزانيتها لهذا العام. لكن مكتب المساءلة الحكومي ابدى بعض الشكوك. فتقريرهم يقول ان وزارة المالية عادة ما تقدم بيانات غير موثوقة، تتضمن «اعمدة واسطر تحتوي على اخطاء حسابية».
يقول فريز انه بنهاية آب، انفقت الحكومة العراقية 43 % من الميزانية الاستثمارية البالغة 16 مليار دولار والتي كانت متاحة مبدئيا لعام 2008، بضمنها اموال رصدت لخطابات الضمان. لكن هناك مبلغ آخر قدره 8 مليارات دولار تم اضافته كملحق بالميزانية، وقد جاء نتيجة لارتفاع اسعار النفط بشكل حاد خلال العام.
لقد بدأت تخصيصات اعادة الاعمار التي قدمتها الولايات المتحدة بالنضوب، مما يجعل من الضرورة بمكان ان يتولى العراقيون هذه المهمة. وقد بلغ مجمل الاموال التي التزمت بها الولايات المتحدة، حتى شهر حزيران الماضي، مبلغا قدره 42 مليار دولار من اصل 48 مليار دولار رصدت منذ بدء الغزو من اجل احلال الاستقرار واعادة الاعمار في العراق، استنادا الى مكتب المساءلة الحكومي.
يقول احد كبار المسؤولين الاميركيين في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه: «لقد بدأنا في التراجع عن اعمال الطابوق والمونة. ان ما نفعله الان هو ان نساعدهم في انفاق اموالهم».
ترجمة: علاء غزالة
لدى قاسم فريز، وهو احد المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة العراقية مشكلة يحسده عليها المسؤولين في واشنطن. فقد تجمعت لدى العراق العشرات من المليارات من الدولارات من مبيعات النفط، لكن القائمين عليها يكافحون من اجل صرف هذه الاموال.
فريز هو مدير عام في وزارة التخطيط، ويشغل غرفة مكتب متهالكة، ذات جدران بيض لكن متسخة، ومضاءة بالكاد بشموع فلورسنت، تومض وتنطفيء بين آن وآخر. وهو يقول: «انها صعبة جدا بالنسبة للوزارات».
بينما تصل جهود اعادة الاعمار الاميركية هنا الى نهايتها ، اصبح المسؤولون الاميركيون اكثر اهتماما بمقدرة العراقيين على تولي مسؤولية اعادة البناء. يقدر مكتب المساءلة الحكومي ان فائض الميزانية العراقية يبلغ من 67 الى 79 مليار دولار هذه السنة، برغم ان بعض المسؤولين الاميركيين يرى ان الفائض سيكون اقل من ذلك بسبب انخفاض اسعار النفط.
تقوم الحكومة الاميركية بانفاق الملايين من الدولارات لتدريب العراقيين على انفاق الاموال العائدة من ثروتهم النفطية. لكن البيروقراطية العراقية تبقى مجوفة، عالقة في اكوام من الورق والاختام المطاطية الموروثة من السنوات السابقة، يضاف الى ذلك ان الكثير من الخبراء التكنوقراط قد فرّوا من البلاد.
وقد قدح فائض الميزانية العراقية غضب كلا الحزبين في الكونغرس، حيث يشتكي بعض المشرعين من ان الولايات المتحدة تنفق اموالا طائلة في العراق في الوقت الذي تجمع حكومته النقد في خزائنها. وفي العراق، يخشى ضباط الجيش الاميركي ان عرقلة الانفاق قد تساهم في اضطراب النظام.
تحدث الجنرال راي ادويرنو، القائد الاميركي في العراق، الى صحيفة واشنطن بوست قائلاً ان احد اكبر التهديدات هنا هي «عدم قدرة الحكومة العراقية على توفير الخدمات الاساسية، خصوصا الكهرباء والماء والمجاري الى المواطنين».
كان اقتصاد العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 يعد من بين الاكثر مركزية بين نظم الاقتصاد العالمية، حيث كان يهدف معظم الانفاق الى تعزيز سلطة صدام. يقول المسؤولون الاميركيون ان المسؤولين الادرايين العراقيين لازالوا مترددين باتخاذ المبادرة في بلاد يتعرض فيها الموظفين المستقلين برأيهم الى الاغتيال.
وقد ادت اعمال العنف، منذ ان سقط نظام صدام، الى مقتل مئات الالوف من المواطنين، وما يزيد على 4,100 اميركي، كما اجبرت الملايين على النزوح من ديارهم. كما انها ، اعاقت عملية اعادة الاعمار.
يقول جوست هيلتيرمان، نائب مدير برنامج الشرق الاوسط في مجموعة الازمات العالمية، وهي منظمة غير حكومية: «لقد هرب الاشخاص الذين كانوا يشكلون طبقة العراقيين العلمانيين الوسطى في نهاية المطاف الى الدول المجاورة». ويقول ان هذه الهجرة الجماعية تضمنت العديد من العاملين في قطاع الخدمات المدنية، مضيفا: «لقد أثر ذلك بشكل كبير على قدرة الحكومة العراقية على القيام بمهامها».
يمكن ان تجد صورة عن البيروقراطية الهشة في وزارة التخطيط، والتي تقود عملية التطوير واعادة الاعمار. يقول الوزير علي بابان ان بضعة مئات من بين موظفيها البالغ عددهم 2,500 موظف، قد غادروا البلاد، معظمهم من اكثر الخبرات التقنية كفاءة.
ويضيف الوزير: «لقد حاولنا حل هذه المشكلة من خلال الاعتماد على اشخاص اقل تأهيلا من اولئك».
اما فريز، المدير العام لمديرية الاستثمار الحكومي، والبالغ من العمر 54 عاما، فقد كان من بين القلة القليلة من التنكوقراط المخضرمين الذي فضلوا البقاء. فهذا المحاسب الذي غزا الشيب رأسه، والذي يضع نظارات ذات اطار معدني دقيق ويرتدي قميصا بلون بيجي مكويا بعناية وبنطالا بني اللون، يلقي اللوم على الوضع الامني السيئ وعدم قدرة الحكومة العراقية على اعادة البناء. وعلى الرغم من ان الهجمات قد انخفضت هذا العام، الا ان البلاد لا تزال مبتلاة باعمال القتل والتفجير.
وهو يقول: «الشركات الاجنبية ترفض القدوم الى العراق» لتنفيذ مشاريع ضخمة.
لكن فريز يعترف ان العنف لا يشكل الا جزءا من المشكلة. فهناك مشكلة الاراضي المملوكة للدولة والمخصصة للمشاريع، والتي احتلها المهجرون نتيجة اعمال التطهير الطائفي. ويضيف المسؤولون ان هناك كما هائلا وغير متسق من التعليمات والاجراءات، بعضها يعود الى زمن حكم صدام، وبعضها جاء بتأثير قرارات الامم المتحدة، لكن بينها ايضا تشريعات حديثة لمكافحة الفساد. هذه التعليمات والاجراءات اصبحت تخنق عملية الانفاق.
يقول فريز انه بسب هذه التعليمات فان عملية صرف الاموال للمشاريع التي تمت المصادقة عليها في الموازنة الوطنية قد تستغرق من ستة الى تسعة اشهر.
وقد شرح لنا وهو يرسم سلسة من الدوائر على قطعة ورق لتوضيح كيف تقوم الوزارات باستحصال خطاب الضمان لتغطية مشتريات من خارج البلاد بقيمة كبيرة، قائلا:»هذه هي الصورة الكبيرة في عملية التأخير».
ثم أخذ يرسم خطوطا تربط بين الدوائر، وقال: «يتوجب على كل وزارة، اذا ارادت ان تفتح اعتمادا، ان تخاطب وزارة التخطيط، ثم تقوم وزارة التخطيط بمفاتحة وزارة المالية، بعدها تفاتح وزارة المالية البنك المركزي. واخيرا يحيل البنك المركزي هذا الامر الى المصرف التجاري العراقي».
سالناه: هل يتم ذلك عبر البريد الالكتروني؟
فاجاب: «كلا. بل عن طريق كتاب رسمي مثل هذا»، ويرينا وثيقة رسمية ذات ختمين دائريين.
هذا وقد شهدنا مساعدي فريز وهم يدخلون ويخرجون مرارا حاملين رزما من الورق ليقوم بتوقيعها. ولكن لم نشاهد أثرا لحاسوب، برغم ان معاونيه يمتلكون حاسبات مكتبية. وهو يعمل بشكل روتيني حتى الساعة الثانية صباحا، منجزا اعمال مكتبية في عملية بيروقراطية بطيئة الحركة.
حينما التحق فريز بوزارته عام 1983، كانت مكتبا حكوميا راقي المستوى آنذاك في بلد غني بالنفط. وقد كان مقر الوزراة من بين البنايات الحديثة في بغداد، يشمخ وهو يطل على مشارف نهر دجلة.
لكن عقودا من الحروب والعقوبات الدولية مزقت البلاد. وقد اغلقت الوزراة في اثناء غزو البلاد من القوات التي تقودها الولايات المتحدة. ثم احرقت البناية في فترة اعمال السلب والنهب التي تلت ذلك، فاضطرت الوزراة الى الانتقال الى بناية مظلمة وقذرة في منطقة تجارية.
يقول فريز: «بدأت اعمال الاغتيال بعد عام 2003». وقد تم قتل الكوادر الادارية في هجمات لم يتم التوصل الى منفذيها، والتي ربما عكست توترات طائفية او سياسية.
وقد وصلت الحكومة العراقية الى النقطة التي تقوم فيها بانفاق معظم ميزانيتها التشغيلية على امور مثل الايجارات ورواتب الموظفين الحكوميين وتقاعدهم. ان اكبر مشاكلها هي البنية التحتية التي تتطلب عدة مستويات من الموافقات الحكومية.
ولم يتمكن العراق من انفاق اكثر من ثلث ميزانيته للاستثمار، البالغة 12 مليار دولار عام 2007، استنادا الى مكتب المساءلة الحكومي.
وعلى مستوى المحافظات، تسعى الحكومات المحلية جاهدة لانفاق المليارات من الدولارات التي رصدتها لها الحكومة الاتحادية في ظل النظام الاتحادي الجديد في العراق. وبالكاد تستطيع بعض هذه الحكومات المحلية تمشية امورها النقدية، مع وجود نقص في عدد الموظفين المدربين على الموازنة، بل وحتى في اجهزة الحاسوب.
اعلنت وزارة الخزانة الاميركية في الربع الاول من هذا العام ان العراق لم يتمكن سوى من صرف 31% من ميزانيته لعام 2007. يقول الوزير بابان انه بسبب اعمال العنف التي ابتليت بها محافظة نينوى في شمال العراق، والتي يسكنها 2,5 مليون نسمة، فان المحافظة لم تنفق سوى 2% من الميزانية الاستثمارية التي رصدتها لها الحكومة الاتحادية هذا العام.
ويضيف الوزير: «هناك بعض التحسن، الا انه محدود».
وبينما يعبر المسؤولون في الجيش الاميركي، والمراقبون في الكونغرس، عن قلقهم بشأن قدرة العراق على تقديم الخدمات الاساسية، فان الحكومة العراقية احرزت بعض التقدم.
ففي كانون الثاني، رفعت الحكومة العراقية من سقف المقاولات التي تحتاج الى مصادقة رئيس الوزراء من 10 ملايين الى 50 مليون دولار. كما اتخذ العراق الخطوات الاولى باتجاه صرف الرواتب ضمن نظام حاسوبي، واستخدام التحويل الالكتروني للاموال، بدلا من ارسال الشاحنات المليئة بالنقد.
بعض المسؤولين العراقيين يقولون ان الحكومة سوف تنفق جميع ميزانيتها لهذا العام. لكن مكتب المساءلة الحكومي ابدى بعض الشكوك. فتقريرهم يقول ان وزارة المالية عادة ما تقدم بيانات غير موثوقة، تتضمن «اعمدة واسطر تحتوي على اخطاء حسابية».
يقول فريز انه بنهاية آب، انفقت الحكومة العراقية 43 % من الميزانية الاستثمارية البالغة 16 مليار دولار والتي كانت متاحة مبدئيا لعام 2008، بضمنها اموال رصدت لخطابات الضمان. لكن هناك مبلغ آخر قدره 8 مليارات دولار تم اضافته كملحق بالميزانية، وقد جاء نتيجة لارتفاع اسعار النفط بشكل حاد خلال العام.
لقد بدأت تخصيصات اعادة الاعمار التي قدمتها الولايات المتحدة بالنضوب، مما يجعل من الضرورة بمكان ان يتولى العراقيون هذه المهمة. وقد بلغ مجمل الاموال التي التزمت بها الولايات المتحدة، حتى شهر حزيران الماضي، مبلغا قدره 42 مليار دولار من اصل 48 مليار دولار رصدت منذ بدء الغزو من اجل احلال الاستقرار واعادة الاعمار في العراق، استنادا الى مكتب المساءلة الحكومي.
يقول احد كبار المسؤولين الاميركيين في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه: «لقد بدأنا في التراجع عن اعمال الطابوق والمونة. ان ما نفعله الان هو ان نساعدهم في انفاق اموالهم».
منتديات القاعدة على الانترنت تختفي فجأة
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
يقول مراقبون للشبكة المعلوماتية الدولية (الانترنت) ان اربعة من بين خمسة من المنتديات التي يستخدمها الجناح الاعلامي في القاعدة لنشر بيانات اسامة بن لادن والمتطرفين الاخرين قد تم ايقافها منذ منتصف ايلول. ان اختفاء هذه المنتديات في العاشر من ايلول، وعجز القاعدة على ما يبدو في استعادتها او استبدالها بمواقع اخرى كما كان الحال سابقا، قد اعاق المنظمة من نشر كلام وصور قائدها الهارب. وقد قال بيان صدر في 29 ايلول عن مركز الفجر الاعلامي، وهي الشبكة التي تدعم القاعدة والمجموعات المتطرفة الأخرى، قال إن المنتديات قد اختفت «لاسباب تقنية»، وحث اتباعه على عدم ايلاء الثقة للمواقع التي تبدو شبيهة بها.
يقول ايفان كولمان، الخبير في عمليات القاعدة على الانترنت، والذي قدم المشورة الى مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي ومؤسسات اخرى: «بالنسبة للقاعدة، فان هذه المواقع تناظر موقع البنتاغون، او موقع البيت الابيض، او موقع شبكة الهواتف النقالة». فمع بقاء موقع واحد فقط ناشطا على الانترنت، «فان ذلك يترك استراتيجية القاعدة، في ما يخص الدعاية الموجهة، معلقة بخيط رفيع للغاية».
وفي مناسبات عدة خلال السنوات الثلاثة الماضية، قام متصيدون غير معروفين باقفال مواقع الكترونية متربطة بالقاعدة بعد ان قامت بالاعلان عن اصدار رسالة جديدة من اسامة بن لادن مسجلة على شريط فيديو موجهة الى قائد متطرف آخر. وعادة ما يكون من المستحيل تحديد مصدر مثل هذه الهجمات بالضبط، غير ان الخبراء يقولون ان منفذيها قد يكونون نشطاء مستقلون.
كما رفض احد مسؤولي الاستخبارات الاميركية الاجابة عن السؤال بشأن ما اذا كانت وكالات التجسس الاميركية مشاركة في هذا الامر. ولدى القوات الامنية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة مركزا مشتركا لمراقبة العمليات الالكترونية ضد المتطرفين.
يقول جورجي جونسن، الخبير في مجموعات العنف في اليمن والمقيم في الولايات المتحدة: «لقد كان لديهم شعور بانهم لا يقهرون. الان فقدوا هذا الشعور».
وكان موقع منتدى الفجر يطبل، في اوائل ايلول، الى بث شريط الفيديو الذي تبثه القاعدة سنويا لمناسبة هجمات 11 ايلول، عارضين رسالة واحدة: «انتظروا 11 ايلول».
ولكن بدلا من ذلك، اختفى المنتدى في 10 ايلول.
تشير التغييرات السريعة في معلومات تسجيل اسماء هذه المواقع وفي الحاسبات الخادمة الى ان مشغلي المواقع كانوا يعملون من اجل اعادة المنتديات الى العمل، حسبما جاء في بيان اصدرته مجموعة (البحث عن الكيانات الارهابية العالمية SETI) الاستخبارية، وهي المؤسسة الاولى في المراقبة غير الحكومية لمواقع المجاميع المتطرفة.
يقول كولمان، وهو يعمل ايضا كمحقق اقدم في مؤسسة (11/9 البحث عن اجوبة NEFA) التي يقع مقرها في تشارلستون، ساوث كارولينا، ان موقعا واحدا، هو موقع (الحسبة)، قد اعاد نشاطه بعد 24 ساعة.
وفي آخر الامر، ظهر شريط القاعدة المخصص لـ 11 ايلول على موقع الحسبة، مما يعني «ان احدها يحمل المسؤولية عن الباقين»، وذلك في 19 ايلول. عندها بدأ الاهتمام يقل بالذكرى السنوية بين مساندي القاعدة.
تقول احد التعليقات التي كتبها الزوار في موقع الحسبة: «يا الهي، احمي اخواننا في منتديات المجاهدين»، استنادا الى كولمان.
وكتب زائر آخر قائلا: «اخواني الاعزاء... اجتهدوا في الدعاء الى الله ليهدي الرصاصة، وليعيد موقع (الاخلاص) بنجاح حتى تنتشر الرسالة»، حسب ما اوردته مؤسسة SETI، في اشارة الى احد اكثر المواقع التي تم اقفالها اهمية.
يقول جونسن: «المنتديات المتطرفة لازالت نشطة، هناك اناس مرتابون ومشوشون الى حد ما بشأن ما يجري حولهم. من الطبيعي بالنسبة لغرف المحادثة والمنتديات الخاصة ان يكون هناك نوع من المقاطعة. لكن في هذه المرة كان واضحا جدا ان هناك شيئا مختلفا كليا».
واصلت القاعدة نشر تسجيلات الفيديو والبيانات على موقع الحسبة. لكن كولمان يقول ان هناك عدداً قليلاً فقط من الاتباع الذين لديهم كلمات المرور لهذه المواقع.
ويضيف كولمان ان مشغلي مواقع القاعدة غير مرتاحين الى اعطاء المزيد من المستخدمين كلمات المرور لموقع الحسبة تحسبا من الاختراق، كما انهم لا يريدون الانتقال الى موقع جديد بكلمات مرور جديدة للسبب نفسه.
ويؤكد كولمان قائلا: «انها المرة الاولى منذ ثلاثة سنوات ان لا يكون لدى القاعدة سوى موقع واحد يحمل دعايتهم الموجهة (البروباغاندا)». وكان مركز الفجر قد تأسس في عام 2005.
يقول المراقبون ان القاعدة قد اضطرت الى الاعتماد على المواقع الاخرى للمساعدة في نشر تسجيلات الفيديو التي تصدرها، مما يؤدي الى اضعاف سيطرة هذه المنظمة على رسائلها ويقلص من مشاهديها.
يقول ايريك ماركواردت، رئيس تحرير جريدة سينتينال، وهي منشور الكتروني شهري يصدر عن مركز مكافحة الارهاب في اكاديمية ويست بوينت التابعة للجيش الاميركي، ان تخريب المواقع الالكترونية الخاصة بالمتطرفين يجعل من الصعب عليها ان تلهم اتباعها ليقوموا بالهجمات، كما تصعب عملية تجنيد المزيد من الاتباع.
ولكنه يستدرك قائلا: «غير ان الجانب السيء في اغلاق المواقع الالكترونية انك سوف تخسر المقدرة على مراقبة نشاطاتهم»، مما يحد من فرص المراقبين الغربيين على البحث عن نقاط الضعف في ايديولوجيتهم او اشارات عن عمليات مستقبلية. «حينما تغلق هذه المواقع الالكترونية، تغلق معها نافذة مهمة».
ترجمة: علاء غزالة
يقول مراقبون للشبكة المعلوماتية الدولية (الانترنت) ان اربعة من بين خمسة من المنتديات التي يستخدمها الجناح الاعلامي في القاعدة لنشر بيانات اسامة بن لادن والمتطرفين الاخرين قد تم ايقافها منذ منتصف ايلول. ان اختفاء هذه المنتديات في العاشر من ايلول، وعجز القاعدة على ما يبدو في استعادتها او استبدالها بمواقع اخرى كما كان الحال سابقا، قد اعاق المنظمة من نشر كلام وصور قائدها الهارب. وقد قال بيان صدر في 29 ايلول عن مركز الفجر الاعلامي، وهي الشبكة التي تدعم القاعدة والمجموعات المتطرفة الأخرى، قال إن المنتديات قد اختفت «لاسباب تقنية»، وحث اتباعه على عدم ايلاء الثقة للمواقع التي تبدو شبيهة بها.
يقول ايفان كولمان، الخبير في عمليات القاعدة على الانترنت، والذي قدم المشورة الى مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي ومؤسسات اخرى: «بالنسبة للقاعدة، فان هذه المواقع تناظر موقع البنتاغون، او موقع البيت الابيض، او موقع شبكة الهواتف النقالة». فمع بقاء موقع واحد فقط ناشطا على الانترنت، «فان ذلك يترك استراتيجية القاعدة، في ما يخص الدعاية الموجهة، معلقة بخيط رفيع للغاية».
وفي مناسبات عدة خلال السنوات الثلاثة الماضية، قام متصيدون غير معروفين باقفال مواقع الكترونية متربطة بالقاعدة بعد ان قامت بالاعلان عن اصدار رسالة جديدة من اسامة بن لادن مسجلة على شريط فيديو موجهة الى قائد متطرف آخر. وعادة ما يكون من المستحيل تحديد مصدر مثل هذه الهجمات بالضبط، غير ان الخبراء يقولون ان منفذيها قد يكونون نشطاء مستقلون.
كما رفض احد مسؤولي الاستخبارات الاميركية الاجابة عن السؤال بشأن ما اذا كانت وكالات التجسس الاميركية مشاركة في هذا الامر. ولدى القوات الامنية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة مركزا مشتركا لمراقبة العمليات الالكترونية ضد المتطرفين.
يقول جورجي جونسن، الخبير في مجموعات العنف في اليمن والمقيم في الولايات المتحدة: «لقد كان لديهم شعور بانهم لا يقهرون. الان فقدوا هذا الشعور».
وكان موقع منتدى الفجر يطبل، في اوائل ايلول، الى بث شريط الفيديو الذي تبثه القاعدة سنويا لمناسبة هجمات 11 ايلول، عارضين رسالة واحدة: «انتظروا 11 ايلول».
ولكن بدلا من ذلك، اختفى المنتدى في 10 ايلول.
تشير التغييرات السريعة في معلومات تسجيل اسماء هذه المواقع وفي الحاسبات الخادمة الى ان مشغلي المواقع كانوا يعملون من اجل اعادة المنتديات الى العمل، حسبما جاء في بيان اصدرته مجموعة (البحث عن الكيانات الارهابية العالمية SETI) الاستخبارية، وهي المؤسسة الاولى في المراقبة غير الحكومية لمواقع المجاميع المتطرفة.
يقول كولمان، وهو يعمل ايضا كمحقق اقدم في مؤسسة (11/9 البحث عن اجوبة NEFA) التي يقع مقرها في تشارلستون، ساوث كارولينا، ان موقعا واحدا، هو موقع (الحسبة)، قد اعاد نشاطه بعد 24 ساعة.
وفي آخر الامر، ظهر شريط القاعدة المخصص لـ 11 ايلول على موقع الحسبة، مما يعني «ان احدها يحمل المسؤولية عن الباقين»، وذلك في 19 ايلول. عندها بدأ الاهتمام يقل بالذكرى السنوية بين مساندي القاعدة.
تقول احد التعليقات التي كتبها الزوار في موقع الحسبة: «يا الهي، احمي اخواننا في منتديات المجاهدين»، استنادا الى كولمان.
وكتب زائر آخر قائلا: «اخواني الاعزاء... اجتهدوا في الدعاء الى الله ليهدي الرصاصة، وليعيد موقع (الاخلاص) بنجاح حتى تنتشر الرسالة»، حسب ما اوردته مؤسسة SETI، في اشارة الى احد اكثر المواقع التي تم اقفالها اهمية.
يقول جونسن: «المنتديات المتطرفة لازالت نشطة، هناك اناس مرتابون ومشوشون الى حد ما بشأن ما يجري حولهم. من الطبيعي بالنسبة لغرف المحادثة والمنتديات الخاصة ان يكون هناك نوع من المقاطعة. لكن في هذه المرة كان واضحا جدا ان هناك شيئا مختلفا كليا».
واصلت القاعدة نشر تسجيلات الفيديو والبيانات على موقع الحسبة. لكن كولمان يقول ان هناك عدداً قليلاً فقط من الاتباع الذين لديهم كلمات المرور لهذه المواقع.
ويضيف كولمان ان مشغلي مواقع القاعدة غير مرتاحين الى اعطاء المزيد من المستخدمين كلمات المرور لموقع الحسبة تحسبا من الاختراق، كما انهم لا يريدون الانتقال الى موقع جديد بكلمات مرور جديدة للسبب نفسه.
ويؤكد كولمان قائلا: «انها المرة الاولى منذ ثلاثة سنوات ان لا يكون لدى القاعدة سوى موقع واحد يحمل دعايتهم الموجهة (البروباغاندا)». وكان مركز الفجر قد تأسس في عام 2005.
يقول المراقبون ان القاعدة قد اضطرت الى الاعتماد على المواقع الاخرى للمساعدة في نشر تسجيلات الفيديو التي تصدرها، مما يؤدي الى اضعاف سيطرة هذه المنظمة على رسائلها ويقلص من مشاهديها.
يقول ايريك ماركواردت، رئيس تحرير جريدة سينتينال، وهي منشور الكتروني شهري يصدر عن مركز مكافحة الارهاب في اكاديمية ويست بوينت التابعة للجيش الاميركي، ان تخريب المواقع الالكترونية الخاصة بالمتطرفين يجعل من الصعب عليها ان تلهم اتباعها ليقوموا بالهجمات، كما تصعب عملية تجنيد المزيد من الاتباع.
ولكنه يستدرك قائلا: «غير ان الجانب السيء في اغلاق المواقع الالكترونية انك سوف تخسر المقدرة على مراقبة نشاطاتهم»، مما يحد من فرص المراقبين الغربيين على البحث عن نقاط الضعف في ايديولوجيتهم او اشارات عن عمليات مستقبلية. «حينما تغلق هذه المواقع الالكترونية، تغلق معها نافذة مهمة».
Tuesday, October 21, 2008
إعادة بناء القوة الجوية من القاعدة إلى الأعلى
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
كركوك، العراق – لم ينقطع أمل العقيد الطيار عبد الكريم عزيز في التحليق مجددا، وهو الذي خاض غمار الحرب في ثمانينيات القرن العشرين، حينما قالت له والدته عام 2005 ان عليه العودة الى الطيران.
يقول عزيز، البالغ من العمر 49 عاما، متحدثا عن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق: «حينما بدأت الحرب، لم يدر بخلدي اني ساعاود التحليق مجددا. لم احب الجانب الصديق»، في اشارة الى الجيش الاميركي.
وقد شلّ الجيش الاميركي القوة الجوية العراقية بعد حرب الخليج عام 1991، محيلا وظائف قدامى الطيارين مثل عزيز الى اعمال مكتبية على الارض. وكان القليل المتبقي من القوة الجوية، التي كانت ذات مرة قوة ضاربة، قد تم تدميره في الاسابيع الاولى من الحرب على العراق. ومن ثم تمت ادارة العمليات في الاجواء العراقية، التي سيطر عليها الجيش الاميركي بشكل مطلق، من خلال مركز عمليات في قطر.
لكن سلاح الجو الاميركي، الذي بدأ في تغيير موقفه، شرع في صرف مئات الملايين من الدولارات على تدريب الطيارين مثل عزيز على الطيران مجددا، وتدريب جيل جديد من الطيارين، وبناء قوة جوية عراقية مع بنيتها التحتية ابتداء من الصفر. ان مشروع القوة الجوية هو جزء من جهد اكبر يستهدف تدريب وتجهيز الوحدات المتخصصة في القوات الامنية العراقية، والتي يرى القادة الاميركيون انها خطوة حيوية من اجل خلق الظروف المواتية لانسحاب القوات الاميركية من العراق.
ومع انخفاض العنف في العراق في الاشهر الاخيرة، اصبحت مثل هذه المبادرات واحدة من اهم اولويات الجيش الاميركي. غير انهم بدأوا في التحليق حينما بدأ العراقيون في المطالبة بانسحاب القوات الاميركية، وبينما تزايدت دعوات المشرعين الاميركيين، الذين رصدوا المليارات من الدولارات في السنوات الاخيرة لتدريب وتجهيز القوات الامنية العراقية، لكي يتولى العراقيون جزءا اكبر من المسؤولية الامنية. وكان المشرعون الاميركيون قد وفروا مبلغا قدره 8,5 مليار دولار اميركي بين عامي 2007 و2008 لتدريب وتجهيز القوات الامنية العراقية، ذهبت منها قرابة 457 مليون دولار للقوة الجوية العراقية.
يتطلب بناء القوة الجوية سنوات ان لم يكن عقودا. وقد كان بناء القوة الجوية العراقية بالذات تحديا، كما يقول المسؤولون الاميركيون. وقد عرقلت هذه العملية عوامل عدة منها المشاحنات المستمرة، وما يصفه المسؤولون الاميركيون بعجز الحكومة العراقية المزمن في توفير التمويل الفوري لاحتياجات العمليات، والانقسام بين جيل الطيارين المخضرم –الذي بدأ يعلوه الصدأ– والمجموعة الصغيرة من الضباط الجدد الذين هم على وشك اكمال تدريبهم.
على الرغم من ان القوة الجوية العراقية ما زالت صغيرة وتفتقر تماما الى القدرة القتالية، الا انها تمتلك قاعدة تؤهل العراقيين للافتخار بها، كما يؤكد المسؤولون الاميركيون. يقوم العراقيون، الذين تعودوا على مشاهدة الطائرات العمودية الاميركية تجول في اجوائهم على مدار الساعة، بتحية الطائرات التي تحمل العلم العراقي بحماسة حينما يروا احداها.
يقول المقدم مارك بينيت، احد المدربين الاميركيين: «انها رمز للحماية التي تقدمها حكومتهم لهم».
وكانت القوة الجوية العراقية من افضل القوات الجوية في المنطقة تدريبا وتجهيزا حينما دخلت البلاد في الحرب مع ايران عام 1980. وادى النزاع الى خسائر جمّة في القوة الجوية، لكن حينما نشبت حرب الخليج عام 1991، كان لا يزال هناك المئات من الطائرات المقاتلة والطيارين ذوي الخبرة، الذين يمارسون نشاطهم في عشرات القواعد الجوية.
لكن القوة الجوية العراقية لم تكن تضاهي باي حال قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، حيث ان هذه الاخيرة سرعان ما دمرتها عن آخرها. ومن ثم جاءت العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على العراق بعد الحرب والتي منعته من الحصول على قطع الغيار للطائرات الحربية ومن التحليق فوق مناطق واسعة من البلاد.
وحينما قامت القوات الاميركية بغزو العراق عام 2003، كانت القوة الجوية من الضعف بحيث ان صدام قرر ان لا يرسل الطيارين القليلين المتبقين للتحليق بالطائرات. وتم دفن بعض الطائرات المقاتلة. وفيما بعد اختفى منتسبو القوة الجوية، شأنهم شأن منتسبو الصنوف الاخرى في الجيش العراقي، بعد فترة وجيزة من الغزو.
وقد منح الجيش الاميركي الحكومة العراقية، في عام 2004، ثلاثة من طائراته القديمة نوع هرقل سي-130 التي تستعمل لاغراض الشحن الجوي. وفي ذلك الوقت بدأت الحكومة العراقية في البحث عن طياري القوة الجوية السابقين والاستثمار في شراء طائرات جديدة. وقد افتتحت الحكومة العراقية في العام الماضي مدرسة للقوة الجوية في اطراف العاصمة بغداد، بمساعدة القوات الاميركية.
ويوجد لدى القوة الجوية العراقية الان 76 طائرة، جاءت معظمها على شكل منح من الولايات المتحدة ودول اخرى. اغلب هذه الطائرات مصممة لأغراض مهمات التدريب والنقل والمراقبة. وعلى الرغم ان هذه القوة الجوية لا تمتلك طائرات مقاتلة، فان ضباط الجيش الاميركي يقولون ان الطيارين العراقيين سوف يسمح لهم قريبا في تنفيذ مهمات هجومية.
يقول عزيز، والذي يمتلك صوتا جهوريا عميقا، وعادة ما يغص في الضحك وهو يمزح مع نظرائه من الاميركيين: «انا طيار يقود طائرة مقاتلة. انا مستعد للموت من اجل ان افعل هذا من جديد».
يقول المسؤولون الاميركيون انهم يشاركون العراقيين في نظرتهم بعيدة الامد، المتمثلة توفير قوة جوية مجهزة بشكل جيد لحماية البلاد من الاعداء الخارجيين. لكنهم يعتقدون ان على العراقيين التركيز على الاساسيات قبل ان يستثمروا في شراء الطائرات المقاتلة عالية القدرة.
يقول العميد بروكس باش، الضابط المشرف على بعث القوة الجوية العراقية، معقبا على هذه النقطة: «ليس لديهم البنية التحتية التي تساندها».
وقد تم في شهر ايلول افتتاح مدرسة القوة الجوية في قاعدة التاجي الجوية، الواقعة خارج بغداد. ويقوم على ادارتها مشرفين عراقيين واميركيين، بينما يقوم بمعظم اعمال الصيانة موظفين يعملون لدى مقاول غربي. واكمل نحو 1,000 منتسب في القوة الجوية دورة التدريب الاساس، وتتوقع القوة الجوية العراقية ان يتخرج 600 اخرين في نهاية العام. يتلقى طيارو الطائرات العمودية تدريبهم في التاجي، بينما يتم تدريب طيارو الطائرات المقاتلة في قاعدة بكركوك في شمالي العراق.
وقد تم ارسال الطائرات العراقية الى البصرة والموصل لتنفيذ مهمات النقل، والاخلاء الطبي، والمراقبة، كإسناد للعمليات العسكرية. كما انها تقوم بمراقبة خطوط النفط الرئيسة المنتشرة في البلاد بشكل مستمر. وكان جميع الطيارين الذين نفذوا هذه المهمات من منتسبي القوة الجوية السابقة. ويتوقع ان يشارك اول ثلاثة طيارين من المجندين حديثا في الطلعات الجوية في وقت لاحق من هذه السنة. لقد كان تجنيد الطيارين تحديا بسبب انهم يجب ان يجيدوا اللغة الانكليزية، وهي اللغة العالمية في الطيران. كما كانت الرواتب التي تمنح للطيارين، وهي تبدأ بـ 700 دولار في الشهر، من المعوقات الاخرى.
وقد رصدت الحكومة العراقية مبلغ مليار دولار لقوتها الجوية منذ السنة الماضية. لكن المستشارين الاميركيين يقولون ان الحصول على الموافقات على الصرف، التي يجب ان تقدم كتابة الى بغداد، قد يكون عملا خارقا بحد ذاته.
يقول المقدم مارك دالي، ذو الـ39 عاما وهو من مدينة الاسكندرية في ولاية فرجينيا، واحد مستشاري القوة الجوية الاميركية في التاجي: «يواجه العراق صعوبة في صرف الاموال. ان ذلك يشمل كل شيء من بدلات الطيارين الى القفزات والاحذية. لا يستطيعون ان يجمعوا كل ما يحتاجون في قائمة تجهيزات واحدة».
غير ان المصادقة على مصاريف كبيرة قد يكون صعبا بشكل خاص، كما يقول باش، لان الكثير من المسؤولين العراقيين يخشون عادة التوقيع على القوائم الخاصة بها.
ويضيف باش قائلا: «انهم يخشون ان يضعوا تواقعيهم عليها خوفا من تهم الفساد التي قد تأتي لاحقا».
ويؤكد: «لديك قوة جوية ذات ملاك بمعدل عمر يقع ضمن الاربعينيات. هذه مشكلة... فبعد عشرة سنوات سوف يتقاعدون».
وهكذا فان مستقبل القوة الجوية يكمن بايدي رجال مثل الملازم ثاني علي صباح الذي يبلغ 21 سنة من العمر. وقد فرّ هذا الشاب، وهو من مواليد مدينة الموصل مع عائلته الى هولندا عام 1996، ضمن موجة من المهاجرين الاكراد الذي فرّوا من اضطهاد صدام.
وبعد الغزو عام 2003، عاد والد صباح الى العراق ليعمل كمهندس في مدرج طيران بكركوك. وفي احد الايام اتصل بولده وسأله فيما اذا كان يرغب في ان يصبح طيارا في القوة الجوية العراقية. لقد كان قرارا صعبا. فقد كان علي صباح مواطنا هولنديا يدرس علوم الحاسبات وقد بلغ المرحلة الاخيرة.
يقول علي واصفا تفكيره في ذلك الوقت: «لو كنت اكلمت دراستي الجامعية في علوم الحاسبات، لكنت حصلت على وظيفة مع مايكروسوفت، ولقضيت عمري كله في عمل ممل على الحاسبة. ينطوي عمل الطيار على مغامرة اكثر قليلا».
وقد كانت رحلة عودته الى العراق مضنية لكن يملؤها الفخر، فهو يقول: :انه لشعور عظيم ما يمكنك فعله لبلدك. ففي هذا الوقت لا يعتقد الكثيرون ان القوة الجوية العراقية موجودة في الواقع».
ترجمة: علاء غزالة
كركوك، العراق – لم ينقطع أمل العقيد الطيار عبد الكريم عزيز في التحليق مجددا، وهو الذي خاض غمار الحرب في ثمانينيات القرن العشرين، حينما قالت له والدته عام 2005 ان عليه العودة الى الطيران.
يقول عزيز، البالغ من العمر 49 عاما، متحدثا عن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق: «حينما بدأت الحرب، لم يدر بخلدي اني ساعاود التحليق مجددا. لم احب الجانب الصديق»، في اشارة الى الجيش الاميركي.
وقد شلّ الجيش الاميركي القوة الجوية العراقية بعد حرب الخليج عام 1991، محيلا وظائف قدامى الطيارين مثل عزيز الى اعمال مكتبية على الارض. وكان القليل المتبقي من القوة الجوية، التي كانت ذات مرة قوة ضاربة، قد تم تدميره في الاسابيع الاولى من الحرب على العراق. ومن ثم تمت ادارة العمليات في الاجواء العراقية، التي سيطر عليها الجيش الاميركي بشكل مطلق، من خلال مركز عمليات في قطر.
لكن سلاح الجو الاميركي، الذي بدأ في تغيير موقفه، شرع في صرف مئات الملايين من الدولارات على تدريب الطيارين مثل عزيز على الطيران مجددا، وتدريب جيل جديد من الطيارين، وبناء قوة جوية عراقية مع بنيتها التحتية ابتداء من الصفر. ان مشروع القوة الجوية هو جزء من جهد اكبر يستهدف تدريب وتجهيز الوحدات المتخصصة في القوات الامنية العراقية، والتي يرى القادة الاميركيون انها خطوة حيوية من اجل خلق الظروف المواتية لانسحاب القوات الاميركية من العراق.
ومع انخفاض العنف في العراق في الاشهر الاخيرة، اصبحت مثل هذه المبادرات واحدة من اهم اولويات الجيش الاميركي. غير انهم بدأوا في التحليق حينما بدأ العراقيون في المطالبة بانسحاب القوات الاميركية، وبينما تزايدت دعوات المشرعين الاميركيين، الذين رصدوا المليارات من الدولارات في السنوات الاخيرة لتدريب وتجهيز القوات الامنية العراقية، لكي يتولى العراقيون جزءا اكبر من المسؤولية الامنية. وكان المشرعون الاميركيون قد وفروا مبلغا قدره 8,5 مليار دولار اميركي بين عامي 2007 و2008 لتدريب وتجهيز القوات الامنية العراقية، ذهبت منها قرابة 457 مليون دولار للقوة الجوية العراقية.
يتطلب بناء القوة الجوية سنوات ان لم يكن عقودا. وقد كان بناء القوة الجوية العراقية بالذات تحديا، كما يقول المسؤولون الاميركيون. وقد عرقلت هذه العملية عوامل عدة منها المشاحنات المستمرة، وما يصفه المسؤولون الاميركيون بعجز الحكومة العراقية المزمن في توفير التمويل الفوري لاحتياجات العمليات، والانقسام بين جيل الطيارين المخضرم –الذي بدأ يعلوه الصدأ– والمجموعة الصغيرة من الضباط الجدد الذين هم على وشك اكمال تدريبهم.
على الرغم من ان القوة الجوية العراقية ما زالت صغيرة وتفتقر تماما الى القدرة القتالية، الا انها تمتلك قاعدة تؤهل العراقيين للافتخار بها، كما يؤكد المسؤولون الاميركيون. يقوم العراقيون، الذين تعودوا على مشاهدة الطائرات العمودية الاميركية تجول في اجوائهم على مدار الساعة، بتحية الطائرات التي تحمل العلم العراقي بحماسة حينما يروا احداها.
يقول المقدم مارك بينيت، احد المدربين الاميركيين: «انها رمز للحماية التي تقدمها حكومتهم لهم».
وكانت القوة الجوية العراقية من افضل القوات الجوية في المنطقة تدريبا وتجهيزا حينما دخلت البلاد في الحرب مع ايران عام 1980. وادى النزاع الى خسائر جمّة في القوة الجوية، لكن حينما نشبت حرب الخليج عام 1991، كان لا يزال هناك المئات من الطائرات المقاتلة والطيارين ذوي الخبرة، الذين يمارسون نشاطهم في عشرات القواعد الجوية.
لكن القوة الجوية العراقية لم تكن تضاهي باي حال قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، حيث ان هذه الاخيرة سرعان ما دمرتها عن آخرها. ومن ثم جاءت العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على العراق بعد الحرب والتي منعته من الحصول على قطع الغيار للطائرات الحربية ومن التحليق فوق مناطق واسعة من البلاد.
وحينما قامت القوات الاميركية بغزو العراق عام 2003، كانت القوة الجوية من الضعف بحيث ان صدام قرر ان لا يرسل الطيارين القليلين المتبقين للتحليق بالطائرات. وتم دفن بعض الطائرات المقاتلة. وفيما بعد اختفى منتسبو القوة الجوية، شأنهم شأن منتسبو الصنوف الاخرى في الجيش العراقي، بعد فترة وجيزة من الغزو.
وقد منح الجيش الاميركي الحكومة العراقية، في عام 2004، ثلاثة من طائراته القديمة نوع هرقل سي-130 التي تستعمل لاغراض الشحن الجوي. وفي ذلك الوقت بدأت الحكومة العراقية في البحث عن طياري القوة الجوية السابقين والاستثمار في شراء طائرات جديدة. وقد افتتحت الحكومة العراقية في العام الماضي مدرسة للقوة الجوية في اطراف العاصمة بغداد، بمساعدة القوات الاميركية.
ويوجد لدى القوة الجوية العراقية الان 76 طائرة، جاءت معظمها على شكل منح من الولايات المتحدة ودول اخرى. اغلب هذه الطائرات مصممة لأغراض مهمات التدريب والنقل والمراقبة. وعلى الرغم ان هذه القوة الجوية لا تمتلك طائرات مقاتلة، فان ضباط الجيش الاميركي يقولون ان الطيارين العراقيين سوف يسمح لهم قريبا في تنفيذ مهمات هجومية.
يقول عزيز، والذي يمتلك صوتا جهوريا عميقا، وعادة ما يغص في الضحك وهو يمزح مع نظرائه من الاميركيين: «انا طيار يقود طائرة مقاتلة. انا مستعد للموت من اجل ان افعل هذا من جديد».
يقول المسؤولون الاميركيون انهم يشاركون العراقيين في نظرتهم بعيدة الامد، المتمثلة توفير قوة جوية مجهزة بشكل جيد لحماية البلاد من الاعداء الخارجيين. لكنهم يعتقدون ان على العراقيين التركيز على الاساسيات قبل ان يستثمروا في شراء الطائرات المقاتلة عالية القدرة.
يقول العميد بروكس باش، الضابط المشرف على بعث القوة الجوية العراقية، معقبا على هذه النقطة: «ليس لديهم البنية التحتية التي تساندها».
وقد تم في شهر ايلول افتتاح مدرسة القوة الجوية في قاعدة التاجي الجوية، الواقعة خارج بغداد. ويقوم على ادارتها مشرفين عراقيين واميركيين، بينما يقوم بمعظم اعمال الصيانة موظفين يعملون لدى مقاول غربي. واكمل نحو 1,000 منتسب في القوة الجوية دورة التدريب الاساس، وتتوقع القوة الجوية العراقية ان يتخرج 600 اخرين في نهاية العام. يتلقى طيارو الطائرات العمودية تدريبهم في التاجي، بينما يتم تدريب طيارو الطائرات المقاتلة في قاعدة بكركوك في شمالي العراق.
وقد تم ارسال الطائرات العراقية الى البصرة والموصل لتنفيذ مهمات النقل، والاخلاء الطبي، والمراقبة، كإسناد للعمليات العسكرية. كما انها تقوم بمراقبة خطوط النفط الرئيسة المنتشرة في البلاد بشكل مستمر. وكان جميع الطيارين الذين نفذوا هذه المهمات من منتسبي القوة الجوية السابقة. ويتوقع ان يشارك اول ثلاثة طيارين من المجندين حديثا في الطلعات الجوية في وقت لاحق من هذه السنة. لقد كان تجنيد الطيارين تحديا بسبب انهم يجب ان يجيدوا اللغة الانكليزية، وهي اللغة العالمية في الطيران. كما كانت الرواتب التي تمنح للطيارين، وهي تبدأ بـ 700 دولار في الشهر، من المعوقات الاخرى.
وقد رصدت الحكومة العراقية مبلغ مليار دولار لقوتها الجوية منذ السنة الماضية. لكن المستشارين الاميركيين يقولون ان الحصول على الموافقات على الصرف، التي يجب ان تقدم كتابة الى بغداد، قد يكون عملا خارقا بحد ذاته.
يقول المقدم مارك دالي، ذو الـ39 عاما وهو من مدينة الاسكندرية في ولاية فرجينيا، واحد مستشاري القوة الجوية الاميركية في التاجي: «يواجه العراق صعوبة في صرف الاموال. ان ذلك يشمل كل شيء من بدلات الطيارين الى القفزات والاحذية. لا يستطيعون ان يجمعوا كل ما يحتاجون في قائمة تجهيزات واحدة».
غير ان المصادقة على مصاريف كبيرة قد يكون صعبا بشكل خاص، كما يقول باش، لان الكثير من المسؤولين العراقيين يخشون عادة التوقيع على القوائم الخاصة بها.
ويضيف باش قائلا: «انهم يخشون ان يضعوا تواقعيهم عليها خوفا من تهم الفساد التي قد تأتي لاحقا».
ويؤكد: «لديك قوة جوية ذات ملاك بمعدل عمر يقع ضمن الاربعينيات. هذه مشكلة... فبعد عشرة سنوات سوف يتقاعدون».
وهكذا فان مستقبل القوة الجوية يكمن بايدي رجال مثل الملازم ثاني علي صباح الذي يبلغ 21 سنة من العمر. وقد فرّ هذا الشاب، وهو من مواليد مدينة الموصل مع عائلته الى هولندا عام 1996، ضمن موجة من المهاجرين الاكراد الذي فرّوا من اضطهاد صدام.
وبعد الغزو عام 2003، عاد والد صباح الى العراق ليعمل كمهندس في مدرج طيران بكركوك. وفي احد الايام اتصل بولده وسأله فيما اذا كان يرغب في ان يصبح طيارا في القوة الجوية العراقية. لقد كان قرارا صعبا. فقد كان علي صباح مواطنا هولنديا يدرس علوم الحاسبات وقد بلغ المرحلة الاخيرة.
يقول علي واصفا تفكيره في ذلك الوقت: «لو كنت اكلمت دراستي الجامعية في علوم الحاسبات، لكنت حصلت على وظيفة مع مايكروسوفت، ولقضيت عمري كله في عمل ممل على الحاسبة. ينطوي عمل الطيار على مغامرة اكثر قليلا».
وقد كانت رحلة عودته الى العراق مضنية لكن يملؤها الفخر، فهو يقول: :انه لشعور عظيم ما يمكنك فعله لبلدك. ففي هذا الوقت لا يعتقد الكثيرون ان القوة الجوية العراقية موجودة في الواقع».
Monday, October 13, 2008
اعمال العنف في الموصل تجبر المسيحيين العراقيين على الفرار
عن النيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – يفر المئات من المسيحيين من مدينة الموصل نتيجة سلسلة من اعمال القتل، التي يبدو انها تستهدف المسيحيين في هذه المدينة الشمالية من العراق، حيث لجأ الكثير منهم الى اجزاء اخرى من البلاد خوفا من الاضطهاد.
وقد قتل عدد لا يقل عن 11 مسيحيا، وربما يصل عددهم الى 14، في مدينة الموصل منذ شهر آب الماضي، حسب ما أفاد مسؤولون حكوميون ومنظمات حقوق الانسان. ومن بين الضحايا اطباء، ومهندس، وعاملي بناء اثنين، ورجلي اعمال، وصبي يبلغ من العمر 15 عاما تم قتله بالرصاص امام منزله. وقد قتل سبعة مسيحيين في الاسبوع الماضي وحده.
يقول خسرو كوران، نائب محافظ نينوى، المحافظة الواقعة في شمالي العراق ومركزها مدينة الموصل، ان صيدليا قتل بالرصاص يوم الجمعة من قبل رجل تظاهر انه رجل شرطة متخفٍ، وقد سأل الضحية ابراز هويته التعريفية.
وكان المطران لويس ساكو، رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثولوكية في كركوك، قد قال يوم الجمعة، ان اعمال القتل هي مثال على: "حملة التطهير، بالقتل والتهديد"، التي واجهها المسيحيون في العراق.
وقد جاءت اعمال القتل عقب المشاحنات الغاضبة حول قرار البرلمان اسقاط مادة كانت موجودة اصلا في النسخ الاقدم من قانون الانتخابات المحلية تنص على منح المسيحيين والاقليات الاخرى تمثيلا سياسيا. وقد وافق المشرعون على هذا القانون بدون تلك المادة في 24 أيلول.
كما نظم المسيحيون مظاهرات في بغداد والموصل احتجاجا على قرار البرلمان، حيث يعيش قرابة 250,000 مسيحي في بغداد، و50,000 في الموصل.
وفي احدى هذه المظاهرات في الموصل رفع المسيحيون شعارات تطالب بانشاء المحافظة التاسعة عشرة، يحكمها المسيحيون وترتبط بمنطقة كردستان في الشمال، استنادا الى وليم ورده، وهو صحفي عراقي ورئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان، والتي يقع مقرها في بغداد.
وقام مجلس الرئاسة، الذي يقوده الرئيس جلال طالباني، بالمصادقة على قانون انتخابات مجالس المحافظات في وقت سابق من الاسبوع الحالي، لكنه حث البرلمان على اعادة النظر في قضية تمثيل الاقليات من خلال التصويت على مادة مستقلة تتضمن المادة التي تم اسقاطها. لكن المجلس قرر بدلا من ذلك تشكيل لجنة لاعداد مسودة قانون لهذا الغرض، على ان يتم تقرير اي من المجموعات يجب ان تصنف على انها اقلية، وعدد مقاعد المجلس التي يجب ان تحجز لهم.
وقال عدد من القادة المسيحيون يوم الجمعة ان اعمال القتل في الموصل ربما تكون ذات صلة بالمظاهرات التي خرجت الاسبوع الماضي وطالبت بانشاء محافظة تتمتع بالحكم الذاتي.
وقال السيد كوران انه قد ظهرت منشورات في شوارع الموصل تهدد المسيحيين وتحذرهم اذا لم يغادروا المدينة. وقد انحى باللائمة في اعمال القتل على المسلحين، والاشخاص الذين وصفهم بـ"المتطرفين القوميين". لكن غيره القى اللوم على الاكراد، الذين يسيطرون على جزء كبير من الجزء الشرقي من الموصل والمنطقة المحيطة بها.
وفي الاسبوع الماضي، غادرت 150 عائلة مدينة الموصل الى مدن اخرى تقل الى الشمال الشرقي منها، مثل برطله وتل كيف وقره قوش، والتي يسكنها غالبية من المسيحيين، استنادا الى مسؤولين في المحافظة.
يقول جودت طعمة يوسف، الذي يملك محلا لبيع الملابس بالجملة في سوق الموصل المركزي، انه اضطر الى المغادرة بعد ان قتل اخاه، الذي كان يملك محلا للبيع بالجملة هو الاخر، في ظهيرة السبت الماضي.
يقول السيد يوسف: "في ذلك اليوم، اقفلت واخي محلنا في الساعة 12:15، ثم جاء اربعة رجال الى السوق، حيث اطلق احدهم الرصاص على اخي حازم. لقد قتله امام ابنه".
ويقول انه بعد هذا الهجوم، فان عائلته المكونة من 18 فردا قد اضطرت الى العيش في منزل صغير استأجروه في قره قوش. مضيفا: "لم نستطع ان نحمل اي متاع معنا سوى ملابسنا ونقودنا. لقد غادرنا الموصل فورا بعد ان دفنا جثة اخي".
وقد حدثت في الماضي اعمال اختطاف وقتل للمسيحيين في بغداد واجزاء اخرى من العراق. وفي الموصل، التي لم تتمتع بالحصانة من اعمال العنف، أرهبت موجة من اعمال القتل السكان المسيحيين. وفي شباط، تم اختطاف المطران بولص فرج رحو، رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الموصل، ثم عثر على جثته في آذار مدفونة في منطقة تقع جنوب شرق المدينة.
وقد اتخذ الكثير من المسيحيين المدن الواقعة في سهل نينوى شمال شرق الموصل ملاذا امنا، حيث نادرا ما تعرضت هذه المدن الى الهجمات ضد المسيحيين. وتعد هذه المدن مسيحية الصبغة، حيث تنتشر القرى الاشورية والكلدانية القديمة، كما توجد اديرة بنيت في زمن النبي محمد.
لكن حتى في سهل نينوى، حدثت فورات من التوترات منذ العام 2003، حينما دخلت القوات الامنية الكردية الى المنطقة. ولا يزال العلم الكردي يرفرف على مداخل هذه المدن، بينما تسطير قوات البيشمركه، وهي القوات الامنية الكردية، على نقاط السيطرة فيها.
بيد ان المسيحيين ينقسمون بين هؤلاء الذين يريدون البقاء تحت الحكومة العراقية المركزية، واولئك الذين يفضلون محافظة ذات حكم ذاتي مرتبطة باقليم كردستان.
وقد انخفضت الهجمات ضد المسيحيين في الآونة الاخيرة في مناطق كثيرة من العراق، كما انخفضت نسبة اعمال العنف الأخرى. يقول كانون اندرو وايت، القس الانجليكاني في كنيسة القديس جورج في بغداد: "حقيقة ان الاعمال الانتقامية والهجمات ضد المسيحيين قد انتقلت الى الشمال تفرض وضعا صعبا؛ صعبا للغاية، لان هذا المكان بالذات هو الملجأ الذي يهرعون اليه بحثا عن الامان".
ترجمة: علاء غزالة
بغداد – يفر المئات من المسيحيين من مدينة الموصل نتيجة سلسلة من اعمال القتل، التي يبدو انها تستهدف المسيحيين في هذه المدينة الشمالية من العراق، حيث لجأ الكثير منهم الى اجزاء اخرى من البلاد خوفا من الاضطهاد.
وقد قتل عدد لا يقل عن 11 مسيحيا، وربما يصل عددهم الى 14، في مدينة الموصل منذ شهر آب الماضي، حسب ما أفاد مسؤولون حكوميون ومنظمات حقوق الانسان. ومن بين الضحايا اطباء، ومهندس، وعاملي بناء اثنين، ورجلي اعمال، وصبي يبلغ من العمر 15 عاما تم قتله بالرصاص امام منزله. وقد قتل سبعة مسيحيين في الاسبوع الماضي وحده.
يقول خسرو كوران، نائب محافظ نينوى، المحافظة الواقعة في شمالي العراق ومركزها مدينة الموصل، ان صيدليا قتل بالرصاص يوم الجمعة من قبل رجل تظاهر انه رجل شرطة متخفٍ، وقد سأل الضحية ابراز هويته التعريفية.
وكان المطران لويس ساكو، رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثولوكية في كركوك، قد قال يوم الجمعة، ان اعمال القتل هي مثال على: "حملة التطهير، بالقتل والتهديد"، التي واجهها المسيحيون في العراق.
وقد جاءت اعمال القتل عقب المشاحنات الغاضبة حول قرار البرلمان اسقاط مادة كانت موجودة اصلا في النسخ الاقدم من قانون الانتخابات المحلية تنص على منح المسيحيين والاقليات الاخرى تمثيلا سياسيا. وقد وافق المشرعون على هذا القانون بدون تلك المادة في 24 أيلول.
كما نظم المسيحيون مظاهرات في بغداد والموصل احتجاجا على قرار البرلمان، حيث يعيش قرابة 250,000 مسيحي في بغداد، و50,000 في الموصل.
وفي احدى هذه المظاهرات في الموصل رفع المسيحيون شعارات تطالب بانشاء المحافظة التاسعة عشرة، يحكمها المسيحيون وترتبط بمنطقة كردستان في الشمال، استنادا الى وليم ورده، وهو صحفي عراقي ورئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان، والتي يقع مقرها في بغداد.
وقام مجلس الرئاسة، الذي يقوده الرئيس جلال طالباني، بالمصادقة على قانون انتخابات مجالس المحافظات في وقت سابق من الاسبوع الحالي، لكنه حث البرلمان على اعادة النظر في قضية تمثيل الاقليات من خلال التصويت على مادة مستقلة تتضمن المادة التي تم اسقاطها. لكن المجلس قرر بدلا من ذلك تشكيل لجنة لاعداد مسودة قانون لهذا الغرض، على ان يتم تقرير اي من المجموعات يجب ان تصنف على انها اقلية، وعدد مقاعد المجلس التي يجب ان تحجز لهم.
وقال عدد من القادة المسيحيون يوم الجمعة ان اعمال القتل في الموصل ربما تكون ذات صلة بالمظاهرات التي خرجت الاسبوع الماضي وطالبت بانشاء محافظة تتمتع بالحكم الذاتي.
وقال السيد كوران انه قد ظهرت منشورات في شوارع الموصل تهدد المسيحيين وتحذرهم اذا لم يغادروا المدينة. وقد انحى باللائمة في اعمال القتل على المسلحين، والاشخاص الذين وصفهم بـ"المتطرفين القوميين". لكن غيره القى اللوم على الاكراد، الذين يسيطرون على جزء كبير من الجزء الشرقي من الموصل والمنطقة المحيطة بها.
وفي الاسبوع الماضي، غادرت 150 عائلة مدينة الموصل الى مدن اخرى تقل الى الشمال الشرقي منها، مثل برطله وتل كيف وقره قوش، والتي يسكنها غالبية من المسيحيين، استنادا الى مسؤولين في المحافظة.
يقول جودت طعمة يوسف، الذي يملك محلا لبيع الملابس بالجملة في سوق الموصل المركزي، انه اضطر الى المغادرة بعد ان قتل اخاه، الذي كان يملك محلا للبيع بالجملة هو الاخر، في ظهيرة السبت الماضي.
يقول السيد يوسف: "في ذلك اليوم، اقفلت واخي محلنا في الساعة 12:15، ثم جاء اربعة رجال الى السوق، حيث اطلق احدهم الرصاص على اخي حازم. لقد قتله امام ابنه".
ويقول انه بعد هذا الهجوم، فان عائلته المكونة من 18 فردا قد اضطرت الى العيش في منزل صغير استأجروه في قره قوش. مضيفا: "لم نستطع ان نحمل اي متاع معنا سوى ملابسنا ونقودنا. لقد غادرنا الموصل فورا بعد ان دفنا جثة اخي".
وقد حدثت في الماضي اعمال اختطاف وقتل للمسيحيين في بغداد واجزاء اخرى من العراق. وفي الموصل، التي لم تتمتع بالحصانة من اعمال العنف، أرهبت موجة من اعمال القتل السكان المسيحيين. وفي شباط، تم اختطاف المطران بولص فرج رحو، رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الموصل، ثم عثر على جثته في آذار مدفونة في منطقة تقع جنوب شرق المدينة.
وقد اتخذ الكثير من المسيحيين المدن الواقعة في سهل نينوى شمال شرق الموصل ملاذا امنا، حيث نادرا ما تعرضت هذه المدن الى الهجمات ضد المسيحيين. وتعد هذه المدن مسيحية الصبغة، حيث تنتشر القرى الاشورية والكلدانية القديمة، كما توجد اديرة بنيت في زمن النبي محمد.
لكن حتى في سهل نينوى، حدثت فورات من التوترات منذ العام 2003، حينما دخلت القوات الامنية الكردية الى المنطقة. ولا يزال العلم الكردي يرفرف على مداخل هذه المدن، بينما تسطير قوات البيشمركه، وهي القوات الامنية الكردية، على نقاط السيطرة فيها.
بيد ان المسيحيين ينقسمون بين هؤلاء الذين يريدون البقاء تحت الحكومة العراقية المركزية، واولئك الذين يفضلون محافظة ذات حكم ذاتي مرتبطة باقليم كردستان.
وقد انخفضت الهجمات ضد المسيحيين في الآونة الاخيرة في مناطق كثيرة من العراق، كما انخفضت نسبة اعمال العنف الأخرى. يقول كانون اندرو وايت، القس الانجليكاني في كنيسة القديس جورج في بغداد: "حقيقة ان الاعمال الانتقامية والهجمات ضد المسيحيين قد انتقلت الى الشمال تفرض وضعا صعبا؛ صعبا للغاية، لان هذا المكان بالذات هو الملجأ الذي يهرعون اليه بحثا عن الامان".
Friday, October 10, 2008
الكوليرا تنشتر في العراق نتيجة الفساد
عن: الاندبندنت
ترجمة: علاء غزالة
ادى الانتشار المفاجيء لوباء الكوليرا الى تفجير فضيحة تورط بعض المسؤولين في عدم تعقيم المياه التي يتم تصفيتها في المحطات المحلية بسبب تلقيهم رشى من اجل شراء مادة الكلوراين من ايران والتي انتهت مدة صلاحيتها منذ زمن طويل.
ويقع مركز الوباء في محافظة بابل، جنوب بغداد، في منطقة تعج بالمستنقعات الى الشرق من نهر الفرات وليس بعيدا عن المدينة الاثرية في بابل. اما في بغداد، حيث لا يتوفر الماء الصالح للشرب لنصف سكانها الستة ملايين، يضطر الناس الى استهلاك المياه المعلبة في القناني او الماء المغلي.
وقد قام رئيس الوزراء، نوري المالكي، بتعيين لجنة للتحقيق حول الطريقة التي استخدم فيها الكلورين غير الفعال. كما انه يرفض اطلاق سراح ثلاثة من المسؤولين المحتجزين رغم المطالب التي تقدم بها المجلس الاسلامي الاعلى في العراق، كونهم محسوبين عليه. وفي مدينة المدحتية، جنوب محافظة بابل، وردت التقارير باطلاق سراح احد اعضاء المجلس المحلي متورط في شراء الكلورين، بعد هدد اعضاء مليشيات تابعة الى المجلس الاعلى الشرطة المحلية لغرض تحريره.
وقد اضحت الفضيحة التي اثارها هذا العقد بمثابة قضية اختبار الى نوايا حكومة المالكي للتصدي الى الفساد المستشري في العراق، حيث يرى المسؤولون وظيفتهم مجرد وسيلة للاثراء من خلال الرشوة بشكل اساس. كما انها تعد ايضا اختبارا لقدرته على فرض سيطرته على المجلس الاسلامي الذي بات مهيمنا على المناطق خارج بغداد.
ويعد مرض الكوليرا من الامراض المستوطنة التي يصعب التخلص منها في العراق، وقد تفشى بشكل وباء في العام الماضي في شمال العراق، لكن بشكل اقل جدية بكثير مما تم مشاهدته هذا العام. وقد اصيب حوالي 4700 شخص به في ذلك الحين، معظمهم من محافظة السليمانية.
وفي هذه السنة، أمِلت الحكومة في ايقاف انتشار جديد لهذا المرض من خلال اصلاح محطات الماء والمجاري المتضررة بشكل كبير وتزويد الماء الصالح للشرب بمادة الكلورين. يقول احد المسؤولين في وزراة الصحة، رفض نشر اسمه، ان الوزارة انفقت مبلغ 11 مليون دولار في شراء مادة الكلورين من ايران لاستخدامها في محافظات بابل والديوانية وكربلاء، وتقع جميعها على ضفاف الفرات جنوبي بغداد.
لاحظ المسؤولون في المحافظتين الاخيرتين ان الكلورين كان قديما وان تاريخ استخدامه بحيث يكون ذا فاعلية قد انتهى، فرفضوا استخدامه. لكن في محافظة بابل، تم بالفعل استخدام الكلورين في محطات مياه الشرب في المدحتية والهاشمية والقاسم، جنوبي شرق مدينة الحلة، عاصمة محافظة بابل. وفي الحال تم تأكيد اصابة 222 شخصا بالكوليرا في محافظة بابل، من بين 420 حالة اجمالية، توفي منهم سبعة اشخاص.
تعكس الفضيحة الطريقة التي تعمل بها الحياة السياسية في العراق، حيث تحتكر احزاب السلطة الوظائف والعقود. من المسحتيل ان تجد عملا على أي مستوى في اية وزارة بدون رسالة توصية من احد الاحزاب المشاركة في الحكومة. ان وسائل الحكومة العراقية الهائلة، والتي توظف قرابة مليوني مواطن، هي آلة اسناد لها. يوجد الان عدد اكبر من المسؤولين الحكوميين من عددهم تحت حكم صدام، لكن الحكومة غير قادرة على توفير الكهرباء، ولا مفردات البطاقة التموينية، ولا الماء النظيف، رغم عائدات النفط العراقية المتجمعة التي بلغت 80 مليار دولار.
تعد المحافظات الشيعية جنوبي العراق بين بغداد والبصرة، مركز قوة المجلس الاسلامي الاعلى، اكثر الاحزاب الدينية نفوذا. ويتوقع ان تحمي الاحزاب السياسية اعضاءها من الاعتقال. وهذا ما يوضح ما حدث تاليا. فالمسؤول الذي اعتقل في محافظة بابل ينتمي الى منظمة بدر، الجناح العسكري للمجلس الاعلى. وطالب قادة الحزب الافراج عنه لكن السيد المالكي رفض. فما كان من من اعضاء المليشيات الا توجهوا صوب مركز الشرطة في المدحتية لاطلاق سراح عضو المجلس المحلي المتورط في شراء الكلورين.
لكن عقد الائتلاف الشيعي العظيم، الذي فاز باكثر من نصف مقاعد البرلمان العراقي في انتخابات كانون الثاني عام 2005، قد انفرط. بينما يحاول السيد المالكي ان يبني حزب الدعوة الذي ينتمي اليه، باستخدام موارد الدولة.
وقد عمق المالكي الخلافات مع المجلس الاسلامي الاعلى الذي فاز بمعظم مجالس المحافظات في جنوب العراق. وهم يتهمونه في محاولة خلق قواعد في المناطق التي كانت خاضعة لهم سابقا عن طريق دفع الاموال الى العشائر التي تنضم الى "مجالس الاسناد" التي ترعاها الدولة، في جنوب العراق. وهو يهدف الى ضمان انتخاب مرشحيه في الانتخابات المحلية والبرلمانية العام القادم. يقول احد كبار المسؤولين العراقيين: "سوف تكون هذه الانتخابات حيوية في تقرير من سيحوز على القوة في العراق في المستقبل".
تعطي السيطرة على العائدات النفطية بطاقة مهمة للسيد المالكي. فنسبة البطالة تبلغ بين 50-60 بالمائة في العراق، حيث تكون معظم الوظائف مع الدولة. وقد ازدادت رواتب الموظفين بشكل حاد. لكن الحكومة تبقى عاجزة بشكل كبير رغم تنامي قوتها العسكرية. ويتم تشجيع الصحفيين العراقيين او الدفع لهم ليكتبوا تقارير تحمل "اخبارا طيبة". ويلاحظ المواطنون في بغداد انه لا يذكر مرض الكوليرا في وسائل الاعلام الا قليلا. وهذا ما يثير مخاوف من ان الوباء قد يكون اسوأ مما تقر به الحكومة.
الخدمات في العراق بعد الغزو
* كانت بغداد تحصل على 16-24 ساعة في اليوم من الكهرباء قبل الغزو، وقد اخفضت هذه النسبة الان الى اقل من 12 ساعة.
* لم يكن هناك شبكة للهاتف المحمول في العراق، اما الان فيبلغ عدد المشتركين 12 مليون مشترك على الاقل.
* بلغ عدد مشتركي الانترنت عام 2007 حوالي 261,000 مشترك، بينما كان العدد يقدر بـ 4,500 قبل الحرب.
* من بين 34,000 طبيب مسجل قبل الحرب في العراق، هرب 20,000 منهم الى خارج العراق، وقـُتل 2,000 منهم، بينما تعرض 250 طبيبا الى الاختطاف.
* تضاعف عدد السيارات المسجلة ليبلغ 3,1 مليون سيارة بحلول تشرين الاول من عام 2005.
ترجمة: علاء غزالة
ادى الانتشار المفاجيء لوباء الكوليرا الى تفجير فضيحة تورط بعض المسؤولين في عدم تعقيم المياه التي يتم تصفيتها في المحطات المحلية بسبب تلقيهم رشى من اجل شراء مادة الكلوراين من ايران والتي انتهت مدة صلاحيتها منذ زمن طويل.
ويقع مركز الوباء في محافظة بابل، جنوب بغداد، في منطقة تعج بالمستنقعات الى الشرق من نهر الفرات وليس بعيدا عن المدينة الاثرية في بابل. اما في بغداد، حيث لا يتوفر الماء الصالح للشرب لنصف سكانها الستة ملايين، يضطر الناس الى استهلاك المياه المعلبة في القناني او الماء المغلي.
وقد قام رئيس الوزراء، نوري المالكي، بتعيين لجنة للتحقيق حول الطريقة التي استخدم فيها الكلورين غير الفعال. كما انه يرفض اطلاق سراح ثلاثة من المسؤولين المحتجزين رغم المطالب التي تقدم بها المجلس الاسلامي الاعلى في العراق، كونهم محسوبين عليه. وفي مدينة المدحتية، جنوب محافظة بابل، وردت التقارير باطلاق سراح احد اعضاء المجلس المحلي متورط في شراء الكلورين، بعد هدد اعضاء مليشيات تابعة الى المجلس الاعلى الشرطة المحلية لغرض تحريره.
وقد اضحت الفضيحة التي اثارها هذا العقد بمثابة قضية اختبار الى نوايا حكومة المالكي للتصدي الى الفساد المستشري في العراق، حيث يرى المسؤولون وظيفتهم مجرد وسيلة للاثراء من خلال الرشوة بشكل اساس. كما انها تعد ايضا اختبارا لقدرته على فرض سيطرته على المجلس الاسلامي الذي بات مهيمنا على المناطق خارج بغداد.
ويعد مرض الكوليرا من الامراض المستوطنة التي يصعب التخلص منها في العراق، وقد تفشى بشكل وباء في العام الماضي في شمال العراق، لكن بشكل اقل جدية بكثير مما تم مشاهدته هذا العام. وقد اصيب حوالي 4700 شخص به في ذلك الحين، معظمهم من محافظة السليمانية.
وفي هذه السنة، أمِلت الحكومة في ايقاف انتشار جديد لهذا المرض من خلال اصلاح محطات الماء والمجاري المتضررة بشكل كبير وتزويد الماء الصالح للشرب بمادة الكلورين. يقول احد المسؤولين في وزراة الصحة، رفض نشر اسمه، ان الوزارة انفقت مبلغ 11 مليون دولار في شراء مادة الكلورين من ايران لاستخدامها في محافظات بابل والديوانية وكربلاء، وتقع جميعها على ضفاف الفرات جنوبي بغداد.
لاحظ المسؤولون في المحافظتين الاخيرتين ان الكلورين كان قديما وان تاريخ استخدامه بحيث يكون ذا فاعلية قد انتهى، فرفضوا استخدامه. لكن في محافظة بابل، تم بالفعل استخدام الكلورين في محطات مياه الشرب في المدحتية والهاشمية والقاسم، جنوبي شرق مدينة الحلة، عاصمة محافظة بابل. وفي الحال تم تأكيد اصابة 222 شخصا بالكوليرا في محافظة بابل، من بين 420 حالة اجمالية، توفي منهم سبعة اشخاص.
تعكس الفضيحة الطريقة التي تعمل بها الحياة السياسية في العراق، حيث تحتكر احزاب السلطة الوظائف والعقود. من المسحتيل ان تجد عملا على أي مستوى في اية وزارة بدون رسالة توصية من احد الاحزاب المشاركة في الحكومة. ان وسائل الحكومة العراقية الهائلة، والتي توظف قرابة مليوني مواطن، هي آلة اسناد لها. يوجد الان عدد اكبر من المسؤولين الحكوميين من عددهم تحت حكم صدام، لكن الحكومة غير قادرة على توفير الكهرباء، ولا مفردات البطاقة التموينية، ولا الماء النظيف، رغم عائدات النفط العراقية المتجمعة التي بلغت 80 مليار دولار.
تعد المحافظات الشيعية جنوبي العراق بين بغداد والبصرة، مركز قوة المجلس الاسلامي الاعلى، اكثر الاحزاب الدينية نفوذا. ويتوقع ان تحمي الاحزاب السياسية اعضاءها من الاعتقال. وهذا ما يوضح ما حدث تاليا. فالمسؤول الذي اعتقل في محافظة بابل ينتمي الى منظمة بدر، الجناح العسكري للمجلس الاعلى. وطالب قادة الحزب الافراج عنه لكن السيد المالكي رفض. فما كان من من اعضاء المليشيات الا توجهوا صوب مركز الشرطة في المدحتية لاطلاق سراح عضو المجلس المحلي المتورط في شراء الكلورين.
لكن عقد الائتلاف الشيعي العظيم، الذي فاز باكثر من نصف مقاعد البرلمان العراقي في انتخابات كانون الثاني عام 2005، قد انفرط. بينما يحاول السيد المالكي ان يبني حزب الدعوة الذي ينتمي اليه، باستخدام موارد الدولة.
وقد عمق المالكي الخلافات مع المجلس الاسلامي الاعلى الذي فاز بمعظم مجالس المحافظات في جنوب العراق. وهم يتهمونه في محاولة خلق قواعد في المناطق التي كانت خاضعة لهم سابقا عن طريق دفع الاموال الى العشائر التي تنضم الى "مجالس الاسناد" التي ترعاها الدولة، في جنوب العراق. وهو يهدف الى ضمان انتخاب مرشحيه في الانتخابات المحلية والبرلمانية العام القادم. يقول احد كبار المسؤولين العراقيين: "سوف تكون هذه الانتخابات حيوية في تقرير من سيحوز على القوة في العراق في المستقبل".
تعطي السيطرة على العائدات النفطية بطاقة مهمة للسيد المالكي. فنسبة البطالة تبلغ بين 50-60 بالمائة في العراق، حيث تكون معظم الوظائف مع الدولة. وقد ازدادت رواتب الموظفين بشكل حاد. لكن الحكومة تبقى عاجزة بشكل كبير رغم تنامي قوتها العسكرية. ويتم تشجيع الصحفيين العراقيين او الدفع لهم ليكتبوا تقارير تحمل "اخبارا طيبة". ويلاحظ المواطنون في بغداد انه لا يذكر مرض الكوليرا في وسائل الاعلام الا قليلا. وهذا ما يثير مخاوف من ان الوباء قد يكون اسوأ مما تقر به الحكومة.
الخدمات في العراق بعد الغزو
* كانت بغداد تحصل على 16-24 ساعة في اليوم من الكهرباء قبل الغزو، وقد اخفضت هذه النسبة الان الى اقل من 12 ساعة.
* لم يكن هناك شبكة للهاتف المحمول في العراق، اما الان فيبلغ عدد المشتركين 12 مليون مشترك على الاقل.
* بلغ عدد مشتركي الانترنت عام 2007 حوالي 261,000 مشترك، بينما كان العدد يقدر بـ 4,500 قبل الحرب.
* من بين 34,000 طبيب مسجل قبل الحرب في العراق، هرب 20,000 منهم الى خارج العراق، وقـُتل 2,000 منهم، بينما تعرض 250 طبيبا الى الاختطاف.
* تضاعف عدد السيارات المسجلة ليبلغ 3,1 مليون سيارة بحلول تشرين الاول من عام 2005.
Thursday, October 09, 2008
انقسامات حادة بشأن الأهداف
عن: الهيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن- يتوجب على كل من السيناتور باراك اوباما والسيناتور جون ماكين ان يواجها واحدا من اكثر الاسئلة الحاحا اذا انتخب رئيسا، وهو كيفية استثمار المكاسب الامنية التي تحققت في العراق، في الوقت الذي بدأت الدعوة الى رحيل القوات الامريكية بالخفوت.
لم يتم التطرق الى هذه القضية الا نادرا في المحاورات حول السياسة الخارجية التي اجريت خلال الشهر الماضي. ولكن في المقابلات التي اجرتها جريدة نيويوك تايمز اوضح كلا المرشحين انهما سيواجهان التحدي بطرق شديدة التباين.
وقدم اوباما وماكين وجهات نظر متضاربة في مقابلاتهما حول كيفية تقليص الوجود الاميركي في العراق، وهي افضل الطرق لتشجيع المزيد من التقدم السياسي هناك، وما يعنيه النجاح بعد اكثر من خمس سنوات من الحرب.
كما قدم كل منهما اشارات بينة على مدى المرونة التي سيمنحها القائد العام المقبل الى جنرالاته، بضمنهم الجنرال ديفيد بترايوس، وهو القائد الامريكي الاعلى السابق في العراق، والذي تمت تسميته لقيادة القوات الوسطى التي تشرف على العمليات في منطقة الشرق الاوسط وافغانستان.
وقال اوباما، بعد ان لاحظ بان بترايوس كان راغبا في «اكبر قدر من المرونة» في تحديد جدول الانسحاب، انه «تراجع» عندما اجتمع مع القائد في تموز، وذلك من خلال طرح قضية ارسال المزيد من القوات الى افغانستان، والتي يعتقد المرشح الديمقراطي انها ارض المعركة الرئيسة في الحرب على الارهاب.
اما ماكين، الذي جادل بان النتيجة المُرضية في العراق تعد امرا حيويا بالنسبة الى الاستراتيجة الاميركية في الشرق الاوسط وجهودها الشاملة ضد الارهاب، فقد تطرق عدة مرات الى استراتيجية بترايوس في مقارعة التمرد، وانه سوف يمنحه حرية واسعة في تحديد مستوى القوات في العراق. ويأتي اقتراح اوباما لانسحاب القوات المقاتلة الاميركية خلال 16 شهرا في صلب المناقشة، حيث انه يمثل ضعف الفترة الزمنية التي تنص عليها مسودة الاتفاقية التي توافق عليها العراقيون والاميركيون. فهل سيحث هذا الموعد النهائي العراقيين على تجاوز خلافاتهم السياسية وتمكين الولايات المتحدة من تحقيق الاستقرار في العراق باستخدام قوات تقل كثيرا عن مستواها الحالي، حسب ما يؤكد اوباما؟
او ان ذلك سيقيد ايادي القادة ويقلل من اهمية التقدم السياسي، حيث لاتزال المكاسب الامنية هشة، كما يجادل ماكين؟ كيف يتسنى لماكين ان يدعو الى التقدم السياسي وحكومة افضل في العراق، عندما يصر على ان الظروف على الارض، وليس في التقويم، هي التي ستقرر مسار وسرعة التخفيض؟يقول توبي دودج، وهو متخصص بشؤون العراق في جامعة لندن، ومستشار سابق الى بترايوس: «الخطر في جدول اوباما الصارم انه قد لايسمح للقادة الاميركيين في الاستجابة الى الاحداث على الارض. لكن سياسات ماكين تفتقر الى التفاصيل الضرورية لمواجهة التحديات السياسية في العراق. ان السياسات التي اعدت لارضاء اهواء الحزب لم يتم اخضاعها الى متطلبات الانتخابات الوشيكة، ولا تلائم الوضع السياسي والعسكري المعقد في العراق».
ودامت مقابلة ماكين التي اجريت في17 ايلول في غراند رابيدس، ميتشيغان، مدة 38 دقيقة. اما مقابلة اوباما، في 20 ايلول، فاستمرت 27 دقيقة بسبب انه كان مضطرا للسفر الى نورث كارولينا ضمن حملته الانتخابية. وفي كلتا الحاليتن، كان هذا هو الوقت الذي سمح به كل من المرشحين.
انسحاب القوات الاميركية
ليس هناك مجال للشك بان القوات الاضافية التي ارسلها الرئيس جورج دبليو بوش قد ساعدت في التقليل من العنف الطائفي، بطريق مباشر بواسطة العمليات العسكرية، وبطريق غير مباشر بتشجيع نشر قوات الصحوة، وهي قوات مراقبة الاحياء السكنية التي تغلبت على المتطرفين.
كما اتخذ البرلمان العراقي خطوة مهمة مؤخرا من خلال الدعوة الى انتخابات مجالس المحافظات التي سيتم اجراؤها في نهاية كانون الثاني. هذا ما يعطي الامل في ان الذين قاطعوا الانتخابات في وقت سابق سوف يشاركون، مما يوسع قاعدة الاسناد للحكومة العراقية.
لكن القادة الاميركيون حذروا ايضا من ان الوضع يبقى هشا، وانه في ميادين اخرى حصل تقدم سياسي مشوش او لا تقدم على الاطلاق. بالنسبة الى المرشح الذي سيتم انتخابه، سيكون التحدي في كيفية الاحتفاظ بمكسب انخفاض اعمال العنف وتشجيع الحركة السياسية بعد ان تم فعلا الان سحب جميع القوات الاضافية، وتم تحديد موعد لسحب لواء آخر في شباط.
ويبدو على السطح ان وجهات نظر كلا المرشحين قد تقاربت: كل منهما يرى ان مستوى القوات الاميركية سوف يتقلص خلال فترته الرئاسية الاولى، كما هو الحال بالنسبة للحكومة العراقية. لكن التشابة يتلاشى مع تفحص ادق.
فقد صاغ اوباما مقترحه في تقليل القوات اواخر عام 2006 حينما بدا ان العراق كان على شفير حرب اهلية شاملة. وقد عارض خطة بوش بتعزيز القوات، التي بناها استنادا الى تقرير مجموعة دراسة العراق المؤلفة من الحزبين، وساند تشريعا مقترحا كان من شأنه ان يرحل جميع القوات الاميركية القتالية في نهاية آذار من عام 2008، ويسمح لقوات صغيرة بالبقاء لاغراض التدريب ومواجهة الارهاب ولحماية السفارة الاميركية والعاملين فيها.وفي ذلك الوقت، حذرت وكالات الاستخبارات الامريكية في تقييم للاستخبارات الوطنية ان سحب جميع القوات الاميركية والقوات الحليفة خلال فترة 18 شهراً سوف يقود «بشكل مؤكد في الغالب» الى زيادة ملحوظة في القتال الطائفي، ومقترحا بان الانسحاب المتعجل، وان كان جزئيا، كما كان يدعو اليه اوباما، سوف يؤدي الى زيادة اعمال العنف بشكل كبير.
ومنذ ذلك الحين فان المكاسب التي حققتها زيادة القوات، وتأكيد رئيس الوزراء نوري المالكي على نيل السيادة الكاملة، قد حولت القضية من السؤال فيما اذا حان وقت تقليص عدد الالوية الى السؤال عن السرعة والظروف التي يجب ان يتم بها الانسحاب.
وقال اوباما انه سوف يسحب القوات بمعدل لواء او اثنين كل شهر خلال فترة 16 شهراً. وجادل اوباما في المقابلة بانه من المهم ان يتم اتخاذ اجراءات جديدة للضغط على العراقيين من اجل تجاوز خلافاتهم، وتمكين المزيد من الامريكيين من القتال في افغانستان ومناطق النزاع الاخرى المحتملة، وتقليل المصاريف الحربية لكي يمكن تحويلها لتمويل البرامج في الوطن.
وقال اوباما: «اذا كانت خطواتنا وشروطنا التي نضعها معتمدة على افعال يجب ان يتخذها العراقيون، وهم لا يتخذونها، فاننا لسنا في موضع السيطرة على ظروفنا نحن ولا على نشر قواتنا. يجب ان نكسر هذا الرابط في نقطة ما. يجب علينا ان نقول للعراقيين: سوف نضع مجموعة من القرارات وعليكم الاستجابة لها».
على الرغم من الحديث الذي يدور بان خطة اوباما توازي مسودة الاتفاقية العراقية – الاميركية فان هناك قرارت مهمة. تشير مسودة الاتفاقية الى «هدف زمني» لانسحاب القوات الاميركية بنهاية 2011، وهو ما يزيد على ضعف الفترة الزمنية التي تحددها خطة اوباما بـ 16 شهرا. كما ان وجهة نظر المفاوضين الاميركيين، في اقل تقدير، حول مفهوم «الهدف الزمني» هي اكثر مرونة من تحديد وقت نهائي صارم.
في السنوات الماضية، قامت القوات الاميركية عموما بزيادة قواتها في الاوقات التي اجرى فيها العراقيون انتخاباتهم الرئيسة، كما ان القادة الاميركيين، على العموم، قلقون من تخفيض كبير للقوات قبل اجراء انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية التي ستجرى خلال العام القادم.
وفي سعيه الى الاحتفاظ بالمرونة قال اوباما انه سوف «يحتفظ بالحق في ايقاف الانسحاب مؤقتا» اذا ادى ذلك الى زيادة كبرى العنف الطائفي. كما اعاد التأكيد على انه يخطط للاحتفاظ بقوات عسكرية مقيمة لملاحقة تنظيم القاعدة في بلاد النهرين، وحماية المؤسسات الاميركية وموظفيها، ولتدريب القوات العراقية، اذا نأت بنفسها عن الطائفية. واضاف اوباما بان هذه القوات المتبقية ربما تحتوي على قوات العمليات الخاصة، وفريق من المستشارين العسكريين، وطائرات مقاتلة، وسمتيات هجومية واخرى طبية، وربما بعض القوات المصغرة لحماية المستشارين.
غير انه رفض تقدير حجم هذه القوات، قائلا انه سيقرر ذلك بعد استشارة القادة الميدانيين. ولكن ريتشارد دانزغ، وهو وزير البحرية في ادارة كلينتون، والذي يعتقد انه سيتولى منصب وزير الدفاع اذا اصبح اوباما رئيسا، قال في مقابلة مع الاذاعة الوطنية الشعبية اجريت في حزيران ان عدد القوات سيكون بين 30،000 و55،000 عسكري اميركي.
واضاف اوباما: «اذا كان لديك بعض القوات الخاصة في المنطقة، فانهم سوف يقاتلون، ويزيلون كل معسكرات الارهابيين المحتملة. واذا كان لدينا مدربون في الميدان يقومون بتدريب القوات الامنية العراقية، فاني ارغب في التأكد من انهم محميون، وجزء من ذلك يعني انه عندما تكون في منطقة خطيرة فان لديك بعض القدرات القتالية».
ان قدرة الجيش العراقي على تولي المسؤولية بالسرعة التي يفترضها اوباما هي ابعد ما تكون عن الوضوح. كتب اوباما في مقال رأي نشر في صحيفة نيويوك تايمز قائلا ان الجنرال جيمس دوبيك، والذي اشرف على تدريب القوات العراقية، اخبر الكونغرس في جلسة استماع ان الجيش والشرطة العراقيين سيكونان مهيأين لتولي المسؤولية الامنية في عام 2009.
لكن دوبيك قال في رسالة الكترونية بعثها الشهر الماضي ان ذلك يمثل اكثر توقعاته تفاؤلا. وقال: «ان افضل ما اتوقعه هو وقت ما بين 2009 و2012. وحتى في عام 2012 فانهم ربما سيحتاجون الى المساعدة في قواتهم الجوية، على سبيل المثال، او في مجال الاستخبارات وقواتهم الخاصة».
اما ماكين فقد جادل بان التخفيض تقرره الظروف السياسية والعسكرية، وهو الموقف الذي تبناه الادميرال مايك مولن، وهو رئيس هيئة اركان القوات المشتركة، الذي اخبر الصحفيين في حزيران انه يفضل «مقاربة تستند الى الظروف» من شأنها ان تسمح للولايات المتحدة بتقويم الاحداث على الارض بشكل مستمر وتعديل خططها بناء على ذلك.
لكن اعطاء القائد الاميركي في العراق اكبر مرونة ممكنة، على كل حال، قد يستوجب بعض المقايضات الصعبة. قال القائد الاميركي في افغانستان، الجنرال ديفيد ماكيمان، مؤخرا انه بحاجة الى ثلاثة الوية إضافة الى اللواء الذي وافق بوش على ارساله. وهذا يزيد على ما وعد كل من ماكين واوباما بنشره في افغانستان، وان الجيش الاميركي انتشر حتى اصبح هزيلا، كما يقول البنتاغون، بحيث لم يعد بالامكان توفير الوية اضافة الى افغانستان الا بعد تخفيض القوات في العراق.
على ان التطورات السياسية قد تحدد من المرونة التي يتمتع بها الجيش الاميركي. فقد اجاب ماكين احد السائلين في اجتماع عقد في الولاية التي يمثلها، نيوهامبشاير، انه ليس من المهم بقاء القوات الاميركية لخمسين او مئة عام في العراق اذا كان البلد مستقرا ولا يعاني الاميركيون فيه من الاصابات، عاقدا مقارنة مع اليابان وكوريا الجنوبية، وهما مجتمعان يبدوان بعيدين كل البعد عن منطقة الشرق الاوسط المضطربة.
وبعد ان اتهم الديمقراطيون ماكين بانه يدعو الى التزام مفتوح للقوات الاميركية، قال ماكين في خطبة القاها في آيار ان نجاح استراتيجيته سوف تمكن معظم القوات الاميركية من العودة الى الوطن من العراق بحلول كانون الثاني 2013.
يقتضي «الهدف الزمني» في مسودة الاتفاقية بين العراق والولايات المتحدة، على كل حال، ان تغادر القوات الاميركية قبل ذلك الوقت بنحو عام. لذلك من الصعب التنبؤ بكيفية شعور العراقيين بالحاجة الى وجود اميركي في غضون بضعة اعوام من الان. كما يتوقع الخبراء الاميركيون، في اقل تقدير، ان تدريب القوات العراقية سوف يستمر الى ما بعد 2011 تحت بنود الاتفاقية.
وحينما طلب من ماكين ان يوضح وجهة نظره في المقابلة قال انه يرى «ان انسحاب القوات الاميركية سوف يتم مع الوقت».
وقال ان السؤال فيما اذا كان الوجود الاميركي العسكري طويل الاجل في العراق لغرض التدريب او لاغراض اخرى تجب الاجابة عليه من خلال النقاش مع العراقيين، وضرب الكويت كمثال يحتذى. قال ماكين: «لدينا قاعدة عسكرية هناك وجوده عسكري. لذلك اعتقد ان قرار وجود قوات اميركية عسكرية يجب ان يتخذ على اساس امة مستقلة مقابل امة مستقلة».
حث العراقيين
السؤال الحيوي المتعلق بهذا الامر هو كيف يأمل المرشحون في تشجيع العراقيين على احراز تقدم في المصالحة الوطنية. فعلى فترة طويلة من ولاية ادارة بوش، اكد كل من دونالد رامسفلد وزير الدفاع السابق، والجنرال جورج كيسي القائد الاعلى السابق للقوات في العراق، على تسليم المهام الامنية الى القوات العراقية وتخفيض الوجود العسكري الاميركي كطريقة لحث العراقيين على تحمل المسؤوليات المضافة. لكن النتيجة كانت العنف الطائفي، وليس التقدم السياسي.
وحينما سأل اوباما فيما اذا كان يستطيع ان يعطي مثلا يوضح ان انسحاب القوات الاميركية قد حث العراقيين على حل اختلافاتهم، اجاب ان زيادة القوات لم تؤدِّ هي الاخرى الى تقدم سياسي مناسب.وقال: «ليس من الواضح فيما اذا كان الموجود الاميركي المستمر والمفتوح قد ادى الى تغيير سياسي في العراق. الحقيقة اننا مازلنا لا نمتلك قانونا للنفط. ليس لدينا انتخابات محلية. لم نتعامل مع قضية كركوك. ان ردنا على من يجادل باننا يجب ان نبقى هو اننا لم نقم بتحقيق تقدم سياسي ملائم».بيد انه لم يمض طويل على تصريحات اوباما حتى اقرّ البرلمان العراقي قانون انتخابات مجالس المحافظات. لكن يبقى على الحكومة ان تتعامل مع النزاع حول كركوك، وهي المدينة الغنية بالنفط التي يتنازع عليها كل من الاكراد والعرب والتركمان.إضافة الى فكرته في استخدام سحب القوات لتشجيع التغيير، فقد قال اوباما انه سوف ينهي جهود تدريب القوات العراقية اذا لم تقم حكومة المالكي باتخاذ خطوات مناسبة لضم اعضاء مجالس الصحوة الواسعة الانتشار ضمن القوات الامنية العراقية.وعلى النقيض من ذلك، جادل ماكين بان تحسن الوضع الامني قد ادى في النهاية الى اعطاء العراقيين الثقة في التقدم للامام من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وتحسين علاقات العمل مع الجيش الاميركي والسفير الاميركي في بغداد رايان كروكر. كما انه جادل بان التهديد بتقطع جهود التدريب الاميركية او تحديد موعد نهائي لانسحاب القوات القتالية لن يؤدي الا الى ان يصبح العراقيون اكثر اعتمادا على دعم الايرانيين او التحول الى الميليشيات لتحقيق الامن.
واضاف ماكين: «لمدة طويلة قال بعض الناس هددوهم بهذا الشيء او هددوهم بذلك الشيء. بدلا من ذلك فقد اسس بترايوس وكروكر علاقة مع الحكومة العراقية، حتى انهم قاموا بتشريع قانون جديد لاجتثاث البعث، وقانون العفو العام، كما اقروا الميزانية. لم تقم حكومة الولايات المتحدة باقرار ميزانيتها».
ليست التحديات في العراق قليلة باي حال. ومن ضمنها مدى عدالة تطبيق العراقيين للخطة التي تقضي بالسماح لمزيد من البعثيين السابقين في العودة الى الوظائف الحكومية. ومن بين التحديات اقرار قانون توزيع العائدات النفطية والذي من شأنه ان يضمن بان الانتخابات القادمة سوف تكون حيادية. اشتكى اوباما ايضا من ان ماكين «لم يعرّف ابدا بوضوح» معنى تحقيق النصر في العراق.
وعندما طـُلب من ماكين توضيح خطته، لم يستطع ان يقدم اقتراحات محددة بخصوص الكيفية التي سيقنع فيها المسؤولين العراقيين على تحقيق تقدم في هذه القضايا الشائكة، بما يتجاوز المحادثات الودية التي يقوم باجرائها فعلا المسؤولون الامريكيون من وراء الكواليس في بغداد.
قال ماكين: «سوف استمر في محاولة ايجاد طرق لجعلهم يتقدمون. لكن التهديد بالانسحاب، بصراحة، هو خيار سوف اتردد كثيرا في استخدامه، الا اذا كنت على ثقة باننا لا نملك خيارا آخر، واعتقد اننا لدينا الكثير من الخيارات. انا اتوقع بان الحكومة العراقية في هيئتها الجامدة والمترددة، التي تحبطنا في مناسبات عديدة، سوف تمضي قدما وتتقدم».
الرهان في العراق
يتمحور الخلاف بين اوباما وماكين، باكبر تبسيط ممكن، بشأن اهمية المهمة الاميركية في العراق. بالنسبة الى اوباما، كان غزو العراق خطأ وان جهوده ستنصب هنا اساسا على انهاء الضرر. وعن طريق تحديد سلسلة من الاهداف الصغرى، فان اوباما يهدف الى تقليل القوات الاميركية.
قال اوباما، في سعيه لهذه النتيجة، ان غرضه سوف يكون عراقاً يتمتع بالسيادة، ولا يشكل تهديدا للولايات المتحدة او جيرانه، وقادراً على السيطرة على حدوده، وليس «معسكرا» للارهابيين ولا يعاني «العنف المستشري». واضاف انه من المهم ان «يتم التعبير عن رغبة الشعب العراقي» من خلال «آليات الديمقراطية التي قد لا تكون كاملة».
وقال: «يجب علي ان أفكر بالحقيقة التي تقول ان نشر مستوى قواتنا العسكرية الحالي قد ادى الى هزال القوات، بحيث اذا حدث امر طاريء، لنقـُل كوريا الشمالية في هذا الوقت، فسوف تكون لدينا بعض الهموم. كما اننا لم نبدأ بالحديث عن الاموال المصروفة في الوقت الذي تعلن الادارة انهم يرغبون في توفير 700 مليار دولار لدعم المصارف. هذه هي العدسة التي ارى من خلالها الوضع في العراق».بالنسبة الى ماكين، فان المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق قد نشأت مما رآه الاخطاء الكثيرة التي ارتكبت في سنوات الاحتلال الاولى، تلك الاخطاء التي يؤكد انه تم معالجتها بشكل كبير عن طريق ارسال القوات الاضافية وتطبيق استراتيجية جديدة في قتال المتمردين.على الرغم من ان مقاتلي القاعدة الذين خططوا لاحداث 11 ايلول لم ينفذوا هجومهم من العراق، الا ان ماكين يجادل بان مسلحي القاعدة، المتعاونين مع السنة العراقيين، قد اكتسبوا موضع قدم في خضم الفوضى التي اعقبت الاطاحة بصدام.
قال ماكين: «انا اتفق مع كل من الجنرال بترايوس واسامة بن لادن، اللذين قالا ان العراق كان ارض المعركة المركزية في هذا النزاع. وانا اعتقد ايضا ان افغانستان سوف تبقى في حالة تنازع لفترة اطول من بعض النواحي. لكن الامر الاكثر اهمية هو اننا اذا فشلنا في العراق، فانه ستكون هناك عواقب غير حميدة في عموم المنطقة».
ترجمة: علاء غزالة
واشنطن- يتوجب على كل من السيناتور باراك اوباما والسيناتور جون ماكين ان يواجها واحدا من اكثر الاسئلة الحاحا اذا انتخب رئيسا، وهو كيفية استثمار المكاسب الامنية التي تحققت في العراق، في الوقت الذي بدأت الدعوة الى رحيل القوات الامريكية بالخفوت.
لم يتم التطرق الى هذه القضية الا نادرا في المحاورات حول السياسة الخارجية التي اجريت خلال الشهر الماضي. ولكن في المقابلات التي اجرتها جريدة نيويوك تايمز اوضح كلا المرشحين انهما سيواجهان التحدي بطرق شديدة التباين.
وقدم اوباما وماكين وجهات نظر متضاربة في مقابلاتهما حول كيفية تقليص الوجود الاميركي في العراق، وهي افضل الطرق لتشجيع المزيد من التقدم السياسي هناك، وما يعنيه النجاح بعد اكثر من خمس سنوات من الحرب.
كما قدم كل منهما اشارات بينة على مدى المرونة التي سيمنحها القائد العام المقبل الى جنرالاته، بضمنهم الجنرال ديفيد بترايوس، وهو القائد الامريكي الاعلى السابق في العراق، والذي تمت تسميته لقيادة القوات الوسطى التي تشرف على العمليات في منطقة الشرق الاوسط وافغانستان.
وقال اوباما، بعد ان لاحظ بان بترايوس كان راغبا في «اكبر قدر من المرونة» في تحديد جدول الانسحاب، انه «تراجع» عندما اجتمع مع القائد في تموز، وذلك من خلال طرح قضية ارسال المزيد من القوات الى افغانستان، والتي يعتقد المرشح الديمقراطي انها ارض المعركة الرئيسة في الحرب على الارهاب.
اما ماكين، الذي جادل بان النتيجة المُرضية في العراق تعد امرا حيويا بالنسبة الى الاستراتيجة الاميركية في الشرق الاوسط وجهودها الشاملة ضد الارهاب، فقد تطرق عدة مرات الى استراتيجية بترايوس في مقارعة التمرد، وانه سوف يمنحه حرية واسعة في تحديد مستوى القوات في العراق. ويأتي اقتراح اوباما لانسحاب القوات المقاتلة الاميركية خلال 16 شهرا في صلب المناقشة، حيث انه يمثل ضعف الفترة الزمنية التي تنص عليها مسودة الاتفاقية التي توافق عليها العراقيون والاميركيون. فهل سيحث هذا الموعد النهائي العراقيين على تجاوز خلافاتهم السياسية وتمكين الولايات المتحدة من تحقيق الاستقرار في العراق باستخدام قوات تقل كثيرا عن مستواها الحالي، حسب ما يؤكد اوباما؟
او ان ذلك سيقيد ايادي القادة ويقلل من اهمية التقدم السياسي، حيث لاتزال المكاسب الامنية هشة، كما يجادل ماكين؟ كيف يتسنى لماكين ان يدعو الى التقدم السياسي وحكومة افضل في العراق، عندما يصر على ان الظروف على الارض، وليس في التقويم، هي التي ستقرر مسار وسرعة التخفيض؟يقول توبي دودج، وهو متخصص بشؤون العراق في جامعة لندن، ومستشار سابق الى بترايوس: «الخطر في جدول اوباما الصارم انه قد لايسمح للقادة الاميركيين في الاستجابة الى الاحداث على الارض. لكن سياسات ماكين تفتقر الى التفاصيل الضرورية لمواجهة التحديات السياسية في العراق. ان السياسات التي اعدت لارضاء اهواء الحزب لم يتم اخضاعها الى متطلبات الانتخابات الوشيكة، ولا تلائم الوضع السياسي والعسكري المعقد في العراق».
ودامت مقابلة ماكين التي اجريت في17 ايلول في غراند رابيدس، ميتشيغان، مدة 38 دقيقة. اما مقابلة اوباما، في 20 ايلول، فاستمرت 27 دقيقة بسبب انه كان مضطرا للسفر الى نورث كارولينا ضمن حملته الانتخابية. وفي كلتا الحاليتن، كان هذا هو الوقت الذي سمح به كل من المرشحين.
انسحاب القوات الاميركية
ليس هناك مجال للشك بان القوات الاضافية التي ارسلها الرئيس جورج دبليو بوش قد ساعدت في التقليل من العنف الطائفي، بطريق مباشر بواسطة العمليات العسكرية، وبطريق غير مباشر بتشجيع نشر قوات الصحوة، وهي قوات مراقبة الاحياء السكنية التي تغلبت على المتطرفين.
كما اتخذ البرلمان العراقي خطوة مهمة مؤخرا من خلال الدعوة الى انتخابات مجالس المحافظات التي سيتم اجراؤها في نهاية كانون الثاني. هذا ما يعطي الامل في ان الذين قاطعوا الانتخابات في وقت سابق سوف يشاركون، مما يوسع قاعدة الاسناد للحكومة العراقية.
لكن القادة الاميركيون حذروا ايضا من ان الوضع يبقى هشا، وانه في ميادين اخرى حصل تقدم سياسي مشوش او لا تقدم على الاطلاق. بالنسبة الى المرشح الذي سيتم انتخابه، سيكون التحدي في كيفية الاحتفاظ بمكسب انخفاض اعمال العنف وتشجيع الحركة السياسية بعد ان تم فعلا الان سحب جميع القوات الاضافية، وتم تحديد موعد لسحب لواء آخر في شباط.
ويبدو على السطح ان وجهات نظر كلا المرشحين قد تقاربت: كل منهما يرى ان مستوى القوات الاميركية سوف يتقلص خلال فترته الرئاسية الاولى، كما هو الحال بالنسبة للحكومة العراقية. لكن التشابة يتلاشى مع تفحص ادق.
فقد صاغ اوباما مقترحه في تقليل القوات اواخر عام 2006 حينما بدا ان العراق كان على شفير حرب اهلية شاملة. وقد عارض خطة بوش بتعزيز القوات، التي بناها استنادا الى تقرير مجموعة دراسة العراق المؤلفة من الحزبين، وساند تشريعا مقترحا كان من شأنه ان يرحل جميع القوات الاميركية القتالية في نهاية آذار من عام 2008، ويسمح لقوات صغيرة بالبقاء لاغراض التدريب ومواجهة الارهاب ولحماية السفارة الاميركية والعاملين فيها.وفي ذلك الوقت، حذرت وكالات الاستخبارات الامريكية في تقييم للاستخبارات الوطنية ان سحب جميع القوات الاميركية والقوات الحليفة خلال فترة 18 شهراً سوف يقود «بشكل مؤكد في الغالب» الى زيادة ملحوظة في القتال الطائفي، ومقترحا بان الانسحاب المتعجل، وان كان جزئيا، كما كان يدعو اليه اوباما، سوف يؤدي الى زيادة اعمال العنف بشكل كبير.
ومنذ ذلك الحين فان المكاسب التي حققتها زيادة القوات، وتأكيد رئيس الوزراء نوري المالكي على نيل السيادة الكاملة، قد حولت القضية من السؤال فيما اذا حان وقت تقليص عدد الالوية الى السؤال عن السرعة والظروف التي يجب ان يتم بها الانسحاب.
وقال اوباما انه سوف يسحب القوات بمعدل لواء او اثنين كل شهر خلال فترة 16 شهراً. وجادل اوباما في المقابلة بانه من المهم ان يتم اتخاذ اجراءات جديدة للضغط على العراقيين من اجل تجاوز خلافاتهم، وتمكين المزيد من الامريكيين من القتال في افغانستان ومناطق النزاع الاخرى المحتملة، وتقليل المصاريف الحربية لكي يمكن تحويلها لتمويل البرامج في الوطن.
وقال اوباما: «اذا كانت خطواتنا وشروطنا التي نضعها معتمدة على افعال يجب ان يتخذها العراقيون، وهم لا يتخذونها، فاننا لسنا في موضع السيطرة على ظروفنا نحن ولا على نشر قواتنا. يجب ان نكسر هذا الرابط في نقطة ما. يجب علينا ان نقول للعراقيين: سوف نضع مجموعة من القرارات وعليكم الاستجابة لها».
على الرغم من الحديث الذي يدور بان خطة اوباما توازي مسودة الاتفاقية العراقية – الاميركية فان هناك قرارت مهمة. تشير مسودة الاتفاقية الى «هدف زمني» لانسحاب القوات الاميركية بنهاية 2011، وهو ما يزيد على ضعف الفترة الزمنية التي تحددها خطة اوباما بـ 16 شهرا. كما ان وجهة نظر المفاوضين الاميركيين، في اقل تقدير، حول مفهوم «الهدف الزمني» هي اكثر مرونة من تحديد وقت نهائي صارم.
في السنوات الماضية، قامت القوات الاميركية عموما بزيادة قواتها في الاوقات التي اجرى فيها العراقيون انتخاباتهم الرئيسة، كما ان القادة الاميركيين، على العموم، قلقون من تخفيض كبير للقوات قبل اجراء انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية التي ستجرى خلال العام القادم.
وفي سعيه الى الاحتفاظ بالمرونة قال اوباما انه سوف «يحتفظ بالحق في ايقاف الانسحاب مؤقتا» اذا ادى ذلك الى زيادة كبرى العنف الطائفي. كما اعاد التأكيد على انه يخطط للاحتفاظ بقوات عسكرية مقيمة لملاحقة تنظيم القاعدة في بلاد النهرين، وحماية المؤسسات الاميركية وموظفيها، ولتدريب القوات العراقية، اذا نأت بنفسها عن الطائفية. واضاف اوباما بان هذه القوات المتبقية ربما تحتوي على قوات العمليات الخاصة، وفريق من المستشارين العسكريين، وطائرات مقاتلة، وسمتيات هجومية واخرى طبية، وربما بعض القوات المصغرة لحماية المستشارين.
غير انه رفض تقدير حجم هذه القوات، قائلا انه سيقرر ذلك بعد استشارة القادة الميدانيين. ولكن ريتشارد دانزغ، وهو وزير البحرية في ادارة كلينتون، والذي يعتقد انه سيتولى منصب وزير الدفاع اذا اصبح اوباما رئيسا، قال في مقابلة مع الاذاعة الوطنية الشعبية اجريت في حزيران ان عدد القوات سيكون بين 30،000 و55،000 عسكري اميركي.
واضاف اوباما: «اذا كان لديك بعض القوات الخاصة في المنطقة، فانهم سوف يقاتلون، ويزيلون كل معسكرات الارهابيين المحتملة. واذا كان لدينا مدربون في الميدان يقومون بتدريب القوات الامنية العراقية، فاني ارغب في التأكد من انهم محميون، وجزء من ذلك يعني انه عندما تكون في منطقة خطيرة فان لديك بعض القدرات القتالية».
ان قدرة الجيش العراقي على تولي المسؤولية بالسرعة التي يفترضها اوباما هي ابعد ما تكون عن الوضوح. كتب اوباما في مقال رأي نشر في صحيفة نيويوك تايمز قائلا ان الجنرال جيمس دوبيك، والذي اشرف على تدريب القوات العراقية، اخبر الكونغرس في جلسة استماع ان الجيش والشرطة العراقيين سيكونان مهيأين لتولي المسؤولية الامنية في عام 2009.
لكن دوبيك قال في رسالة الكترونية بعثها الشهر الماضي ان ذلك يمثل اكثر توقعاته تفاؤلا. وقال: «ان افضل ما اتوقعه هو وقت ما بين 2009 و2012. وحتى في عام 2012 فانهم ربما سيحتاجون الى المساعدة في قواتهم الجوية، على سبيل المثال، او في مجال الاستخبارات وقواتهم الخاصة».
اما ماكين فقد جادل بان التخفيض تقرره الظروف السياسية والعسكرية، وهو الموقف الذي تبناه الادميرال مايك مولن، وهو رئيس هيئة اركان القوات المشتركة، الذي اخبر الصحفيين في حزيران انه يفضل «مقاربة تستند الى الظروف» من شأنها ان تسمح للولايات المتحدة بتقويم الاحداث على الارض بشكل مستمر وتعديل خططها بناء على ذلك.
لكن اعطاء القائد الاميركي في العراق اكبر مرونة ممكنة، على كل حال، قد يستوجب بعض المقايضات الصعبة. قال القائد الاميركي في افغانستان، الجنرال ديفيد ماكيمان، مؤخرا انه بحاجة الى ثلاثة الوية إضافة الى اللواء الذي وافق بوش على ارساله. وهذا يزيد على ما وعد كل من ماكين واوباما بنشره في افغانستان، وان الجيش الاميركي انتشر حتى اصبح هزيلا، كما يقول البنتاغون، بحيث لم يعد بالامكان توفير الوية اضافة الى افغانستان الا بعد تخفيض القوات في العراق.
على ان التطورات السياسية قد تحدد من المرونة التي يتمتع بها الجيش الاميركي. فقد اجاب ماكين احد السائلين في اجتماع عقد في الولاية التي يمثلها، نيوهامبشاير، انه ليس من المهم بقاء القوات الاميركية لخمسين او مئة عام في العراق اذا كان البلد مستقرا ولا يعاني الاميركيون فيه من الاصابات، عاقدا مقارنة مع اليابان وكوريا الجنوبية، وهما مجتمعان يبدوان بعيدين كل البعد عن منطقة الشرق الاوسط المضطربة.
وبعد ان اتهم الديمقراطيون ماكين بانه يدعو الى التزام مفتوح للقوات الاميركية، قال ماكين في خطبة القاها في آيار ان نجاح استراتيجيته سوف تمكن معظم القوات الاميركية من العودة الى الوطن من العراق بحلول كانون الثاني 2013.
يقتضي «الهدف الزمني» في مسودة الاتفاقية بين العراق والولايات المتحدة، على كل حال، ان تغادر القوات الاميركية قبل ذلك الوقت بنحو عام. لذلك من الصعب التنبؤ بكيفية شعور العراقيين بالحاجة الى وجود اميركي في غضون بضعة اعوام من الان. كما يتوقع الخبراء الاميركيون، في اقل تقدير، ان تدريب القوات العراقية سوف يستمر الى ما بعد 2011 تحت بنود الاتفاقية.
وحينما طلب من ماكين ان يوضح وجهة نظره في المقابلة قال انه يرى «ان انسحاب القوات الاميركية سوف يتم مع الوقت».
وقال ان السؤال فيما اذا كان الوجود الاميركي العسكري طويل الاجل في العراق لغرض التدريب او لاغراض اخرى تجب الاجابة عليه من خلال النقاش مع العراقيين، وضرب الكويت كمثال يحتذى. قال ماكين: «لدينا قاعدة عسكرية هناك وجوده عسكري. لذلك اعتقد ان قرار وجود قوات اميركية عسكرية يجب ان يتخذ على اساس امة مستقلة مقابل امة مستقلة».
حث العراقيين
السؤال الحيوي المتعلق بهذا الامر هو كيف يأمل المرشحون في تشجيع العراقيين على احراز تقدم في المصالحة الوطنية. فعلى فترة طويلة من ولاية ادارة بوش، اكد كل من دونالد رامسفلد وزير الدفاع السابق، والجنرال جورج كيسي القائد الاعلى السابق للقوات في العراق، على تسليم المهام الامنية الى القوات العراقية وتخفيض الوجود العسكري الاميركي كطريقة لحث العراقيين على تحمل المسؤوليات المضافة. لكن النتيجة كانت العنف الطائفي، وليس التقدم السياسي.
وحينما سأل اوباما فيما اذا كان يستطيع ان يعطي مثلا يوضح ان انسحاب القوات الاميركية قد حث العراقيين على حل اختلافاتهم، اجاب ان زيادة القوات لم تؤدِّ هي الاخرى الى تقدم سياسي مناسب.وقال: «ليس من الواضح فيما اذا كان الموجود الاميركي المستمر والمفتوح قد ادى الى تغيير سياسي في العراق. الحقيقة اننا مازلنا لا نمتلك قانونا للنفط. ليس لدينا انتخابات محلية. لم نتعامل مع قضية كركوك. ان ردنا على من يجادل باننا يجب ان نبقى هو اننا لم نقم بتحقيق تقدم سياسي ملائم».بيد انه لم يمض طويل على تصريحات اوباما حتى اقرّ البرلمان العراقي قانون انتخابات مجالس المحافظات. لكن يبقى على الحكومة ان تتعامل مع النزاع حول كركوك، وهي المدينة الغنية بالنفط التي يتنازع عليها كل من الاكراد والعرب والتركمان.إضافة الى فكرته في استخدام سحب القوات لتشجيع التغيير، فقد قال اوباما انه سوف ينهي جهود تدريب القوات العراقية اذا لم تقم حكومة المالكي باتخاذ خطوات مناسبة لضم اعضاء مجالس الصحوة الواسعة الانتشار ضمن القوات الامنية العراقية.وعلى النقيض من ذلك، جادل ماكين بان تحسن الوضع الامني قد ادى في النهاية الى اعطاء العراقيين الثقة في التقدم للامام من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وتحسين علاقات العمل مع الجيش الاميركي والسفير الاميركي في بغداد رايان كروكر. كما انه جادل بان التهديد بتقطع جهود التدريب الاميركية او تحديد موعد نهائي لانسحاب القوات القتالية لن يؤدي الا الى ان يصبح العراقيون اكثر اعتمادا على دعم الايرانيين او التحول الى الميليشيات لتحقيق الامن.
واضاف ماكين: «لمدة طويلة قال بعض الناس هددوهم بهذا الشيء او هددوهم بذلك الشيء. بدلا من ذلك فقد اسس بترايوس وكروكر علاقة مع الحكومة العراقية، حتى انهم قاموا بتشريع قانون جديد لاجتثاث البعث، وقانون العفو العام، كما اقروا الميزانية. لم تقم حكومة الولايات المتحدة باقرار ميزانيتها».
ليست التحديات في العراق قليلة باي حال. ومن ضمنها مدى عدالة تطبيق العراقيين للخطة التي تقضي بالسماح لمزيد من البعثيين السابقين في العودة الى الوظائف الحكومية. ومن بين التحديات اقرار قانون توزيع العائدات النفطية والذي من شأنه ان يضمن بان الانتخابات القادمة سوف تكون حيادية. اشتكى اوباما ايضا من ان ماكين «لم يعرّف ابدا بوضوح» معنى تحقيق النصر في العراق.
وعندما طـُلب من ماكين توضيح خطته، لم يستطع ان يقدم اقتراحات محددة بخصوص الكيفية التي سيقنع فيها المسؤولين العراقيين على تحقيق تقدم في هذه القضايا الشائكة، بما يتجاوز المحادثات الودية التي يقوم باجرائها فعلا المسؤولون الامريكيون من وراء الكواليس في بغداد.
قال ماكين: «سوف استمر في محاولة ايجاد طرق لجعلهم يتقدمون. لكن التهديد بالانسحاب، بصراحة، هو خيار سوف اتردد كثيرا في استخدامه، الا اذا كنت على ثقة باننا لا نملك خيارا آخر، واعتقد اننا لدينا الكثير من الخيارات. انا اتوقع بان الحكومة العراقية في هيئتها الجامدة والمترددة، التي تحبطنا في مناسبات عديدة، سوف تمضي قدما وتتقدم».
الرهان في العراق
يتمحور الخلاف بين اوباما وماكين، باكبر تبسيط ممكن، بشأن اهمية المهمة الاميركية في العراق. بالنسبة الى اوباما، كان غزو العراق خطأ وان جهوده ستنصب هنا اساسا على انهاء الضرر. وعن طريق تحديد سلسلة من الاهداف الصغرى، فان اوباما يهدف الى تقليل القوات الاميركية.
قال اوباما، في سعيه لهذه النتيجة، ان غرضه سوف يكون عراقاً يتمتع بالسيادة، ولا يشكل تهديدا للولايات المتحدة او جيرانه، وقادراً على السيطرة على حدوده، وليس «معسكرا» للارهابيين ولا يعاني «العنف المستشري». واضاف انه من المهم ان «يتم التعبير عن رغبة الشعب العراقي» من خلال «آليات الديمقراطية التي قد لا تكون كاملة».
وقال: «يجب علي ان أفكر بالحقيقة التي تقول ان نشر مستوى قواتنا العسكرية الحالي قد ادى الى هزال القوات، بحيث اذا حدث امر طاريء، لنقـُل كوريا الشمالية في هذا الوقت، فسوف تكون لدينا بعض الهموم. كما اننا لم نبدأ بالحديث عن الاموال المصروفة في الوقت الذي تعلن الادارة انهم يرغبون في توفير 700 مليار دولار لدعم المصارف. هذه هي العدسة التي ارى من خلالها الوضع في العراق».بالنسبة الى ماكين، فان المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق قد نشأت مما رآه الاخطاء الكثيرة التي ارتكبت في سنوات الاحتلال الاولى، تلك الاخطاء التي يؤكد انه تم معالجتها بشكل كبير عن طريق ارسال القوات الاضافية وتطبيق استراتيجية جديدة في قتال المتمردين.على الرغم من ان مقاتلي القاعدة الذين خططوا لاحداث 11 ايلول لم ينفذوا هجومهم من العراق، الا ان ماكين يجادل بان مسلحي القاعدة، المتعاونين مع السنة العراقيين، قد اكتسبوا موضع قدم في خضم الفوضى التي اعقبت الاطاحة بصدام.
قال ماكين: «انا اتفق مع كل من الجنرال بترايوس واسامة بن لادن، اللذين قالا ان العراق كان ارض المعركة المركزية في هذا النزاع. وانا اعتقد ايضا ان افغانستان سوف تبقى في حالة تنازع لفترة اطول من بعض النواحي. لكن الامر الاكثر اهمية هو اننا اذا فشلنا في العراق، فانه ستكون هناك عواقب غير حميدة في عموم المنطقة».
Subscribe to:
Posts (Atom)