Wednesday, February 26, 2025

  يومٌ حزينٌ للولايات المتحدة في الأمم المتحدة

أرض الأحرار تصوت مع روسيا حول قرار يتعلق بالحرب في أوكرانيا

بقلم هيئة تحرير صحيفة وول ستريت جورنال*
٢٤ شباط فبراير ٢٠٢٥
ترجمة: علاء خالد غزالة
الولايات المتحدة ليست حَكمًا أخلاقيًا في أي شيء، لكنها على الأقل حاولت خلال السنوات أن تجعل ذلك التجمع من الأمم يميّز الحقيقة بشأن اللاعبين السيئين. ذلك لم يكن الحال يوم الأثنين، حين صوتت الولايات المتحدة مع روسيا ضد قرار الجميعة العمومية الذي يندد بروسيا لاحتلالها أوكرانيا قبل ثلاث سنوات.
يا لها من لحظة مؤسفة. القرار الذي تبنّته أوكرانيا والأمم الأوربية، لم يكن حتى بتلك القوة. لقد أشار القرار بالكاد إلى "القلق بأن الإحتلال واسع النطاق لأوكرانيا من قبل الإتحاد الروسي" كانت له "عواقب كارثية وطويلة الأمد" ونادى إلى "أيقاف العمليات الحربية في أقرب وقت."
من الظاهر أنه حتى هذا كان توبيخًا أكثر من اللازم لفلاديمير بوتين بنظر الرئيس ترامب بينما يسعى للتفاوض من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا. وكانت الولايات المتحدة قد ساندت هذه القرارات منذ بداية الحرب لكنها الآن تصوّت مع الأنظمة المارقة بدلًا من حلفائها. لقد حاولت الولايات المتحدة أن تضغط على أوكرانيا من أجل سحب مشروع قرارها لصالح المسودة الأميركية التي لم تنص على أن روسيا هي المعتدي في الحرب. يمكننا أن نتفهّم رفض كييف لذلك.
ليس للقرار أهمية عملية، لكنه يبين تحوّل السيد ترامب نحو روسيا فيما يخص هذا الصراع. ربما يظن أن قول الحقيقة حول روسيا سيدفع بالسيد بوتين إلى ترك المفاوضات حول أوكرانيا. رونالد ريغان، الذي سعى أيضًا من أجل السلام وتوصّل إليه، لم يقصّر قامةً في قول الحقيقة حول الإتحاد السوفيتي. الحقيقة كانت سلاحًا أساسيًا في هزيمة ما سمّاه ريغان "إمبراطورية الشر".
بهذه الأثناء، في البيت الأبيض يوم الأثنين، ناقش السيد ترامب وإمانويل ماكرون المحادثات الأوكرانية. وقد تمادى الرئيس الفرنسي في الإشادة بجهود السيد ترامب الخاصة بالسلام وقال أن أوروبا راغبة في نشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا بعد التوصل إلى إتفاقية. وأوضح السيد ماكرون أن مثل هذه الإتفاقية يجب أن تكون مدعومة بضمانات من الولايات المتحدة لكي يكون لها مصداقية. إنّه بالتأكيد على حق إذا سلّمنا بأن وقف إطلاق النار سوف يمنح روسيات الفرصة لإعادة التسلح من أجل غزوٍ آخر إذا تخلّت الولايات المتحدة عن أوروبا.
السيد ترامب لم يقل إن كانت الولايات المتحدة ستقدم مثل هذه الضمانات. من الصعب أن يكون المرء متفائلًا إن لم يكن (الرئيس الأميركي) عازمًا على قول الحقيقة حول أيّ بلد قد بدأ الحرب.
* الصحيفة تميل للمحافظين الجمهوريين، وهو حزب الرئيس.

A Sad Day for the U.S. at the U.N.
The land of the free votes with Russia on a Ukraine war resolution.
By The Editorial Board
Feb. 24, 2025 5:43 pm ET

The United Nations is no great moral arbiter of anything, but at least the United States has tried over the years to have that group of nations recognize the truth about bad actors. That wasn’t the case Monday, as the U.S. voted with Russia against a General Assembly resolution calling out Russia for its invasion of Ukraine three years ago.

What a regrettable moment. The resolution, sponsored by Ukraine and European nations, wasn’t even all that strong. It merely noted “with concern that the full-scale invasion of Ukraine by the Russian Federation” has had “devastating and long-lasting consequences” and called for “an early cessation of hostilities.”

Apparently even this was too much of a rebuke to Vladimir Putin for President Trump to tolerate as he seeks to negotiate an end to the Ukraine war. The U.S. had supported these resolutions since the war began but is now voting with the world’s rogues rather than with its allies. The U.S. tried to pressure Ukraine to withdraw its resolution in favor of an American draft that didn’t cite Russia as the aggressor in the war. Kyiv understandably refused.

The resolution has no practical importance, though it does underscore Mr. Trump’s turn toward Russia in the conflict. Perhaps he thinks that telling the truth about Russia will cause Mr. Putin to walk away from the Ukraine negotiations. Ronald Reagan, who also sought peace and achieved it, never shrank from telling the truth about the Soviet Union. The truth was an essential weapon in defeating what Reagan called an “evil empire.”

Meanwhile, at the White House on Monday, Mr. Trump and Emmanuel Macron discussed the Ukraine talks. The French President went out of his way to praise Mr. Trump’s peace effort and said Europe will be willing to deploy peace-keeping troops to Ukraine after a deal is struck. Mr. Macron also made clear such a deal would have to be backed by U.S. guarantees to be credible. He’s certainly right given that a cease-fire would give Russia a chance to rearm for another invasion if the U.S. abandons Europe.

Mr. Trump didn’t say if the U.S. would provide such guarantees. It’s hard to be optimistic if he won’t tell the truth about which country started the war.

  الولايات المتحدة هي الآن عدوٌ للغرب

واشنطن قررت التخلي عن كل من أوكرانيا ودورها في العالم بعد الحرب العالمية الثانية

بقلم مارتن وولف، صحيفة فايننشيال تايمز
٢٥ شباط فبراير ٢٠٢٥
ترجمة: علاء خالد غزالة

"الحرية والاستقلال في أرجاء العالم هي اليوم في خطر. إذا لم تتم مقاومة وهزيمة القوى الإستعمارية بنجاح فلن تكون هناك حرية، لا إستقلال، ولا فرصة لأي أمة أن تكون حرة". هكذا احتفل الرئيس فرانكلين روزفلت بالذكرى الأولى للميثاق الأطلسي، والذي توصل إليه روزفلت بالاتفاق مع وينستون تشرتشل في ١٤ أب أغسطس ١٩٤١. بعد مضي نصف قرن، مع سقوط الإتحاد السوفيتي، كان منطقيًا على الأقل الرجاء بأن هذه المُثل قد تتجسد في أرجاء الكرة الأرضية. ذلك لم يتحقق. اليوم، لم تتزايد ثقة الأنظمة الأوتوقراطية بنفسها فحسب، بل إن الولايات المتحدة تنتقل إلى جانبها. هذا هو الدرس من الأسبوعين الأخيرين. الحرية ليست في خطر بمقدار ما كانت عليه عام ١٩٤٢، لكن مع ذلك، فإن الخطر حقيقي تمامًا.

The US is now the enemy of the west
Washington has decided to abandon both Ukraine and its postwar role in the world
Martin Wolf 25 MINUTES AGO

“Freedom and independence are today in jeopardy the world over. If the forces of conquest are not successfully resisted and defeated there will be no freedom, no independence and no opportunity for freedom for any nation.” Thus did Franklin Delano Roosevelt commemorate the first anniversary of the Atlantic Charter, which had been agreed between him and Winston Churchill on August 14 1941. Half a century later, with the fall of the Soviet Union, it was at least reasonable to hope that these ideals might be realised across much of the globe. That was not to be. Today, not only are autocracies increasingly confident. The US is moving to their side. That is the lesson of the last two weeks. Freedom is not in as much danger as it was in 1942. Yet the dangers are very real.

 تخفيض العقوبات عن روسيا سوف يضر بقطاع الطاقة في الولايات المتحدة

بقلم: جيمس روغان، صحيفة واشنطن إكسامينر*
٢٦ شباط فبراير ٢٠٢٥
ترجمة: علاء خالد غزالة
الرئيس دونالد ترامب ووزير الخزانة سكود بيسنت يريدون اقتصادًا قويًا. وهما متحمسان بالخصوص لازالة العقبات الادارية التي تقف بوجه زيادة انتاج النفط والغاز، الموردان الطبيعيان المتوفران بغزارة في الولايات المتحدة. بسبب وفرة النفط الصخري، تضم الولايات المتحدة أكبر إحتياطي نفطي في العالم، بما يفوق الإحتياطي السعودي أو الروسي. هناك ٢٦٤ مليار برميل في الإحتياطي الأميريكي، مقابل ٢٥٦ مليار برميل في روسيا و٢١٢ مليار برميل في السعودية.
من المفهوم أن ترامب وبيسنت يريدان أن يرفعا القدرة الإنتاجية بما يعادل ٣ ملايين برميل في اليوم بحلول عام ٢٠٢٨. فزيادة الإنتاج ستقوي الإقتصاد وربما تخفّض من الدين العام الحكومي. كما أن ترامب يركز على خفض العجز في ميزان التبادل التجاري الدولي.
الآن، على كل حال، يقوم ترامب بالتقليل من شأن أهدافه السياسية المتعلقة بتقوية الإقتصاد وتعزيز الصناعة النفطية من خلال اقتراحه برفع العقوبات عن روسيا، وتلميحه إلى إعادة دمج روسيا في النظام العالمي بالكامل. السبب الذي يدفع ترامب للحطّ من شأن الإقتصاد وإضعاف صناعة الطاقة المحلية هو أمر محيّر، خصوصًا أن روسيا هي عدوّة للولايات المتحدة ومذنبة بجرائم حرب في أوكرانيا، وسوريا، وغرب أفريقيا، وأماكن أخرى.
العقوبات المفروضة على روسيا، بسبب عدوانها على أوكرانيا، تلحق الأذى بإنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي الروسي. لكن عندما أزيلت صادرات النفط والغاز من الأسواق العالمية، إرتفعت الأسعار. في المقابل، جلبت الأسعار المرتفعة مجهزين جدد، بضمنهم من الولايات المتحدة. إن رفع العقوبات عن صناعة الطاقة الروسية سيؤدي إلى زيادة المعروض العالمي من النفط والغاز. هذا سيقود لخفض أسعار النفط والغاز، ما يؤدي لتخريب قطاع الطاقة الأميركي. بهذا الإعتبار، فإن إعادة العلاقات المضطرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيمنح نصرًا رئيسيًا لقطاع الطاقة الروسي والإقتصاد الروسي على العموم.
لا يأتي إنتاج النفط في الولايات المتحدة بتكلفة منخفضة. فحوالي ٦٤٪ من مجمل الإنتاج يأتي من حقول النفط الصخري، وبشكل رئيسي في حوض بيرميان بولاية تكساس. إن استخراج النفط الصخري يتطلب استثمارات كبيرة ويكلف أكثر كثيرًا من استخراج النفط من الحقول التقليدية. كما أن معدل كلفة استخراج النفط الروسي تقل بشكل ملحوظ عن كلفة استخراج النفط الأميريكي، والتي تتراوح بين ٦٠ و٧٠ دولار للبرميل، مقابل ٤٤ دولار للبرميل الروسي. كذلك، فإن كلفة التشغيل في الحقول الروسية المتواجدة بالفعل يتراوح بين ٥ و١٠ دولارات، وهو ما يقل كثيرًا عن مثيلتها الأميركية.
إذا تم رفع العقوبات، ستقوم روسيا بالاستقطاع من حصة الولايات المتحدة في السوق النفطية العالمية. وما يزيد الوضع سوءًا أن إدارة المعلومات بوزارة الطاقة الأميركية تتوقع إنخفاض أسعار النفط في عامي ٢٠٢٥ و٢٠٢٦، حتى إن لم يتم رفع العقوبات. لكن رفع العقوبات سيزيد الضغط على توقعات الأسواق النفطية العالمية، كما سيؤدي لخفض الإستثمار في إنتاج النفط الأميركي. ستُفقد الوظائف ذات المردود العالي. العجز في الميزان التجاري سيزداد. الإنتاج المحلي سيتلقى ضربة قوية بسبب إنخفاض الأسعار العالمية. ستصدّر الولايات المتحدة عددًا أقل من براميل النفط. إن رفع العقوبات يحطّ من الهدف المركزي لهذه الأدارة: خفض العجز في الميزان التجاري.
* الصحيفة تميل للمحافظين والحزب الجمهوري الأميركي


Reducing sanctions on Russia would hurt the US energy industry
By James Rogan
February 26, 2025 8:00 am

President Donald Trump and Treasury Secretary Scott Bessent want a strong economy. They are particularly eager to remove regulatory barriers to increased production of oil and gas, two energy commodities of which the United States has vast reserves. Because of shale oil reserves, the U.S. holds the world’s largest recoverable oil reserve base — more than Saudi Arabia or Russia. The U.S. has 264 billion barrels of recoverable oil reserves, more than Russia with 256 billion and Saudi Arabia with 212 billion.

It is understandable that Trump and Bessent want to increase production of oil and oil equivalents by 3 million barrels a day by 2028. Increased output would strengthen the economy and perhaps reduce the trade deficit. And the trade deficit is a fixation for Trump.

Now, however, Trump is undermining his own policy goals of a strong economy and a more dynamic oil and gas industry by suggesting sanctions against Russia could be removed and indicating support for Russia’s full reintegration into the global order. Why Trump would undermine the economy and weaken the domestic energy industry is perplexing, particularly as Russia is an enemy of the U.S. and is guilty of war crimes in Ukraine, Syria, West Africa, and elsewhere.

Sanctions against Russia, because of its aggression against Ukraine, harm Russia’s production and export of oil and natural gas. But when the Russian supply of both oil and natural gas was removed from the global market, prices increased. In turn, higher prices brought out new supplies, including from the U.S. Removing sanctions against Russian energy will again increase the global supply of both oil and gas. Prices for oil and gas will fall. The U.S. energy sector will be damaged. In that sense, Trump’s budding rapprochement with Russian President Vladimir Putin would be a major victory for the Russian energy sector and the Russian economy more broadly.

The U.S. is not a low-cost producer of oil. About 64% of total oil production comes from shale oil fields, principally in Texas’s Permian Basin. Extracting shale oil is capital-intensive and significantly more expensive than production from conventional oil fields. The average cost of oil production in Russia is significantly lower than in the U.S. Almost all Russian oil production is from conventional oil formations. In the U.S., the cost of production from a new shale oil well ranges from $60 to $70, depending on the location in the Permian Basin. 

By contrast, Russia’s all-in cost of oil production is about $44 a barrel. And the marginal cost to produce an additional barrel from an existing well is in the range of $5 to $10. Marginal production costs in the U.S. are significantly higher. 

If sanctions are removed, Russia will take market share from the U.S. Importantly, the U.S. Energy Information Administration already forecasts that global oil prices will fall in 2025 and 2026 even if sanctions are not lifted. Lifting sanctions will further pressure the outlook for the global oil market and will reduce investment in U.S. production. Well-paying jobs would be lost. The U.S. trade deficit would increase. Domestic production would be hit by lower global prices. The U.S. would have fewer barrels to export. Removing sanctions undermines a central goal of this administration: a lower trade deficit. 


Tuesday, September 09, 2014

المزيج القاتل في بنغازي- الفصل الاول: الاشارات التحذيرية

اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية

كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج، التداعيات.

ترجمة: علاء خالد غزالة

الفصل الاول: الاشارات التحذيرية

كان دبلوماسي ذو مظهر صبياني يلتقي لاول مرة مع القادة الاسلاميين لاكثر المليشيات رعبا في شرقي ليبيا. كان ذلك في 9 سبتمبر 2012. وفيما كان الجمع جالسين على كراسي قابلة للطي في قاعة الطعام قرب ساحل المتوسط، حذر الليبيون من تصاعد التهديد ضد الاميركيين من المتطرفين في بنغازي. وحينما ذكر احد قادة المليشيات، وكان ذا لحية طويلة ويرتدي ملابس عسكرية غير متناسقة، الوقت الذي قضاه في افغانستان، لامس حارس اميركي سلاحه بتحفظ.
تذكر محمد الغرابي لاحقا، وهو قائد كتيبة (رافلا السهاتي)، انه قال للأميركيين: "طالما ان بنغازي ليست آمنة، من الافضل لكم الرحيل الآن." مضيفا: " لقد قلت للأميركيين بنفسي، وعلى وجه التحديد، اننا نأمل ان يرحلوا عن بنغازي في اسرع وقت ممكن."
ومع ذلك، تناول رجال المليشيا الكعك مع ضيوفهم من الاميركيين، كما عبروا عن عميق شكرهم للمساعدة التي قدمها الرئيس اوباما لهم اثناء انتفاضتهم ضد العقيد معمر القذافي. وأكدوا انهم يريدون ان يبنوا شراكة مع الولايات المتحدة، خصوصا فيما يخص الاستثمار. بل انهم طلبوا، تحديدا، انشاء فروع لمطاعم اميركية مثل مكدونالدز وكي اف سي في بنغازي.
واستنادا الى زملاء ديفيد مكفيرلاند، وهو مساعد سابق في الكونغرس، والذي لم يلتق سابقا بقائد مليشيا ليبي، غادر الاجتماع بحالة من القلق. ولكن الاجتماع لم يهز من ايمانه في منظور الانخراط بليبيا بشكل اعمق. وبعد يومين، قام بايجاز الاجتماع في تقرير ارسله الى واشنطن، واصفا رسائل مختلطة من قادة المليشيات.
كتب: على الرغم من "المشاكل الامنية المتنامية" فقد اراد المقاتلين ان تنخرط الولايات المتحدة بشكل اكبر "من خلال (اقناع) رجال الاعمال الاميركيين على الاستثمار في بنغازي."
وأُرسل التقرير، المؤرخ في 11 سبتمبر 2012، باسم مسؤول السيد مكفيرلاند، السفير كريستوفر ستيفنز.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قُتل السيد ستيفنز مع ثلاثة اميركيين آخرين في بنغازي، في اكبر هجوم نوعي على مِلْكية تابعة للولايات المتحدة خلال احد عشر عاما، منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
لقد كان هذا التقرير آخر علامة على أشهرٍ من عدم فهم اميركا لليبيا وتخبطها فيها، وخصوصا بنغازي التي ترعرع فيها الكثيرون تحت ظلال هجوم 11 سبتمبر السابق (عام 2001). لقد خاضت الولايات المتحدة عميقا في ليبيا ما بعد القذافي، على أمل ان تؤسس موطأ قدم ضد المتطرفين، خصوصا القاعدة. وقد أمنت انها تستطيع ان ترسم خطا ساطعا بين الاصدقاء والاعداء في ليبيا. لكنها خسرت سفيرها، آخر الامر، في هجوم شمل كل من المناوئين الصريحين للغرب والمقاتلين المنتمين الى المليشيات التي اتخذها الاميركيون حلفاء لهم.
بعد اشهر من الحقيق الذي اجرته (نيويورك تايمز)، والمتمركز على مقابلات مكثفة مع الليبيين في بنغازي الذين كان لديهم معرفة مباشرة بالهجوم وما يحيط به، قد توصل الى انه ليس هناك من دليل على ان القاعدة او اية منظمة ارهابية دولية قد لعب اي دور في الاعتداء. بدلا من ذلك، فقد قاد الهجوم مقاتلون استفادوا مباشرة من القدرة الجوية المكثفة لحلف الناتو والدعم اللوجستي خلال الانتفاضة ضد القذافي. وعلى الضد من ادعاءات بعض اعضاء الكونغرس، فقد استمد الهجوم وقوده في الجزء الاكبر من الغضب حول الفيديو المسيء للاسلام المنتج في اميركا.
ان المحاسبة التامة عن الهجوم تقترح دروسا للولايات المتحدة تذهب فيما وراء ليبيا. فهي تظهر المخاطر الناجمة عن ترقب المساعدة الاميركية في الاوقات العصيبة لشراء الولاء المستدام، وصعوبة تمييز الاصدقاء عن حلفاء المصلحة في ثقافة شكلتها عقود من النزعة المناهضة للغرب. وكلا الامرين هما تحديان يحومان الان حول التورط الاميركي في الصراع المدني السوري.
كما يقترح الهجوم ان التهديد من المليشيات المحلية في انحاء المنطقة قد تضاعف، وعليه فان التركيز المكثف على مقارعة القاعدة قد يصرف الانتباه عن حماية المصالح الاميركية.
وفي هذه الحالة، فان الشخصية المركزية في الهجوم كان رجلا غريب الاطوار يقود مليشيا ساخطة، واسمه احمد ابو ختالة، استنادا الى عدد كبير من الليبيين الذين تواجدوا في ذلك الوقت. ويصفه المسؤولون الاميركيون المطلعون على التحقيق الجنائي في الهجوم على انه المشتبه الرئيسي. وقد صرح السيد ابو ختالة علنا ولعدة مرات انه يضع الولايات المتحدة في موقع ليس ببعيد عن العقيد القذافي في قائمته للأعداء الكافرين. ولكن ليس من المعروف عنه ارتباطه باي مجموعة ارهابية، كما انه فرّ من عملية التفحص التي أجرتها محطة لوكالة الاستخبارات الاميركية تضم 20 عنصرا في بنغازي، والتي أُعدت لمراقبة الوضع المحلي.
لقد كان السيد ابو ختالة، الذي ينفي اشتراكه في الهجوم، منضويا باحكام في شبكة مليشيات بنغازي قبل الهجوم وبعده. ويعتبره الكثير من القادة الاسلاميين الاخرين متطرفا غريب الاطوار. ولكنه لم يكن الا عتبة ازيلت من امام اكبر القادة تأثيرا الذين هيمنوا على بنغازي وكانوا اصدقاء للاميركيين. لقد كانوا جيرانه، وزملاءه في السجن، ورفاقه في خطوط القتال ضد العقيد القذافي.
والى هذا اليوم، يعرض بعض قادة المليشيا حجة غياب للسيد ابو ختالة. ويقاوم الجميع الضغوط الامريكية الهادئة لتسليمه لمواجهة المحاكمة. وفي الربيع الماضي، سعى احد اكثر القادة الليبيين نفوذا لتعيينه قاضيا محليا.
وبعد خمسة عشر شهرا من موت السيد ستيفنز، فان سؤال المسؤولية يبقى سؤالا ذاويا في واشنطن، التي تؤطرها قصتين متعارضتين.
احدهما تدور حول ذلك الفيديو، والذي نُشر على موقع يوتيوب، ما أدى الى خروج مظاهرات عفوية في الشوارع خرجت عن السيطرة. تلك النسخة، المستندة الى تقارير استخبارية اولية، كانت هي ما عرضته سوزان رايس مبدئيا، والتي اصبحت الان مستشارة السيد اوباما للامن القومي.
والاخرى، التي يفضلها الجمهوريون، تصر على ان السيد ستيفنز مات في اعتداء مخطط بعناية من قبل القاعدة في المناسبة السنوية لضربها الولايات المتحدة قبل 11 عاما. واتهم الجمهوريون ادارة اوباما بالقيام بالتغطية على الادلة التي تشير الى دور القاعدة لتفادي الحط من ادعاء الرئيس بان تلك المجموعة قد تفككت، جزئيا بفعل الغارة التي قتلت اسامة بن لادن.
يظهر التحقيق الذي اجرته صحيفتنا ان الحقيقة في بنغازي كانت مختلفة، واكثر غموضا، من كلتا القصتين. لم تكن بنغازي مخترقة من قبل القاعدة، لكنها مع ذلك ضمت تهديدات محلية مهلكة للمصالح الاميركية. لا يبدو ان الهجوم كان مدبرا بعناية، لكنه لم يكن فعلا عفويا، او حدث بدون اشارات تحذيرية.
واضحى السيد ابو ختالة معروفا في بنغازي بعد دوره في قتل الجنرال الثائر، وبعد ذلك لاعلانه ان زملائه من الاسلاميين لم يكونوا ملتزمين بشكل كاف بالدولة الدينية. وهو لم يخفِ استعداده لاستخدام العنف ضد المصالح الغربية. وتفاخر احد حلفاؤه، وهو قائد المليشيا الاكثر صراحه في معادة الغرب، انصار الشريعة، قبل اشهر قليلة من الهجوم ان بامكان مقاتليه "تسوية" البعثة الاميركية بالأرض. ويبدو ان نظام المراقبة في المجمع الاميركي كان جاريا قبل 12 ساعة على الاقل من بدء الاعتداء.
ومع ذلك، كان هناك عنصرا عفويا في اعمال العنف. فقد حفز الغضب من الفيديو الهجوم الاولي. وشارك العشرات من الاشخاص، بعضهم بتحريض الفيديو وآخرين استجابة لإشاعات انتشرت بسرعة مفادها ان الحراس داخل المجمع الاميركي قد اطلقوا النار على متظاهر ليبي. وكان الناهبون ومشعلو الحرائق، بدون اي اشارة على وجود خطة، هم من خرّب المجمع بعد الهجوم الاولي، استنادا الى ما يزيد على انثي عشر شاهدا ليبيا، بالاضافة الى المسؤولين الاميركيين الذين شاهدوا صور الكاميرات الامنية.
وقدم فريق وكالة الاستخبارات الاميركية في بنغازي لكل من السيد مكفيرلاند والسيد ستيفنز قبل يوم واحد من الهجوم تقريرا موجزا عن الوضع الامني. لكن الجهود الاستخبارية في ليبيا تركزت على اجندات كبار قادة المليشيات وحفنة من الليبيين المشتبه بصلتهم بالقاعدة، حسبما افاد بعض المسؤولين الذين تلقوا ذلك الايجاز. وكما هو الحال مع جميع الايجازات تقريبا في تلك الفترة، لم يرد ذكر اسم السيد ابو ختالة او انصار الشريعة او الفيديو المسيء للاسلام في ذلك الايجاز، حتى مع كون القناة التلفازية المصرية، التي تحظى بشعبية في بنغازي، تفيض غضبا ضد الفيديو.
وقد اثبت ان اعضاء المليشيات المحلية التي استدعاها الاميركيون لتقديم المساعدة انهم لا يعتمد عليهم، بل وحتى معادين. وربما يكون التركيز على القاعدة قد صرف نظر الخبراء عن التهديدات الوشيكة. ويبدو ذلك الان فشلا استخباريا.

وبشكل اكثر توسعا، فان السيد ستيفن، على غرار رؤسائه في واشنطن، اعتقد ان بامكان الولايات المتحدة ان تحول الجمع الحرج من المقاتلين الذين ساعدتهم في التخلص من القذافي الى اصدقاء يعتمد عليهم. لقد مات وهو يحاول فعل ذلك. 

Monday, September 08, 2014

المزيج القاتل في بنغازي- الفصل الثاني: صعود قائد المليشيا

اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية

كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج، التداعيات.



ترجمة: علاء خالد غزالة


الفصل الثاني: صعود قائد المليشيا

انه رجل طويل ذو كرش، ابتسامته تظهر اسنانا ذات فجوة، ولحيته تميل الى الشيب ولكنها تصل الى صدره بشقين. نشأ السيد ابو ختالة في حي الليثي ببنغازي، والذي سُمي باسم نهر النسيان في الميثلوجيا الاغريقية، والمعروف بتركز المليشيات الاسلامية فيه. وامضى معظم شبابه في معتقل ابو سليم بطرابلس، حيث سُجن بتهمة التطرف الاسلامي.
يبلغ الان 42 عاما من العمر ولكنه لم ينهِ دراسته الثانوية، كما انه لم يتزوج. ويعتاش بصورة معتدلة من عمله مقاولا انشائيا مرتديا بذلة العمال الزرقاء، ويعيش مع امه في بيت تزينه مزهرية ذات اوراد بلاستيكية في غرفة المعيشة.
وكان السيد ابو ختالة قد قال، في مقابلات استمرت لساعات أُجريت معه قبل ان يصبح المشتبه به الرئيسي في الهجوم، انه لا علاقة له بالقاعدة. ولكنه لم يُخفِ اعجابه بنسختها ابدا.
قال: "العداء بين الحكومة الاميركية وشعوب العالم هو قضية قديمة. لماذا تستخدم الولايات المتحدة القوة لفرض اجندتها على الدوام؟"
ويجادل ان المسلمين والمسيحين يخوضون حربا محتومة، مضيفا: "المشلكة في طبيعة الاديان. هناك عداء دائم بين الاديان."
وعلى الضد من الليبيين، لا يعبّر السيد ابو ختالة عن أي امتنان لدور الاميركيين في حملة الناتو الجوية التي اطاحت بالعقيد القذافي. يقول انه لو لم يتدخل الناتو، "فان الله كان سيساعدنا"، ويصرّ على انه كان يعلم "ان الولايات المتحدة تعمل مع كلا الطرفين"، وتسعى "لتقسيم البلاد."
لقد كان السيد ابو ختالة وحيدا ومعاكسا، حتى مع زملائه من الاسلاميين. يقول عنه احد الاشخاص، الذي يصف نفسه بالقائد الجهادي، وقد امضى معه اعواما في السجن انه غير مستقر. يقول القائد، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام: "اذا قال الشعب الليبي: لا نريد الاميركيين، فان ابو ختالة سوف يقول: اجلبوا لنا الاميركيين!"
يقول الشيخ محمد ابو سدرة، عضو البرلمان من بنغازي، والمقرب من الكثير من الاسلاميين المتشددين، والذي امضى 22 عاما في معتقل ابو سليم: "حتى في السجن، كان دائما منعزلا."
ويضيف: "انه مخلص، لكنه جاهل جدا، ولا اظن انه سليم عقليا مائة بالمائة. انا اسأل نفسي دائما، كيف تسنى له ان يصبح قائدا؟"
ولكن حينما نشبت الثورة ضد العقيد القذافي في بنغازي، اصبحت سنوات السيد ابو ختالة في ابو سليم اعتمادا جذابا. وتسابق الشباب للعثور على الشيوخ ذوي الحديث المتشدد الذين يمكن يتبعوهم في المعارك.
يقول عبد الباسط الشهابي، 44 عاما، الذي قاتل في افغانستان في اوائل التسعينيات: "سعى المراهقون للالتفاف حوله كما سعوا للالتفاف حولي." متذكرا اسئلتهم: "شيخ، شيخ، هل تعلم عن القاعدة؟ هل تعرفت الى اسامة بن لادن؟ كيف يمكن لنا ان نقاتل؟"
ويستذكر احد المراهقين ان السيد ابو ختالة "بدا رجل قويا" و"منضبطا جدا."
شكّل السيد ابو ختالة المليشيا الخاصة به من حوالي 24 رجلا، وسماها ابو عبيدة بن الجراح، تيمنا بالقائد الاسلامي المعروف. وبرز في الايام الاولى للانتفاضة ضد القذافي في عام 2011 بلا خوف، ليساعد في الدفاع عن المدينة التي استولى عليها الثوار، اجدابيا، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلدان حلف الناتو الاخرى تزن الخطوات لدعم الثوار.
ولكن شهرة السيد ابو ختالة ذاعت في انحاء بنغازي بعد ان قرر مجموعة من قادة المليشيات الاسلامية "اعتقال" الجنرال عبد الفتاح يونس، القائد الرئيسي لحركة الثوار، التي اضحت مدعومة من الناتو في ذلك الحين.
وكان الجنرال يونس وزيرا للداخلية لدى العقيد القذافي قبل ان يبرأ منه ويلتحق بالانتفاضة، وكان يُنظر اليه في الغرب على انه قائد مهني حيوي للحركة المتعددة الاطياف، والمعروفة باشتمالها على المتطرفين. ولكنه كان قد قاد حملات لتعقب الاسلاميين سابقا، وقد شكّوا في انه قد يخدعهم.
بعد ان ارسل الاسلاميون فريقا لأخذ الجنرال الى تحقيق قضائي مرتجل في يوليو 2011، احتجزه آسروه لليلة واحدة في مقر كتيبة السيد ابو ختالة. وفي اليوم التالي، عُثر على جثة الجنرال يونس مع اثنين من مساعديه على قارعة الطريق وقد نخرتها الطلقات النارية.
ليس هناك من دليل على ان السيد ابو ختالة قد ضغط على الزناد بنفسه، ولكن طالما حدث القتل في كتيبته "فانه اصبح بعبعا" في بنغازي، على حد تعبير السيد غرابي، قائد كتيبة راف الله السهاتي، الذي يضيف: "بدأ الناس في الخوف منه."
وبدا ان السيد ابو ختالة يستمتع بشهرته، ولم يفعل شيئا يُذكر لدحض الشائعات حوله. وحينما تم تشكيل حلف مركزي من المليشيات الاسلامية، رفضها لانها تدعم الحكومة الانتقالية العلمانية التي يساندها الغرب بدلا من المطالبة بالحكومة الدينية. وانحسب من الواجهة.
يقول فوزي بوكتف، قائد تحالف الثوار الاوسع: "انه يعتقد انه يمتلك الله وكل شخص آخر هو كافر."
ولكن السيد ابو ختالة لم يكن وحيدا في آرائه المتشددة.
في ربيع 2012، بعد ثمانية شهور من موت القذافي، كان الدبلوماسيون الغربيون يركزون على اولى الانتخابات البرلمانية الليبية، وهي اختبار مهم لآمال البلاد في انتقالها نحو الديموقراطية.
ولكن البعض في بنغازي كانت لديه افكار أخرى، وقد وضعوها موضع الاستعراض.
وفي احد ايام يونيو، التحق السيد ابو ختالة بركب من العجلات يصل قوامه 200 شاحنة محملة بالمدفعية، سارت في وسط مدينة بنغازي تحت رايات المليشيات الاسلامية السوداء.
وجاءت بعض الشاحنات من خارج بنغازي. والاخرى حملت شارات المليشيات الكبرى في المدينة، واظهرت المجاميع ولاءً ظاهريا للحكومة، ولكنها كانت في الواقع تسيطر على المدينة. ومن بين تلك المجاميع، مجموعة 17 فبراير، ودرع ليبيا، واللجنة الامنية العليا.
وصف المشاركون الاستعراض على انه اظهار لمعارضتهم للديموقراطية، التي وصفوها بانها مخالفة لنسختهم من القانون الاسلامي. كما كان هذا الحدث الظهور العلني الاول لانصار الشريعة، وهي مجموعة من 200 عنصر مليشيا كانوا، على غرار السيد ابو ختالة، قد انفصلوا عن المليشيات الاخرى احتجاجا على دعم تلك الاخيرة للانتخابات.
وقال الدبلوماسيون الغربيون الذين راقبوا المشهد انهم صُعقوا لحجم الاسلحة التي تم استعراضها.

وقال دبلوماسي غربي شاهد الاستعراض: "لقد بدا المشهد وكأنهم ينزلون من الجبال، غير انهم لم يكونوا يفعلون ذلك. لقد كانوا هناك بالفعل." 

Sunday, September 07, 2014

المزيج القاتل في بنغازي- الفصل الثالث: السفير

اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية

كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج، التداعيات.



ترجمة: علاء خالد غزالة


الفصل الثالث: السفير


كان السفير ستيفنز يرى الافضل لليبيا على الدوام. وقد قَبِل بسرور دور عنصر الارتباط الاميركي مع الثوار عند بداية الانتفاضة. وفي ابريل 2011 اختار ان يبحر الى بنغازي على متن سفينة شحن يونانية بدلا من أخذ الطريق الاسهل برا من مصر، فقط ليستمتع برومانسية وصوله الى ليبيا الحرة.

وباعتباره خبيرا في الشؤون العربية، حيث عملا في ليبيا ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية، فان السيد ستيفنز، الذي كان يبلغ 52 عاما في ذلك الوقت، كان من بين الاصوات المؤثرة على السياسة الاميركية اتجاه ليبيا. وقد ساعد في تشكيل اقتناع ادارة اوباما بانها يمكن ان تعمل مع الثوار، حتى مع اولئك الذين كانوا معادين للغرب في السابق، من اجل بناء حكومة ديموقراطية صديقة.

كان الثوار، بضمنهم الاسلاميين، متحمسين لصداقة المبعوث الاميركي. يقول اشرف بن اسماعيل، وهو رجل اعمال ثري، ان العقيد القذافي "كان يقول ان الغرب يساند ارهابيي القاعدة"، ومن ثم فانه دعا السيد ستيفنز وبعضا من قادة الكتائب الاسلامية الى اجتماع في مضيفه الواسع لإزالة تلك المخاوف. وتعاهد الجميع على دعم بناء ديموقراطية حديثة في ليبيا. (رفض قادة المليشيات الاكثر تشددا حضور ذلك الاجتماع.)

ومع ذلك، عَلِم السيد ستيفنز والاميركيون الآخرون ان بنغازي لديها تاريخ من العنف ضد الدبلوماسيين الغربيين. ففي عام 1967، تعرضت القنصلية الاميركية في بنغازي الى التخريب والحرق على يد الجماهير الغاضبة من دعم اميركا لاسرائيل في الحرب العربية الاسرائيلية. وفي عام 2006، أحرقت جموع غاضبة القنصلية الايطالية بسبب قيام احد الوزراء في الحكومة الايطالية بارتداء قميص يسخر من النبي محمد.

وبحلول صيف عام 2002، بدأ نمط جديد من عمليات الكر والفر ضد المصالح الغربية في الظهور. وكانت هناك ثلاثة هجمات منفصلة في بنغازي اشتملت على متفجرات كان يستخدمها المحليون في صيد السمك، اثنتين على المجمع الاميركي وثالثة قرب قافلة للأمم المتحدة.

وأخبر محمد علي الزهاوي، قائد انصار الشريعة، صحيفة واشنطن بوست انه لا يوافق على الهجوم على الدبلوماسيين الغربيين، لكنه اضاف: "لو كنا نحن من يهاجم القنصلية الاميركية، لكنا سويناها بالأرض."

وبعد ان تسببت قذيفة صاروخية في اصابة احد حراس قافلة تابعة للسفير البريطاني بجروح خطيرة، بدأ البريطانيون في تحديد ظهورهم في بنغازي الى زيارات نهارية، وقاموا بايداع مركباتهم واسلحتهم داخل المجمع الاميركي في الليل قبل سفرهم الى طرابلس العاصمة.

لكن الاميركيين بقوا متفائلين. وشرح تقرير أُرسل بتاريخ 8 اغسطس 2012 وقّعه السيد ستيفنز الموقف الامني المتدهور، مُظهرا نبرة تفهم لغياب نظام الشرطة الفعال.
ولاحظ التقرير ترقب الليبيين لجهاز الامن القوي مباشرة بعد قضائهم على العقيد القذافي. وذكر التقرير ان "مجاميع متنوعة من اللاعبين المستقلين، ومن بينهم مجرمين وعناصر من النظام السابق بالاضافة الى المتطرفين الاسلاميين، كانوا يستغلون الفراغ [الامني]". ولكن التقرير لم يجد اشارات لحملة منظمة ضد الغرب.
واستنتج التقرير ان "ما نمر خلاله، وما عزم الناس هنا على خوض غماره، هو تحشيد وليس مؤامرة."
وكان لدى الاميركيين سبب آخر للشعور بالأمن: الفريق المكون من 20 شخصا من وكالة الاستخبارات المركزية العامل في مجمع غير مُعلَّم ببنغازي ويُعرف بـ"الملحقية"، والذي كان يبعد نصف ميل جنوب شرقي مقر البعثة.
كان بعضهم رجال قوات خاصة بمهارات عالية. يقول مسؤول في ادارة اوباما زار الموقع قبل بضعة شهور من الهجوم: "تعرفت الى الرجال الاحتياطيين في الملحقية، والذين كانوا مدربين ومجهزين بشكل مكثف."
بالاضافة الى قيام الفريق بشراء الاسلحة التي انتشرت اثناء الثورة، أُسندت الى الفريق مهمة جمع المعلومات الاستخبارية عن الارهابيين المناوئين للغرب وقادة المليشيات الكبيرة. لكن كانت هناك المئات من الكتائب الصغيرة، التي كانت ارتباطاتها مائعة ومتداخلة، وعادة ما وجد العملاء انفسهم يلجؤون الى السيد ستيفنز طلبا للنصيحة لانه بدا عارفا بقادة المليشيات اكثر من اي خبير اميركي آخر.
وقد توصل تحقيق وزارة الخارجية في الهجوم على البعثة انه على الرغم من خبرة السفير، وتواجد السي آي أيه هناك، "فقد كان هناك فهم قليل للمليشيات في بنغازي والتهديد الذي كانوا يمثلوه للمصالح الاميركية."
وأبقت السي آي أيه عينها مفتوحة على الاشخاص المعروفين بصلاتهم مع الشبكات الارهابية في الخارج، خصوصا اولئك المرتبطين بالقاعدة. وعادة ما ذكرت الايجازات الامنية المقدمة للدبلوماسيين سفيان بن قومو، وهو سائق سابق في شركة كان يديرها اسامة بن لادن.
وكان السيد قومو قد أُعتقل في الباكستان عام 2001 وأُحتجز لست سنوات في معتقل غوانتانامو بَاي قبل ان يعود الى وطنه في درنه، وهي مدينة ساحلية بالقرب من بنغازي والتي يُعرف عنها تركزها بالمتطرفين الاسلاميين.
بيد انه لا يبدو ان السيد قومو، او اي شخص آخر في درنه، قد لعب اي دور مهم في الهجوم على البعثة الاميركية، حسبما قال مسؤولون مطلعون على التحقيق والاستخبارات.
يقول احد الدبلوماسيين بليبيا في ذلك الحين: "لقد سمعنا الكثير عن سفيان بن قومو. لا اظن اننا سمعنا اي شيء عن انصار الشريعة."
وعمل قادة كبرى المليشيا المعتدلين على تطوير علاقات وثيقة مع الغربيين.
فقد اولع واحد على الاقل من قادة المليشيات الاسلامية في لعب كرة السلة بالمجمع البريطاني. وكان السيد بوكتف، من كتيبة 17 فبراير، فصيحا في اللغة الانكليزية وزار المجمع الاميركي في بنغازي مرات عديدة حتى "بدا الامر وكأنه افضل اصدقائي"، حسبما قال احد الدبلوماسيين متندرا.
يقول دبلوماسي غربي كان في بنغازي قبل فترة طويلة من الهجوم: "كنا نعتقد اننا قريبين منهم بشكل كافٍ"، مضيفا: "لقد اعتقدنا جميعا انه اذا حصل اي تهديد، فانهم سوف يخبروننا عنه."
ووجدت لجنة المراجعة التابعة لوزارة الخارجية "نزعة من جهة المسؤولين السياسيين والامنين والمسؤولين الآخرين في الحكومة للاعتماد على احتمالية تحذير الاستخبارات." ووصفت هجوم بنغازي بانه "تذكار صارخ" على المخاطر التي تحملها تلك النزعة.

Saturday, September 06, 2014

المزيج القاتل في بنغازي- الفصل الرابع: الشرارة أُوقدت

اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية

كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج، التداعيات.



ترجمة: علاء خالد غزالة


الفصل الرابع: الشرارة أُوقدت


"براءة المسلمين" هي خلاصة اعلان عن فيلم تم اعداده عن اساءة معاملة المسلمين في مصر المعاصرة. لكنه تضمن استرجاعات تاريخية فاجرة سخرت من النبي محمد. وقام احدهم بدبلجته الى العربية في سبتمبر 2012، ثم عمدت صحيفة في القاهرة الى تضخيم هذا الخبر من خلال تقرير مفاده ان واعظ فلوريدا الشهير بحرقه للقرآن كان يخطط لعرض الفيلم في الذكرى الحادية عشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001 الارهابية.

ثم قام خطيب اسلامي ذو شعبية باشعال الشرارة عن طريق تمرير المقاطع الاعلانية خلال غربال قناة الناس، القناة الفضائية الاكثر تحفظا. ورفع الدبلوماسيون الاميركيون في القاهرة التحذير الى واشنطن حول التداعيات المتصاعدة، وبضمنها الدعوة الى التظاهر امام السفارة.
ولم يبلغ احدٌ الدبلوماسيين في ليبيا بذلك الامر. لكن الاسلاميين في بنغازي كانوا يراقبون. لقد كانت القنوات التلفازية مثل قناتي الناس والرحمة متاحة بشكل واسع في بنغازي. يقول احد الشباب الاسلاميين في بنغازي، والذي انقلب الى المجمع اثناء الهجوم، طالبا عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام: "انها القناة التي تشاهدها نهار الجمعة"، وهو اليوم الشهير للصلاة.
وبحلول يوم 9 سبتمبر شجبت الفلم صفحة فيسبوك ذات شعبية في شرقي ليبيا. وفي صبيحة يوم 11 سبتمبر، وضع النشطاء السياسيون، حتى العلمانيون منهم، دعوات على الانترنت تنادي للتظاهر في يوم الجمعة، بعد ثلاثة ايام.
شهد حسين ابو حميدة، قائد شرطة بنغازي غير الرسمية بالوكالة، تصاعدا للسخط وخشي ان تحدث اعمال عنف ضد المصالح الغربية. وتداول مع عبد السلام البرغاثي، من كتيبة الامن الوقائي، وهي مليشيا اسلامية ذائعة الصيت، حيث تشاور كل مهما على حدة، ومن ثم زادا من الامن خارج مكتب الامم المتحدة. ولكنهما قالا لن نفعل شيئا للاميركيين.
كانت التقارير عن الفيديو قد بدأت في الانتشار للتو يوم 9 سبتمبر حين عقد السيد مكفيرلاند، الذي كان في وقتها المسؤول السياسي والاقتصادي في سفارة الولايات المتحدة بطرابلس، اجتماعه مع قادة المليشيا في بنغازي. وكان بينهم نفس الرجال الذين رحبوا بالسيد ستيفنز لدى وصوله الى بنغازي في بداية الثورة، بضمنهم السيد غرابي، 39 سنة، الذي كان اكثر من قضى فترة حكم في سجن ابو سيلم، والذي كان يدير مطعما متنقلا قبل ان يصبح قائد مليشيا راف الله السهاتي. والآخر كان وسام بن حامد، 39 سنة ايضا، ذو القوام النحيف بكرش خفيف، ويعمل ميكانيكا معروفا بحذقه في تصليح السيارات الاميركية، والذي اصبح عند ذاك قائدا لمليشيا درع ليبيا، والتي تعتبر احدى اقوى المليشيات في ليبيا.
وقال السيد غرابي، في مقابلة، انه علم بشأن الغضب المتنامي في مصر حول الفيديو، ولكن "لم نكن نعلم فيما اذا كانت ستصل الى هنا."
بدا السيد مكفيرلاند قلقا حول قادة المليشيات الكبرى. واستنادا الى السيد غرابي، تساءل الاميركيون: "ما هو شعور الثوار حول بناء علاقات مع البلدان الغربية؟ ما هو رأيك بالولايات المتحدة؟" يقول: "لقد كان ذلك استجوابا."
يقول: "اخبرناهم اننا نأمل في ان تعمل البلدان التي ساعدتنا اثناء الحرب على مساعدتنا في عملية التنمية." مضيفا: "واميركا تقبع على قمة الهرم."
لكن السيد غرابي واثنين من قادة المليشيا الذين حضروا ذلك الاجتماع حاولوا تحذير السيد مكفيرلاند. يقول السيد بن حامد قائد درع ليبيا: "لقد قلنا لهم ان السلاح في كل مكان وفي كل بيت وليست هناك سيطرة حقيقية."
جهد السيد مكفيرلاند في ان يحصل على معنى من الاشارات المتناقضة. اخبر السيد مكفيرلاند زملاءه لاحقا: "كانت الرسالة: لا تأتوا الى هنا لانه ليس هناك أمن، لكن تعالوا حالا لاننا نحتاج اليكم."
يقول زملاؤه ان قادة المليشيا بدوا غير قادرين على ان يوحدوا رواياتهم، وعادلت التحذيرات الغامضة التذكير بما كان يعرفه الدبلوماسيون بالفعل: كانت بنغازي في فترة ما بعد الثورة مكانا خطرا.