كتابة: غريغ ميللر وجوش ميير
ترجمة: علاء غزالة
البلد المتهم بمساعدة اعمال القتل في دارفور يوفر الجواسيس في العراق ويحصل بالمقابل على تسهيلات في واشنطن
عملت السودان بشكل سري مع وكالة الاستخبارت المركزية (الامريكية) CIA للتجسس على الحركات المسلحة في العراق، في مثال على كيفية استمرار تعامل الولايات المتحدة مع النظام السوداني رغم ادانته لدوره المشتبه به في مقتل عشرات الالاف من المدنيين في دارفور
وقد ادان الرئيس بوش اعمال القتل في مناطق غرب السودان على انها ابادة جماعية، ثم فرض عقوبات على حكومة السودان. لكن بعض النقاد يقول ان الادارة الامريكية قد خففت من تطبيق العقوبات للمحافظة على التعاون الاستخباري المكثف مع السودان.
ان هذه العلاقة تؤكد الحقائق المعقدة لعالم ما بعد الحادي عشر من ايلول، حيث اعتمدت الولايات المتحدة بكثافة على االتعاون العسكري والاستخباري مع دول عدة من بينها السودان واوزبكستان، والتي كانت تعد من الدول المنبوذة بسبب سجلها في مجال حقوق الانسان.
قال احد مسؤولي الاستخبارات الامريكية، وقد طلب مثل غيره عدم الكشف عن هويته، حينما دارت مناقشة حول تقييم الاستخبارات: "يحدث التعاون الاستخباري لاسباب كثيرة جدا. وهو لا يكون دائما بين اناس يحب بعضهم بعضا كثيرا".
وقد تزايدت اهمية السودان بالنسبة للولايات المتحدة منذ هجمات 11 ايلول بسبب ان هذه الدولة العربية السنية اضحت معبرا للمقاتلين الاسلاميين الذين يعتزمون الذهاب الى العراق او الباكستان. يقول المسؤولون ان تدفق المقاتلين الاجانب المستمر قد وفر غطاءا للمخابرات السودانية لزرع جواسيس في العراق. ويؤكد احد موظفي الاستخبارات الامريكية السابقين، وقد كان يشغل منصبا رفيعا وهو مطلع جيدا على التعاون بين السودان والـ CIA على انه: "اذا كان لديك جهاديين يسافرون عبر السودان الى العراق، فان هناك نمطا متواترا في هذا البلد يمنع بحد ذاته من اثارة الشكوك. انه يخلق فرصا لارسال سودانيين ضمن الجموع المتدفقة".
وكنتيجة لذلك، فان الجواسيس السودانيين كانوا عادة في موقع افضل من وكالة الاستخبارات الامريكية في جمع المعلومات عن تواجد القاعدة في العراق، بالاضافة الى نشاط الجماعات المسلحة. يقول مسؤول سابق آخر في المخابرات الامريكة، وهو كسابقه ضليع في الشؤون السودانية: "ليس بامكان الاشخاص شقر الشعور، وزرق العيون، ان يفعلوا الكثير في عموم منطقة الشرق الاوسط، وليس بامكنهم فعل اي شيء في العراق. السودانيون بامكانهم الذهاب الى الاماكن التي لا نستطيع الذهاب اليها، فهم عرب وبامكانهم استطلاع ما حولهم".
يرفض المسؤولون الافصاح عمما اذا كانت المخابرات السودانية قد ارسلت ضباطها الى العراق، ويعبرون عن قلقهم حيال حماية المصادر الاستخبارية والطرق المستخدمة. وهم يقولون ان السودان قد اسس شبكة من المخبرين في العراق يقومون بتوفير المعلومات عن المسلحين. كما ان بعضهم تم تجنيده بينما كانوا يسافرون عبر الخرطوم.
ان العلاقات الامريكية–السودانية لا تقتصر على العراق. فقد ساعدت السودان على تعقب الاضطرابات في الصومال من خلال رعاية الاتصالات مع اتحاد المحاكم السلامية والمليشيات الاخرى ضمن الجهود الرامية لايجاد مشتبهي القاعدة المختبئين هناك. كما قدمت السودان تعاونا مكثفا في عمليات مكافحة الارهاب، وقامت، تلبية لطلب الولايات المتحدة، باحتجاز المشتبه بهم لدى مرورهم بالخرطوم.
وبالمقابل فان السودان تحصل على بعض المنابع. فقد حصلت، من خلال علاقتها مع الاستخبارات الامريكية، على قناة خلفية مهمة للاتصالات مع الحكومة الامريكية. كما ان واشنطن استخدمت هذه القناة ايضا في الاتكاء على الخرطوم في الازمة في دارفور وقضايا اخرى.
وفي الوقت الذي كانت السودان تتعرض الى ادانات من المجتمع الدولي، فان عملها في مجابهة الارهاب قد حاز على جائزة ثمينة. لقد اصدرت وزارة الخارجية الامريكية حديثا تقريرا ينعت السودان بانه "شريك قوي في الحرب على الارهاب".
يتهم بعض النقاد ادارة بوش بانها لينة تجاه السودان لخوفها من تعريض جهود مكافحة الارهاب الى الخطر. يصف جون بريندرغاست، وهو مدير الشؤون الافريقية في مجلس الامن القومي بادارة كلينتون، يصف العقوبات الاخيرة التي اعلنها بوش الشهر الماضي بانها "ملابس النافذة" المصممة لاظهاره حازما، بينما لا يضع الا القليل من الضغوط الحقيقية على السودان ليمنع المليشيات، التي يُعتقد بشكل واسع انه يساندها، من قتل افراد القبائل المقيمة في دارفور.
يضيف بريندرغاست، وهو حاليا المستشار الاقدم في مجموعة الازمة الدولية: "ان واحدة من المحددات غير الملحوظة في التحرك النوعي الحقيقي في الاستجابة الى جرائم الابادة في دارفور، هي العلاقات النامية مع السلطات في الخرطوم في معارضة الارهاب. انه العامل المفرد الاكبر الذي يوضح لماذا تكون الفجوة بين الاقوال والافعال كبيرة الى هذه الدرجة".
وقد بيّن السفير السوداني في الولايات المتحدة جون اوكيك، في مقابلة صحفية، ان العقوبات قد تؤثر على نيات بلده في التعاون في الشؤون الاستخبارية. وقد تضمنت الخطوات التي اعلنها بوش منع 31 شركة حكومية سودانية من الدخول ضمن النظام المالي الامريكي.
يقول اوكيك ان قرار فرض عقوبات مالية "ليس بالفكرة الصائبة. انها تخرب التعاون فيما بيننا، وتزيد من قوة الذين اتخذوا جانبا متطرفا، اولئك الذين لا يرغبون في التعاون مع الولايات المتحدة". لكن مسؤولي البيت الابيض و الاستخبارات الامريكية قللوا من شأن الرأي القائل بان التعاون الاستخباري سوف يعاني جرّاء ذلك، ويقولون بانه يصب في مصلحة كلا البلدين. يقول جوردان جوندروي، وهو الناطق الرسمي بلسان مجلس الامن القومي: "ان الشيء الاول الذي أخذ بعين اعتبار عند فرض عقوبات اشد هو ان السودان لم يوقف العنف هناك وان الناس يستمرون في معاناتهم. نحن نتوقع بالتأكيد بان السودان سوف يستمر في جهوده ضد الارهاب لانها تصب في مصلحته، وليس فقط في مصلحتنا".وتكمن مصلحة السودان في تعقب الحركات المسلحة في ان المتطرفين السودانيين والمقاتلين الاجانب الذين يمرون عبر البلاد سوف يعودون ادراجهم، على الارجح، ليكونوا عنصرا كامنا في اثارة عدم الاستقرار. واستنادا الى احد المسؤولين فان تراخي قبضة السودان على المسافرين قد حوله الى "محطة سفر" بالنسبة الى المليشيات الاسلامية، ليس فقط في شمال افريقيا وانما ايضا بالنسبة الى المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج (الفارسي) الاخرى.
يقول بعض موظفي الاستخبارات الامريكية السابقين ان مساعدة السودان حول العراق لا تعدو ان تكون محدودة القيمة، وذلك جزئيا بسبب ان هذا البلد مسؤول عن جزء بسيط من المقاتلين الاجانب، وهم بشكل رئيس على مستويات دنيا من التمرد.
يقول احد مسؤولي المخابرات الامريكية السابقين، وقد عمل سابقا ببغداد: "لن يكون هناك شخص سوداني قريب من القيادة العليا للقاعدة في العراق. قد يكون هناك بعض المقاتلين ولكنهم ليسوا سوى ذخيرة المدفعية. انهم لا يحظون بالثقة والقدرة على تسلق طريقهم الى اعلى. الاشخاص الذين يقودون القاعدة في العراق هم عراقيون واردنيون وسعوديون".
ولكن آخرون يقولون بان مساهمة السودان اصبحت مهمة لان السودانيين قد اضحوا يحتلون بشكل متكرر مواقع الاسناد في عموم المجتمع العربي، بضمنها التمرد في العراق، مما يعطيهم امكانية الوصول الى سلسلة التحركات والامدادات.
يقول مسؤول سابق اخر في وكالة الاستخبارت الامريكية، وقد كان مشرفا على جمع المعلومات الاستخبارية من العراق: "كل مجموعة بحاجة الى سلاح، وكل مجموعة بحاجة الى مكان للاجتماع. يمكن للسودانيين ان يكونوا مشاركين في سلسلة الاسناد او قنوات التهريب من السعودية او الكويت".
ويقول المسؤول في وزارة الخارجية ان السودان قد "وفر معلومات حيوية كان من شأنها ان تساعد جهودنا في مكافحة الارهاب حول العالم"، لكنه يلاحظ ان هناك صراعا موروثا يشوب هذه العلاقة. ويضيف: "لقد فعلوا اشياء انقذت ارواح امريكيين. لكن الخلاصة انهم يقصفون شعبهم خارج وازو في دارفو. في تعاملنا مع السودان، يبدو انهم يلعبون دائما على كلا الطرفين مقابل الوسط".
تميل وكالة الاستخبارت الامريكية الى مناقشة التعاون مع السودان. يقول باول جيميغليانو، الناطق بلسانها: "لا تلتزم الوكالة، كقاعدة عامة، بالعلاقات مع منظمات الاستخبارت الاجنبية". بينما يقول اوليك، السفير السوداني: "ان تفاصيل ما نقوم به في مكافحة الارهاب غير متوفرة للنقاش". لكنه يلاحظ ان وزارة الخارجية الامريكية "قد قالت علنا اننا مشاركون في مكافحة الارهاب"، وان المساعدة التي يقدمها بلده "لا تقتصر على السودان فقط".
وكانت العلاقات بين الاستخبارات الامريكية والسودان قد قـُطعت في منتصف تسعينات القرن المنصرم. ففي ذلك الوقت كانت السودان تقدم ملجأ آمنا لاسامة بن لادن وقادة القاعدة الاخرين. ولكن العلاقات اعيدت بعد فترة قصيرة من اعتداءات 11 ايلول، حينما اعادت الـ CIA فتح مقرها في الخرطوم.
وقد تركز التعاون في البداية على المعلومات التي يمكن ان يقدمها السودان حول نشاطات القاعدة قبل ان يغادر ابن لادن الى افغانستان عام 1996، بضمنها محاولات القاعدة الحصول على اسلحة كيميائية وبيولوجية ونووية، وحول واجهاتها التجارية العديدة وشركائها هناك.
لكن السودان انتقل منذ ذلك الحين الى ما بعد مشاطرة المعلومات التاريخية عن القاعدة ليشارك في العمليات الجارية لمكافحة الارهاب، مركزا على المناطق التي يبدو فيها ان المساعدة تلقى اكثر تقدير. يقول المسؤول في الاستخبارات الامريكية: "سوف يكون العراق المكان الذي تلعب الاستخبارات فيه اكبر تأثير على امريكا".
في عام 2005 ارسلت الـCIA طائرة نفاثة الى السودان لتقل رئيس مخابرات هذا البلد، الجنرال صلاح عبد الله غوش الى واشنطن لحضور اجتماع عـُقد في مقر الوكالة. لم يعد بعد ذلك غوش الى واشنطن، لكن موظف سابق يقول بان "هناك زيارات تواصلية كل يوم" بين وكالة الاستخبارت الامريكية والمخابرات السودانية.